كاتب الموضوع :
وطن نورة ،،
المنتدى :
الروايات المغلقة
رد: أَحلَامٌ تَأبَى أنْ ’ تَنْطفِئ ،، / بقلمي
# الفصل الثاني،،
" أنت أفضل مالدّي "
.
.
السودان،،
الساعة ٩:٣٠ صباحاً
أحد القرى.
.
لف شاله الكشميري جيداً على رأسه بعد أن تراخت عصبته و انحنى يرفع بندقية الصيد الهوائية من على الأرض بعد أن فشلت جميع محاولاته.. وذلك ليس لعيبٍ فيه خصوصاً وأنه قنّاص بارع لكن كان هناك ما يشغل تفكيره منذ ليلة البارحة وحرَم عينيه النوم..
عاد للحارة التي يمكث فيها أثناء رحلة صيده والتي وعلى الرغم من ضعف إمكانياتها بل انعدامها إلا أنها غنية بأهلها وطيبة قلوبهم وكرمهم وابتساماتهم التي لم يمحِها الفقر..
يمشي على مَهل وحرارة الشمس لم ترحم تقطيبة حاجبيه بضيق من العَرق الذي ينساب من جبينه ليمسحه بذراعه..
وصل لحيث يمكث هو ورفقائه في السفر، ابن عمته عبدالله، وأبناء ابنة عمه: حاكم الغير راضي بتاتاً ، وفهد. فتح باب القُطية بتصميمها المخروطي المميز و هي ماينتشر في القرى والأرياف السودانية التي لم تغيرها سطوة العمران بعد.. يزفر بحرارة كحرارة الجو أو ربما أشد : السلام .
قالها وألقى بسلاحة جانباً يغلق الباب بقدمه ليصله صوت حاكم متذمراً : الله لا يسلم العدو..
تأفف يرخي من عصبة رأسه : يالله صباح خير لا شر فيه..
حاكم بامتعاض : وين معه الخير وأنت رامينا عند بوابة جهنم؟ مت ياخوي مت..
التفت لفهد المتمدد على فراشه أرضاً وغطاؤه ملقى بعيداً عنه لشدة حرارة الجو.. يضع يداً تحت رأسه والأخرى يرفع بها هاتفه يتسلى بأحد التطبيقات ليقول مخاطباً اياه متجاهلاً الآخر : هذا وش فيه صحى ومصحّي العفاريت معه؟
ليضحك لازالت عينيه مثبته على هاتفه وابهامه يتحرك بمهارة على شاشته : الله وكيلك من أصبحنا وهو يتحلطم صكني راسي..
ثم ارتفعت عينيه أخيراً لينظر له : وين رحت صحيت مالقيتك؟
مشى يجر أقدامه حتى جلس على فراشه المفروش أيمن فراش حاكم ليتنهد : صحيت بدري وقلت أطلع أجيب غدانا..
ابتسم له : شكلك مثل مارحت جيت!
نزع شاله وألقى به بعيدًا يفرك شعره متلاصق الخصلات بقوة : ما أبعدت واجد غير الشمس ذبحتني عجزت أركز..
ثم أنزل بصره حيث حاكم يتمدد على بطنه يحتضن وسادته تحت رأسه بشورته القصير دون أن يرتدي شيئاً يغطي جزءه العلوي.. ضحك ساخراً : وش بلاك يالمِترف؟
فتح عينيه يرمقه بنظره : ضقت.
ثم تابع بسخط : ضقت وطقّت كبدي يا عبدالإله.
ضرب على ظهره المتعرق رغم أن الغرض من التصميم المخروطي لسقف القطية هو ليجعلها باردة صيفاً لكن شمس السودان اللاهبة لا ترحم : وش منه ضقت؟ وسع صدرك وقل الحمدلله غيرك يتمنى لو إنه مكانك.
أبعد يده ليجلس بعدم رضا : اللهم لك الحمد من قبل ومن بعد بس عجزت أنام ياخي من الأصوات مدري هو صوت ذيب يعوي ولا كلب ينبح ولا حمار ينهق..
ليضحك فهد معلقاً : لا يابعدي ذا صوت بطنك هو اللي يعوي من الجوع يوم إنك ماطعت تتعشى مع المسلمين..
ليرد عليه حاكم بعبوس : ياشيخ فكنا أنت وعشاك ما أقول غير الله يكرّم النعمة لو إني أكلته كان مافكني غير غسيل المعدة..
فهد موجهًا حديثه الهازئ لعبدالإله المبتسم : مِترف مِترف..
حاكم بعبوس : مهوب تعنفق لا والله بس إني انغشيت ماهقيت ذا نظامكم هنا.. ماكانت رحلة جنوب أفريقيا كذا!!..
عبدالإله لازال يحافظ على ابتسامته : إيه آخر رحلة صيد كان ماسكها مكتب وشغل محميات يحدونك بصيدك وغدا وفطور وعشا مرتب وماجازت لي خساير على الفاضي.. لكن هنا هذا هو القنص الصدقي..
أغمض حاكم عينيه بعد أن تمدد مجددًا بملل : زبدة الحكي إن قلت لك خذني معك مرةٍ ثانية ردنّي قل لأ.. والله ما أحسد إلا عبدالله نايم لااا ومتغطي بعد.
ارتفعت عيني عبدالإله حيث عبدالله يعطيهم ظهره يرفع الغطاء حتى عنقه ويبدو في نومٍ عميق ليقول مستنكراً..: شكله بردان!
حاكم : لا يا قلبي هذا من فئة الحيتان دمه حار.
تعالت ضحكاتهم عندما أصدر عبدالله صوت شخير مرتفع ليقول حاكم معلقاً : هه تفضل استلم و هذا نداء تزاوج..
عم الصمت بعد ثواني عندما تمدد عبدالإله في فراشه لازال مبتسماً ولم يستطع أن يمنع ضحكةً خرجت رغما عنه : الله يقلع أبليسك يا حاكم..
وضع رأسه على ذراعه يعطي من هم خلفه ظهره.. حاكم لازال مغمضاً عينيه يحاول أن يتجاهل الإحساس بقطرات العَرق التي تتدحرج من جانبيه و فهد لازال يضيع وقته بهاتفه..
الجميع صامت ولديه مايشغله.. عبدالإله في تفكيره وضيقته من ليلة البارحة التي منعته من النوم.. وحاكم وقطرات عرقه..
أما فهد فكان في عالمٍ آخر حيث يتحقق مبتغاه.. العالم الذي يهرب إليه دائماً إن ضاقت عليه الأرض بما رحبت..
عندما نفذ صبره وضاق حيله جلس حاكم مجدداً يتأفف بتذمر يحك جانبيه بقرف : وبعدين يعني؟
عبدالإله بهدوء لازال على وضعه : وبعدين معك أنت!! استرجل فضحتنا مع العالم من جينا وأنت تتحلطم.
حاكم بانفعال : أنت تدري إني أحب الصيد وماعندي مشكله أقعد شهر في منفى بس مو بالطريقة ذي حنا حتى اللي قاعدين نسويه مهوب قانوني وفيه خطر علينا وعلى المسكين اللي مضيفنا عنده.. جايبنا هنا ومافيه أي عوامل تساعد على الحياة.
فهد : والله إني داري مالعب بنفسيتك هنا إلا الشبكة الضعيفة انحرمت من مكالمات آخر الليل..
حاكم ممازحاً وتغير مزاجه مئة وثمانون درجة : خالها موجود لا يسمعك..
عبدالإله ملتفتاً برأسه : ترى أبوها للحين مادرى عنك وعنها ولا كان علوم.
حاكم : أدري بخالي تعلمني فيه.
ثم أردف ممازحاً : لكن الله يخلي لنا خالها الليبرالي أبو عقليه متفتحه اللي كسر قوانين بن ساجر كلهم وسمح لي اتواصل مع بنت أخته وهي حرمتي..
تعالت ضحكات فهد ليشاركه عبدالإله رغماً عنه فحقيقة العائلة مضحكة تمنع أي تواصل بصري أو مسموع حتى بعد عقد القِران..
على عكس حاكم الذي وقبل أن يأخذ رقمها استأذن من عبدالإله بأنه سيتواصل مع ابنة أخته لاستحالة موافقة خاله خالد شقيق أمه على طلبٍ كهذا واحتمالية أن يخرجه من المله بسبب هذا الطلب كبير جدًا على عكس عبدالإله الذي أيّد الفكرة ويرى أن هذا شيء من حقه ومن حقها بعد أن أصبح بينهما رابط شرعي..
حاكم : أصدقك القول ياعبادي..
عبدالإله ساخرًا .: أصدقني..
حاكم : أحس إن خالي خالد داخلة رافض الفكرة الرجعية ذي و وده لو يحلّق خارج السرب بس إنه يخاف من القبيلة تقصقص جنحانه.
عبدالإله : أبسط حقوقه يا عزيزي بنته ذي.
كان فهد يتمدد مكانه يسمع حديثهم فقط كي يشغل تفكيره..
فهد لم يكن هاويًا للصيد أو رحلات القنص لكنه هذه المره كان من طلب من عبدالإله أن يذهب معه دون حتى أن يسأله الرجل في المقام الأول . كان يحتاج فرصة لكي يبتعد قليلاً عن من يعرفهم ولم يتوقع بأنه سيجد لهيباً من شمسٍ صفراء قادر على إذابة دماغه، وليتها تذيبه.. تنحنح قائلًا : عبادي وينه أبو الزين ماهي عوايده للحين ماصحى؟..
عبدالإله وعاد يعطيهم ظهره بعد أن قال حاكم معلقًا : شوي وتلاقيه راجف الباب برجله وداخل علينا ، تكفى قل أستغفر الله.
.
أبو الزين رجل سوداني في منتصف الستين.. يمتاز بطول قامته ونظارات طبية سميكة جداً وتجاعيد أعطت وجهه دفئاً أبوياً خاصاً.. معرفة عبدالإله به تزيد عن ٨ سنوات عندما كان يعمل في السعودية حارساً.. علاقة متينه يسودها الاحترام والحب الخالص لدرجة أنه استضاف عبدالإله ومن معه في بيته وأعطاه قُطيّه من الثلاثة الموجودات في ساحة منزله التي يحيط بها سور من القش والخشب لينام هو وأهله مجتمعين في واحدة.. خفيف روح وطيب قلب جدًا ظروفه المادية صعبة مع ذلك كان كريمًا سخيًّا وكأن مال قارون بين يديه..
ابتسم عبدالإله بود كبير وهو يجلس بجانبه وسفرة الإفطار أمامهم : كثر الله خيرك وأغناك من واسع فضله ليتك مناديني أساعدك.
أبو الزين بجلابيته السكريه وطاقيته البيضاء أعلى رأسه يرفع نظارته بكفه : ده كلو من إيدين أم بشير حلفت أيمان مغلظه تاكلو من عصيدة الدخن الليلة..
فهد بود : الله يعطيها العافية ماقصرت ..
أبو الزين ضاحكاً على وجه حاكم العابس : وأنت يا زول عارف مالك في الحاجات دي قمت جايب ليك شوية خضار..
ومد له صحناً فيه خضار متنوعة ليقول بحرج واضح : لاتفهمني غلط يابو الزين بس إن معدتي متعودة على أكل معين..
أبو الزين بابتسامة : ماتخاف فاهمك كويس .
عبدالإله بخفوت لحاكم : وتبرر بعد أنت و وجهك؟ كل من الطماط وأنت ساكت بس، توبة آخذك معي مره ثانية فشلتنا بين الرجال.
ليجيب مخفضاً صوته بحيث لا يسمع سوى عبدالإله الجالس بجانبه : شهبّت مصاريني من الطماط بموت ارحمني يرحم شيبانك..
.
.
دارت بصينية الشاي على الموجودين في صالة المنزل..
بيت سلمان بن ناصر زوج سارة ومن أبناء جماعتها.. لا يختلف عن رجال عائلتها كثيراً فجميعهم قد نشؤوا في نفس البيئة وتربوا على نفس المبادئ بل أنه تفوق على الجميع وفاقهم تفهماً.
ابتسمت ريم لوالدتها وكأنها تشجعها فيما تنوي فعله وهي تلاحظ رجفة يديها عندما مدتها لتأخذ فنجان الشاي، لتقول سارة بعد أن وضعت قدماً على الأخرى تظهر بعض الثقة : أقول سلمان.
سلمان ولازالت عينيه مثبته على شاشة هاتفه : قولي.
اعتدلت جالسة فوضعية قدم فوق الأخرى لم تساعد كثيراً : لقيت عروس لفهد.
أدار رأسه ناحيتها بسرعة عاقداً حاجبيه باستنكار، حتى ناصر أكبر أبنائها والذي كان يقابلها على الأريكة الأخرى تثبتت يداه على الفنجان دون أن يرفعه لتهز ريم الصينية بنفاذ صبر عله يتحرك..
سلمان باعتراض : رجعنا يا سارة!!
سارة وقد تقدمت بجسدها تضع فنجانها على طاولة الضيافة الصغيرة أمامها : البنت وأعرفها زين معيدة معنا بالجامعة وبنفس قسمي ومعي بالمكتب أخلاق وأدب وجمال عيني مليانة منها وأبيها له والله إنها تناسبه وهو يناسبها.
وصلتها ضحكة ناصر الهازئه وتجاهلته لازالت تنظر لسلمان برجاء : وش قلت؟
سلمان بعدم رضا : الله يرضى عليك أنتي شايفه فهد وشايفه وضعه إذا أخوي وهو أخوي مارضى تهقين الأجناب بيرضون؟
سارة بتردد : مو لازم تعرف.
سلمان بحدة : شلون يعني مو لازم تعرف صاحية أنتي؟ تبين نغش بنت الناس ؟
ناصر بتهكم : ذا الحركة لو صارت لريم ولا وحده من بنات أخوك كان قومتي الدنيا ولا قعدتيها..
قاطعته بإنفعال : دام إني ماوجهت الكلام لك اكرمني بسكوتك لا تخلي زعلي عليك يصير زعل دنيا وآخره يا ناصر.
ناصر بتبرير : لأنها كلمة حق زعلتي منها ...
عادت تقاطعه : رح كمل شاهيّك عند حرمتك لا ترفع ضعطي.
سلمان بعد أن رمقه بنظره حادة أسكتته إذ أنه كان ينوي الرد على والدته : يصير خير نتفاهم في هالموضوع بعدين دام صاحب الشان ماهو بموجود.
عم الصمت المكان وقد أفسد هذا الحوار الجو العام لجلستهم التي كان يحفها الود بعد غداء يوم الجمعة..
تنحنح سلمان بعد فترة محاولاً تلطيف الجو وهو يرى انعقاد حاجبي سارة وهزها لرجلها بسرعة كغضبٍ مكتوم : و العيال وش أخبارهم؟ من راحوا لا دقوا ولا جانا منهم خبر.
سارة بضيق : كانك تدري فأنا أدري.. إن شاءالله إنهم بخير ما أقول غير الله يصلح الحال ولا فهد وش له بالقنص وخرابيط عبدالإله وحاكم ذي.
ابتسم باشتياق فلا أحد يعادل فهد مكانةً في قلبه : خليه يوسع صدره ويغير جو .
سارة بعطف يذيب الحجر : الله يشرح صدره ويعوضه عن كل اللي صار له خير..
ناصر بقهر : ليتهم يقنصونه بالغلط .
قالها بصوت منخفض ولم تسمعه سوى ريم الجالسة بجانبه لتلتفت بسرعة مصدومة مما سمعت، انتبه لها والتفت لتقع نظرته الباردة في نظرتها التي استحقرته كالحشرة .
.
.
" السلام عليكم يا أهل البيت.. "
وصل الصوت المرتفع يتبعه صوت باب المنزل يُغلق لصيتة
وشعاع الجالسات في الصالة البعيدة عن المدخل نوعاً ما..
كانت شعاع للتو انتهت من إعداد القهوة بعد أن أبلغتها والدتها بقدومها للزيارة، تجلس أمام التلفاز تقلب في قنواته بلا هدف.
المنزل هادئ تماماً خصوصاً مع تشاغل مريم في الطابق العلوي وهذا هو جو المنزل العام عموماً في أغلب الأيام إذ حتى الطفلة مريم هادئة جداً ومطيعة قدوتها في الحياة شعاع..
اعتدلت صيتة جالسة بعد أن كانت متمددة، تلف شعرها المفتوح أعلى رأسها بمشبكها : حياك الله تعالي حنا هنا بالصالة.
" جيت وجبت الذيب معي "
فزّت صيته من مكانها بسرعة كادت أن توقعها لولا يدي شعاع التي أمسكتها : خاله انتبهي.
رغم الألم البسيط الذي شعرت به في ساقها لكن كل شيء تلاشى وهي ترى مشاعل تقبل عليها تنزع غطاء وجهها بجانبها ابنها ذيب الذي يقاربها في الطول ومن خلفهم ابنتها الجادل، ابتسمت من أعماق قلبها بلهفه : هلا أبوي هلا والله وسهلا.
تقدم ذيب بخطاه يتعدى الطاولة في منتصف المكان لتتلقفه صيتة كعادتها في عناق طويل وكأنها لم تراه لأشهر رغم أنها رأته قبل أسبوعين تقريباً تخللتها مكالمات كثيرة ..: اشتقت لك وينك ماتقول أسيّر على خالتي أشوف حيه ميته تبي شي تحتاج شي.
ذيب بإحراج مقبلاً رأسها : والله مالي عذر أدري بس الجامعة كارفيني كرف الله وكيلك .
قبلت خده : الله يوفقك ولا يضيع تعبك شد حيلك وأبشر باللي تبيه .
وصلها صوت ناعم متهكم من الخلف : الله لنا صار لي سنة من استلمت الوثيقة سسنة كاملة ياجماعة مرّت بأفراحها وأتراحها و حتى كرتون مناديل ماشفت..
صيتة بود تقبل مشاعل ولازالت تمسك يد ذيب بقوة والذي وقف بجانبها : قلنا لك وش تبين وبنجيب لك يا بنت خالد مير اتركي العيارة عنك.
الجادل تقبل رأسها : من شاور ماعطى ياخالة.
قبل أن تصرخ متألمه من قرصة أمها في أسفل ظهرها..
كان دائماً لمشاعل وأبنائها أثر في حياة صيتة.. تهوى شعاع مغرمة بالجادل وتعشق ذيب شخصاً واسماً.. أما آخر العنقود هزاع فَله الحصة الأكبر من كل الحب..
بدأت الأحاديث التي جددت العصر الطويل وأعطته رونقاً خاصاً، رغم بساطة مايدور إلا أن الجو كان مليئاً بالدفء الذي لم تفشل مشاعل بأن تخلقه كعادتها، تلفتت حولها قائلة بملل : ياشين بيتكم من غير عبادي.
ضحك ذيب رغماً عنه على ملامح شعاع وصيتة التي تبدلت لصدمة : مو كذا يمه.
ابتسمت ترفع حاجباً : وأنا صادقة عند ربي،، حتى عزام توقعت أجي القاه موجود!.
صيتة : طالبينه بالدوام.
مشاعل باستنكار : الله يكفينا شر الجشع حتى يوم الجمعة يشتغلون!
صيتة : راضيين يابنت الحلال دامها غير عن شغلته الأوله. وين عمي وعمتي ليه ماجبتيهم معك؟
رفعت فنجالها لشعاع التي قفزت تأخذه منها لتسكب لها : عمي الله يسلمك رايح مع خالد عنده موعد روماتيزيوم. وعمتي عصبت علي تقول خلصت أيام ربي ماتطلعون إلا الجمعة يوم الواحد يبي يقابل ربه ويدعي. عاد قعدت وقعد معها هزاع عشان لابغت شي.
رقّ قلبها وهي تتذكر والديها : الله يمتعهم بالصحة والعافية والله أنهم بركة البيت.
أتت لهم مريم راكضه من الأعلى عندما وصلتها أصوات الموجودين بالأسفل، تركت الجميع واتجهت نحو ذيب الذي أبعد فنجان القهوة كي لا ينسكب عندما ارتمت عليه : بشويش يا قلبي القهوة حارة.
مشاعل : يمه من لسانك ياذا الولد.
ثم بإنفعال مصطنع : بنت تعالي سلمي على عمه.
قبلت مريم يدها كالعادة مقبلتاً بعد ذلك خدها لترفعها مشاعل تضعها في حضنها : أبوك بيجي مقمّر فيه أحد صاحي يقنص هالوقت من السنة؟ حتى شواربه بتصير شابورة من اليباس.
ثم تابعت وهي ترى عدم الفهم في عيني مريم : يعني لاجا غطسي وجهه بشاهي وكليها.
صيتة ضاحكة : لا تعلمين البنت الحركات العيفه.
همست مشاعل لأختها عندما ابتعدت عنها مريم للجادل التي نادتها : أقول دريتي قبل أمس ملكة أمها؟
كانت صيتة على وشك أنك ترد لكنها سكتت عندما سمعت صوت شعاع : تدرين جادل من صحيت وأنا مشتهيه كيكة البرتقال اللي تسوينها..
رفعت الأخرى حاجباً : يعني؟
شعاع برجاء : تكفين أبيها والله لدرجة حلمت إني آكلها..
مشاعل بحماس وصوت مرتفع فاجأ الاثنتين : الله يبشرك بالخير.
صيته بلهفة : قولك حامل ؟
مشاعل : أكيد حامل تقولك حلمت فيها وش تبيين زود.
ثم وجهت حديثها الجدِّي للجادل : قومي أشوف على حيلك لا تطلع في نفس ولد أختك.
الجادل باستنكار : من جدك يمه!!!
تلفتت حولها تبحث عن شيء لتحذفها به : أنا بنتك ياعبدالله.. بتقومين ولا شلون؟
الجادل بحقد تدخل المطبخ : لو أدري ما جيت.
شعاع من خلفها علقت ضاحكة : وش أسوي والله العظيم في خاطري.
الجادل : ليكون صدق حامل !
ابتسمت بضيق : لا جاتني العصر .
ضحكت : يالئيمة وتاركه اللي برى على عماهم ليه!.
اتجهت للثلاجة تخفي لمعة عينيها : شفتهم فرحانات قلت لا أنكد عليهم.
ثم أردفت تغير الموضوع تماماً : هذا البيض وطلعته وش تبين بعد؟
.
تعدى الوقت الحادية عشر مساءً عندما أوقف عزام سيارته في ساحة المنزل، أغلقها وبقى فيها يتنفس وكأنه سيختنق لازال منفعلاً مما حدث اليوم بعد أن صدر أمر من النائب العام بإيقاف أي شيء يخص وفاة الضابط فلاح وتسجل الوفاة على أنها عملية انتحار.
صرخ كثيراً وجادل حتى بُح صوته لكن دون جدوى فعائلة فلاح هي من طلبت ذلك.
عزام بغضب : القضية قتل كيف تتقفل وكأنها شيء لم يكن؟
تكلم اللواء وهو غير راضي بما حصل : الأمر من جهات عليا أكبر مني ومنك لا بيدي ولا بيدك شي ودام أهله راضيين يبقى..
قاطعه : وأنت شلون ترضى ؟
ليقول بصرامة عندما ارتفعت نبرته عليه : خلاص انتهى الموضوع مو أنت اللي بتجي تعلم من هم أكبر منك شلون يشتغلون. ركز بمهمتك وكثر الله خيرك.
.
وضع رأسه على أقدام والدته بسرعة ما إن سلّمت من قيامها وكأنه كان ينتظرها.
تفهم عزام دون الحاجة لسؤاله.. ابنها متعَب، مشتت ومُرهق. الكثير يدور في عقله ويثقل قلبه حتى وإن أخفى ذلك أو أنكره.
ابتداءً من عمله السابق واعفاءه من منصبه وانتهاءً بعمله الحالي الذي لا تعلم عنه الكثير.
كان يفتح جميع أزرار ثوبه لازال صدره يرتفع وينخفض بأنفاسٍ ثقيلة.. حاولت تشتيت نفسها عن سؤالها المعتاد "وين كنت كل ذا الوقت؟ وليه تأخرت؟" فهي ترى عدم الرضا على وجهه في كل مره تسأله رغم أنه يجيبها. لتسأل عوضاً عن ذلك : ماكلم عبادي؟
عزام بهدوء : آخر مره قبل يومين.
صيتة : جات خالتك وانتظرت وأنت ماجيت فقدت الأمل وراحت..
عزام مغمضاً عينيه : بمر عليها بكرة ياويلي من الله مبطي عنهم كلهم.
:
*
" أبوي كيف مات؟ "
كان سؤال عزام الدائم لي، يسأله وكأنه يتأمل شيئاً ما.. كأنه سمع شيئاً ما ويريد أن يتأكد..
عندما كان في الخامسة لم أقوى أن أجيبه سوى " ربي اختاره "
في السادسة لم تقنعه الإجابة فاستبدلتها " عمره خلص "
ثم سكت عني لفترة حتى ظننت أنه آمن بما قلت وانتهى منه.
لكن عندما كان في الخامسة عشر من عمره أتاني في عينيه دموع محبوسة : يمه أبوي شلون مات؟ ريحيني وعلميني الصدق تكفين أنا بموت من التفكير.
كان صوته مثقلاً حتى أجهش في بكائه ما إن انتهى. ابتلعت ريقي أنظر له يمسح خديه بذراعه بقوة مفرطه وكأنه يعاقب نفسه على دموعه.. خرجت حروفي باردة خافته فصوت ضربات الباب القوية في أذني كان مرتفعاً : طلع ولا عاد رجع.
ارتعش فكّه : طلع وين راح؟
شعرت وكأني سأختنق : ما أدري.
تكلم بغضب : كيف ماتدرين؟ كيف كيييف؟
صرخ بها في وجهي وابتعد من أمامي، أفزعني.. تبعته بعينيّ يخرج من باب الغرفة متعدياً بذلك أبي الذي كان ينظر لي متجاهلاً عزام الذي مر من جانبه كأنه طيف. شعرت وكأن شيئاً انفجر في قلبي.. كانت نظرة أبي خليط من اللوم والشفقه آلمتني أكثر من صراخ عزام علي ودموعه..
اقترب مني وأنا أحاول السيطرة على دموعي يصلني صوته بحنانٍ أذاب أحزاني كلها : متى بترحمين نفسك؟
انتظرته حتى استقر رأسي على صدره.. لم أتكلم ولم أبرر فهو أدرى بحروفي مني..
ربت على كتفي : عزام قده رجال بسم الله عليه إلى متى بتقعدين مخفيه الموضوع عنه.. يابنتي إن ماسمع منك اليوم بيسمع من غيرك بكرة.
ثم أردف بيأس عندما لم يسمع رداً مني : أنا بكلمه وبفهمه كل شي.
شددت على ذراعة بقوة وكأني أمنعه لكنه قال بابتسامة ضيق واضحة : لا تخافين مابيعرف إلا اللي تبينه يعرفه.. تطمنّي.
كان صعباً علي مصارحة عزام بسبب وفاة والده الحقيقة ، شيءٌ مني يخشى من أن يكره ذيب الذي مات وأنا لم أصدق فيه شيئاً مما سمعت.. حقيقته التي زلزلتني من هولها.
بعد مرور شهر من وفاته لازلت موجوعة جدًا.. أتألم حتى من الهواء الذي أتنفسه.. لكني مع ذلك استجمعت قوتي وسألت أبي بعد شهر كامل : شلون مات؟
تغير وجهه : الله يرحمه ويغفرله. لا توجعين قلبك بالأسباب وادعي له.
لكن قلت بإصرار حتى مع تصدده عني : يبه ذيب كيف مات؟ من بلّغ بوفاته؟
سكت كثيراً قبل أن يقول بأسى : تذكرين التفجير الإرهابي اللي صار قبل شهر ونص؟
ابتلعت ريقي بصعوبة : مات فيه؟
تلكك كثيراً : والله يا بنتي معرفتك ماراح تفيدك بشي غير انها بتوجع قلبك زود..
"كان هناك وقت التفجير يبه؟" قلتها برجاء أنفي ما طرأ في بالي؛ لم أبعد عينيّ عن وجهه حتى حطّ بصره على وجهي لأرى التماع الدموع في عينيه ، يقول بصوت مختنق : هو اللي فجّر نفسه .
*
:
بدأت بلف خصل شعره الطويلة نوعاً ما : أقول شفت شعاع؟
ابتسم ولاحظت ذلك : الله يرزقني ربع الاهتمام اللي لاقيته ذا الشعاع اللي ماكله قلبك.
شدت شعره دون أن توجعه : الله من ردي فعولك يا ولد بطني. ليقول ضاحكاً يعتدل جالساً : مالقيتها بالصالة توقعتها دخلت تنام وقلت أمرك أول ولا تبيني أنام وأنا ماطليت عليك يعني؟
مسكت معصمه بحماس : مو أقولك حسيتها تعبانه الظهر؟
ثم أردفت دون أن تدع له مجالاً ليعلق تهمس بسعادة : شعاع شكلها حامل.
رمش أكثر من مره وقد بهتت ملامحه.. ضحكت : بس اصبر نتأكد أول .
عزام : الله يكتب اللي فيه الخير.
عبست وهي ترى ردة فعله : أنت وش فيك؟ وش جاك عزام ؟
ابتسم مجاملاً : ليه يمه.
بانفعال : شايف ردة فعلك أنت ؟ أول شي قلت ماعليه ماعرف يعبر من الفرحة لكن من شاف وجهك قال سمعت مصيبة!! وش طاعونك أنت وش علتك؟
سكت كثيرا حتى ظنت أنه لن ينطق قبل أن يقول : يمه أنا عشت طول عمري أدور رضاك والله يشهد إني ما أتمنن بالعكس أنا من أول يوم في عمري لآخر يوم وأنا تحت رجلك وخدامك وغايتي رضاك والله ياخذ روحي قبل لا أقول أو أسوي شي يزعلك،
لكن شعاع فوق طاقتي والله العظيم فوق طاقتي..
بقوة : شعاع بنت أختي.
حاول التحكم بنبرة صوته : وأنا ولدك يمه.
لكن نبرة صيتة كانت حادة مليئة بالقهر أعمتها عن كل شيء : أنا أدري إن قلبك للحين مع الجوهرة .
شعر بالقشعريرة تسري في جسده : الجوهرة ماضي وانتهى من حياتنا كلنا ، حتى أهلها.
ثم تابع بتعب وكأن طاقته استنزفت تماماً : الله يسامحك يومك تدرين باللي يضايقني وتتعمدين تطرينه.
لاحظت تغير لون وجهه لذا قالت بزفرة وضيق : بس للحين مأثره عليك لدرجة إنها معميتك عن النعمة اللي بين يدينك.. شعاع مافيه مثلها ياعزام تكفى لا تضيعها من يدك.
ضحك بضيق : شكلها تشكّت لك لين قالت بس.
بسرعة : لا والله يشهد الله علي ماقد قالت فيك كلمة شينة بالعكس الكلمة الزينة من لسانها دايم تلحق اسمك..
ثم ربتت على ركبته بحنو : تكفى اصحى لا تخليني أندم إني اخترتها لك. البنت تحبك لا تكسر نفسها الله يرضى عليك.
ابتسم لها باقتضاب : أبشري يمه مالك إلا اللي يرضيك،، تصبحين على خير.
قالها بضيق مقبلاً رأسها قبل أن يخرج من غرفتها.. تابعته صيتة حتى أغلق الباب خلفه الندم بدأ يأكل قلبها مما تفوهت به..
ليتها لم تتكلم..
.
كان عزام متمدداً على سريره.. بجانبه مريم.. مكتوم لعدة أسباب لكن أهمها هو موضوع الجوهرة الذي لا يعلم كيف استطاعت والدته أن تتكلم به وهي أكثر العارفين بتأثيره عليه..
كانت عينيه مثبته على شعاع دون إدراكٍ منه، تقف أمام المرآه تمشط شعرها الذي يصل لمنتصف ظهرها. تضع كريماً على وجهها تلتقي عينيها بعينيه من انعكاس المرآه لينزلها بسرعة عندما ابتسمت له.. ترك وجهها وتركزت نظرته على بطنها عندما تحركت، ابتسم ابتسامة صغيرة يحاول استيعاب فكرة وجود مخلوق صغير داخلها ليشتعل فتيل صغير من الحماس في قلبه وتتسع ابتسامته "وين ردة الفعل ذي يوم كنت عند أمي ولا يعني مكتوبة لي ضيقة الصدر قبل لا أنام!!".
لم يدرك بأنه كان سارحاً حتى سمع صوت قفل الباب ليجدها تقف بالقرب منه بيدها مفتاحه : وش تسوين؟
أدخلت ميداليته في سبابتها وبدأت بتدويره حولها : عشان أضمن إنك ما تطلع الليل مهما صار.
ضحك من أعماق قلبه وهو يراها تحرك حاجبيها بمرح، يبدو أن خالته مشاعل قد أورثت أبناءها هذه العادة : ورب الكعبة مجنونة.
تكلمت مريم بعد أن ارعبتها ضحكته المرتفعة : وش؟
التفت لها ليسحبها قريبًا منه على وجهه ابتسامه غريبة واسعة جدًا يتنهد براحة : يختي أضحك على شعاع ، خبله.
.
.
تقلّب بضيق في فراشه يتوعى من غفوته تدريجياً إلى أن أصبح تمثيل النوم غير مجدي نهائياً..
تأفف يفتح عينيه ليقابله الظلام الدامس يتمدد على ظهره ويضع يده على جبينه .. يرفعها للأعلى قليلا معيدًا بذلك شعره المتعرق للخلف ويده الأخرى تتحسس طريقها حتى لامست أطراف أصابعه هاتفه.. عبس عندما جهره الضوء وعاد يتأفف عندما رأى بأن الساعة لم تتجاوز الثانية بعد منتصف الليل حتى الآن.. حرّك هاتفه يميناً بعد أن فتح الفلاش الأبيض فوضح له وجه عبدالإله النائم واضعاً كفه تحت خده.. حرك الهاتف بسرعه على وجهه ولم يرف له جفن فوضع سبابته على مصدر الفلاش لتختفي ملامح عبدالإله قبل أن يرفعها مجدداً مكرراً الحركة أكثر من مره ولم يرف للنائم جفن .
كان عبدالإله يغرق في نومٍ عميق بعد أن انهكته فعاليات هذا اليوم فهو عندما كان الجميع يأخذ غفوة العصر، كان هو يجالس بشير ابن أبو الزين الأكبر والذي يعمل في الخرطوم ويأتيهم نهاية كل أسبوع.. وفي رحلة الصيد هذه المره كان يرمي بسلاحه غاضباً وكأن عدوه بين مايصيده..
التفت حاكم للجهة الأخرى ليرفع حاجبيه باستنكار عندما وجه الضوء على مكان فهد و وجده خالياً..
جلس على حيله يرتدي تيشيرته قبل أن يخرج من المكان هاتفه بيده. بحث عنه في الساحة أمامه ولم يجده ولكنه عندما شد خطاه لخلف المنزل وجده يجلس على كرسي بلاستيكي بالقرب من المساحة المزروعة الصغيرة التي يزرع فيها أبو الزين بعض الخضار.. يضع ساقه على فخذه وينظر للسماء.
حاكم بهدوء بعد أن صفّر : يسعد لي جوّك ياشيخ..
نظر ناحيته بسرعه ليزفر : ماتعرف تَنحنَح أنت؟
اقترب منه ضاحكاً : وش مجلسك هنا هالوقت؟
فهد بضيق : عجزت أنام وطلعت أشم هوا..
جلس على الكرسي الآخر الموجود بجانبه ليغرق كلاهما في صمتٍ مدقع.. فهد عاد ينظر للسماء فوقه وحاكم يفتح هاتفه في محاوله يائسة لإرسال شيء عبر الواتساب ولكن الإنترنت الضعيف جداً كان بينه وبين ذلك..
التفت فهد لحاكم الذي سأل بعد أن فقد الأمل : ما قلت لي وش مجلسك هنا؟
ليقول مبتسماً : مالقط جوالك للحين؟
تأفف : لأ.. أحس حياتي واقفه وأنا معزول عن العالم..
ضحك : الله أكبر.. عبادي نايم؟
حاكم : وفي سابع نومه بعد هو وعبدالله عديمين الإحساس والضمير.
فهد بنبرة : ما تحس إنه مهوب طبيعي اليوم؟
حاكم بسرعة : إلا والله أنا بديت أشك إن عبدالله يغمى عليه ماينام مو معقول كمية النوم اللي فيه ذي ماخلصت.
ضحك : أقصد عبادي.
بتهكم ضارباً فخذه : آ يالتعبان الحين أنا أخوك من أمك وأبوك صار لي قريب الاسبوع وأنا ماني بطبيعي ولا لاحظت!!
رفع حاجبه بتحدي : لأني عارف وش هي علتك.. أنا أقول إثقل فضحتنا..
حاكم قاصداً كل كلمة حتى وإن كان يتصنع المزاح : ماعاد به ثقل ياخوي خلاااص طااار بح جعله فدا بنت خالد.
رمقه بنظره : احشم وجودي لا تخليني أخرب عليك وأعلم خالي يخسف بك أنت وهي..
ضحك : خلاص يا حبيبي الجادل قدها بكرت العايلة راحت صلاحيات خالك.
ثم غمز : عقبالك..
تلاشت ابتسامته تماماً قبل أن يقول متنهدًا : لا أنا ليلي طويل..
حاكم بمودة : الله كريم يارجّال ما تدري وش مخبي لك الله..
ابتسم بمرارة : على قولتك.
سكت حاكم لا يعرف مايقوله وهو يرى أهداب فهد ترتخي عندما قال وكأنه يحادث نفسه : والله إني ساعات يوم أفكر بالموضوع بيني وبين نفسي أقول وين كان عقلك يافهد يوم تروح وتطلب طلب مثل ذا.. وبنفس الوقت والله ما ألومه لأن لو كنت مكانه وتقدم لبنتي واحد مثلي مستحيل أوافق..
لازال حاكم ساكتًا لا تعليق لديه فؤاده يتمزق على أخيه.. لا يلوم عمه علي -والذي كان لفهد مكانة خاصة في قلبه- ولا يلوم أي أب يرفضه فهذا حق من حقوقهم في النهاية . فهد حرفياً بمثابة روحه قبل أن يكون شقيقه، مكانه بين ضلعي قلبه.. الأقرب له وعلاقتهم استثنائية جدًا فلا قيود بينهم ولا خطوط حمراء مع ذلك في موضوعه هذا بالذات يرى نفسه أحمقاً لا يعرف كيف يتصرف .
لف ذراعه حول رقبته وسحبه باتجاهه يفرك رأسه بقبضته محاولاً التخفيف عنه : شدعوة فهوود الله بيفرجها لا تصير قنوط كذا .
.
.
بدأت تسرد قصة ساندريلا التي تحفظها مريم كما تحفظ اسمها لكن مع ذلك تتفاعل معها وكأنها تسمعها للمرة الأولى.. يقاطعها عزام أكثر من مره محاولاً تخريبها يشعر باستمتاعٍ غريب حتى صرخت به مريم كي يتوقف..
كانت تعطيه ظهرها تتمدد بالمنتصف بينه وبين شعاع المقابله لها ليقول عزام وهو يقربها له : طيب أنا بقول لك قصة حلوة صدقيني بتلاقينها أحسن من القصة المصديّة ذي.
مريم من وراء نفس بعد أن وضعت رأسها على ذراعه الممدود تحته : قول.
عزام : كان يا ماكان فيه أميرة تعيش بقصر...
قاطعته : وش اسمها ؟
عقد حاجبيه بتفكير جدّي : اسمها اسمها مممم اسمها..
شعاع بسرعة : اسمها شعاع.
ضحكت مريم : لا اسمها ميمي.
رفع حاجبه : لا ميمي ولا شعاع. الأميرة اسمها جوجو.
لتقول الإثنتين بنفس الوقت : وعع.
عزام بتهديد : خلاص هدوء ولا ترى والله ما أقول .
عم الصمت إلا من صوته، كان يحكي وعينيه التي لم تختفي خلف شعر مريم المنتفش كباقي ملامحه تنظر لها ، لعينيها التي تنظر له بانسجام -افتتانْ أكثر دقة- تضع كفيها تحت خدها وتسمع قصته بقلبها لا بأذنها.
"أوه نامت ميمي" . قالها عزام عندما شعر بانتظام أنفاس مريم،
لتقول شعاع بسرعة : تكفى كمل.
أبعد شعرها عن فمه : أظن القصة لها عشان تنام ماهي لك..
شعاع برجاء طفولي لم يستطع أن يتجاهله : تكفى عزام عشان خاطري كمل، بس تكفى النهاية تصير حلوة.
ضحك : صاحية أنتي؟
مدت شفتيها بدلال : الله يخليك عااد لا تكسر خاطري.
رفع حاجبيه مستنكرا يتابع أحداث قصةٍ أحداثها وليدة اللحظة، في نبرته ضحكة مستغربة لم تخفى على شعاع التي كان قلبها يطير بين أضلعها من فرط شعورها..
بدأ صوته يخفت ونبرته تتباطئ دلالة على النعاس الذي بدأ يغشاه مع ذلك لازالت عيني شعاع تتأمل وجهه تضم كفيها تحت خدها بحالمية.. حتى بعد أن اختفى صوته تماماً وانطبق جفناه في نومٍ عميق.. لم تبعد عينيها عنه..
كلاهما أمامها يغرق في نوم عميق ، كانت عيناها لاتزال مسلطه عليه كأنه الوحيد في هذا الكون ولو كان واعياً لذُهل من التماعها في إنارة الغرفة الخافتة جدًا..
ابتسمت بأسى وخوف غريب لا تعلم سببه.. تخاف عليه ومنه، وتخشى عليه منه.. اقتربت من إتمام السنة الثانية كزوجةٍ له مع ذلك تجهله تماماً وكأنها لم تعرفه أبدًا. عزام غامض يخفي الكثير وهي كالكتاب المفتوح أمامه كلماته بسيطه لا تعقيد فيها رغم ذلك لم يستطع قراءته أو فهمه.
مدت يدها لتحتضن أصابع كفه المفتوحة أمامها .. تمسح برقة الكون بإبهامها على ظهر أصابعه التي شعرت بها تشد على أصابعها.
.
.
.
.
# نهاية الفصل الثاني
نلتقي قريبًا يوم الإثنين القادم إن شاءالله ❤
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك ♡.
|