لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > قصص من وحي قلم الاعضاء > الروايات المغلقة
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

الروايات المغلقة الروايات المغلقة


 
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 30-12-19, 03:56 PM   المشاركة رقم: 191
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Oct 2018
العضوية: 330628
المشاركات: 159
الجنس أنثى
معدل التقييم: وطن نورة ،، عضو على طريق الابداعوطن نورة ،، عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 176

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
وطن نورة ،، غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : وطن نورة ،، المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: أَحلَامٌ تَأبَى أنْ ’ تَنْطفِئ ،، / بقلمي

 

.
.
.


أتمنى لكم يوم سعيد و قراءة ممتعة مقدما ❤


# الفصل الثالث عشر،،
" خِذلانٌ لَا يكْفيهِ أَسفْ "

.
.
.

كل ما في الأمر أنها، لم تتوقع أن تتهاوى حياتها أمام ناظريها هكذا!
بسهولةٍ دون أي مقاومةٍ حتى، كأنها كانت تتهادى على جناحي فراشة.. ما إن أسرعت في رفرفتها ترتفع مبتعدة، حتى وانهارت تمامًا..
كيف لحدثٍ كهذا ، أن يحدث؟
أن تصل لخط النهاية قبل حتى أن تقطع منتصف الطريق؟
لم يطرأ على بالها حتى، ولا في أكثر أحلامها خيالاً، و سوداوية..

لازالت في البداية، كانت واثقة بأن الطريق أمامها ممهد..
خططت لكل شيء.. كم عددًا من الأبناء ستنجب.. اسم ابنها الأول، ماذا ستفعل إن كانت فتاة؟
ربما توأم، بنت و ولد..
يارب.

كيف ستوقظ حاكم من نومه كل صباح، كيف ستجعل أماسيهم كل ليلة، لن تسمح لأي يومٍ بأن يكون يومًا عاديًا، أن يعبر هكذا دون أن تخلق فيه شيئًا مميزًا يبقى في ذاكرته، يبتسم كلما طرأ عليه.
ماذا ستصنع على الإفطار يوميًا.. أين ستضع الأطباق؟
ربما على طاولة بالقرب من النافذة المفتوحة حيث أنسام الهواء تحرك شاش الستائر الخفيف، سيكون مبكرًا جدًا.. بعد عودته من صلاة الفجر مثلاً، كي لا تفوتها رؤية الشمس لحظة الشروق، تراها تنعكس على وجهه لتُظهره في أوضح صورة ممكنة، مشهدًا تحلف بأنه سيكون أجمل من انتشار النور وتلاشي الظلام في الأفق..

كيف ستستقبله إن عاد من يوم عمل، طويل متعب وشاق.. وكيف ستخبره كل ليلة بكل طريقة ممكنة وبأكثر من لغة، بأنه استطاع وبجداره أن يجعلها لا ترى أحدًا غيره ، في أقل من سنة.

تأملت وتمنّت حتى باتت تتوق لليوم الذي سيغلق عليه وعليها بابٌ واحد تنظر لعينيه دون أن تخشى ملومة لائم..

كان هذا إلى أن رأت عينيه الآن، وسمعت صراخة عليها لأول مره.. وتحول النظرة منه، لسهمٍ ناريٍّ يخترق جسدها من شدة غضبه..

هزت رأسها رغما عنها بانصياع وعينيها تنظر له بهلع.. هذا ليس حاكم الذي تعرف.. هذا وحش كاسر غاضب وساخط ينفث النيران من مقلتيه لتحرق كل شيءٍ أمامها.
دفعها من ذراعها بعيدًا عنه، بقرف ومهانة : اذلفي.. اذلفي من قدامي الله ياخذك..
ثم بصوتٍ مرتفع مجروح من الصراخ : انقلعي الله لا يردك..

فتحت باب سيارته التي كانت كالتابوت لا هواء فيه ولا حياة.. تمشي ناحية باب المنزل بخطى متخبطه سريعة.. وكأنها تهرب منه، لأول مره..
خطى متألمه كأنها تعبر نصل سيفٍ أدمى باطن قدمها.

أغلقت باب المنزل الحديدي الذي ظنت بأنها لن تصله أبداً خلفها، بقوة..
علّ صوته المدوي الذي كاد أن يصم مسمعها يقطع النظرة بينها وبين عيني حاكم التي كانت تنفث النار،، حرفيًا..
نيران حقيقية شعرت بها تحرق أهدابها وروحها التي صعدت تنوي الخروج، لكنها عادت لجسدها، رمادًا هذه المرة..

سحبت أقدامها لباب المجلس الجانبي، بصعوبة وثقل.. تشعر بأنها مسلوبة القوة، منهكة لا طاقة لديها لفتح عينيها التي تورمت من البكاء..
تستثقل هواء هذه الليلة التي تشعر بثوانيها ثانيةً ثانية، تعبر سطح قلبها كالمنشار صعودا ونزولاً.
تحاول جاهدةً أن تكتم عبرتها كي لا تنفجر ويسمعها أهل الأرض جميعًا ويعرفوا ما أتت به، تكفيها نظرات الضابط المستحقره وكأنها لا تساوي شيئًا، كلماته المسمومة في حقها حتى آمنت بأنها أفسدت سمعة قبيلتها كاملة كما قال فعلاً.

فتحت بابه وألقت بجسدها المنهك على جلسته الأرضية بكل استسلامٍ ويأس.. تنزع غطاءها بكامل قوتها حتى كادت أن تنزع شعرها معه.
تتمنى أن تبلل قلبها حتى يغرق، يغتسل من كل شيء ويعود جديدًا خاليًا كما ولدتها أمها..
الإحساس بالألم في تعاظمٍ مستمر، كأن أوتار قلبها المشدودة تتقطع وترًا وترًا، ألم لم تعد تميز مصدره، كأن العالم بأكمله يجثو على ظهرها.

بدأت المخاوف تخترق عقلها كوابلٍ من رصاص، ماذا لو كان يعرف والدها؟ أو رجلٌ قريبٌ من رجال عائلتها؟ التقى بأحدهم في يومٍ عابر..
كيف ستكون نظرته له بين الرجال وهو قد ظن بها أبشع الظنون؟
هل سيضحك ساخرًا يشفق عليه، عندما يراه رافعًا رأسه بشموخ؟

تعرف تمام المعرفة، أن المرأة كلوحِ الزجاج إن كُسر يستحيل أن يعود كما كان، وهي كسرت ظهر أهلها جميعًا حتى وإن كانت بريئة مما لُفق عليها..

وإن كانت نظرة الغريب جعلتها تتمنى لو كانت نسيًا منسيا قبل هذا، فكيف بعيني حاكم التي اُعتمت وكأن شموع قلبه انطفأت؟ نظرة الخذلان والانكسار التي رأتها في عينيه كانت عن مليون نظرة ومليون كلمة..
شيءٌ يستحيل أن تنساه مهما مرت عليها السنين طويلة وكأنها لن تنتهي..

هي تعلم بأنه سيقتنع بأنها طرفٌ مظلوم في هذه القضية،
وربما هو متأكد من أنها كذلك..
بل من المؤكد أنه متأكد من ذلك ، فهو يعرف أي النساء تكون وفي أي بيت كبرت وترعرعت، ولم يفعل ما فعل إلا لأنه مصدوم وما إن تخمد البراكين في صدره سيعود كما كان..
هو الآن غاضب منها جدًا.. جدًا..
ولا يوجد شيء أصعب وأقسى من رجل حر وغاضب.
ربما سيأخذ أيامًا كي ينسى ما حصل ، أشهر ربما كي يسمع منها ما حصل مكذبًا بذلك ماسمع عنها..
لكنه في النهاية سيعود كما كان.. حاكم الذي تعرف، ينظر لها بنفس العينين التي تلتمع ما إن تراها..
تعرف حاكم ومتأكدة من أنه لن يخذلها..

ضغطت بأسنانها على شفتها بقوة حتى ذاقت طعم الدم في فمها.. تحاول أن تمنع ارتعاشها العصي لكن دون جدوى.
تدافعت الشهقات في صدرها حتى أصبح خروجها موجعًا.. مؤلمًا آذاها.. وإن مرّ أحدٌ من أمام الباب المغلق لهرَب فزعًا من صوت النحيب المرتفع في ظلمة المكان..
تتذكر جيدًا كيف كان إنحناء ظهر حاكم أمام الضابط.. ممسكًا ببطاقتها في يده.. كان انحناءً كسيرًا لا يمكن جبره. وشرخًا في أضلعه لا يمكن إصلاحه .

شدت على شعرها تعيده للخلف بعد أن التصقت خصله بخديها المبللين..
تضرب برأسها الجدار الصلب خلفها عل ما حصل يخرج. لازالت تشعر بأنها تعيش حلمًا ستستيقظ منه.. اليوم أو غدًا أو حتى بعد سنة.. المهم أن تستيقظ منه..
المهم أن تستيقظ وتصبح أحداثه نسيًا منسيا..
لا بأس،
سيهدأ.. سيتصل، ربما يعتذر على شكه بها وضربه لها، وإن لم يفعل. فهي تسامحه.

.
.


مرّت على عزام سنوات عمره الأخيرة على غفلةٍ منه، سريعةً بالكاد شعر بها، كالطيف.
لم يعد يعلم على ماذا يقاتل! ولماذا؟ ولأجل من؟
هناك تشتت، نعم..
يشعر بالتِيه، نعم..
يوجد أمل، نعم..
لكن لماذا؟ ولمن؟
لا يعلم..
لا يعرف مع من معركته الأساسية؟ ولماذا يشعر أنه في حربٍ من الأساس؟
لم يعد يعرف أين طريق الخلاص من هذا كله؟
أين هي راحة البال المنشودة التي يسعى لها؟ يسمع عنها تأتي في الثلاثين ، ولم يذقها حتى الآن..

كان آخر عهده بها في ذلك اليوم، عندما هتف في وجهه أحدهم عندما أخذ منعطف الشارع خارجًا من مدرسته.. جامعًا تجمهًرا لعددٍ لا بأس به من المارّه : ياولد الإرهابي.

كان ينوي أن يتجاهله ويمشي فهذه ليست المره الأولى التي يحاول أن يغيظه فيها محاولاً بدء مشكلة، رغم أنه لا يعرفه فالوقح يكبره بسنوات.
لكنها كانت المره الأولى التي يرمي عليه كلمةً كهذه.. وقف مكانه والتفت يسأل عاقدًا حاجبيه : وش قلت؟

ليصرخها مجددًا دون خوف، ومن خلفه مايزيد عن الخمسة من أبناء عمومته وجماعته، وفي المقابل لا أحد يقف خلف عزام : اللي سمعته ياولد الإرهابي، الله لا يرحمه المجرم ولد الحرام.
شعر بالنار تخرج من أذنيه، يندفع بجسده ناحيته ينوي خنقه لكن ثلاثة ممن كانوا يقفون خلفه تقدموا لوجهه، أحدهم يدفعه للخلف بقوة ويشعر بيدي الآخرين تلتف حول عضديه كالسلاسل ما إن حاول التقدم مجددًا، ليصرخ بغضب : تخسى وتهبى ثم تهبى يالكلب، أنت تعرف منهو أبوي قبل لا تتكلم عنه؟

تبدلت نظرته لحقدٍ لم يرى عزام مثله قبلاً، عيناه تلتمع بثقه ويقول : ومين مايعرفه؟ الضابط ذيب بن ساجر النذل اللي خان ديرته وقتل خلق الله بدون حق وبدم بارد.
ثم أردف بتشفي عندما رأى الصدمة واضحة على وجه الآخر : البلا الكل يدري إنه مجرم و واطي و إرهابي فجّر نفسه إلا أنت وأمك ال* الظاهر .

حاول دفع نفسه للأمام، التحرر ممن يقيدونه كي يسحق وجهه لكن دون جدوى، اصطبغ الكون في عينيه بلونٍ أحمر دموي، فصرخ بغضبٍ لا حد له : أمي ماتجيب سيرتها على لسانك الوصخ لا أقصه لك يال*.

كانت أول مره يشتم فيها عزام شتيمةً كهذه, بل لأول مره في حياته يجرب القهر وقلة الحيلة هكذا.. لم يكن إلا شابًا قد بلغ خمسة عشر عامًا قبل عدة أشهر..
لطالما كان مسالمًا هادئًا محبوبًا لا أعداء لديه.. واليوم يقف أمام حقيرٍ ظهر له من العدم ، يشتم أمه ويصف والده بأنه إرهابي!

حاول أن يتحرر مجددًا، يصرخ بأعلى صوته على من هم حوله لكن دون جدوى فالكثرة تغلب الشجاعة..
دفعه أحدهم ليقع على ظهره، يسدد له ركلةً في منتصف بطنه جعلته يئن من قوتها متكورًا على نفسه، يراهم يبتعدون عنه بعد أن رموا في وجهه شتيمة أو اثنتين، دون أن يفعل شيئًا..

.

الأمر سيكون سهلاً إن كان عبدالإله موجودًا، لكنه تخرج من المرحلة الثانوية وأصبح جامعيًا الآن..
هذا مافكّر به عزام عندما دخل دورة المياة ليجد الحقير نفسه يتبعه وكأنه كان ينتظر خروجه من صفه..
التفت ما إن انتصف المكان يتصنع البرود والثقة رغم خوفه : وش مشكلة أهلك أنت؟
ضحك بتهكم وظهر صف لعدد من الأسنان المتراكبة فوق بعضها البعض : وش مشكلة أهلي؟

تابعه عزام بعينيه يقترب في خطاه حتى أصبح يقف أمامه مباشرة، يرمش بهدوء وعدم اكتراث رغم أن داخله يذوب من الخوف، فالماثل أمامه ليس سوى مشكلجي بسمعة سيئة يأخذ السنة الدراسية بسنتين..
ليقول الآخر بعينين ترمي سهامًا من نار : مشكلة أهلي إن أبوك الملعون قتل أخوي يوم فجّر نفسه جعل الله لا يحلله ولا يبيحه.

لم يشعر عزام سوى بيده التي ارتفعت لتلكمه بكل ما أتاه الله من قوة، في منتصف وجهه مما جعله يعود خطواتٍ للخلف يصرخ واضعًا يده على أنفه.. يمطره بشتائم يذكر فيها والدته جعلت عزام لا يرى أمامه، انقض عليه وطرحه أرضًا لا يعلم بأي يدٍ يضرب وقد احمرت الدنيا في عينيه.. يضرب بقوة حتى أدمى وجهه دون أن يكترث لصراخه، ولم يتركه إلا بعد أن دخل أحدهم مفزوعًا من الصراخ الذي تردد بين الجدران ليخرج مسرعاً ينادي الوكيل.
.

لطالما كان جده عبدالله الصدر الصلب الذي يتكئ عليه إن مالت به الدنيا. هينًا لينًا يغرقه بحنانٍ لا وصف له..
لم يغضب منه عندما اتصلت عليه المدرسة تطلب منه أن يأتي، فعزام افتعل مشكلة وتسبب بأضرار لزميله، لم يوبخه حتى بعد أن علم بأنه وقّع تعهدًا وفصل لثلاثة أيام كعقوبة..
حتى عندما سأله ما إن ركب السيارة، كانت نبرته هادئة : ليش؟
ليجيب عزام لازال صدره يرتفع وينخفض من الغضب : لأنه قهرني.

لكنه الآن يقف أمامه غاضبًا بعد أن صرخ في وجه والدته وخرج من عندها يعبره باكيًا.

كان عزام يختبئ في مجلس النساء قبل أن يجده جده.. يدفن وجهه بين الوسائد ولم يبدي أي استجابه عندما سمعه ينادي باسمه، لكنه لم يستطع تجاهله بعد أن أصبح واقفًا قريبًا من رأسه يقول بنبرة حادة : قم يالرخمة.
رفع رأسه يمسح دموعه بكم ثوبه، لم يقدر أن يرفع عينيه عن الأرض وهو يسمعه : امسح دموعك و أرفع راسك أشوف..
ما إن التقت نظرته الدامعة بنظرة جده حتى قال الآخر ونبرته لانت قليلاً : لا عاد أسمعك ترفع صوتك على بنتي.. فاهم؟
ابتلع ريقه، يهز رأسه بانصياع ويعاود خفض بصره..
ثم اعتدل جالسًا ما إن جلس بجانبه جده.. يزفر ملتزمًا بالصمت لفترة، إلى أن قال عزام يقطع الصمت الثقيل : ماكان قصدي أرفع صوتي عليها.
عاد الجد يزفر.. يرتب كلماته قبل أن يقول : فوق ما إنك رفعت صوتك قعدت تبكبك قدامها، والحركات ذي مهيب حركات رجال أبد.
شد شفتيه كي لا ينفجر باكيًا : آسف.
رقّ قلبه ما إن سمع ارتعاش صوته ، فقال بحنو واضعًا كفه على رأسه : أمك مالها غيرك أنت سندها بعد الله ياعزام أنتبه تشوفك منكسر وضعيف. كانك تبي تصيح، صيح يابوك ما يخالف لكن مهوب قدامها لأن دمعة الرجال منّا ما تنزل إلا لاصارت همومه تهد جبال.
هز رأسه مجددًا يفرك عينه بيده، وكأنه يخشى من أن تخونه دموعه.. : أبشر.
عم الصمت لثواني بعد قوله هذا.. إلى أن قال جده عبدالله بتوجس : والحين يوم إنك هديت، علمني من المخطي، أنت ولا هو؟
عزام بإنفعال : هو الله يحرقه .
عبدالله : وش مسوي عشان يقهرك؟
تأججت أنفاسه مجددًا، وتكدست الدموع على سطح عينيه ليقول : يقول إن أبوي إرهابي.
ثم سقطت، ليسأل بعبرة : هو أبوي صدق إرهابي وقتل أخوه يبه؟
حاول عبدالله أن يتحكم بتعابير وجهه، ونبرة صوته. واستغرق ذلك دقائقًا ليقول بعدها بثقه : يخسى ويعقب أسود الوجه، الله يقص لسانه.
عزام بشهقاتٍ متتابعة : أبي أروح مدرسة ثانية يبه..
عقد حاجبيه بحزم، يقول بقوة : خايف منه يالرخو؟؟
تردد كثيرًا، لكنه في النهاية قال : منيب خايف بس ماعاد بي حيل أشوفه واسمعه في كل مره يناديني ولد الإرهابي وسط العيال..
ليقول جدّه بعدم تصديق لازال عاقدًا حاجبيه : وأنت مصدق كلامه الفاضي؟
ثم أردف عندما لم يجد ردًا : المفروض ثقتك بأبوك أكبر من كذا ياعزام، ماتصدق فيه شي حتى لو شفته بعيونك..
لم يجد أي استجابة منه، فقال بضيق يبعد يده عن رأسه : أفا بس أفا والله ماكانت الهقوه بك كذا ياولد ذيب !!!.
عزام ياولدي أنت ما تقدر تمسك ألسنة الناس وتمنعهم من الكلام عليه، بس تقدر تقفل أذانك عن اللي ينقال في حقه، ربي جعلهم تطهير له يتكلمون فيه ويخففون ذنوبه حتى وهو بقبره، مهوب عشان تضيق أنت.
توك بأول عمرك وبتسمع من الهرج واجد إلى إن يشيب راسك إن قعدت مرخي إذنك لهم كذا منت بخالص وبتموت من الغبنه وبتضيع ولا أنت دال طريقك أبد..
ثم لف ذراعه حول كتفه يقربه من صدره يقول بحنو : خلك ذيب مثل أبوك متوقظ تخافك الجن ولا تخاف أحد، القوة القوة لا بارك الله بالضعف.
تقوست شفتيه يقول بعبرة : ليت الميت يرجع ياجدي.
.

عم الصمت لثواني بقى فيها بسام ينظر للجالس أمامه بقلق.. يرى صدره الذي بدأ يرتفع وينخفض بوضوح محاولاً إلتقاط أنفاسه الثقيلة، يقف ويدور حول مكتبه ليجلس على الكرسي الآخر أمامه.. يفتح قارورة ماء صغير موجودة على الطاولة ومدها له : اذكر الله يارجال.. خذ أشرب شوي.
أخذها منه، يشربها دفعةً واحدة قبل أن يسحقها في قبضة يده.. يضغط على صدره بيده الأخرى وكأنه يمنع ألمًا من أن يتفاقم وينتشر .
ليسأل الآخر مربتًا على فخذه بقلق : عزام تب..
تهدجت أنفاسه، ينظر له بعينين كالزجاج وعِرق برز في جبينه.. يقاطعه : وش اسمه؟
ليعقد بسام حاجبيه : منهو؟
عاد يبتلع ريقه بصعوبة يشعر بالأمل الصغير في قلبه يحارب على البقاء : اللواء اللي تعرف عليه و وقع أوراق الوفاة؟..
فتح الورقة بعد أن مد يده وسحبها ، يقرأ مافيها رغم أنه يحفظه غيبًا، يأخذ نفسًا عميقًا، يسفطها ويضعها على الطاولة الصغيرة بينهم، ثم ينظر لعزام ويقول بهدوء : اسمه..
ساطي بن ساطي بن فلاح.

تسارعت وتيرة أنفاسه، يعقد حاجبيه والاسم رنّ جرسًا قريبًا من أذنه، ليسأل بشك : مين؟
بسام : ساطي بن فلاح.. لواء متقاعد من عام ٨٧ تقاعد مبكر وطلع برى الديرة بعدها.
خرجت حروفه دفعةً واحدةً مع أنفاسه : والحين؟
حرك رأسه ينفي بأسف : مافيه معلومات عنه .
فرك جبينه بضيق يشعر بصداعٍ مفاجئ يكاد يفجر دماغه : حي ولا ميت؟ وين ممكن ألقاه؟

عقد بسام حاجبيه : قلت لك مافيه معلومات عنه. آخر معلومة كانت يوم سافر في ١٣ ديسمبر وبعدها ولا شي، شكله كان خروج بدون عودة.. وكأنه فص ملح وذاب.
سكت لثواني قبل أن يقول بضيق : طيب شوف أهله أو أحد من معارفه.. أي شي يا بسام ممكن يفيدنا.

انتبه عزام لوجه الجالس أمامه عندما تقلبت ملامحه بضيق وعدم رضا.. ورغم أنه لم يتفوه بكلمه إلا أن عزام فهم كل ذلك لذا قال يبتسم ابتسامة اعتذار فقد أثقل كاهله : اعذرني يا بسام أدري أشغلتك..
بسام : مهيب قصة اشغلتني بس ياعزام...
لم ينطق بها وفهمها الآخر، بكل وضوح .. مد يده يعبر الطاولة الصغيرة بينهما يربت على ركبته : ماقصرت بيض الله وجهك، فزعتك ذي مستحيل أنساها.
وقبل أن يبعد يده، أمسك بسام بمعصمه.. ينظر له بتردد قبل أن يقول : أعطيني كم يوم و أبشر بسعدك.. لكن اصبر علي شوي.
ابتسم بامتنان : جعلني ماخلا منك يا أبو علي..

بعد نصف ساعة بقى فيها مع بسام يتناسى موضوع والده وساطي وما بينهما ويركز في قضيته الأساسية، خرج من المبنى رافعًا يده ملوحًا لبسام الذي وقف أمام باب سيارته : نشوفك بكره.
ليجيب بسام بابتسامة يفتح باب سيارته : على خير..
ثم أردف ممازحًا : انحش ياغزال قبل لا يشوفك أحد.

ضحك بسخرية وخطى خطواتٍ واسعة حيث سيارته التي أوقفها في الشارع الخلفي.. يركبها وينطلق بها لبيته بعد يوم ظن أنه لن ينقضي.

كانت المسافة من سيارته لباب منزله طويلة بما يكفي لأن يراجع ما حصل. يكرره في جمجمته الفارغة بعد أن عبث الصداع بدماغه، إلى أن أصبح سماع المعلومات بصوت بسام شيئًا لا يُطاق.
تجاهل كل ذلك، أيقنط الآن وله ربٌ كريم؟ ابتسم وهو يستشعر لطف الله به ورحمته بقلبه، فلا ينطفئ الأمل بداخلة إلا ليشعله مجددًا..
شعلةً لا تنطفئ هذه المره..
فهذه المره هناك جوار وزوجته و والدها، وسيعرف ما يريد رغمًا عنهم جميعًا..

فتح باب المنزل و وصلته الأصوات المرتفعة على غير العادة فالوقت اقترب من منتصف الليل.. شيء غير اعتيادي في يوم عمل..
عاد خطوة للخلف يهتف بصوتٍ مرتفع : ياولد..
ليصله صوت والدته : تعال أبوي مابه غريب..

دخل عاقدًا حاجبيه من استحالة أن يكون مصدر هذا الإزعاج والدته وشعاع فقط.. لكن سرعان ما انبهجت أساريره و أنفرد حاجبيه ما إن رأى المتواجدين بالصالة ليمحي وجودهم تجهم ملامحه : ياهلا والله ومرحبا..

اقترب حتى وصل لهم لازال يهلّي ويرحب ، خالته مشاعل وابنها ذيب الجالس بجانب والدته بشكلٍ لصيق وكأنها تخشى من أن يفرّ منها.. و عبدالإله وشعاع الجالسة بجانبه على الأريكة الأخرى.. كانت الصالة تنطق دفئًا لا حد له لدرجة أنه شعر به ينتشر في أضلعه الباردة..

كان سلاما خاصاً سلّم به على ذيب هذه المره.. يلف ذراعه حول كتفه ويقربه من صدره مربتًا عليه بخفه تحت استغراب الآخر الذي رفع نظارته بطرف أصابعه عندما كادت أن تقع.. يقول بين تربيتاته : حي ذا الشوف ياحيّه، وش أخبارك ذيبان؟
ذيب : بخير جعلك تسلم.

ابتعد عنه، يسمع الاستغراب بصوته لكنه أحسّ بأن روحه تحتاج لعناقٍ كهذا لمن يحمل اسم والده علّه في يوم يحتضن ذيب الذي يفتقد تواجده في حياته رغم أنه لم يحضى بثانيةٍ واحدةٍ معه.

رفع ذيب حاجبيه مستنكرًا من سلامه الحار نوعًا ما رغم أنه التقى به قبل يومين في عشاء فهد، يتابعه بعينيه عندما انحنى مقبلاً رأس خالته صيتة، يسألها عن حالها وتجيبه الأخرى قبل أن يقف أمام والدته التي لم تدع له مجالاً وباغتته بعناقٍ كاد يخنقه، تقول ممازحة : الساعة قدها ١٢ يالسرسري وينك للحين؟
ضحك بمودة : العذر والسموحة ياخالة ما دريت أنكم جايين ولا كان ماخطيت خطوة برى البيت.. مير أنا قايل استساع صدري يوم قربت من الحارة أثاريك ياقلبي السبب..
مشاعل وهي تراه يبتعد عنها، يضرب كفًّا بكف مع عبدالإله اللاهي بهاتفه منذ أن جلس، ثم مربتًا على رأس ابنتها قبل أن يجلس بجانبها : العب علي بكلمتين حلوة يا ولد صيوت، خلاص مسموح.

جلس بجانبها، قريبًا جدًا لدرجة أنها شعرت بكل عضلة من عضلات عضده تلتصق بعضدها.. لازالت تحت تأثير تربيتته الحانية على رأسها، وكأنها انتقلت لنطاقٍ آخر غير الذي كانت فيه.. تسمع صوته بعيدًا يتحدث مع والدتها.. ثم بأحاديث أخرى عبرت مسمعها كغرغرة الماء..

ابتسم عزام وهو ينظر لذيب الذي كان يدير دفّة الحديث بنبرة هادئة بطيئة كعادته، كمن يملك كل الوقت وكأن لا شيء خلفه ليستعجله ..
يرفع يده لاشعوريًا، ويضع ذراعه على حدود الأريكة خلف شعاع لتلمس أطراف أصابعه الجزء المكشوف من عضدها.. يتمنى أن يحكي لها ما حصل معه، وأنه وأخيراً وجد شخصًا رأى شيئًا بعينيه.. هو ممتنٌ لها بطريقة أو بأخرى فهي الوحيدة التي صدقته وأيدته، حتى أنها شجعته عندما اتهمه البقية بالجنون.

وإن كانت شعاع انتقلت لنطاقٍ آخر غير الذي كانت فيه بسبب تربيتته الحانية وجلوسة بجانبها فقط.. فهي الآن تعدت كل ذلك وأصبحت في كوكبٍ آخر غير الذي كانت تسكنه، تشعر بنقرات أصابعه بكل رقّه على عضدها وكأنه يعزف لحنًا..

استمر الحديث لفترة كانت كافية لتخدّر خلاياها تمامًا.. تشعر بانفراد عضلاته وانكماش أضلع جانبه في كل مرّةٍ يضحك فيها أو يسعل.. هذا غير رائحة عطرة الثقيلة وكأنه تعطر به للتو..

ذيب : خلاص يمه هذا عزام جا وأخذتي أخباره، نقدر نمشي الحين؟
مشاعل بعد نظرة سريعة لساعة معصمها : ولو أنه ماطاب خاطري للحين بس سرينا تأخر الوقت، شعاع هاتي عباتي.

لم تتحرك شعاع، ولم تبدي أي حركة تدل على أنها سمعت شيئًا مما قالت، فهتفت مجددًا وهي ترى نظرة ابنتها الزجاجية وكأنها في دنيا أخرى : بنت، تسمعين؟

وعَت عندما توقفت أصابع عزام عن الحركة، يضربها بخفه بكتفه الذي أصبح خلف كتفها -بقدرة قادر- وكأنه ينبهها.. لتقول بسرعة : سمّي يمه وش بغيتي؟

رفعت حاجبيها ما إن انتبهت لوضعيتها و وضعيته، ثم أدارت رأسها حيث تجلس صيتة لتجد أنها لاهيه بذيب وقصصه.. و عبدالإله منذ أن جلس لم يكن عقله معهم أبداً لذا قالت بابتسامة مستنكرة : عباتي..
وقفت كالملدوغة : ابشري..

شعر عزام بالبرودة تلفح جانبه بعد أن ابتعدت عنه، بدون مبالغة.. فاعتدل جالسًا يتنحنح : بدري ياخالة .
مشاعل : بدري من عمرك حبيبي حنا هنا من المغرب خلاص يكفي هياته.
عزام بابتسامة : العروس ماجات معكم أجل؟
تابعت ابنتها تأتي ناحيتها إلى أن وقفت أمامها، لتقف تأخذ عباءتها تقول بضيق : لا الله يصلحها ويهديها رايحة بيت صديقتها مسويه لها حفلة، والله هواش أنا وياها ومامشى إلا اللي تبيه بنت خالد.
صيتة بمودة : مايخالف خليها توسع صدرها، الجادل عاقلة ماينخاف عليها.
شعاع بابتسامة وعينيها لاحظت عبوس والدتها منذ أن أتت : كل البنات كذا يمه مافيها شي لازم حفلات وحركات وهدايا وتصوير..
ليتابع ذيب : بروتوكولات يمه وسخافة بنات .
هزت رأسها بعدم رضا لازالت تشعر بالضيق رغم أن الجادل اتصلت عليها قبل أكثر من ساعتين تخبرها بأنها عادت للمنزل، لكنها لمست شيئًا غريبًا في صوتها توقعت أنها مستاءة بسبب عودتها المبكرة : إلا حركات قرعى وأنت الصادق.

عبدالإله ممازحًا : الله أكبر يالعقل اللي نزل عليك!! نسينا يامشاعل يوم كنتي تربطين الجاكيت على خصرك وأمي الله يرحمها تمسح بك البلاط؟
ضحكت تتذكر تلك الأيام جيدًا وتحن لها كثيرًا : الله يجعلها في عليين ويغفر لها كثر ماكنت مطلعه عينها.. دينها ودين الحركة الصايعة ذي على قولتها.
ثم التفتت تنظر له : اوه ماشاءالله أنت معنا بالصالة؟ زين اللي سمعنا صوتك.
ليقول ضاحكًا : شدعوة..
صيتة : وهي صادقة من قعدت وعينك بجوالك ماهي عوايدك! عسى ماشر؟

وقف عزام مقاطعًا : تمسون على خير أجل أنا برقد..
ثم تحرك من مكانه متجهًا ناحية الدرج يرمي تعليقًا في طريقة : اللي شاغله بالك تتهنى به ياعبادي..
ثم أردف يوجه نظرته للواقفات بجانب بعضهن : زوجوه يعقل ياخواته.
عبدالإله : نقطنا بسكوتك أنت..
ضحك يتعمد إغاضته : لازلت عند رأيي،
أنت... لازم... تتزوج...
عبدالإله بعبوس : تعرف وين تحط رايك..

تعالت ضحكته يشاركه ذيب وشعاع.. على عكس صيتة التي لم تفهم مقصده.. ولا حتى مشاعل التي كانت تنوي لف طرحتها لكنها جلست على الأريكة عوضًا عن ذلك لازالت قطعة القماش بين يديها، تقول بامتعاض : وين تبيه يحطه إن شاءالله ؟ وهو صادق تحسب إني ناسيتك لين الحين ما فتحت معك الموضوع؟ لالالا يا حبيبي أنا أنتظر أخلص من الجادل وعرسها والتفت لك، جهّز نفسك وجمّع قريشاتك يمين بالله إن تعر..
لكن عبدالإله قاطعها عندما قفز يركض باتجاه الدرج : أقسم بالله ما أخليك يا عزام،، تعال يالتعبان تعال.

رمشت مشاعل أكثر من مره بصدمة بعد ضحكة عزام المفزوعة الأقرب للصراخ وركضه للأعلى بسرعة فائقة كأنه يطير.. يتبعه عبدالإله بنفس السرعة : يالله صلاح العطا إذا ذا الشيبان كذا أجل ماعاد أشره على هزاع.
لتقول صيتة ضاحكة : والله أنهم ملح البيت الله لا يخليني.

لكن مشاعل لازالت في صدمتها..
صدمتها بعزام -إن صح التعبير- الرزين المعروف بثقله وتكانته، فهي معتادة على نوبات جنون شقيقها وكأنه لازال في بداية عمره ليس رجلاً قارب الأربعين، لكن عزام كان شيئًا جديدًا عليها تراه لأول مره، لدرجة أنها وضعت يدها على رأسها بذهول ما إن سمعت الضربات العالية على الباب وصوت عبدالإله يصرخ مهددًا عزام كي يفتحه وإلا سيندم..
لترفع من صوتها حتى غطّى صوته : والله يا عبدالإله والله وباسم الله إن تعرس وهذا أنا حلفت يالمهبول..
ثم أردفت تلف غطاءها على رأسها : مشينا ياذيب لا يطيح السقف علينا..
شعاع بنبرة ضاحكة : ياعمري أمي انصدمت..
وقف ذيب ليقول ساخرًا : مهيب متعودة على الازعاج خبرك مانتكلم في بيتنا غير بالهمس.
رمقته مشاعل بطرف عينها : تتريق ياولد أمك؟
لكن صيتة لم تدع له مجالاً للرد عندما قربته منها تحتضن أكتافه تقول بنبرة تغرق بالحب : وهو صادق جعلني قبله,, اللي يشوفك يقول ماقد سمعنا صراخك على هزاع، والله ما دمر سمع الشيبان غير صوتك !


تفرقت كل من صيتة وشعاع ما إن وصلتا للطابق العلوي، كلاً لغرفتها ما إن أغلقتا الباب خلف مشاعل وذيب..
كان الهدوء يسود المكان بشكلٍ مريب مما جعل صيتة تخمّن : شكلهم هجدوا الله يصلحهم.
لكن شعاع التي عادت الخطوات التي مشتها خالفتها، تقول وعينيها تلتمع بشغب وضحكة فرت من بين شفتيها : أو تذابحوا ، الله يستر ..
ضحكت : الله يخليكم لي والله أنكم ماليين دنيتي.
تكرمش أنفها بتأثر وهي ترى التماع عينيها بعد الذي قالت، تقترب منها وتضمها بدلال يليق بها تدلل معه نبرتها : ياويل حالي ياناس، حبيبة قلبي أنتِ ياخالة.
ثم قبلت خدها تهمس وهي تتأمل ملامحها : بروح أنام ياحلوو وأشوف وش سوا أخوك بعزام، حبيبي انقطع حسّه مره وحده.. تبين شي؟
لتجيبها صيتة : أبد سلامة عمرك.. نوم العوافي واللحاف الدافي.
ضحكت وهي تبتعد : ولك كذلك.. تصبحين على خير.

ابتسمت وهي ترى عبدالإله لازال يقف عند باب غرفتها، يشير لها أن تصمت عندما فتحت فمها تنوي الكلام..
إلى أن اقتربت تقول بخفوت : أنت للحين هنا؟
عبدالإله بنفس الخفوت : خلي التيس يفتح الباب.. مقفله بالمفتاح.
شعاع : خلاص ياخوي سامحه عشاني.
لكنه لكم كتفها يهمس بغيظ: أقول لا يكثر ودقي الباب دقوا لحيك أنتِ وياه.
شعاع بنبرة يائسة خالطت ضرباتها الهادئة على الباب، تدلك مكان لكمته بيدها الأخرى : يالله لك الحمد والشكر أقسم بالله مبزره.
وصلهم صوت عزام بعد ثواني : مين؟
لتجيبه تضحك، وهي ترى عبدالإله يقلده ساخرًا : أنا.. افتح الباب.
عزام بنبرة : وش كلمة السر؟ ههه أمزح أمزح..
ثم تابع : عبادي معك؟
رفعت قدمها ما إن ضرب عبدالإله ساقها بيده، يسحب بعد ذلك شحاطتها المنزلية قبل أن يعاود الوقوف.. لتقول باستنكار لم تعد تعرف سببه، تاهت بين عزام واستظرافه وبين ماينوي عبدالإله فعله.. : لأ .

فتح الباب واندفع بقوة في وجهه قبل أن يستوعب أو أن يرفع يده من على القفل حتى، ليدخل عبدالإله واضعًا كفه على عنقه مرجعًا بذلك جسده للخلف تحت ضحكته المصدومة، إلى أن اصطدم ساقيه بالسرير ليسقط واقعًا عليه.. يشد يديه حول معصم عبدالإله الذي ضغط بركبته على بطنه بقوة ليخرج صوته مندفعًا : أذكر الله خلينا نتفاهم يارجّال .
عبدالإله بإنفعال : وش نتفاهم عليه يالسلقة؟.
تعالت ضحكاته : لا تكبر الموضوع والله إني أبيلك الخير يا خالي.
حاول عبدالإله تحرير يده من قبضته، قائلًا بغيظ : جعلك ماتكبر وش بيفكني من مشاعل الحين وأنت خليتها تحلف ياغبي!!
ليقول عزام يصرخ ضحكته بعد أن نجحت أصابع عبدالإله بشد مقدمة شعره : اسحب عليها يارجال صدقني بتنسى ماق...
ثم صرخ يقطع كلمته ، محاولاً دفعه ما إن شعر به يزيد من ضغطه : شقيت كرشتي يالخرتيت قم قام عصبك..

كانت شعاع لازالت تقف مكانها قريبًا من الباب، تنظر لهم ولتعاركهم باستمتاع وتحمد الله على وجود عبدالإله والذي بسببه -حتى وإن كان يبالغ بتصرفاته قليلاً- تستطيع أن تسمع ضحكات عزام المرتفعة هذه..
أغلقت باب دورة المياه خلفها وكان آخر ما سمعته هو صوت عزام الذي قال بصعوبة بسبب قهقهته : لاا لا يرحم أهلك إلا الزنوبة..

.

استفاق عزام صباحًا بمزاجٍ رائق، يشعر بذلك ويعيشه.
طرف شفتّه الأيسر يرتفع بابتسامه صغيرة،، يقف أمام مرآة الخزانة يغلق أزرار ثوبة الشتوي الرصاصي الداكن..

ركلت شعاع الباب بقدمها ليُفتح على مصراعيه، بعد أن استعملت كوعها لتحريك مقبضه؛ تحمل بين يديها صينية الإفطار التي أعدتها لها ولعزام الذي رفع رأسه ما إن دخلت، يجلس على طرف السرير يرتدي جواربه بملامح مسترخيه وشبح يبدو كابتسامة طفيفة جعلت شعاع تتساءل من أين أشرقت الشمس هذا اليوم!!

تابع اقترابها، تهتف بنبرة رائقة، فهو ما إن عاد من صلاة الفجر حتى وارتمي على السرير يكمل نومه بينما هي لازالت على سجادتها تصلي : صباح الخير..
عزام وهو يراها لاتزال ترتدي بيجامتها رغم أن الساعة اقتربت من السابعة والنصف صباحًا، تضع عليها روبًا شتويًا قصيراً حد ركبتيها، زهري اللون ذكره بزبادي الفراولة الذي تأكله مريم دائمًا.. دون أن تربطه وتجمع شعرها بتراخي في ذيل حصان : صباح النور، غريبة مبردة ماعندك دوام؟
شعاع بابتسامة : بدت إجازتي السنوية ولله الحمد، أبي أريّح قبل عرس الجادل والتفت لنفسي شوي ..
ثم جلست أرضاً على السجادة في منتصف الغرفة تضع ماكان معها أمامها : تعال أفطر .
انصاع لما قالت وجلس يقابلها، تفصل بينهم الصينية، يقول ممازحًا : فكري بجدية بموضوع بزنس الطبخ.
ضحكت تحرك السكر في كوب الشاي ناحيته : اللهم إني أعوذ بك من سوء المنقلب،، الحين بعد ريحة الدراهم تبيني أقابل ريحة الكشنة والبصل.. لا حبيبي تشكرات.
رفع كوبه لفمه، يقول بابتسامة مشاكسة قبل أن يرتشف منه : قلعتك.
مما جعلها تقول بتوجس : رايق اليوم ماشاءالله!
عزام : قمت مستانس ادعي بس إن اللي أبيه يتم..
ضوقت عينيها : وش اللي تبيه؟
ضحك : لا تم قلت لك..
لتقول رغم أنها تعلم بأنه لن يتفوه بحرف : مايخالف قوله الحين أبي أعرف....
ثم أردفت ما إن رفع كِلا حاجبيه قاصدًا "إنسي" . : عبادي يدري عنه؟
عبس يبلع لقمته : لا تجيبين طاريه التعبان، طبعة شحاطتك للحين بظهري.
ضحكت رغمًا عنها : بسم الله عليك، أنا الحين أروح وأصفقه لك لين مايخيب ثناه ..

لا تعلم لماذا طرأ عليها وهي تسمع ضحكته الهادئة ، أنه ينوي أن يضع فوقها امرأة أخرى.. تفكير أحمق من ابليسها الأحمق فقط كي يجعل الشك يعبث بها..
لذا عادت تسأل بإلحاح فإن كان هذا ماينوي عزام فعله حقًا ويتمنى أن يتم، وقد أخبر عبدالإله -بحكم أنه يخبره بكل شيء- عن نيته هذه، فالآخر يستحيل أن يسكت له : عبادي يعرف؟
ليقول بعد أن شرب المتبقي من كوبه، يضعه ثم يقف : لأ.

ولم تدرك بأنها كانت تكتم أنفاسها إلا عندما خرجت دفعةً واحدة، بعد رده هذا..
.

أوقف عزام سيارته كعادته بعيدًا عن المبنى ذو النوافذ العاكسة، يخفض رأسه متصنعًا التلهي بهاتفه.. إلى أن دخل للمبنى بعد أن رفع بطاقته.

اتجه لمكتب بسام مباشرة، رغم أنه كان ينوي أن يدع الرجل المسكين يتنفس قليلاً بعيدًا عنه، لكنه اضطر لأن يلجأ إليه ما إن ذهب لمؤسسة أبو عارف كي يسحب الإجابات من فم جوار سحبًا، بالطيب أو بالغصب.. لكن المخطط تغير تمامًا عندما لم يجده.

قرَع الباب بنغمٍ معين، يفتحه ويجد بسام يضع رأسه على ذراعيه فوق المكتب،، ثم يغلقه خلفه وهو يسمع شخيره..

وهاهو الآن يجلس على الكرسي أمام مكتبه.. يدلك كفه الذي كان سيكسر عندما اقترب من رأس بسام النائم، يأخذ منديلاً ويبرم طرفه يقربه من أذنه ويدغدغه به، ليقفز النائم بذعر يمسك بيده بقوة ويلوي ذراعه خلف ظهره، ثم يدفعه للأمام إلى أن التصق خده بالحائط أمامه.

عزام بتبرم : عويذ الله من شرك الواحد مايمزح معك!
ليقول بسام باستياء بعد أن أفسد قيلولته : أنت المفروض اسمك تأبط شرًا مهوب عزام، مرجت قلبي حسبي الله عليك..
ضحك : حقك علينا ياخوي خلاص أفرد وجهك سديت نفسي.
رمقه بنظراتٍ ناقمه، ليردف عزام : أدري إن الاجتماع بعد المغرب بس.. .
قاطعه يقول متثائبًا : أنت ماتدري إنه تأجل؟
عقد حاجببه : لا والله محد قالي،، ليه ؟
قوس شفتيه بتفكير : فيه شي صار الصبح بس محد يدري وشو، الله العالم إنه بين أبو هيثم واللواء راكان.
زم شفتيه واستوت ملامح وجهه : طيب؟
رفع كتفيه : بنقعد حاطين يدنا على خدنا إلى إن يقرر أبو هيثم.

ضرب بأصابعه على سطح المكتب، بشرودٍ كأنه يرتب أفكاره قبل أن يقف من مكانه يدور النصف استدارة حول المكتب ليقف خلفه بجانب بسام الجالس : طيب فيه كم اسم أبيك تشوف وش وراهم..
بسام بتهكم : ليه أحسك منت حول القضية ذي؟
ابتسم له بضيق : هم أبعدوني، لاتنسى قدام أهلي أنا معفي.. لكن يشهد الله إني كل ما اختليت بنفسي مسكت أوراقها بس عجزت أوصل لشي، فيه حلقه مفقودة.
لكن بسام لم يصدق تلككه، ولم يحاول أن يخفي ذلك من نبرته عندما قال : غير ساطي من تبي؟

هناك الكثير،، لكن كبداية وحتى لا يفزع بسام،
يريد أن يعرف مايخفي جوار فهو بالتأكيد رجل ناقم على الدولة بعد إعفائه..
ساطي وابنته ويكره الاعتراف بذلك، لكنه يشعر بأنهم أقرب لأبيه منه..
وأخيراً من كلفّه بمهمة متابعة عمل أبو عارف وجوار،، اللواء راكان.. منذ أن تعيّن كضابط إلى أن مسك منصبه.
.
.

كانت غادة في غرفتها، تقف أمام التسريحة تتفقد مشترياتها بعد أن عادت من أحد الأسواق..
رغم أن النيّة كانت أن تجد فستانًا لأختها أميرة كي تحضر به زفاف حاكم بعد أن حرصّت سارة على والدتها بأن تأتي بجميع بناتها وإلا ستأخذ بخاطرها منها..
لكنها عادت من المشوار الذي امتد لثلاث ساعات بكل شيء، إلا فستانًا لأميرة.

فتحت تغليف أحد العطور ورشّت منه القليل في الهواء ومعصم يدها التي رفعتها قريبًا من أنفها، تستنشقه بعمق وابتسامة رضى من رائحته الباردة لاحت على وجهها.. لكن سرعان ماتبدّل كل هذا وتلاشت الابتسامة الراضية ولمعة العينين المعجبة عندما بدأت تشعر برعشة قوية في أطرافها كادت أن تقع بسببها علبة الزجاج أرضاً. وغادة بعد أكثر من خمسة وعشرون عامًا من المعاناة باتت تعرف جيدًا ماذا سيأتي بعد هذا..
وضعته بصعوبة على التسريحة تحاول أن تنظم أنفاسها كي لا تهلع، ثم تتحرك بثقلٍ واضح وخوف من أن تسبقها النوبة قبل أن يستقر جسدها على سطحٍ مستوي..

كانت وكأنها تسابق الزمن، خوفها الأكبر من أن تسقط واقعةً من طولها على الأرض وتصاب بالأذى.. تمامًا كما حصل عندما كانت في العاشرة من عمرها، تقف أمام سبورة امتلأت بالمسائل الرياضية عندما فقدت القدرة على كل شيء و وقعت من طولها كقطعة قماش ..

لا تنسى تلك الواقعة أبدًا فبسببها تم حلاقة مكان الجرح في منتصف رأسها، وتمت خياطته بخمسة غرز أصبحت كالندبة الدائمة، لا تزول.. وكأنها بقت لتذكيرها كلما لمست بروزها وخلوها من الشعر، الهمسات في ممرات المدرسة، وابتعاد الجميع عنها ظناً بأنها ملبوسة فصراخها واهتزاز جسدها بعد سقوطها وإن كنّ زميلاتها بالصف بالغن بوصفة، كان مرعبًا وشيئًا صعبًا على الأرواح الصغيرة تقبله..

نجحت ، ولم تسعد بنجاحٍ كهذا في حياتها أبدًا..
كانت أسرع من الكهرباء التي تنوي أن تسري في جسدها دون أن تدع خليةً لا تعبرها.. تتمدد على سريرها بصعوبة وهي تشعر بتصلبٍ في أطرافها، تسحب وسادة صغيرة ملقاه بجانبها، وتعض عليها بقوة كي تمنع أي صوت مرتفع يمكن أن يخرج من بين شفتيها دون أن تشعر، تحاول ألا تصاب بالهلع أو تبكي وتدعو الله أن تكون هذه النوبة خفيفة لا تستنزف طاقتها كاملة..

هناك شيء في نفس غادة لا تبوح به لأحدٍ أبدًا.. لا تهوى الحديث عنه أو التفكير فيه وتتهرب منه ما إن تشعر بأنها ستدخل في دوامته المظلمة حيث يصبح الخروج منها شيئًا مستحيلاً..
تؤمن بأن هذا ابتلاء من الله وتحمده ألف مره على ذلك، فلا يُبتلى العبد إلا من حب الله له.. والله يحبها وابتلاها لاختبار مدى صبرها وتحملها.
لكنها أحيانًا تضعف، تتساءل بينها وبين نفسها، لماذا هي من بين كل البشر يحصل لها شيءٌ كهذا؟ لما لم تخلق طبيعيةً حالها كحال غيرها لا تشكو علّه؟ لا تنقبض عضلاتها وترتخي بشكلٍ متتابع ومؤلم وقوي دون أن تتحكم بها.. لماذا هذه الكهرباء اختارت جسدها هيَ لتسري فيه؟ تضرب كل خليةٍ إلى أن تهلكها تمامًا؟

كان صوت صراخها المكتوم واضحًا وموجعًا رغم أنها تعض على الوسادة بكل قوة.. دون أن تسمع حدة الصوت وكأنها تنازع روحها على البقاء. أو أن تشعر بقوة عضها أيضًا.. . دون قدرة أو إرادة منها فجسدها قد دخل في نوبة صرع جعلته يتصلب ويرتخي وكأن ماسًا كهربائيًا يمر فيه.. لدقيقة أو تزيد قبل أن ترتخي تمامًا، لا تصدر منها أي حركة أو استجابة.

فتحت عينيها بعد فقدان وعي دام لدقائق، لا شيء غريب ولا جديد فنوبات الصرع التي مرت عليها سابقًا جعلتها لا تستنكر شيئًا بعدها..
مسحت لعابها الذي سال بظهر يدها، بقوة وقسوة رغم الألم في عضلاتها، و كأنها تتمنى أن تمحو سببه.. للأبد.

لكن كل هذه القوة وقفت عاجزة أمام تقوس شفتيها، وتجمّع الدموع في عينيها.. الدواء ينجح مليون مره بأن يخفف نوباتها أو أن يمنع حدوثها أحيانًا طيلة يومٍ كامل ..
لكنه يفشل في مره، وهذه المره كفيله بأن تحبطها لباقي عمرها ..
هذا كله تعانيه لوحدها وتحمد الله أن النوبة ترحم ضعف أهلها ولا تأتيها إلا إن كانت لوحدها.. فلا والدتها ولا حتى شقيقاتها سيتحملن رؤيتها تنتفض صارخةً هكذا.. ناهيك عن والدها الذي لا يستطيع أن يقف على قدميه فكيف بتثبيتها وضمها لصدره عله يمنع رعشتها؟
هذا اليوم، ولكن ماذا عن الغد عندما تصبح رفيقةً لفهد لا تفارقه ولا يفارقها؟
رفعت يدها المرتعشة تنظر لخاتم دبلتها بأمل.. قبل أن تقربه من فمها وتقبله بشفتين مرتعشتين تجهش في بكاءٍ صامت..

يمر في بالها فهد في ليلة ملكتها..
تتذكره لتسعد به ويمحي وجهه السَمح كل فكرة سوداء تعبث بعقلها في هذه اللحظة..

تتذكر وقوفه أمامها، يجلب مع وقوفه الدفء وشيئًا آخر سكن بين أضلعها..
ثم يده التي امتدت كي تصافحها، لكنها بقت معلقه في الهواء ولم تنتبه لها إلا لاحقًا فعينيها لم تبتعد إنشًا واحداً عن وجهه رغم رهبتها وخجلها في تلك اللحظة..

لمسته الدافئة على عضدها المكشوف عندما فقد الأمل في أن يلتقي كفه بكفها. لتنتفض بوضوح، يقترب بوجهه ملصقًا خده الخشن بخدها الناعم، يهمس بنبرة أذهبت عقلها.. تمامًا : مساء الخير..
ثم يكرر السلام على الخد الآخر، يقول شيئًا بدى كغرغرة الماء على مسمعَيها.. فهي قد غرقت بنبرته وعلى روحها التي غادرتها السلام..

لم تكن إلا ثواني تلك التي مرت منذ دخوله وحتى وقوفه أمامها ثم سلامه عليها،، لكن غادة شعرت بها سنينًا طويلةً من عمرها..
وقف بجانبها ، لتأخذ أنفاسًا طويلةً مسموعة كانت أكبر من استيعاب رئتيها فشرقت تكح بها، وتأكدت في قرارة نفسها بعد أن سمعت "ههه" خافته منه، بأنها أثبتت نظرية بلاهتها المستديمة هذه الليلة..

ليس حبًا من أول نظرة فهي لا تصدّق بما يكتب في القصص ولا ما يقال في الأفلام..
لكن شعورها في تلك اللحظة وفهد يمسك يدها بكل رقة، يُلبسها خاتم شبكتها ثم يُتبعه بخاتم دبلتها ، كان شعورًا جعلها تتمنى لو كان بإمكانها أن تصرخ "قد جعلها ربي حقاً"، علّ صوتها يصل لكل من هي ناكرةٌ جاهلةٌ مثلها.. فلا يوجد فيلم بدون قصة حقيقية خلفه، ولا توجد قصة بدون شرارة جعلتها تُكتب.

تأكدت من أن قلبها لن يصمد كثيرًا في معركته هذه، وأنها أخف من الريشة، عندما رفع فهد يدها لفمه، يقبّل كفّها بالكاد تشعر بملمس شفتيه واحتكاك شعيرات شاربه وكأنه يخشى من أن يخدشها.. بعينين تبتسم لها..
والله وحدة يعلم بأنها كانت كافرةً بمعتقد أن العيون هي نافذة الأرواح حتى رأت عينيه، وآمنت بذلك..
صفّرت ريم وضحكت فاطمة وحاولت سارة أن تدفع عبرتها، لكنها كانت واضحةً في صوتها : منت هيّن يافهيدان..
ولم تصرف عينيها عنه إلا عندما قال بحرجٍ متنحنحًا يأخذ العِقد الألماسي من مكانه : أجرب حظي يمه..

.
.


أسندت رأسها على حدود النافذة، دون أن تكترث بأن تستر نفسها خلف قماش ستارتها.
أي أسى وحزن وخيبة تلك التي تشعر بها الآن، وهي تراه يخرج من بيتها دون حتى أن يرف طرف عينه نحو نافذتها كعادته؟..

يعطيها ظهره ويمشي، دون حتى نظرة سريعة خاطفة للأعلى وهي التي اعتادت دائمًا على أن يرسل لها في كل مرة. يخبرها بأنه قادم كي تفهم رسالته وتقف بالقرب من النافذة تتأمل عينيه البراقتين رغم المسافة..
كان رجلًا عاشقًا لا يخشى لومة لائم، لا عيب ولا منقود ولا كلمات باهته تشعره بالأسف على رجولته..
والآن لم تعد تعرفه ، وكأن روحًا أخرى تلبست جسده!!

كيف يتغير بعد كل هذا الحب، وكأن ماكان بينهما لم يكن؟ هي على قناعة تامة بأن كل شيءٍ يمكن أن يتبدل بين ليلة وضحاها إلا الحب، وحاكم كان حبيبًا تعلم أنه يحبها من صوتها فقط، فكيف تبدل هكذا؟

وعت على رقرقة الدموع في عينيها عندما سمعت صوت الباب يُغلق خلفه بقوة. وكأنه يريد أن يذكّرها صوته المدوي بما حصل قبل ليالٍ قصيرة أخذت منها ما أخذت.. سلبت فرحتها تمامًا لتحولها من عروسٍ تنتظر ليلة عمرها بحماس وترقب، لعروس تعيش كابوسًا تنتظر الاستيقاظ منه بفارغ الصبر.

وصلها صوت ريم الحي ما إن دخلت : سلام حبي..
مع ذلك لم تلتفت لازالت تتأمل عودته : هلا ريم،
شعرت بها تقترب منها حتى أصبحت خلفها، ثم تلف ذراعيها حول خصرها وتسند ذقنها على كتفها، قائلةً بهدوء بالقرب من أذنها : موقع شباك غرفتك استراتيجي على فكرة.

رمشت أكثر من مره.. تحاول أن تبعثر الدموع من على سطح عينيها : متى جيتي ما شفتك وأنتِ تدخلين؟
سمعت ضحكتها الهادئة رغم أنها قالت بخبث : معلوم، لأن عينك على غيري.
ابتسمت ولم ترد.. لا تعليق لديها فلا أحد يعرف كيف صار مابينها وبين حاكم دماراً لا يمكن حصر أضراره.

ريم : اليوم بنام عندك.
استدارت لترى وجهها وابتسامتها التي اتسعت بعد أن عادت خطوةً للخلف،، احتضنتها بامتنانٍ كان واضحًا : حبيبتي يا ريم الله لا يخليني منك. كأنك تدرين أبي أي شي يشغل عقلي ويلهيني عن التفكير.
ريم : وتوني كلمت شعاع تقول بتجي بعد.
ثم أردفت بعد أن أبعدتها إنشًا.. تنظر لوجهها المرهق، تهتف وعينيها تلتمع بحماس : أدري إنك عروس بس نبي نفلها في آخر يوم لك وأنتٍ سنقل برنقل. لأن وحسب نظرتي اللي ماعمرها خابت، أخوي متحلّف يطلّع شفقة السنة كاملة يعني إحتمال أول ست شهور ما ندري عنك أي شي.
لم تضحك الجادل معها، بل دفنت وجهها في كتفها علها تكتم صوت بكائها عنها.

.

أوقف عزام سيارته أمام منزل عمّه، ينظر بطرف عينه لشعاع التي وضعت هاتفها في حقيبتها ثم تغلقها استعدادًا للنزول.
فتحت بابها واستدارت برأسها تنظر له : وين بتروح الحين؟
نظر لساعة سيارته التي كانت تشير للتاسعة ليلاً ، يمد شفتيه ويقول بتفكير : أفكر أمر الحلاق أحلّق اليوم أحسن من بكرة.

ابتلعت ريقها تلمح امتداد شفتيه وتباطؤ رمشه لعينيه، ثم التفاتته لها يسأل : ولاّ وش رايك؟
هزت رأسها بالإيجاب واكتفت بذلك ، فهي لا تضمن خروج صوتها بشكلٍ رصين. تراخت بجلستها تعطيه مزيدًا من الوقت عل الله ينطقه..
كان قد سألها ما إن رآها تخرج من بيته تسحب حقيبة سفرٍ صغيرةٍ خلفها، تضعها بالمقعد الخلفي وتغلق الباب قبل أن تركب بجانبه : وش له الشنطة ذي؟
لتقول بهدوء : بنام عند أهلي اليوم..
ارتفع حاجبيه باستنكار : عسى ماشر؟
ابتسمت واتضح ذلك في صوتها : بكرة عرس الجادل وأبي أكون معها من الصبح.
عم الصمت لثواني تمنت فيها شعاع أن يكون عزام يبحث في عقله الفارغ عن كلمة تمنعها عن ذلك.. حتى وإن كانت أمرًا جافاً ك"لأ" أو تسلطًا واضحًا مثل "مين سمح لك تقررين بدون لا تسأليني؟"
لكنه بقى صامتًا ينطلق في طريقة..

مرت ثلاث دقائق لازال صامتًا فيها، بل أنه بدأ ينشغل بهاتفه دون أن يستعجلها بالنزول، وكأنه مستمتعٌ بالصمت..
تنهدت تفتح بابها المسكين على مصراعيه بعد أن دفعته بقدمها : مع السلامة..

تمتم سلامه لها، ومشت شعاع بإحساسٍ طفيف بخيبة الأمل، تسحب حقيبتها وتغلق باب المنزل خلفها دون أن تلتفت، ولو كانت التفتت قليلاً، لرأت عيني عزام التي تابعتها بلهفه لم يشعر بها، حتى اختفت.
.

لا أحد يحتاج لأن ينظر لوجه الجادل مرتين كي يعرف أنها ليست بخير.. تبدو بحالة مزرية وكأنها لم تنم لأسابيع، بوجهٍ شاحب وعينين لا لمعة فيها وشعرٍ باهت.. ليس و كأنها عروس يجب أن تكون في أفضل حالاتها..

وجود ريم وشعاع خفف قليلاً عليها.. تتلهى بأحاديثهن عما يدور في عقلها، تخشى من الغد وتخافه لا تعرف ماذا سيحصل معها وكيف ستكون حياتها مع حاكم الذي انقلب لشخصٍ آخر تجهله..
تتذكر جيدًا محاولتها الإتصال به في اليوم الذي يلي الكارثة، لكنه لم يُجب، بل أنه أصبح يغلق الاتصال في وجهها إلى أن فقدت الأمل.
أعطته يومين ليراجع نفسه..
ربما يحتاج لوقت كي يلملم شتات نفسه ويفوق من صدمته التي سببتها له..
لكن انقضى اليومان ولم يرن هاتفها.. لا بإتصالٍ ولا رسالة، ولا حتى بالخطأ، وهي من اعتادت على اتصالاته اليومية ورسائله في كل ثانية..
بدأت ترسل له، تخبره حقيقة ما حصل وكان يقرأ ماتكتب ويخرج من المحادثة دون أي رد.
ومنذ تلك الرسائل وحتى هذه اللحظة، لم تسمع منه شيئًا، ولم يسمع منها شيئًا كذلك. فقد استنزفت طاقتها إلى أن نفذت تمامًا.
مضت أيام الأسبوع المتبقية ثقيلةً عليها لا تبرح غرفتها تهرب من واقعها بالنوم وتندس بين أغطيتها غارقةً بالحزن.

كانت تجلس على سريرها تسند ظهرها على وسائده، تضم أقدامها لصدرها وتسند ذقنها على ركبتيها بشكلٍ مأساوي، وأمامها تجلس كلاً من شعاع، و ريم التي كانت تضع هاتفها في المنتصف بينهن، تستمع لزفة الجادل، وتحرك يدها باستمتاع منسجمةً مع ماتسمع.

عقدت شعاع حاجبيها بقلق ما إن لمحت التماع عيني أختها الشاردة، تدريجيًا حتى تكدست الدموع وغطت سطحها..
لا تعرف ماهذا الذي يحصل مع أختها.. ليس خوفًا طبيعيًا كما قالت والدتها بل هناك شيءٌ آخر تصمت عنه الجادل.

انتهت الزفة وعم الصمت الغرفة ولم يقطعه إلا صوت زفرة خرجت من أعماق ريم : والله ياجاتني كمية مشاعر لدرجة ودي أتزوج الحين.
شعاع : الله يعين اللي بياخذك، مقرود ولد مقاريد.
هزّت كتفيها تقول بحالمية لا تتماشى مع الحركة : إلا يابخته وسعد عينه اللي بياخذني، والله يا إني مجمعة له حركات،، على كيف كيفك. خليه يجي بس بينسى حليب أمه .
ضحكت شعاع وابتسمت الجادل بأسىً فضيع أقلق الاثنتين أمامها، لدرجة أن ريم علقت : بطنك يعورك يابنت ولا وش الموضوع ليه شكلك قايل كذا؟
الجادل بعبرة : خايفة من بكرة لدرجة ماودي يجي.
ريم : هذا وأنتِ بتاخذين حاكم اللي غرقان لين شوشته وبينكم اتصالات لمدة سنة كاملة!! أجل وش كان حال شعاع ذيك الليلة وهي أخذت عزام على عماها؟
ضحكت شعاع ضحكة لا معنى لها علها تخفف من ضيق أختها : أوف وضعي كان كارثي ياشيخة الله يخلي بنادول نايت ولا كان ماطلعت من الحمام.
تكرمشت ملامح ريم تنطق بقرف : ترفعي عن بعض التفاصيل الله يحوم كبدك.
استطاعت بتعليقها هذا أن تسرق ضحكةً بدون نفس من الجادل، لتبتسم شعاع تقول بهدوء : والله ما أبالغ يا بنات بس ذاك اليوم جاني شي الله لا يوريكم، هو خوف هو هلع، هو وندم لإني وافقت أتزوج!! مدري مدري..
لتقاطعها ريم : و أتوقع هذا كله طار من الشباك يوم صحيتي اليوم الثاني ولقيتي عزام بخلقتك.
ابتسمت تقول، ممططةً حروفها بشكلٍ مبالغ به تتعمد إغاضتها : فديته حبيبي نساني حتى اسمي.
ضغطت ريم بأصابعها على عينيها تقول بامتعاض : وقفي تكفين ما أبي أتخيل.

عقدت حاجبيها لم تفهم على عكس الجادل التي ضحكت رغمًا عنها وهي التي تفهم قصد ريم جيدًا، ودائماً.. تدفعها لترتمي الأخرى باستسلامٍ للخلف : ياسخيفة..
شعاع ونظرتها تتنقل بين الاثنتين عندما تعالت ضحكات ريم تلحقها الجادل : تتخيلين وشو؟
ثم تابعت تضيّق عينيها بتوجس : ليه أحس إنك تقصدين شي وصخ؟

مسحت الجادل دموعها التي كانت تغرق بها عينيها وسقطت عندما ضاقت في ضحكة طويلة على تعليق ريم التي بدأت تحرك حاجبيها بسرعة تنطق بنبرة : هذا يسمونه خيال خصب، وما يحتاج أحكي لك عن خصوبة خيالي .
ثم تابعت تنفض أعلى قميصها : ياساتر ياساتر .

شهقت شعاع بعد أن فهمت ماكانت تقصده، تقول بإنفعال تلكم كتفها أكثر من مره تتعمد إيجاعها : إلا قلة حيا ، وجع إن شاءالله ماتستحين على وجهك أنتِ؟.
و بدون مقاومه، فردت ريم يديها أكثر : اضربي كمان عايزه أتوب.

.
طالت الأحاديث دون أن تشعر أي منهن بالوقت، الجادل ممتنة على وجودهن معها في هذا اليوم بالذات، لا تريد أن تتخيل حتى، كيف سيكون حالها إن قضت الليلة لوحدها مع بنات أفكارها ومخاوفها!! ربما تذهب لمنزل حاكم تقرع الباب عليه وتفرغ مافيها من هم وضيق، كصفعاتٍ على وجهه..
فقد طال جفاه، وبالغ بقسوته.. وإن كانت عذرته في أول أسبوع فهي الآن تلومه وتنتقد تصرفه فهو لم يكلف نفسه عناء السماع منها حتى ، ولم يعطيها حقّ الدفاع عن نفسها، وكأنها لا تعني له شيء!! دون حتى أن يضع اعتبارًا لما كان بينهما في الأيام الماضية، وماسيكون في الأيام القادمة..

سألت شعاع علّ الطاري يشرح خاطر أختها : ماعرفتي وين ناوي يسفرك حاكم؟
لكن كان وقع سؤالها عكسيًا على قلب الجادل التي شعرت به يهوي، لدرجة أنها أحسّت بأن ما في بطنها بدأ يفور في جوفها وكأنها ستتقيؤه، فاكتفت بأن تحرك رأسها بالنفي، تخفض بصرها كي لا يلمح أحدٌ التوتر الذي أصابها.
فأي شيءٍ يُذكر فيه اسمها واسمه معًا ، بات يبّث رعبًا لا حد له في نفسها..
شعاع بابتسامة وغمزه : ليفل الرومنسية عالي عنده و يبي يفاجئك..

بدأت ريم تقضم شفتيها وكأنها تمنع الحروف من أن تخرج، لكنها قالت في نهاية المطاف : فهد تكفل بسفرتكم ورتبها من وإلى هدية لحاكم، يعني أبشري بشي مرتب ويوسع الصدر.. حبيبي فهد ما يدّخل عمره بشي إلا ويزينه.
ابتسمت الجادل بمودة تأيد قولها فيه : الله يسعده ويكثر خيره.
ريم بتنهيدة : آمين يارب.. والله يوفقه مع غادة ويريح باله.
ثم سألت : وش رايكم بغادة بالله؟ تحسونها تناسب فهد وجات بالملّي صح؟
لتقول شعاع ضاحكة : ايه بسم الله عليها، كتكوتة.
ريم : تهبل يا بنات ماعندها وقت، في ملكتها يوم شافت بشاير جالسة سألتني عنها وقلت هذي زوجة أخوي ناصر، تدرون وش قالت؟
ثم أردفت دون أن تدع لهن مجالاً للرد، تقلد نبرة غادة المبهوته وقتها : موتٍ حمر .
لتعلق شعاع : وهي صادقة، ماقد شفت زي بشاير بسم الله عليها.
على عكس الجادل التي تكرمشت ملامحها باستياء : وع.
فقالت ريم باستمتاع : يووه نسينا إنك تغارين، خلاص أنتِ أحلى وحده في حريم أخواني لا تزعلين.
الجادل بدفاع : والله ماهي غيرة، بس صدق بشاير ملامحها ماتعجبني، حادة تخوف.. ونافشه ريشها علينا زي الطاووس، على وش عاد يرحم والديك والأخلاق زيرو؟
ارتفعت ضحكة شعاع على الامتعاض الواضح في وجه أختها، لتقول ريم تحرك كفيها أمامها بمعنى "اهدئي" . : خلاص خلاص أنتِ صح بس هدّي، قاعدة أشم ريحة حريق شكله قلبك.

لم تنتهي ريم من تعليقها إلا وسحبت الجادل وسادةً كانت خلفها تضرب بها وجه الأخرى بغيظ، شعاع أيضاً..
فصوت ضحكتها التي احتدت كاد يصم مسمعها، ضرباتٍ متتابعة وسريعة بين الإثنتين ، تقول بينها : ومن قال لك إنها تهمني ولا تأثر فيني؟ مالت عليك وعليها.
غرقت ريم بضحكتها محاولةً التصدي بذراعها : الله يكفينا شر السلايف موعودين بأيام متنيله بستين نيله .

.

تقلب عزام في فراشه، تقلّب الممغوصِ وهو يبحث عن النوم لكنه كان بعيدًا عن عينيه.. غدًا يوم الجمعة ويجب أن يستيقظ باكرًا كي لا تفوته الخطبة.
: وش ذا المخدة الخايسة!..
قالها متذمرًا يتأفف، يعتدل جالسًا و يتعذّر بذلك قبل أن يأخذ وسادتها ويضعها مكان وسادته التي ألقاها بعيدًا لآخر الغرفة، يسحب هاتفه من الطاولة الصغيرة جانب السرير، ويتمدد على ظهره، ثم يركل الغطاء بأقدامه بعيدًا عنه متأففاً بيأس.. : وحر بعد.

عبس وهو يرى أن الوقت اقترب من منتصف الليل، وتردد على ماينوي فعله خوفًا من أن تكون نائمة..
لكن في نهاية المطاف استسلم لسكون الغرفة المريب واتصل عليها وهو الذي لم يعتد غيابها، حتى وإن لم يكن يلتفت ناحيتها كثيرًا إلا أن نومها بجانبه يوميًا كان نوعًا من التوازن لرضاه وسخطه.
كانت اليد التي تمسك عصاه من المنتصف.. لا يميل بوجودها يمينًا ولا يسارًا بل يبقى معتدلاً باستقامة وثبات.

وضع الهاتف على أذنه وانتظر، لتجيب بعد عدد من الرنات بنبرة ضاحكة : هلا.
لم يشعر بطرف فمه وهو يرتفع بابتسامة هادئة : هلا بك.

سكتت بعد هذا وكأنها تنتظر ماينوي قوله، لكنه سكت معها. ثواني فقط وبعدها سألت : ألو؟
أخذ نفسًا عميقًا : معك، وش تسوون ؟
شعاع : أبد جالسين وريم تهك علينا وتعطينا من الصواريخ أنا وأختي لين أعمتنا الله وكيلك.
سمع صرختها المفاجئة تتبعها سبّه منها، وعرف أن ريم لم تجعل ماقالت يمر مرور الكرام .. ليضحك : قولي لها ياويلك من عزام يا أم ضرس لا تمدين يدك.

ضحكت من أعماق قلبها ، فهذه كانت عيَارة ريم في صغرها لأن أحد أسنانها كان بارزًا متقدمًا عن غيره.. تهتف بما قال بتشفي : عزام يقول ياويلك يا أم ضرس....

أغمض عينيه ما إن دوَى صوت ضحكتها بين أضلعه، ولم يركّز أبدًا في أي شيءٍ قيل بعدها.. إحساسه غريب في هذه الليلة، مختلف يشعر بذلك وهو يسمع صوتها تهدد ريم بنعومة رغم تصنعها الحدّه ، ولا يدري أين موضع الاختلاف وما الذي فرَق عليه؟

لم يتوعى إلا عندما عم صمتٌ قاتل.. أرعبه، فأبعد الهاتف عن أذنه يتأكد من أنها لازالت على الخط.. أعاده يسأل: الو؟
خرجت شعاع من غرفة الجادل تهرب من ركلات ريم المغتاضه والتي صرخت قبل أن تغلق الباب خلفها : قولي له ترا سوّت تقويم،، يالمتنمّر.

جلست على أحد كنبات الصالة العلوية وشتان بين المكانين، الإضاءة هنا خافته لا ضوء سوى القادم من الطابق السفلي والمكان يغرق بالهدوء الذي جعلها تقول بهمس خوفًا من أن يستيقظ أحد على صوتها المرتفع : أيوه عزام،
ثم أردفت باستنكار فكما يبدو لا نية لديه لإغلاق الخط : غريبة للحين صاحي!
أتى صوته مبتسمًا : زهقان ما تعودت أنام والمكان جنبي خالي.
تسارعت نبضات قلبها، تقول زافرةً ضحكتها وأنفاسها التي احتدت : ليتني نايمه عند أهلي من زمان.
ضحك بخفوت وكأن ماقالت أعجبه، يقول بهمس : المره ذي سمحت لك لكن المره الجايه ما أضمن.
ثم أردف ممازحًا : الحمد لله إن ماعندك أخت غير الجادل.

اللئيم كاد همسة أن يتسبب في موتها ، قالت تبتلع ريقها وتضرب جبينها بسبابتها بشكلٍ متتابع، تحاول أن تجد ردًا مناسبا لكن لم يخرج منها سوى : ههه.... حلقت؟
برم طرف شاربه المشذب يقول مبتسمًا : الله الله.
تلفتت حولها كالبلهاء، أين ذهبت مهاراتها في خلق الأحاديث عندما احتاجت لها؟. لتقول بيأس عندما لم تجد شيئًا : نعيمًا أجل.

انتهى الإتصال بعد أن ثقلت نبرة عزام دلالةً على أن النعاس بدأ يداعب جفنيه..
لكنه قال قبل ذلك بأمل واضح في نبرته : أمرّك بكرة؟ تراني فاضي ماعندي شي،، استغليني.
لتقول بمودة : تسلم حبيبي شايلينك لوقت عوزه، بس بروح مع أمي والجادل بكرة.
سكت قليلا قبل أن يقول -وتكاد تقسم أنها تستطيع سماع ابتسامته في نبرته الثقيلة- : تصبحين على خير أجل.
شعاع بأنفاسٍ مسلوبة تتمنى بألا يكون قد لاحظها : وأنت بخير، نوم العوافي يارب.

انسل الهاتف من بين أصابعها واقعًا في حضنها ما إن أغلق الخط، تشعر بخدرٍ لذيذ ينتشر في أطرافها، مع نظرة زجاجية تغطي سطح عينيها جعلتها ترى الأشياء أمامها عائمة.. وضعت كفها على خديها تضحك بسعادة وعدم تصديق كمراهقة سمحت لها والدتها بالذهاب لمنزل صديقتها.

عادت لغرفة الجادل أخيرًا بعد أن سيطرت على أنفاسها.. بعد ربع ساعة قضتها تتحدث مع عزام لا تعلم في ماذا بالضبط لكنها كانت أجمل ربع ساعة مرت عليها في عامها السابع والعشرين..
رأت ريم تتمدد في منتصف السرير تضع يدًا تحت رأسها والأخرى ترفع بها هاتفها مشغولةٌ به.. ولا أثر للجادل .

وإن كانت شعاع وضعت جهدها بالسيطرة على أنفاسها حتى هدأت، فهي قد نست ابتسامتها البلهاء، ونظرة عينيها الحالمة، وتورد خديها.. ناهيك عن تهاديها في مشيتها كالثملة..

تابعت ريم اقترابها منها، ترفع أحد حاجبيها بابتسامة فلا تبدو شعاع طبيعيةً أبداً.. ولم تنتبه الأخرى -التي كانت من فرط شعورها تشعر بأن القلوب الحمراء تتطاير حولها- لنظرتها المتهكمة.
تمددت بجانبها، قريبًا جدًا تلف يدها على خصرها كالمغيّبه تمامًا وتعض كتف الأخرى بالكاد تغرس أسنانها فيه.
ضحكت ريم تحاول الابتعاد : مضيعة يا الأخت أنا ريم.
شعاع بنبرة هيام واضحة : اف يا ريم اف.
نظرت للسقف تتصنع الذعر : يارب وحدك تعلم إني أحاول وهي تحدّني على الغلط..
ثم أدارت رأسها توجه حديثها لها : أحذرك ثم أحذرك ثم أحذرك، أنا مو مسؤولة عن اللي يدور في بالي الحين..

رمشت أكثر من مره بتوهان، ولم تستفق من سكرتها إلا عندما لمحت التماع عيني الأخرى بخبثٍ واضح، شهقت بحدة تبتعد عنها كالملسوعة، تضربها بانفعال : حسبي الله عليك من بنت..

لتتحامى الأخرى بذراعيها تحاول أن تحمي نفسها من صفعاتها المؤلمة، تقول ضاحكة : أمانة وش قال لك عشان ترجعين تضاحكين نفسك كذا؟
سحبت الوسادة من تحت رأسها بقوة تغطي بها وجهها ما إن تعالت ضحكتها ، تقول بغيظ : انكتمي.

تحررت ريم أخيراً منها، ترتب شعرها الذي تطاير بصعوبة، لازالت نظرتها تنطق خبثاً، لترفع شعاع الوسادة مهددةً مجددًا بجدية.. فقالت تتصنع الخوف : خلاص والله أتوب بغت تطلع روحي يالمجرمة.
شعاع : إن زدتي قلتي شي بطلعها بيدي.
ريم : ا..
لكنها قاطعتها تغطي فمها بكفها، تقول بحدة : ولا نفَس.

مضت خمس دقائق التزمت فيها ريم بما أُمرت، عادت تتصفح هاتفها وكذلك شعاع التي أخذت مكانها بجانبها.
استبطت شقيقتها فسألت بتشاغل : وين راحت الجادل؟
لم تجد ردًا من الأخرى واستدارت برأسها تنظر لها باستنكار، لتجد ريم تشير باصبعها على فمها ، فقالت شعاع ضاحكة : الله يخلف على عمتي سارة كانك آخر عيالها، تكلمي يا أم العتاهيه.

فتحت فمها تضع يدها على صدرها تتنفس بقوة وكأنها كانت تحبس أنفاسها لفترة، تحت نظرات شعاع الأقرب للإستصغار ونبرتها المزدرية : بك قل صِح أنتِ؟

ريم بنبرة : مو حضرتك تقولين ولا نفس!!
زفرت بيأس : أنا خلاص غسلت يدي منك مره وحده ولا عاد أرجي منك شي أبد ،
وين الجادل بس؟
ريم بابتسامة واسعة تظهر صفًّا لؤلؤيًا من الأسنان : راحت الحمام، جاها ماجاك ليلة عرسك.
زمت شفتيها قبل أن تقول : ماتحسين فيها شي؟
ضحكت ريم : قامطة.
عقدت حاجبيها بقلق : خلي ذا، طبيعي تكون خايفة.. بس ما أدري، ما أحس وضعها طبيعي؟
قوست ريم شفتيها بتفكير : يمكن متهاوشه مع حاكم.
ثم أردفت عندما رمشت شعاع باستنكار : لأن حتى هو وضعه ماهو طبيعي في البيت.

عم الصمت لثواني سمعت فيها زفرةً قلقةً من شعاع،
فقالت تمحي التقوس الذي لازال يشد شفتيها ، لإبتسامة مشاكسة : بس لا تشيلين هم، بكرة حاكم بينسيها اسمها مثل ماعزام خلاك تنسين اسمك..
استوت ملامح شعاع بفقدان أمل، تقول ببرود وقد يئست تماما ما إن رأت غمزات ريم المتتالية بعد الذي قالت : تف عليك.

.

فتحت الجادل عينيها ولم يستقبلها إلا الظلام الدامس بعد أن نام الجميع. ظلام مدقع كالظلام الذي تشعر به روحها في هذه اللحظة..
أخذت نفسًا عميقًا وعلى الطرف الآخر خلفها، تنام شعاع بسكينه وأنفاس منتظمة بالكاد تُسمع، وبينهن تتمدد ريم بشكلٍ معاكس، رأسًا على عقب.. فقد تجادلن قبل أن يخلدن للنوم على من هي التي سوف تنام بالمنتصف،
لتقول ريم بنبرة أقرب للبكاء : ما أحب الوسط افهموني والله انكتم.
شعاع : ولا أنا أحب.
ريم : تخيليها ذرعان عزام وبتحبين صدقيني .
ضحكت رغمًا عنها تشاركها الجادل : لو تموتين..
لتأخذ الوسادة الصغيرة تضعها بجانب قدمي الجادل الممدودتان أمامها، تتحلطم بعدم رضا : ضيفة ضيفة نعنبو غيركم مافيه أي تقدير للضيوف عندكم!
ثم صفعت قدمها لتسحبها الأخرى كالملسوعة : شيليها من قدام وجهي لا أكسرها لك..

قالت شعاع ضاحكة باستمتاع وهي ترى ريم تندس تحت الغطاء، تضم كفيها على صدرها بعد أن تمددت على ظهرها كالميتة : ليكون ترافسين وأنتِ نايمة!
ريم بغيظ : اووه، إن شاءالله ماتصحين وتلاقين أصابعي بوسط جوفك بس.

تأوهت الجادل بألم ما إن شعرت بركلة ريم في منتصف ظهرها.. لتُبعد ساقها دون أن تستدير، تعاود أخذ هاتفها الذي دسته تحت وسادتها عندما اوهمتهن بأنها نائمة..
تفتحه على اسمه، تتردد كثيرًا وهي تتأمل حروفه والقلب الذي بجانبه..
تتذكر حديثها مع ريم باكرًا عندما تركت شعاع الغرفة لتكلم عزام..
تسألها بتردد : شلون حاكم؟
رفعت ريم حاجبيها باستنكار : ماتكلمينه؟
مررت طرف لسانها على شفتيها، تحاول أن تقول بشكلٍ طبيعي ، لكن النبرة خرجت باهته : اتفقنا آخر أسبوع نوقف مكالمات.

ارتفع حاجبي ريم ، تهز رأسها بتفهم : وأنا أقول وش فيه مايتحاكى ومطنقر أثاري هذا السبب؟
قطبت حاجبيها وتسارعت نبضات قلبها بشكلٍ موجع،تسأل بقلق : معصب؟
ريم : مهوب معصب كثر ماتحسينه متغلّق.. قافلة معه أعوذ بالله ولا يتكلم مع أحد، تكفين اتصلي عليه أقل شي يجي بكرة و وجهه فيه لون يقابل به الناس.
قالتها تضحك لتبادلها الجادل الضحكة وداخلها يبكي ويتمزق الف مره، واللهِ لم يكن هذا الذي توقعته في ليلة زفافها.. لم يكن هذا ماخططت له أبدًا.. كانت تنوي في هذا اليوم أن تستيقظ مبكرًا، تتصل "بسبا" تطلب متخصصة بالمساج تأتي للمنزل كي تسترخي.. تقضي باقي اليوم برفقة أهلها لا تبرح صالة المنزل أبداً، وإن حلّ المساء تتصل على حاكم لتشاركه ماتشعر به.. تسأله بشكلٍ اعتيادي إن كان أحضر ثوبه وشماغه وبشته من المغسلة.. وعلى أي لونٍ رسى؟ شماغ أحمر أم غترة بيضاء؟ فهذا كان أكبر همومه عندما تحدد موعد الزفاف..

لكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن، والرياح التي هبت على سفينتها كانت قوية وكسرت شراعها، أصبحت تائهةً في عرض المحيط لا يابسة ولا نجاة قريبًا منها..
لم تتصل بسبا ، ولم تجلس مع أهلها فهي منذ اسبوعين اعتزلت الجميع.. تبقى في غرفتها تتصنع النوم، ألغت جميع مواعيدها، لا صالونات ولا مراكز عناية ولا غيرها.. ولم تتصل عليه حتى فهو منذ تلك الواقعة يتجاهل اتصالاتها..

زفرت بحرارة تقاوم دموعها، ونوت أن تجرّب حظها وتتصل، ربما هو ينتظرها الآن النوم يجافي عينيه كما جافى عينيها. ربما سيجيب فالليلة مختلفة عن الليالي السابقة، وحاكم الذي تعرف مندفعٌ بمشاعره كان ينتظر هذه الليلة بفارغ الصبر ، وليلة كهذه بالتأكيد ستحدث فرقًا في داخله..
اتصلت، واستمر الإتصال إلى أن انتهى دون أن يجيب،
ابتلعت غصتها، وتوقعت أن يكون نائماً فالساعة الآن تجاوزت الثالثة فجرًا.. وحتى إن لم يكن هذا السبب ، ستقتنع به.

فتحت برنامج الواتساب، أرسلت له (خايفة من بكرة) -مع إيموجي أصفر يذرف دمعة، وقلبٌ مكسور-..
انتظرت عشر دقائق، تحوّل فيها الصحيّن الرماديين لأزرقين دلاله على أنه مستيقظٌ وقرأ.
ارتفعت نبضات قلبها بشكلٍ هستيري، لدرجة أنها شعرت بجسدها يهتز ويهز معه السرير تحتها، عندما ظهر لها أعلى الشاشة بأنه يكتب..
أدارت رأسها تلتقط أنفاسها وتتأكد من أن النائمات خلفها لم يستيقظن من صوت قلبها المرتفع، وأنفاسها الحادة المضطربة..
عادت تنظر للشاشة بأمل، تهمس في نفسها ما إن رأت أنه لازال يكتب "حبيبي ياحاكم"..

كانت أنفاسها تتوقف وتندفع في كل مرةٍ يظهر لها بأنه يكتب ثم يمسح، قبل أن يكتب مجددًا ويمسح.. واستمر على هذه الحال لدقائق وكأنه يصارع نفسه.. إلى أن خرج من المحادثة دون أي تعليق..
.
.

 
 

 

عرض البوم صور وطن نورة ،،  
قديم 30-12-19, 04:05 PM   المشاركة رقم: 192
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Oct 2018
العضوية: 330628
المشاركات: 159
الجنس أنثى
معدل التقييم: وطن نورة ،، عضو على طريق الابداعوطن نورة ،، عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 176

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
وطن نورة ،، غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : وطن نورة ،، المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: أَحلَامٌ تَأبَى أنْ ’ تَنْطفِئ ،، / بقلمي

 




.
.

قبل ساعة ونصف من الآن،
دخل غرفته يغلق الباب خلفه باستسلام وتعب بعد أن عاد هو وفهد من استراحة أصدقائه ، فهذه المرة الأخيرة التي يأتيهم بها كأعزب، يتغنون في وجهه شامتين : مع السلامة ياراحة البال..

وإن كان في ظروفٍ غير هذه لكان ضحك في وجههم وأنكر مايقولون في قلبه..
لكن مع الحاصل الآن، ضحك معهم، يرثي نفسه وقلبه..

فرش سجادته قريبًا من النافذة بعد أن فتحها.. ليتسلل ضوء الإنارة الخارجي القادم من ساحة المنزل لغرفته المظلمة.. وهواء الليل العليل ينثر رماد ناره المطفيّه، ويبرد على قلبه المحترق.

يقضي ساعات الليل الطويله خاشعًا ساجدًا يصلي قيامه..
قد أثقلته الدنيا بما يكفي في الأيام الماضية، لدرجة أنه شعر بعمره يزيد مئة سنة فشاخت عظامه.. يطيل في سجوده لتسقُط حمولها التي حطّت عليه من على كتفيه.. يتمتم برجاء : اللهم وفق بيني وبينها واجمع بيننا على خير ، اللهم اشرح لي صدري، و اذهب حزن قلبي، وفرّج همّي.. اللهم دبر لي أمري فإنّي لا أحسن التدبير.

ابتلع ريقه وهو يشعر بالعبرة تتجمع في حلقه، يقول بأنفاسٍ متهدجة : يارب، أعنّي على نفسي إذا ضعفت، وارحم ضعفي واجمعني بها كما تحب وترضى..
اللهم أصلحني لها وأصلحها لي ، واجعلها لي خيراً في دنياي و آخرتي وعاقبة أمري. يارب ياحبيبي......
يارب،،، أنت وحدك أعلم بضعفي.. فلا تحملني مالا أطيق.. يا الله أنت وحدك تعرف ما في قلبي، فتولاه بما أنت به أعلم.

رفع من سجوده وسلم من صلاته ما إن انتهى..
يندس تحت أغطيته بعد أن وضع سجادته جانبًا..
يشعر بفراغٍ غريب في قلبه، مريب.. أشياءٌ كثيرة انهارت بداخله، برودة قارصة تهب عليه من جميع الاتجاهات أطفأت أنواره فأصبح يعيش في ظلمةٍ فضيعة..
تائه يشعر بالضياع ، ذهب الغضب ذهب، واللهِ ذهب.. ولم يبقى له أثر..
فهو في النهاية يثق ببنات عائلته، يعلم أنهن يضعن الله بين أعينهن قبل أي خطوة، وأن الخطأ منهن مستحيل،، و غير وارد.
ولكن لا يعرف لماذا، أصبح يشعر بخيبة أمل، وضيق، وكأنهما استبدلا غضبه وتشبثا بقلبه. ليته بقى غاضبًا لكان أرحم له من هذا العذاب.
وصل لتلك المرحلة من اليأس والغصّه التي يستثقل فيها حتى أنفاسه..
ولمْ يعد يعرف السبب الحقيقي وراء كل هذا..

كان يتمدد على جنبه، يضع كفه تحت خده وعينيه تطالع الأفق عبر النافذة المفتوحة.. لا شيء في عقله، قلبه كذلك.. يسمع صوت ارتداد الهواء بين أضلعه الخاويه، يتردد صداه عاليًا،، بشكلٍ موحش.
فراغ.. فراغ.. فراغ..
وكأنه لم يحيا قبلاً..

سمع صوت الباب يُفتح، فأغمض عينيه يتصنع النوم لكن ما إن سمع صوت فهد يقول بخفوت مقتربًا منه : حاكم نمت؟
فتح عينيه ، يقوى الجميع ولا يقوى عليه.. فقال بزفرة : صاحي.
استدار يعتدل جالسًا، يبتسم ابتسامةً لم تصل عينيه.. ولم يخفى ذلك على فهد، لا حال حاكم ولا ابتساماته المتصنعة التي يسكتهم بها : وش عندك للحين صاحي؟ ولا الحماس لاعب بك لعب..
ضحك على ابتسامته التي اتسعت بخبث لا يتماشى مع ملامح وجهه البريئة : عزّ الله.
ثم أردف يرفع حاجبًا : وأنت وش عندك صاحي؟
ولا....؟
قالها يفرد ابهامه وخنصره، الأول عند أذنه والآخر عند فمه، ويضم باقي أصابعه.. يقول بنبرة : هاه يافهيد جابت راسك؟
ضحك ضحكةً صاخبة يشير بيده نافيًا : لالالا، يمين بالله إلى ذا اليوم مادقيت عليها مع إن أمي اعطتني رقمها من مبطي.

ابتسم حاكم بحنو، ابتسامة من قلبه هذه المره وهو يرى اشتعال أذني أخيه كإشارة مرور، يشك أحياناً بأن فهد في التاسعة و العشرين من عمره.. كأن عمره الفعلي ابتدأ قبل إحدى عشر عامًا ليس قبل مايزيد عن ربع قرن.. قال باستمتاع يضع ذراعه فوق رأسه : وليه للحين مادقيت؟ وش تنتظر؟
فهد بإحراج : شايل هم إن دقيت وش أقول؟
ضحك يقول ساخرًا : دوّر بالنت ياخي بتلاقي غشمان مثلك تسأل..
ليقول فهد بإندفاع : أقول بس إلفقه.
رفع حاكم حاجبه، مستمتعًا جدًا : مستعد أعطيك دروس إذا تبي؟
ثم أردف عندما ابتسم له فهد وكأنه يقول بصمت "ايه تكفى أبي"، يرفع سبابته : أول درس، لا تفكر بالسالفة قبل لا تقولها، لا تتشدد لأني أعرفك لا توترت تجيب الأولي والتالي، وهذا درس رقم اثنين.. خليك غااامظ غموظ شديد ما تقدر تخمن تصرفاتك.. لا تكشف أوراقك بدري حبيبي..
فهد بضحكة : غامظ أجل!!
ابتسم له : الله الله.
ثم تابع : المواضيع تجي من نفسها يعني ممكن فجأة تقطع سالفتها بس عشان تسألها تحبين الموز؟ عادي جدًا لا تتوتر الأمر وارد ويحصل... وبتلاقي نفسك تسترسل وتعدد لها كم قرد عرفت بحياتك.
ثم أردف وهو يرى خطوطًا عميقة تحيط عيني فهد وابتسامته الهادئة تتسع و تجمّل وجهه : ثالث شي.. استمتع، عيش حياتك اتصل فيها بأي وقت لا تقول نايمة ولا مشغولة.. لا تحط قيود بينك وبينها وتستأذن عادي اتصل ياحياتي وأسف ياقلبي إن كنت ازعجتك.. اقتحم حياتها بالطول والعرض ياوحش.. اشغلها لا تشغلك و خليها تعرف إنك جاااامح، أسد ماينمسك..
لم ينتهي من جملته إلا و انفجر ضاحكًا ما إن بهت وجه فهد بإحراج، تتلاشى ابتسامته وتتسع عينيه بصدمة.

خرج فهد بعد مدّه ما إن رأى شقيقه يتلهى بهاتفه عندما وصلته رسالة، وعرف أنها من الجادل لأن حاكم أصمته عندما رن قبل رسالتها هذه،
لم يشعر حاكم بخروج فهد، فعينيه سرحت في شاشته يطلق تناهيدًا عميقة، وكأنه يرى شيئًا لا يراه أحدٌ سواه.. يكتب حرفًا وينتظر قليلاً.. يشبُكه بغيره حتى كوّن جملة. (وأنا بعد..)، كتبها ثم مسحها بسرعة..
يطلق تنهيدةً أخرى ،، يكتب (أنا بعد خايف من بكرة.)
لكنه مسحها، يعاود الكتابة (شدعوووة مافيه شي يخوف..)..
واستمر على حاله، يكتب ويمسح كالتائه، إلى أن خرج من المحادثة يغلق معها هاتفه.

.

تحرك حاكم بضيق عندما جهرته أشعة الشمس القوية، ليقول بانفعال يغطي وجهه بذراعه : وجع..
وصله صوت فهد الواقف عند النافذة بعد أن فتح ستائرها : قم قام عصبك فاتتك صلاة الجمعة.
حاكم بضيق : فهد اقلب وجهك توني نايم .
فهد : والصلاة؟
تأفف يغطي وجهه بالغطاء : صليت بآخر صف.. اطلع و اقفل الستارة معك..
تطايرت عينا فهد باستنكار وهو ينظر له.. ليس هذا حاكمًا الذي توقع في يوم زفافه.. أبدًا.. هل أصابته لوثة في عقله أم ماذا؟

اقترب منه، يسحب الغطاء بكل قوة، ليصرخ الآخر بغضب : فهد..
فهد بجمود مع أنها المره الأولى التي يغضب فيها منه : وش نوحك أنت وش بلاك؟..
تأفف بضيق : فهد يرحم والديك والله ماني بناقص ثقل طينتك.. هات الغطى..
فهد : اترك عنك النوم وقم أنهج خلّص الأشغال اللي وراك.
ليقول متذمرًا : وش وراي يعني كوفيره ولا مكياج؟ لا جا العشا لبست ثوبي ورحت القاعة.. أتركني انخمد الله يرحم أمك.

انعقد حاجبي فهد بقلق، يقول بعدم تصديق : ولد صاحي أنت؟ اليوم عرسك قم أشوف.. لاجنا فيه عرسي وعرسي وآخرتها كذا؟
ثم تابع بإلحاح : قم أنجز .
فأغمض حاكم عينيه ، يحاول أن يكتم غيضه : يمين بالله يافهد إنها قافلة معي لا تخليني أطلع جنوني عليك.

.

أُغلق الشارع تمامًا ما إن تجمعت سيارات أصدقاء حاكم وأبناء جماعته أمام منزل والده الذي تزيّن من الخارج بعقود الأنوار المشعة، بعد أن صلى الجميع صلاة العشاء في مسجد الحي، كي يزفوه بموكب لقاعة حفل الزفاف التي سبقه لها والده وناصر و كبار العائلة كي يستقبلوا الضيوف..

أمام مرآة مدخل الرجال، وقف حاكم بعد أن ارتدى ثوبه، يغلق أزراره عاقدًا حاجبيه بوجهٍ متجهم..

أبواب المنزل جميعها مفتوحة، مستغلين بذلك خلوه من النساء..
كانت سارة قبل أن تذهب لمركز التجميل عصرًا، جهزت له ماقد يحتاجه في المجلس .. من ثوبه لجواربه، تضع جانبًا مبخراً وكسراتٍ من العود، وضعها عزام على الفحم بعد أن أشعله مستعملاً ولاعة كادت أن تحرق أصابعه..

عبدالإله : طاب ليلك ياعريس، والف الحمدلله على البلاغ.
ابتسم دون أن ينظر له، يشعر بالغثيان من كل هذا فهو لم ينم إلا ساعاتٍ قليلة، منهك من التفكير تمامًا يشعر بالصداع يستنزف طاقته، يأخذ طاقيته البيضاء من فهد الذي مدها له ويرتديها مغطياً بذلك شعره ، ليمسك عبدالله بمعصمه يُلبسه كبكات كمّه تحت اعتراضه ، فهو عريس لم يفقد القدرة على الحركة بعد..
ليقول عبدالله ما إن انتهى : لايق عليك الدور يا هارون الرشيد، ناس تلبسك وناس تطيبك وناس تبخرك..
ضحك : محزم يامرجانة والله محزم.

يقترب ذيب، يمد له دهن العود ليتطيب به.. يقول بهدوء ومودة : الله الله بإختي ياولد عمتي..
ليبتسم يمسح عارضيه براحة يديه قبل أن يأخذ شماغه الأحمر من عبدالإله : لا توصي حريص يا أبو خالد..

ضم طرفي شماغه تحت ذقنه بعد أن وضعه على رأسه، يضع عقاله فوقه قبل أن يعدّل مرزامه بسبابته وإبهامه.
استدار على صوت عزام يمد له المبخرة : تتهنى ياعريس. الله يوفقك ويعمّر بيتك.

أخذها منه يبتسم بامتنان، يتبخر ورائحة العود انعشت قلبه.. تتبعها رائحة عطره القوية بعد أن أفرغ نصف العلبة عليه..

ارتفعت أصواتهم حوله مهنئين بسعادة واضحة ما إن إرتدى بشته الأسود، مما جعل كل فكرة سوداء في عقله تطير خارج حدود رأسه. وسعادة حقيقية تعانق قلبه خصوصاً عندما زغرط أحدهم بمرح..

خرج من المنزل أخيراً.. مرتبك نوعًا ما.. على أصواتهم يتغنون بالاهازيج الطربية :
"بارك الله في زواجك يالعضيد .. والله إنك تحتزم طول الحياة"

قبل أن يركب بجانب فهد في سيارته، خلفه عبدالإله.. ويتوزع البقية في السيارات الأخرى..
كان موكبًا ضخمًا تعالت منه أصوات الأبواق، يبعث السرور من مجرد النظر..

أخرج عبدالله أعلى جسده من نافذة سيارة عزام، يجلس على حافتها.. يتشبث بيد والأخرى رفعها يصوب سلاحة للأعلى ويرمي به، ليقول حاكم ما إن انتبه له ضاحكًا بذهول : شف عبود المجنون.
فهد بقلق : الله يستر عليه لا يطيح.
حاكم : لا طاح هين خوفك يصوب أحد،، غريبة عزام ساكت له إن لقطه ساهر راح فيها.
ثم فتح نافذته وصرخ بأعلى صوته كي يسمعه : ولد أدخل لا تجيب لنا فضيحة في ذا الليل.
لكن عبدالله صوب السلاح ناحيته ممازحًا، ومال عزام بسيارته متعمداً إلى أن أصبحت قريبةً منهم، مما جعل حاكم يرفع نافذته بسرعة يقول بهلع : عوذه عوذه..
عبدالإله ضاحكًا : لا يجيبها بين عيونك.
حاكم : يسويها ويصوبني المعتوه ما استبعد.

.

خلعت غادة عباءتها أمام المرايا التي تغطي الجدران بأكملها، تلقي نظرةً سريعةً على شكلها وصوت المطربة يصلها بوضوح رغم المسافة بين القاعة والمدخل الذي تقف عنده، لكنها كانت تشعر وكأن الطار يُضرب قريبًا من أذنها..
تبتلع ريقها بارتباك تشعر بقلبها سيخرج من مكانه، فهذه المره الأولى التي تحضر فيها عرسًا كزوجةٍ لفهد،
عرس أخيه على ابنة خاله مما يعني أن جماعته كلهم، من مشارق الأرض ومغاربها موجودين..

كانت خصلات شعرها تتموج بنعومة في ريترو متقن لامع من صنايع يدها.. وجسدها مرسومٌ بفستانٍ أزرق، داكن طويل*ومكشوف الأكتاف..

فتحت حقيبتها الفضيه اللامعة، تخرج قلم حمرتها وتزيد من لونه الأحمر الصارخ على شفتيها، تمسح على العقد الأبيض في نحرها بأصابع طويلة ونحيلة تزينت بخاتم دبلتها وخاتم آخر ، يُكمل إطلالةً تخطف الأنفاس لأظافرها التي تلونت بلونٍ أحمر ساطع كإضافة أخيره على شكلها.
ثم تعيد ترتيب إسوارة فهد في يدها.. وأخيرًا تخرج عطرها ترش منه، على صوت والدتها تقول بتذمر : يلا يابناتي يكفي متأخرين قدها الساعة ١٠!!.. زين فهد الله يسعده مر وأخذ أبوكم ولا كان دخل والرجال قالطين على العشا.

كانت تمرر أصابعها بين خصلات شعر رهف تفك التفافها حول نفسها قليلاً، لتصرخ الأخرى بألم ما إن شدّت غادة خصلةً بقوة دون أن تشعر، تعتذر على مضض وعقلها يمتلئ بفهد الذي كبر بعينها هذه الليلة، يعتلي عرش قلبها بجدارة..
شدّت شفتيها كي لا تخرج ابتسامتها الواسعة، لكنها خرجَت رغمًا عنها تشعر بقلبها يذوب بعذوبة على ما حصل، عندما دخلت عليها رهف الغرفة بسرعة بعد صلاة المغرب.. عينٌ تلونت بعدسة رصاصية ونست أن ترتدي الأخرى من عجلتها : فهد تحت.
وقعت فرشة الظلال من يدها بارتباك : فهد مين؟
لكن رهف خرجت تترك الباب خلفها مفتوحًا دون إجابة، لتتبعها غادة حتى وصلت لنافذة الصالة العلوية حيث تقف رهف تفتح جزءًا من النافذة تطل من خلاله على مدخل الرجال..
غادة بقلق : لا يشوفك أحد ، فضيحة .
لكن رهف قاطعتها تهتف حماس : طلع طلع.

لم تشعر غادة بنفسها إلا وهي تدفعها قليلاً.. تبعدها من طريقها تأخذ مكانها وتنظر للساحة الأمامية بحذر.. ترى رجلاً يرتدي ثوبًا أسوداً وغترة بيضاء تلتف أطرافها بشكلٍ مميز فوق عقاله. ينحني بأكتافه قليلاً دافعًا والدها الجالس على كرسيه، يقول بنبرة عتب سرت في سكون الليل بوضوح : ياعم عبدالله تبي تروح مع السواق وأنا موجود!! إلا إن كنت تعتبرني غريب فهذا شي ثاني..
ليقول والدها بسرعة : والله إنك ولدي اللي ماكتبه ربي لي يا فهد، جعلك و والديك في الجنة أشغلتك والليلة عرس أخوك.

ابتلعت ريقها، تتبعه بعينيها بلهفه عندما وقف، يتقدم والدها، ينظر له مبتسمًا وهو يفتح باب الشارع، ما إن قال بقلق : بس ما كأنه بدري نروح من الحين يا ولدي؟ مابعد يأذن العشا..
ليجيب فهد : بدري من عمرك يالغالي،، أهلنا قدهم هناك وأنت من الأهل ما أنت بضيف تجي مع الضيوف..
ثم أردف بإحراج : وبصراحة بعد العشا بكون مع حاكم وأخاف اتأخر عليك.
ليهز والدها رأسه بتفهم قبل أن يقف فهد خلفه يدفع كرسيه، وقبل أن يختفي من أمامها رفع رأسه ناحية النافذة ، لتقع عينيه بعينيها، يبتسم ابتسامةً طفيفة مغلقًا فمه، مع ذلك تجزم بأنها قادرة على عد الخطوط التي تشكلت حول عينيه..

شهقت بذعر تعود خطوة للخلف، تغلق النافذة وتصفع كتف رهف التي كانت تلتصق بالزجاج تغطي جانبي وجهها بكفيها كي ترى بوضوح ، تقول بنبرة أقرب للبكاء : ياويلي يارهف شافني شافني..
ابتعدت رهف عنها، تفرك مكان ضربتها بعبوس : يهب ياوجهه كيف أنتبه؟ هذا ينخاف منه، عفريت مايمدي تسوين شي إلا وهو كاشفك.

.

عادت غادة للواقع ما إن شعرت بيد أمها تكاد تفصل يدها عن كتفها عندما بدأت تسحبها بقوة، ترمش تحاول أن تتوازن بمشيتها : يمه بطيح شوي شوي.
فاطمة بانفعال : صار لي ساعة أناديك وأنت فاتحة فمك زي الخبل. امشي اشوف توبة آخذكم معي مره ثانية قصيتوا وجهي بندخل آخر الناس.

مشت غادة خلفهن، تتبع والدتها وشقيقاتها..
ترفع رأسها بثقه، رغم أن داخلها يرتعش من فرط التوتر.. تسمع زغاريطًا من جميع الاتجاهات كادت أن تصم مسمعها ما إن دخلت للقاعة حيث عن اليمين واليسار يقفن أهل العروسة والعريس في صفين متقابلين لاستقبال الضيوف..
انشرح صدرها ما إن باغتتها رائحة العود القوية والعطور المختلفة وهواء التكييف المبالغ ببرودته.. تسمع ترحيب سارة لوالدتها بوضوح بعد أن صمتت المطربة، ولم يبقى إلا أصوات المدعوات المتفرقة..

ترتفع الزغاريط أكثر حتى أصبحت كجرس إنذار يسبب الهلع ، عندما انحنت تقبل رأس شعاع والدة سارة.. ثم صيتة عمة سارة.. تشعر بأنها ستقع ما إن خطت خطوة للأمام لولا يدي سارة التي التفت حولها في عناقٍ جعل أنفاسها المضطربة تهدأ..

همست بابتسامة، تبتعد عنها وتتأمل أناقتها بإعجابٍ واضح : الف مبروك مسّو، الله يوفقهم ويسعدهم يارب.
ضوقّت سارة عينيها بوعيد وتهديد، لتردف غادة بسرعة تغطي فمها بكفها بعد ضحكة مرتفعة خرجت منها : أقصد خالة سارة. مبروك الف مبروك الله يبلغك بعيالهم يارب.
تلألأت عيني سارة ما إن ابتسمت، تقبل خدي غادة وتقول بسعادة واضحة : الله يبارك فيك ويسعدك ياغادة.. وش الحلاوة هذي كلها!!
ابتسمت لها بخجل لتظهر غمازتيها كهلالين واضحين على خديها..
استدارت لتواجه مشاعل وصيتة، في الصف الآخر.. سلمت عليهن ليبادلنها السلام بحرارة وكأنها فرد من أفراد العائلة.. صافحت امرأتين كن يقفن بجانب صيتة ولم تعرفهن -ربما هن عمات فهد أو قريباته فهذه العائلة متداخله بشكلٍ يدوّخ الرأس-..
إلى أن وصلت لشعاع الواقفة في نهاية الصف، تبتسم لها بعذوبة وتتألق بفستانٍ أصفر جعلها تبدو كدوار الشمس في القاعة المليئة بالألوان، مشعه بشكلٍ جعل كل أنثى غيرها باهته..
شعاع : ياهلا والله وغلا بعروسة ولدنا..
غادة بارتباك : هلا بك ياقلبي.. مبروك الله يوفق المعاريس ويسعدهم..
لازالت شعاع تمسك بكفها لم تتركها، تسألها عن أخبارها وغادة تريد أن تبكي عندما بحثت عن والدتها بطرف عينها ولم تجدها حولها..

أتت ريم من بعيد، تجلس بقوة على الكرسي خلف شعاع.. تنحني قليلاً تدلك ساقها وتقول بنبرة أقرب للبكاء : الحقيني ياشعاع شكله جاتني الغرغرينا من الكعب المخنز ذا، ماعاد أحس بأصابعي..
ضحكت غادة فكما يبدو لم تنتبه ريم لوجودها، مالت برأسها قليلاً تطل عليها وتقول : عوافي..
وقفت ما إن رأتها، بصعوبة وألم واضح.. تسلم عليها ضاحكة : هلا والله وسهلا.. يا مرحبا مليون ..
ثم ابتعدت عنها تعطيها نظرة متفحصة من الأعلى للأسفل، تصفّر بعدها كمراهق : جعل الله يكون بعونك يا فهود..

عقدت غادة حاجبيها عندما غطّى صوت المطربة العالي صوت ريم، تشير بسبابتها على اذنها تقول بنبرة أقرب للصراخ : ما أسمع، وش قلتي؟
كان اقتراب سارة أقرب من اقتراب رأس ابنتها التي كانت تنوي صراخ ماقالت في اذنها.. تمسك كف غادة تسحبها معها : تعالي ارقصي معي..

لتهمس غادة بهلع : ريم ساعديني.... شعاع.. أي أحد تكفون..
لكن ريم امسكت حقيبتها الصغيرة عنها، تدفعها وتشير بيدها ضاحكة تشاركها شعاع : لا يوقف..

سحبتها سارة خلفها -كما تسحب الشاه نحو المذبح- حرفيًا..
فأقدام غادة فقدت القدرة على الحركة تتلفت برأسها تبحث بعينيها عن والدتها التي اختفت ، علها ترسل لها المساعدة..
هل عادت للمنزل ونستها خلفها أم ماذا؟
إلى أن وصلت لمنتصف الكوشة، حيث شعرت بالأنظار توجّه ناحيتها كالسهام فلا أحد بدأ يرقص سواها هي وسارة .

الأعين فضولية معلقةٌ بها، فردٌ جديدٌ ظَهر.. فلا هي زوجة ناصر ولا إحدى قريبات سارة كي تراقصها وتزغرط باستماتةٍ هكذا!!

تهمس إحداهن للجالسة بجانبها : منهي ذي؟
لتجيب الأخرى بدون اهتمام : يمكن أخت بشاير.

ومادار في الطاولة الأخرى كان مغايرًا تمامًا، إذ قالت إحدى الجالسات بثقة وصوت مرتفع شد انتباه القريبات منها : ذي زوجة فهد.. توه متملك عليها ماصار له شهر..
كانت نبرتها مرتفعة بما يكفي لأن تسمعها الجالسة خلفها على الطاولة الأخرى رغم صوت المطربة المرتفع، لتستدير بذهول تضرب كفوف الجالسة بجانبها تصفق : سمعتي اللي سمعته؟
عقدت حاجبيها : وشو؟
: اللي ترقص مع سارة.. حرمة ولدها فهد.
اتسعت عينيها حتى كادت عدساتها الفاتحة تقفز من بؤبؤيها : اسألك بالله تقولينه صادقة؟
لتجيب، تهز رأسها بقوة تسحب اذنها للأسفل وتهزها : سمعته بإذني..
عادت تنظر لغادة بعد أن انتهت من رقصها، تنزل الثلاث درجات المؤدّية للكوشة بكل نعومة.. تتبسم لسارة التي لفت يدها حول كتفها تقربها منها في عناقٍ جانبي.. لتقول بحسرة : خلصوا الريجيل مالقت تاخذ إلا فهد؟ ما أقول غير ياسفاب ذا الزين بس ياسفابه.

مشاعل بود وهي ترى سارة تدور بين الطاولات، يد غادة بيدها تعرفها على الموجودات : ياحبي لها سارة الله يسعد قلبها شوفي شلون مستانسة..
لتقول صيتة تبتسم بأسى : الله عوّض صبرها خير وأنا أختك.. العالم عيونها طايرة فيها تشوف عيالها المهندس واللي بالدفاع واللي يستلم راتب يغطي عين الشمس وهو توه بأول حياته ولا يدرون باللي مرت فيه وذاقته.. الناس مالها إلا الظاهر ولا أحد يدري باللي داخل البيوت.

.


تعالت أصوات الرجال مع الأهازيج بحماس، مرددين مع مايقال ما إن حميَ اللعب.. يصطفون كتفاً بكتف تتشابك كفوفهم بقوة صعودًا ونزولاً، ذهاباً وإيابًا.. ينتصفهم عبدالله بمحزمه الذي يزين قامته، يلعب ببراعة على قدمٍ واحدة يمسك خيزرانةً بشكلٍ عرضي ويرقص بها، ثم يرفعها عالياً بعد أن وضع شماغه على رأسها.. يشاركه اثنين أو ثلاثة..

اقترب من حاكم الجالس يتابع قفزاته باستمتاعٍ من مكانه، ينزل بجسده : خشمك.
ليسلم عليه بطرف أنفه قبل أن يبتعد الآخر يلقي بشماغه في الهواء عالياً، يرفعه شقيقه حاتم بسرعة كي لا يُدعس..

قال حاكم معلقاً بضحكة خافته جعلت ابو غادة الجالس بجانبه على كرسيه، يغرق بضحكة عميقة : شاش راسه فُفّه.
ثم استدار مبتسمًا يسأله : تعرف وش تطلع فُفّه ياعم؟
ليرفع الآخر يده لازال يضحك، فطريقة نطق حاكم للاسم تكفي : الله الله، مايحتاج.

انتهى عبدالله من جنونه وجلس يلتقط أنفاسه.. واقترب ذيب من حاكم يهمس في أذنه أمرًا جعله يترك الصفوف القائمة خلفه ويتبعه.. مشى الممرات الخلفية للقاعة خلف ذيب، ليعلق علّ توتره يتبدد : ورع أنت ناوي تخطفني ولا وش وضعك؟

الساعة اقتربت من الحادية عشر مساءً..
كالحلم مرّت دقائق اليوم سريعة.. ابتسم ما إن رأى الباب الخشبي الكبير، يعلم أن الجادل تقف خلفه،، تنتظره..
ولم يمنع نبضات قلبه هذه المره من أن تتسارع بلهفةٍ افتقدها.. لهفة سنة كاملة كانت أقوى وأكثر سطوة .

تركه ذيب واقفًا وابتعد يرمي تعليقاً مرحًا من فوق أكتافه : لك نص ساعة بس، حاول ماتاخذ راحتك واجد..

أخذ نفسًا بعد أن زفر ضحكته.. يرفع يداً بأصابعٍ مرتعشه يتأكد من أن مرزامه لم يُفتح ليظهره كالأبله..
يشد على بشته ويفتح الباب يذكر الله في سره..

كانت الجادل تجلس على الأريكة البيضاء الطويلة الخاصة بالكوشة الصغيرة للتصوير في غرفة العروس، بثقة ظاهريه مزعومة.. ظهرٌ مستقيم وابتسامة لا يختلف عليها اثنين...
وداخلها يذوب من التوتر والارتباك..
سيراها حاكم للمرة الأولى، بزينتها كاملة رغم أنها كانت حليلته لما يقارب السنة.. تحاول ألا تضغط على مسكة الورد بين يديها أكثر كي لا تتفتت في قبضتها.. لكن ماكانت تشعر به كان يفوق قدرتها، خصوصا بعد أن فُتح الباب و ظهر من كان يقف خلفه، شامخًا يخطف الأنفاس بحضوره كما عرفته.
تلتقي عينيها بعينيه.. لقاءً سرْمديًا لا بداية له ولا نهاية.. و وقفت ما إن بدأت تسمع صوت تقدمه عاليًا على الأرض الرخامية.
لازالت تنظر لعينيه وكأنها تبحث عن شيءٍ فيها، ولم تجده.. رغم أنه لم يقطع النظرة بينه وبينها.
وضع كفه على كتفها برقه ما إن اقترب، يقرب شفتيه من جبينها في قبلة طالت قليلاً عن المخطط له.. جعلت الجادل تغمض عينيها تدعو الله أن تعيش في هذه اللحظةِ للأبد.

كان حاكم يحتاج لوقتٍ كي يتوازن ويجمع شتات نفسه بعد أن رآها، ولم يجد مستراحًا أفضل من دفء جبينها..
أخذ نفسًا عميقاً وأطلقه، شعرت به الجادل يطيّر خصلاً من شعرها.. يبتعد من أمامها لتتعلق عينيها به مجددًا،، بأملٍ ورجاء.. تغطيها طبقة لامعه من الدموع لم تخفى عليه، جعلته ينطق بدون درايه : وش أخبارك؟
ابتلعت ريقها تهز رأسها دون أن تجيبه، فهم أنها بخير..
أو هكذا تمنى أن تكون..
كان يجهل نفسه في هذه اللحظة معها ، وكأن هذه النسخة من حاكم لا تليق بهذه الجادل الواقفة أمامه، في أبهى حلّه تسلب الأرواح من الأفئدة بفستانها الأبيض.... يحاول والله وحده يعلم بأنه يحاول أن يجد حواراً يبدؤه معها، ولم يجد.. لا شيء..
فقال بضيق ، فمن يصدق أن شيئًا كهذا يحدث معه الآن!!..: أرجع للرجال ولا تبين شي؟
شعرت بكلماته تطأُ على قلبها، فقالت بعبرة واضحة : فيه المصورة، الحين بتجي..
وعلى كلمتها نبهتهم ودخلت تتبعها عاملتين. وكأنها كانت تقف لصيقةً بالباب تنتظر إذنًا منها..

.
.

قابلت صيتة المرآه بعد أن علّقت فستانها وارتدت قميص نوم أبيض بحردة أكمامٍ مزكرشة، تخلع عقدها وأقراطها وخواتمها وتضع كل شيءٍ في مكانه المخصص له.. تتبسم كلما تذكرت شكل الجادل وهي تزّف بفستانها الأبيض..
كأنه الأمس عندما كانت تبتسم بفمٍ يخلو من الأسنان بعد أن وقعت أسنانها اللبنية كلها.. لازالت غير مصدقة أن ابنة أختها الصغرى أصبحت امرأةً متزوجة الآن ، تتحمل مسؤولية منزل ورجل لوحدها..

مررت قطعة القطن المبللة بمزيل المكياج على عينيها المستديرتين تمسح بها الظلال التي لونت أجفانها، تفتحها ما إن انتهت ليظهر اتساعها وكبرها ، ترمش أكثر من مره -حتى اتضحت الرؤية- بصفٍ مسطور من الرموش الكثيفة، لا يمكن أن يهزم.

تمسح الباقي من وجهها، أنفها الصغير مدبب الأرنبة، لون الروج الفاتح الذي غطّى شفتها السفلى الممتلئة، ثم العليا الأقل امتلاءً.. شامة خدها البارزة قريبًا من فمها.. وأخيرًا حاجبيها الرقيقين بزاويةٍ مرتفعة..

تعلم صيتة أنها لم تكن بجمالٍ مربك يسرق الأنفاس، لكنها كانت واثقة بأنها أنثى ساحرة بما يكفي لتبقى العين تتأملها دون اكتفاء.. وكأنها بطلة فيلم أبيض وأسود خرجت من التلفاز، بشعرٍ أسود كالليل، شديد الكثافة..

تأكدت من أن الاصباغ زالت تمامًا وتمددت في فراشها بعد أن صلت وترها، لا تنوي النوم فلم يتبقى الكثير على صلاة الفجر لكنها تريد أن تريح عظامها قليلاً بعد الكعب العالي الذي كانت ترتديه.. تفتح الدرج الصغير بجانب رأسها وتخرج علبة الأقراط الزرقاء التي لا تفارقها.. ترتديها مبتسمة بعد أن قبّلتها كأنها تقبل عينيه ، تهمس بين قبلاتها تدفع عبرتها : حبيبي.. اشتقت لك.

:
*

الموضوع صعب،
.... معقد وشائك .
أن تتعايش مع فكرة الفقد، وأن الروح التي كانت ترافق روحك لم تعد موجودة..
مضى على وفاة ذيب سنة كاملة.. سنة كانت كفيلة بأن تقلب حياتنا رأسًا على عقب.. والحال من بعده تغيّر،، لم يعد كما كان..
حياتي أنا.. وحالي أنا، فالحزن أصبح يجثم على صدري، لا يتركني مهما صرخت أبكي أتوسله كي ينفكّ عني.. أتبسّم يوم، وأبكي عشرة..
كل يوم يمضي تكبر فيه المعاناة أكثر.. خصوصًا بعد معرفتي بكيفية وفاته..
لم أصدق فيه ما سمعت عنه.. لم يصدق أحد، فلا أحد يعرف ذيب كما يعرفه أهل بيته..
وحتى إن رأيته بنفسي، بأم عيني يفعل مالفّق عليه، سأكذب عينيّ ولن أصدق..

كنت كعادتي أسلّي خاطري بحاجياته.. أشياؤه التي كانت تتناثر في شقتنا الصغيرة، أدفأ مكان سكنته في حياتي، ومن بعد أن كُسر بابه وتركته، أصبحت روحي تموت من البرد كل ليلة..
أشياء متفرقه وبسيطة تخص ذيب كان أبي قد جمعها بعد اختفائه باسبوع في حقيبة الذهب خاصتي .

ضحكت أغص بعبرتي وأنا أرى قصاصات صغيرة لبعض الجرائد، فيها مقال يتكلم عن ناديه الرياضي المفضل ، كان إتحاديًا للنخاع.
يحتفظ بصفحة كاملة قد سفطها عدة سفطات،، بمانشيت عريض بوسطها :
" أبرقت وأرعدت ، ، ، ولكن لم تمطر
الإتحاد السعودي وصيفًا لكأس العرب للأندية الأبطال عام ٨٧"

لم أكن أعرف أنه كان مهووسًا بجمع الطوابع، هذا ما استنكرته وأنا أفرزها أمامي وأعدُّها..
٢٠ طابع..
هواية غريبة لو كان بقى لكان أخبرني عنها بالتأكيد .. هي و حبّات البرَجون التي لازالت داخل شبكتها..
ورغم أني كنت في كل ليلة أفتح الصندوق اتنقل بين مقتنياته، أفرز طوابعه وأحسب كم بطولة حصل عليها ناديه.. إلا أني في كل مره أفعل فيها ذلك أشعر بشعورٍ جديد، وإحساسٍ مختلف عن الذي عشته قبلاً..

كان هذا إلى أن وصلت لظرف الرسالة التي جعلتني أبكي ذيب مره أخرى وكأنه مات للتو..

رفعت مسبحته التي كانت لا تفارق أصابع يده لفمي، أقبّل حباتها من العقيق وعينيّ الغرقى بالدموع تقرأ ما كُتب في الورقة لأرى تراقص حروفها وكأنها تهزأ بي، تضحك في وجهي وأنا أحاول أن أفهم المقصود مما كُتب... لكن دون فائدة فقد تأخرت كثيرًا، كانت وكأنها المره الأولى التي اقرؤها فيها،
مع أنها ليست كذلك.
ورغم أنها كانت جملة واحدة فقط بخطٍ جميل، كلماتها مرصوصة بجانب بعضها بشكلٍ أنيق على سطرٍ واحد..
إلا أنها كانت كفيلة بأن تقلب الليالي الحزينة الموحشة، لليالي حزينة موحشة تغرق باللوم، الوم نفسي أين كنت عندما وصلت له؟ ولماذا لم أنتبه لها وأنا معه؟ التاريخ المسجّل أسفلها كان بعد زفافنا بخمسة أيام.. هل وصلت له في ذلك اليوم عندما عاد من الصلاة صامتًا لا يتحدث، بملامح باهته وعينين ذابلة؟
ورغم استغرابي لوضعه لكني لم أسأله.. كيف هان علي؟ كيف استطعت أن أرى الخوف ينطق من بين رموش عينيه دون أن اسأله؟

بل لماذا لم أفهم أنه الخطر ، وأنه كان يجب علي أن ألح بالسؤال عندما قال لي في الليلة التي تليها "أحس وقتي مسروق مني . أبي أعيش كل لحظة وكل ثانية وكل دقيقة من يومي وأنتِ جنبي، أخاف أغيب عنك ثواني و أندم بعدين إني ضيعتها.."
رافعًا كتفيه بقل حيله و يبتسم لي ابتسامة لم تصل لعينيه أبداً..

(الجماعة ناويينك ياذيب، اطلع من الديرة قبل لا يوصلون لك، الموضوع طلع من يدي خلاص)
ثم تبدلت الكلمات المرسومة بأناقه، لحروفٍ كُتبت بخطٍ متعرج وكأنه كتبها بيدٍ ترتعش (سامحني ياخوك... ساطي)

*
:

.
.
.
.


# نهاية الفصل الثالث عشر
نلتقي الاسبوع القادم إن شاءالله


سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك ♡.

 
 

 

عرض البوم صور وطن نورة ،،  
قديم 30-12-19, 07:36 PM   المشاركة رقم: 193
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
قارئة مميزة


البيانات
التسجيل: Sep 2010
العضوية: 190192
المشاركات: 613
الجنس أنثى
معدل التقييم: أبها عضو ذو تقييم عاليأبها عضو ذو تقييم عاليأبها عضو ذو تقييم عاليأبها عضو ذو تقييم عاليأبها عضو ذو تقييم عاليأبها عضو ذو تقييم عاليأبها عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 748

االدولة
البلدKuwait
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
أبها غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : وطن نورة ،، المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: أَحلَامٌ تَأبَى أنْ ’ تَنْطفِئ ،، / بقلمي

 

حيّ الله وطن نورة.🍃
أسفرت وأنورت ،، 🍃💐
حظچ زين، كان باقي شوي وأزعل عليچ، 🤨
بس الحمدلله جت سليمة، وشفع لچ حضورچ بالغنايم الزينة . 😉
للحين ما قريت الجزء، بس قلت خل أتحلطم عليچ شويتين،
علشان ما تعودينها وتغيبين عنّا هالغيبة الطويلة .

 
 

 

عرض البوم صور أبها  
قديم 31-12-19, 02:26 PM   المشاركة رقم: 194
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
قارئة مميزة


البيانات
التسجيل: Sep 2010
العضوية: 190192
المشاركات: 613
الجنس أنثى
معدل التقييم: أبها عضو ذو تقييم عاليأبها عضو ذو تقييم عاليأبها عضو ذو تقييم عاليأبها عضو ذو تقييم عاليأبها عضو ذو تقييم عاليأبها عضو ذو تقييم عاليأبها عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 748

االدولة
البلدKuwait
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
أبها غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : وطن نورة ،، المنتدى : الروايات المغلقة
Boxing رد: أَحلَامٌ تَأبَى أنْ ’ تَنْطفِئ ،، / بقلمي

 

السلام عليكم ورحمة الله .

ما شاء الله تبارك الله، سلمت يمناكِ وطن نورة..

توقع خطر في بالي وأنا حاضرة عرس الجادل وحاكم ،، وإن شاءالله ما يصير ،،،
إن كانت إحدى الحاضرات اكتفت بقول:"
خلصوا الريجيل مالقت تاخذ إلا فهد؟ ما أقول غير ياسفاب ذا الزين بس ياسفابه."

فإن بشاير المتعجرفة واللي شايفه روحها فوق وأخلاقها زيروو ، لما تسمع مديح الناس لزوجة حماها، تبتدي الغيرة بين حريم الحموان، ولسانها راح يفلت،
وتقول لبعض الحضور حقيقة فهد وإنه في الأصل هو بنت، وسوّى عملية تغيير،،
الألسنة راح تتلقف هذا الخبر الغير مسبوق ويبتدي تقاذف الحكاية إلى أن يصل إلى مسامع غادة ،، وهني راح تكون الصدمة اللي تحطمها ،، ويا فرحة ما تمت ،،😩

التوقع الثاني لمعرسنا حاكم ،،
حاكم معدنه طيب، وقلتي إنه يثق في بنات عائلته ثقة عمياء،، اللقاء بينه وبين الجادل بعد الزفة راح يكون مؤثر جدا، وفيه من الاشتياق والاعتذار الشيء الكثير، بعكس ما ظنينا في بداية المشكلة إنه راح يكون قاسي عليها،،لأنها كسرته.
أكيد هو قرأ رسالتها اللي فصلت فيها الموقف اللي صار، وهو واثق فيها تماماً، لكن اللي خلاه يتصرف التصرف القاسي إنه مصدوم ومتفشل من الضابط اللي حقق بالقضية ،،
يعني الشدّ والحزن اللي عاشته الجادل خلال اسبوعين وعشنا معاها الجو الحزين والكئيب كان ع الفاشوش 😂.
ومباركين عرس الاثنين ،،🥰

الشخصية الجديدة اللي ظهرت لنا
ساطي بن ساطي بن فالح ..
ماشاءالله عليك يا وطن نورة، تقلبين توقعاتنا فوق تحت ، وهذا من الذكاء في حبك المواقف 👍🏼

اعتقدت في البداية إن ساطي قد يكون متعاون ضد ذيب بما إنه هو الشاهد على دفن الجثة، لكن في الأخير طلع ساطي صديق وناصح لذيب .

آخ لو صيته تعطي عزام الرسالة،، أكيد راح تحل اللغز، وتريح بال عزام ، ويعرف إن والده ماكان ارهابي،، أصلاً صيته ليش مخبيتها، وما علمت أحد عنها !

ذيب بعد ما قرأ الرسالة، ما استمع لنصيحة ساطي، وبقي على أرض الوطن إلى أن تم أخذه عنوة،
وأتوقع إن ساطي استطاع أن يخلصه ويهربه خارج البلاد بعد حادثة التفجير ،، وسوى بعدين مسرحية دفن الجثة،
وهو يعرف مكانه بالتحديد،، وبما إن جوازه دبلوماسي ، فيقدر يلتقي فيه بسهوله دون مراقبة، وخلال السنوات الطويلة اللي مرت،توثقت العلاقة بين أسرته وبين ذيب ومنهم بنته عذوب.اللي كانت شاهده على شجاعته ومواقفه البطولية ،، 😍

ساطي وبنته هم المفتاح الوحيد لحل لغز ذيب،، سواء كان ذيب على قيد الحياة أو فارق الدنيا.

في سؤال محيّرني ، 🤔
ليش ما حاول ذيب إنه يتواصل مع أسرته ويبين لهم إنه حي يرزق طول هالسنين ؟
هل كان مصاب بعد التفجير، وإصابته أثرت عليه بحيث ما يتذكر؟

والشي الثاني المحيّر ،، جوار !
هل هو متعاون مع الدولة أو ضد الدولة؟
هروب زوجته منه واختباءها في منطقة لا تخطر على بال أحد، يزيد من شكوكنا حوله
! 🤔
طيب إذا كان خروج ساطي من البلاد بعد التقاعد نهائي شلون تعرف على جوار وزوجه بنته ؟


غادة &
وصف حالة الصرع التي انتابتها، مؤلمة جداً
كان الله في عون كل مبتلى،، 😥

شعاع&

(لا تعلم لماذا طرأ عليها وهي تسمع ضحكته الهادئة ، أنه ينوي أن يضع فوقها امرأة أخرى.. تفكير أحمق من ابليسها الأحمق فقط كي يجعل الشك يعبث بها..)
لا أبشرك إبليسك الأحمق غلطان 😂
هذي التباشير قامت تهلّ عليك بالجملة
ولله الحمد 😁
خلاص ما قمنا نخاف عليك، مؤشرات الاهتمام والحب مرتفعة عند عزام،
الله يديم المودة. 🥰 👍🏼


كل الشكر والتقدير لكِ مبدعتنا وطن نورة
بانتظارك بإذن الله.
🍃🌷🍃
[/SIZE]

 
 

 

عرض البوم صور أبها  
قديم 01-01-20, 05:50 PM   المشاركة رقم: 195
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,194
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : وطن نورة ،، المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: أَحلَامٌ تَأبَى أنْ ’ تَنْطفِئ ،، / بقلمي

 



السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ماشاء الله وطن نوره كل بارت يتفوق على اللي قبله وتبدعين
أكثر تسلم يمين خطت لنا هالإبداع

حاكم والجادل
معك وطن يصعب التوقع فأنت ملكة قلب التوقعات بعد ماحصل
بين حاكم والجادل عندما أعادها لمنزل أهلها توقعنا إن حياتهم
راح تكون سيئه لكن واضح إن حاكم صاحب قلب طيب ومحب
واثق في حبيبته لكنه صعب عليه الموقف الذي وضع فيه وكسره
أمام الغير
فأتوقع وماراح نتوب عن التوقع رغم إنك ترمين بتوقعاتنا عرض الحائط إن راح يكون بينهم عتاب محب تنصلح بعدها الأمور بينهم
وهذا كان درس قاسي للجادل

عزام وشعاع

كأني بشعاع تغني

طلع عاشق طلع مهتم طلع ذايب طلع مشتاق
وانا أحسب وحدي المغرم طلعنا إثنينّا عشّاق
هههههه
شعشع أنت كنت خانقته بحبك واهتمامك ما أعطيتيه فرصه
يحس بك وبقيمتك وبغيابك ويفقدك وأول ماغبتي عنه نطق أبو الهول وحس بقيمتك وإن شاء الله مايرجع لقوقعته السابقه

ريم والجادل وشعاع استمتعت بجلستهن يازين الصديقات
ربي يديم المحبه بينهن

تعرفين وطن نوره أتمنى ريم تكون من نصيب عبد الإله
أحس الإثنين لايقين لبعض

ناصر وزوجته
قدر ولقي غطاه إثنينهم طباعهم خايسه الله يعينهم على نفسهم
وماهي بعيده على زوجة ناصر أم الأخلاق الزيرو تظهر المستخبي لغاده
رغم إني ما أتوقع إن غاده العاقله والرزينه وغير المتسرعه
تأخذ موقف يخرب زواجها بل أتوقع تعطي زواجهم فرصه
وتوقف مع فهد
مشاعل
يالله تممي حلفانك ودوري لعبد الإله واختاري له اللي تسعده
إن شاء الله

ذيب وساطي
فيه سر بين الإثنين ودوختينا وطن نوره ماعاد أعرف إذا
ذيب عايش أو مات وما أستبعد إنه عايش وساطي يعرف مكانه أو عايش معه
لكن ليه ماظهر لأهله لو عايش ممكن فاقد الذاكره أو خايف على أهله أو حدثت له إعاقه كبيره منعته من العوده
ننتظر ونشوف وطن واللي مخبيته لنا


وطن نوره والغاليات حبيباتي جزاكم الله خير
وألف ألف مبروووووك هموسه ربي يسعدك ياعسل
ولا تطولين في العسل وخلينا نشوف تعليقاتك الحلوه

 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي  
 

مواقع النشر (المفضلة)
facebook




جديد مواضيع قسم الروايات المغلقة
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 12:29 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية