كاتب الموضوع :
وطن نورة ،،
المنتدى :
الروايات المغلقة
رد: أَحلَامٌ تَأبَى أنْ ’ تَنْطفِئ ،، / بقلمي
أتمنى لكم يوم جميل و قراءة ممتعة مقدما ❤
# الفصل الثاني والعشرون،،
" كُنتُ أَغرَق، فكَيف نجَوتْ؟ "
.
.
.
لا تعرف عذوب ماهو الذنب الذي ارتكبته كي تُعاقب في الدنيا قبل الآخرة هكذا. من لعب في حياتها وعبث بإعداداتها حتى أصبحت آلة معطوبة لا فائدة منها الجميع يضرب فيها رغم يقينهم بأنها لن تعمل؟
ذنبه كبير عند خالقه ذاك الذي أطفأ شغفها بالحياة وتركها تصارع التساؤلات وتبحث في أخطائها وذنوبها عن تفسيرٍ لكل هذا العذاب، ماذا فعلت؟ بماذا أذنبت؟ أي معصيةٍ ارتكبت!! لم تكن هكذا قبلاً، لم تكن جيدة لا تنكر لكنها لم تكن بهذا السوء أبدًا.
تزوجت جوار دون أن يعرف أحد، لا من طرفها الذي لا يوجد فيه أحد غيرها من الأساس ولا حتى من طرفه. التقت به وهي مُعدمة لا أهل لا أقرباء لا أصدقاء لكن حياة جوار اللامعة كانت مليئة بالنجوم ومع ذلك لم يضع في سمائها المظلمة نجمة.
سنتان عاشتها بالسر معه وكأنها خطيئة ستلوث بياض صفحته أمام الناس إن عرفوا بها، قبلت به في لحظة ضعف تخلت فيها الأنثى داخلها عن القوة المزعومة التي كانت تتشبث بها، ضعفت واستسلمت أمام شهامة رجلٍ مثله وعد بأن يضع لها القمر بيد والشمس بالأخرى، وكان نبيلاً بما يكفي ليفي بوعده. أحبتّه ذات يوم وكانت متأكدة من أنه بادلها الشعور بكل صدق، لم يهملها أبدًا، يحرص بأن يردد ما إن يرى نظرة الشك وخشية الفقد تلون وجهها في كل مرةٍ ينهي اتصاله بوالدته والتي تؤكد بأنها ستخطب له وتزوجه في أول إجازة ينزل فيها للبلاد : مستحيل أتخلى عنك، ببقى معك للأبد هذا وعد مني.
أنساها مر الحياة التي عاشتها قبله وكأنها لم تكن لدرجة أنها غير قادرة على نكران حقيقة -رغم أنها تحمل الآن في قلبها عليه نيران كُره لا تطفئها محيطات العالم- أنه هو الذي علمها كيف تحب بجنون، وتطمئن بجنون، زرع الثبات من نظرة واحدة من عينيه تؤكد لها بأنه الاختيار الصحيح حتى باتت لا تكترث للأصوات التي تحذرها منه في عقلها.
متعبة جدًا، منهكة واللهِ منهكة.. لكنها تمضي وفي داخلها تصرخ مئات الأصوات المستهجنة لشعورها بأمانٍ -بالكاد يذكر- لأنها معه الآن، حتى لو كان يذيقها العذاب أشكالاً والوانًا.
أغمضت عينيها وأسندت رأسها على النافذة وهي تشعر بتوهانٍ عظيم، رغم الذي مرّت به كله في سنوات حياتها الماضية إلا أنها لم تشعر يومًا بثقلٍ كثقل الشعور الذي يقع عليها الآن، وكأن جسدها هو الذي يُسحق تحت عجلات السيارة لا الأرض الوعرة.
في طريقهم لمطار الخرطوم الدولي حيث لا تعلم ماهو مصيرها بعد ذلك، نهاية محتمة أم بداية سلسلة من العذابات لا تنتهي.
روحها تُخنق وهي تشعر بيده تعصر معصميها وكأنها ستهرب من
فتحة النافذة الصغيرة والتي فتحها السائق مضطرًا لأن المكيف لايعمل، جالسٌ يلتصق بها رغم أن لا أحد في المقعد الخلفي غيره وغيرها.
تأففت تعبر عن ضيقها ما إن شعرت بأظافره تُغرس في جلدها، تحاول التحرر من قبضته دون جدوى ولم يخفف من قوة ضغطه إلا عندما رفعت رأسها تديره ناحيته بسخط: أوجعتني يامريض.
جوار ببرود وعينه لم تبتعد من الطريق أمامه : اسمعي.
حاولت أن تسحب ذراعيها مجددًا ونجحت هذه المرة وهي تعلم في قرارة نفسها بأنها ليست قوةً منها بل أنه حررها من قبضته متعمدًا، تدلك معصمها بأصابع يدها الأخرى وتقول بحقد وهي تنظر لجانب وجهه: ما أبي اسمع منك شي.
أدار رأسه بشكلٍ مفاجئ لتقع نظرته الباردة بعينيها التي برز لونها فوق لثامها الأسود: لا بتسمعين.. بتسمعين وبتنفذين اللي أقوله لك بالحرف الواحد.
استمرت النظرات لثوانٍ طويلة، معركة باردة انهزمت فيها عذوب وابعدت بصرها عنه ما إن شعرت بأن الدموع تحرق مقلتيها، تنظر من نافذتها للخارج والكُره في نظرته هذه المره بالذات أوجع قلبها بكل ما تحمله كلمة تخبط من ضياع.
زفر جوار، يقول وعينه عادت للطريق الغير معبّد أمامه: حاولي بس مجرد محاولة إنك تسوين حركة ماتعجبني وتلفت عيون اللي حولك وساعتها صدقيني والله ثم والله لا أحقق اللي اتهمتيني فيه وأذبحك قدامهم.
سكتت قليلاً قبل أن تقول ببغض : ماني مسوية شي تطمن. أنا أبي زوالك أتمناه وأحلم فيه ورجعتي معك بتعجل به من غير لا أوصخ يدي حتى.
ضحك جوار بخفوتٍ قبل أن يقول بتهكم: تهديد كبير من ساقطة مثلك.
عذوب بقوة: الساقطة اللي تتكلم عنها طحت عند رجولها عشان ترضى فيك تاخذها.
عقد حاجبيه بخفه، يزم شفتيه لثانية قبل أن يخرج صوته باردًا رغم الحسرة التي خالطته ولم تخفى عليها: كنت شايفك إنسانة ثانية وانخدعت فيك ولا أشوفه نقص بحقي لأني إنسان نظيف مابغيت الحرام يوقّع بيني وبينك.. ما دريت إن ذيك الأيام تمثيل وإني لو جيتك بأي شكل وبأي طريقة بترضين.
نطقت بقهر وأدارت رأسها تنظر له: مو صحيح لا تغالط نفسك، تدري إني أنظف منك وأشرف من مليون واحد مثلك ومارضيت فيك إلا لأنك اخترت الحلال بيني وبينك.
نظر لها، وتبدل البرود في عينيه لشيءٍ آخر : يهودية دمك وصخ والكذب عندك أسهل من شرب الماء.
عذوب بابتسامة تعمدت أن تظهر في عينيها كي تستفزه بها : أخذتني وأنت تدري ماضحكت عليك ولا غشّيتك، مع إني كنت أقدر أجيب لك أي قصة وبتصدقها لأنك كنت جايني على وجهك بس قلت لك الصدق من البداية ولا أخفيت. قلت لك أمي يهودية وإني ربيت في بيت يهود وأروح الكنيس واقرأ التوراة وأحفظه مثل ما أنا حافظة اسمي بس كنت أعرف وش أخذ و وش أترك، وأنت تعرف زين.
جوار بغيظ : صدقتك بسالفة أمك لأني شفت خبثك بعيوني، بس لا تظنين إن نكرانك لأبوك هالخ* مشى علي.
ثم أردف بقوة : وينه؟
ضحكت تهز رأسها : اشتمه مثل ماتبي ماني موقفتك ولاني مكذبتك.
عاد يكرر بذات القوة : وينه؟
عذوب بقهر رغمًا عنها : قلت لك من البداية ما أدري عنه، ماقعد معي إلا سنين من عمري ثم اختفى.
تأملها قليلاً قبل أن يقول بنبرة هازئة : أنتِ عاجبتك اللعبة اللي قاعدة تلعبينها معي؟
عذوب باستنكار حاد : أي لعبة؟
جوار : لعبة الاستغباء وكل شي ما أدري ما أدري ما أدري! ترى أمرر لك بمزاجي لأني لو أبي بعرف شلون أطلّع الكلام منك.
اعتلى الاستخفاف وجهها وهي ترمقه بنظرتها : طيب طلعه.
زم شفتيه وهمس بحرارة وغضب : عذوب أنا ماني جوار القديم لا تتوقعين بتاخذني فيك رأفه، أنا صرت نار تحرق كل شي مايهمها لا أم ولا أب ولا أخ، كيف عاد لا صار اللي قدامها سافلة بنت ستة وستين كلب مثلك؟
عذوب وعلى الرغم من السباب وأفضع الشتائم التي كانت تسمعها منه ليلاً نهارًا في الأشهر الماضية وكان يدمي مسمعها بها إلا أنها هذه المره اغتضات فنطقت بقهر : أنا سافلة؟
ارتفع طرف فمه بسخرية ينطق قذفًا آخر : و* بعد.
عذوب بحقد : الله لا يسامحك.
استوت ملامح وجهه بجمود : الله لا يسامحني إن كان خليت فيك نفَس يابنت ساطي، كل اللي صار قبل ولا شي عذابك توه مابدى حتى.
أبعدت وجهها عنه دون أن ترد عليه خشيةً من أن يلمح انهيارات روحها الوجلة، وعادت تنظر من نافذتها لكل شيء تعبره السيارة وتقع عينها عليه، نظرة ضبابية طمسها الخوف الذي حاولت أن تشتته. فهي مقتنعة بفكرة أن لا شيء هناك لتخسره! وإن كان الموت هو من ينتظرها فأهلاً وسهلاً مرحبًا به!
وقفت السيارة أمام بوابة المطار أخيرًا، ومد جوار يده ليفتح بابها ثم يدفعها من عضدها حتى خرجت من السيارة ويخرج هو خلفها، يشد على ذراعها وكأنه يتمنى سحق عظامها. يسحبها خلفه دون أي اعتراضٍ منها، ليس وكأنه سيسمع لها إن حاولت ذلك.
انتهت الإجراءات بسلاسة واستقرت الطائرة في كبد السماء لمدة ساعتين ونصف من الصمت الثقيل، ومن مطار الخرطوم الدولي إلى مطار القاهرة الدولي، لتحلق الطائرة مجددًا بعد انتظار نصف ساعة في نفس الطائرة كانت عن عمرها كاملاً.
.
.
دخل سلمان بيته مع أبنائه قبيل منتصف الليل بساعة،
ناصر بابتسامة صغيرة مغلقة، حاكم بابتسامة واسعة بشوشة تظهر جميع أسنانه تشعرك لوهلة بأنه يمسك عليك فضيحة وسينفجر ضاحكًا في وجهك بأي لحظة، وفهد بابتسامة تصل لعينيه دون أن يبذل مجهودًا بمد شفتيه حتى، على وجه كل واحدٍ منهم ابتسامة تصف شخصيته بدقّة من المتحفظ إلى المنطلق للذي لا يوجد أبسط منه، لكن ابتسامة سلمان الهادئة كانت الأجمل من بينهم كلهم والتي اتسعت رغمًا عنه ما إن رأى سارة في وجهه بعد أن كانت تنتظر حضورهم بفارغ الصبر،
تبادله الابتسامة بأخرى مثلها وهي ترى زوجها وابناءها رجالاً خلفه يفوقونه طولاً ويتنافسون فيما بينهم مَن الأطول،
تتنقل عينها بشغفٍ أمومي بين ناصر وحاكم وفهد لترحب بضحكة سرور خرجت مع كلماتها بعد أن تقدمهم ناصر ودنى مقبلاً كفها فهو لم يرَها ليومين بسبب ارتباطه في عمله على عكس البقية: ياهلا والله ومسهلا بعزوتي وتاج راسي.
يتفقد ناصر حالها بمودة، لتربت سارة على ذراعه ما إن مال عليها مقبلاً رأسها تجيبه من قلب: دامني أشوفكم ياوجيه السعد فأنا بألف بخير.
حاكم بنبرة ناقدة ممازحة موجهًا حديثه لوالده، بعينٍ لم تفارق وجه والدته المشرق وقد عرف السبب دون الحاجة للسؤال حتى: شدعوة يابو ناصر مافيه صبر أبد؟ على طول دقيت تعلمها!!..
فهد بنبرة مشاكسة: لازم ينحذف الواتساب من جوالك يبه.
حاكم بضحكة مستنكرة: فعلاً لازم، السالفة مامر عليها ساعتين حتى!....
اقترب سلمان من سارة ما إن ابتعد ناصر عنها ليمسك كفها بين أصابعه، يجيب ببساطة دون أن تضيق ابتسامته انشًا ضاربًا بتعليقات الظريفَين عرض الحائط: لا مافيه صبر.
يمشي معها حيث الكنبات في الصالة الجانبيه تاركًا أبناءه خلفه ومتجاهلاً تعليق حاكم الذي قال بمرح وعينه على الكفين المشدودين بينهما: أتوقع صار لازم نمشي ياعيال.
دفعه ناصر من كتفه كي يسكت فهذا النوع من التعليقات لا يعجبه ولا يتناسب مع شخصيته الجديّة خصوصًا أنها موجهه لوالديه، على عكس سلمان الذي ضحك بثقلٍ يتماشى مع سنوات عمره، يهتف بهمسٍ ودود وهو يشد على يدها ويميل برأسه وكأنه لا يريد لأحدٍ أن يسمع رغم أن صوته وصل للمرتصين كالعذال خلفه: هلا بك ياراس مالي ونور عيني.
ثم يردف بنبرة أعلى اتضحت عليها اللهفة: وينها ريم ما أشوفها, قلتي لها؟
هزت رأسها تنفي ولازالت ابتسامتها الواسعة تزين وجهها،
تجلس بجانبه تضع قدمًا على الأخرى بأناقه ليجلس كلاً من ناصر وفهد على اريكتين مختلفتين، فهد أمامها وناصر على الأريكة يمينها، ورغم أنها حاولت تحرير يدها إلا أنه لازال يتشبث بها دون أن يضع اعتبارًا لأبنائه، يلتفت برأسه ناحية السلالم حيث يقف حاكم لينادي بصوتٍ مرتفع : ياريم،
يكرر النداء مرة أخرى وهو متأكد من أن صوته لن يصل لكنه ناداها ثالثةً لغايةٍ في نفسه،
سارة : تلاقيها حاطه السماعات بإذنها الله يصلحها مستحيل تسمعك.
أدخل يده في جيبه يخرج هاتفه: توقعت علمتيها ههه.
سارة بشقاوة تغمز بكلتا عينيها لفهد الذي ضحك لها بمودة: ماقدرت استفرد فيها وقلت أشوفكم أول!
لكنه وقبل أن يضع هاتفه على أذنه، قال حاكم يمنعه وهو يصعد الدرج بسرعة رافعًا ثوبه كي لا يعيق حركته: أنا بطلع أناديها يبه خلني بهبّل فيها شوي.
سلمان بصوت مرتفع : أرفق عليها والله إن اشتكت منك ياويلك.
كانت ريم وقتها تتمدد على سريرها بملل تنقر بابهامها على شاشة هاتفها بشكلٍ سريع لتنتقل من سنابة لأخرى دون أن تسمع أو ترى المحتوى وكأنها مجبورة أن تشاهدها كلها -بلا أي سماعات كما قالت سارة- قبل أن يُقرع الباب ويُفتح دون أن تنطق بالإذن حتى، ترى رأس حاكم يطل عليها دون جسده يقول بلا مقدمات : ريم انزلي تحت أبوي يبيك.
عقدت حاجبيها واعتدلت جالسة بسرعة : خير تدرعم كذا بدون لا أحم ولا دستور افرض اغير ثيابي!!
رفع حاجبًا يهتف بجمود : أقول اخلصي مدري وش أنتِ مهببه!
ريم : وش السالفة؟
حاكم : ما أدري!
ثم يسأل بنظرة وهو يرى تقدمها ناحيته: بتنزلين كذا؟
عقدت حاجبيها بعدم فهم وهي تنظر لبجامتها: ايه؟
لينطق حاكم بإزدراء قبل أن يترك الباب ويبتعد: مشطي شعرك على الأقل بتخرعين الشايب.
تبعته ريم ولم تحرك خصلة أو تأخذ ماقال على محمل الجد ظنًا منها بأنه يمازحها كعادته إلى أن وصلت للصالة ورأت الجميع, والدها، فهد والدتها وحتى ناصر كان متواجدًا رغم أن الوقت يعتبر متأخرًا للزيارة مما جعلها تبرر تلقائيًا بسرعة وهي ترى الأعين مسلطة عليها: والله العظيم ماسويت شي.
سلمان : تعالي جنبي.
اقتربت ونزلت بجسدها ببطئ على أقرب كنبة حيث يجلس فهد: بقعد جنب فهد يبه.
سلمان بابتسامة : افا،، الحين أقولك أبيك جنبي تقولين بقعد جنب فهد؟..
ثم أردف بنبرة مشاكسة : ترى مابيبقى لك إلا أنا فهد شوي ويروح لحرمته شوفيه ماهو قادر يقعد على بعضه دقيقتين.
ضحك فهد بخفّة وإحراج: أقول لا تخليني أمسي ذا الليلة هنا يبه!
ارتفع حاجبي سلمان باستمتاع، ينطق بتحدي: ماهقيت تقدر وأنا أبوك مير اترك الهياط عنك!
ثم عاد يربت على المكان بجانبه بابتسامة: تعالي ياريم باخذ رايك بسالفة.
نقلت بصرها بين الموجودين حائرة مرتبكة، هدوء ناصر وارتخاؤه براحة في جلسته يمد ذراعه على طول حد الأريكة، ابتسامة حاكم الواسعة والذي أخذ مكانه بجانبه، نواعس والدتها المتلألئة، الطمأنينة المنبعثة من يد فهد الدافئة رغم برودة الجو والتي بدأت تدلك رقبتها، وأخيرًا نظرة والدها الحانية والتي طمأنتها رغم أن وجود الجميع لازال يوترها، تحركت من مكانها وجلست بجانبه، تضغط على أصابعها بارتباك ونظرها مثبت حيث قدميها التي لفتها على بعضها كوسيلة الهاء خرجت عفوية.
وضع سلمان كفه على رأسها يهتف بحنو ما إن انتبه لحركتها: عبدالله ولد عمك علي خطبك.
يتابع حاكم بعده بسرعة : وحنا وافقنا عليه.
رفعت رأسها تنظر له بعدم استيعاب: طيب بسم الله على طول كذا بدون مقدمات!! أعطوني فرصة أخذ نفس بعد الخرشة على الأقل.
حاكم بعجل: مايمدي.
ضحكت بقوة وإلى الآن لم تأخذ الموضوع بشكلٍ جدّي: أجل أنتم أرسلوا عفشي وراي.
على عكس سلمان الذي نطق بهدوء مبينًا عدم مزاحه خصوصًا في موضوعٍ كهذا: يعني موافقة؟
ارتخت ملامحها بصدمة، وأدارت عينها ناحيته: لحظة ستوب أنت تتكلم جد؟
سلمان وقد ارتفع طرف فمه بابتسامة: هاه أجل؟... كبرك أنا يوم استهبل معك!
تلعثمت وتشوش عقلها لثانية: ما أقصد الله يسلمك بس على طول موافقة؟
ثم أردفت بضحكة مرتبكة: وين الحركات والبركات اللي اسمعها طيب؟
عقد حاجبيه بعدم فهم: أي حركات؟
ريم بذات الضحكة وهي توكز جانب والدها بكوعها بميانة: إن البنت تتوتر وتنحاش من طريق أبوها وأخوانها لأنها مستحية!
ناصر بابتسامة: والله الظاهر حن اللي بنستحي وننحاش من طريقك ماهو العكس.
نظرت له وتبسمت باستخفاف دون أن تحاول أن تخفي استثقالها لظرافته، ولولا ارتباكها في هذه اللحظة لما خرج هذا القول من فمها خصوصًا مع ناصر فهي تضع بالاعتبار أنه أكبر أخوتها وله احترامه الخاص وشخصيته ليست كحاكم التي تتقبل أي شيء بدون إحساس أو حتى فهد: تكفى ناصر لا عاد تنكت.
رفع ناصر حاجبيه والضيق يغزو حدقتيه، ولم يلاحظ ذلك إلا فهد الذي رمش بعينيه وهو ينتبه لاستيائه وابتسامته التي تلاشت بسرعة: وش فيك ريم قاعدين نمزح معك!
ريم بإندفاع وإحراج: والله إني قلته الله يقلعك يا حاكم.
قهقه حاكم عاليًا بعد أن سمع نبرتها الحادة: يَه وأنا وش دخلني؟
سلمان: اتركي حاكم وناصر عنك وعلميني، وش رايك فيه؟
نظرت لوالدتها تستنجد بعينيها بعد أن أصبح الموضوع مشربكًا في عقالها، فقالت سارة ضاحكة بسعادة: يمه بنيتي حبيبتي لعبتوا بعقلها.
حاكم بتهكم مشيرًا بيده بنقم: ليه وهو فيه عقل بذا الراس يمه؟
أتاها الإنصاف من والدها حبيب قلبها وروحها وأعدل خلق الله في أرضه، يقول بود مربتًا على ظهرها: أقول عاد ابلع العافية أنت وياه ولايكثر، والله إن ريم أم العقل والثقل والزين وعبدالله مابيلقى مثلها لو لف الكون كله.
ثم أردف وهو ينظر لوجهها الذي اشتعل فيبدو أن الجميع كان جادًا ماعداها: أبي أسمع جوابك بكرة.
عقد فهد حاجبيه باعتراض: ليه مستعجل يبه خلها تفكر على راحتها.
سلمان وعينه لم تفارق وجهها: ليه، تقول شي في عبدالله يافهد؟
فهد بدون تفكير: لا والله رجّال ونعم فيه ولا هو بحاجة لشهادتي أبو علي، بس خلها تاخذ وقتها عرس ذا العجلة ماهي زينة!
سلمان : مايحتاج عبدالله ولدي وأعرف وش هو عليه، يوم يكفي ولا ياريم؟
اومأت برأسها وهي تخفضه، تهتف بهمسٍ خجول بدَا غريبًا على الجميع حتى نفسها: اللي تشوفه يبه.
اتسعت ابتسامته: الله يرضى عليك.
انسحبت ريم من المكان بعد دقائق وقد لاحظ الجميع خجلها وسكونها لدرجة الرحمة والاعفاء من التعليقات المحرجة التي لابد أن تقال خصوصاً في موضوع كهذا،
يقف ناصر بعد ربع ساعة من الأحاديث الهادئة البهيجة والتي انعكس عليها خبر الخطبة بوضوح : يلا أنا ماشي تمسّون على خير.
رفع حاكم بصره له: أقعد يارجّال بنسمر بخليهم يسوون لنا برّاد شاهي من زمان ماسهرنا مع بعض. وفيه فلم توه نازل يمدحونه العيال.
سأل : فلم وش؟
حاكم : فلم حلو بيعجبك.
رفع ناصر حاجبه بابتسامة : وش قصته طيب أعرف جوك بالأفلام, مخيس ولا يعجبني!
غمز حاكم يمازحه: داري ماتجوز لك القصص الرومنسية اللي كلها حب وسلام.
ضحك ناصر : إيه تاركها لك يالدايخ!
حاكم : فلم مسدسات ودمّان على جوّك بالضبط ياوحش.
قالها ضاحكًا بخفه مما جعل ناصر يوافق خصوصًا وأن الغد هو يوم الجمعة ولا ارتباطات تجبره للعودة والنوم باكرًا.
خرج حاكم وناصر للمجلس الخارجي، وذهبت سارة لإعداد إبريق الشاي الذي طلبه حاكم بطريقة غير مباشرة،
ليبقى فهد بالصالة بعد أن قال له حاكم بتملق قبل خروجه: فهودي عليك الشاهي جيبه معك وأنت جاي.
ينتظر براحةٍ على أريكته يكتب لغادة يخبرها بأنه سيتأخر الليلة مع إخوته،
يصله صوت والده قبل أن يصعد السلالم: لا تطولون بالسهر بكرة وراكم صلاة جمعة!
فهد بهدوء : أبشر أبوي.
سلمان وعينه عليه : ولا تنامون عن صلاة الفجر.
فهد وعينه لم تبتعد عن الحروف التي يكتبها: إن شاءالله.
ينتظر دقائق إضافية قبل أن يعتدل واقفًا يضع هاتفه في جيبه العلوي ما إن رأى سارة تأتي ناحيته، تمد له الصينية بابتسامة ليأخذها وهو يقبل جبينها بلطف: ياجعل النار ماتمس هاليدين.. أتعبناك!
سارة بمودة : بالعافية حبايبي.
ثم أردفت وقد تبدلت نبرتها بتحذير: لا تحوسون المجلس وانتبه توصخون أنت وياه توني مغسلة السجادة أنا والعاملة ماصار لها يومين تقطّعت يدي.
خرج فهد واتجه بخطى هادئة ناحية المجلس الخارجي متوسط الحجم والمبني في فناء المنزل، هواء الليل العليل يصطدم بوجهه ببرودة منعشة، وما إن وصل حتى وترك نعليه خلفه عند الباب قبل أن يدخل، ليتفاجأ بناصر لوحده ولا أثر للآخر، يتمدد على ظهره ساندًا رأسه على المسند بسرواله الأبيض الطويل وفانيلته وثوبه ملقى أرضًا في الجهه الأخرى من المجلس،
ابتلع ريقه بارتباك لا إراديًا، وسأل : وين راح حاكم؟
ناصر بهدوء وجهاز التحكم عن بعد بيده، يبحث عن اسم الفيلم الذي طلب منه حاكم أن يبحث عنه ريثما يعود، عينه مثبته على الشاشة أمامه دون أن يبعدها: راح يجيب فصفص من بيته.
جلس فهد بعيدًا يضع الصينية أمامه : توه؟
ناصر بذات الهدوء : مم.
ثم يردف : ملعقة بس،
عقد فهد حاجبيه بخفه وشرود وعينه على الباب بترقب: هاه؟
ناصر باختصار : السكر.
سكب له فهد فنجانًا بملعقة سكر وتقدم بجسده يضعه بجانبه، يزفر نفسًا عميقًا براحة وهو يعود جالسًا ولم يعرف بأنه كان يحبسه إلا عندما دخل حاكم مستبدلاً ثوبه بشورت حد ركبته وكنزة بأكمام طويلة تقيه من البرد وليصفق البرد سيقانه كما يشاء، بثلاثة أكياس حَب مصري من الحجم الكبير، رمى واحدًا باتجاه فهد الذي تلقفه في اللحظة الأخيرة قبل أن يقع وآخرًا باتجاه ناصر تحديدًا على بطنه لكنه أخطأ تقدير الهدف وضرب الكيس بطرف الفنجان ليميل ويُسكب كل مافيه على السجاد الفاتح.
شهق حاكم تلقائيًا بعينين اتسعت بورطة وهو يرى الامتداد الأحمر الذي أحدثه الشاي بينما اعتدل ناصر جالسًا بسرعة يرفع الفنجان بعد فوات الأوان: وش سويت ياحمار!
ضحك فهد ببلادة -الضحكة الباردة التي تخرج أثناء أي حدث كارثي- رغماً عنه : ياويلك من أمي توها مغسلتها.
اقترب حاكم بسرعة وهو يعرف أن والدته ستقيم الدنيا ولا تقعدها فكل شيء دون اثاثها هيّن، ينحني جالسًا على ركبتيه ويحاول مسح السجاد التركي بطرف قميصه لكن بدون جدوى فالصوف الثقيل الذي يرتديه لم يفعل شيئًا إلا أنه زاد الطين بله وبدأ بنشر الشاي في كل اتجاه عوضًا عن امتصاصه، ليقول بعينين متسعة وهو يرى الرقعة التي اتسعت: فهد أفصخ ثوبك وهاته.
فهد : وش تبي فيه؟
قالها رغم أنه بدأ بفتح أزراره، ليهتف حاكم يستعجله: اخلص علي تحقيق هو.
ثم يسحب طرف سروال ناصر بيده الأخرى عله يمسح شيئًا: وأنت تحرك سو شي عطني سروالك.
ضحك ناصر بهلع وهو يتشبث به من الأعلى: اترك سروالي بتفصخني ياورع!
خلع فهد ثوبه الأسود والقاه قريبًا من ركبة ناصر، والذي أخذه ورماه في وجه حاكم أمامه لازال يضحك: خذ امسح ياهطف!
حرر حاكم طرف بلوزته التي أخذت لونًا برتقاليًا بسيطًا، وبدأ بدعك الأرضية بالثوب بقوة متحلطمًا بانفعال: صاحيين أنتم مَن يحط سجاد بيج في مجلس رجَال؟؟ وش هالذوق!!!
ناصر باستمتاع : أقول افركه وأنت ساكت.
تأفف بعد ثوانٍ وهو يلقي الثوب بيأس على البقعة التي خف لونها لكنها لم تختفي: يدي اوجعتني ولا فيه فايدة... خلاص حط المخدة عليها بكرة أخلي الجادل تفرك أمها لين يروح.
فهد بضحكة : تستهبل!! أمي بتشوفه قبل لا تصحى أنت وياها حتى.
تسحّب وجلس بجانب ناصر بمسافةٍ بسيطة، يضع مسندًا خلف ظهره ويتكئ عليه وهو يحرك كفه بألم: خلاص أتركه ياخوي في وجهي!.. روق المنقّا وصب لي فنجال بس.
ثم نظر لناصر الذي كوّر ثوب فهد و وضعه جانبًا بعد أن غطّى مسرح الجريمة بوسادة مربعة: وأنت شغل الفلم خلنا نخلص سرى الليل أبو من يجمعكم عنده مرة ثانية.
.
بينما في ذات الوقت وفي منزل علي بن ناصر،
دخل عبدالله المقلط ليجد شقيقه سعد يجلس أمام التلفاز،
كتبه متناثرة حوله في كل مكان بعد أن حاول أن يعطي نفسه فرصة ويقرأ له كلمتين لكن صبره نفذ قبل أن يقلب الصفحةَ حتى, ينتهي به المطاف يلتقط يد البلايستيشن ويلعب -اون لاين- أحد الألعاب الحربية المعروفة والتي تعتمد على الأكشن وإطلاق النار بإسراف، يمدد أقدامه أمامه ويضع ساقًا على الأخرى، سماعته بإذنه ويتحدث مع من يلعب معهم بحماس لدرجة أنه لم يلتفت لدخول شقيقه.
جلس عبدالله خلفه بصمت يتابعه بإندماج واستمر كذلك إلى أن سأل سعد وهو يغلق مايكرفون سماعته: أقول عبدالله تعرف لي مدرس رياضيات شاطر الدكتور راسل أسئلة أبيه يحلها.
عبدالله بمزاج رائق: حبيبي أنا لو فيني خير كان ماشفت تخصصي جغرافيا وخرايط.
ضحك بقوة : يقلع أبوها حاله الفشل متفشّي بهالعايلة حتى البنت تخصصها نعال.
قالها قاصدًا بذلك لولوة وتخصصها الجامعي 'مكتبات' ، عرّة التخصصات الجامعية كلها.
عبدالله بعد ثانية صمت وكأنه تذكر: كلّم فهد أذكره دافور هب ياوجهه تخرّج من الجامعة بامتياز مع مرتبة الشرف، مو أنا تخرجت ما أبي إلا الستر.
عاد يضحك، يهز رأسه لازال على وضعه يعطيه ظهره وعينه على الشاشة: برسل له أشوف.
نطق عبدالله بعد صمت طويل: طيب هيه سعيدان بقولك..
سعد : هاه!
: تراي خطبت.
هتف سعد على مضض المهم أن يسكت فإن فتح فمه وش يسكته؟ : مبروك.
عبدالله بتهكم : لا تعبت يالغالي!
ضحك وقال مشاكسًا : لاندمت، مَن هي سعيدة الحظ؟
ارتفعت حدود فم عبدالله بابتسامة هادئة: ريم بنت عمي سلمان.
اتسعت عينا سعد لثانية وهو يشعر بصدمة حقيقية تنزل عليه تزلزل أركانه وتقرع الطبول بين أضلعه، يضغط على اليد بقوة ودون شعور حتى أحس بأنه سيسحقها بين أصابعه، ورغم صراخ انتصار أحدهم في أذنه بعد أن هزمه واستطاع قتله إلا أنه هتف بهدوءٍ مميت: طلعت ناويها ياتعبان ههه!!
عبدالله والابتسامة اتسعت حتى أخذت نصف وجهه: لا والله ماكانت على البال ولا الخاطر بس قلت حق لولو تدور لي عروس.
سعد : الله لا يعطيها عافية.
تلاشت الابتسامة من على وجه عبدالله وسأل بحاجبين معقودين باستنكار: سلامات؟
تدارك سعد نفسه وقال بضحكة مرتبكة: بتوهق البنت المسكينة فيك.
ارتخت ملامح عبدالله، وقال والابتسامة تجد طريقها على وجهه مجددًا: المهم دعواتك باقي أنتظر ردها ولو إن عمي سلمان وافق.
ابتلع ريقه وبدأ لعبة جديدة وهو يمرر لسانه على شفتّه السفلى بقهر: سهالات إن شاءالله.
عبدالله بتهكم : طعس أنت!! إدع زين وجع.
ضحك سعد ببؤس، يشعر بالخيانة رغم أنها مشاعر من طرفٍ واحد، لا يعرف كيف تكونت لكنه متأكد متى، قبل سنة ونصف عندما كان ينزل الدرج وهي تصعده مطأطأة الرأس ببطء وشيءٍ من الشرود، بعباءتها، وحجابها يغطي شعرها إلا أن نقابها في يدها بعد أن قالت لها لولوة أن تصعد للأعلى مباشرةً إن وصلت فلا أحد في المنزل غيرها، ولم تكن تدري عن وجود سعد.
توقفت خطواته لا إراديًا وهو يرى طيف امرأة يقترب منه، ورفعت هي عينها ما إن شعرت بالنظرات المتلصصة تخترقها، يرتفع حاجبها ببرودٍ متفاجئ ما إن رأت ابتسامته التي ارتسمت بشكلٍ غير لائق وقد عرفها فورًا من الشبه الواضح بينها وبين عمه. تفّرس ملامحها بجراءة، وتوقع كل شيءٍ منها إلا أن تعبره وتتابع صعودها البطيء بثبات وكأنها لا تراه أو تضع له اعتباراً من الأساس فهي تعرف سلوكياته الغير مسؤولة ولم تستغرب تصرفاً وقحًا كهذا منه. ومن تلك المرة وحتى الثواني القليلة الماضية قبل أن يخطبها أخوه والحاجب الذي ارتفع بإزدراء والشامة التي تعتليه يشرقّان بقلبه ويغربّان.
سعد متأكد من أن ريم لا تدري عن هواء داره، بل يمكن أنها تكرهه ولا تطيقه من الانتقادات التي تسمعها عنه من هنا وهناك إلاّ أنّ خبرًا كهذا سبّب شرخًا في داخله بطريقةٍ لم تعجبه بالمرّة،
ريم كانت هاجسًا لطيفًا يسلّي خاطره كلما مر في باله، يستمتع باستراق أخبارها ما إن يُذكر اسمها وهو يظهر عدم المبالاة رغم أن جلوسه مع من يتحدثون عنها كان لتلك الغاية. لكنه انتهى قبل أن يرى النور حتى. انتهى الآن وللأبد وكأنه لم يكن حتى!
ضحك ضحكة أخرى فيها من السخرية الكثير، يشفق على حاله وآماله التي ياليتها تواجدت في أمور حياتيه أخرى.
هو متأكد من أنها ستكون من نصيب عبدالله فشقيقه لايُعاب ولن تجد أفضل منه.
ينتقد نفسه على الانجراف الغير منطقي هذا فغير أنها تكبره بسنه، هو طائش مستهتر نام في التخشيبه أكثر من نومه على سريره، فاشل دراسيًا بالموت تخرّج من الثانوية، وبالكاد لقى قبولاً بواسطة في أحد الكليات بشهادة دبلوم يبدو أنه بالموت سيحصل عليها فهو لازال يعك بالسنة الأولى غير قادر على اجتيازها.
تمتم بضيق لكن بصدق: موفّق عبود تستاهل الخير والله.
.
.
انقضى نصف الفيلم بصمت إلا من بعض التعليقات الباردة من وقت لآخر،
لازالوا كما كانوا قبل ساعة،
حاكم يسند ظهره على المسند ويشبك كفيه خلف رأسه ممددًا قدميه، شارد الذهن لا يُخرجه من شروده إلا الأصوات العالية إما بسبب ضرب بمؤثرات صوتية مبالغ بها أو طلقات رصاص أو حتى صراخ ثم يعاود الشرود مجددًا بعد انتهاء المشهد، تفكيره يبتعد ويعود لنفس النقطة، حياته والجادل والمهزلة التي بدأها ويجب أن ينهيها قبل أن تنهيه.
ناصر المتمدد بظهرٍ يلامس الأرض ورأسٍ يرتفع عنها مقدار مسند، يغفى عن لقطة ويتوعى بأخرى، -يفصفص- وينظر للتلفاز المعلق بالجدار بخدر وعقلٍ يحاول ربط الأحداث التي فوّت نصفها، أما فهد الذي كان خلفهم جميعًا في آخر المجلس، يستند بكوعه بشكلٍ متراخي رغم التحفز الذي يصيبه لا إرادياً في حضرة ناصر، حتى وإن كان صامتًا لايوجه له حديثًا كما الآن. عينٌ تقع مرةً على التلفاز ومرة على شقيقه حتى أنارت شاشة هاتفه الموجود على الأرض أمامه ليرفعه ويقرأ الإشعارات التي ظهرت على الشاشة بسرعة وراء بعضها من سعد ابن عمه،
(هلا فهد علوم أخبار؟)
(فاظي؟)
(تكفا طالبك لو فاظي افزع لولد عمك ي ذيبان)
(عندي اسئلت رياظيات وابيك تحلها)
ضحك فهد بذهول من كمية الأخطاء الإملائية المرعبة وفتح المحادثة في نفس الوقت الذي أرسل فيه سعد صورة، فتحها لتظهر له الورقة التي يقصدها بمسائل رياضية تحت بعضها، يرفعها سعد بيده متجاهلاً ظله الذي انعكس عليها قبل أن يلتقط الصورة.
ارسل له بعد دقائق من تأملها (ياولد صورها زين ما أشوف إلا أصابعك)
أرفق سعد صورةً أخرى وما إن فتحها فهد حتى ووجد أنها نفسها إلا أن سعد خربش على أصابعه مستعملاً لونًا فيروزيًا بالخطاط المتوفر في برنامج المحادثات.
ضحك بقوة رغمًا عنه واتصل عليه وهو يرى نظرات ناصر وحاكم المستنكرة ناحيته، وقبل أن يبرر فتح سعد الخط لينطق عوضًا عن ذلك ولازالت الضحكة بصوته: تستهبل على راسي أنت؟
سعد بمرح: ليه ابن عمي؟ ليكون مشغول!..
ثم يردف بنبرة وضحكة ذات مغزى: أخافك نايم بس.
يجيبه فهد بود وبنبرة ساخرة : لا فاظي ههه.
سعد بابتسامة وضحت بصوته : آسف والله على الإزعاج أدري الوقت متأخر بس تكفى ساعدني.
فهد بمودة : مافيها إزعاج وأبشر...
يقاطعه سعد بتبرير : ترى كنت برسلها لذيب بس قلت ياولد إلا التكتّور فك عمرك منه بيذل أهلك شايف نفسه من غير شي وبيرفع خشمه عليك زود وهو آخرته سستر بمستشفى خاص.
ضحك فهد، وسأل رغم أنه نوعًا ما يعرف الإجابة: طيب بالله عليك أنت حاولت تحلها؟
سعد ببلادة : الصدق لأ ولا حتى قريتها!
نطق ببرود وهو يعقد حاجبيه بخفه: والله إني داري!
سعد بحيلٍ ضيّق : وش أسوي ياخي أكره الدراسة.
فهد بعدم رضا : ومَن فينا يطيقها بس نضغط على نفسنا ياخي، أضغط على نفسك شوي مابتموت مستقبلك ذا ياسعد.
سعد بتأفف: أوعدك أضغط المرة الجاية بس تكفى ضبطني المره ذي الدكتور يبي الأجوبة بعد بكرة وعليها نص درجات أعمال السنة وأنا من غير شي عارف إني ببدّع بالنهائي.
ثم أردف بنبرة درامية: يرحم أهلك فهيدان أبي أتخرج خلاص خللت بالكلية الخايسة ذي اللي بعمري قده موظف ورى مكتبه وأنا للحين أطامر وسط وراعين التحضيري.
فهد وبالرغم من أن اتكالية واستهتار سعد وإهماله لا يعجبه: خلاص ازهل.
سعد: أكيد إعتمد؟
فهد على مضض: إعتمد ماعليك بس ذي آخر مرة ترى.
وصله صوت سعد خفيفًا وكأن همًا وقع من على أكتافه: آخر مرة آخر مرة، جعلني قبلك ياشيخ والله لو عدّيت المادة ذي لا أعزمك على حلى يحبه قلبك تاكل أصابعك اللي كنها ورق عنب وراه بس دعواتك أنجح.
أغلق منه فهد، يجيب بهدوءٍ على حاكم الذي سأل : وش عنده سعد؟
ويعيد هاتفه أرضًا يكمل الفيلم بملل.
وقف حاكم بعد مده، وتعذّر بذهابه لدورة المياة ليخرج متعمدًا ويغرق المجلس بالصمت بعد أن أوقف ناصر الفيلم لحين عودته.
توتر فهد كان واصلاً مليون غير قادر على الجلوس في هذا الهدوء الذي كان يسحق أعصابه ولا يقدر على الخروج فجأة وترك ناصر.
العلاقة بينه وبين ناصر تعتبر شبه مقطوعة طيلة السنوات الماضية التي عاد فيها فهد، كفهد! تشوبها الكثير من العقد والنظرات الناقمة الغير مفهومة من ناصر والتي يضطر صاحبها في أحيانٍ كثيرة بأن يضغط على نفسه للسلام عليه في وجود أهله حتى لا يسمع توبيخًا من هنا أو هناك، سلامًا باردًا لكنه كان يكفي فهد المتفهم فهذه شخصية ناصر وقناعاته الخاصة وهو على قناعة تامة بأنه الوحيد الذي يفعل الأشياء الصحيحة وأنه الوحيد الذي يفهم مايدور حوله.
لم يؤذه ناصر جسديًا قط، ولكن أذاه النفسي كان أشد وطأةً عليه والعلاقة المشوهة بينهما كانت تؤلم أكثر من ألف طعنه!
أخذ ناصر نفسًا عميقًا لم يطلقه، يحبسه في صدره وهو يرمق فهد بطرف عينه بعد أن اعتدل جالسًا لازال يفصفص، جزءٌ من قلبه تعِب من كل هذا الصد انهكه الحنين والجزء الآخر لازال يعاند لازال تحت تأثير الصدمة لازال غير مصدق مكذّب لما حصل وكأن فهد مسخ خارج عن الفطرة اختار هذه الحياة برغبته لأن الأولى التي عاش فيها ثمانية عشر سنة بخير لم تعجبه!
كان يشعر بارتباكه من تصلبه في جلوسه رغم الإسترخاء البادي في ميلانه، من نظرته التي تلتصق بالأرض، من طريقة زمه لشفتيه بتحفّز وكأنه ينتظر أي كلمة سيئة منه.
لكن ناصر قال بهدوء، بنبرة حاول أن تكون اعتيادية وهو يرفع هاتفه بيد ويضغط على شاشته بشكلٍ عشوائي وكأنه مندمج به المهم لا ينظر ناحيته: كيف أمورك يافهد؟ بشّر عساها ماشيه؟
رفع فهد عينه بسرعة ينظر له، بعقدة حاجبين طفيفة ولم يفهم المقصد الحقيقي من سؤاله إلا أنه قال على كل حال: الحمدلله.
ثم استطرد بشكلٍ ركيك بعد ثانيتين سكوت ما إن استوعب أن ناصر كان يحاول خلق حوار بينهما: وش أخبار سلمان مبطي عنه؟
أبتسم لازال على وضعه: أبد ماعليه، موذي الله يصلحه وهو توه مافقس من البيضة فالق راس ولد خاله ولا وقف الدم إلا ثلاث غرز.
تبسم بمودة : الله يحفظه.
ناصر بنظرةٍ وابتسامته اتسعت بوضوح: يذكرني بواحد الله يستر عليه ضاع عمري وأنا أفكه من يدين عيال الجيران.
ضحك مذهولاً بقوة : ماعمري طشّرت دم أحد!
أدار ناصر رأسه ناحيته، والتقت نظرته كاملةً به أخيراً، يقول بنبرة : نسينا طارق شكلنا!
ثم أردف بسرعة : تدري إني شفته الشهر اللي فات؟
فهد بدون تركيز وقلبه يكاد يخرج من محله فالسعادة هذه أكبر منه: مَن هو؟
ناصر: طارق، كنت معزوم عند واحد وتواجهنا أنا وياه لو تشوفه ماتعرفه! طاق لك ابتسامة هوليود ولابس طقم مدري وشلون قايل وثلاث جوالات بيده رصهم قدامه يوم قعد،
ثم أردف ضاحكًا بدهشة: ماعاد هو الطعس أبو ثوب أصفر وخشّة مشهبه، صار من مشاهير السناب.
عاد فهد يضحك : مهايطي من يومه والبلا أنه على الفاضي.
ناصر بابتسامة واسعة وهو يصرف بصره عنه: أعرفه أبو خشته مايحتاج.
يعم الصمت لدقائق حاول فهد فيها أن يفتح فمه ويأتي بأي شيء عل هذا الحوار يطول لكنه لم يجد، ليكتفي بما قيل سابقًا ويعتبرها بداية جيدة بعد إحدى عشر عامًا من الكلمات القليلة تسعة وتسعون بالمئة منها جارح!
اتجه ناصر ناحية ثوبه ما إن عاد حاكم على وجهه ابتسامة قلقه نوعًا ما وهو يتفحص المكان بنظراته وكأنه يبحث عن اصبع مقطوع هنا أو بقعة دماء هناك، يقول وقد لاحظ عليه ذلك: خلاص يا شباب أنا بمشي.
نطق حاكم بتنهيدة بعد أن جلس مكانه وقد تأكد أن الرياح لم تجري كما تشتهي سفينته: وين يبو؟ بدري..
ليقول ناصر وهو يرتدي ثوبه: بدري من عمرك معاد إلا خير بيأذن الفجر.
حاكم بنبرة: بيأذن الفجر ولا جاك مسج من أم سلمان؟
ثم استقام بجلوسه يشير بسبابته للأسفل مهددًا ومغيرًّا نبرته: ترجع حالاً ولا دور لك مكان ثاني تنام فيه.
حذف ناصر عليه مفاتيحه بعد أن اخرجها من جيبه: انشغل بنفسك أحسن لك.
ضحك حاكم وهو يأخذ وضعية الدفاع بجسده يبعد وجهه ويرفع ذراعيه أمامه كي لا يصله شيء: عادي يخوي إذا كنت تحت التهديد ارمش ثلاث مرات وبنساعدك.
نظر ناصر لفهد وضحك بقل حيلة -وتوقف قلب فهد حرفيًا-: بذبحه ذا!
حاكم بابتسامة مشاكسة وهو يشبك كفيه خلف رأسه: حتوحشنا.
ناصر : أقول هات المفتاح لا أطلع عينك به.
حرر حاكم يدًا للمفتاح الذي وقع قريبًا منه ورماه ناحيته ليتلقفه الآخر ببراعه: بنشوفك على الغدا بكرة؟
ناصر بابتسامة جانبيه ومزاج عالي: يعتمد إذا ماكنت مطّلع المدام أراضيها!
ضحك فهد يشاركه حاكم الذي هتف غامزًا : أسد... تعجبني!
رفع ناصر يده بوداعٍ صامت قبل أن يخرج لازالت ابتسامته تجمل وجهه.
التفت حاكم بسرعة ناحية فهد ما إن سمع صوت باب الشارع يغلق، يسأل بحماس: وش صار؟
فهد بهدوء: ماصار شي.
عقد حاجبيه بضيق: قال لك شي؟
شد فهد على شفتيه محاولاً أن يمنع ابتسامته من أن تتسع لكنه فشل بجدارة، بل أن ضحكة خافته خرجت مع كلماته: لا قعدنا نتكلم،، عادي!
حاكم بذهول وعدم تصديق إلا أن عينَا فهد أسكتت كل شكوكه: عادي عادي؟!!!
ثم يتابع ما إن أومأ فهد برأسه: توقعت أجي القاكم متلاقطين بس أشوى.
فهد بزفرة: اسكت أقسم بالله ضغط نفسي رهيب كنت متوتر وعلى أعصابي أكثر من يوم سويت مقابلة الوظيفة!
ثم مسح راحة يده على الأرض: ياشيخ حتى يدي عرّقت.
ضحك حاكم ببهجة: شدعوة!! ترى نصور حبيّب بس حيوان شوي.
تبسم فهد حتى ملأت الابتسامة وجهه، يهتف بمودة ونبرة حب صافية: أدري به أخذني موته،، تعلمني فيه!
عاد فهد لبيته، وبقى حاكم لوحده مع نفسه حتى دخل وقت الفجر وارتفع صوت الأذان. ليستوعب عندما همّ بإغلاق التلفاز أنهم لم يشاهدوا نهاية الفيلم، بل أنهم لم يكترثوا به حتى، فكما يبدو كان عذرًا تعذّروا به ليجتمعوا معًا!
فتح باب شقته ليجد الأنوار كلها مغلقة إلا من نور المطبخ، يأخذ طريقة بخطى هادئة لغرفته بأملٍ بسيط في نفسه أن تكون الجادل مستيقظة تنتظره، لكن الأمل تبدد سريعًا ما إن رآها تتدثر نائمةً تحت الأغطية.
خرج من دورة المياة بعد أن توضأ، وترك بابها مفتوحًا على مصراعيه لتتسلل الإضاءة وتنير الغرفة المظلمة.
يهتف باسمها بصوتٍ مرتفع، أكثر من مره وهو يظهر انشغاله بالبحث بين ثيابه عن شيءٍ غير المتسخ الذي يرتديه.
يقول ببراءة ما إن وصله صوتها يتضح عليه الإستياء: صلاة.
ثم يدير رأسه ناحيتها ما إن وصلته حلطمتها: مصحيني عشان كذا!
حاكم باستهجان: الصلاة خير من النوم يابنت قومي صلي!
دفنت رأسها بالوسادة بنبرة مثقلة : ما أصلي!
سكت قبل أن يعاود البحث في دولابه بتشتت لا يعرف عما يبحث بالضبط، لينتهي به المطاف يرتدي ثوبه الذي خلعه باكرًا، يقول بنبرة عالية وهو يغلق أزراره : الجادل.
الجادل بحدة بعد أن نغّص عليها نومها: نعم!!
ضحك بورطة فلم يتوقع ردها سريعًا هكذا، فسأل بدون تفكير أول شيء تبادر لذهنه: يروح الشاهي من الثياب؟
سكتت لثانية قبل أن تقول بسكون: ايه يروح، كل شي يروح.
حاكم : طيب قومي شوفي بلوزتي بالله أخاف بقعة عميقة.
ضحكت رغمًا عنها بيأس وهي تحتضن طرف الغطاء لازالت مغمضةً عينيها وتجيب بثقل وهي تشعر بالنوم يسيطر عليها مجددًا: حتى. لو. عميقة.
ابتسم : طيب يروح من السجاد؟
:مم.
حاكم : طيب بصلي وأرجع أسوي لي فطور تبين أحسبك معي؟
انتظمت أنفاسها وبصوتٍ بالكاد يسمع: مم.
اكتفى بذلك كإجابة وخرج للمسجد بسرعة ما إن كبر الإمام.
كانت الجادل نائمة حتى سمعت صوت تكسير من مكانٍ ما، انقلبت على جنبها الآخر وظنت أنه صوتٌ تسلل من حلمها إلا أن رائحة الحريق أكدت لها أن ذلك واقع وأن حاكم يحوس في المطبخ وإن لم تتدخل عاجلاً فإنه سيدمر مملكتها الصغيرة .
دخلت المطبخ بعد أن غسلت وجهها، تلف شعرها أعلى رأسها: وش قاعد تسوي ممكن أفهم!
التفت من أمام المغسلة حيث كان يضع يده تحت الماء البارد عل تدفق الدم من جرحه يتوقف، وأشرق وجهه بابتسامة واسعة لم تلحظها إذ أنها ركضت ناحية الفرن ترفع إبريق الشاي الذي فار مافيه وسُكب منه.
حاكم بهدوء : مابعد اخلص ارجعي نامي.
عبست: كل ذا وباقي ماخلصت!
خرج من المطبخ بعد أن طردته منه، وأعدت طبقين بيض وسكبت كوبين شاي تسكته بهما،
ضحك حاكم باستمتاع من نوعية الأفكار التي طرأت عليه وهو يرتشف من كوبه بصوت: تلاقين ريم للحين صاحية تهوجس تفكر بعبدالله مثل ماكنتي تفكرين فيني يوم خطبتك.
الجادل والتي عرفت بالخبر من صاحبته شخصيًا سألت بنبرة مستنكرة: ومن قال مانمت أفكر فيك؟
حاكم بثقة: هاه أجل؟
ضحكت باستخفاف: والله ولا طقيت لك خبر كبّرت المخدة وسحبتها نومة كان عندي اختبار فاينل اليوم الثاني وأبي أصحى أراجع، فاضية لك!
تبدّل وجهه الباسم لآخر مصدوم، يسأل بامتعاض: وبشري عسى قمتي راجعتي!
الجادل بهدوء: قمت بس بالأخير حملت المادة.
انفجر يضحك بقوة : أجل ماكنتي فاضية لي!
لتقول بتبرير : فيه أحد يخطب وقت الاختبارات النهائية؟
حاكم بابتسامة : والله أمي قالت أنتظر بس أنا ماطعت، قلت إما الآن وإلا فلا خفت تضيعين من يدي، حظي زبّال أعرفه.
نسى حاكم موضوع البقعة ونام بتعب قرير العين، لتستيقظ سارة باكرًا كما قال فهد قبله وقبل زوجته والتي ما إن دخلت المجلس حتى ووضعت يدها على رأسها من هول المنظر الذي كان سيدخلها بغيبوبة، الفوضى العارمة في كل مكان، قشور الحَب المصري المكدسه فوق بعضها كالجبال، عدّة الشاي التي لازالت مكانها منذ البارحة حيث تركها فهد، الفناجين هنا وهناك، وأخيرًا الرقعة التي تيبست وجعلتها تعطي محاضرة أكاديمية طويلة عريضة ما إن اجتمع الثلاثة على غداء يوم الجمعة.
.
.
خرج عزام من دورة المياة على عجل ينفض شعره من الماء متوضئًا لصلاة العصر، بعد وجبة غداء لم يستطع إلا أن يثني عليها بنبرة يشوبها الكثير..الكثير من الإعجاب: بالله سوي هالغدا بكرة بعد...
شعاع بابتسامة واسعة: أعجبك؟
هز رأسه يؤكد بالكاد ينطق وهو يضع لقمةً أخرى في فمه: فنان!
صيتة بمودة: صنايع يد شعاع الله يسعدها.
لم تستطع شعاع الرد لأن عزام سبقها: الطعم فالمخيخ على طول!!
وكان يعني كل حرفٍ بمديحه إذ أنه كان آخر من ترك السفرة، تسكب له شعاع من القدر الذي أتت به ما إن سأل إن كان هناك المزيد، أكثر من ملعقة دون أن يعترض، ينتهي به المطاف بعد ذلك يشرب ثلاثة فناجين شاي مخدّر ثقيل كي يبعد التخمة التي شعر بها تكتم أنفاسه.
مشى للشماعة يرتدي ثوبه المعلق والذي رفعه من أطرافه وأدخل جسده به دون أن يكلف نفسه عناء ابعاده من حامل الشماعة الخشبي حتى، تتبسم على ذلك شعاع التي كانت ترتب الغرفة.
فعزام -مع كامل الحب- المدلل من صغره رجل فوضوي جدًا غير مبالي عشوائي لم يتعود على النظام والترتيب يبعثر ملابسه التي يخلعها ويرميها في كل مكان، لا يعيد شيئًا يستخدمه لمكانه ويُحدث كركبة في المكان الذي يتواجد فيه، وكبر على ذلك حتى اعتاد الفوضى واخذها نمط حياة*يمشي عليه. لا يعترف بثقافة سلة غسيل للملابس المتسخة ودولاب وعلاّقة للملابس النظيفة.
والسبب في خرابه هذا كان صيتة في أول عمره وشعاع في التالي منه والتي كانت راضية بهذا الطبع وبدون أي اعتراض كالعسل على قلبها تمامًا، كأنها تلاحق طفلاً كبيراً تلملم من ورائه.
بل أن نظرتها لهذا الموضوع إيجابية جدًا وترى أن فوضويته ما هي إلا دليل على الذكاء والإبداع!
رفعت حاجبيها باستنكار وهي تراه يفصل هاتفها الموصول بالشاحن قريبًا من مكانه على السرير، يوصل بدلاً منه هاتفه الذي فرغت بطاريته وأُقفل في وجهه باكرًا.
تخصرت بسخط: لا والله احلف،، وجوالي!!!
عزام ببساطة وهو يحاول إغلاق قلاب ثوبه: شحنك ثمانين ارحمي البطارية!
شعاع بإمتعاض: معليه أنا ما ارتاح إلا لا صارت مية.
اقترب منها متجاهلاً امتعاضها، يقف أمامها لازال يحاول إدخال الزرار في مكانه: بالله قفليه.
استبدلت أصابعها أصابعه على الياقة السميكة: ليه حاط زر كان خليته طقطق.
نطق عزام بهدوء وهو يعيد رأسه للخلف قليلاً يعطي كفيها مساحة: الطقطق يعلَق بشعر دقني نتفني تقل فيني ثعلبة.
ضحكت، تهتف بنبرة هادئة لطيفة: بسم الله عليك، الثوب الجاي خله بسحّاب.
عزام بابتسامة ساخرة، ينطق بتهكم: وأحط تطريز وردة من عند الكموم وش رايك؟
يردف بعد ذلك على صوت ضحكتها التي تكررت على مسمعه كالنوتة الموسيقية, بصعوبة ونبرة مخنوقة وهو يشعر بمفاصل أصابعها تضغط على عنقه: بشويش خنقتيني قاعدة تضغطين على لغلوغي.
قهقهت بصوتٍ مرتفع وحررت ياقته بعد أن نجحت بإغلاق زر وعجزت عن الآخر: طيب خله مفتوح كلها المسجد وبترجع... ولا عندك مشوار بعد الصلاة؟
ورغم أن شعاع حاولت أن تغلف نبرتها بالاعتيادية ليبدو السؤال الذي نطقت به عفويًا عاديًا، إلا أن عزام سمع شيئًا آخر فيه جعل طرف فمه يرتفع بابتسامة: لأ, اليوم قاعد على قلبك ماعندي شي ولا لي مزاج اسعسع!
لم تجد شعاع ردة فعل أفضل من الضحكة التي خرجت مسلوبةً من روحها، فهي تعلم أن الأمر لايتعلق بمزاجه فهو وطيلة الاسبوع الماضي كان يلازم المنزل لا يخرج إلا لعمله وبعض المشاوير التي لا تتعدى الساعتين ثم يعود ويلتصق بها وبأمه باقي اليوم، لدرجة أن صيتة علّقت يومًا بعينين تتلامع من فرط الشعور: حبيبي عزام أخيراً صفت له الدنيا شوفي شلون مبسوط، حتى شغله الجديد ناسبه الحمدلله!
تؤيدها شعاع وفي قرارة نفسها تعلم أن سبب هذا التغيّر يعود لذلك اليوم عندما امتد موج البحر ولامس أطراف أقدامها، لعزام يطلق "عووو" بمرح ناعتًا نفسه بالذئب، باعترافه بكل صدق "طول ما أنا معك فأنا بخير"،
لصحنَي البليله عندما أكلاه في المكان الذي يلجأ له كلما ضاقت به الدنيا لينام، لكنه في تلك المره لم يكن ضائقًا ولم ينَم.
وكأنه كان يحتاج لتلك المصارحة بينه وبين نفسه، بحاجة لسماع صوته ينطق بكل ما اُختزل في قلبه ويتأكد مما كان يقنع نفسه به, أن الماضي دفن مع صاحبته حتى وإن تعثر به قليلاً. منذ تلك الليلة وعزام شخص آخر، شخص متحرر، غير مقيد....وسعيد.
تنهدت بعمق، تهمس بشقاوة: ياشيخ أشيل قلبي وأحطك محله لو تبي.
رفع حاجبه ولا ينكر أن ماقالت جعل قلبه يذوب بين أضلعه بطريقةٍ لذيذة، ينظر لها بعينين ضاحكتين يجاريها الهمس: يابنت متوضي و وراي صلاة لا تلهيني.
لكمت كتفه بخفه وعادت خطوة للخلف: طيب توكل، الله يحفظك.
لكن عزام غمز لها بروقان وهو يدفع جسده ناحيتها مقتحمًا مساحتها الشخصية...متعمدًا: طيب بدعي لك.
ضحكت بخفة وهي تثبته من عضديه خشيةً من أن يطعنها بأهدابه إن اقترب أكثر: تقبل الله مقدمًا.
ابتعد عزام بعد أن طبع قبلةً سريعة على خدها في حين غفلةٍ منها، يأخذ طريقة ناحية الباب بخطى واسعة وتهديدٍ مازح: يا ويلك إن فصلتي جوالي.
لتعترض شعاع بقلق صحّى سكرتها من حركاته: لا تطلع من البيت من غير جوال ماتدري وش يصير وأنت برى!
لكن صوت عزام الذي خرج أخبرها بأنه لم يأخذ وجهة نظرها بعين الإعتبار حتى: طافي مامنه فايدة!
سلمت من صلاتها واسندت ظهرها على سريرها تقرأ سورة الكهف من المصحف الموجود في هاتفها، تحاول قدر المستطاع أن تخلق لها وقتًا وتلتزم بقراءتها في كل جمعة حتى وإن أتى مايشغلها عن ذلك.
يصلها بعد ثوانٍ قليلة من السكينة والهدوء صوت اهتزاز هاتف عزام الذي لازال مكانه موضوعًا على كومدينته، يتوقف الاهتزاز ويتكرر ويصمت، لأكثر من مرة بدون يأس تجاهلتها كلها إلى أن انهت الآيات الأخيرة من السورة، وضعت هاتفها جانبًا واتجهت لجهازه ترفعه بقلق. تعقد حاجبيها وهي ترى اسم 'بسام علي' يعتلي الشاشة بعدد اتصالات يزيد عن الخمسة، ورسالة واحدة منه ظهرت على الشاشة.
قرأت الكلمات القليلة المكتوبة فيها -بفضول رغمًا عنها- جعل قلبها ينسل واقعًا تحت أقدامها.
خرجت للصالة بعد أن لملمت نفسها فثقتها بعزام تتجاوز المعقول، تشدها الأصوات ورائحة القهوة المهيلة التي فاحت بالمكان كالعطر، تتجاهل وجود عزام وتجلس بجانب صيتة التي رحبت بها كعادتها وكأنها لم ترَها لسنوات ليس وكأنهن اجتمعن على سفرة غداء واحدة.
دخل موعد صلاة المغرب وشعاع تغرق بصمتها وأفكارها وتكتفي بسماع الأحاديث الودية بين عزام وأمه حينًا، وتتلهى بمريم وحلطمتها حينًا آخر.
خلعت شرشف صلاتها وتركته بإهمالٍ خلفها على سجادة الصلاة، تخرج من الغرفة وهي غير قادرة على تحمل الأفكار التي بدأت تضرب عقلها من كل جهة، لم ولن تسمح لهذا النوع من الوساوس بالذات أن يتمكن منها. فالنهاية ستكون حتميه حتى وإن تغاضت وسكتت هذه المرة.
تتوقف في خطاها لثانية ما إن حطت عينها على عزام الذي عاد من المسجد للتو -والذي كان جادًا عندما قال أنه لن يخرج لأي مكان الليلة- يتمدد على أطول كنبة في الصالة العلوية بعينين تلتصق بهاتفه وابتسامة واضحة تعتلي وجهه رغم صغرها إلا أنها جعلت خيالاتٍ مسمومة تعشعش في عقلها وتصدقها رغمًا عنها، بينما في الحقيقة عزام اللي ياغافلين لكم الله كان ينعس مستمتعًا بالسكون الذي يغشى المنزل وكأن لا أوادم فيه.
أبعد عزام عينه عن هاتفه ما إن شعر بثقلٍ يحط بجانبه، ينتبه لشعاع التي جلست بقوة بالمساحة الفارغة قريبًا من خصره الذي طوقته بذراعها دون أن تلامسه، تضغط بكفها على مرتبة الكنبة في الجهة الأخرى من جسده علها تستمد منها القوة.
عقد حاجبيه ولم يعلق، مع نظرة براءة جعلتها تفكر ألف مره بالتراجع عما تنوي قوله، إلا أن الاستنكار الذي بان على وجهه جعلها تزفر بتوتر: عزام...
ارتسمت ابتسامة على شفتيه لكنها تلاشت فورًا ما إن لاحظ نظرتها الناقمة تلتمع بالدمع، ينطق رغم قلقه: نعم؟
أشاحت بصرها عنه ولم تنطق،*غير قادرة على ارتداء قناع الثقة واللامبالاة أكثر،
تصلها نبرته بقلقٍ أكبر بعد أن ترك هاتفه: وش فيه؟
زفرت بضيق وأخذت تتلفت بعينها في كل إتجاه: جوالك العصر كان يدق ويوم جيت أشوف مين شفت رسالة بسام.
تنهد براحة ما إن فهم أن سبب كل هذا هي رسالة بسام (متى ناوي تقابل عذوب تراها وصلت.).
لا يعرف هل يشتمه على استهتاره أم يشكره لأنه جعل نظرة عاصفةً كهذه تعتلي وجه شعاع!
نطق وهو يسترخي ويسند رأسه على حافة الأريكة براحة: طيب؟
التقت عينها بعينه أخيرًا، تقول بعبوس: ماعليك هي يمكن تكون غيرة غبية بس....
قاطعها بابتسامة هادئة ينقل بصره بين ملامحها: من يقول غبية؟ بالعكس.
مطت شفتيها بحنق: طيب مَن عذوب اللي تبي تقابلها؟
اتسعت الابتسامة قليلاً، ينطق باستمتاع: وحدة.
عقدت حاجبيها باستياء، تهتف بحقد: أدري وحدة أجل ثنتين!!
انفجر ضاحكًا رغمًا عنه، لتردف بغيظ ولأول مرة في حياتها تستثقل ضحكته: عزام إذا كنت بتتزوج علي أو تعرفت على غيري علمني.
عزام بحاجبٍ مرفوع: ليه بتضبطيني معها؟
انقهرت وانعكس ذلك على نبرتها بوضوح: قلت لك بيت أبوي بيضفني لين آخر يوم بعمري ولا القهر اللي أحسه في بيتك حتى لو كنت أموت بالتراب اللي تمشي عليه.
سكت للحظة قبل أن يقول ببرود: ترى المرَة متزوجة.
زمجرت شعاع بانفعال: الحيوانة!!!... وبتقابلها ليه؟
عزام بنبرة رائقة: بتشكي لي سوايا زوجها فيها.
تهدجت أنفاسها، تقول بصوتٍ مختنق وهي تسمع ضحكته الخافتة بعد نكتته: عزام أقسم بالله ما أمزح. كلمني جد مثل ما أكلمك.
عزام فجأة: أمي وين؟
زفرت: أخذت ميمي وراحت بيت أهلي. طلعت قدامك مسوي نفسك ماتدري؟
ضحك ببلادة: إلاّ أدري.. وأنتِ ليه مارحتي معهم؟
عقدت حاجبيها، ترمش بعدم استيعاب: وش؟
عزام بهدوء: غريبة ما رحتي؟
تأتيه الإجابة ببساطة: مارحت لأني أبي أقعد معك؟
اتسعت ابتسامته بشغب فلطمته بخفه بأطراف أصابعها على فمه. تتابع بصرامة رغم عبوسه: لا تصرّف وجاوبني.
حاول أن يجلس: وش عندك ماسكتني تحقيق؟
لكنها دفعته من كتفه ليعود مكانه، تهتف بحزم: اقعد والله ما تقوم إلا وأنت معلمني وش تطلع الزفته عذوب اللي يبيك تقابلها الزفت الثاني.
رفع حاجبيه، لتضيف بتعبٍ ويأس: عزام أنا واثقة فيك اقسم بالله، لكني أبيك تريح قلبي من الأفكار اللي قاعد يزرعها ابليس بعقلي.
لانت ملامح عزام وتطايرت المتعة التي كان يشعر بها ما إن أحسّ بالخوف يخالط البؤس في عينيها، ليقول بعد دقيقة صمت طويلة شعرت بها شعاع كدهر لن ينقضي: لا أعرفها ولا تعرفني ولا بيني وبينها شي الله يستر عليها، بس إنها طريقي الوحيد لأبوي.
جف حلقها ولازالت فكرة أن عزام مؤمن بحياة والده تصيبها بالهلع: كيف؟!
عزام بهدوء واختصار : أبوها يعرف أبوي وبعد اللي عرفته عنه ما أستبعد يكون غدر فيه وألّف قصة وفاته.
لم تستطع شعاع إلا أن تسأل بقلق ولمحة فزع: عزام أنت من جدك مقتنع بفكرة إن عمي حي بس مختفي؟!!!
هز رأسه بدون تردد، يسأل وكأن مصيره معلق بإجابتها: وأنتِ؟
سكتت وهي تشعر بتسارع دقات قلبها،*بصرها يتنقل بين عينيه ونظرة القلق والتوتر تتجلى فيهما بوضوح, تفكر بإجابة لاتحبطه ولا تطفئ لمعة الأمل التي تراها في مقلتيه.. يطول السكوت للحظات قبل أن تنطق بقل حيلة: أنا أثق فيك.
كانت هذه الإجابة أكثر من كافية ليستعيد رباطة جأشه التي يشعر بأنه يفقدها رغمًا عنه إن كان الأمر متعلقًا بوالده،
يخفض بصره عن نظرتها المتفحصة وكأنها تعرّي روحه، يبرر موقفه وضرب الجنون هذا رغم أنها لم تسأل: هالموضوع بالذات كان فراغ يكبر معي لين تمكن مني ولا يملاه إلا هاجس إن أبوي حي بس مغدور فيه.
همهمت شعاع بخفوت وهي تتأمل وجهه بحنو ونوع من الشفقة، دون أن يخرج صوتها بحرف. ليتابع بيأس دون أن يلتفت لأنفاسه التي خرجت مندفعة تسابق بعضها فهو على ثقة تامة بأن شعاع هي الوحيدة في هذا العالم التي ستسمع بلبلته وترى ضعفه دون أن تحكم عليه: شعاع أنا أحس فيه...
ابتسمت له ابتسامةً صغيرة ولم تعلق، تميل برأسها قليلاً لاتعرف ماذا تقول في مسألة تعتبر حياةً أو موت بالنسبة له..
تمتد شفتيها بتفكيرٍ عميق، تتعلق عينها به، تسرح بعينيه الخجلتين المحرجتين من نظرتها ولأول مرة في حياته.
ينظر لها هذه المره بقلبه لا بعينيه وكأن اللحظة الفارقة التي يكتشف فيها المرء ماكان غافلاً عنه قد أتت أخيرًا.
يجد أن شعاع دائمًا هناك.. موجودة. معه. برفقته. لا تتركه.
لكنه كان متغافلاً عن ذلك كله. مصدوم لازال. مبعثر. مشتت. يكسرها مره وترمم شروخه النفسية ألف مرّه، تملأ شقوق قلبه التي آمن بأن لا علاج ولا زمن قادر على ملئها.
قطع السكوت أخيرًا، يسيطر على نفسه ما إن أحس بأنه سيفقد السيطرة عليها، يقول بابتسامة ويرفع حاجبًا: أيوه؟
شعاع بدون تردد، برقه وحذر: عزام أنا خايفة عليك تتأذى!
عزام بذات الابتسامة: ليه؟
لم تجد مفرًا من أن تنطق مخاوفها في وجهه هذه المرة: أخاف تحط آمال وبالأخير يطلع كل ذا وهم.
عزام: وش ممكن يصير يعني!
همست بعذوبة وبساطة : بينكسر قلبك.
اففف ياكمية المشاعر التي ضربت قلبه من مجرد كلمتين، يبلل شفتيه بطرف لسانه، يهتف بتردد: شعاع، تدرين أبوي شلون مات؟
يكمل دون أن يدع لها مجالاً لتجيبه: بتفجير إرهابي.
شعاع: ايه أبوي قال ا..
قاطعها: وتدرين اللي وصلني وشو؟
يكمل بسرعة: إنه هو اللي فجر نفسه.
شعاع بقوة: مستحيل.
: ليه مستحيل؟
عقدت حاجبيها، تقول بثبات ويقين: لأنه مستحيل... شي مايدخل العقل... ولأنه لو كذا كان كرهته خالتي صيتة بس اللي أشوفه إن حبها له يزيد كل يوم حتى وهو غايب عنها.
التمعت عينيه من اليقين في صوتها، ومن والدته ضماد جرحه وجبر قلبه والتي تقتات على ذكرى غائب مؤمنة بأنه لن يعود.
تذوب حدودها الحادة لينًا: تتوقعين فيه أذى أكبر من إني أسمع هالتهمة تلتصق بأبوي وأنا أبو خمسطعش سنة؟... شعاع أبوي مامات، أقولك كبرت ونسيت وخلاص حياتي بتمشي بس الصدق لأ، أنا للحين واقف بنفس المكان يوم تجمعوا علي يقذفون أمي ويرددون كل ماشافوني إن أبوي ولد حرام مجرم إرهابي.
ثم تابع بعد أن أخذ نفسًا عميقًا وأطلقه: أنا متفائل، ماعمري أيقنت بشي مثل حقيقة حياته ذي،
قضمت شفتيها، تهمس بتردد وقلق: ما أدري!!
عزام بعد ثواني صمت: أنا بس أبيك تصدقيني، لأن الكل مكذبني ومراهن إني الحق ورى سراب.
اتسعت عينها بهلع: الكل مَن؟ أنت قلت لمَن؟
ضحك بخفة وبؤس: لا تخافين مستحيل أقول لأمي، أدري مابتقوى مع إني من أشوفها ساعات ضايقة أتمنى أقولها يمه صدقيني برجع لك أبوي.
ذاب قلبها ما إن تراءى لها وجه خالتها، وارتخت ملامحها بعطف تهتف بمودة وعذوبة: حبيبتي خالتي،
ثم تتابع بعينين اتسعت بعدم تصديق: يالله مو قادرة أتصور وش بتكون ردة فعلها إن رجع وشافته من جديد، أو ردة فعل أبوي وجدتي وجدي وعمتي،،
تهمس ضاحكةً بذهول رغمًا عنها من الفكرة المجنونة: اووف، التخيّل بس أحسه بيوقف قلبي.
ابتلع عزام ريقه وهو الذي يشعر بقلبه سيتوقف مما قالت، يقول بتشتت: هو أنا لمّحت لعبادي وما يحتاج أقول وش قال، واللي يدرون صدق متعب وبسام.
كشرت بامتعاض: يع من بسام ذا.. كريه مانزل لي من زور وشكل متعب مو بعيد عنه.
ضحك بقوة: تراهم أصدقاي الوحيدين ولا عرفتهم إلا من تالي.
قوست شفتيها باستنكار: ليه الوحيدين وأنا وين رحت؟...أنا صديقتك.
رفع حاجبًا: من يقول؟
نطقت بقوة ونبرة زعل: أنا أقول.
عزام باستمتاع: تؤ، غير صحيح.
تطاير حاجبيها المستقيمين بصدمة حقيقية فهي توقعت إن لم يؤيدها أن يجاملها على الأقل, أو أضعف الإيمان ألا يعلق بالمرّة.
يتلون وجهها بإحراجٍ واضح من ثقتها المفرطة، تضحك ضحكةً باردة بمحاولة ترقيع: اح ياجبهتي!
لم ينطق، يلتزم عزام بالصمت للحظات استغلها في تأمل ملامحها بشغف. الأنف الصغير وأرنبته التي احمرت بشكلٍ طفيف كعلامة أن الصيحة على جريف، البريق الآسر في الأعين اللوزية المسحوبة للأعلى، الشفتين المثاليتين بامتلاءٍ كامل تأخذ تقوسًا حادًا حتى بدت كرقم ثمانية بعد أن ضاقت ضحكتها واختفت، رس...
أخفضت رأسها عن محيط عينيه والرغبة بالبكاء حرجًا وفشلة أصبحت حاجة نفسية ملحّه ما إن شعرت به يلتهم وجهها المحتقن بنظراته المجنونة.
يرتفع عزام بجسده قليلاً ليصبح شبه جالسًا أمامها لازال ذراعها يطوقه وكأنها نسته هناك، يمد يده لتلامس أصابعه ذقنها رافعًا وجهها برفق.
بدون تردد، بدون تكرار حذر للكلمات التي ينوي قولها في عقله الف مره حتى تفقد معناها, يصيبه الملل منها قبل أن ينطقها حتى، بدون تفكير بما سيحدث بعد ذلك، يهمس بعذوبة وصدق وهو ينظر لعينها التي تنبض بالحياة رغم لمعة الخيبة فيها: اللي أحس فيه وأنا معك مستحيل أحسه لو حولي الف صديق، وجودك بجنبي لحاله يكفيني عن كل الناس.... أنتِ الوحيدة اللي ثقل العالم كله يطيح من على كتوفي من أصير معها، والشي الوحيد الصح يوم تحاذف علي الغلط.....
ثم يتابع بنبرة ممازحة: وبعدين أنتِ الصاحية الوحيدة بهالعالم اللي تشوف ذا المليون عيب فيني وهالعقد ذي كلها وتتحمل قربي اللي ماينطاق ولازالت تبيني!
تبسمت بعبرة واضحة: وش أسوي؟ مضروب على قلبي!
تراقصت حدقتاه بين عينيها وشفتيها، فتهدج صوتها، تهتف بعبرة خجولة: أنت قعدت طول عمرك ساكت ويوم نطقت كفرت فيني.
ضحك بخفه، تسكن الضحكة لتبقى الابتسامة الهادئة تجمل وجهه: حبيبتي أنتِ ياشعاع حتى لو ما قلت.
علقت أنفاسها حتى شعرت بروحها تختنق، تهمس بفكٍ مرتعش: صدق؟
هز رأسه وابتسامته المغلقة اتسعت حتى أخذت نصف وجهه،
اشتد خفقان قلبها وأخذ يدق بسرعة، تعاود السؤال بلهفه: صدق عزام صدق؟
عاد يهز رأسه بعينين متوهجة وحاجبين ارتفعا بشقاوة، فشدته شعاع من ياقته، تقربه منها بضحكة غير مصدقة: طيب قول والله العظيم.
تبسم بخدر وهو يشعر بأنفاسها تلفح وجهه: والله العظيم.
يردف بعد ذلك غامزًا بشغب وعينه لم تفارق عينها البراقة أبدًا: أنا ماكنت محتاج أشقح السور، لأنك أنتِ هدّيتيه.
ضحكت شعاع بصوتٍ مرتفع، تعود برأسها للخلف بضحكة قوية رغم حدتها إلا أنها بدت مترفة جدًا، سعيدة بشكلٍ موجعٍ جدًا. تحرر ياقته، وتضغط على خديه بكفيها بقوة حتى برزت شفتيه الرقيقتين، تقول من بين أسنانها بنبرة مرتعشة وعينين تتلامع: وش أسوي فيك علمني وش أسوي فيييك؟
يجيب عزام ناطقًا بصعوبة: اللي تبين،، فرصتك،، البيت فاضي.
عادت تضحك وهي تشعر بتناثر دموعها على سطح عينها: ااه منك بتوقف قلبي ورب الكعبة.
أنزل إحدى يديها بعد ثواني من النظرات الصامتة الممتنة، يضعها على صدره قريبًا من قلبه الذي كان يتسارع بشكلٍ مرعب، لا يكاد يتوقف عن النبض.
أرخت بصرها ليده التي كانت تضغط على كفها دون شعورٍ منه، وكأنه يحاول أن يوصل لها شيئًا بحركته هذه، لتقرر شعاع أن تعتبرها "أحبك وأموت فيك وما أقدر أعيش بدونك.. وقبل لا أنسى،،، شكراً لوجودك في حياتي" بلغته الخاصة التي لا يتكلمها ولا يفهمها أحد غيرها. حتى عزام نفسه جاهلٌ بها.
ابتلعت ريقها، وغصتها، وهدأت أنفاسها الثائرة وضحكتها ولم تبقى إلا ابتسامة وعينين ارتفعت مجددًا لتتأمله بحب.
تسحب يدها من بين أصابعه، تعاود وضعها على جنبه الآخر لتحاصره. تميل قليلاً عليه وترفع إحدى حاجبيها، تهمس بذهول وبريق آسر لوّن ناظريها: تدري وش أول شي بسوية لا شفت عمي ذيب إن شاءالله؟
نبض قلبه بقوة، يقسم أنه سيموت.. يهمس بأنفاسٍ تدافعت من وابل الأمل الذي وقع عليه دفعةً واحدة: وش؟
شعاع بابتسامة: بطالع عيونك.
رمش بسرعة يمازحها، فضحكت بخفة قبل أن تهدأ وتنطق برقه: بشوف العيون الحلوة هذي وش بيصير فيها بعد ما تشوف اللي صدقته وكذبوه الناس حقيقة.
اندفعت الكلمات بقوة تخرج مع زفرته: إيييه كذا يختي أعطيني على جوّي,, هذا الكلام اللي احتاج اسمعه كل ماحطت عزومي.
شعاع بتنهيدة: عزام، ياروحي أنت...
تسكت بعد ذلك، تشد شفتيها بتفكير لم يتعدى الثانية حتى، تقول بعده بتأني: ولو إن الفكرة تروّع شوي، لكن تأكد إني ما أقول هالكلام عشان أخدرك أو أعطيك على جوك مثل ماتقول أو اسكتك. بس لو كانت نسبة يقينك بوجود عمي ماتتعدى واحد بالميّة ابقى متمسك فيها دام عندك فرصة، لا توقف... دور أبحث احفر الصخر بيدينك منت خسران شي.. ومتأكدة مثل ما أنت قاعد تحس فيه هو بعد حاس فيك سواء كان موجود أو لأ!.. حي ا،، أو ميت.
تضم وجهه بين كفيها، تقربه منها، تهتف بالحرف الواحد وهي تنظر لعينيه بثقة: حتى لو ماعندك شي أكيد، صدق احساسك..
تقبله بخفّه ثم تتابع: طيّب؟!!
أومأ برأسه ببطء واستسلام وقد تعطلت حواسة، تجتاحه سعادة لا نهاية لها، يرتجف فؤاده بفرحة طاغية يحلف بأن الكون كله اهتز معها.
عزام لم يكن بحاجه للحب في حياته، فحياته ممتلئة به، تطفح وتفيض بحب الجميع حوله، بإسراف وشكلٍ مفرط أغناه عن رشة حب زيادة.
ماكان يحتاجه فعلاً هو شخص يؤيد جنونه، يسمع له دون أن يسكته من أفكار تُشعل الرأس شيبَا. موجود دائمًا إن بحث عن مَخرج من حياته المتعبة، أو مخبأ لروحه المرهقة.
شخصٌ لايعطيه الحب، بل حاجته من الأمل، حاجته من الدفء لقلبه البارد، والكثير.. الكثير.. الكثير من الطمأنينة التي تهزم مخاوفه.
عزام كان يحتاج قمّة التعّقل شعاع، والتي اختارت جنونه بكل طواعية ودون أي إكراه.
عادت صيتة من منزل مشاعل قرابة الساعة التاسعة،
تستقبلها شعاع بابتسامة واسعة وحضن قوي كاد يعصر أضلعها، قوة جعلت صيتة تبادلها الحضن باستنكار: ههه؟
شعاع بحب جارف ونبرة تغرق بالعبرة: وحشتيني.
تقبل خديها بقوة أكثر من مره: اشتقت لك.
ضحكت: يابعد قلبي وأنا اشتقت لك.
تجلس على أحد الكنبات، تجلس بجانبها شعاع وتلتصق بها بقلبٍ ذاب رحمة وعطف لازالت مشاعرها مشحونة من حديث عزام عن والده.
صرف عزام نظرته عنهن وعن احاديثهن ما إن شعر بمريم تجلس بجانبه تشد ذراعيها لصدرها بغضب اتضح بقدميها التي تعلقت بالهواء ولم تلامس الأرض، يسحبها لحضنه وهو يلحظ عبوس ملامحها. لتقول فورًا بحنق طفولي: أنا مستحيل أروح بيت عمة مشاعل مرة ثانية.
شعاع: افا ليه ههه؟
صيتة: هزاع الله يصلحه من شافها استلمها.
عزام بمودة: والله لا أعلقه من أذانه بالمروحة علميني بس وش مسوي؟
مريم بنبرة باكية قاصدةً صيتة : علميهم وش قال.
ضحكت ونظرتها تغزو وجه عزام بشوق: يمزح معها وهي صدقت، يقول عبادي ماهو براجع إلا لا أعرستي وصار عندك بنت كبيرة و ولد.
مريم بسرعة وانفعال: كيف أعرس؟ والمدرسة طيب؟
رفعها عزام واجلسها في حضنه وهو يضحك، يقول مقبلاً خدها بقوة: أحسن لا يرجع وش تبين فيه؟ أنا عندك.
تدافعت أنفاسها بسرعة: ولولو؟
قهقهت شعاع عاليًا : والله إني داريه، عزتي لك ياعبادي شخمطت عليك!
.
.
: ياهلا بالطّش، والرّش، والبيض المقرّش، والبطاطس المقرمّش، وماي الورد بالغرّش...
هتف بها عبدالإله تباعًا دون أن يأخذ نفس، يتابع اقتراب لولوة منه بعد أن خرجت من الغرفة. يهمس بنبرة مشاكسة ما إن جلست بجانبه حيث أشار لها: هلا بالزيين.
قالها وعينه تقصف جانب وجهها بنظراته التي لاترحم بعد أن ضحكت ضحكةً باذخة، في آخرها صوت غنجٍ دقيق*دقّ أنفاسه.
يسأل: من كنتي تكلمين ومشغلك عني؟
لولوة بهدوء وابتسامة: عبدالله.
ضوّق عينيه بتهكم: أنا عبدالله هذا لازم أتفاهم معه إذا رجعنا.
ابتسمت دون أن تعلق، يعاود السؤال بفضول: وش عنده؟
لولوة: مو أنا قلت لك أمس انهم كلموا عمي سلمان وخطبوا ريم له؟...
أكّد عبدالإله ذلك يهز رأسه بقوة: ايه قلتي لي.
أخذت يده بين يديها، وقالت بدلال وهي تجعد أنفها الفاتن من فرط الحبور: و ريم وافقت.
عبدالإله بسباهه: فدييت أبو جد عبدالله على أبو اللي جاب ريم ياشيخة.
ضحكت تصرف عينها بخجل، ليضحك أيضاً وهو يشير لإذنها بسبابته : ياساتر وذي وش فيها للحين حمرا؟
وضعت كفيها تغطي اذنيها بسرعة وهي تشعر بها تشتعل أكثر.
عبدالإله بظرافة: اطفيها لا تخلص البطارية .
يقهقه ضاحكًا بقوة على طرفته التي ألقاها ولم تستطع لولوة إلا أن تضحك معه.
يقول بعد دقائق بابتسامة واسعة وهو يلف خصلةً من شعرها حول سبابته: تدرين إني مستانس؟
"ماتطّلع فيّي هيك عيونك حلوين اسم الله"..: عبد..
قاطعها بإصرار: قولي أول تدرين ولا لأ؟
ابتلعت ريقها بحرج وأومأت برأسها دون أن تنطق بكلمة..
فتابع بحاجب مرفوع: أنا كنت ناوي أذبح المتخلف أول ما أشوفه بس الحين بحب راسه قبل ثم أشرب من دمه ولو إنه نجس.
عقدت حاجبيها بضيق رغمًا عنها: طيب ممكن ماتجيب سيرته مره ثانية؟
عبدالإله بإندفاع وابتسامة واسعة: الله يقطعها من سيرة أكييد ممكن حبي..
يردف بهدوء وهو يعيد الخصلة خلف أذنها والتي لازالت مغطاةً بكفها: أنا الحين تأكدت إنك مكتوبة لي حتى لو ماتوافقت أقدارنا أول مره، المهم إنها في النهاية التقت وأحمد ربي مليون مره إنك ماضعتي من يدي المره ذي.
اخفضت يديها، تشد على أصابعها في حضنها، شدّتها نبرته والأجمل منها كانت نظرته المبتسمة.
طالت النظرة قليلاً فسألت بارتباك دون أن تقطعها: ممكن أعرف وش قاعد تفكر فيه؟
كان عبدالإله مشغولاً يحتفل مع خلايا عقله بفكرة أنها حافظت على نفسها فيما مضى لأجله، حتى وإن كانت حماقات إلا أنها اعجبته واقتنع بها -هو وأفكاره التعبانة ينيازون-، لينطق بضحكة: ما أظن بيعجبك.
تغيّر وجهها وفهمت بشكلٍ خاطئ وشعر عبدالإله بذلك فقال ولم يحاول أن يصحح الفكرة الخاطئة التي وصلتها حتى -أيًا كانت- : بتقولين عني فاسد وأنا أحاول ألمّع الصورة شوي.
لولوة بامتعاض وحرج: أنت فعلاً فاسد.
ضحك من أعماق قلبه: لَه لَه شكل الصورة النمطية اللي ماخذتها عني متدّمرة على الآخر. لا تتسمعين لهرج العذال.
ارتفع طرف فمها بابتسامة: شايفة بعيني مايحتاج.
تطايرت عيناه بصدمة : لَه لَه وش اللي شايفته بعينك؟ تونا بالحمد بسم الله ما أمداني أسوي شي.
يقرر هاتفه أن يرن في هذه اللحظة بالذات ليقطع ضحكتها التي فرت من بين شفتيها رغمًا عنها ودوخته.
أخرجه من جيبه ونظر للمتصل،، قبل أن يرفع عينه ويرمقها بنظرة: ربي فكك.
ثم يميل به قليلاً عن محيط لولوة ويفتح مكالمة الفيديو، يقول بنبرة ممتعضة رغم الود الواضح فيها ما إن ظهرت له ابتسامة عزام: الله لا يحيي ذا الوجه وش تبي داق الحين؟
ضحك: افا يا خال.
عبدالإله بابتسامة لعوب: عزام حبيبي أدري انك فاقدني بس ماهو معقول تكلمني مرتين باليوم كل اثنعش ساعة يالمضاد الحيوي. عطني فرصة اشتاق لصوتك على الأقل.
تتسع ابتسامته بعد ذلك لسببين،
الأول قهقهت عزام المرتفعة يخالطها صوت شعاع البعيد بنبرة دفاعية: احمد ربك غيرك يتمنى.
والثاني ابتسامة لولوة وهي تنظر له بتوهجٍ فاتن.
عزام : ايه والله يحصل لك أنت و وجهك!
عبدالإله بنبرة متهكمة: ترى مادمّرك إلا الخروفة اللي تعزز لك بالطالعة والنازلة.
رفع عزام عينه عن الكاميرا، ينظر لشيءٍ ما أمامه بابتسامة واسعة لم تفت عبدالإله الذي عرف سببها ما إن وصله صوت شعاع مجددًا: منت عاقل يالتمساح!
ضحك بتشتت وعقله مع من حركت شعرها للجهة الأخرى بنعومة تهب عليه رائحة عطرها: أقول وش عندك اخلص علي، مشغول أنا!
عزام: ماني مطول.. خذ كلم الله يعينك على التشرّه.
عاد له تركيزه ما إن ظهر له شعر مريم والنصف العلوي من وجهها بعد أن أخفض عزام هاتفه قليلاً، يكاد يهتف بسرعة ولهفة إلا أن مريم سبقته بدون مقدمات: وريني لولو.
كشّر وهو يشير برأسه للظاهر خلفها بكل وضوح: طيّب وخري من عند ابن عرس اللي عيونه شوي وتوصلني.
تهتز الصورة بشكلٍ قوي عندما قفزت مريم تركض بسرعة لأحد الغرف، يصله صراخ عزام الضاحك: من زينك!
.
.
|