لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > قصص من وحي قلم الاعضاء > الروايات المغلقة
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

الروايات المغلقة الروايات المغلقة


 
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 05-04-20, 05:33 AM   المشاركة رقم: 286
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Oct 2018
العضوية: 330628
المشاركات: 159
الجنس أنثى
معدل التقييم: وطن نورة ،، عضو على طريق الابداعوطن نورة ،، عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 176

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
وطن نورة ،، غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : وطن نورة ،، المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: أَحلَامٌ تَأبَى أنْ ’ تَنْطفِئ ،، / بقلمي

 


اعتذر جدا على التاخير ومن حقكم تعاتبوني والله ومن حقكم علي اراضيكم :(
لا أعرف ماذا حصل بالضبط لكن اختكم في الله متعبة :(
واتمنى يكون هذا عذر مقنع بما يكفي عشان تعذروني

اكرر اعتذاري عن التاخير الخارج عن الإرادة بس ترا والله إني مانمت او سحبت وكان المفروض ابلغ عن اني بتأخر زيادة بدل هذا الانتظار لكن إن شاءالله تكون آخر مره ❤
اتمنى يعجبكم الجزء ويكون يستحق الانتظار
وعرس عبادي الاسبوع الجاي الكل معزوم بلا استثناء ترى الشايب محرص ههه
شكرا لكم ❤

 
 

 

عرض البوم صور وطن نورة ،،  
قديم 05-04-20, 06:17 AM   المشاركة رقم: 287
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Oct 2018
العضوية: 330628
المشاركات: 159
الجنس أنثى
معدل التقييم: وطن نورة ،، عضو على طريق الابداعوطن نورة ،، عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 176

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
وطن نورة ،، غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : وطن نورة ،، المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: أَحلَامٌ تَأبَى أنْ ’ تَنْطفِئ ،، / بقلمي

 


أتمنى لكم يوم سعيد و قراءة ممتعة مقدما ❤


# الفصل العشرون،،
" تَنبتُ لَك أَجنِحَة ، فأَطيرُ أنَا "

.
.
.



ترجّل عزام من سيارته بعد أن ركنها في المواقف المخصصة لمصلين المسجد الكبير، يأخذ نفسًا عميقًا قبل أن يطلقه ببطءٍ من فمه وهو يسند جسده على بابها منتظرًا بسام الذي كان في طريقة إليه.

مضى مايقارب الاسبوع منذ زيارة بسام تلك لمنزله. يخبره عن تركي وعن عودته للبلاد بعد سنوات سفر طويلة.
كان ينوي أن يتركه إلى أن تخرج والدته من المستشفى، أو إلى أن تستقر حالتها على الأقل فهو وإن كان أنانيًا مستعدٌ لتسيير أي شيء للحصول على مبتغاه،
إلا أنه ليس معدوم الإنسانية، ويعرف كيف أن المرء إذا همّه مَصاب أصاب أحد والديه فإن الهموم كلها ستجتمع عليه وتتحد في وجهه وتثقل كاهله وتسّود الدنيا في عينيه وكأن همًا واحدًا لا يكفيه.
واليوم وبعد مضي أسبوع من وصول تركي للبلاد،
توفت والدته التي وكما يبدو، ماكان فيها هو فعلاً تعب الموت.

طوال الاسبوع الفائت كان عزام تائهًا حائرًا بأفكاره، عقله مشغول بشكلٍ غير طبيعي، لا يعرف كيف يواجهه، ماذا يقول له؟ كيف يستدرجه للإفصاح عن كل مالديه دون أن يورط نفسه أو غيره؟ فالقضية مقفلة نهائيًا وإن لم يتورط هوَ فإن بسام بالتأكيد من سيأكلها.
والسؤال الأهم الذي أنهكه للحد الذي لاحد بعده.
كيف سيسأله عن والده؟.... بل عن ماذا سيسأله؟...
وماذا سيسمع منه كإجابة؟
الكثير من الأفكار والظنون كانت تشرّق به وتغرّب.. تعصف به... بلا أدنى رحمة....
وبعد أن عرف بوفاة والدته التي وافتها المنيّه في ساعة متأخرة من ليلة الأمس، وجد أن الأمور تعقدت أكثر فلا يتوقع من تركي أن يتجاوب معه في أي من الأيام القادمة.
فمصابة جلل كان الله بعونه.

دقائق قليلة مرت قبل أن يُرفع نداء صلاة العصر. ليردد خلفه بسكينة وعينيه تتأمل الذين يسارعون في خطاهم للدخول للمسجد الذي ستتم فيه الصلاة على والدة تركي.
رن هاتفه، وكان بسام الواقف عند باب المسجد بعد أن بُح صوته وهو ينادي بإسمه، لكنه كان في عالمٍ آخر. لدرجة أن الجميع كان يلتفت لنداء بسام إلا صاحب الشأن المعني.

سلّم عزام من صلاة العصر، يتمتم استغفاره وهو يدور بعينيه في أرجاء المكان حتى حطّت على مجموعة الرجال الواقفين بالأمام بعد أن انزلوا الجسد الملتف بالسواد ، يصله صوت بسام الجالس بجانبه خافتًا : ثالث واحد على يمينك.
عقد حاجبيه ونظرته حطّت على الرجل الواقف عن يمينه.. بملامح متعبة ونظرة فارغة وشارب مرتب أبيض الشعرت بالكامل، ولا شيء غيره على وجهه.
أخذ نفسًا ثقيلاً بعد أن هتف الإمام : الصلاة على المرأة يرحمكم الله.
بوجهٍ يتضح عليه الإرهاق والضيق فهو وبغض النظر عن كل شيء متأثر بوفاة والدة الرجل الآخر..
يعرف ولا أحد غيره يعرف مرارة الشعور بالفقد. بل أنه ومن فرط مرارته تخبط تائهًا ضائعًا يبحث عن والده الميت، يركض وراء سرابِ أن يكون حيًّا لازال غير مقتنع بفكرة أن يكون توفى رغم أن الجميع متأكد من ذلك..
وقف بتثاقل، ليكبر أربع تكبيرات لا ركوع ولا سجود فيها..
ثم يسلم عن يمينه قبل أن يلحق بالجنازة للمقبرة.

ضغط عزام على كفيه المضمومين أمامه بقوة، وهو يرى مجموعة الرجال الذين يحاولون رفع تركي الذي نزل للقبر كي يضع جثمان أمه، لكنه لم يتحمل وخر واقعًا قبل أن يمسكها حتى.
يسمع أحد أشقائه يحاول تهدئته : أذكر الله وأنا أخوك كلنا لها، وش فيك ياتركي هي ماتبي منك إلا الدعاء الحين.
وآخر يمد له ماءً سكب القليل منه على راحة يده قبل أن يمسح به وجهه. وآخر يمسح عرقه بشماغه رغم برودة المكان،
يتكرر اسمه كثيراً على السنتهم، بقلق وخوف وحرص..
تركي ، تركي ، تركي
وكأنه أصغرهم ويدارونه, رغم عدم وضوح ذلك.
لينزل بها القبر في نهاية المطاف أحفادها، فهم أصلب من آبائهم ، وأقوى وأصغر.

في أجواء مهيبة يغطيها الحزن، وبين الوجوه الشاحبة الحزينة.
كان عزام واقفًا على حاله، يتمتم "آمين" خلف من كان يقف على القبر ويدعو للميتة.
تدور عيناه على القبور حوله، يحاول التذكر متى كانت آخر مره زار فيها قبر والده؟. لتأتيه الإجابة من ماضٍ قديم، فآخر مرة كانت في حياة جده عبدالله، قبل سنوات لا تكفي أصابع اليدين العشرة لعدّها. فمنذ أن تضاربت الروايات حول وفاته بات مشككًا متذبذبًا غير مصدق. ولا يعلم متى انطلقت الشرارة في قلبه لتشعل حقولاً من التشكيك والحيرة لا يطفئها شيء.
وفي كل مرة كانت والدته تسأله عن الزيارة، يجيب بنعم كي لا تتضايق منه فقط. فهي مصدقة أن من تحت الثرى هو والده،
وهو مكذب.

ذهب بسام بعد أن قام بواجب العزاء في المقبرة، أما عزام فقرر الذهاب لمنزل ابنها الأكبر، خالد.. والذي سيقام فيه عزاء الرجال.

تقدم عزام منهم، يعزي من اليمين.. يبدأ من ابنها خالد الواقف عند الباب لاستقبال المعزين.
إلى أن وصل لتركي. الذي لم يلتقي به قبلاً، ولم يعرفه إلا اليوم.
إلا أنه أخذه في عناق رجولي قوي، يربت على كتفه متمتماً : أحسن الله عزاك، وعظم أجرك.
: أجرنا وأجرك، الله يجزاك خير.

ابتعد عزام عنه، ينظر لوجهه المنهك. قبل أن يقول بعطف : الله يجمعكم على سرر متقابلين في جنته، شد حيلك يا عم تركي هي الحين ماتبي منك إلا الدعاء.

هكذا وانقضت ثلاثة أيام العزاء، وعزام يحضرها كلها.
منذ أن يفتح الباب بعد صلاة العصر. و إلى أن يغلق في الساعة التاسعة مساءً.
ورغم أن الجميع كان يستنكر حضوره، إلا أن لا أحد سأله من يكون. لم يُسأل إلا عن اسمه في أول يوم عندما لم يبقى أحد إلا أهلها. ليجيب بهدوء : عزام بن ساجر.
وكانت الإجابة كافية نوعًا ما.

حتى أتى اليوم الأخير، وخرج الجميع من المجلس، حتى أصحاب المنزل.
ولم يبقى إلا تركي الذي تمدد على الأريكة في الجهة الأخرى متجاهلاً وجود عزام. وعزام نفسه.
صمت ولا غيره. عزام لا يتكلم، وتركي لا يسأل.
حتى مضت نصف ساعة توقع فيها تركي أن يكون الرجل ذهب، إلا أنه تفاجأ به لازال جالسًا في مكانه بعد أن أبعد ذراعه التي كانت تغطي عينيه، ليسأل متأملاً عزام صاحب الملامح الجامدة : أنت خوي مين من عيال خالد؟
ليجيب بهدوء : ماني بخوي أحد ياعم. أنا ما أعرف هنا إلا أنت.

اعتدل تركي جالسًا، ينظر له عاقدًا حاجبيه فهو لا يعرفه.
ليتابع عزام بابتسامة صغيرة : أنا عزام بن ذيب!
ازدادت عقدة حاجبيه : أي ذيب؟
عزام بعد ثانية صمت : ذيب بن ساجر.
ثم تابع عندما لم يبدي الطرف الآخر أي استجابة: بن خالد بن ساجر .
سكت قليلاً، قبل أن يقول بتردد : الاسم ماهو غريب علي.
ابتسم بأسى : أنا ولد الضابط ذيب، اللي كان برحلة روسيا.
تقلبت ملامح وجهه بشكلٍ لم يخفى على عزام، يهتف بعدها متلعثمًا : أي رحلة روسيا؟
عزام بهدوء : رحلة روسيا سنة ٨٤، فرقة الضباط اللي طلعت بمهمة سرية.. وأنت كنت منهم، وأبوي كان منهم، ومعكم خمسة غيركم تصفّى منهم ثلاثة. وبقى منهم أربعة.
ياعم هذي قضية انفتحت وأنا كنت بالفريق، ثم تقفلت قبل فترة نهائيًا ولا حنا عارفين ليه.
سكت تركي قليلاً، يتأمله بأنفاس مضطربة متسارعة قبل أن يقول : والمطلوب؟
أخذ عزام نفسًا عميقًا وأطلقه قبل أن يقول : أبي أعرف شي واحد بس... وش المهمة اللي خلت رقابكم تطير وحدة ورى الثانية؟
تركي متأملاً وجه عزام المنهك : شف ياعزام، أنا أعرف ذيب وقد قابلته ولا أنكر هالشي، وغير ذا المعلومة ماعندي.. لا سفرة روسيا ولا مهمة ولا ضباط أنا تقاعدت وتركت كل شي وراي سنين مو عشان أرجع والقاه قدامي مرة ثانية.
عزام بيأس فهذا أمله الوحيد بعد الله : ياعم تكفى ساعدني، إذا أنت الموضوع ما يهمك ترى غيرك ثلاثة ح..
قاطعه بصرامة : قلت لك ما أعرف، ولا تزيد الهرج.
أيام العزا خلصت وجزاك الله خير ما قصرت.
وقف يقول قبل خروجه : أبشر، أنا طالع بس تكفى طالبك فكّر زين وحكم عقلك وضميرك، إذا أنت قدرت ترجع وتشوف أهلك غيرك ماهو قادر.. لأنه خايف. وإذا أنت حي الحين، غيرك راح بدون ذنب.
انا برسل لك رقمي، وطالبك يا عم ماتردني.

.

بعد أربعة أيام، ورَد اتصال لهاتف عزام.
وما إن رأى اسم المتصل حتى وكاد أن يتسبب بحادث سير يودي بحياته وحياة ثلاث سيارات أخرى.
كان تركي يطلب منه المجيء لبيت شقيقة خالد.

.

جلس أمامه، بثقة ظاهرية رغم الارتباك والتوتر داخله.
يشير بيده لمسلم بعد ثالث فنجان قهوة شربة، وأشار بعد الأول إلا أن مسلم أصر على أن يشرب ثاني، تبعه بثالث.
خرج مسلم بعد نظرة من عيني عمه فهم مغزاها، وأغلق الباب خلفه.
ساد الصمت المربك أرجاء المجلس، لا صوت فيه سوى صوت أنفاس تركي الهادئة، وأنفاس عزام السريعة المترقبة.
إلى أن قال تركي بهدوء : لا تظن إني ناديتك لأني تأثرت بكلامك. ولا لأني خايف على حياة غيري، أو متحسف على حياة اللي راحوا، لأن ولا شي من ذا يهمني.
عقد عزام حاجبيه بتوجس، لم يتوقع شيئًا كهذا أبدًا!
صحيح أنه لم يكن يتوقع بأن يأخذ تركي بيده ويخبره بكل الأسرار، لكنه لم يتوقع شيئًا كهذا أيضاً!
أردف تركي : لأن كل شخص كان على ذيك الرحلة يستاهل اللي يجيه وزود. أنا ماجبتك إلا لأني أبي أعرف وش عندك. وش تعرف؟
عزام بجمود : وتتوقع بقولك؟
ضحك تركي ضحكة باردة : لأ،

سكت عزام بعد ذلك، ينظر لابتسامة تركي بعد أن هدأت ضحكته.. يقول بعدها : اللي أبي أعرفه أبوي وش علاقته بهذا كله؟
تركي بهدوء : ماكان له علاقة أبد. هو الوحيد اللي انفعل ورفض، والبقية رضخوا و وقعوا ، ومن ضمنهم أنا.
عاد يسكت، بقلبٍ ينبض بجنون حتى شك بأنه سيكسر أضلعه. نظرته لازالت مثبته على ابتسامة تركي التي لم تتغير حتى بعد جوابه هذا..
يسأله : وش تشتغل أنت؟
عزام : كنت بهيئة التحقيق والادعاء العام.
رفع حاجبيه : والحين؟
عزام : مؤسسة.
ابتسم، ولم يعلق.. وكأنه فهم.
ليعاود عزام السؤال بشكل مشتت، لا يعرف من أين يبدأ : وليش أبوي ماوقع؟
ليجيب تركي بعد فترة : لأنه كان شجاع ولا يخاف أحد، فيه من القوة اللي خلته يقول لأ ويطلع تارك لهم المكان باللي فيه.
ثم يتابع ببطء، وهدوء : كانت عشر جوازات إسرائيلية، انأخذ منها تسعة وبقى جواز أبوك الوحيد على الطاولة.
تهدجت أنفاسه، يبتلع ريقه الذي جف، لا يعرف بماذا يجيب.. أو يقول!
تصادم كل شيء في عقله.. وقلبه.. تضببت عيناه، وغامت رؤيته..
يمد يده ويفتح قارورة الماء أمامه، يرفعها لفمه بيدٍ ترتعش، يشربها في دفعة واحدة وهو يشعر ببرودتها تطفئ ناراً في قلبه.
ليسأل تركي هذه المرة : مَن اللي مات؟
زفر، قبل أن يقول أسماء المتوفين بتردد، لا يعلم هل هذه فكرة صائبة أم لا!...
حك تركي ذقنه النامي : ومن بقى؟
عزام بزفرة أخرى : أنت، ونايف بن عوجان ومسفر بن صالح وسيف بن سعد.
تركي بعد فترة صمت : والباقي؟
ليقول عزام كارهًا كل حرف : الباقي أبوي، وابوي متوفي.
استوت ملامح تركي بجمود : أنا ما أقصد أبوك، أقصد راكان وساطي.
رمش عزام أكثر من مره، بعدم استيعاب، و وضح التوهان عليه لدرجة أن تركي قال موضحًا : رحلة روسيا كان فيها عشر ركاب.
ثم أخذ يعدد الثمانية الذين يعرفهم عزام كما يعرف اسمه، قبل أن يزيد عليهم : و راكان بن سعد، وساطي بن ساطي..
ثم يقول مؤكدًا بثقة : عشرة...
مستحيل انسى شي يخص ذيك الرحلة طول ما أنا حي. كانت كابوس!
الكل وقع، والكل كان راضي وأخذ جوازه إلا ذيب. طلع ولا عاد رجع ذاك المكان مره ثانية.

أخذ عزام نفسًا عميقًا وصورة والده تبرق في عقله، ثم يطلقه بهدوء وهو يشعر بالمجلس يلف به، ولم ينطق.
ليتابع تركي : الهدف كان تسهيل دخولنا للأراضي المحتلة ولأي مكان يخدم إسرائيل بشكل خفي عشان ننفذ بعض العمليات، كان كل واحد فينا يتميز بشي إلا أبوك،، جامع كل شي. ظل ساطي اللي مايفارقه وتدّرب على يده وساطي فزع له وربط مصيرنا كلنا فيه.
ابتلع عزام ريقة، شعور مغاير هذه المره يخالط السواد والظلام في عقله.. ليسأل : مَن ورى ذا كله؟
: ما أحد يدري، ماكان فيه شخص واحد تتعامل معه، وفي كل مره يكون وسيط مختلف وبين كل وسيط و وسيط تلقى عشرة.
كان النظام أرقام، و رموز. بدون أسماء.. وغيرنا كان كثير من دول مختلفة، ومستحيل تلقى نفس الرقم يتكرر لشخصين.
ثم ضحك تركي باستخفاف : أنا كنت ٢، وساطي ١٠ لأنه كان الراس الكبيرة اللي ماسكتنا كلنا، واختارنا واحد واحد، كان هو الشي الوحيد المشترك بيننا، ما أحد فينا كان يعرف الثاني بس كلنا كنا نعرف ساطي.. أما أبوك كان رقم ١، لأنه العفريت اللي هرب من العلبة.

ليسأل عزام السؤال الذي كان يؤرقه في سنوات حياته، يتعبه.. ينطقه بصعوبة، فزع.. وخوف : وأبوي وين؟.. أنا ماني مصدق سالفة موته.. والحين بعد اللي عرفته عن ساطي مستحيل أصدق، وتأكدت أنه حي.. ساطي هو اللي وقع أوراق الوفاة.
ليجيب تركي بعد دقيقة صمت طويلة : ما أدري، مستحيل أحد يعرف وينه.... غير ساطي.

خرج عزام من عند تركي بعد أن امتنع الآخر عن إضافة أي معلومة أخرى، فهذا كل ما يعرفه.. ثم أنهى كلامه مهددًا :
أنا مواطن كندي زوج مواطنة كندية أبًا عن جد وبنفوذ سياسي ياعزام .. جوازي أزرق، أي كلمة بتطلع منك بتكون ضدك مهيب ضدي أنا.
ليجد عزام نفسه يضحك ضحكة سوداء مهمومة : ارقد وآمن، وماهو خوف من جوازك الأزرق بس أنا مالي مصلحة إني أضرك.
ثم يتابع بحزم : عم تركي أنت لازم تطلع، جلوسك هنا فيه خطر عليك.
ليضحك الآخر : الحافظ الله. رحلتي الأسبوع الجاي،، خروج نهائي بدون عودة... للأبد.
.

جلس عزام في سيارته، مستترًا بظلام الليل الحالك، مطلقًا العنان لدموعه بعد أن حبست عيناه هطولها طويلاً.
بكى الغضب.. الألم.. الفزع.. والحيرة طيلة السنوات الماضية، وشعور آخر جديد استوطن قلبه بعد كلام تركي عن والده, زاحم كل ذلك.. ابتداءَ من هذا اليوم.

عاد تلك الليلة لمنزله في وقتٍ متأخر، بعد منتصف الليل بكثير.
واضعًا شماغه على كتفه، فاتحًا جميع ازراره،
يصعد السلالم وهو يتسلق الدرابزين حرفيًا.. البيت غارق بالظلام الموحش إلا من الإنارة البسيطة القادمة من مكانٍ ما في الصالة العلوية.
منهك.
منهك.
منهك.
منهك , ومتعب لأبعد حد.
مع ذلك كان طرف فمه يرتفع بابتسامة جمعت هذا التناقض كله.
لا يعرف هل يفرح بعد تمجيد تركي لوالده وسرد كل تلك الصفات البطولية؟ أم يقلق ويخاف بسبب ماسمع من معلومات إضافية في قضية أقفلت نهائيًا وإن أدلى بما لديه سيدخل بمشاكل مالها أول من آخر. أم يتعلق بقشة الأمل الذي تفجر في داخله بعد أن كان خاملاً؟
لكن ما يعرفه حقًا هو أن راكان بن سعد متورط وقد حذره منه جوار قبلاً، لكن وكما يبدو راكان استغل نفوذه كي ينظف سجلات الماضي لدرجة أنه صار ذا منصب . وهو سوف يستغل كل شيء تقع يده عليه ليُخرج السجلات المتسخة بوحل الماضي للسطح مجددًا.

فتح باب غرفته بهدوء، ليتفاجأ بأن الأنوار جميعها مضاءة.
وبأن شعاع التي قفزت أمامه بذعر لا زالت مستيقظة.
تقف في منتصف الغرفة، بعينين فزعه وشفتين ترتعش، تسأل بأنفاسٍ متهدجه : أنت وين كنت؟... ليه مقفل جوالك؟
أغلق الباب ينظر لها، يتقدم ناحيتها بهدوء، وخطى ثقيلة. وكأنه يسحب أقدامه. حتى وقف أمامها، ينظر لها تنظر له بخوف.. قلق وأعصاب منهكة.
كانت ستفتح فمها، إلا أنه لف يديه حول خصرها، يقربها منه متجاهلاً شهقتها المفجوعة، يدفن وجهه في كتفها، متجاهلاً تسارع أنفاسها وكأنها تنازع روحها على البقاء.
غير قادر على تحديد مشاعره في هذه اللحظة. بات قلبه كالاسفنجة, امتلأ بكل شيء.. الحزن والفرح الخيبة والامل الراحة والخوف... كل شيء مجتمع عليه. حتى صوتها عندما نادت بقلق : عزام!
ليجيبها هامسًا : خليك كذا،، شوي بس..
ثم يشد عليها بقوة، بأنفاس مثقلة، يبتلع ريقه أكثر من مره..
وضعت كفها على رقبته ، تسأل برجفة وهو والله قادر على الشعور بضربات قلبها السريعة تكسر أضلعها وتضرب قلبه : وش فيك؟.. لا تخوفني..
ابتعد عنها، يضغط على خصرها بأصابعه، يبتسم لها ابتسامة لم تتعدى حدود شفتيه، ينظر لها بعينين مرهقة تلألأت بالدموع.. يهمس "تعبان و وجعان وخايف" : مافيني شي.. مبسوط.. مستانس..
لكن شعاع التي تعرفه أكثر من نفسها غصت بعبرتها، ولم تصدق.. فلا أحد يعرف عزام كما تعرفه هيَ، حتى عزام نفسه..
انعقد لسانها، غير قادرة على التخفيف عنه وهي ترى المعركة الحاصلة خلف عينيه.. ماذا تفعل كي تأخذ ما أهمّه عنه؟ ماذا تعطي كي تأخذ ضيمه عنه؟
عاودت تقريبه منها.. تشد عليه.. ليرتخي عزام بين ذراعيها...
لا تجد مواساةً تعينه، مهما بحثت... لا شيء... لا قول لديها ولا فعل.. فبدأت تمسح على رأسه... بصمت وقلة حيلة.

.
.


قضت غادة وفهد ساعة إلا ربع بدون أي مبالغة أمام سير الحقائب.
في بادئ الأمر وقفا خلف التجمّع البشري والذي اندفع للأمام ناحية سير الحقائب بعد أن خرجت أول حقيبة تتبعها أخريات.. ليشغل فهد نفسه بالاتصال على حاكم ليخبره بوصولهم كي يتقدم بسيارته، إذ أنه وكغيره ممن يأتون لاستقبال أهاليهم يقفون بعيدًا عن أسوار المطار فمن الممنوع أن تقف بسيارتك أمام البوابة أكثر من خمس دقائق، وفكرة أنك تركن سيارتك بالمواقف البعيدة عن المدخل الأساسي فكرة غير مشجعة أبداً.
وتحاول غادة جاهدة على ألا تميل بعينيها للنظر ناحيته، فهي وبدون أدنى أسف غير قادرة على صرف بصرها لأي شيء ثاني غيره..

وما إن خف الزحام وأخذ الأغلب حقائبهم وذهبوا في طريقهم ولم يبقى إلا عدد قليل.. حتى وبدأت لعبة الشك والحيرة،
يشير فهد على كل حقيبة سوداء تعبر أمامه وهو ينظر لها بمعنى "هذي؟" ،
لتشير غادة الواقفة بجانبه بيدها ردًّا على إشاراته "لأ"، بعد نظرة تفحص وكأنها عيني موظف جمارك تتبَع بها الحقيبة حتى تختفي مجددًا.. فحقيبته وحقيبتها سوداء، وجميع الحقائب المتبقية سوداء.
إلى أن رفعت إبهامها له بعد أن لمحت حقيبته.. وبعد مدة وجدت حقيبتها وكانت هي نفسها التي أشارت عنها "لأ" في بادئ الأمر.

أخذت نفسًا براحة عميقة ما إن خرجت من بوابة المطار، بجانب فهد الذي يدفع عربة الحقائب.
يهب عليهم الهواء البارد العليل ليطير عباءتها.
لتأخذ نفسًا آخر، وقلبها يدق... غير مصدقة بأن أسبوعي لندن انتهيا،
وكم بدت لندن باهتةً جدًا في عينيها أمام قرب فهد. وابتسامة فهد. ولمسة فهد.
ورغم أن العودة كانت مبكرة جدًا قبل تمام الشهر حتى، لكن إجازة الزواج والتي كانت أسبوع فقط أضافا عليها أسبوعًا آخر دون القدرة على زيادة غيره، انتهت.. إلا أنها وعلى سرعتها كانت أجمل اسبوعين عاشتهم غادة منذ أن ولدت وحتى هذا اليوم.

تراجعت بخطواتها للخلف قليلاً بعد أن رأت رجلاً يتقدم ناحيتهم ما إن لمحهم، بابتسامة واسعة وصوت ترحيبي مرتفع.
ثم بفهد يتقدم هو الآخر ليلتقي به في سلامٍ وترحيب حار.. عرفت من خلاله أنه شقيقة حاكم الذي وجه لها سلامًا دون أن ينظر ناحيتها، يده لازالت تلتف حول أكتاف فهد بحب أخوي واضح.

.


كانت الساعة قريبة من الثامنة مساءً عندما خرجت غادة من غرفتها بعد أن تأنقت ونفضت تعب السفر عنها ببعض الماكياج، روج من هنا وماسكرا من هناك وبلاشر على الخدود والقليل من الظلال البنية الفاتحه والاطلالة صارت ولا أحلى.
ثنت عباءتها على ذراعها وعيناها تدور في أنحاء الشقة الصغيرة بابتسامة واسعة غير قادرة على إخفاء إعجابها بما اختارت سارة بعناية وذوق رفيع، فهي من اختارت كل شيء كما قال فهد عندما بدأ يريها المكان ما إن وصلا : ماكانت تثق بذوقي نهائيًا حتى رأيي ماكانت تحاول تسمعه ههه.
إلى أن وقعت عيناها على فهد الذي كان يعطيها ظهره جالسًا على الأريكة.. ينتظرها مرتديًا ثوبه. ليتحول الإعجاب لشيءٍ آخر جعل أنفاسها تندفع مرةً واحدة.. تتنحنح : أنا خلصت.

التفت برأسه بعد أن كان يضيع وقته بالهاتف بين يديه منتظرًا غادة كي يذهبا لبيت أهله ، وما إن حطت عيناه عليها حتى وارتفع حاجبيه، وأضاءت عينيه، وطار التعب البادي على ملامحه.. يصفّر بنغمٍ مشاكسٍ جعلها تضحك بأنفاسٍ مقطوعة وتتقدم في تمهل، لازال ناظريه يتبعانها بحاجبين أصبح أحدهما مرفوعًا عن الآخر إلى أن وقفت أمامه، تنفض عباءتها قبل أن ترتديها فهما يتشاركان الفناء مع شقيقة ، ليقول مبتسمًا : مم..
واكتفى بها دون أن تفهم منها شيئًا، أو الغرض الخفي خلفها.
رفعت حجابها تغطي شعرها والخجل رغمًا عنها غلبها وهي ترى نظرته التي لازالت مسلطةً عليها ، لتقول مضوقةً عينيها وكأن الأمر عادي : وش هالنظرات؟

قوس فهد شفتيه بتفكير وهو يعيد ظهره للخلف، وحاجبه يرتفع أكثر حتى شكّت بأنه سيخرج من حدود رأسه.. يعطيها نظرةً تقييميةً أخرى من رأسها هذه المره وحتى أخمص قدميها، ثم يطلق ضحكةً خافتةً ما إن بدأت تقفل أزرار عباءتها بارتباك جعله يعلق نجمةً أخرى على جبهته فهو يستحقها وبجدارة.
وقف بعد أن ربت على ركبتيه عدة تربيتات، يقول بنبرة وابتسامة : نتفاهم لا رجعنا.

لن تدعه يغلبها هذه المره ولن ترضى بالهزيمة ففهد وفي الأيام القليلة الماضية أصبح منفلتًا شقيًّا خارجًا عن القانونِ بشكلٍ غريب ومريب ومن يراه لن يصدق بأنه نفسه من كان في الأيام الأولى، بات يتعمد إحراجها وكأنه يستمتع بتلعثمها وارتباكها أمامه، فقالت بابتسامة تحدي رغم تورد وجهها : نتفاهم الحين إذا تبي...

اتسعت ابتسامة فهد المتفاجئة حتى ملأت وجهه، ثم تحولت لضحكة عالية تراقصت عليها نبضات قلبها.. مما جعلها ترفع نقابها لترتديه في محاولة فاشلة بأن تغطي إحمرار وجهها.. تخفي ابتسامتها الواسعة بعد ضحكته الرنانة هذه، وما إن نجحت وهبطت يديها عن مستوى رأسها حتى وخطى فهد الخطوتين الواسعة التي كانت تفصل بينهما، يخلع غطاء وجهها بعد أن أمسك طرفه بحركةٍ واحدة مما جعلها تشهق فقد رسمت حاجبيها باتقان وبحركته هذه سيبعثر الشعرات المرسومة.. مع ذلك قالت بابتسامة وبرود : أيوه؟

أمسك ذقنها برقّة، يقربها إليه.. ويقول متأملاً عينيها : صدقيني ودي نتفاهم الحين أكثر منك... بس كذا بنتأخر، وأمي تنتظر.. وأبوي.. وأخواني...
همس بحروفه الأخيرة.. وعيناه تفارق نظرتها الذائبة في حدود عينيه، لتحط على شفتيها بروجٍ أحمر داكن لائم لون بشرتها الحنطي بشكلٍ مجنون، وأيقظ ملامح وجهها المرهقة بعد ساعات السفر.
أقترب أكثر، وأغمضت غادة عينيها بعد أن غزت المشاعر المُرهقة قلبها دفعةً واحدة.. باستسلام ورضا، بكل الرضا.. بل أنها لم تكن راضية في حياتها مثل رضاها الآن.. في هذه اللحظة..
تبسم فهد بمودة وهو يشعر باضطراب أنفاسها، يميل قليلاً بعد أن أوهمها بأنه سيقبل مكانًا ما، لتحط شفتيه على آخر، خدها هذه المره، بخفّةٍ قال بعدها : مشينا.
قالها ومرّ من جانبها على وجهه ابتسامة واسعة ، لكنه عاد ما إن لفت يديها حول معصمه، تسحبه بقوة وتعيده واقفًا أمامها.. ثم ترفع يده لازالت تتشبث بمعصمه قبل أن تسدد عددًا من الصفعات الحارقة على ظهر كفه.. تقول بحنق و وجهٍ مشتعل وهي تشد على أسنانها : لا عاد تسوي الحركات ذي مره ثانية... والله أذبحك يافهد خربت حواجبي..

ضحك من أعماق قلبه، وسحبها ناحيته، لكنها أبعدته من أمامها. تجد أن شخصيتها الجريئة تتلاشى أمامه تمامًا ولا يصبح لها أي أثر، بل تتحول لتصبح شيئًا خجولاً يجعلها تزدرئُ نفسها.
رفعت نقابها الذي ألقاه على الأريكة، تعاود تغطية وجهها به على صوته الضاحك : افا وش فيك زعلتي!!
لتقول بغيظ لازالت تشعر بأنها ستموت من فرط الإحراج : أنا أوريك كيف نتفاهم صدق لا رجعنا..
ثم أشارت بيدها ناحية الباب بصرامة : تفضل أشوف لا نتأخر..

أغلق فهد باب شقته المجاورة لشقة حاكم الذي اختفى خلف بابها بعد وصولهما، وفي لحظتها أطلق كلاهما ضحكة مرتفعة ما إن وقف كل واحد منهما أمام بابه.. ليعلق حاكم يرفع حاجبيه : نشوفك على العشا يالجار.
مغلقًا الباب خلفه تحت نظرات غادة المستنكرة ..

مشى فهد المسافة القصيرة لبيت والده يسيّره الشوق واللهفة...
يشعر بيدها تتشبث بأصابعه، ولاحظ ارتباكها دون أن تنطق به فهذه الزيارة الأولى لها. ليرفع كفها لشفتيه مقبلاً إياه بهدوء. دون الحاجة لأي كلام.. غير أن لا شيء لديه ليقوله.. لكن حركته هذه كانت كافية لتجعل غادة تأخذ أنفاسًا عميقة وتطلقها بقوة، قبل أن يتسارع قلبها نابضًا بتوتر رغمًا عنها ما إن وقفت أمام باب البيت الكبير الموارب، وكأنها إشارة ممن هم في الداخل بأنهم في الانتظار.
دفع فهد الباب، ودخل.. يسحبها معه..
لتهاجمها رائحة العود القوية التي تعجعج في المكان، وتقابلها المساحة الواسعة، والصالات الجانبية، والإضاءة الصفراء الخافته التي يغرق بها البيت بشكلٍ حميمي جعل أعصابها المشدودة ترتخي. ثم بالتي جاءت من مكانٍ ما بعدما سمعت صوت فهد ينادي، ترتدي جلابية منزلية تصل لمنتصف ساقها، بيضاء بأكمام ضيقة حتى منتصف عضدها ثم تتسع لمنتصف ذراعها. برقبة مفتوحة على شكل سبعة وتطريز زيتوني على حدودها، جعلت من السلسال الأبيض الذي يتدلى حول عنقها مبهراً رغم صغره .. ترحب بحرارة ولهفة : يالله أن تحييهم ياهلا والله ومرحبا بأهل لندن، أسفرت وأنورت واستهلت وامطرت الحمدلله على السلامة.
خلعت غادة غطاءها بخجل وهي تنظر لفهد يقبل رأس والدته قبل أن يقربها منه في حضنٍ قوي جعل سارة رغم طولها تبدو كطفلة صغيرة في حضن ابنها.. غير مصدقة إلى الآن أنها في بيت دكتورتها الجامعية. وأن ما بينهما تبدل من كونه زميلات مهنة وعلاقة عمل رغم وجود المودة فيها، لشيءٍ آخر مختلف تمامًا.. لكن كل هذا الخجل وعدم التصديق تلاشى ما إن قربتها سارة منها، تسلم عليها بحرارة وتضمها لصدرها وكأنها لم ترَها لسنوات، لتبادلها غادة السلام بحميمية وحب لم يخفى عن عيني فهد.
ولم تتركها إلا عندما نزلت ريم الدرج بسرعة ما إن وصلتها الأصوات المرتفعة.. وبحضورها تلاشى توتر غادة تمامًا.

مرت ساعة منذ أن وصلا وجلست غادة على الأريكة، وساعة هي نفسها الماضية منذ أن جلس فهد بجانبها بشكلٍ لصيق لم يخفى عن سارة ولا حتى ريم التي كانت تدور بالقهوة والضيافة من وقتٍ لآخر، وتركتها ما إن رن هاتفها لتجيب مبتعدة.

كانت سارة وكلما حاولت التركيز بما تقول غادة ، أو يحكي فهد.. تجد نفسها تفشل. تتأمل رغمًا عنها منظر ابنها وهو بجانب زوجته بابتسامة واسعة تشق خديه ووجهٍ يتلون بالسعادة والنعيم.
التفتت على صوت ريم الذي أخرجها مما كانت فيه : وهذا الشيخ سمسم بجلالة قدره وصل...
ليسأل فهد بارتباك رغمًا عنه وهو يرى ابن شقيقه ذو الثلاثة أعوام : ناصر جا؟
قربت ريم سلمان من والدتها، وانحنت به قليلاً ليتعلق الصغير بجدته يلف ذراعيه حول رقبتها قبل أن تسحبه لحضنها ضاحكة، وتجيب ريم بعد أن اعتدلت واقفة : لا حطه لي عند الباب ومشى. معزوم هو و المزمزيل عند نسيبه مسوي عشا بمناسبة تقاعده.
تنفس فهد براحة أطلق معها توتره فهو لا يريد أن يختلي بناصر بَعد رغم أن آخر ماكان بينهما هو ابتسامة من شقيقة يتمنى له التوفيق في حياته، وربما كانت هذه البداية لأيام سعيدة قادمة وعلاقة أخويه لا تشوبها شائبة.. مع ذلك فكرة أن يجتمع به لوحده دون وجود حاكم أو حتى والده هي فكرة مرفوضة جملةً وتفصيلا.
غادة بدون تصديق وهي ترى سلمان في حضن سارة التي بدأت تسأله عن حاله و هو يجيبها : ماني قادرة أستوعب إنك جدة.. أحسك صغيرة..
ضحكت : ياحبي لك ياغادة والله ما أحد يعزز لي كثرك.
ثم أردفت وهي ترفع سلمان لابنتها : ريم أبوك على وصول بوجهك على المطبخ جهزي السلطة واحمسي فلفل وضبطيه،، هااااه ضبطه مو تسوين أي كلام نفس المره الماضية.
ضحكت ريم وأخذته منها : يمه المره الماضية اللي تقصدينها كانت بعيد الأضحى السنة اللي فاتت.. خلاص انسي وافتحي صفحة جديدة..
ما إن انهت جملتها حتى وبدأت بتقبيل خد الصغير بقوة وهمجية تحت مقاومته واعتراضه، ليحاول التحرر من قبضتها والاستنجاد باكيًا بمد يديه لفهد كي ينقذه منها : دَدَدْ.
وحركة كهذه وطريق كهذه في مناداته لا يستطيع فهد مقاومتها أبدًا، ليقول بصرامة : ريم هاتيه أشوف أوجعتيه يالدفشة.
اقتربت ريم ولازالت تقبله : أنا ما أقدر أقاومه افهموني..
وما إن وقفت أمامه حتى وبدأت تضم الصغير بقوة خنقته مستمتعه جدًا بمضايقته رغم صفعات فهد على يدها كي تتركه.

قالت سارة بابتسامة وهي تنظر لفهد وغادة التي كانت تضحك باستمتاع على ما تفعل ريم : مليت من سمسم ولد ناصر أبي حفيد جديد.
شهقت ريم فورًا بعد جملة والدتها، تغطي إحدى اذني سلمان بكفها وتقربه لصدرها : يمه وتقولينها قدامه بكل جرأة!!!.....
ضحكت وعينيها على ابنها : جاك العلم يافهد..
تبسم لها : أبشري غالي والطلب رخيص،، كم تبين بس؟ واحد ثلاثة خمسة؟ كم؟ آمري وتدللي يابنت عزام.
اتسعت ابتسامة سارة بشكلٍ واضح وكأنها تسأله، مما جعله يصرف بصره عنها بضحكةٍ محرجه، يسحب سلمان من ريم بالقوة.. على صوتها تهمس بحماس : فهد......!
شد فهد على سلمان في حضنه.. يقبل خديه ويقربه لصدره بحنو، فهو يحب سلمان من حبه لوالده الذي كان يقسو عليه بجفائه وما لا يستطيع أن يعطيه لشقيقة كان يعطيه لابنه.
لتتابع سارة بلهفه وسعادة واضحة وضحكة غير مصدقة امتلأ بها صوتها : ما أبي حفيد ولا اثنين ولا خمسة أبي درزن.. سامعني يافهد أبي درزن أحفاد أغلط بأساميهم من كثرهم.
فهد : نشوف غادة وش تقول بخصوص العدد ههه.
قالها ورفع عينيه لها، ليجد وجهًا نصفه غمازات تكسوه الحمرة وعينين لا تنظر إلا لأصابعها التي كانت تلاعب أصابع الصغير في حضنه.
سارة بنبرة مرتفعة غير قادرة على التحكم بها من فرط شعورها : لالالا ماهو على كيفك ولا على كيف غادة غير سبعة على الأقل ما أقبل....
ثم تردف بلهفة : الله يكثر نسلك ويرزقك بالصالح منهم يارب.

احتدت أنفاس غادة بإحراج على تمتمت فهد "آمين" ، وسحبت سلمان من حضن عمه، تصرف بصرها عن الجميع وتركز بنظرتها على وجهه.. كان طفلاً تقع في حبه من أول نظرة، بجسدٍ صغير ونحيل وشعر أسود طويل شديد النعومة واللمعان.. مسرح بعناية، ينظر لها بعينين ناعستين جعلتها تبتسم وتقول بنبرة لا تنتمي لها : ياويلي كيوت.
رفع سلمان يده لوجهها، يدخل سبابته في غمازتها الواضحة بشكلٍ ملفت وغريب لطفل لم يتعدى الثلاث سنوات، بنظرة مذهولة جعلتها تغرق بضحكة من أعماق قلبها ولا تلوم ريم الآن عندما كادت تقتله.
ريم بخبث وهي تسمع قهقهة فهد المتفاجئة : يلا لقيت حركة جديدة تسويها يافهد، انبسط ياعم..
ضمته غادة ولازالت تضحك : يهبل بسم الله عليه..
ثم أردفت تنظر لسارة وابتسامتها الواسعة وعينيها البراقتين : عيونه نفس عيونك مسّو.
لتقول سارة بصرامة رغم ابتسامتها : فهد أنا تعبت مع حرمتك وش مسو ذي؟
فهد : ناديها سارة بدون أستاذ.
قالها هامسًا يغمز بعد أن صدّ بوجهه عن والدته وأخته.. ظنًا منه بأنهن لن يلحظن شيئًا، ولكن لا ضحكة غادة المرتبكة ولا حتى غمزته الواضحة خفَت عن الاثنتين الموجودات معهم.

انسحبت سارة بعد دقائق من الصالة بخطوات حاولت أن تكون هادئة غير مفضوحة، ولم يلحظ ابتعادها إلا ريم فكل من غادة وفهد لاهي بسلمان الصغير الذي رفض الابتعاد عن أحضان غادة حتى بعد أن حاول فهد سحبه وإغرائه بهاتفه، ضاحكًا بذهول : مسرع ماسحبت علي ياولد نصور!

دخلت سارة مجلس النساء تغلق الباب خلفها، وجلست على أقرب كنبة وجدتها في وجهها فهي بالكاد خطت تلك الخطوات، وما إن فتحت ريم التي لحقت بها الباب حتى و فجعت بمنظر أمها تبكي بالظلام.
اقتربت منها بهلع بعد أن فتحت الإضاءة : يمه بسم الله وش فيك؟
تهدجت أنفاس سارة، تجهش باكيةً وهي تشعر بقلبها سينفجر في أي لحظة من قوة العبرة وماتشعر به، غير قادرة على السيطرة على شهقاتها المتتابعة : ياعمري على فهد تشوفين شلون مستانس والضحكة مافارقت وجهه من دخل؟
ثم أردفت بنحيب حاد وهي تضع يدها على صدرها : أول مرة أشوفه كذا.. . من زمان ما شفته كذا.. أحس قلبي بيوقف ياريم، والله أحس قلبي بيوقف من الفرحة ياريم.
جلست ريم بجانبها، تقربها منها وتحتضنها وهي تفهم ماتعيشه والدتها في هذه اللحظة جيدًا ولا تلومها، لتقول بنبرة تغرق بالعبرة غير قادرة بالتحكم على رجفة عظامها فقلبها كاد يتوقف قبل ثواني : يمه والله أنتِ اللي بغيتي توقفين قلبي من الخرعه، الحين هذا صياح وحدة فرحانه؟..
ثم ابعدتها عنها، لتتقوس شفتيها بحزن على وجه والدتها الغارق بالدموع رغم الابتسامة الواسعة التي ترتسم عليه : فجعتيني الله يسامحك إن ماجبت عيال أنتِ السبب..
ضحكت سارة قبل أن تُبتر ضحكتها برعشة فكها، ثم تقوس شفتيها . غير قادرة على أن تتمالك نفسها، أبدًا.. فمنظر فهد يجلس سعيدًا بجانب زوجته حلمت به لمدة طويلة، وتمنت أن تراه.. ولم تتمنى في حياتها شيئًا كما تمنته..
تمتمت بنبرة مثقلة تغرق بالحبور ودموعها تهطل كالمطر : يارب لك الحمد بلغتني ذا اليوم.. يار..
شعرت بأنها ستختنق بعد أن سدت العبرة الثقيلة حلقها، غير قادرة على أن تتكلم ، أو أن تبرر..
لتبتعد عن مدى نظر ريم، وتنزل على الأرض ساجدةً تنخرط في بكاءٍ آخر جعل ريم تكفكف دموعها التي سقطت، تنتظر قليلاً ثم ترفعها وهي تشعر بثقل أنفاسها، تقول بعتب : يمه والله إن دخل فهد وشافك كذا بينهبل.. امسحي دموعك تكفين وأطلعي قبل لا يفقدك.
أخذت سارة نفسًا عميقًا قطعته الف شهقة للسماء، تمسح وجهها بكفيها وتمرر يديها على رأسها تعيد بذلك خصل شعرها القصيرة للخلف. تبتلع ريقها وتنظر لريم بأنفها الأحمر وعينيها الدامعة وفمها الذي لازال مقوسًا للأسفل وكأنها ستبكي في أي لحظة. لتقول ممازحةً بصوت محتقن : والواحد يعني ماياخذ راحته حتى بالصياح في ذا البيت؟
احتضنت ريم أمها بقوة دون أن تضحك، بل أنها كانت تقاوم عبرة قوية من أن تخرج، لتقول : يمه لو ماجبت عيال أنت السبب من الحين أقولك.
ضربت سارة عضدها بخفه، تشد عليها وتقبل صدغها : بسم الله عليك..
ثم أردفت : قومي بس انجزي وسوي اللي طلبته منك.. وضبطي شغلك لا تفشلينا مع البنت أول مره تدخل بيتنا.
ابتعدت ريم، تمسح تكدس دموعها بطرف قميصها، تهتف بحنق : يمه البنت كيوت ماهي راعية فلفل.. ماياكل الفلفل غير عيالك التنانين.
ضحكت ولا زالت شهقاتها تخرج من وقت لآخر بين كلماتها رغم أنها توقفت عن البكاء : اذكري الله.
وقفت : لا تخافين لو بيجيهم شي من عيني كان جاهم من زمان.
اتسعت عيني سارة بهلع : ريم اذكري الله على أخوانك ووجع.
مطت شفتيها بتبرم : ماشاءالله تبارك الله عيني عليهم باردة..
ليتني ولد.
سارة بمودة : إلا الحمدلله إنك بنت ولا كان ماعندي صديقة قريبة مني مثلك.
انحرجت ريم.. وتلعثمت عندما لم تسعفها قدراتها المعرفية برد مناسب.. لتقول بعبوس : لو أنكم معوديني على الكلام الزين صبح وليل كان عرفت وش أرد عليك فيه.. لكن ماعليه.. حصاد اليوم هو غراس الأمس..
ثم أردفت بابتسامة بعد أن ضحكت والدتها : أنا بروح المطبخ.. وأنتِ روحي الحقي على ولدك وحرمته اللي بالصالة، عقبال ماتلحقين علي وعلى زوجي .....

قالتها وابتعدت خارجةً بسرعة، تصلها ضحكة والدتها المرتفعة المنشرحة وكأن هموم الدنيا كلها سقطت من على عاتقها.

.


: يالله أن تحييهم وتبقيهم يا مرحبا مليون.. تو مانورت السعودية والله.

انتفضت غادة لا إرادياً ما إن باغتها الصوت الجهوري مخترقًا الصالة وأحاديثهم الهادئة، لتستدير برأسها تتبع بعينيها فهد الذي فز مبتعدًا، يسلم على رجل يبدو في أواخر عقده الخامس، أو أقل ربما لكن يستحيل أن يكون أكثر، يرتدي ثوبًا أبيضاً وغترة بيضاء بعوارض كثيفة يختلط فيها البياض بالسواد وجسد طويل ونحيل ووجه بملامح سمحه.. لتقف بسرعة ما إن استوعبت أنه والده، وضعت فنجان القهوة الذي كان بيدها على طاولة الضيافة أمامها وتقدمت بارتباك لتسلم عليه فهذه المره الأولى التي تراه فيها.
تبسم لها سلمان ما إن ارتفعت تقبل رأسه، ثم تنحني لتقبل كفه الذي شد على كفها، يقول بمودة وهو يتأمل وجهها : وش اخبارك يابنتي ياغادة؟

لم يكن الرجل عجوزًا أبدًا حتى مع وجود بعض الشعرات البيضاء التي تلونت بها عوارضه، وعن قرب تستطيع أن ترى بأنه يشبه ريم لحد كبير.. أو ريم تشبهه أيهما أتى أولاً يستحق الصدارة ههه.
هتفت بهدوء وابتسامة وهي تشعر بنظرات فهد الواقف بجانبه مسلطة عليها : الحمدلله ياعمي أنت بشرني عنك وش أخبارك؟
مشى سلمان لازال ممسكًا بيدها، يجيبها ويعاود الترحيب بها بسعادة واضحة، تاركًا فهد يقف في مكانه بحاجب مرفوع وابتسامة مستنكرة.

جلس سلمان بعد أن رفع حفيدة المتمدد على الأريكة ووضعه جالسًا على أقدامه، وأجلسها بجانبه.. يسأل : وين أبوه؟
لتجيب سارة بتنهيدة عميقة : اليوم عشا ولد عامر طلع تقاعد.
عقد حاجبيه : أي من عيال عامر ؟ كلهم صغار ماهم بعمر تقاعد!
سارة : عبدالرحمن أكبر عياله.
سكت قليلاً قبل أن يقول : الله يستر عليه، وريم وين؟
سارة : بالمطبخ تحوس.
سلمان وعينه على فهد الذي لازال واقفًا مكانه : أجل تعال يافهد قهويني..
ثم استدار ينظر لغادة بابتسامة : وقهوي غادة معي..
تقدم فهد ضاحكًا ما إن حاولت غادة الاعتراض لكن والده منعها واعادها لتجلس بجانبه. ليعلق : أنت تآمر يا أبو ناصر... أقهويك واقهوي غادة معك ليه لأ.

.

دخلت غادة على ريم في المطبخ بعد أن سألت عن مكانه، لتجد أن البنت تقابل القطاعة ومندمجة بتقطيع الخيار، والعاملة واقفة بالقرب من المغسلة متكتفة تنتظر ريم أن تنتهي كي تغسل ما استعملت .
وقفت بجانبها تهتف بابتسامة : هاتي أساعدك ريم..
لكن ريم رفضت، وأصرت في رفضها.. ولولا العيب والملامة لكانت غادة رقصت من فرط فرحتها فهي وإن قالت أنها تكره المطبخ، فهي فعلا تكرهه.
جلست على الكرسي حيث اجبرتها ريم أن تجلس.
تنظر للعاملة التي تنظر لريم بملل تنتظر منها أن تنتهي، وريم تقطع بكل برود ودون أي اكتراث.. إلى أن قطعت السكون وبدأت تتحدث معها بمواضيع متفرقة، تسألها عن سفرتهم، وعن لندن، وعن فستان كل واحدة من أخواتها يوم الزفاف كيف تعرف من هي رهف ومن أميرة وريفال.
انتهت من السلطة و وقفت أمام الفرن لتبدأ غادة تسألها عمن اسعفتها ذاكرتها بتذكرهن يوم عرسها.. لتجيب ريم : هذيك لولوة بنت عمي علي.. بعد بكرة إن شاءالله عقدها على ولد خالها و ولد عم أمي..
وضعت غادة يديها على صدغيها، تقول بذهول : لا إله إلا الله أنا شفت عوايل متداخلة بس مثلكم ماقد شفت.
لتقول ريم ضاحكة : حلات الثوب رقعته منه وفيه.
سكتت قليلاً قبل أن تسأل متصنعة اللامبالاة لازالت تدلك صدغيها بأطراف أصابعها : وبشاير تقرب لكم؟
عبست ريم ولم يخفى ذلك عن عيني غادة : قرابة لأ بس إنها من الجماعة..
هزت رأسها بتفهم، قبل أن تقول ريم وهي تلمح الذي دخل يستند على إطار الباب بعضده دون أن تنتبه له غادة التي كانت تعطي الباب ظهرها : أغبطك على فهد فل باكج جنتل وذرب وله بالمطبخ.
أبعدت يديها تضرب بكفها الطاولة، مضوقةً عينيها : النذل ماقال لي....
تقدم فهد حتى وقف بجانب غادة الجالسة، قبل أن يسحب كرسياً ويجلس بجانبها وغادة تنظر له بابتسامة واسعة..
رفعت ريم حاجبيها بتهكم : شدعوة مو قادر تفارقها دقايق ؟
ضحك متعمدًا إغاضتها : لا ماني قادر.
لوت فمها بامتعاض : هذي مشكلة العرسان الجدد.. أثقل وأنا أختك وتوكل على المجلس الجادل شوي وتجي.

تبسمت غادة وعينيها لم تفارق وجهه لثانيه، منذ أن دخل وحتى الآن عندما قالت بحاجب مرفوع باتهام : ريم تقول تعرف تطبخ؟
فهد بصرامة زائفة : ريم لا تكشفين كل أوراقي .
تبسمت ريم بخبث، تهتف بنبرة مشاكسة : أجل أشوى قلت لي لأني كنت شوي وأقولها إنك فنان بكوي الملابس وتمسيح الأرضيات.
ارتفع حاجبيه، يضحك بخفوت، وقبل أن يفتح فمه ليعلق. تجاهلته واعطته ظهرها تقابل الفرن وماعليه.
ليلتفت فهد للعينين التي لازالت تنظر له بالتماع، وحاجب لازال مرفوعًا وكأنها تنتظر منه إجابة.. ليرتخي حاجبيه، وتشتد أوتار قلبه بسبب ابتسامتها التي اتسعت وأظهرت فجوتين عميقتين على خديها. وكانت هذه إجابته..
لم يستطع إلا أن يمرر عينيه على وجهها.. ببطء.. واستمتاع.. وهو يريد احراجها، ولشيءٍ آخر في نفسه... ابتداءً من وجهها الدائري الصغير بغمازتين عميقتين وكأن نيزكًا ضرب خديها وأحدث فجوة، ثم لعينيها الواسعتين كعيني الغزال ببريقٍ ساحر.
مروراً بأنفها الصغير المدبب وانتهاءً بشفتيها المكتنزتين باعتدال وذقنها الدقيق .. جمال أنثوي ناعم ورقيق قادر على أن يقلب موازينه بكل مافيه من رقة.
ضربت ريم أذن القدر بملعقتها المعدنية بقوة مما أخرج الإثنين مما كانا فيه.. تنحنحت غادة واعتدلت جالسة، وعقد فهد حاجبيه باستياء ناظراً لأخته : الله لا يجعلني قدر بين يدينك.. بشويش!!
ضحكت باستمتاع : إثبات وجود لا أكثر.. حبايبي ههه.


.
.


تجمع أفراد العائلة المقربين في بيت علي بن ساجر بعد صلاة العشاء، فاليوم الخميس سيعقد عبدالإله عقد قرانه على ابنة عمته لولوة، وبعد اسبوعين بالضبط سيتم الزفاف.
جلس عن يمين المملك، وجلس زوج عمته عن يساره. ينظر للأوراق التي يفتقدها المملك ويقرأ مافيها، الفحص الطبي الذي يثبت خلو الطرفين من أي أمراض وراثية قد تجني على الأبناء مستقبلاً وغيرها من الأمراض المعدية. ثم صك طلاق لولوة ليتأكد من انتهاء العدة وعدم مراجعتها من زوجها الأول. وما إن انتهى حتى وطلب أن يسمع موافقة العروس.
ليقول علي : موافقة ياشيخ وأنا وليها.
لكن المملك أصر على رأيه فهي ثيب ولابد من سماع موافقتها ، مما جعل علي يقول بعدم رضا : مايخالف، قم ناد على أختك ياعبدالله.
خرج عبدالله من المجلس الكبير، و وقف في الغرفة التي تفصل بين المجلس و باقي المنزل (المقلط). يرفع هاتفه ويتصل على أخته فالنساء جميعهن بالداخل. طلب منها أن ترتدي عباءتها وتأتي، ففعلت لولوة كما طلب منها بارتباك رغم تعليق ريم السمج كي تضحك : شكله عبدالإله بياخذك معه من الحين.

أمسكها عبدالله من معصمها ما إن دخلت عليه : الشيخ يبي يسمع موافقتك.
تسارعت أنفاسها : ليه؟ قول له إني موافقة.
عبدالله : لازم يسمع الموافقة منك، كلها سؤال قولي ايه وانتهى الموضوع.
حاول سحبها قريبًا من الباب لكنها حفرت أقدامها بالأرض، تقول بتوتر فهي لم تتعرض لمثل هذا الموقف في زواجها الأول : مجنون أنت تبي تدخلني المجلس ..
ضحك رغمًا عنه : ايه بدخلك لنص المجلس وعبادي والعيال كلهم داخل .
ثم تبدلت نبرته وملامحه لحزم : لولو عن الاستهبال وتعالي اوقفي ورى الباب.. خلصيني.

ابتلعت ريقها و وقفت، وماهي إلا ثواني حتى وسمعت صوت المملك الهادئ قريبًا منها : أنتِ لولوة بن علي بن ساجر؟
سكتت ولم تجِب، ليرد عبدالله الواقف بجانبها : ايه ياشيخ.
أعاد المملك سؤاله : يابنتي أنتِ لولوة بن علي بن ساجر؟ إن كنتي لولوة قولي نعم.
هزت رأسها لكن يد عبدالله التي صفعت ذراعها جعلتها تنطق : نعم.
سأل : هل تقبلين الزواج بعبدالإله بن عبدالله بن ساجر على المهر المتفق عليه؟
أغمضت لولوة عينيها لثانية، وعم السكون عقلها قبل أن تأخذ نفسا عميقًا وتطلقه.. تجربة للمرة الثانية بعد أن كانت الأولى بشعة ومشوهة وفاسدة بكل ما تحمله هذه الكلمات من معنى. فالمعنى الجميل للارتباط والزواج والاستقرار وحتى شريك الحياة العفيف شوهه ناصر وزعزع ثقتها بنفسها ولم يقصر.
لكنها متفائلة، ورفعت سقف التوقعات عاليًا هذه المره حتى إن سقط، يسقط عليها ويكسر رقبتها وترتاح وتقتنع هي ومن حولها أنها أخذت نصيبها من الدنيا واكتفت.
تذكرت فرحة الموجودات بالداخل، حتى مريم التي كانت تلتصق بها كظلها وكأنه تم تدريسها ما تفعل وما لا تفعل كانت فرحتها واضحة وطاغية بشكل جلي.
تمر عليها كلمات شعاع المطمئنة التي لم تتوقف أبدًا ما إن رأت توترها منذ أن أتتها باكرًا قبل الجميع كي تبقى معها في يوم أسطوري ومهم كهذا فالاثنين يستحلون مساحة كبيرة في قلبها.
بل أنها فتحت هاتفها و أرتها صورة لعبدالإله وهو نائم على أريكة الصالة بفانيلته وسرواله الأبيض الطويل واضعًا ذراعه على عينيه، لتسأل لولوة بتوتر : وش المفروض أفهم من الصورة ذي؟
لتجيبها شعاع بمرح : إن الرجّال ماعاد ينام الليل من كثر ما يفكر باليوم اللي بيجمعه فيك.
ثم تردف بمودة ما إن عبست لولوة في وجهها وتصددت عنها لا طاقة لديها للجدال أو ضربها حتى : شدعوة يالطناقر !
ليه الخوف ذا كله عبدالإله مايعض.
لكن عبوس لولوة زاد، وتحول لتقوس حزين وتكدس دموع. فلا أحد سيفهم.. وشعاع لو كانت تعرف ما مرت به مع ناصر لكانت عذرتها بالتأكيد.
فتحت عينيها على صفعة أخرى من عبدالله لذراعها، وقالت بهدوء مميت : نعم.
سأل : استلمتي المهر؟
أجابت بذات الهدوء فعبدالإله أرسل لها مع عبدالله بطاقة صراف باسمه مع الرقم السري بداية الأسبوع الفائت : نعم.
: هل لديك شروط غير اللي ذكرها والدك؟
ابتلعت ريقها : لا ياشيخ.
: إذن على بركة الله، وقعي عند اسمك يابنتي وابصمي.
أخذ عبدالله الدفتر بعد أن فتح الباب، ومده لها، وأعطاها القلم.. بل أنه ثبته بين أصابعها، و وضع رأسه تحت اسمها، يهمس دون أن ينظر لوجهها وهو يلاحظ ارتعاشها : وقعي.
وقعت وهي تسمي بالله، ثم بصمت بإبهامها بعد أن لونته بالحبر الأزرق، ليبتسم عبدالله يغلق العلبة ويقول ممازحًا : الف مبروك عليك الأرض.
ضحكت بخفوت وعبرة واضحة، ليهمس عبدالله قبل أن يخرج : اخلص شغلي مع الشيخ وأسلم عليك بعدين.. بروح أشهد.
قالها يتنحنح، يعدل ياقة ثوبه بابتسامة واسعة.. ليسرق منها ضحكةً أخرى.

.

تم عقد القران بعد أن ردد والدها خلف المملك، ونطق عبدالإله موافقته بثقة ودون تردد وبنبرة ثابتة فهو قد مر بهذه المراحل من قبل.

.

كانت سارة تجلس بمنتصف أريكةٍ طويلة وعن يمينها بشاير بإطلالة نارية فاتنة وظهرٍ على استقامة واحدة ورأسٍ مرفوع وكأن دبوسًا مثبتا عند عنقها إن انحنت ولو قليلاً سيغرس فيها ويقتلها، وعن يسارها الجادل و بجانبها غادة.
ضحكت مشاعل لا إراديًا : يازين سارة وحريم عيالها مسويين حزب الكنبة.
اتسعت ابتسامة سارة تضحك بإنشراح وهي تلف ذراعها حول كتف بشاير وتقربها منها بحضن جانبي، تهتف غامزةً بمرح : مابغى يكتمل عقد اللولو.. الحين ارتحت الحمدلله بس باقي أشوف أحفادي.. العب مع ذا واتهاوش مع ذاك واعضعض وأصفق ذا وذاك....
ثم أردفت بلهفة : يالله يا كريم بلغني ولا تحرمني شوف صِيب حاكم وفهد.
وكزت الجادل جانب غادة التي كانت ولأول مره في حياتها منكمشة تشعر بالخجل فكل الموجودات قريبات لفهد، وكل قريبات فهد قريبات لبعضهن البعض. حتى بشاير كانت من معارف العائلة وبينهم علاقة سابقة نشأت قبل زواجها بابنهم.. هي الغريبة بينهن رغم أنها ومنذ أن دخلت وهم يعاملونها بكل حميمية وكأنها معهم لسنوات وليست أسابيع لم تكمل الشهر حتى.

دخلت لولوة تفرك كفيها بتوتر على أصوات الموجودات المتفرقة، لتتوحد الأصوات وترتفع بالزغاريط التي جعلتها تشد على شفتيها بابتسامة خجولة واحساس مختلف يداعب قلبها هذه المره.
تشعر بسعادة شقيقاته يأخذنها بالأحضان، وفرحة أمها الواضحة. ثم سلام البنات عليها.. وسلام مريم التي سحبتها حتى انحنت لها، ثم تطوق عنقها بذراعيها بتملك طفولي وتقبل خدها بقوة.

فتحت ريم المسجل، وكانت أول رقصة من نصيب لولوة التي سحبت معها شعاع فمن المستحيل أن ترقص وحيدة ومشاعل وصيتة يراقبنها بضمير.
وماهي إلا دقائق حتى وتخلت غادة عن خجلها، تجد نفسها ترقص مع الموجودات،
تضحك من قلبها على ريم التي وقفت تلفح بشعرها أمام جدتها شعاع، لتشجعها الأخرى بالتصفيق والزغاريط المرتفعة.. ترفع عصاها وتشير بها في الهواء راقصة، إلى أن قالت ريم بصوت مرتفع كي تسمعها : ارمي علي فلوس باجدّة بحبحي جيبك..
لكنها لم تجد إلا العصا تلسع أسفل ظهرها.
ثم على صيتة ومشاعل بشوط خاص بأخوات العريس. تشاركهن مريم، وتنظّم لهن سارة التي طالبت بشوط آخر خاص بها وبزوجات أبنائها.
ثم بشوط خاص بالقبيلة، رقص عليه الجميع إلا غادة التي عادت أدراجها وجلست بجانب صيتة أم لولوة، تنظر لهن باستمتاع وتلفتها بشاير رغمًا عنها فهي فاتنة تجيد الرقص ببراعة، لكن انسحابها هذا لم يدم طويلاً عندما لمحتها سارة التي سحبتها من يدها لتشاركهن،
فهي أخذت فهد، وفهد شيخ قبيلته. وهذا يكفي..

.

دخل عبدالإله للمقلط وهو يرى عبدالله منحنيًا يوزع قوارير الماء على السفرة، يتنحنح ويقول بهدوء مستغلاً خلو المكان : عبدالله.
رفع عبدالله الذي كان في آخر الغرفة رأسه.. يرمي عليه أربعة قوارير التقط منها عبدالإله اثنتين : وزعها بالسفرة اللي عندك.
عبدالإله منفذًا على وجه السرعة : ابشر،
وما إن انتهى حتى واقترب منه، يمسك بذقن الرجل الآخر ما إن وقف : تكفى يا أبو علي طالبك تقول تم ولا تردني.
صفع عبدالله يده ضاحكًا من جديته : تم نعنبو من يردك ياشيخ.. قول...
عبدالإله بابتسامة هادئة : أبي أشوف لولوة.. تكفى.
رمقه عبدالله بطرف عينه، متصنعًا التفكير..
ليقول عبدالإله : أنت تدري لو أطلب أشوفها من عم علي ماهو رادني.
ضحك : جرب تطلبه عشان يلزخك بعصاه ويقطع نسلك مره وحدة.
ليقول الآخر : جعلك ماتطيح بعايلة قفل يارجّال.. حقي ولا مو من حقي؟
عبدالله باستمتاع : من حيث حقك فهو حقك.. بس الموضوع فيه بروتوكولات وأنظمة دولة وأنت بتخترقها.
عبدالإله بدون نفس : لا تصير دعلة عاد.
عبدالله ضاحكًا : وإن وافقت وش لي؟
ليقول عبدالإله بدون تردد : لك إني اسمي أول عيالي عليك.
قهقه عبدالله بصوت مرتفع فهو من الأساس سمي خاله والد عبدالإله، ومن المنطقي أن يسمي عبدالإله على اسم والده.
لكنه سعيد هذه الليلة..
وعبدالله السعيد يتحول لمصباح سحري ينفذ الأماني إن لزم الأمر.

دخل سعد، شقيق لولوة الأصغر وبيده صينية فيها السلطات، ليسكت الإثنان وتتوجه النظرات له،
شك بنفسه وسأل : بسم الله وش فيه؟
عبدالله بحزم : حط اللي بيدك وروح المجلس.
اتسعت ابتسامة عبدالإله بشكلٍ ملحوظ بعد الموافقة الشبة مبدئية ، ليقول سعد ضاحكًا وهو يترك ماكان بيده على الأرض : بشويش يابو نسب شدوقك طاحن.

أغلق عبدالله باب المقلط جهة المجلس بالمفتاح بعد أن خرج شقيقه، واستدار لعبدالإله و وجهه الذي أشرق بابتسامة واسعة جعلت عبدالله يكتم ابتسامته متصنعًا الجدية.. يرفع سبابته بتهديد : نظرة سريعة ولا عاد تحلم بغيرها.
اتسعت ابتسامة حتى تحولت لضحكة : ابشر وتم .

أخرج عبدالله هاتفه، واتصل بها، طالبًا منها أن تأتيه للمقلط فوراً دون أي كلمة إضافية.
ليجد عبدالإله نفسه يكتم أنفاسه بترقب.. متصنمًا في وقوفه، بأعصاب مشدودة ونبضات قلب متسارعة ينظر للباب المغلق دون حتى أن يرمش. بترقب. وتحفز. قبل أن تنطلق أنفاسه متلاحقة ما إن فُتح، ووقعت عينيه على التي دخلت. ترتدي فستانًا قصيراً يصل لمنتصف ساقها من الحرير المورد وبدا باذخًا جدًا وهو ملفوف على جسدها...
تقول بابتسامة : سم عبد...
لكن سرعان ماجمد وجهها وتلاشت ابتسامتها قبل أن تشهق بهلع وتخرج مغلقةً الباب خلفها بقوة.
لم يُخرج عبدالإله مما كان فيه سوى صوت الباب العالي، ليرمش أكثر من مره، يتمتم ببهوت : يخرب بيتك ياعبدالله!!
عبدالله بهدوء وقلق من ردة فعل لولوة بحركته هذه للأمانة : شفت خلاص؟ يلا شقلب على المجلس.
استدار عبدالإله ينظر له، يرفع حاجبًا بثقه ويخرج هاتفه من جيبه : عطني رقمها.
رفع عبدالله حاجبيه باستنكار، قائلاً بتهكم : أقول ما ودك اسريها معك ذا الليل بعد؟
عبدالإله بابتسامة : يارجّال جعلك ماتطيح بعايلة قفل. ارسل الرقم واتساب الله لا يهي..
لكن عبدالله دفعه من كتفه للمجلس بعد أن فتح الباب، يشير لوالده بأن كل شي جاهز ليقلط علي ضيوفه.

.

كانت السهرة تلك الليلة في بيت علي،
منذ زمن بعيد لم يلتقي الجميع هكذا.. إذ أن حتى حاتم شقيقها المقيم في حائل بسبب عمله أتى ليحضر عقد قران أخته.
وحتى بعد أن اقتربت الساعة من منتصف الليل، لم يتحرك أحد.
بل كانت الأحاديث تدار بنشاط وكأن الليل بأوله. فالغد جمعة ولا توجد أي ارتباطات.

كان عبدالإله مشغولاً ينظر لعبدالله بنظرات قوية معناها "ارسل الرقم"، لكن عبدالله كان متجاهلاً تمامًا، فهو قد ارسل لأخته يسألها إن كانت لا تمانع فيكفيها موقف اليوم، ليأتيه الرد بعد ربع ساعة (بكيفك). هكذا جافة مما يعني أنها غاضبة منه.. فعلاً!

انصرف الجميع، ولم يبقى إلا عبدالإله الجالس بسيارته أمام منزل عمته. مبتسمًا وهو يقرأ الرسالة التي وصلته من عبدالله.
(مكالمات بعد الساعة ١٠ ممنوع)

مرفقًا معه رقم أخته. يبتسم متأملاً الأرقام المميزة، تتسع ابتسامته أكثر ما إن مر شكلها اليوم في باله، رغم أنها كانت نظرة سريعة خاطفة إلا أنها أشبعت حواسه كاملة، و أرضته كرجل مئة بالمئة.
تأفف ما إن تذكر شعاع التي قالت له قبل أن تركب مع عزام وتختفي من أمامه أن مريم رفضت أن تأتي معها، أو حتى مع غيرها، وقررت أن تنام الليلة عند لولوة، ثم تقول بتعب وبالحرف الواحد : تفاهم مع بنتك.
تأفف.. متردد.. لا يعرف هل يتصل أم لا..
رغم أن هناك سبب وجيه يتعذر به كي لا يبدو خفيفًا مشفوحًا وكأنه لم يصدق.

لكنه اتصل، ليتفاهم مع ابنته التي باعت من أول ليلة.
رن وسكت ولم تصله إجابة، ليعاود الاتصال مجددًا ونفس الحكاية.
ارسل لها مباشرة (أنا عبدالإله)
وأعاد الاتصال، لتصله الإجابة بعد أن كان قاب قوسين أو أدنى من أن يفقد الأمل.
يصله صوت شجي حنون بنغمةٍ عميقة : الو.

عبدالإله ليس خفيفًا، لكنه شعر بأن الصوت اخترق قلبه مباشرةً كالسهم، ليضع يده على صدره بحركة تمثيلية لم يراها أحد غيره. يقول بصوت ثابت ولله الحمد مغاير تمامًا للاضطراب الحاصل : السلام عليكم .
كانت لولوة وبقدر المستطاع تحاول أن تظهر الثقة والقوة، فقالت رغم ارتعاش أطرافها من فرط التوتر : هلا والله وعليكم السلام.
عبدالإله بيأس بعد أن بحث عن جملة جيدة توقعها في شباكه من أول اتصال ولم يجد : أنا عبدالإله؟
ضحكت بخفوت : هلا بك. سم؟
أخذ نفسًا عميقًا وأطلقه بهدوء، يقول : شعاع قالت ميمي تبي تنام؟
لتقول بابتسامة استطاع أن يسمعها : ايه.. وياليت تخليها فرصة دام عيال حاتم هنا تونسهم ويونسونها.
لكنه قال بصرامة : أعطيني أتفاهم معها.
أبعدت لولوة الهاتف بعبوس، تضعه على مكبر الصوت قبل أن تمده قريبا من فم مريم المتمددة بجانبها .
ليقول عبدالإله ما إن وصلته أنفاسها المرتفعة وكأنها ستطيره : ميمي .
مريم : نعم.
هتف بصرامة : انزلي أنا تحت.
: قالت لك لولو أبي أنام .
عبدالإله : وأنا مين ينام معي؟..... لا تفشلينا وانزلي!
لولوة : ما أهتم.
خرجت الشتيمة لا إراديًا : آ يا بنت الهَوهَو...
لكنه سكت ما إن سمع صوت ضحكة مكتومة وعرف أن هناك طرف ثالث يتسمع.
ابتسم : طيب أنا متعود أنام على ريحتك شلون كذا يعني؟
تدللت مريم في نبرتها ، تقول برجاء طفولي : عبادي بس اليوم الله يخليك. أبي العب مع خلود..
زفر بقل حيلة، يفكر جديًّا ولا لديه رغبه بأن يتركها ويذهب، فالوضع محرج ولا يريد أن يثقل على لولوة في أول خمس ساعات من ارتباطها به.. : ميمي لأ! انزلي وبكرة الصباح أنا بجيبك لخلود.
إلى أن وصله صوت لولوة، وقتها لم يستطع أن يرفض : خلاص أتركها اليوم وبكرة الصباح بدري تعال وخذها، لا تكسر بخاطرها تكفى.
.

عاد عبدالإله للبيت بعد أن قضى ساعةً كاملةً يمتر الشوارع بلا هدف، بمشاعر غريبة تسيطر عليه في هذا الوقت المتأخر من الليل .
كانت النية أن يتخلص منها قبل أن يعود. لكنه لم يستطع. ليدخل مغلقًا الباب خلفه بهدوء عابسًا والبوز ثلاثة أشبار للأمام.
وجد صيتة.. ولم تنم، بل كانت تجلس بالصالة السفلية في انتظاره.
اقترب منها، يسمع ترحيبها بصوت محتقن : يالله إن تحيي معرسنا وتبقيه.
ليقبل رأسها ثم يدها قبل أن يضمها واضعًا خده على كتفها، وينحني قليلاً بسبب فارق الطول.
قالت بتأثر واستنكار : وش بلاك؟
ليقول عبدالإله بضيق : ميمي جحدتني.
ضحكت صيتة من أعماق قلبها : البنت ما صدقت ياعمري عليها لو تشوفها اليوم شلون فرحانة وطايرة بتقول إن لولوة أمها مو زوجة أبوها.
تأفف عبدالإله رغم ابتسامته : ضيقت صدري والله.

أبعدته عنها، تنظر لوجهه بحاجبين معقودين باستنكار. لتجد ابتسامةً ناعسةً واسعةً تعتلي وجهه، وعينين تتلامع بشغف غريب، يقول بهمس مشاكس : شفتها ياصيتة!
لم تفهم : شفت مَن؟
ضحك يرفع كلا حاجبيه بحركة واحدة : شفت لولوة.
طارت عينيها ظنًا منه بأنه يهذي فمن المستحيل أن يوافق والدها فهي تعرف علي زوج عمتها صيتة ملتزم بالعادات والتقاليد بشكلٍ مميت لا تهمة الحقبة الزمنية واختلاف الأجيال ومبدأه في الحياة "هذا ما وجدنا عليه آباءنا"، سألت بشك : شلون شفتها؟
مرر لسانه على شفتيه بحماس : خليت عبدالله يناديها قبل العشا وشبعت من شوفتها لدرجة إني ماتعشيت.. والحين أنا جوعان.
صيتة بذهول باسم : يا ويلك ياعبدالله .
مط عبدالإله شفتيه قائلاً بحنق : إلا بيّض الله وجهه ماخلاها في خاطري. وتراني كلمتها قبل شوي، وبكلمها بعد شوي أشوف وش وضع ميمي.
لكمت كتفه : هذا وأنت متعزز ماتبي تعرس! عشان تعرف إن محد يعرف مصلحتك كثر خواتك.

تنهد مبالغًا دون أن يجيبها، لتدفعه بخفه وتبتعد عنه تشعر بأنها ستطير من فرحتها لأجله وهي تسمع ضحكته الخفيفة خلفها، يقول ممازحًا : لو خواتي يعرفون مصلحتي صدق كان اجبروني اخلي العقد والعرس بنفس اليوم.
لكن صيتة واصلت صعود الدرج تهتف من فوق أكتافها : لا تفكر واجد ونام بكرة وراك جمعة.. ولا تشغل البنت تراها تصحى من بدري.
.
.

كانت لولوة تتمدد على جانبها الأيمن، مستكنةً بالهدوء المحيط بها ونظرتها لم تبرح وجه مريم الغارقة بالنوم بجانبها، متمددة على ظهرها وتشبك أصابعها على صدرها من فوق الغطاء.
ابتسمت وهي تتأمل وجهها الذي لا يشبه أحداً، لا يشبه حتى والدها الذي رأته اليوم. وعلى هذا الطاري اتسعت ابتسامتها أكثر حتى تحولت لضحكة ما إن تذكرت ماقاله عبدالله، إذ أنها ذهبت لغرفته بعد أن انصرف الجميع، تنوي غسل شراعة فهذه حركة غير مقبولة أبداً حتى وإن كانت وافقت بشكل غير مباشر على أن يتواصل معها، فهي مهما كان أنثى تهوى هذه الحركات أن يتصل عليها وتسمع أحاديثه واللهفة بصوته وتتعرف على شخصيته وطريقة تفكيره، حتى وإن حاربتها العائلة كاملة. ومادام الموضوع حلالاً فلا بأس. لكن أن تدخل عليه وتختفي بهذا الشكل الأحمق هذا الذي لن تقبله، كانت تتكلم بانفعال في وجهه، إلى أن قال جملة عبدالإله التي قالها ما إن اختفت من أمامهم تغلق الباب بقوة كادت أن توقع السقف على من في المنزل ، يقولها بنفس نبرة الصوت المسلوبة والملامح المبهوتة مما جعلها تشتعل خجلاً أمامه، مبتعدةً تتصنع الغضب منه، وتخفي ابتسامة واسعة عنه.

رنين هاتفها الذي شق السكون أفزعها، لعدة أسباب أولها أن الوقت يقارب الثانية والنصف الفجر، قالتها وهي ترى ساعة هاتفها، وأهمها أن المتصل هو عبدالإله.
عقدت حاجبيها واجابت بسرعة قبل أن يمر أحد من أمام غرفتها ويسمع الرنين : الو.
وصلته تنهيدته : مساء الخير.
رفعت الوسادة واعتدلت جالسةً تسند ظهرها عليها، تقول بنبرة : قصدك صباح الخير، الساعة ٢ ونص الفجر!!
وصل صوتها لعبدالإله الذي كان يتمدد في سريره على ظهره بعد أن استحم، يخلل أصابعه في مقدمة شعره مغمضًا عينيه بتعب وإرهاق بعد يوم طويل أبى أن ينتهي حتى بعد إن كان علميًا من المفترض أن ينتهي.
يحاول أن يسيطر على نفسه ويوزن تصرفاته فهو ليس مراهق ينجرف نحوها بهذا الشكل المخزي لأنها جميلة فقط. لكن ماقالت جعل أصابعه تتسمر مكانها، وعينيه تُفتح بصدمة : ليكون نايمة وازعجتك؟
لتقول لولوة بارتباك بعد أن تغيرت نبرته تمامًا : لأ.
سكت قليلاً قبل أن يقول : وش تسوي ميمي ؟
ابتلعت ريقها تشتم نفسها : نايمة.
عبدالإله بهدوء : تشخّر أجل!!
ضحكت بخفوت رغمًا عنها : اووه في سابع نومه.
ثم أردفت كي لا يفهم أنها متضايقة من اتصاله... أبدًا : أنت ليه مانمت؟
ولا شكلك جد ما تقدر تنام إلا وهي جنبك..
تنهد عبدالإله قائلاً برقة : أحبها.
ابتسمت باستنكار، لأسباب عدة كذلك لكن أولها كان الرجفة التي سرت في أوصالها، وآخرها... في الحقيقة القائمة تطول وليس لها آخر،
هذا ما اكتشفته وهي تجيب بمودة : الله يديم المحبة. وضعك طبيعي ههه.
ليكتفي عبدالإله بأن يهمهم بهدوء : مم...
عم صمت موتر جعلها تبتلع ريقها مراراً، تحاول أن تقطعه بأي شيء : نومتها راقية .
ضحك عبدالإله بخدر : لا يغرك ذي فقط بداية.. بعدها تنقلب فوق تحت.
ثم يردف بعد تردد : ماعليه والله إني منحرج منك.
سألت بجدية : منحرج ليه؟
زفر هاتفًا : يعني... يكفي إن ذا أول اتصال بيني وبينك وابتدا بالشكل ذا... نتكلم عن وضعية نوم ميمي!!
لتقول بحزم : أقسم بالله أزعل منك ياعبدالإله.. وش هالكلام!
لم تعجبه النبرة ولا حتى الموضوع، لذا قال ممازحًا : عبدالإله مايناديني به إلا أبو رائد مدير الشركة اللي اشتغل فيها إن كان يبي مني أنجز شغله، من زمان ما استعملته لدرجة إني قعدت ساعة أفكر أنتِ تنادين مين!
ضحكت : أجل وش ينادونك؟.. عبادي!
ليقول بذات النبرة الممازحة : لا ذي للوراعين عزام وعبدالله وشعاع وطقتهم..
ثم يردف بنبرة هادئة وترتها : أنتِ المفروض يكون لك اسم خاص تناديني فيه..
تلعثمت : اسم وش؟
ليقول ضاحكًا بخفوت : ما أدري!... أنتِ فكري.
ابتلعت ريقها بارتباك، تعتدل بجلوسها وهي تشعر بتدافع أنفاسها فنبرته خفتت بشكلٍ مرعب وكأنه يتحدث داخل عقلها : طيب اخليك الحين.. أنا لازم اسكر مع السلامة.
قالتها بسرعة، وأغلقت الهاتف دون أن تنتظر منه إجابة. تدفن هاتفها تحت وسادتها بعد أن أصمتته فكما يبدو عبدالإله لا يعرف قراءة الساعة.
لتمضي عليها الدقائق بشكلٍ غريب، تعيشها ولا تعيشها.. سريعة رغم أنها لا تمشي، وكأنها دخلت نطاقًا آخر..

بعد ساعة صورت له مريم التي انقلبت رأسًا على عقب، ليس وكأنها الملاك النائم قبلاً.. أرسلت له الصورة وكتبت تحتها
(وكأنها شخص ثاني والله هههه،،)
ثم أردفت
(الله يخليها لك.. تهبل.)
.
.

فتح جوار باب دورة المياة والذي كان يقفله من الخارج، قبل أن يبتعد من أمامه ويقف أمام النافذة التي فتحها.. يضع سيجارة في فمه قبل أن يشعل طرفها بولاعته، رغم أنه ترك التدخين منذ مدة طويلة، لكنه عاد له في الأسابيع القليلة الماضية بشراهه، وكأن أحدهم فتح بوابة الماضي الأسود في وجهه فأتى الجميع مع سيجارته هذه وأولهم عذوب التي كانت تعتلي قائمة أفعاله السوداء.
رفع عينيه ينفث الدخان من فمه، يتابعها بعد أن خرجت لتقف في منتصف الغرفة وتنظر للطاولة التي اعتادت أن تجد طعامًا عليها فارغة.
ابتسم ساخرًا : جوعانة؟
نظرت له باستحقار وكانت ستعود من حيث أتت، لكنه زمجر صارخًا : لحظة.
التفتت تنظر له بعد ثانية حاولت أن تستجمع فيها أكبر قدر من اللامبالاة والبرود كي لا تنقض عليه وتنهش لحمه بأسنانها، فهذا ما يريده يريد أن يستفزها لكن هيهات هيهات.
توقفت أمامه وتكتفت، تنظر له نظرة ميتة لا حياة فيها بوجهٍ لا تعبير فيه. كقطعة جليد.
أشار برأسه على السرير : انثبري.
مشت وجلست على طرفه، رغم أن الكرسي أمامها أقرب.
تنظر للأمام متجاهلةً إياه بالكامل.
تحرك جوار بعد أن أطفأ سيجارته بحدود النافذة، يضع أخرى في في فمه وهو يقترب منها.. إلى أن وقف أمامها. يقترب أكثر حتى التصقت مقدمة حذائه برؤوس أصابع أقدامها العارية.

ابتلعت عذوب ريقًا مر جافًا ما إن أصبح قريبًا بهذا الشكل، لكنها لم تظهر أي ردة فعل رغم أن قلبها سيكسر أضلعها بسبب نبضه المتسارع بشكلٍ مرعب. لم ترفع عينيها ولم ترمش حتى، بل ظلت عيناها مثبتةً للأمام، مركزة على قميصه الأسود بعد أن حجب الرؤية بوقوفه أمامها.
شعرت به يدفعها من رأسها للخلف بقوة، ولم تتزحزح بل بقت ثابتةً كالجبل لا تهزه ريح.

شعرت بزفرةٍ غاضبة تخرج منه. مسموعة وحارقة كادت أن تحرقها. ثم يضع كفيه على كتفيها، يضغط بكامل قوته حتى شعرت بأن عظامها ستتفتت تحت قبضته. ولم تبدي أي ردة فعل.
أثارت أعصابه واستفزته. فأرجعها بيديه حتى استوى ظهرها على السرير خلفها، لتحط هذه المرة نظرتها القوية في عينيه، لا تنطق إلا حقدًا لو كان يميت لخر جوار ميتًا أمامها.
انحنى قريباً منها، واضعًا يديه على جانبي رأسها.
يتأمل وجهها لثواني. عينيها الشرستين، بؤبؤيها الفاتحين كالذهب المذاب، حدة أجفانها كالسيف. تنظر له بقوة ولا ينكر بأن لنظرتها هذه تأثيرٌ عليه في الماضي. كانت تشتته وتجمعه، تصهره وتجمده، تبعثره وترتبه. كانت تعلق قلبه وتوقعه من مجرد نظرة.
حرك يده ليضعها على خدها. لم تجفل، ولم ترمش.. لا شيء.
بل أن نظرتها احتدت اكثر.. والضغط على فكها ازداد أكثر.
ابتسم ساخرًا، هي قوية وازدادت قوة، وقوتها تختبر صبره وتضغط كل أزراره.
قرب رأسه منها، تاركًا مسافةً صغيرة بعد نهاية عود سيجارته, تكفي اللهب الذي خرج من الولاعة يشعل طرفها، وينير ملامحها. بالكاد يلمس أهدابها.. ولم ترمش.

نفث دخانه في وجهها، قبل أن يضرب طرف السيجارة بابهامه ليسقط رمادها على عظمة انفها، يكرر الحركة حتى غطى مساحات لا تكاد تذكر من وجهها، يهمس ببغض : أنتِ من وش مخلوقة؟.
همست بحقد : من نار،
والنار ذي بتحرقك لين تخليك رماد.

ابتعد عنها، يضحك من أعماق قلبه يقول بغيظ وهو يهز رأسه بتفهم : بنت أبليس....
وما إن حاولت الجلوس، حتى وأعادها مجددًا، يدفعها بالطرف المشتعل من سيجارته هذه المره بعد أن وكزه في جبينها، لتخرج منها ضحكة رغم الألم الذي شعرت به، تنظر له بسخرية ما إن نظر لها بعدم تصديق. يضغط بكل قوته حتى انثنت السيجارة نتيجةً لقوة ضغطه.
لتقول بتهكم وفي عينيها نظرة فارغة : صدقني هذا ولا شي.
ثم أردفت بعينين تلتمع، تقول بنبرة مشاكسة : تبي أقهرك؟.. أنا كنت حامل.
برد وجهه، وارتخت ملامحه.. يهمس بعدم تصديق : حامل؟... حامل...... مني أنا؟
اشتعلت نيرانٌ في جوفها تمنت أن تتسع قليلاً لتصل إليه وتحرقه.. وكم تمنت أن تقتلع عينيه التي تنظر لها بكل هذه القذارة..بكل هذا الشك .
مع ذلك لم يظهر على وجهها الجامد إلا ابتسامة مستفزة، وضحكة شقية، ترفع كتفيها : ما أدري... يمكن!
احتدت أنفاسه : شلون ماتدرين؟
ثم شدها من شعرها، بقوة. يصرخ من بين أسنانه في وجهها : شلون ماتدرين؟
يغرس أظافر يده في عنقها قبل أن يضغط عليها بكل قوته.. تخرج الكلمات من فمه سريعة كالرصاص : وين كنتي؟ وش وراك وش تحت راسك من اللي يحركك يابنت الحرام؟
اتسعت ابتسامتها حتى كاد يفقد عقله. صرخ بقهر من أعماق قلبه وهو يسدد لكمةً بمنتصف وجهها : تكلمي.. تكلمي يال*. انطقي..
الابتسامة تبعتها ضحكات. واللكمة تبعتها لكمات، حتى أدمى وجهها، وأضاع ملامحها..
دون أن يسمع منها إجابة!

.
.

أستيقظ عزام في اليوم التالي على رسالة بسيطة من بسام بمحتوىً أسود نزل عليه كالصاعقة (تركي يطلبك البيحة.)
ليفتح عينيه ويغمضها، أكثر من مره.
يرمي رأسه على الوسادة بقوة دافعًا أنفاساً غاضبةً من رئتيه.
وعلى حركته هذه استيقظت شعاع، تسأل بقلق فتسارع أنفاسه مرعب : علامك عزام!!
أدار رأسه ينظر لها، بعينين متسعة غائمة وكأنه للتو أستيقظ من كابوس مرعب. يقول وهو يبعد الغطاء عنه : مافيه شي ارجعي نامي.
قالها واختفى خلف باب دورة المياة، ليخرج منها بعد أقل من دقيقة بوجهٍ يقطر ماءً وملامح شاحبة تختلف تمامًا عن تلك المشعة التي سهرت عليها شعاع البارحة.
.
.

وبينما خرج عزام من دورة المياة بوجه يقطر ماء ،
دخل ذيب الشقة التي يسكن فيها بوجهٍ سُحب منه الدم، يبحث بعينيه عن نوعام ولم يجده.
ليخطو خطاه مسرعًا بغضب جلي بعد الذي سمِع، يفتح باب غرفة نومه ويقترب من الجسد النائم على ظهره قبل أن يلف يديه حول عنقه بقوة.
فهو يكره نوعام ويبغضه كما لم يكره أحدًا في حياته الفارغة كلها.
بل إنه يكرهه أكثر من أسياده، وممن هم خلفه ويحركونه كيفما يشاؤون وكأنهم في مسرح دمى.
.
.
.
.


# نهاية الفصل العشرون
نلتقي الاسبوع القادم إن شاءالله


سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك ♡.

 
 

 

عرض البوم صور وطن نورة ،،  
قديم 05-04-20, 09:00 PM   المشاركة رقم: 288
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Mar 2020
العضوية: 334284
المشاركات: 5
الجنس أنثى
معدل التقييم: حصة علي عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 10

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
حصة علي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : وطن نورة ،، المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: أَحلَامٌ تَأبَى أنْ ’ تَنْطفِئ ،، / بقلمي

 

>>>
يعطيك العافية
الله يبارك لك بوقتك يارب ويعينك
...
الجزء جميل تصدرته ريم وامها
..
بشاير عنصر غامض وأحس بيكون لها قصة ودور بس مو متاكدة اذا سيئ او لا
لكن احسه دور طيب مدري ليش
...
عذوب شخصيتها مو معقولة، بس فعلا الانسان اذا تعرض لشيء فوق طاقته يا ينجن يا يبيع
ويسير ما يهمه شي
...
ارجع واقول الله يعينك يارب ومشكوره ع تعبك معنا...

 
 

 

عرض البوم صور حصة علي  
قديم 06-04-20, 02:16 PM   المشاركة رقم: 289
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
قارئة مميزة


البيانات
التسجيل: Sep 2010
العضوية: 190192
المشاركات: 610
الجنس أنثى
معدل التقييم: أبها عضو ذو تقييم عاليأبها عضو ذو تقييم عاليأبها عضو ذو تقييم عاليأبها عضو ذو تقييم عاليأبها عضو ذو تقييم عاليأبها عضو ذو تقييم عاليأبها عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 748

االدولة
البلدKuwait
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
أبها غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : وطن نورة ،، المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: أَحلَامٌ تَأبَى أنْ ’ تَنْطفِئ ،، / بقلمي

 

السلام عليكم ورحمة الله ،، 🍃

أسعد الله مساءكم ،، وطن نورة ومتابعاتها الكريمات .🌸
لا بأس عليك يا نوره،، طهور بإذن الله .🤲🏼🍃


عزام& تركي

الألغاز البوليسية صعب تحليلها وتفكيك شفراتها،،
لكن استوقفتني بعض العبارات،،،

*(أردف تركي : لأن كل شخص كان على ذيك الرحلة يستاهل اللي يجيه وزود)
أفهم من كلامه أن العمل الذي كان تقوم به تلك المجموعة، لم يكن عملاً رسميّاً بأمر من الدولة،،!
بل كان عملاً غير شرعيّ، يمسّ الدولة ،، وتم بخفاء.

(راكان بن سعد)
ما زال مستمراً على رأس عمله،، ولم تطله يد الاغتيالات بعد، فهذا يعني أنه هو من يتتبع الأفراد العشرة، حتى تتم تصفيتهم تماماً .
لذا كانت نصيحة جوار في محلها حين حذّر عزام منه .

*( لأنه كان شجاع ولا يخاف أحد، فيه من القوة اللي خلته يقول لأ ويطلع تارك لهم المكان باللي فيه. )

شهادة حق أدلى بها تركي، رفعت من معنويات عزام، وسيظل بها منتشياً، بعد أن تم تشويه صورة والده ظلماً وزوراً .


*(الحافظ الله. رحلتي الأسبوع الجاي،، خروج نهائي بدون عودة... للأبد. )

وكأن تركي دعى على نفسه، في ساعة استجابة. فكان الخروج الأخير، وبلا عودة،،،😓💔


فهد&غادة

الموضوع الحرج والجرئ الذي تم تناول قضيه هنا،،وننتظر جوابه،،
هل من أصيب بتشوهه خلقي في الجهاز التناسلي منذ الولادة، سواء كان ذكراً أم أنثى، وقام بعملية تصحيح، هل يستطيع الزواج والانجاب؟
هذا الأمر الذي كان يؤرق فهد ووالديه، وكذلك نحن،،

(كانت أجمل اسبوعين عاشتهم غادة منذ أن ولدت وحتى هذا اليوم. )
(منظر ابنها وهو بجانب زوجته بابتسامة واسعة تشق خديه ووجهٍ يتلون بالسعادة والنعيم)

هل نفهم من هذا أن علاقته بزوجته كانت طبيعية مائة بالمائة ؟؟
طمنينا يا وطن...

🍃جميل وصفك لمشاعر سارة ،حين رأت سعادة فهد الواضحة،،فتفجّر مشاعر الحب نحو امرأته ظاهرة على محيّاه،، وكذا يبدو على غادة،،
ترجمة هذا الاحساس بدموع فرحٍ منهمرة،، عظيم ، ولاينبع إلا من صدر أمًّ رؤوم .❤🍃

عبادي& لولوة

ألف ألف مبروك ،،،🌷
أقول وطن ،، عبادي مافي منه نسخ ثانية ؟ 😁

الله يهنيك يا لولو بعبادي،،
أنا على يقين أن الليالي السود مع سئ الذكر ستُمحى من ذاكرتك،،
ولن يظل فيها إلا صورة عبادي وميمي.🥰

لولو اشرايچ تدلعينه عوعو 😂😂

جوار& عذوب

😰،،، ليش يا جوار ،،،ليش هالعنف!!

ما الذي تخفيه عذوب،، وتريد انتزاعه منها بالقوة.؟
ولِم تتحمل عذوب تلك الإهانات وصنوف العذاب؟
ومن أجل من؟

آلمني حالها جداً،، 😭
وصدق ظني فلن تصل إلى أرض الوطن إلا بوجهٍ وروحٍ مشوّهة.😥

ذيب&

ذيب يا ذيب ،، يا بطل
بغضك لنوعام وأسياده، هل يدلّ على أنك ما زلت تحتفظ ببعض ذاكرتك ؟ 🤔
إذ لو كان خالي من الذاكرة،، وتم تلقينه بمهام عمله، لكان مطيعاً بلا اعتراض،،
ما الذي سمعه وأرّقه،، وجعله يهجم على نوعام؟

هل يعقل أنه سمع بمقتل تركي،، وتذكره؟
وللا شطحت .😁

كل الشكر والتقدير وطن نوره،،🍃🌷🍃
بانتظارك بإذن الله،، ولا تنسين تصلحين ساعتچ ⏰ 😁

 
 

 

عرض البوم صور أبها  
قديم 08-04-20, 11:22 AM   المشاركة رقم: 290
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
مشرفة منتدى الحوار الجاد


البيانات
التسجيل: Apr 2008
العضوية: 70555
المشاركات: 6,520
الجنس أنثى
معدل التقييم: شبيهة القمر عضو ماسيشبيهة القمر عضو ماسيشبيهة القمر عضو ماسيشبيهة القمر عضو ماسيشبيهة القمر عضو ماسيشبيهة القمر عضو ماسيشبيهة القمر عضو ماسيشبيهة القمر عضو ماسيشبيهة القمر عضو ماسيشبيهة القمر عضو ماسيشبيهة القمر عضو ماسي
نقاط التقييم: 5004

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
شبيهة القمر غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : وطن نورة ،، المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: أَحلَامٌ تَأبَى أنْ ’ تَنْطفِئ ،، / بقلمي

 

السلام عليكم
الف سلامه عليك وطن ماتشوفين شر ياارب
الجزء هااادي رغم الشرارات في اخره.. ياترى وش سبب كره عذوب لجوار ؟؟ ممكن احد قال لها ان جوار هو قاتل ابوها ..
لان مافيه اي سبب واضح..
ياليت ياوطن تحكين لنا عن حياتهم قبل يمكن نستنتج السبب الي دوخ روسنا 🤔🤕

عبتدي ولولوة هههه الله يعينك على المزاج الرايق يالولوه...

ذيب.. معقولة ارجعت له ذاكرته!!! وايش السبب الي زعله كذا وعكر مزاجه

وطن.. جزء جميييل كجمال روحك.. بإنتظااارك...

 
 

 

عرض البوم صور شبيهة القمر  
 

مواقع النشر (المفضلة)
facebook




جديد مواضيع قسم الروايات المغلقة
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 12:41 AM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية