لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > قصص من وحي قلم الاعضاء > الروايات المغلقة
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

الروايات المغلقة الروايات المغلقة


 
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 04-01-20, 07:11 AM   المشاركة رقم: 196
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
مشرفة منتدى الحوار الجاد


البيانات
التسجيل: Apr 2008
العضوية: 70555
المشاركات: 6,520
الجنس أنثى
معدل التقييم: شبيهة القمر عضو ماسيشبيهة القمر عضو ماسيشبيهة القمر عضو ماسيشبيهة القمر عضو ماسيشبيهة القمر عضو ماسيشبيهة القمر عضو ماسيشبيهة القمر عضو ماسيشبيهة القمر عضو ماسيشبيهة القمر عضو ماسيشبيهة القمر عضو ماسيشبيهة القمر عضو ماسي
نقاط التقييم: 5004

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
شبيهة القمر غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : وطن نورة ،، المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: أَحلَامٌ تَأبَى أنْ ’ تَنْطفِئ ،، / بقلمي

 

السلام عليكم
انا قلت لكم ذيب حي ..حيييي
كل الدلائل تشير لكذا
اولآ والأهم من كل هذا احساس الامل الي بداخل عزام والي دايم يشجعه على انه يكشف حقيقة ابوه ..
ثاني شي العذوب واعجابها بشخصية ذيب
ثالث شي وهو المهم .. علاقة ساطي بذيب ..بالاول حذره من الي يبون ينتقمون منه ..وبعدها هو الوحيد الي وقع على وفاة ذيب وبعدها اختفى ..هذا يدل على انه ساعد ذيب على الهرب ويمكن خلاه ينتحل شخصيه الارهابي الي فجر بنفسه ..وهذا يدل على حب ساطي لذيب ..
نجي لوين هرب ساطي بذيب ؟؟هل للسودان او لدوله ثانيه ..
ويمكن ذيب ماجلس هالفتره كلها الا لامرين اما انه فاقد الذاكره او انه خاف على زوجته واهله انهم يأذونهم في حال عرفوا انه حي يرزق ..فهو ضحى بحياته علشان اهله ..
المهم وطن ..مالنا دخل طلعي ذيب من تحت الارض ..نبيييه يعني نبيه ..حتى لو عمره 100سنه ههههههه

حاكم والجادل ...آه ياحاكم ماتدري وش كثر وجعك وجعني .. انا أناشد مجلس الدول العربيه وهيئه اليونسيف واليونسيكو والامم المتحده انهم يتدخلون لحل هالقضيه ....
مو حرام عليك وطن تخربين عليهم اجمل لحظات العمر ...انا ماضاق صدري الا على الجادل وهي تتذكر كل الاحلام والاماني الي كانت راح تسويها لحاكم .. 😭😭

ايييه لنا الله ياوطن ..
المهم البارت الجاي ابي اشوف شي يوسع الخاطر ...عندك اجراام فرغيه بعزام بعبادي بفهيدان ... لالا فهيدان ينرحم لاتكسرينه
بس اجرامك ابعديه عن حااااكم تكفييييييييييييين ...

وطن تسلم الايادي بارت يهبببببل واسلوبك بالسرد روووعه ماشاءالله كل بارت اجمل من الي قبله ..
تكفين وطن لاتتأخرين ..

 
 

 

عرض البوم صور شبيهة القمر  
قديم 04-01-20, 02:31 PM   المشاركة رقم: 197
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,194
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : وطن نورة ،، المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: أَحلَامٌ تَأبَى أنْ ’ تَنْطفِئ ،، / بقلمي

 

النوري حرام عليك تبغينها تفرغ اجرامها في عزام أو عبادي أو فهد مايستاهلون
وكل واحد أخذ نصيبه

لو باقي عندها اجرام خليها تفرغه في ناصر وزوجته أو ابو عارف أو حتى جوار

 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي  
قديم 05-01-20, 06:05 AM   المشاركة رقم: 198
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
مشرفة منتدى الحوار الجاد


البيانات
التسجيل: Apr 2008
العضوية: 70555
المشاركات: 6,520
الجنس أنثى
معدل التقييم: شبيهة القمر عضو ماسيشبيهة القمر عضو ماسيشبيهة القمر عضو ماسيشبيهة القمر عضو ماسيشبيهة القمر عضو ماسيشبيهة القمر عضو ماسيشبيهة القمر عضو ماسيشبيهة القمر عضو ماسيشبيهة القمر عضو ماسيشبيهة القمر عضو ماسيشبيهة القمر عضو ماسي
نقاط التقييم: 5004

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
شبيهة القمر غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : وطن نورة ،، المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: أَحلَامٌ تَأبَى أنْ ’ تَنْطفِئ ،، / بقلمي

 

اقتباس :-   المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فيتامين سي مشاهدة المشاركة
  
النوري حرام عليك تبغينها تفرغ اجرامها في عزام أو عبادي أو فهد مايستاهلون
وكل واحد أخذ نصيبه

لو باقي عندها اجرام خليها تفرغه في ناصر وزوجته أو ابو عارف أو حتى جوار

😂😂😂😂😂😂
هي لازم تجرم بالي نحبهم وعقب تسنعهم ..
صح وطن !! 🙄

 
 

 

عرض البوم صور شبيهة القمر  
قديم 11-01-20, 06:49 AM   المشاركة رقم: 199
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Oct 2018
العضوية: 330628
المشاركات: 159
الجنس أنثى
معدل التقييم: وطن نورة ،، عضو على طريق الابداعوطن نورة ،، عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 176

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
وطن نورة ،، غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : وطن نورة ،، المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي

 

أنا سعيدة بكم جدًا الله يسعدكم ❤❤
لي عودة للتعليقات والله مالي دخل بس اصبروا علي والله ما اخليكم :)
لكن حالياً استلموا الجزء ١٤ يارب يكون قد الانتظار وغير مخيب للآمال ❤

 
 

 

عرض البوم صور وطن نورة ،،  
قديم 11-01-20, 06:50 AM   المشاركة رقم: 200
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Oct 2018
العضوية: 330628
المشاركات: 159
الجنس أنثى
معدل التقييم: وطن نورة ،، عضو على طريق الابداعوطن نورة ،، عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 176

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
وطن نورة ،، غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : وطن نورة ،، المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي

 

.
.
.


أتمنى لكم يوم جميل و قراءة ممتعة مقدما ❤


# الفصل الرابع عشر،،
" حُلمٌ لَا يُصدَّق "

.
.
.

قبل ساعتين،،
في قاعة الزفاف.

مشت الجادل على الممر الطويل، تتبعها الأعين المحبة وتذكر الله عليها، الإضاءة خافته شاعرية لا أضواء ساطعة سوى ذلك الضوء المسلط عليها، يتبعها وكأنها الوحيدة في المكان.. تتعالى أبخرة العود من المبخرين الكبيرين خلفها لتظهرها وكأنها أتت من عالمٍ آخر.. تمشي بثقه، تتهادى في خطواتها على أنغام زفتها التي جعلت شعاع تحتضن والدتها من الخلف بتأثر، تسند ذقنها على كتفها وتقول بهدوء وعبرة وعيناها معلقة بها : ما أصدق يمه الجادل عروس.
ابتسمت مشاعل وهي تتابع خطواتها بلهفة، تقول بنبرة مرتعشة : حبيبتي بسم الله على قلبها، طالعة تهبل .

وبينما كانت الجادل تظهر الثقة والثبات في خطواتها ليشعر الرائي من بعيد أنها أنثى لا تهزم،
كانت روحها قد أعلنت الهزيمة باكرًا و انتهى الأمر، لازالت تنتفض، لازالت تشعر بيدي حاكم على خصرها عندما طلبت ذلك المصورة لتلتقط صورة أو اثنتين . كان مطيعًا يبتسم في كل صورة وكأنه يعرف قدسية ما يقوم به، يبتسم وينظر لعينيها ولوهلة ظنت أنها استفاقت من كابوسها الذي أرهقها طيلة الاسبوعين الفائتين، إلى أن رأت نظرته التي لم تتعدى سطح عينيه، لتدرك لحظتها أن الكابوس ليس إلا واقعًا تعيشه.
على عكسها هيَ، كانت تنظر له نظرة الجادل الغارقة به. تبحث في روحه عن شيء، لكن المكان في أعماقه كان خاويًا موحشًا.

،

ارتدت الجادل عباءتها بعد أن بدلت فستان زفافها الثقيل بآخر أقل حجمًا.. لازال أبيضاً لكنه يلتف حول خصرها النحيل بعذوبة وينسدل طويلاً مُظهرًا بذلك تفاصيل جسدها..
شعاع كانت معها، ساعدتها بذلك بينما ريم كانت تجمع حاجيات الجادل المتناثرة هنا وهناك. تضع تاجها المرصع بالكريستال في كيسه، ترفع طرحتها من على الأرض بعد أن خلعتها لتضعها في حافظ الملابس القماشي، وآخر لفستانها الكبير.
حتى كعبها المرتفع الذي استبدلته الجادل بآخر أقصر وأكثر راحة، وضعته في كرتونه الخاص به.

لاحظت شعاع تقلّب ملامح وجه شقيقتها وكأنها ممغوصه.. فسألت بتوجس : بنت، فيه شي يوجعك؟
هزّت رأسها تنفي، تتجمع الدموع في عينيها بوجل.. تلمح والدتها التي تمسك بذراع حاكم الواقف بالقرب من باب الغرفة، ابتعد حتى لا يضايق وجوده شعاع التي كانت ترتدي عباءتها لا يظهر منها شيء ..
هنأته بمودة : الف مبروك ياحاكم الله يسعدكم ويعمر بيتكم ويجعلها زواجة الدهر يارب.
ليجيبها ممازحًا دون أن يرفع طرف عينه ناحيتها : الله يبارك فيك ويسعدك ياشعاع، الله الله وأنا أخوك وصيها علي ترى محد أعطاني وجه اليوم أبد.

زفرت الجادل بتوتر وهي ترى جانب وجهه وابتسامته الواضحة وهو يستمع لتوصيات أمها، ثم يقترب مقبلاً رأسها بعد أن قالت : عاد لا أوصيك على الجادل تراها قطعة من قلبي ولا أعطيتك إياها إلا لأني أدري بك كفو وقدها.
ليقول بعد ذلك ما إن ابتعد : من غير وصاة ياعمة الجادل بعيوني.
ابتسمت مشاعل تربت على عضده : تسلم عيونك حبيبي..
ثم استدارت لسارة الواقفة بجانبها تتأمل ابنها وكأن قلبها ينبض في عينيها : جعلني فدا المنطوق الزين يا سارة.
ضحكت سارة : عاد حاكم مايحتاج زين منطوق وزين فعول فديته وفديت منطوقه.
قربها منه يلف يده حول كتفها، يميل برأسه ويضع خده على أعلى رأسها، يساعده في ذلك طوله الذي يفوقها بمراحل.. يقول مبتسمًا لازال ينظر لمشاعل -صدقت ريم عندما قالت بأن الجادل تشبه والدتها- : الله لا يخليني.
مشاعل بمرح وكأنها سمعت ماقال لشعاع : وتراني وصيتها عليك وأنا أدري الجادل من غير شي مابتقصر لكن إن جاك منها شي علمني وأنا أتصرف معها، ما يعرف لها غيري.
لتقول سارة قبله : الجادل ما يجي منها إلا الزين والعلوم الطبية .
اعتدل حاكم واقفًا يبتسم، يحرر والدته ، وعيني الجادل المسلطه عليه وتراقبه شعرت وكأن ابتسامته تهزأ بها، يقول بهدوء : في ذي أنا أشهد.

.

وقفت الجادل في ساحة القاعة الكبيرة، تتجمع العبرة في حلقها وهي ترى والدها وشقيقيها ومن خلفهم يقف عبدالإله بالقرب من السيارة ينظر لها بابتسامة واسعة..
كلما تسارعت الدقائق واقتربت اللحظة التي ستختلي فيها بحاكم، تجد نفسها تقاوم الرغبة العارمة بالانتحاب.. أو أن تفرغ مافي بطنها من فرط توترها.

قبّل عبدالإله جبينها بعد أن احتضنته . تتشبث به وكأنه طوق نجاة، لازال غير مصدق بأن أصغر بنات أخته قد أصبحت امرأة متزوجة الآن.. علاقته بأبناء شقيقتيه مختلفة، أقرب لكونها صداقة فلا قيود ولا حدود بينهم رغم فارق العمر. حتى مع هزاع، ومابينهما يزيد عن عشرين سنة.

يرى خالد ممسكًا بحاكم وكأنه يوصيه، والآخر يشير على أنفه بسبابته ويهز رأسه بين كلمةٍ وأخرى..
علّق ضاحكًا وهو يقربها لصدره : الله يعينك ياحاكم بينتفخ راسك.
ضحكت بعبرة وتحررت منه لترى نظرته الحريصة تتأملها بمودة : الله الله ببيتك ورجلك يالجادل . ما أحتاج أوصي حاكم عليك لأني أعرفه زين، رجّال كفو ولا تطلع منه العيبَه. وإن كان جاك منه شي بيعرف وش بيجيه، لأنه يدري إن وراك بدل الظهر عشره.. لكني أوصيك أنتِ عليه خليك مرَه عاقلة وسنعة ماتطلع منها الكلمة الشينة وسند وعون له، تراه ماتزوج إلا لأنه يبي الاستقرار وراحة البال، ترفعّي عن توافه الأمور لا تخلينها تخرب عليك وعليه.
حمدت الله الف مره أنها تغطي وجهها وإلا كان انتبه لاشتعاله، قالت تحاول تبديد خجلها : ما عرفتك وأنت جدّي ياعبادي.
ضحك : أنتم بس لو تعطوني فرصة.
ثم أردف معاودًا تقريبها له في حضنٍ جانبي : الله يوفقك ويسعدك ويسخره لك ، ويجعل السعادة والرضا نصيبك ونصيبه..

اقترب حاكم منهم بعد أن انتهى خاله من سلسلة الوصايا التي ظن أنها لن تنتهي، يبتسم بهدوء موجهًا حديثه لعبدالإله : لو سمحت يالأخو شيل يدك عن أملاكي الخاصة.
عبدالإله بخبث : عن الشفاحة، لاحق تونا بأول الليل.

اتسعت عينيها رغم أنها لم تفهم بالضبط المعنى خلف ماقال -أو أنها فهمت للأمانة- ، وعرفت أنه شيء غير أخلاقي ولا يمت للأخلاق بصله لا من قريب ولا من بعيد، من ضحكة حاكم التي ارتفعت بشكلٍ مرعب في سكون الليل، ونحنحت ذيب وابتسامته التي حاول إخفائها عندما بدأ يكح، حتى انعقاد حاجبي هزاع الذي بدا وكأنه يحاول أن يفهم سبب ضحكهم المرتفع، أوحى لها بأن ماقيل لا يخفي خلفه إلا معنًا غير لائق يفوق الذي فهمته بمراحل.
تحررت منه بعد أن وكزت جانب خصره بكوعها، تنظر بصدمة لوالدها الذي يقف خلف ابن أخته ينظر لهم مبتسمًا بعد ضحكة هادئة "حتى أنت يبه!!!".

ليقول عبدالإله ضاحكًا بألم بعد ضربتها، موجهًا حديثه للواقف أمامه : أمانتك الجادل ياولد سلمان، ما أعطيناك دلوعتنا إلا لأنك ثقة وقد الأمانة إن شاءالله.
لكن هزاع لم يستطع أن يسكت، فقال باستنكار حقيقي وملامح وجه تكرمشت بإزدراء : منهي دلوعتنا ليكون الجادل؟!!!
فقال عبدالإله بهمس تعمد أن يكون مرتفعًا : ولد، أمورنا العائلية تقعد بيننا لا تطلعها قدام أحد.
لم يمنع حاكم ضحكته الخافته من أن تخرج، ينظر لكل شيء وأي شيء عداها، يشير بيده : أقول بس أبعد أنت وياه نبي نمشي، سرّيتوا علينا الليل.
ليرمي عبدالإله المفتاح بالهواء قبل أن يلتقطه : والله مايسوق بكم إلا أنا.. أركب ياعريس.

ركب حاكم بجانب عبدالإله الذي يقود سيارته، بينما تبعهم ذيب بسيارته كي يُرجع خاله الذي لازالت سيارته واقفة أمام بيت سلمان.

كانت الجادل جالسة خلفه تماماً، مع ذلك تشعر بأنه أبعد ما يكون عنها، كأنه بأرض وهي بأرضٍ أخرى.
أدارت رأسها تنظر للشوارع من نافذتها، تشعر بالقلق رغم أنها تسمع الهدوء في نبرته. يتحدث مع عبدالإله قبل أن يغرق الاثنان بضحكة متواصلة معلقين على عبدالله دون أن تعرف السبب.
يبدو أنه في مزاج عليل فابتسامته لم تغادر وجهه أبدًا!

شعرت بأن قلبها يصعد إلى أن أصبح في منتصف حلقها، تتسارع أنفاسها بهلع ما إن وقف عبدالإله أمام أحد الفنادق.
يسأل بهدوء : متى رحلتكم؟
حاكم بتنهيدة عميقة : الساعة ١١ الظهر.
عبدالإله : وعلى وين العزم إن شاءالله؟
ابتسم : نيوزيلندا.
رفعت حاجبيها متفاجئة ولولا عبدالإله الذي سأل لكانت إلى آخر لحظة لا تعرف إلى أين ينوي السفر بها.
علّق عبدالإله باستنكار : رايحين تكملون دراستكم أنتم؟ وش نيوزيلندا الناس تقول المالديف، بالي، باريس.. وأنت نيوزيلندا!!
ضحك : وش يعرفك ياجاهل.. هذا تضبيط فهد بن سلمان يعني عض على شحمه.
شاركه عبدالإله الضحكة بأخرى خبيثة : التعبان يبي الأماكن الزينة له ولحرمته، لك الله يا بنت أختي.
كان حاكم بصدد أن يجيبه لولا النقر الهادئ على نافذته، استدار برأسه وفتحها ليجد ذيب الذي انحنى بظهره ساندًا كوعيه على حدود النافذة، يقول بتذمر : مطولين؟ ماخلصت هذرتكم؟
فتح حاكم بابه ليبتعد الآخر من طريقه : أنا أدري عن خالك.. نفخ راسي.

وقفت الجادل على قدميها بمساعدة ذيب الذي فتح بابها ومد يده لها، ولولا يده التي ثبتتها لكانت وقعت على الأرض من ارتعاش ساقيها.
اقترب منها عبدالإله بعد أن أوقف سيارة حاكم في مواقف الفندق، يمد مفتاحه له ويوجه حديثه لها : يحتاج أوصلك فوق؟
ليجيب حاكم بالنيابة عنها، يخلع بشته : أقول بس، ساكت لكم سنة كاملة خلاص يكفي . أنا معها توصلها ليه ؟
ضحك باستمتاع : أوصلك و أوصلها طيب.
حاكم بتهكم : ندل طريقنا الحمدلله.

ذيب بنبرة مرحة : كان خليت البشت طالع كأنك طويل العمر.
ليقول حاكم بظرافه، مفخمًا صوته : ماودي الفندق ينتفض لا شافوني داخل عليهم يبوي.
ضحك عبدالإله بخفوت يلاحظ لمعة عيني ابنة أخته الواضحة من فتحة نقابها، قبل أن يبعد بصره عنها لحاكم الذي وضع بشته على ذراعه : طيب تحتاج توصيلة للمطار؟
حاكم بابتسامة ممتنة : ماتقصر يا أبو ميمي بس فهد بيمر مع السواق عشان يوصلني ويرجع بسيارتي للبيت ..
ثم تابع يغمز : خلاص توكل واعتقنا الله يجزاك خير.

مشت بجانبه بخطى ظاهرها ثابت، لم تلتصق به ولم يمد يده كي تمسك بيدها كأي عروسين عمومًا، أو كالجادل وحاكم خصوصاً.
بل أن خطاهم كانت هادئة على الأرض الرخامية. لا أحد يتواجد في بهو الفندق عداهم فالوقت متأخر بما يكفي كي يخلد النزلاء للنوم.
وقف أمام الاستقبال وبدا صوته عاليًا يتردد، تسمعه يسأل عن حجزٍ باسمه، قبل أن يمد له الموظف المفتاح الخاص بجناحهم.
.

أغمضت عينيها تأخذ نفسًا عميقًا ما إن ركبت الأصنصير تسند ظهرها على جداره، ثم تفتحها مجدداً ليظهر لها انعكاسها ببابيه اللامعين.
حركت عينيها قليلاً له، حيث يقف بعيدًا عنها بالقرب من أزراره. ينظر للأرض وكأنه لا يعرفها. دون أن يفتح حواراً بسيطًا معها..
لا شيء، وكأنهم أغراب.. ولم تتوقع يومًا بأن تعيش غربةً كهذه مع من كان أقرب لها من روحها.

كادت أن تختنق لولا رحمة الله عندما وصلا للطابق المنشود، ليفتح الباب ويخرج حاكم قبلها، يضع يده عليه كي لا يُغلق عليها ويرفع بصره لها لأول مره، بابتسامة صغيرة ارتسمت رغمًا عنه ، جعلت ربيعًا يزهر في قلبها وجعلت نبضات قلبها تتسارع لدرجة أن شهقةً عنيفةً خرجت من بين شفتيها. ولو كان يعلم بتأثير ابتسامته عليها لكان قضى الليل كله مبتسمًا لأجلها.

تجاهل ماسمع وأبعد بصره، يأخذ نفسًا ما إن مشت من أمامه وتعدته. ليبعد يده عن فتحة الباب ويُغلق خلفهم.
.

لا يعرف كيف يتصرف.. هذا هو التعبير الأنسب لحاله وحالها مجتمعَين!
كيف يتحدث؟ والأدهى والأمر كيف يفتح موضوعًا معها.
وأكثر مايؤلمه حقًا أن التي تجلس أمامه الآن هي الجادل، التي كان يحسب الثواني والدقائق واحدةً واحدة كي يجمعه بها وقتٌ كهذا.. كيف أصبحوا أغرابًا بكل سهولة وبساطة من مجرد موقف واحد فقط!!
أين اختفى ذلك الشغف؟ لم تكن مشاعر عابرة ولا مهزوزة بل كان متأكداً بأنها شريكة حياته المناسبة.. كان يشعر معها بالانتماء وكأنه وجد ملاذ روحه بعد ثلاثين عامًا. كانوا سعداء، بل أنهم فاقوا السعادة بمراحل... والآن أصبحوا كالغرباء.
نهاية مأساوية لقصة لم تبدأ حتى...


مضى على دخولهم للجناح ربع ساعة. يجلس كلاهما في صالته بهدوء تام، كلاً على أريكة. لا يستطيع منع عينيه من أن تسترق النظر ناحيتها، منذ أن خلعت عباءتها ليظهر ماترتدي تحتها بكل أناقة وإلى هذه اللحظة عندما بدأت ترجع خصلاً من شعرها المتموج بنعومة خلف أذنها.
يجد أن الموضوع صعب فالجادل أنثى لا يمكن تجاهل حضورها أبدًا، لكنه يحاول، والله يكون بعون العبد الضعيف.

لم يعد للبشت أثر،، شماغه والطاقية أيضاً. القاهم في مكانٍ ما ولا يعرف أين. ولا يريد أن يعرف فما يشغل عقله أهم من ذلك.
أخذ نفسًا عميقًا وأطلقه، انتبهت له الجادل ورفعت بصرها قليلاً عن حضنها بوجل، لتجد أصابعه بدأت تخلل شعره معيدةً بذلك خصلَه للخلف، وكأنه متردد في اتخاذ قرار موضوع مصيري!!

ابتلعت ريقها ما إن التقت النظرتين. وتوقعت أن يقول شيئًا من نظرته التي لانت بشكلٍ ملحوظ، لكنه بقى صامتًا رغم انفراج شفتيه، ينظر لها ولوجهها بتأملٍ غريب، جعلها تنطق رغمًا عنها فإن لم تبدأ هي ستنتهي الليلة وكلاهما صامت : حاكم.....
نطق أخيرًا بهدوء : تصلين؟
ابتلعت ريقها بارتباك، لم تتوقع سؤاله : ايه.
أخذ نفسًا آخر بقى حبيسًا هذه المره دون أن يطلقه : طيب توضي عشان نصلي.
الجادل بهمس : متوضية.
أومأ برأسه قبل أن يقف، ولم تفهم ما يريد فوقفت معه.
ليجد نفسه يبتسم رغمًا عنه وهو يرى قفزتها كالملسوعة ثم التوهان الواضح في عينيها : رايح أجدد وضوئي.
وعلى كلمته عادت تجلس بسرعة، بخجل.. ونبض متسارع بشكلٍ خطير من ابتسامته.

لاحظ حاكم وهو يقف أمام مغسلة دورة المياة أن ابتسامته لازالت تلوح على وجهه، ثم تحولت الابتسامة لضحكة خافتة لا يعرف لها سببًا، شمّر عليها أكمام ثوبه متأملاً كبكات الكم التي البسه إياها عبدالله، ثم تعليقه عليه لتتحول الضحكة الخافتة لقهقهه مرتفعة فقد صدَق قوله، فالجميع كانوا كالنحلات النشيطات حوله يلبون رغبته ويضعون كل شيء أمامه قبل حتى أن يطلبه. بدأ يتوضأ ولازال يضحك، فإن علم أحدٌ منهم أنه شبههم بالنحلات لكانت نهايته مؤكدة.

خرج من دورة المياة ينفض شعره من الماء، ليجدها تقف أمامه تمسك عباءتها بيدها وتنظر بخوف وهلع، جعله يضحك مجددًا : وش فيك؟
كانت تنظر له وكأنه عفريت، فبعد أن وجدت نفسها وحيدة في صالة الجناح، وقفت لترتدي عباءتها لكنها سمعت صوت ضحكِه المرتفع وكأنه يضاحك أحدهم ، مما جعلها تركض ناحية غرفة النوم التي دخلها، وتقف، ولم تتجرأ أن تخطو خطوة إضافية وهي تسمع صوت الماء.

تعالت ضحكته فوجهها القمري - لا يعرف هل هذه كلمة تطلق على البشر أم لا، فهو يعرف أن القمري نوع من الطيور، ولا يعرف قمري غيره... لكن هذا أول شيء طرأ عليه وهو يرى وجهها و حَوَر عينيها الذي حبس أنفاسه - قال ببلاهه وكأنه يبرر : تذكرت العيال اليوم......

ابتسمت بقلق، ترى نظرته تستقر على وجهها وضحكته البلهاء تهدأ إلى أن بقت ابتسامة طفيفة على وجهه، ولوهله رأت في عينيه حاكم القديم الذي تعرف، ترى في عينيه الاندفاع الذي أغرقها به طيلة السنة الماضية حتى عرف به الجميع دون أن يخجل من مشاعره.

صرف بصره عنها متعذرًا بإنزال أكمامه، ثم يتعداها يبحث بعينيه عن إشارة اتجاه القبلة حتى وجدها، ولم يخرجها من سكونها سوى صوته عندما قال بهدوء : تعالي الجادل، بنصلي.

سلّم من صلاته واستدار بجلوسه ليواجهها، كانت تجلس خلفه مباشرة، لازالت في وضعية التشهد لكنها جمعت يديها في حضنها بتوتر ما إن سلم وسلمت خلفه.

وضع يده على رأسها يدعو، وانتهى لازال غارقًا في عينيها التي امتلأت بالدموع تنظر له دون حتى أن ترمش. تحركت عينيه على باقي ملامحها ببطء، وتأمل، وكأنه يملك الليل بأكمله.. يحرك شفتيه بدون صوت وكأنه يقول دعاءً بينه وبين ربه، يغطي بحركته هذه تأمله المخزي..
لم يكن انتظار سنة كاملة عبثًا.. أدرك ذلك وهو يمرر عينيه على باقي وجهها، حاجبيها الكثيفين والمرسومين بشكلٍ طبيعي، أنفها الصغير المدبب، شفتيها الممتلئتين ببروزٍ مثير، وجهها البيضاوي الذي بدا كالبدر مشعًا في سواد طرحتها، وأخيرًا عينيها وحَوَرها الذي لم يلحظه قبلاً وزادها سحرًا لا يمكن صرف البصر عنه.
من تملك وجهًا كهذا يفداها انتظار عمرٍ كامل.

لم يدرك بأنه كان سارحًا بها حتى أنزلت يده من على رأسها، هل كشفته؟؟
تقبّل راحة يده قبل أن تضمها لصدرها. والله وحده يعلم بتأثير حركتها عليه، وبصعوبة قيامها بحركة كهذه ولم يمضي على اختلائها به سوى ساعة أو أقل. لكن لابد لهذا الوضع أن ينتهي، لابد لأحدٍ منهم أن يتحرك وينهي هذه المهزلة، وإن لم يبادر فهي من ستبادر، دون تردد.
ابتسم لها ابتسامة لم تفهمها، قبل أن يسحب يده من يدها ويخرج من الغرفة مغلقًا الباب خلفه بهدوء، تاركًا إياها وحيدة في غرفة نوم ملكية مهيأة لاستقبال عروسين سعيدين.

أخذت نفسًا عميقًا ترفع عينيها للأعلى، لا داعي للدموع والانخراط في موجة الأحزان الآن، ماذا توقعت بعد الذي حصل؟ أن يستقبلها بالأحضان مثلاً؟؟؟
الطريق أمامها طويل و شاق ولا يخفى عليها ذلك، ستحتاج لكل ذرة طاقة لديها لإنهاء هذا الموضوع و وضع كل شيء في مكانه الصحيح.
وقفت تخلع عباءتها، ثم تتجه ناحية حقيبة السفر الصغيرة التي أرسلتها باكرًا مع ذيب، لترفعها وتضعها على السرير فوق بتلات الورد الحمراء، فكما يبدو لم تكن ملفته بما يكفي لتستحوذ على انتباه حاكم.
.


كان حاكم يجلس في صالة الجناح على أحد الأرائك، تحيط به هالةُ انهزامٍ واضحة، تأكل قلبه رويدًا رويدًا باستمتاع.. معركة طاحنة في عقله، كان الأعداء كُثر والضحية وحيدة..
يتلاشى كل شيء ولا يبقى في ذاكرته سوى نظرة عينيها الغارقة بالدموع. يريد الاستسلام لها، أن يرمي كل شيءٍ وراء ظهره ويبدأ من جديدٍ معها.. لكنه لا يستطيع.. ولا يعرف سبب ذلك سوى أن قلبه يهودي، نذلٌ ولئيم.
ورغم أنها هي نفسها الجادل التي حلم بليلته الأولى معها لمدة سنة كاملة، إلا أنه يشعر معها الآن بغربة روح فضيعة وموحشة.. وكأن قلبًا آخر غير الذي اعتاد عليه زُرع في جوفه.

انحنى بظهره يدفن وجهه في كفيه بعد أن أثقل التفكير عاتقه، ماذا يفعل الآن وهو تركها خلفه كالجبان؟ دون أن ينطق بحرفٍ حتّى.
ماذا إن كانت تنتظره؟ تتوقع عودته في أي لحظة؟ لا تهون عليه, واللهِ لا تهون عليه أبدًا ولا يقوى أن يكون سببًا بكسر خاطرها.

لم تدع له مجالاً بأن يفكّر كثيرًا، وهو يشعر بها تقتحم خلوته.
أغمض عينيه، يحاول أن ينظّم أنفاسه عندما زاحمت رائحة عطرها ذرات الهواء حوله.. يحاول بشتى الطرق أن يهدئ من الشعور المر الذي أُضرم داخله..
ليفتح عينيه مجددًا وتحط عليها وتسرق فؤاده،، ببساطة..
تجلس على الأريكة الطويلة أمامه مباشرة، ترتدي قميصاً بلون اللافندر من الدانتيل المشكوك ويُربط من الخصر، يخفي تحته آخراً من الحرير لم يخفى عليه، ويظهر نصف ساقيها المصقولين.. وشعرها الذي طالما سمع غزلاً عنه ينسدل على ظهرها، جزءٌ منه على كتفها.. يبدو رطبًا وجافًا في نفس الوقت وكأنها جففته ولم يسعفها الوقت لتنتهي من ذلك.
و وجهها القمري -أصبحت كلمة الآن فوجه كهذا لا يشبهه إلا القمر في ليلة التمام- خالٍ من كل شيء إلا الملامح العذبة التي كانت كالسوط على قلبه. تضرب رجولته وكل عصبٍ فيه، فهو ليس بصخرة كي يبقى ساكنًا أمام سطوة كهذه.

شدت على أصابعها أكثر من مره، تنظر له ثم تخفض نظرتها لدقائق قبل أن ترفعها معاودةً النظر له.. حتى نطقت بهمس عندما فقدت أمل أن ينطق : حاكم.
سكنت أنفاسه وكأنها القت تعويذة السكينة عليه،
لا طاقة لديه لإبعاد بصره عنها، مع أنه حاول ولكن لم تجدي محاولته بأي منافع.. فبقى ينظر لها وكأن النجاة بين حاجبيها،
ثم أخذ نفسًا وزفره مجيبًا على ندائها المرتبك، بهدوء ويأس وكأن الحروف تخرج منه بالقوة : نعم يالجادل.
ابتلعت غصتها، تسأل بعبرة واضحة : إلى متى بنستمر على هالحال؟
ثم أردفت عندما لم يبدي أي استجابة : أنت سمعت من الكل وعجزت تسمع مني؟ حاكم لا تظلمني.. أنت تعرفني زين كيف تتهمني بشيء مثل ذا؟ كيف تشك بي؟

التمعت عينيه بشكلٍ موجع لاحظته، وشعرت به يمزقها فهي السبب وراء كل هذا الأسى والانكسار، ليقول بصوتٍ مخنوقٍ خنقها، وخوّفها : وش أسوي بعقلي يالجادل؟ وأنا معك لا عقل ولا قلب كل شي ضدي وضدك.
الجادل بصوت مرتعش رغماً عنها، تقول بصدمة : أنت مصدق اللي سمعته عني؟

ما لا تفهمه الجادل حقًا،، أنه وإن صدّقها كيف يمكنه أن ينسى ما كُتب في المحضر عنها؟ شرح الضابط له؟ نظرته؟
وفي المقام الأول صوته عندما قال له "زوجتك كانت برفقة رجل غريب وتم القبض عليها في نقطة تفتيش؟". وركّز في نطقة على (زوجتك) وكأنه يتعمّد ذلك..

كل هذا صعب عليها أن تفهمه فهو رجل تلقى هذه الكلمات من رجلٍ آخر، ورغم الشفقة التي كانت في صوته وعينيه إلا أن هناك استحقار يخرج بين كلمة وأخرى.

تهدّجت أنفاسه، يقول بضيق وعينيه لازالت تنظر لوجهها وكأنه يخشى من أن تختفي من أمامه، أو أنه غير مصدق أنها أصبحت معه : أنا لو إني مصدّق فيك كان ما مشيت بذا العرس وانهيته...
ثم أردف بعتب.. وتعب : يالجادل أنا مع إني وقعت بنفسي على محضر الاستلام اللي مكتوب فيه إن زوجتي المحترمة اللي أعرف تربيتها زين كانت بسيارة رجال غريب ماسكين خط الاستراحات، ما صدّقت.. وقلت مستحيل يطلع منك شي مثل ذا لأني أدري من أي بيت أنتِ طالعة...... بس،، مدري وش فيه قلبي عليك!.... كسرتي ظهري يالجادل حرام عليك.. ظلمتي نفسك وظلمتيني معك..

تابع يشد شعره للخلف بكفّيه حتى كاد يمزقه، يبعد بصره عنها ويقول بتوهان : أنا أحس.. أحس.....
ثم أردف بصعوبة ونبرة منهكة وكأنه يشكي منها لها، ينظر لها بأسى، وحزن، وشفتين ترتعش : أنا أحس إني عايفك..

رفّت عينيها بصدمة وكأنها تلقت رصاصة، لتسقط الدموع التي تكدست على سطحها، وتتسارع أنفاسها حتى أصبحت مسموعة.. تهمس بعدم تصديق : عايفني!!!.... الله أكبر عليك ياقو كلمتك.
لكنه قال يتأفف بإنفعال وغضب من نفسه قبل أن يكون منها؛ فمنظر ملامحها منهاراً بسببه أوجعه : أنا طلعت تارك لك الغرفة باللي فيها عشان ما أقول شي يزعلك، تقومين تلحقيني!!!.. أعوذ بالله من شيطانك وشرّه ياشيخة.

قالها وابتعد من أمامها، لازالت عينيها مثبته على المكان الذي كان جالسًا فيه، بملامح مبهوته، مصدومة من قوله.. وحتى مع صوت باب غرفة النوم المرتفع الذي دوى صوته في المكان بعد أن أغلقه خلفه، لم تفزَع..
فَفزع روحها كان أكبر.
.
.

كانت سيارة عزام تمر بالشوارع الخالية نوعًا ما من السيارات بعد أن أخذ أمه وشعاع ومعهم مريم ابنة عبدالإله من قاعة الزفاف، في طريقهم للعودة للمنزل بعد أن انتهى العرس.

والدته تجلس بجانبه، ومن خلفه شعاع وفي المنتصف بين المقعدين كانت مريم تخبره بكل نشاط وحماس لا يليق بطفلة لم تتجاوز السادسة، على كم أغنية رقصت، وماذا قالت فلانة وعلانة على فستانها و تسريحة شعرها.. بل أنها فتحت له صورتها مع ذيب ابن عمتها مشاعل والتي التقطتها لها شعاع بهاتفها الذي أخذته منها.. تقول بخجل : ذيب قال أجي أتصور معه. وقال عني جميلة.

وبينما كان يظهر الانسجام معها، كانت عينيه ترتفع رغمًا عنه للمرآه الأمامية، للجالسة خلفه بهدوء وسكينة منذ أن ركبت، عينيها للخارج ولم تشارك بأي حديث حتى عندما سأل ما إن سكنت مريم : ها بشروا كيف عرسكم؟
لتجيب صيتة : ماشاءالله تبارك الله يهبل، حبايبي الله يسعدهم ويوفقهم.
عزام : اللهم آمين..
ثم أردف بابتسامة واسعة ونبرة متعمدَة : عقبال فرحتنا بميمي ونزفها على سعيد الحظ.
تكركرت مريم بخجل وعادت للخلف تدفن نفسها في حضن شعاع، التي -ولله الحمد- ضحكت بصدمة، تضرب رأس مريم بخفة : بنت اللذين استحت، يعني فاهمة وش يقصد!

لولا الملامه لصرخ عزام "يسعد أبوك يامريم"، لكنه شد على شفتيه كي لا يفعلها، يسند كوعه على حدود النافذه ويمد ذراعه ليغطي فمه بسبابته ما إن شعر بابتسامته تتسع، وصوت والدته الضاحك يملأ السيارة : ماعاد به أطفال ياشعاع يفهمون أحسن مني ومنك، يالله صلاح العطا..

ضحكت بخفوت ورفعت عينيها تسترق نظرة له من المرآه الأمامية، ولم تلتقي سوى بمرزام شماغه الأحمر وعينيه التي شُدّت أطرافها بابتسامة تنظر للطريق بتركيز.
.

أوقف السيارة أمام باب المنزل بقوة لتصدر العجلات صوتًا مرتفعًا ما إن احتكت بالأزفلت.
لتقول صيتة بهلع تتشبث بالحزام بقوة : بسم الله يا ولد وش بلاك؟
فتح بابه على عجل يقول بسرعة : حشران يمه حشران.. أبي الحمام و لا بأنفجر.
ثم أردف قبل أن يخرج : شعاع تكفين قفلي السيارة لا تخلينها مفتوحة.

ضحكت شعاع وهي تراه يركض مسرعًا باتجاه الباب واضعاً إحدى يديه على رأسه ممسكًا بشماغه.. يفتحه بسرعة ويختفي من أمامهم على تعليق صيتة الناقدة : الله يصلحك من ولد ، وماسكها ليه!

دخلت شعاع غرفتها مستنكرةً الأنوار المغلقة، وتوقعت أن عزام ممتلئ للحد الذي لم يستطع معه الصعود للأعلى لقضاء حاجته.
خلعت غطاء وجهها وعباءتها وأول شيءٍ لفت انتباهها ما إن أشعلت الأنوار هي الوسادة الملقاه في منتصف الغرفة، ومكانها الخالي، لتتسع ابتسامتها ويرتفع حاجبيها مما تبادر لذهنها.. ولأول مره تشكر عزام على فوضويته.

علقّت عباءتها وهي من خف روحها تشعر وكأنها تطير، تتمنى فقط أن يكون ماتصورته صحيحًا، وأن الوسادة المرمية ليست وسادتها كي لا تتحطم.
رفعتها على طرف السرير قبل أن تقابل المرآه، ولم يمهلها دخول عزام وقتًا كي تنظر لوجهها حتى.

صعد عزام درجات السلم براحة منافية تماماً للضغط الذي كان يشعر به قبل دقائق، يحمد الله على نعمة الصحة فغيره لا يستطيع أن يقوم بأبسط الأمور كقضاء الحاجة.

أدرك أنه نسى أخذ شماغه الذي خلعه عند مدخل دورة مياه النساء ما إن لامست خصلات شعره الناعمة راحة يده، ليمشط بأصابعه خُصلِه بسرعة وبراعه، يتأكد من أن كل شعره في مكانها الصحيح وأنها لم تعد متلاصقه نتيجة ارتداء طاقيته لساعات طويلة. يقاوم ظهور ابتسامة ترقّب كانت أقوى منه وظهرت رغمًا عنه، فمنذ الأمس لم يرى شعاع، وهو رجل كبير وشجاع بما يكفي ليعترف بأن رؤيتها يوميًا كانت تحدث فرقًا ملحوظًا عليه، بينه وبين نفسه على الأقل.

وصل لغرفته وفتح بابها المردوف، يأخذ نفسًا عميقًا كان سيزفره لولا التي كانت تقف أمامه بمسافة، وقعت عينيه على انعكاسها من المرآه ، لتعلق أنفاسه في منتصف صدره.. مغلقًا الباب خلفه بهدوء منافي تمامًا للإعصار الذي ضرب قلبه ..
شعاع كانت كالإعصار العاتي وقلبه المسكين شجرة سنديان، تحاول المقاومة وتتشبث بالحياة.

استدارت ناحيته، بخجل، وتوتر وقلق.. كأنها تلتقي به للمره الأولى، ليس وكأنها ستتم عامها الثاني معه..
لا تنكر بأن عزام تغيّر، لازال مزاجه متقلبًا؟ نعم.. تارةً سعيد ابتسامته لا تفارق وجهه وتاره أخرى غاضب ومحبط وبائس لسببٍ تجهله، وهي من خلال عشرتها له العامين الماضيين، أصبحت بارعة في تقبله بعيوبه وتقلباته.. قد اعتادت على ذلك حتى باتت لا تستغربه، بل أنها بدأت في كل ليلة تراجع تصرفاتها كي تعرف ماذا فعلت ليكون غاضبًا هكذا لئلا تفعله، أو ماذا قالت كي يكون سعيدًا ينظر لها بامتنان هكذا.. تحتفظ بالأيام القليلة التي يكون فيها بمزاجٍ يناطح السحاب، مطيعًا يمطرها بالكلمات التي تشعرها بأنها الأنثى الوحيدة في عالمه.
مثل نظرته المبهوته الآن عندما واجهته، ترتدي فستانًا أصفرًا بكتفٍ واحد، وشعرها البنّي الدافئ بخصله الرقيقة بلوني العسل والكراميل، مجموعٌ للخلف بخصلٍ متراخيه من الأعلى، وينسدل الباقي منه بكل أريحية خلف ظهرها بتموجاتٍ ناعمة، ولم يكن لون بشرتها الذهبي المشع إلا إضافة للون الأصفر، لتجعله يبدو مشرقاً متوهجًا وكأن أشعة الشمس سطعت عليه.

التقت عينيه بها، ليقول بعد أن صفّر، بنبرة مشاكسة خبأ بها انبهارًا واضحًا يخجل من أن يُظهره : لبيه يالأصفر عذِّبني، كأنك داريه إنه لوني المفضل.
ضحكت بهدوء، تقترب منه.. تتبختر في مشيتها وكأنها تمشي على وترٍ في قلبه : صدق عاد لونك المفضل ؟
لم يتحرك -عاجزًا عن ذلك والله- لازال واقفاً مكانه،، قريبًا من الباب يشعر بأن كل خليه في عقله تعطلت وبدأت تصدر دخانًا كثيفًا غطى سطح عينيه، حتى غامت نظرته.. يرى اقترابها إلى أن أصبحت تقف أمامه، وفمها الباسم هو أجمل شيء رآه في حياته : ياشيخة أنا ماعمري حبيت لون أكثر منه.
تورد وجهها بخجلٍ واضح : يمه منك يالساحر، كيف تعرف الكلام اللي يجيب راسي وتقوله؟؟
حتى وإن كانت قالت ماقالته تجامله، إلا أنها وبكل بساطة استطاعت أن تلمس شيئًا في قلبه من مجرد جملة عابرة.. ربما لم تعنيها بالمعنى الحرفي حتى، هذا إن لم تكن تسخر منه بها في داخلها... لكنه ممتن على كل حال لما قالت، وكأنها تقدّر له محاولته المخزية في صفصفة كلماتٍ لطيفة ليبدو كرجلٍ مرن ليس كأحمقٍ لا يتعاشر..
حرك حاجبيه، لازالت ابتسامتها تلوح على وجهها : قدرات ياعزيزتي، قدرات...
.

أندس عزام تحت الأغطية بعد أن عاد من صلاة الفجر، يتثاءب بتعب فقد قضى الساعتين الماضية مستيقظًا مع شعاع دون أن يطرأ النوم في باله حتى رغم إرهاقه..
ضم الغطاء لجسده أكثر، يسترق النظر اليها تقف أمام المرآه تمشط شعرها بعد أن أنهت صلاتها، وما إن انتبهت له وابتسمت لانعكاس وجهه حتى وابتسم، ابتسامة بدت بلهاء مع كامل الأسف والاحترام لنفسه البلهاء المحترمة.. فقال مبررًا ذلك : اليوم برد...
وضعت مشطها ما إن انتهت، ليستقر شعرها بتموجاته الرطبة بعد أن عاد للحياة ما إن غسلت مثبت الشعر منه، بكل نعومة ورقّة طويلاً على كتفها، ثم رفعت زجاجة عطرها وبدأت ترش منه قليلاً تقول بهدوء : إيه حبيبي دخل الشتا خلاص.. أخيرًا الحمدلله، مابغى.

عقد حاجبيه ما إن وصلته رائحة العطر لمكانه رغم المسافة بينه وبينها، يشعر بالتوهان وهو يتابع في نفس الوقت حركة يديها، تأخذ مرطبًا تمسحه على شفتيها ليقول والمواضيع لا علاقة لها ببعضها أبدًا، ربما هو تأثير النعاس : وش ذا العطر اللي بخيتي منه؟؟ أعطيني أشوف....

استدارت ترميه عليه فجأة وبدون سابق إنذار، ليفز معتدلاً يتلقفه بين كفيه قبل أن يصطدم بمنتصف جبهته.. يزفر بهلع، ينظر لها بذهول ما إن ارتفع صوت ضحكتها، ويرمقها بطرف عينيه بإزدراء.. يراها تتهادى مقتربةً منه وعلى جسدها يلتف حرير بيجامتها كرزية اللون.. لازالت تضحك وكأنها كانت تتعمد إفزاعه، وللأمانة نجحت بذلك..

فتح غطاء العطر يصرف بصره عنها ما إن رفعت اللحاف لتجلس مكانها وتسند ظهرها على وسادتها، يحاول التشاغل بشمّه.. ثم رشّه على قميص تيشيرته الرصاصي قبل أن يرفع طرفه لأنفه، يقول باستنكار : من وين جايبته ذا ؟ ريحته ماهي غريبة علي!!!
حركّت كتفيها بمرح، تقول بنبرة مشاكسة : لطشته من تسريحة خالتي صيوت،، لا تدري خليها بيني وبينك..
ضوّق عينيه وهو ينظر لها باتهام ، مع ذلك قال : زين سويتي..
لتتعالى ضحكتها نتيجةً لذلك، قبل أن تستدير تفتح الدرج الصغير بجانبها، ويتشاغل هو الآخر بالعطر الذي رشّه بسخاء في الجو وعلى ثيابه.. رشتيّن منه ناحية شعاع يمازحها، وكأن ما بين يديه مبيد حشري، لا عطر من ماركة راقية لو كانت تعلم صيتة عنه لنجلطت على الفور. إلى أن زاحمت الرائحة ذرات الهواء حولهم فبدأ يكح مختنقًا..

تبسمت شعاع وهي تراه يعاود رفع تيشيرته، يشتم رائحته بابتسامة بدت واضحة في أطراف عينيه،، قبل أن يرفعها ناحيتها وكأنه شعر بنظرتها.. وقتها كانت تفرك كفيها ببعضهما بعد أن وضعت كريمًا مرطبًا عليهما.. زادت منه قليلاً على راحة يدها قبل أن تمسك بكفيه بين كفيها، تدهنهما بابتسامة وتركيز... بصمت، دون أن تنظر له..
كان الصمت مريحًا إلى أن قرر عزام قطعه، يقول بهدوء وعينيه تتابع ماتفعله، عندما بدأت تفرقع أصابعه : آخر مره أسمح لك تنامين برى البيت على فكرة.
ثم أردف بتبرير ما إن التقت نظرتها المستنكرة بنظرته الخدِرة : صحيت متأخر بغت تفوتني صلاة الجمعة، محد صحاني..
ارتفع طرف فمها بابتسامة حاولت أن تخفيها كي لا تحرجه : قول إنك اشتقت لي، عادي مافيها شي..
ليقول بإندفاع : لو أبي أقول كان قلت.. هو أنا خايف!!
رفعت حاجبها بتحدي تنظر له مبتسمة بقوةٍ هذه المرّه..
ليقول بهدوء ينافي اندفاعه قبلًا : بس ترى صدق، فقدتك أمس والله..
ثم تابع متعمدًا : شكلي تعودت عليك يختي..

ضحكت بصدمة،، من أعماق قلبها ، تشد أصبعه بقوة حتى كادت أن تكسره، فصرخ متألمًا يسحب يده منها، على صوتها تقول ضاحكة : نعم أخوي ماسمعتك!!! شكلك... تعودت... علي؟؟؟

ابتسم يدلك أصبعه وضحكتها لم تعد شيئًا بسيطًا يستهان به، يقول بهدوء وصدق يشعر بالحروف تخرج من بين شفتيه دون تحكمٍ منه : ياحلو ضحكتك ياشعاع.... حلوة المبسم صدق...

بترَت ضحكتها وهدأت أنفاسها بعد قوله هذا، ترمش بدهشه وعدم تصديق، تنظر له بشك وكأنه بثلاثة رؤوس، قبل أن يخرج صوتها حادًا وهي تميل عليه بجسدها، تتصنع إغماءة سينمائية فاشلة : يبوووي..
ضحك يحرك أقدامه كي تبتعد من فوقها : هيه.
ثم أردف بمودة عندما لم تبدي أي استجابة، يرفعها من أكتافها ويعيدها للخلف، قبل أن يضرب خدها بخفه وهو يرى سكون ملامحها، تخرج الضحكة من بين شفتيه رغمًا عنه، يشعر بها تشق طريقها من قلبه مباشرة دون إذنٍ منه حتى..: والله إنك منتي بكفو... يالخبلة.
فتحت عينيها ولم تخفى نظرتها الضبابية، تضع ذراعها على جبينها وتهف بكفها الآخر أمام وجهها، وتقول بصوت مرتعش رغمًا عنها، مع أنها حاولت أن يكون مرحًا لكن "مرح مين وعزام تم تبديل قطع غياره بأخرى لا تعرف مصدرها!!".. : الطف بينااا يارب..
.
.

خرج حاكم من دورة المياة، يرتدي روب الاستحمام الأبيض بعد دش ساخن، وتعمّد أن يكون ساخنًا بما يكفي ليحمّر معه جلده..
اتجه ناحية النافذة.. يفتح الستارة الكبيرة لتنتشر أشعة الشمس في الغرفة بأكملها، تبدد معها الظلام الذي كانت تغرق به..
فتح النافذة كذلك، مما جعل الهواء البارد يصطدم بوجهه وشعره الرطب.. ليرتعد وكأن جسده ينبهه بخطورة فعله،
هل سيمرض يعني؟... فليكن..

تحرك من مكانه يلقي نظرةً سريعة على الغرفة، حيث نام دون أن يلقي نظرة أو اثنتين للتي تركها خلفه.. بل أنه من قوة جُبنه لم يخرج من الغرفة كي يصلي الفجر مع الجماعة... بل صلاها وحيداً بين أربعة جدران كالنساء . والله يسامحه على ذلك فلم تكن لديه القدرة أو أي طاقة كي يخرج...

تأفف بضيق وعينيه تتأمل كل شيءٍ موجود.. منشفتها ذات التطريز الخفيف على حدودها.. بلونٍ غريبٍ لذيذ، كقطعة حلوى..
تضعها على الكرسي الملكي الموجود بجانب التسريحة كي تجف.. عطورها، كعبها الملقى بإهمال قريبًا من الباب.. حقيبتها المفتوحة قريبًا من السرير.. فستانها الأبيض ذو الأكمام الضيقة الطويلة والظهر المكشوف، الذي كانت ترتديه بالأمس، تظن أنه لم ينتبه.. لكنه كان منتبهًا بما يكفي ليعرف أنه بسحّابٍ جانبي،، وثلاثة أزرار خلفية من اللؤلؤ الصناعي تبدأ من نهاية فتحة ظهرها المربعة..
كانت تضعه بعناية على السرير،، فوق البتلات الحمراء.. وهو بكل أسف، نفَض البتلات ونام بجانبه, يعطيه ظهره..
.

فتح باب الغرفة بهدوء، يتقدم في خطاه حتى وجد نفسه يقف في منتصف الصالة المتوسطة.. ينظر للتي تنام على الكنبة الطويلة. تتوسد ذراعها اليمنى وتغط في نومٍ عميق دون أن تكترث للأنوار البيضاء والصفراء القوية التي لازالت مضاءة.. تضم ركبتيها للأعلى قليلاً وكأنها عانت وهي تبحث عن الدفء..

أخذ نفسًا عميقًا قبل أن يقترب منها.. يضع يده على كتفها يهزها برفق، يهتف بهدوء : الجادل..
لم تستفق، ولم تبدي أي ردة فعل.. فأعاد المحاولة مجددًا، يكرر اسمها مرتين هذه المره، بنبرة مرتفعة قليلاً، واستمر على هذه الحال حتى تلاشى سكون ملامحها.. تعقد حاجبيها وتتأوه بخفوت ما إن حاولت تحريك رأسها وذراعها تحته..

بدأت تفتح عينيها كخطوة أولى، لتلتقي بساقيه وبنطاله (الجينز) الأزرق.. ترتفع ببصرها قليلاً لتراه يعتدل واقفًا بعد أن كان يميل عليها.. يرتدي (هودي) أسود بطبعة شعار أحد الماركات الرياضية، يسرح شعره للخلف عاقدًا حاجبيه.. ولم تعلم بأنها كانت تتأمله و تسرَح بملامح وجهه الصباحية التي بدت شديدة اللطافة حتى قال بنبرة : فهد شوي ويمرنا، قومي تجهزي..

جلست على حيلها بصعوبة، تشعر بتنمّل جنبها الأيمن كاملاً من وضعيتها الغير مريحة.. تحرك ذراعها بصعوبة دون أن تنظر له.. فبعد أن ظنت أن ابتساماته البارحة بداية جديدة، صدمها بقوله ونسف بها الأرض.. قالت بهدوء : كم الساعة؟
حاكم : قدها قريب ٩..

خرج منها صوت غريب تبادر لمسمعه كالأنين، ما إن أدركت بأنها نامت دون أن تشعر.. تقف بعده بسرعة، تُرجع شعرها للخلف قبل أن تميل للأمام ما إن شعرت بأن جيشًا من النمل يسري في أطرافها بشكلٍ مؤلم.. أمسكها من ذراعيها قبل أن تقع، وأعادها للخلف بحذر ، حتى جلست.. يقول بهدوء : بسم الله عليك، بشويش رجلك نامت..

خرج شهيقها رغمًا عنها، تبكي بلوعة وهي التي نامت بالأمس على بكاء.. ومنذ أن استفاقت ورأته أمامها بعينيه الباردتين ونبرته الميته حتى وشعرت بثقلِ الجبال يدّك على قلبها : ياويلي،،، ماصليت الفجر.. فاتتني..
حاكم بذات الهدوء : ماعليه اقضيها الحين..
ثم أردف بنبرة لانت كثيرًا وهو يرى محاولاتها في كفكفة دموعها، يرفع قميصها من الأعلى ليغطي كتفها بعد أن انسل واقعًا من عليه : حقك علي ماصحيتك ظنيت إنك صاحية والله..

استعادت أنفاسها وهدأت ما إن شعرت بأطرافها أخيرًا،
على من تكذب؟ اعتذاره اللطيف هو من طبطب على قلبها وكفكف دموعها..
هل يمكن أن تعتبره بداية جديدة أم لم تعد البداية موجودة في قاموسه؟؟

ابتعدت من جانبه بصمت وخيبة واضحة، تسمعه يقول قبل أن تدخل الغرفة : إجمعي أغراضك والبسي شي مريح ، بنروح المطار على طول..
.

شعر بخروجها من الغرفة، مع ذلك لم يرفع عينيه من شاشة هاتفه.. بل تقدم بجسده حيث الطاولة التي سحبها قريبًا من مكان جلوسه، يقول بهدوء : تعالي طلبت لنا فط....
سكت عندما سمع نحنحتها التي قطعت كلمته، ليرتفع بعينيه قليلاً للأعلى.. بفضول.. فتلتقي بها واقفةً أمامه بفستانٍ شتويٍ أسود يصل لمنتصف ساقها.. تجمع بعض شعرها للخلف وتترك الباقي يتموج بنعومة على كتفيها.. لا شيء على وجهها سوى روج وردي والقليل من التورد الذي لوّن خديها.. ورغم أنها لم تضع أي عطور إلا أن هناك رائحة عذبة أنتشرت في المكان بقدومها.. تبتسم بتردد : صباح الخير!!..
لم يستطع أن يخذل ابتسامتها، فابتسم : صباح النور..
ثم أشار بسبابته على الأطباق أمامه، دون أن يبعد عينيه عنها : تعالي افطري،، فهد شوي ويوصل..

توقع أن تجلس معه على نفس الأريكة الطويلة -لأنها طويلة تتسع لقبيلة- وبينهم مسافة ربما!! لكن مالم يتوقعه حقًا هو التصاقها به هكذا، كتفًا بكتف.. وكأن القبيلة كلها تجلس معهم دون أن تدع لها مكانًا لتجلس فيه..
ابتعد قليلاً.. لكن وكما يبدو، اللون الأسود جعل منها قطةً لئيمةً اقتربت منه مجددًا.. يلتصق كتفها بكتفه.. ليبتعد لا يريد مضايقتها، لكنها اقتربت وكأنها تلعب معه.. ابتعد يترك بينهم مسافة أكبر هذه المره، لتتعداها وتلاصقه..
نظر لها باستنكار، يقول بتذمر وصرامة رغم ابتسامته : تؤ، بنت.
قالها وابتعد.. لكن مالم يحسب حسابه أنه وصل لطرف الأريكة دون أن يدرك ذلك.. وكان قاب قوسين أو أدنى من أن يفترش الأرض لولا يدها التي سحبته من كمّه بقوة.. لتنفجر بضحكة مجلجلة ما إن قال بنبرة حادة هلعَه عندما لامست مؤخرته الهواء : يمممه..

اعتدل واقفًا يشعر بألمٍ في ساقيه بعد أن استند بثقله عليهما كي لا يقع.. يسحب كمّه من بين مخالبها -قطة شيرازية عنيفة فعلاً- على صوت ضحكتها المرتفع.. لازالت تضحك حتى بعد أن تعداها ليجلس بجانبها من الجهة الأخرى.. ملتصقًا بها بنفسه هذه المره، يقول متصنعًا الحزم : اعقلي وعن حركات المراهقات..
الجادل ولازالت الضحكة بصوتها : أبشر...
ثم استدارت بجسدها لتقابله : شوف لبسي، مريح؟
رمقها بطرف عينه : عندك أريح؟
ضحكت : لا والله، زين حطيته احتياط ماتوقعت احتاجه أصلاً.
حاكم بهدوء يضع خبزًا قريبًا منها : أنا قايل لريم تعلمك إن رحلتنا بدري، ماقالت لك؟
أخذت ماقسمه لها.. تبتسم وتشعر بأريحية فضيعة وكأن الله استجاب مادعت، رغم أنها تأخرت في تأدية فرضها : قالت لي، حتى شنطتي قالت بترسلها مع شنطتك..
هز رأسه لازال يغرق بهدوء لا يليق به : زين.

عم الصمت، لم يكن مريحًا أبدًا بل شعرت به الجادل يضغط على أعصابها.. وكان لابد لها من أن تتصرف قبل أن تنفجر تحت وطأة الضغط.
وضعت كوب الشاي على الطاولة، بأصابع ترتعش هذه المره.. تأخذ نفسًا عميقًا قبل أن تقول بهدوء : تكون مجنون لو ظنيت إني بخلي كلمتك اللي قلتها أمس،،، بلحظة غضب.. تأثر فيني أو تمر مرور الكرام .
ضحك باستنكار، استنكار حقيقي.. من هذه التي تجلس بجانبه؟. ليقول يضع لقمةً في فمه، بعد أن لاحظ نظرتها مصوبةً عليه، دون أن يلتفت حتى : الله يقويك....

.

أتى فهد، وقال بمودة ما إن اقترب حاكم منه، يلقي عليه مفتاح السيارة ليتلقفه ببراعة قبل أن يقع : صباحية مباركة ياعريس..

ضحك حاكم يسلّم عليه.. ليس وكأنه كان معه قبل أقل من أربع وعشرين ساعة.. وتمنت الجادل أن تختفي وهي تتبعهم حيث المواقف، على صوت فهد الذي كان يسحب الحقيبتين الصغيرتين خلفه : مبروك يالجادل ولو إنها متأخرة، الله يسعدكم ويهنيكم ويرزقكم بالذرية الصالحة.
رغم أنه كان يعطيها ظهره إلا أنها كانت تسمع ابتسامته الواسعة في صوته ، تجيبه بمودة : الله يبارك فيك ويسعدك يافهد.

ركبت خلف حاكم، تغلق الباب خلفها بهدوء وتأمّن بينها وبين نفسها على دعوة شقيقة التي دعاها لهم.

ليقول حاكم ما إن تحرك فهد من المواقف : وش ذا البرد اللي جا فجأة يا ولد!!
ومن بعد جملته تلك بدأت الأحاديث بين الاثنين.. بنبرة هادئة مريحة جعلت الجادل تسرح بالشوارع والسيارات القليلة فيها..
ولم تتنبه من سرحانها إلا بعد ضحكة أطلقها فهد.. يقول بنبرة : أقول أنتبه.....
ثم انتبهت لإيماءته الصغيرة ناحيتها ما إن أدار رأسه ليقابل شقيقه وكأنه يقول " ترى معنا أحد"..

لكن حاكم لم ينتبه، أو هكذا تصنع.. يعاود السؤال : يعني للحين ماكلمتها حتى بعد نصايحي لك!!
ابتسم فهد يعاود النظر للأمام : لأ.
حاكم : والله من شافك أمس مرتبش قدام أبوها درى إن ماعندك سالفة..
ثم أردف : ولد صحصح مافيه وقت.. عرسك باقي عليه شهر ونص..
عقدت حاجبيها، بعد سكوت فهد.. ليتابع حاكم : نصيحة لا تضّيع الأيام ذي منك.. والله إنها كانت أحلى سنة بحياتي.

تسارعت نبضات قلبها بعد قوله، تعرف أنه لا يكذب فقد كان صادقًا في مشاعره ويتعهد أن يظهر لها ذلك في كل اتصال.. لكن ما تريد معرفته حقًا هل لازالت "أحلى سنة بحياته" كما قال،
أم أن ذلك تغير بعد الذي حصل؟

تنهدت بضيق وهي تنظر لفهد وضحكته الهادئة بعد شيءٍ قاله حاكم، ولم تسمعه.. تلحظ اشتعال أعلى أذنه كإشارة مرور..

تتذكر غادة البارحة، وكلام ريم قبل البارحة عندما قالت بأنها تناسب فهد.. ابتسمت عندما عاد يضحك ويحاول أن يحرر أذنه الحمراء من بين أصابع حاكم الذي بدأ يشدها بقوة..
فعلاً غادة تناسبه، كأنها قطعة البازل الناقصة التي ستكمل لوحته أخيرًا..
يتضح ذلك من نظرة عينيها.. من طريقتها في الحديث.. من ابتسامتها حتى..
" فهد على نياته، حبيب.. وقلبه أبيض، الله يسعده "

.
.

عاد عزام من عمله.. وبقى جالسًا في سيارته لم ينزل منها. مصدوم!!
للتو عاد من اجتماعه مع اللواء عساف والفريق،
ليأتي الخبر الصاعقة من فمه عندما قال بنبرة ميته وعينين غائمة : تقفّلت قضايا مقتل الضباط نهائيًا.. وكلها سجلت ضد مجهول لعدم وجود أي أدله ممكن تفيدنا..
ثم أردف يقطع أي محاولة اعتراض : الله يعطيكم العافية على مجهوداتكم وتعبكم.. لكن هذا قرار نهائي..

رفع من قوة التكييف و وجهه ناحيته رغم برودة الجو إلا أنه يشعر بالحرارة تخرج من جسده..
حاول ترتيب أفكاره قليلاً فالأيام الماضية لم تدع له فرصة لذلك..

ابتداءً من تلك الليلة.. في مكتب بسام.. عندما قال يسأله : غير ساطي من تبي؟
ابتسم : أنا ماودي أثقل عليك بس تدري ماعندي صلاحية أدخل على مركز المعلومات..
ضحك بسام : طيب هات اللي عندك.. اترك عنك المقدمات..
عزام بحبور : جعلني أفدا خشمك ياشيخ..
أخرج هاتفه من جيب ثوبه، يفتح على صورة إثبات التقطها دون معرفة صاحبها، تحت نظرات بسام الفضولية، ليقول بجدية : اكتب عندك..
بسام بقلق بعد أن واجه شاشة حاسوبه : أنت تدري لو أحد اكتشف إني قاعد أسوي ذا الأشياء بينخرب بيتي!!
عزام : محد بيدري لا تخاف.. ابحث خلصني.
رمقه بطرف عينه يأخذ الهاتف منه : طيب ملاحظ إنك مشغلنّي على حسابك وفوقها تنافخ؟
ضحك : أردها لك بالأفراح.. وحقك علي.

كتب بسام رقم الإثبات في الخانة المخصصة له بسرعة فائقة، دون أن ينظر للوحة المفاتيح حتى.. و عزام يقف خلفه بترقب يكاد يقتله.. لم تمضي ثانية بعد أن ضغط بسام زر (انتر) إلا وظهرت صورة جوار،، تحتها مئات المعلومات.. من أصغر معلومة وأتفهها، إلى أكبر معلومة..
قال بسام وهو يمرر عينيه على ماظهر له : جوار بن زيد بن هندي....
كان الاسم طويلاً ، لآخر جدٍّ في عائلته.. تجاهل بسام ذلك وانتقل بعينيه للمعلومات الأخرى.. عمره.. مكان ولادته.. في أي مستشفى.. لون العينين.. البشرة.. الشعر.. صورة لبصمته.. المواصفات الجسدية.. أعسر.. سجل طبي سليم مئة بالمئة... متزوج، بعقد موثق من سفارة المملكة في الولايات المتحدة الأمريكية عام ٢٠١٦، وبعدها تم توثيقه في الخارجية السعودية ورقم موافقة وزارة الخارجية مكتوب بجانبه، ثم تسجيله في الأحوال المدنية بالرياض.. وغيرها من المعلومات التي كان يقولها ويسمعها عزام بتركيز، وعينيه تسبق سمعه وتقرأ أشياءً أخرى لم تصل لها عيني بسام بعد..

ابتعد من مكانه بعد أن التقطت عينيه أمرًا، يأتي بكرسي أسود قابل للطي موجود في زاوية المكتب، قبل أن يعود ويضعه بجانب بسام ويجلس عليه..

بسام مسترسلاً ويتجاهل أي معلومات لا لزمة لها من وجهة نظره : ضابط سابق في الاستخبارات كانت خدمته ٤ سنوات في ماليزيا،، بعدها سنتين في السعودية، ثم سنة ونص في هولندا وتم اعفاءه قبل لا يكمل المده.
عزام ونبض قلبه يتسارع : السنتين اللي بالسعودية هي اللي تعرفت فيها عليه.. طيب وش سبب الإعفاء؟
قرأ بسام المكتوب ثم قال بذهول، يكاد يخترق الشاشة برأسه مما جعل رؤية عزام للمكتوب شبه مستحيلة : اتهموه بقتل زوجته وانسجن لمدة أربع شهور وبعدها طلع لأن مافيه أي دليل ضده.
ارتفع حاجبيه حتى كادا يلتصقا بمنابت شعره : وش اسم زوجته؟
بسام : اللي مكتوب هنا أنه تقدم بلاغ ضده بقتل عاليا عذوب فلاح..
ثم عقد حاجبيه بتوهان : شلون كذا!!
عزام بعد صمت تابع فيه تمتمت بسام وهو يقرأ باقي المكتوب بصوت أشبه بطنين النحلة، حتى قطع ذلك يقول بشك : الاسم المركب عاليا عذوب صاحبته عذوب، وعذوب حيه..

توقف صوت بسام تمامًا، واستدار برأسه ينظر له بهلع : بالراحة علي يبوي، وش قاعد تخربط أنت!!
عزام : اتركك من جوار، دخل الرقم ذا ..
قالها يميل بجسده قليلاً ويخرج جواز أخضر من جيب ثوبه، ولم تخفى عليه نظرات بسام المشككة.. لكنه في النهاية أخذه منه يقرأ بيانات الصفحة الأولى ليقول بعدها بقلق : ولد وش العلم؟
عزام : بفهمك كل شي لا جا وقته.. بس شوف لي عذوب أول.

نفذ بسام ماطُلب منه، كالمغيّب عن الوعي فثقته بعزام عمياء.. والله يستر من نهاية هذه الثقة.. بأقل من ثانية ظهرت له صورة عذوب كالموجودة بجواز سفرها وبياناتها كاملة.. الاسم كاملاً والذي قرأه عزام بنفسه هذه المره مما جعل بسام يعلق : اسمها عذوب.. ومتزوجة ورقم موافقة وزارة الخارجية نفسه اللي بملف جوار..... من وين جات عاليا ذي؟
ثم التفت عندما لم يجد ردًّا من عزام ليرى عينيه تلتمع بدهاء قبل أن يقول بابتسامة : شف يا حبيبي ، عذوب من مواليد أمريكا.
حاول أن يفهم، لكنه لم يفهم : طيب؟

عزام والأمور بدت أوضح قليلاً في عقله : الحكومة الأمريكية تجبر أي طفل يولد على أراضيها إنه يطّلع جواز أمريكي وتعامله كمواطن حاله حال غيره.. وفي حال تنازل عن حقه بالمواطنة بتصعب عليه أمور كثيرة، ناهيك إنه ممكن يستمر يدفع ضرايب لحكومتهم حتى وإن ماكان عايش فيها.
ابتسم : وربي يجي يا ناهيك..
ثم أردف بعد ضحكة عزام الخافته : بس اللي أعرفه ممنوع تشيل جوازين،، ولا؟..
هز رأسه بتأييد : صح عليك هو ممنوع بس الحكومة الأمريكية تجبر مواليدها بالجواز بديل عن الفيزا، ولو طبقوا المنع على الجواز الأمريكي مابيقدرون المواليد يسافرون أمريكا.... ناهيك..
ثم تابع مبتسماً عندما ضحك بسام : ناهيك إن الأمور صارت أسهل الحين ولا فيه نظام التخيير بين الجوازين.
بسام : ماشاءالله دافور، دارس زين..
ضرب ظهره بخفه يقول بمرح ومودة : هذا الفرق بين الحافظ وبين الفاهم.
رفع حاجبه يرمقه بطرف عينه، قبل أن يقول : بس للحين مافهمت كيف عرفت أنها هي نفسها عاليا عذوب؟ ليش ماتكون أختها واسمها عاليا؟

رمش أكثر من مره بتفكير، يأخذ نفسًا قبل أن يقول : ممكن يكون اسمها بالجواز الأمريكي، وتوثقت واقعة القتل فيه.. ما أدري!! لكن الأكيد أنهم نفس الشخص... لا تنسى إنها في النظام هنا لازالت حيّه..
تأفف بسام يفرك رأسه بتعب : أحس راسي بينفجر..

سكت عزام بعد أن بدأ يشعر بالدوار... كل العقد في رأسه شُدّت مجددًا.. أيعقل أنها جريمة لفقّت لجوار كي يتم توريطه فقط؟ فعذوب حيّه رآها عبدالله وتحدث معها..
إلا إن كانت أوهمته بذلك وليست سوى محتاله..

ابتلع ريقه يعقد حاجبيه.. لن يعرف إلا إن واجه جوار.... بحذر هذه المره، فجوار رجل ذكي صاحب حيلة ولا يغلب بسهولة.. مما يعني أنه قادر على أن يأخذه للبحر، ويرجعه عطشًا.. ببساطة.

عزام بعد أن طال الصمت قال بحذر وهو يرى تراخي بسام في جلوسه، هل ينوي العودة للنوم بعد كل الذي سمعه أم ماذا؟.. : طيب... أبيك تبحث لي في بيانات اللواء راكان..

شرَق بسام بلعابه وكاد أن يقع من على كرسيه الجلد ذو العجلات الأربعة ما إن فزّ معتدلاً بجلوسه.. بهلع وفزع جعل عزام يضحك.. يربت على ظهره ما إن بدأ الآخر يكح بقوة : بسم الله عليك..

وضع بسام كلتا يديه على رأسه، يقول بتهويل : ياويلي ياكبرها عند الله،، لا يطيح السقف علينا..
تعالت ضحكته ما إن بدأ الآخر يتمايل يمينًا ويسارًا لازالت يديه على رأسه : شدعوة.... لا تبالغ..
رمقه بإزدراء : لا أبالغ!! أنت ناوي تنكبني ولا وش سالفتك!!
ثم أردف عاقدًا حاجبيه باستياء : مثل ماقلت لك اللي تبي تعرفه عن ساطي بجيبه لك، بس انتظر علي شوي... وغير كذا ما أقدر أساعدك..
عزام بابتسامة فكما يبدو أنه أثقل العيار على بسام هذه الليلة، أخذ الجواز من على المكتب و وضعه في جيبه، يقبّل أنفه قبل أن يقف يقول بامتنان : أشهد إنك ماقصرت... بيض الله وجهك..
.

في اليوم التالي... دخل عزام مكتب جوار دون أن يقرع الباب، ليرفع الآخر رأسه من مجموعة الأوراق التي كان يقرأ فيها، يبتسم بتهكمٍ ما إن رآه : صباح الفل.
تقدم عزام في صمت.. يخرج الجواز من جيبه ويلقي به على المكتب أمامه..
رفع جوار أحد حاجبيه باستنكار.. يرفعه معه.. ثم يفتحه ويرى صورة صاحبته لتحتد أنفاسه بشكلٍ ملحوظ لم يخفى على عزام الذي جلس أمامه..
حاول أن يتحكم بتعابير وجهه وهو يتأمل صورتها، يشد على أسنانه بغيظ حتى كاد أن يكسر فكّه.. يرفع عينيه للجالس أمامه يقول ببرود ينافي تمامًا النار التي اشتعلت في جوفه : زين طلع منك شي.. كنت بفقد الأمل و أروح لعبدالله بنفسي.

ابتسم له، يكره شعور الشفقة الذي باغته لوهله وهو يرى ملامحه التي أبدت انهيارها رغم مقاومته ذلك : قلت لك شغلك معي أنا.. انسى عبدالله.
سكت قليلاً، يضرب الجواز على طرف المكتب قبل أن يقول بهدوء عاصف : وين لقاه؟
عزام بهدوء مشابه : السودان..
اتضحت الصدمة على عينيه التي اتسعت، يقول باستنكار : السودان!!! لقاها بالسودان!!!!!
هز رأسه، يشد شفتيه كي لا ينطق بشيء، فهو يعلم حساسية الموضوع بالنسبة لجوار والألف فكرة وفكرة التي طرأت في باله في هذه اللحظة.. فهم يتحدثون عن زوجته "الهاربة" إن صح القول..

عم صمت ثقيل، صمت مدقع يخلو حتى من صوت ضرب الدفتر الصغير على طرف المكتب، إلى أن أتى صوت جوار عميقًا كأنه خرج من قاع بئر، مختنقاً يبعد عينيه عن وجه الجالس أمامه : وين بالسودان؟
عزام محافظًا على نبرته الهادئة : عبدالله يقول قرية..
ابتلع جوار ريقًا شعر بمرارته، يفتح الجواز مجدداً يقلب صفحاته.. لا أختام من مطار السودان، ولا أي بلد آخر غير التي زارتها معه.. بل أن أغلبها كان من مطارات المملكة لأنها قد قالت له يوماً "خاطري أروح أبها.. أبي اشوف جبل السودة"..
اللعينة.. ليته ركلها من قمة الجبل تلك المرّه..

مسك عزام لسانه بصعوبه، يمنع نفسه من أن يسأله عن والدها.. ليس الآن.. ليس في هذه اللحظة وهو يرى دخانًا يتصاعد من أعلى رأسه. وملامح غطاها السواد.. ليس الآن، كل شيءٍ في وقته..

أغلق جوار الجواز، ثم وضعه في درج مكتبه، يقول بنبرة ميته : يصير خير إن شاءالله..
.

ما إن خرج عزام من مكتبه حتى وخرج خلفه، يضرب الأرض بقدمٍ من حديد.. يشعر بروحه الثائرة قادرة على إحراق بلدٍ كامل..
يركب سيارته وينطلق مسرعًا لمنجرة عبدالله.. يدخل عليه كالإعصار، ليجده يجلس خلف مكتبه ينظر لهاتفه.. ولكنه ما إن رآه حتى وتبدلت ملامحه بإشارة له بأنه ضيف غير مرحب به..
بل أنه ضيف ثقيل لدرجة أنه جلس دون أن يأذن له الآخر.. أو أن يرحب به حتى : السلام عليكم.
عبدالله بدون نفس : وعليكم السلام.. هلا وسهلا.. آمرني..
سكت جوار قليلاً قبل أن يقول : بدون مقدمات ياعبدالله،، أبي أعرف وش تسوي عذوب بالسودان؟
طارت عينيه بذهول، وقلق.. يقول بسرعة وكأن رصاصاً يخرج من بين شفتيه : صاحي أنت؟؟ وأنا وش يدريني؟ ما أدري.. المفروض إنها زوجتك..
تسارعت أنفاسه : معها أحد؟
لم يخفى عليه نظرة عبدالله المستحقره، نبرته كذلك : لأ. وتكفى ياولد الناس مشاكلكم طلعوني منها الله يستر عليكم .. أنا ما أعرفها وشفتها صدفة عساها ماتنعاد..
زفر بضيق : طيب أحتاجك تجي معي السودان..
استوت شفتيه بخط مستقيم قبل أن يقول : أشوف عزام وش يقول..
جوار بتهكم : وعزام وش دخله؟
لم يجبه.. بل عقد حاجبيه ما إن أدرك شيئًا غريبًا، فتابع جوار : عزام أنا أقول له إذا تبي، وآخذه لو وجوده بيطمنك.
اشتد عقد عبدالله لحاجبيه أكثر، يسأل بشك : أنت تعرفه؟
ليرتفع طرف فمه بابتسامة، يقول بخبث : أووه.

.

التقى عبدالله بعزام لاحقًا، يحمل في عينيه عتب واضح أقلقه.. فجوار قد اتصل عليه يخبره بكل دناءه بالحوار الذي دار بينهما، مبررًا ذلك "قلت لك عشان تعرف وش تقوله لا واجهك، اعذرني مادريت إنك جحدت معرفتي قدامه"

عبدالله بزعل واضح : جوار خويّك -قالها وشدد عليها-.. مرني اليوم يبيني أروح معه..
ليبرر عزام بسرعة : أنا ما أدري وش قالك النذل، بس جوار كان ضابط بالاستخبارات، ومعرفتي فيه قديمة التقيت به مره أو مرتين..
عبدالله بإنفعال وحنق : وليه ماقلت لي من البداية ؟ ولا كان عاجبك شكلي وأنا مثل اللوح بينك وبينه؟
عزام : وش بتستفيد إن دريت؟ أنا ما أبيك تعلق معه يا عبدالله..
تأفف بضيق، يشيح بصره عنه : أنا علقت وخلاص الله لا يعيدها من فكرة يوم قررت أروح السودان..
ضحك يطلق نفسًا لم يدرك بأنه كان يحبسه : يارجال وسع صدرك..
سكت عبدالله، لازال يتصدد بالنظر عنه.. إلى أن كتم عيظه، وسيطر على لسانه.. يعاود النظر له ويقول : الحين يبيني أروح معه السودان.. هذا اللي بلشت به صدق..
ابتسم : ماعليه روح وأنا بروح معك.. رجلي على رجلك منيب مخليك لحالك.
عبدالله وملامحه استوت ببرود : أخاف ألقاكم متفقين من وراي بعد..
عقد عزام حاجبيه باستياء، يقول بعتب : افا عليك يا رجّال ، هذي هقوتك فيني؟
مسح عبدالله وجهه بكفه، يذكر الله تحت أنفاسه عله يتوازن.. قبل أن يقول ناظرًا لوجه عزام العابس بشده : لا تعقد النونة يا بوبو،، المفروض أنا اللي أطنقر واستنزل عليك مهوب العكس .
ليقول عزام، وتزداد عقدة حاجبيه "بوبو؟؟؟؟".. : أبي آخذ موعد عشان نطلع تأشيرات الدخول.. متى يناسبك؟
ضحك عبدالله بتهكم : أبشرك تأشيرتي باقي فيها ما انتهت، أنا ووجهي من زين العلوم مسويها متعدد لمدة ست أشهر.
ابتسم له رغمًا عنه : إن شفتك تقول بروح السودان مره ثانية شقيت وجهك..
ليقول عبدالله بسرعة : يارجال يحرم علي أجيب سيرتها حتى..

.


خرج من سرحانة عندما سمع قرعًا على نافذته، ليدرك أنه لازال في سيارته.. خلف المقود .. والشمس قد بدأت بالمغيب..
فتح نافذته ما إن انتبه للتي تقرعها.. يبتسم بإرهاق وقد عرفها.. تقول بمودة : وش عندك قاعد بسيارتك؟
أغلق سيارته وفتح بابه، لتبتعد من طريقة.. ويقف أمامها مقبلاً رأسها : توني واصل..
ثم أردف : من وين جاي الحلو؟
رفعت كيسًا كان بيدها : رحت الصيدلية اشتري لي كم شغله ناقصة..
مشى معها باتجاه باب المنزل، يلف ذراعه حول كتفها، ويقربها لصدره سائلاً بقلق : عسى ماشر ؟
ابتسمت تشعر بصغر حجمها مقارنةً بابنها، ليت ذيب موجود ليرى كيف صار ابنه : ماشر ياقلبي شوية أغراض..
ثم سألت : جهزت شنطتك خلاص؟
هز رأسه يخرج مفتاحه من جيبه ويفتح باب المنزل : ايه..
ابتسمت وسمع ابتسامتها بصوتها : وشعاع؟

ضحك يمسك الباب لها كي تدخل قبله.. يتذكر جيدًا ردّة فعل شعاع عندما قال لها بأنه سيسافر بعد يومين برفقة عبدالله.. لتنهال عليه بأسئلة لا حصر لها وكأنها تريد أن توقعه بأقواله.. ولم تكتفي بذلك بل أنها أصبحت متجهمةَ الملامح حتى صباح اليوم عندما بدأت ترتب حقيبته..
عزام : بنت أختك للحين معبسَه لأني بروح.. تحسبني رايح أتمشى تقول إنها ماخذه إجازة وهي أولى بالسفرة ذي من عبدالله.
صيتة بنبرة ودودة : حبيبتي لا تلومها أول مره تسافر وتتركها أنت.. متى رحلتك؟
دخل المنزل القابع بسكونٍ رهيب : الساعة ١٠ الليل..
.

رغم أن عزام قليل التواجد بالمنزل، إلا أنه يكفي صيتة أن تعرف أنه موجودٌ معها بنفس المكان.. يشاركها الهواء والطقس وتقلباته.. يعود ليلاً حتى وإن كان متأخرًا،، يمطر جبينها وخديها بقبلاته، ويجلس معها قليلاً قبل أن يخلد للنوم في منزلٍ يتشاركون جدرانه.. لم يسافر من قبل لوحده أبدًا.. لم يتركها خلفه مطلقًا.. باستثناء مرتين في حياته كلها،، الأولى كانت ذهابه للرياض لإكمال دراسته، وسمحت له لأن الوضع في تلك الفترة كان يحتاج لتضحية وتنازلات..
والثانية كانت سفرة شهر العسل مع شعاع،، ورغم أنه تعذر بها إلا أنها أجبرته على السفر.. لأنها ليست أم أنانية، وشعاع تستحق اهتماماً يليق بها حالها كحال باقي العرائس..
وفي هذه المره عندما أخبرها بأنه سيذهب مع عبدالله لشراء معدات جديدة لمنجرته.. حاولت أن تظهر تأييدها لذلك -رغم الضيق الذي غزى قلبها لحظتها- فعقله المشغول يحتاج لشيءٍ آخر ومختلف ليشغله..
عزام يحتاج بأن يختلي بنفسه قليلاً.. وحيدًا،، حيث لا أحد يشاركه أي تفصيل من تفاصيل حياته، يراجع أفعاله وتصرفاته حتى يصل لنقطة أن حياته بدون شعاع لا طعم لها ولا لون..

لكنها في هذه اللحظة، وهو يقف أمامها مودعًا حقيبته بجانبه تثبت ذلك، لم تستطع أن تستمر بالمسرحية أكثر.. لتتقوس شفتيها وتتكدس الدموع على سطح عينيها، وكأنها مريم عندما يمنعها عبدالإله من السهر..
تتعلق برقبته في عناقٍ صامت.. أو هكذا بدَا.. يخفي نواحًا خلف ذراعيها اللذين أقفلا عليه تقربه منها أكثر، قلقًا من ذهابه.. وأملاً بأن يلغي كل شيء ويبقى معها فهي لا تقوى غيابه لساعات ، فكيف إن غاب عنها لأيام؟
تخشى عدم عودته، نظرة سوداء تشاؤمية بحته، فيها سوء ظن بالله بشكلٍ مفزع.. تعرف كل ذلك وتأسى على نفسها.. لكنها امرأة موجوعة.. لازالت مفجوعة،، صوت ضرب الباب المرتفع يتردد على مسامعها كلما هدأت الضوضاء حولها..
تخشى الفقد وتهابه، ضعيفة جدًا أمامه ولا تقوى تخيّل وقوعه حتى..
ابتعد عنها عزام، يرى تعلق نظرتها بملامح وجهه في تأملٍ عميق، رقيق.. ليقول بتأثر من تلألؤ الدموع في عينيها : يمه كلها أسبوع أو أقل وأرجع لك.. احسبي لي..
ابتسمت تربت على عضده : انبسط مع عبدالله وغير جو لا تشغل بالك فينا،، وانتبه على نفسك. وفي ذمتك ياعزام إن احتجت شي اتصل.. وإن دقيت عليك رد على طول لا تخليني أخاف.
ابتسم ينحني برأسه مقبلاً كفيها : أبشري،، أبشري... الله لا يحرمني منك يمه..

كانت شعاع تشد حدود فمها بابتسامة بائسة هزيلة، وهي تستمع لسلسلة وصايا خالتها.. تقف وتضع ثقلها على قدمٍ واحدة،، وتعقد يديها خلف ظهرها وعيناها لم تفارقه لثانية.. تتحرك معه ما إن ابتعد من أمام أمه، ليصبح واقفًا أمامها، يبتسم بهدوء وسكينة جعلت فكها يرتعش رغمًا عنها.. وابتسامتها تتسع بشكلٍ مؤسف..

المعضلة هنا، أن عزام لا يعرف طريقة مناسبة للسلام عليها، فوالدته تقف بجانبها تنظر، وعبدالإله يجلس في الصالة مع ابنته، ينظر أيضًا.. أو هذا ما تعذّر به لنفسه.. يشعر بنظراتهم مسلطه عليه وكأنهم يترقبون هذه اللحظة بفارغ الصبر، رغم عدم صحة أيًّا من ذلك.. فعبدالإله كان منشغلاً بأحد ألعاب آيباد مريم، يحاول الفوز بمرحلة صعبة عجزت مريم عن الفوز بها.. و صيتة تنظر له بنظرة ضبابية، عقلها مشغولٌ تمامًا.. تستودعه الله وتستحضر كل الأدعية التي كانت قد سمعتها في حياتها وتدعو له..

أخذ نفسًا يقترب، يضع كفه الدافئ خلف رقبتها، ويجذب رأسها ناحيته قبل أن يلصق خده بخدها الأيمن، فالأيسر.. يقول بهدوء بين سلامه : انتبهي على نفسك.. إن شاءالله منيب مطول..
شعر بها تومئ برأسها بالإيجاب.. وابتعد، لازال مبتسمًا وهو يرى ملامح وجهها المتوردة، تقول بخفوت : تروح وترجع بالسلامة..
ثم تردف بنبرة حاولت أن تكون مرحه، مضوقةً عينيها اللامعتين بتهديد : وانتبه تزوغ عينك من هنا ولا هنا على صينيه. ترى والله أحطك أنت وياها بالفرن.
ضحك من أعماق قلبه ما إن استوعب نكتتها بعد ابتسامتها التي اتسعت ببلاهة وحرَج من سخافة ماتفوهت به، يضمّ رأسها لصدره بتصرف فردي من يده لا يمثل إلا أطرافه.

رفع عبدالإله رأسه على صوت الضحكة المرتفع، ليقف من مكانه حيث كان يجلس في الصالة الجانبية ينتظر عزام كي يوصله هو وعبدالله للمطار.. يقترب منهم حتى وقف بجانبه، يقلب ملامحه بملل : تراه رايح الصين، بلد أمن وأمان ومستقر ليه الدراما ذي كلها؟
شعاع : أول مره يغيب عن البيت كذا..
لوى فمه بامتعاض : وأنا يوم جيت أروح السودان تطردون وراي تنتظرون متى أطلع المطار!!! عزتي لي بس..

.

لم ينسى عزام أن يعبر بيت عمه كي يسلم على الموجودين فيه، منعًا لأي عتب في المستقبل القريب..
يجلس بجانب جدته في صالة منزلهم.. أمامه جدّه..
وفي جهة أخرى خالته مشاعل.. عن يمينها عمه خالد.. يشعر بنظرته عليه.. تقع عينه بعينيه أكثر من مره، ليجد أن ابتسامة عمه تتسع في تأملٍ غريب.. وكأنه يرى شيئًا لا يراه أحد سواه مما جعل الشك يدب في نفسه من أنه يعاني مكروهًا ما..

أخذ خالد نفسًا عميقًا يأخذ فنجان القهوة الذي مدته له مشاعل.. لازالت عينيه تتأمل ابن شقيقه بحنينٍ موجع.. يشعر بطوفانٍ من الذكرى يُغرق خلايا عقله، طوفانٌ لا يرحم، يغرق كل مايقف في طريقه.. يشعر به يقترب من عينيه،، ليبعدها عن عزام مجبرًا، يغمضها قليلاً يشعر باشتعال جفنيه بطبقة الدموع التي تشكلت على سطحها رغمًا عنه..

:
*
اعتدت أنا وشقيقي ذيب منذ أن كنا صغاراً على النوم في سطح المنزل .. نحرص على ذلك، حتى بعد أن أصبحنا رجالاً.. خصوصًا عندما يكون الجو ليلاً محملاً بنسائم باردة، نتخذ من السماء المظلمة بنجومها المضاءة بوهن نتيجة الأضواء،، غطاءً لنا..

تمددت على ظهري، أعقد يديَّ تحت رأسي، وذيب بجانبي يماثلني، إلا أنه كان يضع يداً تحت رأسه، والأخرى مبسوطةً على صدره..
كلانا يتأمل السماء بصمت..
صمت مريح في ليلة مظلمة وصافية، كانت النجوم وعلى غير العادة تضيء البساط الأسود فوقنا.. كحبات ألماس تتوهج وتتلامع، وتملأ السماء..

ابتسمت أغمض عيني باستمتاع، استمع لضربات أصابع ذيب على صدره بخفّه، وكأنه يعزف لحنًا.. يدندن بصوتٍ خافت :
يالله ياللي تسوق المزن يالوالي
ياعالمٍ بالسما والي جرى فيها
يالواحد اللي يبدل كل الاحوالي
ياخالق النفس ياعالم خوافيها

كانت نبرته الثقيلة تخترق مسمعي لتستوطن عقلي، تنعش كل خليةٍ فيه.. لم يكن ذيب أخي فقط، بل كان صديق روحي ورفيقي.. الفرق بيني وبينه سنة وبضعة أشهر،، أنا أكبر منه.. لكنه كان يغلبني دائمًا برجاحة عقله، وثقته في اتخاذ قراراته..
شجاع،، بطل حقيقي لا يخشى لومة لائم..

وعلى الرغم من أنه لازال يدندن، قاطعته أقول : من يصدق إنك يالبِزقه بتعرس بكرة وأنا اللي أكبر منك ما أعرست للحين؟
ليقول ضاحكًا : هو أنا بمسك النسوان عنك؟؟ اعرس من ماسكك!!
أدرت رأسي أنظر له، لأجد عينيه في استقبالي، تنظر لي بلمعةِ تحدي واضحة : مابعد عفت عمري أجيب لي وحده تحن وتزن فوق راسي.
ضرب بطني بيده، يقول ممازحًا : قدك شايب عايب ما بقى من عمرك كثر اللي راح.. وإن كان تبي نصيحتي خذ مشاعل بنت عمي عبدالله..
ضحكت باستنكار : خاف ربك مشاعل بزر....
ابتسم بجدية : مابتلقى أحسن منها صدقني، وبنات عمي عبدالله مايحتاجن شهادتي.... وأنت عارف زين مايحتاج أقولك.

عم الصمت لثواني، عيني لازالت تنظر باستنكار لعينيه الجادتين.. قبل أن أضحك مجددًا على فكرته.. أنا ومشاعل؟؟ أي جنونٍ هذا فمشاعل لازالت طفلة..
قلت أغير الموضوع تمامًا : من قدّك بكرة ليلتك.
اتسعت ابتسامته بشكلٍ ملحوظ.. يتراقص على عينيه وهج النجوم ما إن عاد ينظر للسماء.. يعقد كلتا يديه تحت رأسه هذه المره .. ولازالت ابتسامته واضحة..

يغرق في صمتٍ خاص به.. متأكد من أن صيتة تتواجد فيه.. فلا يخفى علي شيء يخصه، أعرفه من نظرة عينيه.. وفي موضوع صيتة بالذات لم يخفى على أحد مايكنّه ذيب لها.. كان واضحًا.. لا يخجل.. يخبر عمي عبدالله بأنه يريدها زوجةً له ما إن يتم تعيينه،، وأنه لن يغفر له ولن يسامحه إن ظفر بها أحدٌ غيره..
"سيصل الدم للركب إن حصل".
هكذا،، ببساطة، وثقة وثبات..

استمر الصمت لفترة، طالت هذه المره.. إلى أن قطعه ذيب بنبرة أقلقتني : تآمن السر يا خالد؟
انتفضت من قوله، انظر له وأقول بقوة : برقبتي ياولد أمي وأبوي.
انتبهت لتهدج أنفاسه، ملامح وجهه التي ارتخت، وكأنها ذابت.. ابتسامته التي تلاشت، يقول بنبرة لا تشبهه أبدًا : والله إني خايف ياخوك.. ميّت من الخوف..
جلست بسرعة.. أشعر بقلبي يقفز من بين أضلعي وأنا أرى وجهه الذي ترجم مخاوفه بوضوح : افا ياذا العلم .. الذيابه تخوّف ماتخاف..
عقد حاجبيه، ينظر لي.. أرى في عينيه معركة طاحنة، كأنها الحرب بين لسانٍ يريد أن ينطق،، وعقلٍ يحذّر.. مع ذلك قال بتردد : تذكر يوم أروح روسيا... بعد ما تعيّنت بفترة؟
فأجبت : ايه.. يوم رحت أنت وأخوياك سياحة.. أذكر..
ليقول بعد ثانية صمت شعرت بها تساوي عمري الذي انقضى : أنا ضابط يا خالد طلعتي سياحة مهيب سهلة، وعشان أسافر لازم طلب إجازة خارجية ويا ينقبل أو ينرفض..
ثم أردف بخوف أسمعه و أراه لأول مره في حياتي : روحتي ماكانت سياحة.. إلا مصيبة ياخوي.. مصيبة طاحت على راسي..

*
:

تسارعت أنفاس خالد ما إن شعر بالثقل الذي حط على رأسه.. يخرجه من الذكرى التي كادت تسحبه للظلام.. يرمش أكثر من مره حتى وضحت الرؤيا تمامًا، واستطاع تثبيت وجه عزام الذي كان منحنياً أمامه، يقول باحترام : أنا بمشي ياعمي.. عبادي ينتظرني بالسيارة، تامر على شي؟
وقف كالملسوع.. ليعتدل عزام بوقوفه ينظر له بابتسامة جعلت خالد يقربه منه في حضنٍ رجوليٍ قوي.. يربت على ظهره يقول بخفوت : أنتبه على نفسك يابوي.. ناقصك شي؟ معك فلوس تكفيك ولا أحول لك؟
ضحك عزام باستنكار يبتعد عنه، يعقد حاجبيه : معي اللي يكفيني و زود جعلني قبلك.. أنت تامر على شي؟ خاطرك بشي أجيبه لك من هناك؟
شد على عضده،، يتأمله بتأني.. ويقول بنبرة حب خالصة : ما أبي إلا سلامة قلبك و روحك..
استودعتك الله يابوك.. انتبه على نفسك....


.
.
.


# نهاية الفصل الرابع عشر
نلتقي الاسبوع القادم إن شاءالله


سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك ♡.

 
 

 

عرض البوم صور وطن نورة ،،  
 

مواقع النشر (المفضلة)
facebook




جديد مواضيع قسم الروايات المغلقة
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 01:51 AM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية