لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > قصص من وحي قلم الاعضاء > الروايات المغلقة
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

الروايات المغلقة الروايات المغلقة


 
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 31-03-20, 05:17 AM   المشاركة رقم: 271
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Mar 2020
العضوية: 334409
المشاركات: 1
الجنس أنثى
معدل التقييم: Juhina عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 10

االدولة
البلدOman
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
Juhina غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : وطن نورة ،، المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: أَحلَامٌ تَأبَى أنْ ’ تَنْطفِئ ،، / بقلمي

 

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
بنتظارج 💜💜

 
 

 

عرض البوم صور Juhina  
قديم 31-03-20, 09:16 AM   المشاركة رقم: 272
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Oct 2018
العضوية: 330628
المشاركات: 159
الجنس أنثى
معدل التقييم: وطن نورة ،، عضو على طريق الابداعوطن نورة ،، عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 176

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
وطن نورة ،، غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : وطن نورة ،، المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: أَحلَامٌ تَأبَى أنْ ’ تَنْطفِئ ،، / بقلمي

 


صباح الخير
يابعد قلبي انتم الله يسعدكم يارب ولي عودة ان شاءالله للتعليقات الحلوة ذي❤

نجي الحين لفصل اليوم..
ماراح اتكلم عن التأخير لأن خلاص مابقى بوجهي دم
بس اكتشفت إن موعد الحبايب هو بعد الساعة ١٠ الصباح مو منتصف الليل

فصل اليوم يعتبر استراحة محارب.. خفيف جدًا ولاحظت فيه إني أحب غادة بشكل لدرجة إني ما أبي أكتب إلا عنها
لذلك.. وتعويضًا لذلك
راح نلتقي الجمعة المساء إن شاءالله مع الفصل العشرين وبأحداث صاحية ماهي الدايخة ذي
استمتعوا بقراءة هذا الفصل وامتعوني بردودكم واستعدوا ليوم الجمعة
انتم ملاحظين إن جوار و عذوب مسويين اختفاء كلي وتام ؟؟؟؟


* اعتذر عن الجرأة اللي كانت بالفصل اللي فات وضايقت البعض الله لا يواخذنا :( وأتمنى الفصل ذا يكون لائق و خالي منها كلش ملش على قولت أبها ❤❤

الله يسعدكم قراءة ممتعة مقدمًا ❤
وشكرا لكم

 
 

 

عرض البوم صور وطن نورة ،،  
قديم 31-03-20, 09:37 AM   المشاركة رقم: 273
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Oct 2018
العضوية: 330628
المشاركات: 159
الجنس أنثى
معدل التقييم: وطن نورة ،، عضو على طريق الابداعوطن نورة ،، عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 176

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
وطن نورة ،، غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : وطن نورة ،، المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: أَحلَامٌ تَأبَى أنْ ’ تَنْطفِئ ،، / بقلمي

 

.
.



أتمنى لكم يوم سعيد و قراءة ممتعة مقدما ❤


# الفصل التاسع عشر،،
" أَنْت اِستثْنائي الوَحيدْ "

.
.
.

أصمَت عزام هاتفه بعد أن رنّ مرة واثنتين وثلاث، واضطر أن يجيب في الخامسة ويبقى صامتًا بإشارةٍ منه بأنه غير راضي، وإن كان يعرف أنّ ماعند بسام من أخبار سيقع عليه كوابلٍ من مطر ليروي صحراء قلبه لما تأخر بالرد أبدًا.
وصله صوته ضاحكًا، بنبرة خفيفة محملة بالبشائر : لا ياوحش، إلا نوّر السعودية اليوم الفجر.
كاد يشرق بأنفاسه، سأل بلهفة : اسألك بالله يابسام تقوله صادق؟
بسام ولازالت الضحكة في صوته : ربي وربك واحد إني أقوله صادق....
عزام بضحكة : روح ياشيخ الله يبشرك بما يسرك وين مالقيت وجهك ،
ثم أردف بعدم تصديق : طيب هو وينه الحين؟... وين القاه؟
بسام بهدوء : اسمع أنا قريّب من حارتكم، أجيك؟
كان عزام وقتها قد ابتعد من أمام منزله بما يقارب الربع ساعة، لكنه قال وهو يأخذ اللفة ويعكس الطريق الفرعي قبل أن ينطلق مسرعًا عائدًا لمنزله : حياك الله، برسل لك اللوكيشن.. أنتظرك لاتبطي.

لم يكن أحد بالمنزل سوى مريم اللاهية بألعابها في الصالة العلوية وشعاع التي اعتذرت عن الذهاب مع خالتها صيتة وعبدالإله لشراء شبكة عروسه، فعشاء عقد قرانه تحدد موعده نهاية الإسبوع القادم، وبعدها باسبوعين ستقام حفلة عشاء في بيت أهلها وهي حفلة الزفاف البسيطة نزولاً عند رغبة لولوة بعد أن طلب عبدالإله من والدها أن يسألها إن كانت تريد حفل كبير تجمع فيه من تريد أم حفل صغير لأهلهما والمقربين.
ورغم أن الساعة لم تتعدى الرابعة عصراً إلا أن عبدالإله وشقيقتيه خرجا باكرًا فأمامهم الكثير لينجزوه، فبعد سوق الذهب سيبحث عن شقه لتكون منزلاً له ولها ولإبنته فليس من اللائق أن يبقى في منزل عزام ويحد من حريته وراحته في بيته بسبب زوجته ، وفكرة تنطق استقراراً كهذه جعلت الابتسامة تأخذ طريقها لوجهه طوال الطريق رغم أنه مرتاح وجدًا في بيت شقيقته ولا يعرف كيف سيبدأ القادم من أيامه دون أن يرى وجهها الذي يذكّره بوالدته، أو دون أن يرى ابتسامة شعاع المشرقة في الصباح الباكر أو حتى عبوس عزام الدائم.. لكن أن يكون لك منزل تعود إليه نهاية اليوم وتجد فيه زوجتك باستقبالك تسألك وتأخذ منك ما أهمّك في يومك فكرة مغرية بما يكفي لتجعل شدقيه يتشققان بابتسامة واسعة أنسته صيتة وعزام وشعاع .

كانت شعاع تتمدد على الأريكة وتجاري مريم في العابها البلاستيكية إذ أن الصغيرة مدت لها كوب شاي صغير وقطعة كيك فهي في ضيافتها، مما جعل شعاع تشرب من الكوب الفارغ وتتصنع أكل الكيك بتلذذ رغم عبوسها وعدم رغبتها بالقيام بأي شيء سوى النوم فهي في حالة نفسية ضائقة جدًا. فأعراض الدورة الشهرية بدأت بالظهور والمها يهدد بحضورها في أي لحظة خلال الأيام القريبة القادمة.
كان ذلك إلى أن سمعت صوت الباب يُغلق ثم صوت عزام يناديها على عجل.. بصوتٍ مرتفع جعلها تقفز من مكانها وتلقي الألعاب البلاستيكية الموضوعه على بطنها بعيدًا عنها تحت تذمر مريم،
نزلت ثلاث درجات لتجده يقف ينوي الصعود لها : هلا عزام.
عزام بابتسامة واسعة : تكفين شعاع جهزي القهوة بسرعة، واحد من العيال بيجيني..
قالها وابتعد من أمامها يأخذ طريقة للمجلس، لتجد شعاع نفسها تتبعه، تنوي أن تسأله لولا هاتفه الذي رن ليجيب عليه : هلا بسام.
ثم يختفي بعد ذلك مغلقًا الباب الفاصل بين قسم الرجال وباقي المنزل مما جعلها تعكس خطواتها للمطبخ، تجهز القهوة وتشعل جمرًا على النار قبل أن تضعه في المبخرة وتضع كسرة عود عليه ثم تخرج به ناحية المجلس، تقرع الباب وتفتحه عندما لم تسمع إجابة ليستقبلها المقلط الفارغ بأنواره المضاءة كلها، وصوت عزام مع شخصٍ آخر يأتي من المجلس ببابه الموارب.
عادت للمطبخ بعد أن تركت المبخر هناك وما إن انتهت من القهوة حتى واتصلت عليه ليأتي ويأخذ الصينية منها تحت نظراتها المتفحصة والتي رافقته حتى عاد من حيث أتى.
.

جلس عزام بالجلسة الأرضية مقابلاً لصديقة الآخر بعد أن سكب له فنجانًا ومدّه له، يقول بهدوء : اسْلم يابو علي...
ليتابع بسام حديثه من حيث توقف قبل أن يرن هاتف عزام ويخرج عائدًا بالقهوة : أنت تدري إنّا من يوم مابدينا بذا القضية عممنا اسمه واسم غيره من الضباط بالمطارات في حال أي أحد منهم رجع يوصلنا خبر، وتقفلت القضية مثل ما أنت عارف بس خويّك ترك الأمور مثل ماهي عليه ولا بلّغ.
ثم أردف يرفع حاجبه بجدية : وأنا للحين عند كلامي ياعزام والقضية ذي تعتبر منتهية بالنسبة لي... بس ذا ما يمنع أساعدك إن قدرت....
قالها يبتسم باتساع قبل أن يخفي ابتسامته بطرف فنجانه ليرتشف مافيه، يسمع نبرة عزام الممتنة قائلاً بضحكة خافته : هذا العشم فيك يا أبو علي الله لا يخلينا منك ولا من فزعاتك وجمايلك اللي مغرقتنا.
بسام بنبرة خفيفة : حطني على يمناك وأبشر بسعدك أنا حالف أوريك وأطلع اللي قلته لي ذاك اليوم من عينك يالتعبان ،
ضحك عزام بحرج قائلاً بتبرير : كلمتين في ساعة غضب لا تحطها في بالك يارجّال.
هز بسام رأسه بابتسامة ومودة يجد أنه من الصعب جدًا الغضب من عزام رغم أنه غاضب منه فعلاً : المهم مالك بالطويلة الرجّال بصّم دخول للبلد اليوم الساعة خمس ونص الفجر مثل ما قلت لك، و بعدها طلّع رقم سعودي جديد ببصمته، وتتبعته كاميرات المطار إلى إن طلع منه واستقبله واحد ركب معه ومشى، ويوم رجعنا للمرور طلعت السيارة ترجع لصاحبها مسلّم بن خالد، ولد أخوه.
عقد عزام حاجبيه : والحين وينه؟
بسام : بالمستشفى، الظاهر جاي يشوف أمه حالتها الصحية ماهي لهناك والأعمار بيد الله قبل كل شي بس شكل اللي فيها مرض الموت.
عزام بهدوء : الله يرفع عنها ويمد في عمرها.... بس دام أهله هنا ليه ما رجعنا لهم بدل لا ننتظر؟
وضع بسام فنجانه مشيراً بيده أنه اكتفى عندما رفع عزام دلة القهوة، يسكت قليلاً قبل أن يقول بنبرة : عزام كل أهالي الضباط موجودين هنا، وأولهم أنت وأهلك جدك وأعمامك وخوالك. بس ماهو منطقي تدخل عليهم وتسألهم عن مهمة سرية محد يدري عنها غير اللي كانوا فيها! أنت كذا بتخرعهم وتسبب شوشرة ولا بتستفيد شي، وأنت تعرف ذا الشي أحسن مني ماهو أنا اللي بعلمك بشغلك.
الضابط نايف بن عوجان موجود بالبلد وأهله حوله بس مابتقدر تاخذ منه لا حق ولا باطل لأنه الله يرفع عنه مايذكر حتى اسمه..
أخذ عزام نفسًا عميقًا وأطلقه، يقول بنبرة هادئة مخفضًا بصره لفنجانه بين أصابعه : الله يعافي المبتلين ويرفع عنهم ، بنتظر عليه شوي الرجّال توه راجع ومنفجع ما أظنه بيستحمل أي سؤال بس يا خوفي يرجع من حيث جا بدون لا أستفيد شي.
بسام : في ذي ازهل ولا تشيل هم أنا متابعة ولا حسيت إن له نيّة هجّة تليته من علباه ودقيت عليك.
ثم تابع بابتسامة ما إن سمع ضحكة عزام : طول ما أنت تسعى ورى الحق بتلاقيني معك بس هااه ..انتبه تنكبنا .

خرج عزام من المجلس بعد أن ودع بسام بابتسامة ممتنة عاد بعدها للمجلس، أغلق أنواره قبل أن يجمع الفناجين وصحن التمر ويضع الدلة على الصينية خارجًا باتجاه المطبخ والذي ما إن دخله حتى و وجد شعاع تقف أمام المغسلة تعطي الباب ظهرها.

استدارت شعاع التي كانت تغسل أوراق النعناع لعمل كوب شاي عله يعدّل مزاجها المتعكر ما إن سمعت صوت خطواته، يضع ماكان بيده على الطاولة في منتصف المكان.. سألت : راح؟
أومأ برأسه وهو يقترب منها بثوبٍ أسود..شكلٍ مهمل وأكتافٍ عريضة بقامةٍ طويلة وابتسامةٍ هادئة صامتة جعلتها تتساءل بينها وبين نفسها "بيجي يوم وأحبه أكثر من حبي له الحين؟" ، وما إن وقف أمامها حتى و وصلتها الإجابة دون أن تبذل أي مجهود "ايه" فما تكنه له يزداد في كل لحظة..
عقدت حاجبيها بتوجس تلاشى سريعًا ما إن شعرت بكفيه على جانبي وجهها، ثم بقبلته القوية بعد أن قرّبها منه .
اتسعت ابتسامة عزام أكثر ما إن ابتعد ورأى نظرة الذهول في عينيها، فقال بخفوت ونبرة مشاكسة مربتًا على خديها بحنو : شكرًا على القهوة المضبوطة.
رمشت بتوهانٍ وخدر.. تسأل بعدم استيعاب : .....شكرًا على وش؟
ضحك : على القهوة.
ضوّقت عينيها تنظر له بشك وخوف جعل قهقهته ترتفع حتى ملأت المكان، سألته ونبضات قلبها تسارعت بشكل غير طبيعي : مَن اللي جاك؟
لازال قريبًا منها، يسيطر على ضحكته رغم أنها لازالت مسموعة في كلماته : بسام.
شعاع باستنكار : أول مره أسمع عنه وش يطلع بسام ذا؟
ابتسم عزام قائلاً بهدوء : بس أنا ماقد قلت لك لا عن بسام ولا عن غيره.
شعاع بحاجب مرفوع ونبرة مقصودة : بالضبط.. وهنا المشكلة إنك ماتعلمني كل شي.. الحين بسام ومن أول متعب تصدق توني أدري إن عندك أصدقاء!!
عقد حاجبيه بعتب : افاا، للدرجة ذي شايفتني ممل وغثيث؟ ولا أخاف إنك زي عبدالإله يحسب ما أعرف غيره.
شعاع بسرعة وتبرير : لا والله مو ذا قصدي... بس قربك صعب ما أحس أي أحد يدخل مزاجك بسهولة ..
ضرب جانب رأسها بأطراف أصابعه بخفه : أجل احمدي ربك إنك دخلتي مزاجي.
قالها وابتعد عنها يعطيها ظهره مخفيًا بذلك وجهه ، لتتابعه بعينيها لازالت تحاول استيعاب كلماته وإن كان قالها قاصدًا إياها أم كان يهزء بها؟ شعاع ليست متأكدة من نواياه للأمانة.
مع ذلك قالت بسرعة ما إن سحب كرسيًا وجلس : بسوي لي نعناع تبي ولا بتطلع؟
ليجيبها بابتسامة رائقة تجمّل تقاطيع وجهه : لا خلاص كنسلنا الطلعة. احسبيني بكوب معك.
عادت لما كانت تعمل وتزفر بارتياح بعد ابتسامته ، تفتح الماء وتعاود غسل النعناع بعناية بعد أن زادت كميته، تحاول أن تقول بشكل اعتيادي : أموت وأعرف وش اللي قاله لك بسام وخلاك مستانس كذا؟؟
عزام بهدوء : كل شي بوقته حلو أعلمك لا ضبطت السالفة.
استدارت تنظر له قائلةً بسرعة : عزام ليكون بتعرس علي!!

في بادئ الأمر أعاد رأسه للخلف بصدمة من هذا الظن، لكنه
سرعان ما انفجر ضاحكًا وهو يلمح الجدية والقلق في وجهها : وش اللي يخليك تفكرين كذا؟
زفرت بضيق : ما أدري تصرفاتك غريبة!!... إذا بتعرس قول..
عزام لازال يضحك مستنكرًا لا يعلم ماذا فعل كي يزرع فكرة كهذه في عقلها : وإن دريتي وش بتسوين يعني؟
عقدت حاجبيها بجدية : مابسوي شي بس باخذ قشي وأروح بيت أبوي وتحرم عليك شوفتي طول ما أنا حيّه.
رفع حاجبيه للأعلى بإعجاب عجز عن إخفائه قائلاً : بعد ذا التهديد حتى لو كانت لي نيّه أعرس بخاف وأغير رأيي.
استدارت تقابل ورقات النعناع بين يديها والتي كانت تضغط عليها بقوة دون أن تشعر، تقول في محاولة فاشلة لإخراج ضحكة : ايه انتبه ترا والله العظيم إني قول وفعل.

عم الصمت بعد كلمتها هذه ولا صوت سوى صوت الماء المتدفق بهدوء. كان ذلك قبل أن يصلها صوت عزام متسائلاً : البيت فاضي ؟
وجدت شعاع نفسها تجاري نبرته الهادئة، تنطق بمثلها بشرود : ميمي فوق...
ضرب الطاولة بيده متصنعًا الحسرة : أخ حسافة....
ضحكت وقالت بذات الهدوء : اطلع لها وبجيك.
سمعت صوت الكرسي بعد أن دفعه، ثم صوت خطواته المرتفعة على الأرض وكأنه يحاول أن يلفت انتباهها، قبل أن يأتي صوته : حطي ملعقة سكر.
عقدت حاجبيها باستنكار دون أن تلتفت له لازالت تصب كل تركيزها على المهمة بين يديها : مين يشرب النعناع بسكر ؟
ليقول ببساطة قبل أن يخرج من المكان يحمل الخيبة على كتفيه "الواحد وين يقدم أوراقه عشان يصير حزمة نعناع؟".. : أنا...

صعدت شعاع للأعلى بعد دقائق رآها عزام طويلة جدًا لدرجة أنه استسلم لمحاولات مريم في إشراكه بما تلعب، يشرب من كوب الشاي الفارغ الذي مدته له ويحتضن عروستها الكبيرة بملامح جادة ونظرة مركزة مع الأخبار التي تعرض على التلفاز، ومنظر كهذا جعل شعاع تغرق بضحكة عميقة أنستها ضيقها من أن لا حمل هذا الشهر أيضاً.
استدار برأسه ينظر لها عاقدًا حاجبيه، يقول بتساؤل جدِّي ضاحك قبل أن يرفع الكوب الوردي الصغير لشفتيه ويرتشف منه مصدراً صوتًا عاليًا : وش اللي يضحك؟
جلست شعاع بجانبه وكانت ستجيب إلا أن مريم قالت قبلها بصرامة : عزام لا تطلع صوت .
ليجاريها بذات الصرامة : آسف.
وضعت شعاع كوبه أمامه على طاولة الضيافة، تقول بمودة : هبلت فيك مريم...
مريم باندماج : عزام أسوي لك بيض؟
أجابها : سوي..
ثم قال موجهًا همسه المازح لشعاع : هذي ليه ما راحت مع أبوها وأمي؟
ضحكت واستراحت بجلستها دون أن تجيبه، تشعر برغبة ملحة بالبكاء وهي تراه يضع عروسة مريم التي أهداها إياها جانبًا بعناية قبل أن يأخذ مامدته له الصغيرة، صحن وردي ببيضة تبدو شهية رغم أنها مصنوعة من البلاستيك.. ليمازحها متصنعًا أكلها قبل أن يقول بتلذذ : والله انك فنانة يابنت عبادي....
لتضحك مريم باستمتاع ما إن بدأ يمطر كفها بالقبلات مظهراً بذلك امتنانه .
صرفت بصرها عنهما وهي تعلم أن مافيها هو مجرد ضغط نفسي بسبب اختلال هرموناتها في هذا الوقت من الشهر لا أكثر من ذلك ولا أقل.. تأخذ ريموت التلفاز الذي كان بينهما على الأريكة وتغير القناة. مما جعل عزام يقول بعد أن ذهبت مريم من أمامه : ليه غيرتي رجعي الأخبار...
مدت شفتيها بعبوس : مافيه شي غير الغثى أشغلونا بسالفة ذا البابا.
رفع عزام كوبه قائلاً بهدوء قبل أن يرتشف منه بحذر : كلب من الكلاب ومات ماعليه حسوفه.
ضحكت بدون نفس : ياويلك لا يسمعونك حقين مساواة الأديان والله لا ينتفونك نتف.
تبسم دون أن ينظر لها : يابنت الحلال الله يرد كل ضال لطريقة ويثبتنا على الحق لوه مسلم هاللي انقتل كان ماطقوا له خبر وبالأخير بيطلع اللي ذبحه واحد منهم جعل الله يحط حيلهم بينهم.

.
.

وقفت غادة أمام مغسلة دورة المياة بعد أن أنهت استحمامها السريع، ترتدي لباسًا مريحًا دافئًا ليومٍ لندنيٍّ بارد، تغلق الأزرار اللؤلؤية لقميصها الصوفي الأسود، بابتسامة هادئة تعتلي ثغرها، ولمعة حماس تغطي سطح عينيها، متلهفة لبدء يوم جديد مع فهد -الذي لازال نائمًا بالمناسبة- رغم أن الساعة قد تجاوزت الحادية عشر ظهيرة يوم الخميس.

مرت خمسة أيام على زواجها منه،
بدأ اليوم الأول منها عندما استيقظت صباحًا، تفتح عينيها بنظرة ضبابية ناعسة لتجد فهد نائمًا بجانبها، بعيدًا عنها بمسافة بسيطة ويعطيها ظهره، مع كل الإحترام للمساحة الشخصية.
لا ترى منه إلا أعلى شعره إذ أنه كان يرفع الغطاء الأبيض لمنتصف وجهه.
تعقد حاجبيها، لا تذكر متى أتى ولم تشعر به حتى، كانت متعبة بما يكفي لتنام كالقتيلة ما إن وضعت رأسها على الوسادة.

استغلت الفرصة ودخلت لدورة المياة، تخرج منها بعد أن بدلت ماكانت ترتدي بشيءٍ لائق، ولا ترى أمام عينيها سوى أقراص المسكن التي جاء بها بالأمس فألم ظهرها قد فتك بها، أخذتها وارتمت بجانبه مجددًا دون أن تجمع شعرها الذي جف وتشابكت خصلة حتى.

فتحت غادة عينيها المرة الثانية لتجد أن لا أحد في السرير غيرها، وما إن رفعت هاتفها ورأت الساعة حتى وقفزت من مكانها بسرعة فالوقت قد تجاوز العصر بكثير.
خرجت من الغرفة تفتح بابها الموارب بعد أن أخذت علاجها الذي تأخرت به، وجمعت شعرها متشابك الخصلات للخلف بربطة شعر. تعقد حاجبيها فالسكون مريب وكأنها في المكان لوحدها, ولكنها ما إن وجدت فهد يتمدد بثوبه على الأريكة التي كانت تجلس عليها البارحة، ذراعٌ خلف رأسه كوسادة والأخرى بكفها مبسوطةٌ على بطنه... نائم. حتى وعرفت السبب.

ابتلعت ريقها بارتباك، تحك حاجبها وتقترب منه بهدوء، هل توقظه؟ تدعه نائمًا؟ تبقى واقفةً على رأسه حتى يستيقظ من نفسه ويراها في وجهه ويُفجع؟
الكثير من التفكير والقرارات المصيرية وهي للتو استيقظت. لا طاقة لديها لتمشيط شعرها فكيف باتخاذ خطوة في موضوعٍ كهذا!!
تلفتت حولها، لم تكن هناك إضاءة سوى أشعة الشمس التي اجتاحت المكان من زجاج النوافذ، و ربما كخطوة أولى يجب عليها أن تفتح الأنوار الساطعة فوق رأسه... فعلتها وعادت تقف قريبًا منه هذه المره، تنظر له ولم تتحرك عضلة واحدة في وجهه، ربما كان عليها أن تغلق باب الغرفة بقوة عندما خرجت منها كي يوقِظه صوته.
همست بعد ثانية صمت : فهد...
ثم ابتسمت بخجل ما إن سمعت صوتها، ولا تعرف لماذا حصل هذا فهي ليست امرأة خجولة وهذا الوصف لا يتماشى مع شخصيتها المندفعة، لكن الموضوع نوعًا ما غريب كون المتمدد أمامها رجل لا تعرفه والفضل في ذلك يعود لفهد فلو لم يحرمها حقها من التواصل في فترة ما قبل الزواج لكان اختصر الكثير عليها وعليه.
زفرت، وعادت للغرفة، تأخذ هاتفها الملقى على السرير وعندما خرجت منها أغلقت الباب بقوة ولم تفتها الفرصة هذه المره.
أدارت رأسها بحذر، فوجدت فهد وقد رفع رأسه عن ذراعه التي كان يتوسدها، ببطء. يحرك أصابعها بسرعه وكأنه يحاول إيصال الدم لها قبل أن يتحرك بجسده ويعتدل جالسًا، وما إن انتبه لوقوفها حتى وتبسّم بخدر يحك خده : صح النوم.
تبسمت له، فإبتسامة كهذه لا يمكن رؤيتها وتجاهلها، تتقدم بهدوء حتى جلست على الأريكة الأخرى وهي تشعر بأن هاتفها سيُكسر في قبضة يدها من قوة ضغط أصابعها عليه : صح بدنك..... شكلي نمت كثير ههه..
فهد بهدوء لازال يحافظ على ابتسامته : كثير وبس... طفشت لحالي.
غادة بمودة : كان صحيتني طيب.
أغمض عينيه، وأعاد رأسه يسنده على حد الأريكة خلفه وكأنه لم يأخذ كفايته من النوم، يقول ممازحًا : صحيتك..
أنادي.... ياغادة, ياغادة, ياغادة.. بس لا حياة لمن تنادي الله وكيلك، ويوم شفت المسكن عند راسك عرفت السبب..
ضحكت بارتباك وقالت بإندفاع وحرَج : طيب أبي قهوة.
فتح إحدى عينيه ونظر لها : أبشري الحين أطلب لك شي تاكلينه ثم نطلع نجيب لك قهوة.
ضحكت بخفّه : لا أنت مو فاهم، لازم قهوة قبل أي شي.
رفع رأسه، ثم قال بابتسامة مشاكسة : مم، يبدو لي إن فيه نظام لازم يتغير.
لتقول غادة ترفع حاجبًا بتحدٍّ وابتسامة : كان غيرك أشطر، بس مع ذلك حاول ما أنت خسران شي.
ارتفع حاجبيه بحماس، يقول بعد ضحكة قصيرة خافتة : نشوف...... وش أخبارك الحين إن شاءالله أحسن؟
رفعت يديها وكأنها تستعرض عضلاتها، وتفخّم نبرتها : حصان مثل ما تشوف.
ضحك باستمتاع وتقدم بجسده، يحرك رقبته يمينًا ويساراً علّه يطرد الخمول من عظامه : دام كذا أجل قومي البسي بنطلع ناكل لنا لقمة ونجيب لك قهوة ونلف شوي ثم نرجع وننام ورانا قومه بدري لازم أربعة الفجر نكون بالمطار.

تركته مبتسمًا خلفها ودخلت للغرفة، تقف أمام المرآة وتقابل وجهها لتتسع عينيها ضعف حجمها الطبيعي ما إن رأت شكلها الكارثي، أجفان متورمة من كثرة النوم و وجه شاحب وحاجبين مبعثرين غير مرتبين..
سحبت ربطة شعرها ليتحرر واقعًا بخصله على أكتافها ، تهمس لنفسها بحنق : يا لطيف.... هذا وجه يشوفه عريس أول مايصحى من نومه!!
دخلت دورة المياة وغسلت وجهها بالماء البارد، مرة واثنتين وثلاث.. تشهق في كل مرة.. ثم خرجت بعدها ترتب هندامها، بنطال أبيض واسع وقميص من الحرير يماثله باللون ويتزين بنقوش ذهبية على الأكمام والياقة، لباس بسيط وأنيق يليق بعروس.. تغلق أزراره جميعها قبل أن تقف أمام المرآة مجددًا، تحاول تلوين وجهها ببعض الألوان علّ الشحوب يختفي.
لم تتكلف، القليل من الماسكرا والروج الفاتح واللون الوردي على الخدين، ثم قُبله في الهواء لانعكاس صورتها بالمرآة لزيادة الثقة : فديت اثنين جابوك ياغادة شو بتعقدي.. ايه كذا طلعي كل أسلحتك اسحريه بجمالك.
وعلى كلمتها هذه طُرق الباب الموارب ودخل فهد، مبتسمًا باتساع لدرجة جعلتها تشك بأنه كان يسترق النظر.
ضوّقت عينيها تنظر له من المرآة باتهامٍ وتهكم، مما جعله ينفجر بضحكة مجلجلة..
غادة بتوتر : وش فيك؟
قال فهد بصعوبة محاولاً السيطرة على قهقهته : أنا مافيني شي... أنتِ فيك شي؟
انهى جملته ووقف خلفها، مما جعلها تستدير لتقابله، لازالت مضوقةً عينيها، تحاول التظاهر بأن الوضع عادي رغم أنه ليس كذلك.. أبدًا.
سيطر فهد على ضحكته أخيرًا، وبقت ابتسامته ظاهرةً بوضوح رغم أنه زم شفتيه عله يخفف منها مما جعلها تمتد للأمام بعبوس، ينظر لعينيها بمودة وانجذابٍ غير طبيعي. يشعر بنفسه يفقد السيطرة على نفسه المسكينة، ينقبض قلبه مره ثم ينفجر بعدها متسارعًا في نبضه، بشكلٍ متواصل، دون توقف.. وكأنها أول امرأة يراها في حياته.. يبتلع ريقه ما إن ارتخت ملامحها، ولانت نظرتها، قبل أن تبعد عينيها عن عينيه المتسلطة وتحك جانب رقبتها بتوتر واضح، تقول بمرح دون أن تنظر له : اوكي.. قفطتني وأنا أكلم نفسي ههه.
لكن لم تصلها أي إجابة منه، لازال ينظر لها بمودة، لشعرها الأشعث الغير مرتب رغم نعومته الواضحة، لطريقتها في إغلاق جميع أزرار قميصها، لياقته الدائرية وحدودها المطرزّة . لأعلى أذنها التي تلونت حمراء ما إن أعادت الخصلة التي كانت تغطيها لخلفها، لقامتها أمامه رغم أنها ليست قصيرة إلا أنها بدت ضئيلة الحجم أمامه، لطريقتها في إدخال أطراف قميصها لداخل بنطالها بشكلٍ متراخي، ثم لعينيها الخجلة ما إن وقعت بعينيه مجددًا، بنظرةٍ تسأله فيها عن مشكلته وسبب هذه النظرات، ولم يجد فهد إجابة، ولن يجد مهما بحث.. مما جعله يرفع يده بارتباك ليمسح على شعره.
انتبهت غادة لما كان يشد كم ثوبه.. فبرقَت عينيها بسعادة واضحة، تهتف بلهفة : أعجبك؟
نظر للكبك الأسود المذّهب، يقول بنبرة خفيفة : ياشيخة زين ماقمتي ولقيتيني لابسه بأذاني من كثر ماهو عاجبني.. مشكورة.
ضحكت : العفو.
هتفت بها تهمسها همسًا من بين ضحكتها وأنفاسها المرتعشة التي خرجت مع صوتها، وابتسامتها تتسع حتى ملأت وجهها، لازالت عينيها تتأمل مايجمع طرفي كمّه بنشوةٍ واعتزازٍ غريبين، بثوبٍ شتوي داكن غير الأبيض الذي كان يرتديه بالأمس، إلى أن أنزل يده، وظهرت لها عينيه المبتسمة، بنشوةٍ واعتزازٍ غريبين أيضاً ما إن لمح بريق شغفٍ طفولي تلتمع به عينيها.

زمت شفتيها بقوة علّها تسيطر على تشدّق خديها، لكن ما ظهر كان غمازتين ازدادتا عمقًا جعلت أنفاسه تعلق في جوفه، ابتعد من أمامها يقول بضحكة مرتبكة لا معنى لها : استعجلي عشان نلحق على قهوتك قبل لا يأذن.

انقضت الساعات دون أن تشعر بها غادة، أو حتى فهد. بل كانت سريعة أسرع مما تخيل الإثنان..
مضت بالأحاديث التي بدأت بسيطة خفيفة على طاولة أحد مقاهي غادة المفضلة، والتي كانت تحاول أن تقنع فهد بأن يجرب هذا النوع بالذات من القهوة، إلا أنه رفض فلا تستهويه الأشياء شديدة المرارة على عكسها، مما جعلها تتحدث عن والدته فجأة، فهي تشرب قهوتها بأربعة أكياس سكر ليجد فهد نفسه يسترسل بالحديث عن أمه، تشاركه غادة بمحبة صافية : على إني من كنت طالبة بالجامعة ذي ومس سارة دكتورة فيها بس ماعمري أخذت مقرر عندها، مع أنه كان ودي وكنت أحاول قد ما أقدر بس دايم يكون فيه شي يخرب علي إما تعارض بالمقررات أو تقفل الشعب قبل لا أسجل.. وسبحان الله جمعتني فيها نفس الوظيفة وصار مكتبي مقابل مكتبها..
ثم استطردت تراقص حاجبيها بشغب : بس اللي ماتوقعته أبد إني بيوم من الأيام بقعد قدام ولدها!

سكت فهد لا يعرف ماذا يقول، يشعر بأن أي شيءٍ سيقوله أو أي فعل سيفعله سيبدو باهتًا جدًا أمام بريقها. يجد في هذه اللحظة بالذات وغادة تتراقص بحاجبيها في وجهه أنها قادرة على أن تبتلع قلبه بكل سهولة... رغم أن الوقت لازال مبكرًا جدًا لتصنيف مشاعره ناحيتها.
توترت غادة، وابتلعت ريقها أكثر من مرّه بارتباك وهي ترى ابتسامته الواسعة ونظرته الهادئة في تأملها وكأن الزمن توقف عليه عند هذه اللحظة.
لذا أردفت بسرعة وخجل حاولت مداراته وهي تدفع الكوب ناحيته : فهد أمانة متأكد ماتبي تجرب؟ والله يفوتك نص عمرك.

تأتي وجبة العشاء بعدها، ليجدا نفسهما يتحدثان في مواضيع مختلفة أخرى، فهد يضحك وهي تسمع ضحكته بنظرة تذوب في خطوط عينيه وكأنه وقودها الذي يدفعها لمواصلة الحديث دون توقف.
وما إن عادا لغرفتهما الفندقية قرابة منتصف الليل، حتى ووجدت غادة أن جميع القيود بينهما اختفت دون بذل أي جهد.. وكأنها لم تكن موجودة من الأساس. فهد كذلك،
بدَا ذلك واضحًا في تصرفاته.. من أصابع يده التي التفت حول أصابعها بكل رقه ونعومة من الطابق الأول صعودًا للطابق الرابع عشر ، ومن ابتسامته التي لم تختفي منذ خروجهم وحتى هذه اللحظة عندما تمددت بجانبه على السرير, -مع الإحترام وكل الإحترام للمساحة الشخصية- يعطيها ظهره، بأنفاس منتظمة بعد أن همس لها بخدر : تصبحين على خير.
لتجيبه بذات الهمس : وأنت من أهله.

عم الهدوء بعد ذلك، بكل أريحية وكأنهما اعتادا على القيام بذلك لسنوات.
قبل أن يقابلها بعد مضي دقائق من تأمل كتفيه . مغمض العينين بسكون والضوء الخارجي القادم من النوافذ الكبيرة خلفها انعكس على ملامح وجهه بشكلٍ أثيري جعلها تضع كفيها تحت خدها خوفًا من أن يغدرا بها ويمسحان على ملامحه، تستغل الفرصة بتأمل وجهه. يرتفع طرف فمها للأعلى قليلاً معلنًا عن ابتسامةٍ صغيرة، لم تحاربها هذه المرة.

فتح فهد عينيه بعد مضي وقت طويل وهو الذي لم ينم أبداً، بل كان ينتظر أن تنام كي يبدأ دوره في استراق النظر لها، لكنه تفاجأ بالعينين اللامعتين والابتسامة التي اتسعت بخدر ما إن وقعت نظرته على وجهها، ليبتسم رغمًا عنه قائلاً بذهول خافت : ما نمتي؟
غادة بهدوء رغم ابتسامتها الصاخبة : أنا نايمة إلى العصر يعني خمسين سنة قدام مستحيل أنام.
تمدد فهد على ظهره يزفر ضحكته، فالرجل متفاجئ حقًا ولم يتوقع أبدًا أن يجد العينين الواسعة باستقبالة : خربتي نومي الله يسامحك.
اتسعت عينيها بشكلٍ درامي تهمس صارخة : وأنا وش دخلني؟
أدار رأسه ناحيتها مجيبًا بنبرة : خليتيني أنام العصر وأنا ما أحب نومة العصر.
مدت غادة إحدى يديها لتلكم كتفه بخفه وتقول بتهكم : قلت لك كان صحيتني...
ثم سحبتها بسرعة ما إن انتبهت لما فعلته، تشد على قبضتها التي لكمته وتدسها تحت وسادتها، تشعر بأنها تجاوزت بعض الخطوط التي يجب أن تكون حاضرة في ليلتهم الثانية معًا، رغم أنها لا ترى ضرورةً لذلك.
تنحنحت بارتباك : ..... طيب بما اننا مصحصحين والعيون فناجيل ماشاءالله، بسألك.... وش معنى اخترت نسافر لندن؟
قوس شفتيه بتفكير عله يحارب ابتسامته التي ستفضحه فهي تأبى أن تهدأ : سألت أبوك وين غادة تبي تروح وقال بدون تفكير لندن .
ضحكت بصوتٍ مرتفع جعله يعقد حاجبيه بتساؤل عن سبب هذا الضحك. رغم أنه شاركها بخفوت فصوت ضحكتها معدي..
مما جعلها تقول بتبرير : هذا الله يسلمك من يوم حنا صغار كل ماطلبنا من أبوي شي ولا قدر عليه لأي سبب أو سألناه عن شي ولا عرف له كان يصرفنا ويقول إن شاءالله لا رحنا لندن سويت لكم أو لا صرنا في لندن علمتكم..
رمقها بطرف عينه : افا،، يعني ساقها علي عمي عبدالله وأنا اللي ظنيتك تبينها صدق!
تبسمت بشغب : أعطاك تصريفته الشهيرة أبو غادة...
ثم أردفت تراقص حاجبيها بمرح : ويلكم تو ذا فاميلي ههه.
لم يتوقع فهد شيئًا كهذا لذا هز رأسه ضاحكًا قبل أن يسأل : ماقد رحتي لها؟
همست كلماتها وقد لاحظ أن لعينيها بريقٌ كبريق الألماس، أخّاذ والله يكون بعون أنفاسه : لا لها ولا لغيرها حنا مع السياحة الداخلية طال عمرك..
وتابعت تسأل بفضول : وأنت؟
فهد بهدوء : ماني راعي سفريات واجد وكلها كم ديرة اللي رحت لها ولندن ماهي من ضمنها...
ثم أردف مشاكسًا : عاد كنت متطمن قلت أكيد غادة مترّتها وبتضبطنا هناك.
ضحكت قبل أن تقول بجدية : ازهل ولا تشيل هم شي أعرف أتكلم انقلش كأن سرّي مقطوع بنص الهارودز، وأعرف أتكلم كم لغة غيرها يعني أمورنا بالسليم إن شاءالله .
رفع حاجبيه متسائلاً من معلومة كهذه : وش تعرفين من لغات؟
همست بحماس : أعرف أتكلم تركي.
فهد بذهول : صحيح؟
أومأت رأسها بذات الحماس : ايه حتى شوف،،
ثم أردفت بعينين متسعتين تنطق مرحًا : لميس تعي لهون....

لا يعرف فهد ما الذي حصل له بالضبط بعد أن انهت جملتها بابتسامة واسعة جدًا، من الأذن للأذن. لكن صوت ضحكته التي خرجت عاليةً مرتفعة تشق طريقها من أعماقه كادت تصم مسمعه، ضحكة مبتهجة خفيفة متحررة لم يضحك مثلها منذ زمنٍ بعييييد.
يقول بعدها بنبرة خرجت عميقة وهو يرمقها بطرف عينه : عاد كان ودي اسألك وش اللغة الثانية بس الجواب واضح....
تدافعت أنفاس غادة متلاحقةً بشكلٍ غير منتظم وهي تشعر بضحكته تنفض قلبها "والله انك أخف من الريشة ياغادة" ، تتعلق نظرتها بعينيه الضاحكتين لتجد أنها وطيلة الثمان وعشرين عاماً التي قضتها تنام وتأكل وتشرب لم ترى شيئًا أجمل منهما، تبتسم ضاحكةً له بخدر واضح وتقول بنبرة غارقة ثقيلة : كيف حالكي يا ماريّا؟
ليقول فهد غامزًا بضحكة : أبشرك المكسيكي ذا حتى أنا أعرف أتكلمه.
همست بحرج وهي تمد يدها مربتةً على عضده ولتذهب جميع الخطوط التي يجب أن تكون حاضرة في ليلتهم الثانية معًا للجحيم : شفت، قلت لك أمورنا تمام.
سكن فهد قليلاً وهو يشعر بأصابعها الدافئة على جلده، يتأمل الظاهر من وجهها في الإنارة الخافتة قبل أن يقول بمودة : طيب نامي لأن المره ذي بصحيّك بالقوة.
أطبقت غادة جفنيها بهدوء وطوع بعد أن أومأت برأسها، تحاول أن تنام فعلاً رغم صعوبة ذلك. وتترك فهد يحاول باستماته أن يتجاهل الشعور بيدها التي لازالت باقية على الجزء المكشوف من عضده، فكما يبدو أن غادة نستها عليه.
يخفض بصره قليلاً ليرى التماع طلاء الأظافر نهاية أصابعها، ثم يرفع عينيه ببطء لوجهها وملامحها المسترخيه بسكينة وهدوء وراحة بال... يتأملها قليلاً .. تتبدل نظرته, وتتلاشى ابتسامته, وشعور غريب بالقلق تمّلكه .

.


سحبت المنشفة الصغيرة التي كانت تغطي شعرها المبلل،
ثم شغلت مجفف الشعر وخرجت من دورة المياة بعد أن وضعته مفتوحًا على المغسلة، تغلق بابها بحذر لتتأكد من أن الصوت لن يصل لفهد، ثم تزفر براحة وتعاود الدخول مجدداً بعد أن تأكدت من أن الصوت لا يتردد إلا بين الجدران بالداخل.
وما إن انتهت من تأنقها حتى وخرجت بشعرٍ طويلٍ مفتوح ذا تموجات مغرية ولمعان جذاب.
تقترب منه.. تنحني قليلاً وتنظر لوجهه دون خجل فقد مضت خمسة أيام اعتادت فيها على وجوده بجانبها.. ولم تدرك بأنها كانت سارحة به حتى فتح فهد الساكن عينيه، يمد يديه ويمسك بعضديها بقوة، يقول بصوت مرتفع : غادة.....
صرخت بذعر وفجعة وهي تحرك يديها بقوة وفي كل اتجاه تحاول التحرر منه وتضرب كل ماتصله كفوفها . وما إن تركها فهد بعد ألم صفعاتها حتى وجلست بسرعة وثقل بالمساحة الصغيرة بجانب جسده.

استوعب مزحته الثقيلة ما إن لاحظ ارتعاش جسدها الواضح، وأنفاسها المرتجفة ليقول بإحراج من ثقل دمه : آسف والله ماقصدت اخرعك.
بسطت غادة كفها على قلبها النابض بشكلٍ غاضبٍ مجنون وكأنه سيكسر أضلعها في أي لحظة، ضغطت عليها وهي تشعر برعشة أطرافها وثقلها، كل ما تتمناه في هذه اللحظة ألا يحدث ماتخشاه كي لا يفسد يومهما الذي لم يبدأ بعد. تشعر بنظراته وتراقص القلق عليها رغم أنها لا تنظر ناحيته. يصلها تسارع أنفاسه باضطرابٍ واضح. حتى فتحه لفمه بمحاولة لإيجاد كلمة مناسبة بعد الذي حصل قبل أن يشد عليه مغلقًا إياه بفشل. وبقاؤه على هذه الحال إلى أن همس بقلق وهو يلاحظ شحوب وجهها : غادة!.. كنت م..
قاطعته بشهقه خافته خرجت منها لم تكن إلا إشارة لما سيأتي بعدها، وكأنها تحذره.. تحاول بصوتها كي يخرج بشكلٍ طبيعي، لكنها قالت بصعوبة وهي تشعر بثقل لسانها وتجمع اللعاب في فمها : حبوبي يا.. فهد.
ولم تدع له مجالاً ليتحرك من مكانه ما إن تهاوى جسدها للخلف بصرخة أفزعته ، تقع بثقلها على ساقيه الممدودين قبل أن تبيّض عينيها، وتتشنج عضلاتها ليشعر بها كلوح خشب صلب.

تدافعت أنفاسه بهلع ما إن بدأت ترتعش، بقوة وعنف وكأن تيارًا كهربائيًا يسري في أوصالها.. يجد نفسه يعيش الموقف للمرة الثانية، وللمرة الثانية يبقى متفرجًا بيدين متراخيتين وعقل مشوش غير قادر على التصرف.. كالأحمق قليل الدبرة تمامًا.
لا يعرف ماذا يفعل، كيف يمكن أن يتصرف الشخص أمام مريض صرع أتته نوبة؟ يخشى أن تُكسر بين يديه إن امسكها، أو أن يقوم بحركة خاطئة تؤذيها بطريقة أو بأخرى فهو لم يعرف مرضى صرع غيرها.

وبينما كان فهد تائهًا في أفكاره وتأنيب الضمير فإن لم يكن أبلهًا مستظرفًا لما حصل ماحصل، سكن جسد غادة تمامًا. ليشعر به لينًا رقيقًا على ساقيه بعد تصلبه الذي دام لدقائق مرت عليه عن عمره كاملاً . تفتح عينيها بعد ثواني طويلة لتجد وجه فهد.. وملامح فهد المفزوعة.. ينظر لها بنظرة غريبة،، وكأنه سيبكي.. لكنها كانت هيَ من بكت، ترفع كفها وتمسح خدها ولعابها الذي سال بقوة.. تجهش باكيةً بيأس وتحاول رفع جسدها المتراخي بمرفقيها والجلوس..
مد فهد يدًا مرتعشةً مترددة، و وضع ذراعه خلف ظهرها يرفعها ويساعدها.. دون أن ينظر لها فهو من تسبب بكل هذا بمزحة سخيفة كان من الممكن أن توقف قلبها. يهمس بضيق : بسم الله عليك... غدى الشر.
لم تجبه، ولم تنظر له حتى. لازالت منخرطةً في بكاءٍ مر.. تحاول الوقوف على أقدامها وتجاهل ألم عضلاتها وخدَرها، ولكنها ما إن حاولت أن تخطو خطوةً مترنحةً للأمام إلا وشعرت بأن المكان بأكمله يدور بها، وأنها ستتهاوى أرضًا لولا يد فهد التي اسندتها مجددًا، بقوة : ارتاحي... وين بتروحين؟
قالها بحذر، يجلسها على طرف السرير بعد أن قفز من مكانه ما إن لاحظ عدم الثبات في وقفتها.
ينزل أمامها جالسًا على قدميه، ممسكًا بكفيها بين كفيه.. يهتف بنبرة حانية وهو ينظر لها ولوجهها الغارق بالدموع : فيه شي يعورك؟
هزّت رأسها تنفي ببطء دون أن تبعد عينيها عن وجهه.. من الصعب القيام بذلك حتى لو حاولت.. مما جعل فهد يردف بخفوت وراحة.. : يبقى مالها داعي ذا الدموع كلها ياغادة.. ماصار شي.
المفروض أنا اللي أصيح لأني اكتشفت إنّ دمي ديزل ومزحي ثقيل زي وجهي..
ثم يستطرد هامسًا بملامح تكرمشت بعبوس : آسف والله ماعاد أعيدها....
لتجد غادة نفسها في هذه اللحظة بالذات وهي ترى عبوسه والاعتذار الواضح في عينيه أنها أضعف من طفل رضيع في عامه الأول، ومن يرى انهيارها هذا يظن بأنها المرة الأولى التي تتعرض فيها لنوبة قوية كهذه، أو كأن الرجل صاحب النظرة الوجلة الأسِفة أمامها يعايش الكارثة لأول مرة... لا كأن نوبات الصرع كانت ولازالت تأتيها لما يزيد عن العشرين سنة، ولا كأن فهد قد مر بمثل هذا الموقف قبلاً.. قد أفزعته بانتفاضاتها قبلاً ولكنه قرر البقاء دون أن يهرب رغم أن الفرصة كانت سانحةً أمامه.
نظرت له غادة بعينين مرهقة تلألأت بالدموع، تقول بصوت متعب : لازم آخذ علاجي.
شد على كفيها الباردين بين كفيه، بإبتسامة وهمس دافئ : أنا بجيبه لك.. وينه؟
تقوست شفتيها بأسى : بشنطتي... بالصالة.
بقت عيناها معلقةً في المكان الذي كان فيه حتى بعد أن ابتعد.. تحاول أن تقوي نفسها بكلام والدتها يوم زفافها فما فيها ليس ليوم أو يومين ويختفي، ومابينها وبين فهد لن ينتهي بعد يوم أو يومين.. ما بينهما باقي.. وما فيها باقي وسيرافقها حتى تموت.
أخذت نفسًا عميقًا عله يبدد الضيقة التي استوطنت فؤادها، تبتلع الرغبة بالبكاء مجددًا والشعور المر باليأس يسيطر عليها رغمًا عنها، مهما حاولت مقاومته... هي ليست امرأة درامية وليست نكدية وماعاشته طيلة السنوات الماضية لن تستنكره الآن وكأنها تفاجأت به وبحدوثه، لكنها تجد أن تأثير النوبة أمام فهد يستهدف قلبها مباشرة.. ويستمر مؤلمًا حتى بعد انتهائها.
زفرت من تفكيرٍ مثقل ورمشت قبل أن تلتقي نظرتها المنكسرة بنظرته الحانية ما إن عاد لها.. يجلس بجانبها ويضع حقيبتها في حضنها قائلاً بود : ماعرفت أي حبه تبين.....
صمتت وأخرجت شرائط الحبوب التي لا تفارق حقيبتها رغم أنها لا تحتاجها في منتصف اليوم ولكن وجودها معها دائمًا مايحسسها بنوع من الأمان النفسي..
انكمشت ملامح فهد وهو يراها تفتح غطاء العلبة الإسطوانية البيضاء بأسنانها قبل أن تأخذ قرص صغير من داخلها وتضعها تحت لسانها. تفتح الباقي من شرائط الأدوية واحدةً تلو الأخرى لتتكدس أقراص الدواء على راحة يدها.. تهمس الإجابة وهي تشعر بنظراته مركزّة مع ماتفعل وكأنها ستختبره : كلها...

هز فهد رأسه بتفهم وكم بدت الحركة باهته جدًا لا داعيَ لها أبدًا، يمد لها قارورة الماء بعد أن فتحها، لتأخذها منه وتشرب مافيها دفعةً واحدة ما إن رمت الأقراص في فمها. تحت نظرته المركزة أيضًا.
تنهد وهو يرى أنها في أبهى حلّه ولا تنقصها إلا عباءتها للخروج ، فوقف قائلاً بهدوء : أعطيني ربع ساعة البس ونطلع.
عقدت حاجبيها تظهر التشاغل بإعادة الدواء لحقيبتها : ما أظن بقدر أطلع معك.
سأل بسرعة ونبرة قلقة : ليه تحسين بشي؟
رفعت عينيها تنظر له، وما إن لمحت الخوف واضحًا جليًّا على ملامحه حتى قالت ضاحكة : لا أبداً.. بس دايم بعد النوبة يجيني خمول الله لا يوريك ههه..
اطلع أنت وأنا بنام شوي.
عقد حاجبيه ينظر لها بتفحص.. مما جعل الابتسامة الزائفة تتسع على وجهها.. تضع حقيبتها جانبًا وترفع الغطاء قبل أن تتمدد تحته. بصمت.. وابتسامة لازالت تحتل نصف وجهها.
فهد بهدوء : ماتبين تاكلين شي طيب؟
هزت رأسها وهي تحاول أن تقاوم الرعشة التي تهدد حدود فمها، ثم تتابعه بعينيها قبل أن يبتعد خارجًا من الغرفة بضيق وثقل واضح : أنا بقعد برى ناديني إن احتجتي شي ماني رايح مكان.
قالها واختفى تاركًا الباب مفتوحًا على مصراعيه خلفه، وابتسامة غادة التي ضاقت حتى تلاشت تمامًا.

.
.

: سلام.
رفعت الجادل عينيها على الصوت الذي أخرجها من حالة السكون التي كانت تعيشها مؤخرًا، تعتدل جالسة بعد أن كانت تتمدد على الأريكة، تنظر له واقفًا بعد أن عاد من عمله، يحمل كرتون مانجو بيد ويضع مفتاح سيارته وهاتفه من يده الأخرى على الطاولة بمنتصف الصالة. أشاحت بصرها عنه تهتف بجمود : وعليكم السلام.. تبي غدا ولا تغديت؟
رفع أحد حاجبيه، يلحظ صدودها وكأنها لا تطيق النظر لوجهه ليقول زافرًا بضيق : وش الغدا ؟
وقفت الجادل تجمع شعرها المفتوح بربطة شعرها، تظهر تشاغلها به دون أن تنظر له : كبسة عمتي سارة.
مشى حاكم وجلس بالمكان الذي كانت تتمدد فيه، لتبتعد خطوتين بعيدًا عنه وكأنها لا تريد أي احتكاك به. شد على أسنانه ولعبة القط والفأر هذه لا تعجبه، ورغم أنه يعلم بغضبها الذي
كانت تظهره طوال اليوم، والأيام التي سبقت هذا اليوم.. إلا أنه قال مبتسمًا بنبرة خفيفة وهو يضع الكرتون المستطيل على الطاولة أمامهما : ولو إن كبسة أمي ماتتفوت بس جبت غداي معي.
اومأت برأسها وهي تراه يربت على الكرتون براحة يده... تتسع ابتسامته ما إن التقت عيناه بعينيها وابتعدت في صمت جعله يهتف بصرامة : تعالي..
وقفت في خطاها دون أن تستدير له، موجوعة منه ومحرجة من نفسها في نفس الوقت فهو صدّها وأبدى عدم رغبته بها رغم أنها اندفعت في وجهه بدون خجل .
سأل : وين رايحة؟
زفرت الجادل بضيق : تعبانة بروح اتمدد ياحاكم دام غداك معك.
سكت قليلاً قبل أن يقول : هاتي صحون وتعالي.
تأففت بضجر و وصله تأففها،
لا بأس.. الجادل لازالت صغيرة وفعل مستفز كهذا لن يستفزه.. أنثى قبل كل شيء لن ولم تفهم أبدًا الشعور المر الذي يعصف به كل ليلة. لن تعرف ما عاناه رجل مثله تلقى اتصال يطلب منه أن يأتي ليستلم زوجته. حتى وإن كانت بريئة وغُدر بها.. يجد أن الموضوع مؤذي فهو لم يدخل أقسام الشرطة في أيام طيشه ومراهقته ليدخلها في عمره هذا ولأجل زوجته... ولن تفهم مايعانيه كل ليلة وهو يعطيها ظهره وينهر نفسه.
الموضوع صعب يمس كبرياءه ويقهر رجولته وكرامته مهما حاول تهوين ذلك على نفسه.
لكن المشكلة أنه يحبها، ولا تهون عليه مهما حاول أن يبدي القسوة والنفور.. تبسم في وجهها ما إن عادت له، تضع طبقين بجانب الكرتون الذي فتحه، يهتف بمودة : جايب منقا يحبها قلبك.
ثم أخفض عينيه عن عبوس وجهها، وأخذ حبتين وضعها في صحنها : ثنتين لك... وثلاث لي.
ارتفع حاجبيها بتهكم، وتكتفت تنظر له بإزدراء رغمًا عنها : لا والله!
ضحك : خلاص ثنتين لك وثنتين لي و وحدة بتقعد بالثلاجة اللي يلحق عليها أول ياكلها، زين؟
أخذت صحنها وابتعدت تخفي ابتسامتها عنه : زين .

حاول حاكم أن يتشاغل بالنظر لما يعرض في التلفاز، وبأكل الفاكهة بين يديه عن النظر لها، لكنه لم يستطع.. كانت تبتعد عنه بمسافة أريكةٍ كاملة.. تأكل مما في صحنها بتكشيرة واضحة وكأنها مجبرة... رغم أنها أكلت الحبة الأولى كاملة وبقى القليل وتقضي على الحبة الثانية. مما جعله يهتف ضاحكًا بنبرة لينّه تغرق بالحب : عمممري أنا اللي مايقاوم المنقا...
ابتسمت الجادل رغمًا عنها، تقول متصنعةً الجدية بنظرة مثبته على التلفاز : المنقا مالها علاقة باللي بيني وبينك، طلعها من خلافاتنا.
حاكم بابتسامة باردة بعد الذي قالت : تدرين أعطاني اياها بالمكاسر وحب الخشوم بخمس وخمسين ريال!! بغيت استنزل قدامه..
وقفت ما إن انتهت وقالت في طريقها للمطبخ : تستاهل كل قرش طعمها لذيذ والله.
غسلت يدها وعادت تجلس على نفس الأريكة، تتلهى بهاتفها عنه رغم أنها تشعر بعينيه التي ترمقها من حينٍ لآخر..

أكمل حاكم الباقي من فاكهته صامتًا وهو يرى عدم رغبتها بتوجيه أي حديث له أو معه. يعود للصالة بعد أن وضع صحنه في المطبخ وغسل يده، يقترب وينفض يديه المبللة قريبًا منها لتكتفي برفع رأسها وتسديد نظرة حادة ناحيته ما إن وصلتها قطرات الماء الباردة.
وضع يده على قلبه ضاغطًا عليه بمرح : تروّي علي بشويش يا أم العيون الحور.
ضحكت بيأس، فليس باليد حيلة... تتصدد بجسدها عنه لازالت تخوض لعبة الزعل.
جلس بجانبها، مبتسمًا يواجهها بعد ضحكتها التي شحت بها طيلة الأيام الفائتة.. يقول متأملاً عينيها : تدرين عنتر وش قال لعبلة يوم شافها مادة البوز ؟...
ثم أردف يمط شفتيه حانقًا عندما لم تتجاوب معه : الولد قلبه بيوجعه وعاوز حد يدلعه..

ابتسمت له بضيق واضح وفي نظرتها عتب رقيق لم تنطق به.
ليبتسم بدوره ما إن وصلته رسالتها، مقتربًا منها حتى التصق جبينه بجبينها، لازال ينظر لعينيها التي تنظر له دون أن ترمش، يهمس بعتب حاني : خمس أيام ماتكلميني ولا تطلين بوجهي يالظالمة, حرام عليك وش سويت أنا!! شلون هنت عليك؟
الجادل بعبوس : مثل ماهنت عليك أنا.
ابتعد قليلاً، يتأمل وجهها وعبوس ملامحها بنظرة صامتة إلى أن نطق وهو يعقد حاجبيه بجدية وهدوء : ماعمرك هنتي علي..
تقوست شفتيها واثقلت نبرتها بالأسى : حاكم أنا كارهه نفسي بشكل ماتتخيله... وفكرة إنك عايفني صدق ذابحتني ماني عارفة وش أسوي وكيف أتصرف عشان ترجع لي مثل ماكنت.
سكت.. يأخذ نفسًا يرتب فيه أفكاره التي تتبعثر أمام عينيها، وضيقها، وعتبها حتى وإن كانت هي المخطئة..
حاكم : لو قالوا لك تعالي لقينا رجلك بخلوة مع مرَه وش بتسوين؟
خرجت إجابتها بإندفاع ونبرة شرسة بدون تفكير : كنت ذبحتك وقطعتك بأسناني....
ثم أردفت بنبرة مغرقة بالدموع بعد أن رفع لها حاجبه : بعدين كنت سامحتك، لأني أحبك.
حاكم بابتسامة : وأنا أحبك، وسامحتك..
قاطعته هامسة : كذاب!
تجاهل ماقالت فالأمور بينهما معقدة بما يكفي وتابع قائلاً : مع إني ساعتها كان نفسي أذبحك بيديني وأقطعك بأسناني...
الجادل بتهكم ونبرة مقصودة : شدعوة أنت قصرت!! ذبحتني ضرب وشتايم..
ضحك بمرارة متذكرًا ذلك اليوم وماحصل فيه : والله حسيت إن يدي كانت ثقيلة الله وكيلك اليوم اللي بعده ماقدرت أحركها....

ساد الصمت لثوانٍ لا شيء مسموعٌ فيها سوى صخب نظرتهما.. ولازالت ابتسامة حاكم تجمل وجهه : مع إن الموضوع في عقلي كبير يالجادل واللي سويتيه غلط مايغتفر.. بس إني طلبتك تعطيني وقت وقلت إني أبيك ولازلت أبيك بس نحتاج نبني الخراب اللي صار بين..
قاطعته بضيق : وكم بنينا للحين؟
فرك حاكم ذقنه قائلاً بتفكير متصنعًا الجدية : المقاول اللي بقلبي يقول سبعين بالمية من المبنى اكتمل.
ضحكت ، تقول بعبرة واضحة : وكم بقى؟
حسب بأصابع يده عاقدًا حاجبيه لازال يظهر الجدية : عشرة بالمية تقريبا..
ثم تابع بمودة بعد أن التقت نظرته بها وداعب صوت ضحكتها الضائقة مسمعة : اصبري علي شوي ولا ما أستاهل؟ فيه ورع بعقلي اسمه حاكم واحتاج اتفاهم معه أول .
مدت شفتيها بعبوس قائلةً بحنق وهي تبعد بصرها عنه: طيب،،

تكرمشت ملامحة ليقول مقلدًا حنقها : طيب وأنتِ مطنقرة كذا ومنحاشة بعيونك؟..... شدعوة أطرك!
مسحت وجهها بكفيها قبل أن تقول : والله كل ما أتذكر يوم عرس فهد أتمنى الأرض تنشق وتبلعني.
ضحك قائلاً بمرح : أقول اركدي الحركات ذي ماهي بيني وبينك.. الوضع سهالات ياقلبي.
تبسمت في وجهه ابتسامة خجولة جعلت أنفاس حاكم تعلق في جوفه.. يرمقها بنظرات مشاكسة ويقول متنحنحًا عله يسيطر على صوته : طيب بخصوص المنقا اللي بتقعد بالثلاجة..... أنا عندي اقتراح..
وإن كانت ابتسامتها عبثت بأنفاسه، فإن ضحكتها التي خرجت مرتفعةً مجلجلة أكملت الناقص.

.
.

استيقظت غادة بعد ساعات طويلة قضتها نائمة، كان إرهاقًا أكثر من كونه هروبًا من واقع مر، أو هذا ما أوهمت نفسها به وهي تدخل دورة المياة، بتوجس من الهدوء الذي يسود المكان.. تنظر لوجهها بالمرآة وسواد الماسكرا الذي لطخ أجفانها يكفي لتعرف أنها أفسدت اليوم. غسلت وجهها جيدًا، تفركه بقوة حتى احمرت ملامحها.. تتمتم : قالت لي رهف خذي مسكرا ضد الموية بس أنا ثوله.
ثم خرجت من الغرفة بخطوات بطيئة دون أن تبدل ثيابها، أو أن تجمع شعرها الذي تفككت لفاته.. اللهم مسحت الماء عن وجهها والحمد لله على ذلك فهي منهكة فعلا وعلى جميع الأصعدة, جسديًا ونفسيًا وأخلاقيًا..

تفاجأت بفهد يتمدد بتراخي على الأريكة واضعًا رأسه على يدها، مسترخيًا وعينه على هاتفه بين يديه، وهي التي توقعت من السكون الذي يخيم على المكان بأنه خرج وتركها وحيدة خلفه كي تموت من الجوع،
أخرجها صوته الهادئ من وصلتها الدرامية قبل أن تبدأ، يقول بابتسامة : صح النوم.
تمغطت بابتسامة تطرد باقي الكسل،، والحرج منها : صح بدنك. لا تقول إني خربت نومك المرة ذي بعد!!
ضحك يعتدل جالسًا : لا أبشرك للحين صامد ولا نمت.
ابتلعت ريقها لاتعلم لماذا تريد أن تبكي وهي ترى وجهه وانعكاس الظلال عليه في الإنارة الصفراء الخافتة : ليش ماصحيتني؟ خلص اليوم وأنا نايمة..
ثم قالت تمازحه بنبرة متعمدة : ولا صحيتني وما صحيت بعد؟
ليقول فهد ضاحكًا بخفوت : لا ماصحيتك... كنت أبيك ترتاحين.
زفرت غادة بارتباك مفاجئ وهي ترى مايرتدي، شورت قطن بطول الركبة لأحد الماركات الرياضية والتي ميّزتها فورًا من لونه الأسود والثلاثة خطوط البيضاء الطويلة على جانبه، وقميص أبيض بأكمام طويلة لا يزينه إلا تناسق جسده : ماطلعت؟
وقف وخطى يقترب منها، يأخذ المسافة القصيرة بينهما وهو ينظر لها بنظرة هادئة تختصر العبارات والكلمات والجُمل، يطغى عليها اللين والعطف و هو الذي قضى الساعات الفائتة يقرأ في كل موقع وجهّهُ له متصفح البحث، دون أن يفوّت مشاهدة أي مقطع يظهر أمامه.. يبحث عن الصرع وماله وماعليه فمعرفته به لا تتعدى كونه مرض مزمن يبدأ بإنتفاضات تنتهي بعد مده قصيرة..
عادت غادة خطوة للخلف بشكلٍ تلقائي ما إن وقف أمامها، يقول بلطف أذاب قلبها : رحت جبت لنا عشا وجيت، مابغيت أطلع لحالي وأنا ما أعرف أتكلم تركي ههه..
ضحكت بارتباك وهي تشعر بتسارع نبضات قلبها، تهتف بصوت مرتفع عله يغطي شيئا من ارتباكها : شو بدك ولاااك!
لف ذراعه حول كتفيها يقربها منه وهو يشعر بانكماشها ما إن التصق عضدها بأضلعه، ليهتف مبتسمًا بهدوء يمشي بها ناحية المطبخ الصغير : لا تقولين منتي جوعانة!
غادة بأنفاس مقطوعة وخجل فطري تغلب عليها هذه المرة : لا جوعانة.
زم شفتيه يمنع اتساع ابتسامته وهو يشعر بتأثير قربه عليها.. قرب فهد الرجل على غادة الأنثى , وهذا الشي أشعل فتيلاً من الأحاسيس الغريبة في داخله. لا يعرف تحت أي بند يمكن أن يدرجها. أو تحت أي مسمى! كانت خليط رهيب من نشوة النصر والفخر وكأن ما حصل شيء غير طبيعي لكنه وبشكلٍ ما تجاوز اللامعقول وفعله.

دفعها من أكتافها بخفه لتتقدم بعض خطواتٍ داخل المطبخ الصغير، يشير لها برأسه على مجموعة الأكياس على الرف : سخنيه عشان نقدر ناكله .
تحركت في المطبخ بهدوء وهي تشعر بنظرته عليها بعد أن سحب كرسيًا وجلس.
تخرج ماتحتوي الأكياس وتضعه في طبق زجاجي وجدته بأحد دواليب المطبخ المجهز بالكامل.
تفتح باب المايكرويف وتغلقه بعد أن وضعت الطبق بداخله، تجد أنها متوترة ومرتبكة ولا تعلم لماذا..

وقف فهد بجانبها ما إن بدأ يسمع صوت الأزرار الإلكترونية نتيجة ضغطها العشوائي عليها : أقول إن ماعرفتي له اتركيه لا يخرب ثم نبلش تراهم خلوني أدفع تأمين على كل قربوع بذا الشقة.
انحنت تقرأ الكتابات الصغيرة، عاقدةً حاجبيها بتركيز : شدعوة أخربه ترى نستعمل مثله بالسعودية ماهو اختراع.
ثم تقول بجدية بعد أن مررت لسانها على شفتيها : فهد.. بما أننا بالمطبخ بعترف لك باعتراف.
عقد حاجبيه وشعور بالقلق انتابه : وش؟
غادة ولازالت بنفس جديتها وتركيزها : أنا أكره المطبخ كره العمى.
ضحك : يعني؟
ابتسمت والتفتت تنظر له بحاجبٍ مرفوع بانتصار ما إن بدأ مابداخل المايكرويف بالدوران : لا تتوقع إني أعرف أطبخ.

أكلا عشاءهما وأخذ فهد زمام الحديث هذه المرة، يتحدث في مواضيع مختلفة بعضها تهمها والأخرى أبدًا لكنها بدت ملفته جدًا بنبرة صوته.. يتحدث عن كل شيء وأي شيء إلا ما حصل اليوم صباحًا، وكأنه لم يحدث أصلاً.. وآه لو يعلم فهد كم هي ممتنة له لعدم قيامه بذلك.

أخذت تغسل الأطباق التي تكاثرت من طبق لثلاثة بالإضافة لأربعة كؤوس رغم أنه كان من الممكن أن يشربا من علبة الماء والمشروب مباشرة.. لكن الوضع بدَا وكأن فهد يعاندها بعد اعترافها .
كانت أمام المغسلة لوحدها بابتسامة وذهنٍ شارد في اللاشيء.. حتى شعرت باليدين التي التفت حول خصرها برقّة، ثم بالثقل الذي حط على كتفها لتتلاشى الابتسامة وتتدافع أنفاسها بارتباك فقد باغتها على حين غرة "هذا وش فييييه اليوم!!".
وصلها صوته هامسًا بأسى، يخترق عقلها وقلبها كالسيف : آسف.
ابتلعت ريقها وتركت ماكان بيدها كي لا يقع ويتسبب بفضيحة، فكما يبدو لازال الرجل غارقًا بتأنيب الضمير منذ الصباح..
تمتمت بتوتر : عادي فهد ليش تتأسف؟
شد على خصرها أكثر، وشعرت بأن كل خلية فيها تذوب وتنصهر فهذه المرة الأولى التي يتصرف فيها بهذا الشكل. بل هذه المره الأولى التي يلتصق بها بهذا الشكل ضاربًا بالمساحة الشخصية التي كان يبدي لها كل احترامه عرض الحائط.
وضع شفتيه على كتفها، يقبله بخفّه جعلت رجفةً متفاجئةً تسري في جسدها، قبل أن يعاود الهمس بصوتٍ يكتمه الإستياء : والله العظيم آسف.

خرجت منها ضحكة باردة بشكلٍ متوتر جعل فهد يحارب ابتسامةً واسعة من أن تعتلي وجهه، وللمرة الثانية يشعر بقوة تأثير قربه عليها... والحاسبة تحسب.
غادة : والله العظيم يافهد عادي أنت للحين تفكر بالموضوع! ترى ماصار اللي صار إلا لأني ما أخذت دواي، يعني المرة الجاية قبل لا تمزح تأكد إني شربته ثم خذ راااحتك لا تردك إلا المزهرية بنص راسي .
ملأَت ضحكته المكان.. بصوتٍ مرتفع ، نزل كالصاعقة على قلبها الذي تقافزت ضرباته بشكلٍ مجنون... فشاركته الضحكة بأخرى دائخة بسبب الخلل الحاصل، واكتفت بها.... فالرجل غير طبيعي ياجماعة.
حررها أخيرًا، يقف بجانبها ويتأملها بابتسامة لازالت مرسومةً على شفتيه : اتركي باقي المواعين علي.
نفضت الماء ورغوة الصابون من يدها في وجهه، تهتف ضاحكة بمودة بعد أن شهق متفاجئًا : تظن بقول لأ؟!! تفضل المغسلة واللي فيها تحت أمرك..

وقبل أن تخرج غادة من حدود المكان الصغير، التفتت برأسها تنظر له، يقابل المغسلة ويعطيها ظهره.. لا شيء مسموع سوى صوت تدفق الماء من الصنبور، ونبضات قلبها التي أبت أن تهدأ.. يتابع ماكان يجب عليها أن تنهيه بكل سكون وهدوء جعلها تأخذ نفسًا عميقًا ولا تزفره إلا بعد أن ارتمت على سريرها تضم الغطاء لصدرها بابتسامة واسعة.

وإن كان فهد التفت لها قبل أن تبتعد.. لكانت رأت في عينيه بريق أملٍ يتلألأ.. وبريقًا آخر لا يمكن تفسيره. يشعر بالحياةِ تنفض قلبه، توسع أوردته.. وتعيد له روحه التي تاهت عنه.
فهد لم يكن رجلاً عاديًا، لا في الماضي ولن يكون كذلك في الحاضر مهما خشُن صوته أو قوَت بنيته. فهد رجل رقيق رغم أن هذا الوصف لا يتماشى مع أبناء جنسه، بل هي تهمه تقوم عليها قبائل وتطير لأجلها أشناب. عطوف حنون لا يعرف القسوة ولا الجلافة.
وإن أعطيَ فهد مجالاً لتحديد وضعه، لقال بأنه تائهٌ بعض الشيء، فجزءٌ منه لازال محتفظًا متأثرًا بشخصية الجوهرة اللينة فهو تعايش فيها وعاشت فيه ثمانية عشر عامًا، غير قادر على الانسلاخ منها مهما حاول ذلك ، والجزء الآخر كان يطغى عليه فهد الرجل الذي التقى بنفسه بعد ثمانية عشر سنة.. وسيبلغ عامه الثاني عشر قريبًا.
.


: خلاص يابنت يكفي نوم ماشبعتي من أمس؟
توعّت غادة على صوته، ثم على يديه التي أجلستها بالقوة.
فتحت عينيها، ثم ارتمت بجسدها للأمام بخمول ما إن ابتعد : تكفى فهد قبل أي شي أبي قهوة من أمس ماشربت.
ليقول فهد : أنتِ قومي أول خلصتي الرقاد على أهل الأرض..
ثم أردف وهو يراها تبعد الغطاء عنها : وبعدين نظام الإدمان ذا بطليه كثرة القهوة ماهي زينة.
التفتت تنظر له باستنكار بعد أن انحنت لحقيبتها، وانتبهت أنه مستعد للخروج تمامًا ولا ينقصه إلا أن يربط خيوط حذائه الرياضي : مين يقول؟
كان سيقول "أنا قريت"، لكنه هتف عوضًا عن ذلك بصرامة : أنا أقول.. ويلا بسرعة ورانا مشي واجد اليوم بنطقها كعابي للهايد بارك.
تبسمت غادة بمزاج رائق ما إن أعطاها ابتسامة واسعة متملقة، تغلق باب دورة المياة بعد أن أخذت ملابسها فهي تركته بالخارج ولا تعلم إن كان سيخرج من المكان أم سيتسمّر فيه.

عقدت حاجبيها وهي ترى أدويتها وقارورة ماء بجانبها على التسريحة ما إن خرجت ووقفت أمام مرآتها، ثم صوت فهد هادئًا : اشربي دواك والبسي عباتك.. لك عشر دقايق بس.
نظرت لإنعكاسه من المرآة لتجد أنه لازال على وضعه الذي تركته عليه، يتمدد في مكانه يدٌ خلف رأسه وأخرى ترفع هاتفه، لتقول ترفع أحد حاجببها : ما أمشط شعري يعني؟
نظر لها نظرة تقييمه سريعة وهو يرى تشعث شعرها نتيجة تقلبها المستمر أثناء نومها، ليقول بابتسامة غامزًا بمرح : لأ اتركيه مثل ماهو عاجبتني تسريحة المخدة..
ضحكت غادة ، ولأول مره في حياتها تبتلع حبوب علاجها بإبتسامة وروح خفيفة وكأنها قطع حلوى .
.

أخذ لها القهوة التي تريد.. سوداء.. مُرّه.. بالحجم الكبير لو سمحت. تناول معها طعام الإفطار في أحد المحلات القريبة قبل أن يأخذا الطريق سيرًا على الأقدام حتى وصلا لوجهتهما.. بأحاديث بسيطة وضحكات هادئة ويده لم تفارق يدها دقيقة.

"والله إني في مشكلة".. هتفت بها غادة بينها وبين نفسها، تجلس على أحد الكراسي الموجودة في الهايد بارك، بابتسامة خدرة وعينين تتلامع وقلب متسارع النبضات. تحرك بين سبابتها وإبهامها ساق الوردة الصفراء متناهية الصغر، والتي نازعت برودة الأجواء وبقت صامدة، إلى أن أنهى فهد حياتها ما إن رآها ليمدها لها بعد أن قطفها، يغمز مشاكسًا بمرح.
أخذت نفسًا عميقًا وأطلقته براحة، غير قادرة على صرف بصرها عنه، يصلي أمامها قريبًا من أحد الأشجار بعد أن دخل وقت صلاة العصر. تتسع ابتسامتها بشكلٍ خطِر جدًا ما إن سلّم. ليقف بعد ذلك ويرفع جاكيته الجلدي الأسود من على الأرض ويرتديه في اقترابه منها، يتمتم بينه وبين نفسه بشيءٍ لم يتعدى حدود شفتيه..

غادة في مشكلة.. غادة تعاني من خفقان حاد وقلوب حمراء تتطاير حولها، وتخرج من عينيها في كل مره يعطيها فهد ابتسامة هادئة كهذه، يمد يده لها قبل أن يواصلا السير بين المساحات الخضراء الواسعة..
غادة : حرمًا ياحج.
ضحك يجاريها : جمعًا إن شاءالله...... متى بتصلين أنتِ؟
كان سؤالاً عفويًا جدًا لم يقصد منه شيئًا أبدًا لدرجة أنه لن يستنكر الجو الذي توتر ما إن تنحنحت غادة، تقول بتلعثم : ا اليوم.. يمكن!!
هز رأسه وسكت.. وهو والله لم يقصد أي شيء مما تبادر لذهنها كان مجرد سؤال عابر نطق به وانتهى ما إن سمع الإجابة.

ساد صمتٌ خفيف لا يسمع فيه إلا صوت خطواتهما على الأرض، ورغم برودة الجو إلا أن غادة كانت تشعر بالدفئ ينتشر في أطرافها. تخلع نقابها وتضعه في حقيبتها بعد أن أخذ فهد ممرًا أخضرًا يخلو تقريبًا من الناس. ترمقه بطرف عينها.. مخفضًا رأسه وكأنه يراقب خطواته.. تنحنحت : فهد شوف .
أدار رأسه ناحيتها.. تجمع أصابعها ماعدا الوسطى والسبابة وكأن بينهما سيجارة،
ضحك وهو يراها تنفث هواءً خرج أبيضًا من برودة الجو : ودك؟
حركت حاجبيها : اوف أمنيتي..
ثم أردفت تسأل بفضول : أنت ماقد دخنت؟
فهد : أبد...
اتسعت عينيها بعدم تصديق : ولا مره ؟؟!!!
: نهائي .
غادة بذات النبرة الغير مصدّقة والنظرة المذهولة : مو معقول!! ولا حتى من باب الفضول والتجريب؟
فهد بابتسامة : ولا فكّرت أبدًا .. هذا بلاء الله يكفيني ويكفي المسلمين شره.. ترى أهلي يعاملون الدخان معاملة المخدرات وكبرنا على كرهه عشان كذا تشوفين مالنا شَف فيه.
تكرمشت ملامحها بشغب : أول يوم كنت بزر رحت أنا ونايف ورى البيت ومعنا ولاعة نولع بأطراف الأوراق ونمزمز إلى إن جا يوم وشبّت قذلتي باللهب.. غير قلبي اللي بغى يوقف من الخوف وأنا أشوفها مولعة طلع أبوي على الصراخ وجلدني جلد سنة بساعة وأمسيت ذيك الليلة دموعي أربع وقذلتي مفلفلة.
ثم أردفت ما إن ضحك باستمتاع : ترى سويت ذا اللفة كلها عشان أشوف وش وضعك بس طلعت مضبوط ورئتك وردية.. برافو عليك..

وقبل أن يفتح فمه أو أن يأخذ نفسًا حتى، وصله صوت نباح من مكانٍ ما اتسعت معه عينَا غادة بهلع وهي تنظر خلفه : يمه فهد... كلب كلب..
قالتها وانطلقت تركض في الإتجاه المعاكس بسرعة.. استدار برأسه ليرى كلبًا من فصيلة سانت برنارد ببنية ضخمة جدًا و وجه متدلي يركض باتجاهه وصوت نباحه مرتفع بشكل غير طبيعي..

كانت غادة تركض بسرعة ورعب في الممر العشبي الطويل دون أن تلتفت حتى, فهي تخاف القطط فكيف بالكلاب!!
إلى أن مر بها فهد مسرعاً يتعدّاها لا ترى سوى ساقيه الراكضان بسرعة جنونية وكأنه في مسابقة قفز حواجز.
التفتت في ركضها ما إن اختفى صوته.. ولم تجد له أثرًا خلفها.. فبطّأت من حركتها بالتدريج حتى توقفت، تنحني واضعةً يديها على ركبتها تشعر بأن رئتها ستتمزق من قل الهواء.

فقد فهد صوت خطواتها وتفاجأ بأنها ليست معه.. لا خلفه ولا بجانبه ولا حتى حوله.
عاد الخطوات التي ركضها بسرعة أكبر.. ليكتشف أنه قطع مسافة كبيرة لا يستهان بها..
تقدم ناحيتها بسرعة ما إن ظهرت له ولازالت على نفس وضعها.. تحاول أن تلتقط أنفاسها بصعوبة بالغة..
سأل لاهثًا بقلق ما إن وصل لها : وش فيك؟
رفعت بصرها له، ثم جلست على الأرض ما إن انفجرت ضاحكةً من أعماق قلبها.. غير قادرة على الوقوف أو حتى التنفس : الحين مين المفروض يخاف أنا ولا أنت؟
فهد : ماخفت .. بس كلب ذا كلب خفت ينجسني.
عادت تضحك بصوتٍ مرتفع تردد صداه في المكان. تهتف بصعوبة وعين تدمع من كثرة الضحك : ينجسك أجل!!!.....
رفع حاجبيه ما إن بدأ صوت ضحكتها الصاخب يتحول لشهقات متقطعة.. يجد نفسه يرتمي بجانبها واضعًا يداً على صدره يتحسس قلبه الذي كان يخفق بين ضلوعه بشدة وجنون لم يعد يعرف سببه الحقيقي. يغمض عينيه محاولاً التقاط أنفاسه : الله لا يوفقه خلع قلبي.
تمددت على ظهرها لازالت تبتسم بضحكة بعد أن هدأت من نوبة الضحك التي أصابتها، تغمض عينيها تستمتع بتسلط أشعة الشمس الباردة على وجهها، تهتف بعد أن تنهدت بعمق : الله يسعدك يافهد قد ماضحكتني..
بقت على حالها تحاول تنظيم أنفاسها حتى بعد أن سكنت قهقهتها تمامًا، لازالت تغمض عينيها وابتسامتها تلوح على وجهها بوضوح. ولم تفتحها إلا عندما شعرت بظلٍ يغطيها، وبأن الأشعة الصفراء الباهتة حُجبت عنها.. لتلتقي عينيها بوجه فهد الذي غطّى الشمس برأسه. ينظر لها بابتسامة هادئة كانت مشعةً وأكثر دفئًا من تلك التي كانت تتوسط السماء.
هدأت أنفاسها تماماً، بل أنها قُطعت.. لا تعلم هل هذا تأثير ابتسامته أم عينيه التي غرقت بين خطوطها الحانية.. أم هو تأثير الإثنتين مجتمعات؟..
لم يخرج منها حرف، ولا منه... وظلت تلك النظرة التي تشاركاها أقوى من أي لغة.. حتى بعد أن همس بمودة : مشينا؟....
ابتلعت ريقها بصعوبة، وثقل.. تومئ برأسها بانصياع.. لم تتحرك. ولم يبادر هو بالابتعاد.. بل أنه دنى منها، لتتابع إقترابه دون أن ترمش.. حتى تداخل بؤبؤيها ما إن قبّل ما بين عينيها.. برقة وخفه وكأنه عصفور يخشى من أن يكسر الغصن تحته إن أثقل عليه.
يهتف مبتسمًا بمودة وهو يرى محاولتها الفاشلة بكتم ضحكتها بعد أن وصل لهم صوت نباح بعيد جدًا : رجع ولد الكلب.. قومي..

قالها و وقف يسحبها معه.. لتتأكد غادة في تلك اللحظة أنها في مشكلة فظيعة وعميقة حقًا.... بل أنها تتدحرج هي ومشكلتها في الغويط...فما كانت تظنه راحة وقبول أصبح حبًّا جمًّا الآن..
غادة أحبّت فهد ولم يمضي على زواجها منه أسبوع....
وقد تأكدت..أيقنت.. وآمنت أنها بالفعل أخف من الريشة..
.
.

سلمت غادة من صلاة العشاء، وتمددت فورًا على الأرض الخشبية تلعب دور الميتة..
لا يصل لمسمعها شيء.. سكون وهدوء وكأن لا أحد في المكان غيرها. جلست على حالها بما يزيد عن عشر دقائق، متأكدة من أن فهد إن دخل سيتوقع أنها قد سلمت الروح لخالقها وانتهت.
" وش ذا السخافة "..قالتها قاصدةً نفسها، بإزدراءٍ وانفعال وهي تقف بسرعة. تخلع عباءتها وتضعها جانبًا قبل أن تقابل المرآه.
تنظر لنفسها وإطلالتها الغير متكلفة. أبدًا..
تمرر يدها على شعرها وهي ترمي لانعكاس صورتها قبلتين تتبعها بثالثة لزيادة الثقة لا أكثر. تتحرك ناحية الباب، تقدم رجل وتأخر الأخرى.. مع ذلك وصلت.
تضع أذنها عليه.. تحاول أن تسمع أي إشارة تدل على وجود أحياء في الجهة الأخرى.. لكن لم يصلها شيءٌ البتّه.
عقدت حاجبيها بتوتر، هيَ واحدة من الاثنتين.. إما أن يكون فهد نام وهذا احتمال وارد جدًا.. أو أنه خرج وهذا شيء مستحيل فالوقت قد تأخر...
وضعت يدها على مقبض الباب.. وحركته ببطء.. وفتحته.. ونظرت للواقف أمامها مباشرة بعدم استيعاب.. ينظر لها نظرةً مبهوته فقد ظهرت في وجهه فجأة.. بعينين متسعة وكأنها وقعت عليه بالجرم المشهود.
ورغم الارتباك الذي كانت تشعر به وسيقتلها إلا أنها ضوقت عينيها، تقول بنبرة إتهام مازحة : وش تسوي هنا؟
رمش فهد أكثر من مره، فقد قضى ربع ساعة يقف أمام الباب بحيرة لا يعرف كيف يدخل وهي التي تركته في الصالة واختفت داخل الغرفة تغلق الباب خلفها دون أن تقول شيئًا.

حاول أن يتدارك نفسه.. ويجمع شتات نفسه.. المشكلة واضح أنها من نفسه.. فصرخ بينه وبين نفسه "اصصصطلب ياورع!!"..
ليعقد حاجبيه بعد هذه الصرامة والأسلوب شديد اللهجة، يهتف بجدية : طولتي!!
سمع صوت ضحكة خافته من مكانٍ ما.. هل هذه نفسه تشمت به أم ماذا؟
غادة باستنكار من ملامحه التي انقلبت لعبوس : كنت أصلي.
فهد بذات الجدية "ياويله من نفسه" : تقبل الله.
ابتسمت رغمًا عنها "طيب وش فيه شوي ويجلدني؟" : منا ومنك الله يجزاك خير.
مرر لسانه على شفتيه، يقول بنبرة خفيفة وابتسامة ركيكة عله يغير الجو المشحون بالتوتر : طيب أدخل ولا أنام بالصالة؟
غادة : نام بالصالة.
ضحك، وضحكت معه..
ثم سكت، وسكتت معه..
إلى أن قالت وصوتها يتلون صعودًا ونزولاً بطبقات موسيقية لم تتوقع أن تسمعها في حياتها من فرط ارتباكها والجو الغريب وتوتر فهد الغير طبيعي أبدًا : أمزح معك، بفرش لك بالأرض.
فهد : ههه..
ثم عاد يسكت، يخفض بصره حيث حاول تشتيت رعشة أطرافه الواضحة بفتح سحّاب جاكيته الجلدي الأسود وإغلاقه بشكلٍ متواصل جعل غادة تنظر له بشك وقلق.

رفع فهد عينيه أخيرًا يحاول استعادة رباطة جأشة، فالحال المائل هذا لا يليق برجل مثله، لتقع بعينيها المتفحصة بنظرات تملؤها الريبة رغم الخجل والحرج الذي يلون وجهها، يحاول ترتيب أنفاسه ولم يعد يعرف سبب هذا الخوف بالضبط. يقول بارتباك: أس..
قاطعته ترفع كفًّا مرتعشًا في وجهه، إن لم تخفف من التوتر سيموت أحدهما لامحاله، تقول بابتسامة وارتباك أكبر : ناديني غادة بدون أستاذ.
في بادئ الأمر لم يستوعب، وبقى لثوانٍ قليلة يحدق بها بعدم فهم جعل الدم ينفجر في وجهها، بل شعرت بأنها ستبكي فقد بدت سخيفة جدًا هي وطرفتها هذه.. تعود خطواتٍ للخلف وتغلق باب الغرفة في وجهه بكل ما أتاها الله من قوة.. ليغرق بعد ذلك بضحكة عميقة وهو يسمع صوت المفتاح يُقفل مرتين، يهمس بذهول وعدم تصديق وفي عينيه تلتمع حياة : مجنونة!
.
.


عاد عزام لبيته أخيرًا، منهك لأبعد حد..
مرت الأسابيع الماضية بشكلٍ سريع لم يشعر به، كان يركض في كل إتجاه بين تركي وجوار الذي سيعود بعد.أيام قليلة وحتى أبو عارف. سريع لدرجة أنه صُدم عندما نظر لهاتفه ورأى التاريخ في أعلى شاشته، فزواج خاله بعد يومين بالضبط..
صعد السلالم، مقتربًا من عبدالإله الذي كان يتمدد على أطول كنبه بتراخي وذهن مشوش ، يتابع اقترابه إلى أن وصله عزام، ينحني مقبلاً رأسه للمرة الأولى في حياته فما بينهما من سنوات لا يكاد يذكر..
وما إن رفع عزام رأسه ينوي الابتعاد حتى وشعر بقبضة عبدالإله على أعلى ثوبه، تمنعه..
مد عبدالإله يده في وجه عزام كي يقبلها، ليصفع الأخير كفه ضاحكًا : اقلب وجهك.
رفع أحد حاجبيه وهو يرى عزام يجلس بتنهيدة : ايه هذا عزام اللي أعرفه... وش تبي تحب راسي من الحين أقولك فلوس ماعندي...
عزام بمودة : ما أنت كفو احترام يالشايب..
والله ماني مصدق بتعرس وتعقل وتطلع من تحت جناحي.
قالها يبتسم مشاكسًا لتتعالى ضحكة عبدالإله..
وبعيدًا عن المزح، عزام غير قادر على تصور بيته من غير خاله : عبادي قم بنطلع نتعشى أنا وأنت.
اعتدل جالسًا : قدام وين بتعزمني؟
كان سيجيب لولا والدته التي دخلت وأنارت حنايا وجهه بحضورها، يشير لها لتجلس بجانبه.. تضيع الدقائق بالأحاديث..
حتى سأل ما إن فقد مَن بات وجودها يشكل فرقًا في حياته : شعاع طالعة؟
سأل وهو يعرف الإجابة مسبقًا فمن المستحيل أن تخرج دون أن تأخذ الإذن منه.
صيتة بمودة : لا ياقلبي من رجعت من دوامها ماطلعت من غرفتها.
عزام : ليه وش فيها؟
حاولت صيتة أن تخفي استنكارها ما إن لاحظت الإهتمام يعتلي وجهه، ويسيطر على نبرته.. فمنذ متى؟.....
هذه المرة الأولى التي يبدي فيها عزام ردة فعل حيّة كهذه على عكس الماضي، لتقول بابتسامة مستنكره : تعبانة شوي.

انتظر خمس دقائق وكأنه لم يسمع شيئًا.. قبل أن يقوم متوجهًا لغرفته بشكلٍ اعتيادي ، لكن عبدالإله انتبه ليصفّر ممازحًا.. وصيتة انتبهت وأطلقت ضحكة خافته.

فتح باب غرفته بهدوء، ليجدها تسفط بعض الملابس على طرف السرير، سلم بشكلٍ اعتيادي كذلك، وردت السلام دون أن تنظر له.. تغلق أزرار أحد قمصانه بين يديها قبل أن ثنيه بعناية.
أفرغ جيوبه يضع ماكان فيها على التسريحة، قائلاً بنبرة اعتيادية فهو رجل اعتيادي يغرق بالاعتيادية جملةً وتفصيلا : أمي تقول تعبانة سلامات.
شعاع بهدوء : شوية إرهاق ..
استنكر ردها ونبرتها الباردة، ليجد نفسه يتقدم إلى أن وقف أمامها، ويبدأ النظر لوجهها المتورد بتفحص : وجهك ماهو وجه وحده تعبانة!!..
ابتسمت بارتباك من نظرته : ياخوي قلنا لك إرهاق ويوم ارتحت الحمدلله.
التعمت عينيه بشغب، يرفع حاجبه بتهكم مازح : أخوي أجل!!
ضحكت بحرج : اتركك من الكلام ذا أبيك بسالفة.
أبتعد يفتح أزرار ثوبة : نعم أختي أسمعك.
فقالت شعاع ضاحكة وقلبها يكاد أن يكسر أضلعها : عزام وين رايح السالفة لازم فيس تو فيس.
رفع يديه يسحب ثوبه للأعلى ويخلعه : دامها فيس تو فيس أجل انتظري بدخل أتروش سريع وأطلع لك ماني طايق نفسي.. الله لا يحللك يا أبو عارف.
قالت بابتسامة : بسرعة لاتبطي بعدين تبرد السالفة...
ألقى عليها ثوبه ودخل دورة المياة ضاحكًا يغلق الباب على صرختها وهي تبعد الثوب عنها بقرف : عزاام.
.

: تنتظرين إلى أن البس ولا السالفة بتبرد؟
أشاحت بصرها عنه بحرج بعد أن خرج يلف منشفته على خصره : قد بردت.. البس على ما أسخنها ههه.
قهقه عاليًا رغمًا عنه، يبتعد ويرتدي ملابسه.. يشعر بأن كل ما حصل خارج أسوار منزله تلاشى واختفى من عقله الآن، ولا شيء باقي إلا صوت ضحكته التي ملأت المكان.

ابتلعت شعاع ريقها الذي جف وهي تتابع اقترابه منها حيث لازالت تجلس على طرف السرير فهي غير قادرة على الحركة ، يجفف شعره بمنشفه صغيرة وجدها معلقة، وبعد التدقيق تبيّن أنها تخصها..
"عزام الفوضوي اللامبالي....." ، قالتها في نفسها وقلبها يذوب.. يذوب.. يذوب..
وقف أمامها صامتًا لازال يفرك شعره، وكأنه ينتظر أن تبدأ هيَ موضوعها.. فقالت : اليوم رحت اشتركت بالنادي بس اكتشفت ما أقدر أسوي رياضة الفترة ذي، تهقى بيرضون أرجع فلوسي أو أأجل الاشتراك لبعد سنة؟
عقد حاجبيه : ما أدري والله ، بس ليه ماتقدرين؟
تعلقت عينيها به، تقول بخفوت : صعبة وأنا حامل.
قوس شفتيه بتفكير : ما أظن يضرهم بعد سنة ولا الحين أهم شي ماسكين دراهمك......
سكت، وسكتت. تتدافع أنفاسها الغير منتظمة بترقب تخشى من ردة فعل باردة تقتل فرحتها فلا زال حوارهما تلك المرة في المطعم حيًّا في ذاكرتها حتى وإن كان عزام الواقف أمامها الآن يختلف تمامًا عن ذاك..
عقد حاجبيه.. يقول بدون استيعاب : لااا عاد.
ضحكت تغص بعبرتها، ترى التماع عينيه واتساعهما بفرحة واضحة، يهتف هامسًا بضحكة مذهولة : حامل؟
هزت رأسها بقوة تشد على شفتها بأسنانها كي لا يسقط شدقيها من قوة الإبتسام..
سأل بلهفة لازال غير مصدق : أمي تدري؟
أجابت شعاع ضاحكة ما إن شعرت بترقرق الدموع : قلت أعلم الأبو أول وبعدها نذيع.

اختفى من أمامها بلمح البصر وخرج مسرعًا غيرُ مكترث بالباب الذي ارتطم بالحائط بصوتٍ مرتفع.. لكن صوت صراخة هو ينادي كان أعلى : يمه.. يمه...
وماهي إلا ثوانٍ حتى وصلها صوت الزغاريط المرتفعة التي جعلتها تخرج من مكانها لهم. تتوقف عند مدخل الصالة وهي ترى المشهد أمامها..

عبدالإله يلكم عضد عزام قائلاً بضحكة : سويتها يالوصخ..
ضحك عزام، مقبلاً كف والدته التي كانت تتشبث بأصابعه، ثم يهتف ببهجة : أجل بنتظرك.
تعلقت صيتة برقبته، تغمره بقبلاتها الفائضة بالمودة، ونبرة صوتها لوحدها تعبر عن الف شعور : الف مبروك ياروح روحي أنت.. الله يرزقك بالضنى الصالح اللي تقر به عينك..
عزام وعلى شفتيه ابتسامة عريضة ومشرقة أشرقت معها ملامحه : أبشري بذيب يمه. وإن ما جا ذيب جات صيتة.
عبدالإله بمودة : افرض شعاع تبي تسمي خالد طيب..
ضحك : أجل الله يجيب ذيب ويجيب خالد معه.
رفع عبدالإله حاجبيه باستمتاع : طيب ومشاعل؟
تعالت ضحكته : الدفعة اللي بعدها إن شاءالله مانبي نضغط الهيئة العامة للإحصاء .
ماكانت تشعر به صيتة في هذه اللحظة مختلف، فيض من السعادة يملأ كيانها.. شيء لا يوصف.. فريد لم تشعر به من قبل.. سألت بلهفة : شعاع وينها ؟
تقدمت بخجل عجزت عن مقاومته، تقول بعذوبة : أنا هنا خالتي.
ولم يلفتها من بين جميع الأعين التي التفتت تنظر لها إلا عينيه التي رأت قلبه ينبض فيها.

.
.

أستيقظ عزام في اليوم التالي على رسالة بسيطة من بسام بمحتوىً أسود نزل عليه كالصاعقة (تركي يطلبك البيحة.)



.
.
.
.


# نهاية الفصل التاسع عشر
نلتقي الجمعة إن شاءالله


سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك ♡.

 
 

 

عرض البوم صور وطن نورة ،،  
قديم 31-03-20, 11:44 AM   المشاركة رقم: 274
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
مشرفة منتدى الحوار الجاد


البيانات
التسجيل: Apr 2008
العضوية: 70555
المشاركات: 6,520
الجنس أنثى
معدل التقييم: شبيهة القمر عضو ماسيشبيهة القمر عضو ماسيشبيهة القمر عضو ماسيشبيهة القمر عضو ماسيشبيهة القمر عضو ماسيشبيهة القمر عضو ماسيشبيهة القمر عضو ماسيشبيهة القمر عضو ماسيشبيهة القمر عضو ماسيشبيهة القمر عضو ماسيشبيهة القمر عضو ماسي
نقاط التقييم: 5004

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
شبيهة القمر غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : وطن نورة ،، المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: أَحلَامٌ تَأبَى أنْ ’ تَنْطفِئ ،، / بقلمي

 

وش هالقفلة ياوطن
رحمت عزام كل مايطقها عوجا ههههه
اتوقع بيكون موت تركي بفعل فاعل ويمكن من وراء موته بتفتح القضيه مرة ثانيه وماراح تتسكر لين تطلع الحقيقه
شعااع مبروووك كنت حاسه والله..
الجادل.. الله يكون بعونك اكثر من كذا انا لا احتمل ههههه
فهد وغاده.. اتوقع ماراح تنتهي سالفه الجوهره الا اذا حملت غاده ههههه بكذا الكل راح ينساها وكأنها ماكانت...

وطن.. ندري تحبين غاده بس وش هالظلم ليه ماتحبين الجادل وتخفين شوي عليها... اكثر وحده اتأزم نفسيا لما اشوفها كيف تنذل وتتعذب بسبه حاكم.. حشى موب قلب عليك..

وطن.. تسلمين يارب احس هذا الهدوء الي يسبق العاصفه.. الله يستر...
بانتظااارك.....

 
 

 

عرض البوم صور شبيهة القمر  
قديم 31-03-20, 02:21 PM   المشاركة رقم: 275
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
قارئة مميزة


البيانات
التسجيل: Sep 2010
العضوية: 190192
المشاركات: 610
الجنس أنثى
معدل التقييم: أبها عضو ذو تقييم عاليأبها عضو ذو تقييم عاليأبها عضو ذو تقييم عاليأبها عضو ذو تقييم عاليأبها عضو ذو تقييم عاليأبها عضو ذو تقييم عاليأبها عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 748

االدولة
البلدKuwait
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
أبها غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : وطن نورة ،، المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: أَحلَامٌ تَأبَى أنْ ’ تَنْطفِئ ،، / بقلمي

 

ما شاء الله تبارك الله ...
عسى إدياتك ما تمسها النار ،،
فصل جميل جميل ،،، وجميل . 😍
كل الشكر والتقدير لمبدعتنا وطن نورة ،،،
لي عودة بإذن الله للتعليق . 🌷

 
 

 

عرض البوم صور أبها  
 

مواقع النشر (المفضلة)
facebook




جديد مواضيع قسم الروايات المغلقة
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 08:06 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية