لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > قصص من وحي قلم الاعضاء > الروايات المغلقة
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

الروايات المغلقة الروايات المغلقة


 
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 14-12-19, 05:07 AM   المشاركة رقم: 176
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
مشرفة منتدى الحوار الجاد


البيانات
التسجيل: Apr 2008
العضوية: 70555
المشاركات: 6,528
الجنس أنثى
معدل التقييم: شبيهة القمر عضو ماسيشبيهة القمر عضو ماسيشبيهة القمر عضو ماسيشبيهة القمر عضو ماسيشبيهة القمر عضو ماسيشبيهة القمر عضو ماسيشبيهة القمر عضو ماسيشبيهة القمر عضو ماسيشبيهة القمر عضو ماسيشبيهة القمر عضو ماسيشبيهة القمر عضو ماسي
نقاط التقييم: 5004

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
شبيهة القمر متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : وطن نورة ،، المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: أَحلَامٌ تَأبَى أنْ ’ تَنْطفِئ ،، / بقلمي

 

وطن .. عسى المانع خير

 
 

 

عرض البوم صور شبيهة القمر  
قديم 14-12-19, 09:50 AM   المشاركة رقم: 177
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Oct 2018
العضوية: 330628
المشاركات: 159
الجنس أنثى
معدل التقييم: وطن نورة ،، عضو على طريق الابداعوطن نورة ،، عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 176

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
وطن نورة ،، غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : وطن نورة ،، المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي

 



أسعد الله أوقاتكم بكل خير..
ما اعرف من وين أبتدي بصراحة وأنا اعذاري صارت أكثر من عدد الفصول خخخ :(

الله يسعدكم جميعا على ردودكم اللي أسعدتني جداً.. محرجه من نفسي لأن قدركم إني ارد عليكم وحدة وحدة لكن كلي أمل تعذروني❤ الف شكر لكل من علق وكتب توقعاته والله إني كنت اقراها وأنا أغرق في السعادة.

جينا لسبب التأخير عاد :(
والله ما اعرف من وين ابدا لكن جدي أصيب بعارض صحي ثقيل
الله يكفيكم شره ومن يوم ما أخذوا منه خزعه إلى إن طلعت النتيجة وإلى هذه اللحظة والوضع ما احكي لكم ..
لكن الحمدلله على كل حال كل عطايا ربي زينه والله يجمع له بين الأجر والعافية .. فلا تنسونه من دعواتكم الله لا يوريكم مكروه..
اتمنى تعذروني والله أدري إني مقصرة لكن أنتم كريمين وأنا إن شاءالله إني استاهل هههه :)

اترككم مع الفصل الثاني عشر اتمنى لكم قراءة ممتعة وإن شاءالله ينال على استحسانكم ❤..

شكرا مره ثانية :)❤

 
 

 

عرض البوم صور وطن نورة ،،  
قديم 14-12-19, 12:48 PM   المشاركة رقم: 178
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Oct 2018
العضوية: 330628
المشاركات: 159
الجنس أنثى
معدل التقييم: وطن نورة ،، عضو على طريق الابداعوطن نورة ،، عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 176

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
وطن نورة ،، غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : وطن نورة ،، المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي

 

.
.
.


أتمنى لكم يوم جميل و قراءة ممتعة مقدما ❤


# الفصل الثاني عشر،،
" عَلى الأَقلْ ، لا تَخذِل قَلبِي "

.
.
.


انتهت الليلة وأُغلقت الأنوار جميعها فيما عدا أنوار غرفة غادة..
والأنوار المضاءة في قلب غادة..
والالتماع الواضح في عينَي غادة..

لدرجة أن رهف علقّت باستنكار بعد أن خرجت سارة من منزلهم ومضى على خروجها أكثر من ساعة.. و وجه غادة لازال متوردًّا وعينيها تتلامع كالكريستال : شدعوة حب من أول نظرة!!!
ضحكت غادة بخجلٍ على ماقالت : أنا خفيفة بس مو للدرجة ذي عاد.. ماهو حب قد ماهي راحة وقبول.. تحسين قلبك طاير طااير يارهف..
رفعت رهف حاجبيها باستخفاف وهي ترى أختها تضع يدها على صدرها بابتسامة واسعة : كل ذا ومو خفيفة؟ أنتِ زين ما لحقتي أمه يوم طلعت..

سلّمت من قيامها و اندست تتدثر بأغطيتها.. تبتسم، وقد مضى على تمددها هذا أكثر من ساعة.. لكن الابتسامة لازالت مرسومة على وجهها وهي تنظر للسقف رغم ظلمة المكان، وأصابعها تلِف أطراف شعرها بحالمية..

تتسع الابتسامة تدريجيًا وهي تعاود تذكر وجه فهد.. وملامح وجهه ما إن دخلت، و رفعِه للكأس بكلتا يديه وكأنه يخشى من أن ينزلق منه.. حتى نامت على عينيه ونبرته العميقة التي أغرقتها بكل لطف عندما قال قريبًا منها يأخذ مابيدها "أبشري"..

.
.

فهد كان يعيش ليلةً مختلفة..
وكأنه يرى العالم من على نجم، أضاء الدنيا في عينيه..
إحساس غريب يسكن قلبه لم يمر عليه خلال سنوات عمره التسعة والعشرون الماضية.. إحساس رهيب بالسكون والراحة جعل كل خلية في جسده تسترخي.. وكل فكرة سلبيه في عقله تتلاشى وتختفي..

لازال جالسًا بين أصدقاء حاكم في استراحتهم المعتادة رغم أن الوقت تجاوز منتصف الليل بكثير..
كانت سارة اعترضت قبل ذهابهم : على وين أنت وياه الوقت تأخر.
لكن حاكم قال وكأنه يعرف نقطة ضعفها : يمه العيال بالاستراحة مسويين عشا عشان فهد..
لتتسع ابتسامتها : الله يجزاهم خير ويغنيهم، ما يخالف روحوا وسعوا صدوركم بس ارجعوا بدري .
وبالرغم من أنها كانت كذبة -بررها حاكم بأنها "بيضا"-.. إلا أن فهد ممتن.. وجدًا..

يجلس بينهم تصله أحاديثهم وضحكاتهم ليبتسم ويضحك معهم دون أن يشعر بنفسه.. أو أن يعرف ما يضحكهم،
وإن كانت الضحكات عليه أو على ابتسامته السارحة البلهاء، لن يعلم..
ينظر للأرض بسرحان حيث أصابع قدمه التي رفعها مُسندًا ذراعه على ركبتها..

لازال يسمع ضحكة أحدهم ليضحك معه وفي خاطره شيءٌ آخر.. الرؤيا التي تمر عليه شيء مختلف لا يتماشى مع مكان يعج بالشباب هكذا.. أخفض رأسه يخفي ابتسامةً مشاكسةً تملكت ثغره، خوفًا من أن يلمح أحد التماع عينيه ويسرق من في باله..

ما في عقله هو صاحبة الوجه اللطيف التي اقتربت منه على عجل.. ليلخبط اقترابها معدل نبضه.. ظن أنها تعبث به، أو ربما تختبر صلابته. إلى أن مدّت في وجهه صينية تقول بارتباك وغمازتيها تظهر بوضوح رغم عبوسها " أمسك شوي ".

.
.


مساء اليوم التالي.. بعد أن فاض الجميع من صلاة العشاء..
كان عبدالله يقف بجانب عزام أمام باب المنجرة.. يتابع مجموعة العمال الذين يحملون جهازاً ثقيلاً ليدخلوه.. يدور بينه وبين الآخر حديث ودّي استطاع من خلاله عبدالله أن يفوز بضحكة أو اثنتين من عزام التعيس -لاحظ ذلك من وجهه دون حتى أن يتكلم الأول- ..

" السلام عليكم"
استدار الاثنان على الصوت الذي وصلهم.. كان مألوفاً جدًا لمسمع عزام مع ذلك تفاجأ ما إن رأى الواقف أمامه لدرجة أنه لم يرد عليه السلام..
عبدالله : هلا وسهلا وعليكم السلام..
كان يركّز بنظره على عبدالله وكأنه يمسح ملامحه بعدسة عينيه.. متجاهلاً بذلك عزام الواقف بجانبه وكأنه لا يراه : أكيد أنت عبدالله!..
ليجيب مستنكراً : وصلت خير ياخالي.. سم ؟

لجزء من الثانية حطّت عيناه على عزام الذي كانت عينيه على أكبر اتساع تتضح على وجهه ملامح الصدمة وعدم الراحة..
ثم عاد ينظر لعبدالله الذي بدأت ملامح الاستغراب تظهر بوضوح على وجهه ليقول بابتسامه : معك جوّار بن زيد.. و أبيك بموضوع مهم وعلى انفراد لاهنت..
نظر عبدالله لعزام ثم للواقف أمامه باستغراب شديد، والقليل من القلق فهو لا يعرفه ولم يراه من قبل.. أبدًا. : وش موضوعه؟

تلاشت الابتسامة تمامًا وحلّ محلها نظرة أشبه بالسواد الذي يغطيهم في هذه اللحظة.. يقول بنبرة وكأنها خرجت من أعماق بئر : الموضوع شخصي وخاص..
يخص عذوب..
... زوجتي..

عم الصمت لثواني حاول فيها عبدالله أن يتحكم بانفعالات وجهه ما إن نطق صاحب الملامح المتوجمه اسمها. : سم!!
ما فهمت وش تقصد؟
لكن يبدو أن محاولاته باءت بالفشل لأن جوار قال بابتسامة تخفي خلفها غيظًا لا حد له : أنت وأنا فاهمين وش أقصد..
ثم أردف بخفوت : وأنت عارف زين عن وش قاعد أتكلم ..
تسارعت أنفاسه بقلق واضح يشعر بقبضة عزام التي التفت حول ذراعه بقوة ليحتد صوته : لا العذر منك منيب فاهم، ياخوي وش يخصني بزوجتك الله يستر عليها أنت جاي ترمي بلاك علي؟
جوار بنبرة قوية هادئة مرعبة : عبدالله..
ليتدخل عزام هذه المرة وكم يتمنى أن يخنقه : قول اللي عندك ولا توكل على الله، شغل الألغاز ذا ماينفع..

لكن عينَي جوار لم تبتعد إنشًا واحدًا عن وجهه : شوف عبدالله أنا جيتك بنفسي وجالس أطلب منك تخدمني الخدمة ذي بكل احترام.. لا تخلي الموضوع ياخذ منحنى ثاني نصيحة.
عبدالله بغضب : لا.. أنت قاعد تهددني!!..
نقل بصره لعزام، ببطئ : لا والله ما أهددك.. أنا قاعد أنصحك و.. أحذرك..

عقد عزام حاجبيه وكأنه فهم مايعني ليقول مكرهًا : أنت شايف المكان كيف مليان عمال ولا يساعد تفتح فيه أي مواضيع شخصية وخاصة..
نطق بالكلمة الأخيرة ساخرًا ، ليقول جوار مبتسمًا يعود ببصره لوجه عبدالله القلق موجهًا حديثه له : أجل نتقابل في أي مكان تحدده أنت.. وياليت بأسرع وقت لأنك إن ماجيتني أنا بجيك..
لكن عزام سبق الآخر بالرد : زين، أعطيه رقمك وهو بيدق عليك .
ثم التفت ينظر للواقف بجانبه : عبدالله سجل رقمه..

ابتعد جوار بعد نظرة وجهها لعزام وجملة قالها لعبدالله : انتظر منك اتصال.. لا تتأخر..
ليتابع الاثنان ابتعاده بعينيهما حتى ركب سيارته وأختفى..
عبدالله بزفرة يعيد هاتفه لجيبه : وش ذا العالم المريضة استغفر الله العظيم!
التفت له يسأل بقلق : وش تصير عذوب ذي؟
عبدالله بحاجبين معقودين تظهر استياءه : وأنا وش يدريني أنت بعد!!..
عزام بهدوء : كيف ماتدري وأنت انخبص وجهك من جاب اسمها؟ عبدالله تكفى لا تخبي عنّي أنت متورط مع ذا الخسيس بشي؟
ابتلع ريقه ولم يخفى ذلك عنه : لأ أول مره أشوفه..
عزام : إذا مخبّي شي علمني ولا تخاف..
ليقول عبدالله بنرفزة : قلت لك ما أعرفه يمين بالله ذي أول مره أشوفه فيها..

سكت لثواني ينظر لعينيه التي كانت تنظر له بحده وثقة.. لينطق متنهدًا : طيب أبيك توعدني ماتلتقي فيه إلا وأنا معك. وتعلمني بكل شي يصير بينك وبينه.
عبدالله بعدم رضا : وليه إن شاءالله كل ذا؟

تدافع الهواء من رئتيه في زفرة لا تنم إلا عن قل الحيلة.. يمسك بذراع عبدالله مجددًا يشد عليها وفي نبرته رجاء : تكفى يا عبدالله حلفتك بالله تسوي اللي قلته طالبك قل تم..
ثم أردف بسرعة : ولا تدري.. لا تكلمه لين أقولك أنا..
تحركت عيناه على وجهه بشك : أنت تعرفه؟
عزام : لأ.. بس أعرف الأنجاس من عيونهم وذا نجس لا تعلَق معه وتوهق عمرك.. خليني معك اثنين أحسن من واحد، تكفى قل تم لا تخليني أقلق عليك وأشيل همّك..
عبدالله باستنكار يريد إغلاق هذا الموضوع الذي بث فيه ذعرًا بسرعة : خلاص تم ياخوي لا تحن..

انتهى من عبدالله وعاد لمنزله ببالٍ مشغول لا يعلم على ماذا ينوي جوار.. وكيف أدخل عبدالله نفسه بكل هذا ومتى؟
يعلم أن هناك قصة منذ حادثة الهاتف وسيعرفها طال به الزمن أو قصر.. كل ما يهمه الآن هو ألا يتأذى عبدالله وأن يخرج من كل هذه الفوضى كالشعرة من العجين،
وسيفعل المستحيل كي لا يحصل له شيء..

وقف أمام منزله وقد اقتربت الساعة من العاشرة مساء السبت.. جلس في سيارته يفتح نوافذها والهواء العليل الليلة يربت على رئتيه وكأنه يواسيه ويخفف عنه الثقل الذي يشعر به..

أخرج هاتفه من جيب ثوبه يخرج معه زفرة، وهو الذي كان يشعر باهتزازه بعدد لا نهائي من الرسائل قبل ساعة ولم يكلف نفسه عناء إلقاء نظره..

فتح الواتساب حيث التنبيهات في تزايد ليرى أن الاستنفار كان من -القروب- الذي أنشأه عبدالله قبل سنة ونصف يجمع فيه رجال العائلة من الشباب و أطلق عليه اسم (الصغارين).. كان قليل التفاعل فيه رغم أنه يقرأ مايُكتب أولاً بأول..

العلاقة بينهم متينه جدًا.. حتى معه رغم تباعده عنهم. يحاولون إدخاله في دائرتهم مهما تعذّر وتصنّع الإنشغال.. يشعر بأنه سيكون كاللطخة السوداء في لوحتهم الملونة..
روحه تشتاق لجلسته بينهم، لكنه لازال في ضلاله القديم..
يريد أن ينخرط بالحديث معهم دون قيود، دون أن يسرح يفكر بشيءٍ أتاه من العدم كي يعكر صفوه.. أو أن يجلس بعيدًا يحسِبُ نظراته كي لا تقع عيناه بعيني فهد المبتسمة، التي تذكره رغمًا عنه بمن كان يجالسها في سطح منزل خاله، خلف الخزان وقلبه يرفرف بين جوانحه من عذوبة الشعور معها..
أو أن يسمع ضحكته التي أذابت أوتار قلبه المراهق آلاف المرات.. أو نبرته التي كانت ولا زالت تجرفه، بعيدًا هذه المره حيث يزدري نفسه على أفكاره هذه..

رفقة حاكم ممتعة.. وأحاديث عبدالله وقصصه -حتى وإن كان يبهّرها قليلاً كي تكون ذات عمق "كما يقول ويدعي"- لا تفّوت.
أما عبدالإله فهو المايسترو الذي لا غنى لهم عنه ولا تزدان جلستهم إلا به.. حتى تعليقات فهد التي يرميها من وقتٍ لآخر بعفوية تضحكه -حتى وإن كان يحاول ألا يُبدي ذلك شادًّا من تقطيب حاجبيه وعبوس شفتيه-..

يبعد نفسه متعمدًا رغم تلهفه لرفقتهم عسى حياته تعود كما كانت، ولا أحد يعلم سبب هذا التباعد سوى عبدالإله وكم يلومه في كل مره على صغر عقله وتخلفه كما يحب أن يطلق عليه..

عقد حاجبيه يحرك أصبعه للأعلى بحثًا عن الرسالة التي جعلت الجميع يكتب عبارات التهنئة والتبريكات وبعض التعليقات الطريفة.. وقف عند كاريكاتير أرسله عبدالإله لامرأة تخنق رجل حتى خرجت عيناه من رأسه معلقاً تحتها (أهم شي أنتبه توصل للمرحلة ذي يالذيب ، لإنك وقتها بتكون فقدت السيطرة خلاااص)..

ازدادت عقدة حاجبيه وسارع بالصعود للأعلى إلى أن وصل لما تم إرساله اليوم.. تحت اسم حاكم (ابشركم يا شباب العصفور دخل القفص أخيراً).
معلقًا بذلك على صورة فهد التي أرسلها ويبدو أنه تم التقاطها دون معرفة الآخر بذلك.. يجلس على كنبة مفردة مذهبة الأطراف تبدو في مجلس أحدهم.. يرتدي ثوبا كحليًا وشماغًا أحمر اللون يلف طرفيه فوق عقاله أعلى رأسه مُرجعًا أطرافه للخلف بطريقة مميزة.. ينظر للأمام كالمسبوه، وفي عينيه الواسعة والغائرة ناعسة الطرفين والتي يحفظها عزام كما يحفظ خطوط كفّه قلق..

ضحك وهو يتأمل الصورة.. دون أن يعرف لماذا!
لكن ربما وجهه الذي يخلو من التعابير من شدة التوتر رغم أنه يجلس رافعاً كتفيه بثقه، هو السبب..
حرك إصبعه للأسفل يبتسم دون شعور على تعليقاتهم وردود فهد إلى أن وصل لما كتب "الجمعة الجاية العَقد إن شاءالله وحياكم على العشا، من الحين أقولكم ما أقبل أي أعذار"

تنهد وكتب (مبرووووك).. تأملها قليلاً و أحس أن كمية الواو الموجودة مبالغ بها فحذفها واكتفى بواحدة (مبروك)..
نظر لها وشعر بأنها جافة وكأنه أرسلها رغمًا عنه فوضع بجانبها قلب أحمر.. لكنه مسحه بسرعة فالكلمة بدت مبتذلة جدًا..
زفر وكتب أخيراً (مبروك فهد الله يتمم لك على خير) و أرسلها دون أن يفكر مرتين..

قرأ ماكتب أكثر من مره إلى أن فلتت ضحكته عندما أرسل حاكم (ياللي ماخذ الجوال رجعه لعزام أحسن لك -مع ايموجي مسدس ماء أخضر-..) نكايةً عن قلة ردوده.

كان ينوي أن يكتب ردًا لكن رد فهد كان أسرع.. يستطيع أن يحلف بأنه قادر على سماع ماكتب بصوته (الله يبارك فيك ويسعدك عزو) ، ولم يخجل أو يتردد بأن يرفق قلبًا أحمرًا مع رده هذا..

ارتفع طرف فمه بابتسامة لا معنى لها.. أقرب للأسى وفي داخله يتمنى أن يجد فهد السعادة مع من سيرتبط بها وأن يعود بريق عينيه التي انطفأت كما كان في السابق، فقد عانى وعانى الجميع معه بما فيه الكفاية..
أو لأجل عمته سارة على الأقل.. فهي كانت الأسعد عندما خطبت لكلٍ من ناصر وحاكم، فكيف بحالها في خطبة فهد الآن؟

أغلق المحادثة وزفر للمرة الثانية.. يغلق سيارته ويترجل منها لداخل البيت..

غدًا يوم عمل اعتيادي ممل ورتيب يذهب فيه لمؤسسة أبو عارف يدخل بعض البيانات ويشرف على إتمام بعض الصفقات التي يحاول من خلالها أن يجد ثغره تدينه لكن دون جدوى، فجميع الأوراق نظامية وتجارة المؤسسة مشروعة.. حتى بدأ يشك بأنه تم تكليفه فقط لإضاعة وقته وتبديد جهده..

ورغم الذي حصل من شد أعصاب برؤية جوار يقف أمام وجهه يهدده بنبرة مبطنة قبل ساعات، إلا أنه يشعر بأن هناك منفذ يتسرب من خلاله نسيمٌ عليل لقلبه لا يجعله بائسًا يغرق بالقنوط, وهذا من رحمة الله ولطفه به..
وربما لرفقة عبدالله يدٌ في ذلك..

دخل يغلق الباب بهدوءٍ خلفه.. السكون في المنزل مهيب وجميع الأنوار مغلقه فيما عدا إنارة الصالة العلوية..
بدأ يصعد الدرجات بهدوء لا يتماشى مع صخب أفكاره.
تسوقه أقدامه سوقًا لغرفة والدته، بخطى مبتسمة على صراخ عبدالإله محاولاً بمريم أن تنام.. وصراخ الصغيرة في وجهه تجادله وتبدي اعتراضها..


:
*

سلمت من صلاتي على صوت باب المنزل يغلق بهدوء..
منزلي أنا وذيب، الشقة المتواضعة الصغيرة في أحد العمائر السكنية.. ورغم أنها ليست كما تتمنى أي أنثى وترغب، إلا أنها كانت أكثر مما تمنيت ورغبت.. يكفي أنها تجمعني به تشهد كل زاويةٍ فيها على لحظاتي معه..

أعرف ذيب عدد سنوات عمري، ثمانية عشر سنة، سنةً تتبعها سنة.. لكني في الأربعة أيام الماضية التي عشتها وروحي مرتبطة به، اكتشفت ذيبًا آخر غير الذي كنت أعرفه..
إن كان ذيب قبلاً شابًا ودودًا سهل المعشر حسَن المنطوق مرّة..
فهو الآن أصبح رجلاً ودودًا سهل المعشر حسَن المنطوق ألف مره..
عيناه تنطق قبل لسانه.. لا تخرج من بين شفتيه إلا الكلمات التي تصيبني في مقتل وكأنه يعرف تأثيره علي دون أن يتكلف.. نظرة واحدة من عينيه تكفي بأن تجعل العاباً ناريةً تخرج من عيني تضيء عالمي بأكمله..
جلس أمامي، متربعًا يضرب فخذي بخفه : خلصتي صلاة ولا باقي؟
ابتسمت : خلصت.
ذيب : الله يتقبل.
سألت: ليه؟ تبي شي؟
حرك حاجبيه بخبث أنار عينيه، يميل بجسده جانباً يدخل يده في جيب ثوبه : عشان لا أنقض وضوئك بس.
شهقت بخجل ما إن فهمت مقصده.. أضرب ركبته بخفه : حسبي الله على ابليسك هذا كلام ينقال وأنا على السجادة!!!
ضحك يمسك يدي قبل أن تضربه مجددًا، سحبتها من بين أصابعه ولم يبدي أي مقاومة.. أحاول أن أبعد عنه عينَي التي تقع في عينيه رغمًا عني.. يقول : يعني على غير السجادة عادي؟؟

ماثلته بالجلوس.. أبعد شرشف الصلاة عن رأسي لأكشف له عن أذنين تشتعلان احمراراً بعد ضحكةٍ مدويةٍ أطلقها وعبرت لقلبي مباشرة، أصرف بصري عن ملامحه الباسمة لثانية قبل أن ترتفع عيناي مجددًا لوجهه، أتأمله بلهفه رغم أنه لا يترك المنزل إلا في أوقات الصلاة ويعود بعدها..

اقترب مني أكثر حتى التصقت ركبتيه بركبتَي.. يخفي بين كفيه شيئًا انتبهت له عندما أخرجه من جيبه.. يستند بكوعيه على فخذيه ويميل بجذعه للأمام حتى أصبح وجهه على مقربةٍ من وجهي..

ابتسامة واسعة تجمل وجهه وأشهد الله أني في حياتي كلها لم أرى مبسمًا حلوًا كهذا. أحسست بأن أنفاسي تُسحب مني عنوَه، ليست خجلاً هذه المره بل حبًا مفرطًا فاق قدرتي على التحمل.. ولم أمنع عيناي وماترغبان به عندما بدأتا تتأملان تقاسيم وجهه بهذا القرب،، عيناه الحادتين، التي تجمع في مقلتيه المعجزة، الليل الحالك و وضح النهار معًا، أستطيع أن أعد رموشها رمشًا رمشًا دون ملل.. استقامة أنفه.. امتلاء شفتيه.. كثافة شعيرات شاربه وعوارضه.. ثم مجدداً عينيه حيث الغرق..
أنا أغرق.. أغرق.. أغرق..
بكل رضا..
أخاف البحر، ومع ذلك لا أريد النجاة.

ارتخت ملامحي عندما شعرت باقترابه.. لتلتقي شفتيه بعظمة أنفي؛ أغلقت عينَي بسكينة ما إن غرس قبلةً رقيقةً خفيفةً هناك، يبتعد بعدها سارقًا أنفاسي معه..

"صيتة"..
نطق باسمي وكأنه يعزفه.. ناداني بصوته، وكان صوته أجمل صوتٍ يمر على مسمعي وينادي باسمي.. الصوت الرخيم الذي يصل لأعماق الفؤاد ويستقر ويعلق في حنايا الروح..

فتحت عيناي وأنا من حلاوة ما أشعر به ، أصبحت نظرتي عائمة.. وعقلي يسبح في رأسي : لبيه؟
ابتسم ابتسامة واسعة، يسحب يدي ويضع في كفي ماكان في كفه..
لأستفيق من سكرتي، أنظر له ثم للعلبة الزرقاء الصغيرة بعدم فهم..
ليقول ببساطة وهدوء وكأنه سمع تساؤولي قبل أن أنطقه : افتحيها.
فتحتها، والتقت عيناي بما في داخلها.. أقراط صغيرة بريقها أسرني، وخطف أنفاسي بانبهارٍ واضح..

التقت عيناي به ، مجددًا.. وكأن لا مفر لي منها، هي مرسى أحلامي، و وجهتي الدائمة وملاذ روحي.. وأقسم أن البريق الذي رأيته فيها كان أجمل بريقٍ رأيته في حياتي.. همست بعدم تصديق : هذا لي؟
ذيب، ونظرته تحكي.. بخفوت : مايلوق إلا عليك..
تحسستها بأطراف أصابعي المرتعشة.. أهمس بقلق فأنا أعرف أن مرتبَه الشهري لا يأتي بهذا البذخ : شكلها غاليه ياذيب..
ليقول بصوتٍ نبرته تغرق بالعاطفة : الغالي يرخص لك..
الروح ترخص لك ياصيتة كيف عاد بشوية حجر..

ضغطت على شفتِي بأسناني، أحاول أن أمنع رعشتها عندما تصاعدت عبرتي لأعلى حلقي..
شعرت بالقلق في صوته عندما سأل بشك : عجبك؟
أجبته بسرعة أشعر بحرارة الدموع في عينَي، ابتسم وصوتي خرج مثقلاً بالعبرة : تهبل .
ارتخت ملامح وجهه بعد أن زفر براحة، وكأنه كان يكتم أنفاسه قلقاً من الإجابة.. : تهبل ياذيب.. تهبل..

ليته يعلم أن كل ثانية تمر علي وأنا معه وبرفقته هي هدية..
وأن جلوسه أمامي هكذا بعينين تعطي ألف تعبيرٍ وشعور نعمة وعطيّة من الله، لو حمدته عليها دهرً ماوفيته جزءًا منها سبحانه..
سألته أعاود النظر للعلبة : متى شريتها؟
ليقول : قبل ثلاث سنوات..
ثم أردف بضحكة خافته عندما نظرتُ له بصدمة : شفته صدفة بمحل في روسيا وحسيت أنه يلوق لك.. أنتِ الوحيدة اللي جيتي على بالي..
اتسعت عيناي بذهول : أنت رحت روسيا؟
ليجيب بهدوء يمد يده لأذني، يحاول أن يخلع حلق الذهب الذي ارتديه : مم..
ارتفع حاجبّي، لأنشغِل عن النطق بمتابعة حركاته.. يأخذ الحلق ويُدخله في شق فتحة زرار كم ثوبه، قبل أن يغلق قفله الخلفي عليه ثم يرفع عينيه لي غامزًا : خلاص ذا صار لي للأبد، تمت المصادره..
ثم أردف يأخذ أحد القرطين يفتح قفله ويلبسني إياه، ولم تكن لمساته إلا لمساتٍ رقيقة، رقّةً لم أعرفها قط.. تدغدغ قلبي وتسرق أنفاسي.. حتى أني سألت بأنفاسٍ مقطوعة أقطع الصمت : ليه رحت هناك؟ وش عندك بروسيا؟

وضع كفه على أذني ما إن انتهى من مهمته.. ثواني فقط قبل أن يبعدها واضعًا راحتها على شفتيه، يقبلها وعينيه تنظر لي بابتسامة وكل شيءٍ عذب يختلج في صدره وصل لي دون أن ينطق به.... لم يُجب ولاحظت أنه تجاهل سؤالي يقول عوضاً عن ذلك بهمسٍ صادق أنساني نفسي والسؤال : أنتِ لوين تبين توصلين يا بنت عبدالله؟ هونك علي هونك والله إني أحتاج قلب ثاني فوق قلبي، معك واحد ما يكفي ..

في الليلة الرابعة عشت أسمى مراحل الحب معه..
ليلتها همس لي ذيب وهو ينظر لي بعمق وكأنه يرى روحي من مقلتّي : أنتِ أجمل و أعذب شيء تمنيته وتحقق ياصيته.
ساعات أحس إن في داخلي كلام كثير أبي أقوله لك لكني أعجز .. بس أنتي فاهمتني.. فاهمتني صيته صح؟
ليلتها وبالرغم من خجلي،، لم أستطع أن أبعد عينيّ عن عينيه التي تجمَع في بؤبؤيها الليل الحالك و وضح النهار معاً.

*
:

تحسَستْ الحلق الألماسي الذي يزيّن أذنها، لازالت تذكر تلك الليلة وكأنها صارت بالأمس، لازالت تشعر بملمس شفتيه على عظمة أنفها، وتلاصق ركبتيه بركبتيها، والتماع عينيه وهو يتحدث عنها معه، وكأنه ملك الدنيا وما عليها..

ابتسمت وعينيها تغرق بالدموع وقلبها الليلة مشحونٌ بالذكرى -ليس وكأنها سلت عنها ليلة- ، و روحها التي سُلبت منها قبل أكثر من اثنى وثلاثون عامًا لا تستكين وتستقر إلا بالذكرى القصيرة التي تعيدها مراراً وتكرارًا دون كللٍ أو ملل.. دون أن تغفل عن أي تفصيل، لازالت ذكراه حيّه في قلبها حتى بعد مرور ما يزيد عن ضعف عمرها.
ليت ذيب يعود ليلة..
ليست طماعة، ليلة واحدة فقط وسترضى.. لازال هناك الكثير تود أن تتشاركه معه.. بقى الكثير لم تقله بعد.. ظنت أن العمر بأكمله معهم، ولو كانت تعلم أن أيامهم معاً ستكون قصيرة لهذه الدرجة، لكانت أخبرته في كل ثانية أنها لم تعشق مخلوقًا كما عشقته.. لكانت استغلت كل لحظة تمر وهو جالسٌ أمامها بتأمله..
بقيَ الكثير في خاطرها لم يسمعه.. بقت إجابة سؤاله عالقه في طرف لسانها، منعها خجلها من أن تنطق بها تلك الليلة، لازالت تريد أن تقول وهي تنظر لعينيه : تدري ذيب، من يومي صغيّرة وكل ماسويت شي أعجب أبوي يقول لي "الله يرضى عليك ويعطيك لين يرضيك ياصيتة"..
والحين عرفت إن ربي استجاب دعوته، أنت أجمل عطايا الله لي ياذيب ..

لازالت غير مستوعبة ما حصل معه ومعها. كيف له أن يتلاشى هكذا دون أن يترك دليلاً خلفه؟ كيف لحياتها أن تصبح خاويةً هكذا بعد أن كانت تمتلئ به؟ لازالت تتذكر أحاديثه، ابتساماته التي لا تفارق وجهه، نظرة عينيه المتيمة بها دون خجل. تريد أن تودّعه وداعاً يليق به، فقد أُخذ منها عنوه دون أن يترك لها مجالاً لعناقٍ أخير.. تركها خلفه بقلبٍ مفزوع وأنفاسٍ هلعه، ودموع تسقط دون توقف،
وقُبله أسكنت كل ذلك..
.


قَرع الباب مرتين، ودخل دون أن ينتظر إجابةً منها.. يجدها تتمدد في مكانها لكنها ما إن رأته حتى وجلست..

كالتائه جلس أمامها، يرفع كفها ويقبله لازال يستصغر نفسه ويحتقرها على تلك الكذبة..: مساك الله بالخير.
لتجيب بابتسامة : مساك الله بالنور والرضا والسرور ياقلبي.. وينك أبطيت عن البيت ذي طلعتك من الصبح.
ثم أردفت بعتب : ولا رجعت ريمه لعادتها القديمه..؟
عزام : كنت مع عبدالله شاري قرابيع لمنجرته ورحت معه.
ضحكت باستنكار : لا يسمعك تقول قرابيع.
ليقول بابتسامة : والله إنها قرابيع وقلتها في وجهه ماخفت.
صيتة بمودة : الله يوفقه بنى نفسه بنفسه ذا الولد..

أيّد قولها بإيماءة رأس، يمسح جانب شعره براحة يده لا يجد ردًّا ولا موضوعاً كي يفتحه معها لكن يكفيه هذا الجلوس وعينيها ترقبَه بحب لم يرى مثله قط..
إلى أن قالت تقطع السكون : دريت، فهد ولد عمتك سارة خطب ماشاء الله عليه..
قالتها تشدد على بعض الكلمات يعلم مقصدها بذلك.. ليكرر الإيماء برأسه دون أن يفتح فمه..
صيتة : دقيت باركت له؟
عقدةٌ بالكاد ترى تشكلت بين حاجبيه : ارسلت له.
ثم نطق قبل أن تسأل سؤالاً آخر : من بنته اللي يبيها؟
لتردف بسعادة واضحة : وحدة مع عمتك بالجامعة أبوها يقاله عبدالله بن رمَاح .. الله يوفقه ويسعده يستاهل الخير فهد..
ليتمتم تحت أنفاسه : آمين..
تابعت تنظر لعينيه : لو تشوف عمتك، الأرض مهيب سايعتها من الفرحة..
ابتسم رغمًا عنه لطاريها : الله يتمم فرحتها على خير.
فسألت بشك : وش فيك خاطرك شين؟
عزام بأسى لازال مبتسمًا : الحين يمه مبتسم ابتسامة وش طولها وتقولين خاطرك شين؟
قوست شفتيها بتفكير : مدري كنك ضايق؟ متكدر؟ ماش منت عزام اللي أعرفه.
عزام بتهكم : إن سمعك أخوك بيجي طاير يقولك وش الجديد هذا هو من عرفته؟.. ثم يقول جملته اللي كنها وجهه،
ثم تابع هازئًا به : قالوا كيف عرفت إنه عزام؟ قال من بوزه..

ضحكت تضرب ذراعه بخفه : وش فيه وجهه بسم الله عليه ملح وقبله ماخذ ملحكم يابن ساجر لين مابقِى لكم شي..
عزام باستمتاع : يخسى. لكن من يشهد للعروس غير أمها!
صيتة : أقول تبي شي ولا خلاص؟ ..
رفع حاجبيه : كنّها طرده ذي؟
لتجيبه ضاحكة : توكل على الله دور شعاع الحين تمسك الشِفت..
وقف : وبكرة تعالي قولي نام عندي ياعزام.
صيتة : بسلامتك ذاك اليوم بغيت تكسر حوضي وأنت ترافس .
عقد حاجبيه باستنكار : من يقول أرافس؟
لتقول ممازحه : أنا أقول، ولا تظن إني مثل شعاع بتحمل وأسكت؟
ضحك بخفوت يفهم ماترمي إليه من حديثها هذا، ليقول قبل أن يقبل رأسها ويبتعد : بسم الله عليك ياللي نومك ملائكي.. يمه عليك شخير صب الدم من أذني لا وتلحنينه بعد بس أنا بصير أحسن من وأسكت..
ضحكت تقول بصدمة : كل اللي قلته وبتسكت؟ كثر الله خيرك سترت علي..
عزام محركًا حاجبيه : تصبحين على خير، بروح للي متحملتني وساكتة الله لا يخليني.
.

فتح باب غرفته بهدوءٍ شديد.. لازالت تلوح على شفتيه ابتسامه طفيفة بعد الربع ساعة التي قضاها برفقة والدته.
هي الوحيدة القادرة على تبديد كل ضيقٍ يمر عليه مهما كان عمقه في نفسه.. حتى وإن كان تبديدًا مؤقتًا.
انتبه للنائمة في مكانها واستنكر ذلك.. يتجه حيث خلع ثوبه يلقي به كعادته أرضًا دون أن يكلف نفسه عناء تعليقه.. يدخل دورة المياة يغلق بابها خلفه،
لتفتح شعاع عينيها بكل أسى، تتسارع أنفاسها ما إن شعرت بأنها ستنفجر باكيه..

سيطرت على لوعتها وهدأت أنفاسها، وظلت مغلقةً عينيها حتى بعد أن شعرت بثقله عندما تمدد في مكانه خلفها.. لكنها لم تستطع أن تمنع جفنيها من أن يتفرقا عندما شعرت باقترابه خلفها، ثم برأسه يطل عليها من أعلى..

تمدد مكانه، يرفع جسده بعد ثواني قليلة يسنده بكوعه قبل أن يميل عليها ينظر لجانب وجهها بعد أن اشتدت أنفاسها فجأة.. نوعٌ من القلق عبث بقلبه وهو الذي اعتاد على ألا تنام إلا إن تأكدت من أنه عاد سليمًا بدون خدوش ولا اصبع ناقص أو أذن مقطوعة ، وعدم اتصالها عليه اليوم أبدًا تسأله "وينك؟" أو "متى جاي؟" كعادتها ليس شيئًا طبيعيًا .. لكن ما إن التقت عينيها بعينيه حتى وألقى بجسده للخلف يقول بزفرة لم يدرك بأنه كان يحبسها : حسبتِك نمتي.
لتقول محاولةً دفع عبرتها : ليه وش كنت ناوي تسوي؟
ضحك بخفوت دون أن يجيبها.. وتوقع أن تلتفت له، تشاركه الضحكة لكن لازالت على وضعها لدرجة أنه شك بأن ضحكته تعدت حدود مسمعه..

مضت نصف ساعة.. واستدارت بعد أن شعرت بتخدر جنبها الأيسر.. ولم تستطع أن تحبس شهقةً فزعة فرّت من بين شفتيها؛ ما إن وجدته لازال مستيقظًا عينيه مصوبةً ناحيتها كالسهام، يسأل مباشرة : صاير شي؟

أومأت برأسها إيماءه لا تُرى.. تنفي دون أن تجيبه، ترتسم على شفتيها ابتسامة ولأول مره لا تصل لعينيها كما العادة في كل مره تبتسم له..
سأل متفحصًا وجهها يرى تورم أجفانها وإحمرار أنفها : وش فيه وجهك؟
لتقول ولازالت تحافظ على ابتسامتها المتصنعه : وش فيه وجهي؟ هذا وأنا متوصيه فيه وحاطه ماسك لمدة نص ساعة!!.
لم يضحك ولم يبتسم بل قال بتوجس، يمد يده حتى استقرت كفه بين رقبتها وكتفها : تعبانة؟
شعاع بهدوء، تغمض عينيها تحت لمسته : تؤ،
سكت قليلاً.. يتفحص وجهها قليلاً.. قبل أن يقول بهدوء مستديراً يعطيها ظهره : زين..

شدّت على أسنانها كي لا تنقّض عليه وتقضم أذنه إلى أن تقتلعها من مكانها ليغرق بدمه..
على عكس عزام الذي شعر بأنه أدّى واجبه وأكثر عندما سألها..
ينظر للفراغ أمامه ولا إناره سوى تلك القادمة من دورة المياة.. عقله فارغ.. وصوت التكييف الهادئ يتهادى لمسمعه كالتهويدة إلى أن بدأت أجفانه تثقل..
لا يعرف كم مضى عليه يشعر بأنه بين الصحوة والمنام، إلى أن وصله صوتها هامسًا : عزام..
فتح عينيه بنعس : مم.
لم تنطق بعدها بشيء فظن بأنه يحلم.. لكنها قالت بعد دقائق صمت بصوت مثقل : ضايق صدري عزام..
عقد حاجبيه ، يشعر بالتوهان لا يعرف هل هو نائم أم مستيقظ؟..
لتردف بضيق : نمت؟

كانت شعاع قد نوت أن تحتفظ بما يحزن فؤادها هذه الليلة بينها وبين نفسها.. لا داعي لأن يعرف عنه أحد. خصوصًا أحدٌ كعزام..
لكن روحها أثقلت حتى بات تحمل ثقلها مستحيلًا.. تحتاج لحائطٍ تستند عليه وصوت واثق يطمئنها ويخبرها بأنه لا داعي لهذه المخاوف.. لا بأس، فالحياة مستمرة وستستمر على كل حال.
لن يعرف أحدٌ بما تشعر به إلا إن كان قريبًا..
ولا أحد أقرب لروحها أكثر من عزام -في هذا الموضوع على الأقل-.. هذا ما تشعر به ومتأكدة منه ، فمهما كان جافًا صلبًا لكنه شهمٌ متفهم ليس عديم المروءة..
مدت يدها عندما لم تجد استجابة. ليحط كفها على عضده تهزه برفق : عزام نمت؟ تكفى قوم اسمعني..

أدار رأسه ناحيتها عاقدًا حاجبيه بتساؤل.
فتقوست شفتيها للأسفل بشكلٍ مؤسف.. واستطاعت بحركتها هذه أن تستحوذ على كامل اهتمامه ليستدير مقابلاً لها يسأل بقلق ولا شيء يطرأ في باله سوى أن عمه أصابه خطبٌ جلل : خير وش صاير؟
شعاع : ضايق صدري بس..
عزام بتوجس : تعوذي من إبليس وش اللي مضيقه؟

عم الصمت لثواني حاولت فيها شعاع ألا تبكي قدر المستطاع.. لكنها لم تستطع خصوصًا وأنها ترى نظرة الاهتمام في عينيه لأول مره... تنهدت تقول بعبرة : مدري.. أحس إني بموت من الضيقة وأبي أنام ولا قدرت..
ثم تابعت والدموع تتلألأ على سطح عينيها : أحس إني محطمة ومحبطة،، محبطة محبطة بشكل ماينوصف.
تكتف يحاول أن يسيطر على أعصابه فلا مزاج لديه ليجاري دلعها أو أن يلعب معها لعبة الألغاز هذه. : صاير معك شي بالدوام؟
شعاع بضيق : ليته..
ليرتفع طرف فمه بابتسامة لا داعي لها : لا الله يجزاك خير مشاكل مع الفلوس وراعيين الفلوس مانبي.
ضحكت بتهكم وعبرة واضحة : خفيف دم.
اتسعت ابتسامته، يسمع التهكم في ضحكتها : من حيني..
لكنها ما إن أخذت نفسًا عميقًا وأطلقته، حتى تلاشت الابتسامة تماماً، يسأل : لا أبد منتي خاليه.. وش فيك؟

طار النوم من عينيه وحل محلها قلق فهذه المره الأولى التي يرى في عينيها هذا الكم الهائل من الحزن.. بل أنها حتى في أكثر أوقاتها حزنًا كانت تحاول أن تخفي ذلك عنه، وكان يعلم من التصنع الواضح في ابتسامتها أنها تخفيه عنه، لكنه يكتفي بالعلم فقط ولا شيء أكثر من ذلك.
كان هناك فضول يوّد أن يعرف فقط "أنا مضّيق بك؟" لكن الفضول بقى يتردد في عقله : يا بنت الحلال تكلمي حرقتي دمي..
لكنها هزت رأسها تنفي تفرك عينها عندما شعرت بدموعها تتكدس على سطحها..

سكت عزام ولم يكن لديه شيء يقوله بعد ذلك، فلم يعتد أن يسأل شعاع عن أي شيءٍ يخصها لأنها وببساطة لم تدع له مجالاً وهي تسأله عن أي تعبيرٍ يصدر منه باهتمام ، وكأنها درست انفعالاته حتى باتت تصمها صمًّا.

كان الصمت سيطول لولا أنها قطعته، دون أن تنظر له : عزام وش رايك نروح المستشفى نفحص نشوف إذا فيه مشكلة .
لم يفهم : مشكلة؟
مررت لسانها على شفتيها.. ترتفع بعينيها قليلاً لتسدد له نظرةً مليئةً بالقلق أصابت قلبه، تقول بصعوبة وتردد وشيءٌ فيه ندم : أقصد.. عشان نعرف ليه للحين ماصار حمل.

تراخت ملامح وجهه وانفكت عقدة حاجبيه.. رغم انه استغرق بعض الثواني إلى أن وصلت له الصورة كاملة.. ليقول بهدوء بعد أن نشف الدم في عروقها من الترقب : ااه عرفت الحين وش سبب ذا الضيقة والدموع .. خوفتيني وبالنهاية هذا موضوعك؟..
عادت شفتيها تتقوس تخطف أنفاسه في انحنائها : أحس إني تحطمت بشكل ماتتخيله، تأخرت بس في النهاية جات الله ياخذها.
ضحك بخفوت ، لتسدد له نظرة ناقمه جعلته يقول بهدوء : ماعليه الله كريم يابنت الحلال مابعد جا وقته.. لا يضيق صدرك العمر قدامنا إن شاءالله تونا صغار.
ثم أردف يحاول تغيير الجو الغائم : وبعدين تبين تحملين وتخربين جسمك الحلو هذا عشان في الأخير تجيبين واحد يشبهني؟
ضحكت بعبرة، تمد يدها تربت على عضده المشدود : وش ملحك بسم الله عليك .
ابتسم يشعر باستنفار خلاياه بعد لمستها وعذوبة مانطقت به : ليت أمي تسمعك، تعزز لأخوها قدامي.
لتقول تتعمد إغاضته بأنف محمر وأهداب متلاصقة : أنا أشوف لا ندّخل عبادي عشان لا تزعل مني حبيبي.
استوت ملامحه يقول ممازحًا : عنز ولو طارت .

عم الصمت لثواني لا شيء مسموع فيه سوى ابتسامتها القلقة بعد ضحكةٍ خافته، وابتسامته التي لم تفهم شعاع ماتخفي خلفها..
لتقول في النهاية بتنهيدة : طيب وش رايك آخذ موعد ونروح نسوي فحوصات؟ عشان نتطمن بس..
عزام : طيب رحنا وقدّر الله إن واحد فينا معه مشكلة ولا يجيب عيال وش بتسوين؟
وقع قلبها من مجرد التوقع : الله لا يقوله والله أموت.
عزام بهدوء : يالطيف تموتين مره وحده!!. يابنت الحلال ترى الطب تطور ماهو على خبرك..
صمتَ قليلاً عندما التمعت عيناها بأمل.. يقول بابتسامة مقتضبة : ماكملنا السنتين ياشعاع ليه مستعجلة؟ ناس تقعد بالسنوات متعمدين مايجيبون أحد وأنتِ على سنة وكم شهر شاقيه عمرك ومضيقه صدرك؟
شعاع برقة وعينين تغرق بالدموع : شفقانه أبي ضنى منك..

شعر بقلبه يذوب في عينيها، يذوب ويتلاشى بملح مدامعها..
كيف بعد كل ذلك السخط في الماضي يجازيه ربه بهذه العذوبة؟.. أي طاقةٍ مع شعاع تجعلها تتحمله كل هذه المدة دون أن تصرخ في وجهه أو أن تتفوه بكلمةٍ تغضبه لتعبر عن مدى استيائها منه؟
ابتسم بأسى : يا بنتي بكرة ربي بيرزقنا بدل القرد عشرة..
لكمَت صدره بخفه، تضحك بعبرتها وتمد شفتيها بزعلٍ ودلال يليق بها : لا تقول قرود حرام عليك..

مسك معصمها قبل أن تبعد يدها ما إن رأى تكرمش ملامحها، ومحاولاتها كفكفة دموعها التي سقطت بيدها الأخرى، يسأل بتوجس : أنتِ رايحة الدكتور من وراي؟ خوفك ماله مبرر أبد إلا إن كنتي سامعة شي..
شعاع بصعوبة : مارحت..
ثم أردفت بسرعة عندما وصلتها نظرته المشككة : والله مارحت.. بس الموضوع ذا بالذات مأثر على نفسيتي، ولا أقدر أتجاهله.
ابتسم مواسيًا : والله ماعندك سالفة تدورين ضيقة الخلق دواره..
ثم شد على معصمها الذي لا زال بين أصابعه : ربك كريم بيبلغك بالدكتور والمحامي والطيار ، والأولى على الدفعة حبيبة أبوها اللي تسفط عيالك كلهم تحت أباطها المهندسة.. عند الله الخير ياشعاع..
خرجت منها ضحكة مرتعشة تشعر بكلماته تنبت ربيعًا في قلبها : أول مره تقول شي لطيف..
ثم أردفت تمسح دموعها التي سقطت بعد عذوبة قوله، تقول بضحكة مليئة بالعبرة : باستثناء موضوع الأباط..
لازال يحافظ على ابتسامته : والله كلي لطافة يالجاحدة.
لازالت تضحك، تكفكف دموعها التي أبت أن تتوقف : ويلك من الله .
مد يده يضرب جبينها بطرف سبابته المشدودة بعد أن حررها من ابهامه : أقول ورى ماتنامين؟ بكرة وراك دوام وحسابات ودراهم عالم، ترى مامعي غير ثيابي وسمعتي، حطيت حلّي وحلالي كله بمنجرة عبدالله مافيني أسدد وراك.
شعاع بهدوء تفرك مكان ضربته : عجزت أنام.. بالله مد يدك واعطيني بندول نايت من وراك.

استدار بجزءه العلوي، يفتح الدرج ويخرج علبة الحبوب المنومة تحت نظراتها المغرمة، تشعر به ثبّت قلبًا آخر على حائط صدرها بجانب القلوب التي علقها سابقًا بجدارة.. فتح لها اثنتين في راحة يدها التي بسطتها بينه وبينها.. يستدير يعيد ماكان بيده لمكانه، ثم يرفع حاجبًا ما إن رأى نظرتها ومدّها لشفتيها : مافيه موية بالغرفة عزام..
أشار بيده بتساؤل : يعني؟..
مدت شفتيها أكثر حتى بات يؤمن أنها تعرف تأثير حركتها هذه عليه : ما فيني حيل أقوم عزااام..
ارتفع حاجبيه أكثر حتى كادا أن يلتصقا بمنابت شعره : تراني ما أحب الدلع الماصخ..
شعاع بدلال : تكفى كمّل جميلك.. ما فيني حيل أتحرك من مكان..

قبّلها بهدوء يسرق آخر حرفٍ في كلمتها.. ثم ابتعد بسرعة وهو الذي لم يستوعب اقترابه في المقام الأول، ليجد عينيها ترمش بذهول، بشكلٍ جعله يظهر كالمذنب في عين نفسه..

اعتدل جالسًا يتأفف يتصنع استياءه -رغم الاحتفالات داخل صدره- وقد غلبته هذه المرة، اللئيمة باتت تعرف كيف تغلبه ويبدو أن معركته معها خاسرة من قبل أن يبدأها حتى..
ألقى بالغطاء بعيدًا ناحيتها بقوة متعمداً تغطية وجهها علّ ابتسامتها الخبيثة التي ظهرت بشكلٍ جلٍّي تختفي.. يقف كالملدوغ ويرفع سبابته بتهديد في وجهها بعد أن أبعدت مايغطيه : واجحديها بعدين لا أوصيك.
لتقول بصوتٍ مرتفع تضم الغطاء لصدرها حيث عطره يعلق بطرفه، ترى ابتعاده.. وضحكة رائقة تخرج بين كلماتها وقد تبدل مزاجها من النقيض إلى النقيض : يسلم لي الجنتل والله.

لم ينم تلك الليلة إلا بعد أن نامت واستقرت أنفاسها.. ليقضي الليل بأكمله يتأمل ملامح وجهها التي ذابت واستراحت برقة..
وكأن تأملها نائمةً أصبحت هوايته السريّة المفضلة..
يمد يده يسحب خصلةً متراخيه من شعرها الذي تجمعه بشكلٍ مهمل أعلى رأسها، يلفها حول سبابته، يبتسم بشفقة..
وأسى، على حاله وحالها..
"لماذا كل هذا الأسى؟"

.
.

ترددت غادة كثيرًا قبل أن تدخل لغرفة أعضاء هيئة التدريس بالجامعة حيث مكتبها.. تشعر بالخجل فلم يمضي على خطبتها سوى يومين وبالتأكيد سارة موجودة بالداخل، وكل من بالداخل أصبحوا يعرفون الآن..
لدرجة أنها تعمدت أن تتأخر في قدومها اليوم كي تضمن أن الأغلب ذهب لإعطاء محاضرته الأولى.

تلفتت حولها ولم تجد أحدًا لتنحني تضع الكوبين على الأرض بالقرب من أقدامها. تعاود رفع جسدها، تنزع حجابها وتحرر شعرها من ربطته قبل أن تخلل أصابعها في خصلاته ليتهادى بنعومةٍ على كتفيها..
ترفع حقيبتها تخرج هاتفها، و تنظر لوجهها من انعكاسه على شاشته السوداء قبل أن تمسح بسبابتها على حاجبيها تعيد ترتيبهما.. ثم أعادته، تشد حزام حقيبتها على كتفها قبل أن تنحني ترفع الكوبين تجرب عددًا من الابتسامات قبل أن تهتدي على إحداها..
تأخذ نفسًا عميقًا تفتح الباب بعده، ولو التفتت برأسها لليمين لكانت وجدت طالبتين في آخر الممر توقفن في خطاهن ينظرن لها باستنكار بعد المشهد الصامت الذي قامت به..

حاولت أن يكون دخولها بشكلٍ اعتيادي فهي غادة من قبل ومن بعد، تقول ببشاشة وصوت مرتفع : صباح الخير..
تعالت زغاريط عرفت أن مصدرها نجوى فلا أحد يتقنها كما تتقنها هيَ.. ثم بالتبريكات تأتيها من جميع الاتجاهات، دون أن يرد أحد على تصبيحتها..
توّرد خديها بخجل تضطر للسلام على اللاتي تقدمن ناحيتها.. ترد على تبريكاتهن بصوتٍ بالكاد يسمع..
إلى أن تم تحريرها و ظَهر لها مكتب سارة، والجالسة خلفه تنظر لها بابتسامة مشرقة..

أخذت نفسًا آخر تقترب منها تحاول أن تظهر بعض الثقة وأن تمحي الخجل المفرط الذي تزدريه أحيانًا.. تمد لها كوباً كرتونيًا لأحد المقاهي : قهوتك علي اليوم.. و إكسترا شوقر مثل ماتحبين مع إن قلبي عورني وأنا أقوله يحط أربع أكياس ..

ضحكت تفتح يدها لها، لتنحني غادة تنوي السلام لكن يدي سارة قربتها منها في حضنٍ كاد أن يسقط الكوبين من يديها : وتلوموني يانجوى بزوجة ولدي.. جعل فهد يخمّك ويلمّك ويسر خاطرك ياغادة قولي آمين.

شعرت بأن داخلها يذوب بعد دعوتها هذه.. فإن كانت تسمعها سابقًا بدون ذكر أسماء.. فهي الآن سمعتها مع اسمه الذي لم يمر على مسمعيها مرور الكرام بل كان كالأجراس أصدرت صوتًا ناعمًا داعب قلبها..
هذه المره لم تخرج منها حروف غير مرتبطة ببعضها أقرب
ل" اااتالعااعهغاتنهب ".. بل كان صمتًا مهيبًا وكأنها فقدت القدرة على الكلام.. لتقول سارة موبخةً بمرح وهي ترى تلخبط ملامح وجهها : قولي آمين ..

ابتعدت عنها تعود خطوة للخلف، أنفاسها تتصاعد بشكلٍ مرعب وكأنها ركضت أميالاً.. مع ذلك همست تغمز تحاول أن تبادلها المرح : قلت آمين بس بسكات مِس..
ضحكت على صوت نجوى التي لم تلتفت للمشهد بتاتاً، تسند خدها بقبضة يدها وبصرها موجهٌ لشاشة حاسوبها بملل وصوت نقر سبابتها على الزر مسموع بوضوح : لا والله نعنبو لايمتس دام إنها تسنعتس كل صبح بقهوة.. وأنا لي الله ماذكرتني حتى بقرطاسه.
غادة بحرج : لا والله بس ما..
لتقول سارة تقاطعها ضاحكة : اتركيها عنك ذي مالها بالقهوة وشغل الناس الرايقة. جيبي لها لبن يعدل مزاجها..

ابتعدت من أمامهن تستغل فرصة تراشقهن بالكلمات الهازئة، الإحمرار يعتلي وجنتيها، ولازالت تحت تأثير دعوتها تربطها تلقائيًا بشكله وملامح وجهه المتورطه عندما أمسك كأس العصير بكلتا يديه،، لتشعر بكل وترٍ في قلبها يرتخي له. وبأحاسيس عذبة تسري في أوردتها.. أحدها كان لينًا أما الباقي لا تعرفه ..
لا تعلم لماذا هذه الحركة بالذات لم تفارق ذاكرتها!..

.
.

في مؤسسة أبو عارف حيث كان عزام يحاول أن يتماسك.. يغلف أعصابه الثائرة بالبرود ولا يضمن نفسه خصوصًا مع وجه جوار البارد و ردوده المستفزة : مثل ما سمعت الموضوع خاص وشخصي.
زفر بغضب يقف ضاربًا سطح المكتب بيديه حتى شك بأنه سيكسر كفوفه : جوار لا تلعب معي ولا يمين بالله تندم.
ارتفع رأسه بابتسامة باردة مناقضة تمامًا لانفعال الواقف أمامه : أنا جيتك أنت وياه بالراحة وبكل ذووق، حتى نبرة صوتي ما ارتفعت ويدي ما انمدت مع إني أقدر وأنت تدري.
صمت لثواني ينظر له وكأن أهدابه سهام ستخترق جسده، أكتافه ترتفع وتنخفض نزولاً وصعودًا مع أنفاسه ، يقول مستصعبًا تصديق مايحدث وأن الدنيا صغيرة لهذه الدرجة لتجمعهم. بنبرة صوت حادّة : عبدالله وش يعرفه بزوجتك؟
رفع جوار سبابته بتحذير هادئ وكأن رعبه يكمن في هدوئه : انتقي الفاظك ياعزام.

عاد يجلس، صامتًا هذه المرة وأنفاسه لم تنتظم بل خرجت ثائرةً وكأنها نيران، بات لا يعرف من أين يبدأ أو في ماذا يبحث : وهي صدق زوجتك ولا حيله ؟
أحتدت نظرته : أنا حيّال بس منيب واطي عشان أتبّلى بنت الناس..

كان هناك قلق في نفسه طغى على نظرة الصدق في عيني الجالس أمامه.. قال بضيق يود فقط أن يطفئ نار الشك في قلبه : جوار طالبك تصدِق معي المرة ذي واعتبره سؤال من رجّال اسمه عزام لرجّال اسمه جوار.
جوار اللي أعرفه صدق مهوب اللي تعرفت عليه هنا..
قالها بخفوت قبل أن يتابع ونبرته لانت تمامًا : أبو عارف له علاقة بالموضوع؟

سكت يشد على شفتيه حتى استوت في خطٍ مستقيم، يرى نظرته التي تخفي رجاءً مبطنًا يراه لأول مره منذ أن عرفه وحتى الآن.. استمر سكوته لثواني شعر بها عزام كالسيف قريباً من عنقه.. إلى أن قال الآخر أخيراً بنبرة لا يعرف هل يطمئن بها أم يزداد خوفًا منها : عزام الموضوع يخصني أحلف لك ولا لأبو عارف علم فيه لا من قريب ولا من بعيد، لكن متأكد لو بغيت فزعته هو و رجاله بيفزعون لي مثل المره الأولى ولا بيقصرون.. عقّل ولد جماعتك وخله يعلمني اللي يعرفه بالطيب أحسن له. المرّة الأولى راحت منجرته وكفوفه لكن المره ذي اللي بيروح راسه.. وصدقني، أنا ما أهدد عبث..

يعلم عزام أي الرجال الغاضبين أصبح جوار فلم تكن هذه شخصيته ولا هذا البرود كان من طبعه ولا حتى هذه الدناءة والخبث.. اتصل ما إن خرج من عنده بعبدالله وتهديده جعل قشعريرةً تسري في جسده فقد تأكد الآن أن الحادث كان مدبرًا وأن عبدالله أدخل نفسه في مصيبة كبرى..
لكنه لم يجد ردًّا مما جعل مخاوفه الغامضة تتكاثر شيئًا فشيئًا في روحه.*

ذهب لبيته فلا فائدة من مكالمة صوتية عبر الهاتف فما يريد أن يعرفه أكبر مما سيقال فيها. وقف أمام منزله بعد صلاة العصر.. يترجل من سيارته يغلقها بالريموت عن بعد، ويبحث بعينيه عن سيارة عبدالله ولم يجدها..

كان لقاءً وديًا جمع عزام بجدته صيتة عمة والديه.. رحبت به بحرارة تحتضنه وكأنها تحتضن والده -مع أنه كان سيكتفي بتقبيلهِ لرأسها- تردد بمودة : تو ماتبارك يومي بدخلتك علي ياولد ذيب، ياعساه زول مايغيب وأنا أمك.
أخذ أخبارها وسألت عن أخباره. تتحدث في مواضيع متفرقة تنتقل من موضوع لآخر بكل سلاسة رغم كبر سنها وعزام أكثر من مستمتع لدرجة أنه لم يذكر عبدالله سوى مره واحدة يسألها عنه وردت عليه بأنه: على وصول طلع يودي أبوه مزرعة أخوياه..
حتى أتى عبدالله الذي دخل المجلس مرحبًا رغم استغرابه : أبو العز عندنا!! يا مرحبا يا مرحبا.

استأذنت صيتة وخرجت بعد أن شعرت أن هناك شيئًا بين الاثنين.. ليسأل عبدالله مباشرة يستدير بجسده ليواجه الآخر على الأريكة الأخرى : هاه؟
عزام : هويت..
ضحك ، ليتابع عزام بابتسامة ارتسمت تلقائيًا : ماجيت إلا لأني أبي أعرف السالفة كلها..
ثم أردف بصرامة : ومن أولها يا عبدالله..
مصدق إنك ماتعرف جوار.. لا تخاف.. لكن أبي أعرف وش قصة اللي اسمها عذوب؟ وش جابها بينك وبينه!

عبدالله بعد ثانية صمت نطق بضيق : وأنا ظنيت إن الموضوع انتهى بس ذا شكله غثيث ومريض وش بيفكني منه!.. هذا لو فيه خير ماسموه أهله جوار.
عزام بهدوء : قول الصدق و ازهل.

مرّت دقائق صمت شرب فيها عزام ثلاث فناجين قهوة ينتظر من عبدالله الشارد أن يتكلم لكن وكما يبدو لا نية للآخر بذلك..
تنحنح يضع فنجانه جانبًا : وش تحت راسك ياعبدالله؟ خلصت القهوة وأنت للحين ما تكلمت.
وقف يرفع الدلة معه : أبشر بغيرها..
لكنه أمسكه من ذراعه يسحبه جالسًا مجددًا : يارجال اقعد ما جيت اتقهوى..
ثم يردف باهتمام : وش العلم اللي معك؟
فرك وجهه بكفيه، قبل أن يرفعها يعيد بها شعر رأسه للخلف تتضح على وجهه الحيرة والتردد.. استطاع عزام أن يستشف كل ذلك من طريقة ضغطه لفكّه.. إلى أن وقف يقول خارجًا : دقيقة وراجع لك..

عاد بعد دقائق، يلقي في حضن عزام دفتراً أخضراً من جيب ثوبه العلوي، قبل أن يجلس في مكانه..
قلبّه الآخر بين يديه يهمس استغرابه : جواز خاص!!
التقت النظرتين في لحظة صمت، يلاحظ سؤالاً يلوح في عيني عزام ما إن رفعها له.. يقول بهدوء : افتحه.

فعل كما طلب منه، فتحه.. تحط عينيه تلقائيًا على الصورة قبل أن يصرفها بسرعة للاسم.. يقرأه بتمتمه : عذوب بنت ساطي بن ساطي بن فلاح؟..

ثم يمرر عينيه على باقي البيانات، رفعها بعدها لوجه عبدالله الجامد، يسأل بشك : أنت تعرف زوجته؟
عبدالله بسرعة : يا رجال فكنا وش أعرفها ذي فيها قبايل.
عبس بجدية : أجل كيف وصل لك جواز سفرها؟ صحيت ولقيته تحت مخدتك؟
ابتسم له ابتسامة متهكمة، جعلت ضحكة تفر من بين شفتي الآخر..
عبدالله : شي ما أظنك تصدقه يا أخ ظريف.
هدأت ضحكته، يقول لازالت الابتسامة على وجهه لم تمحى : تكلم وأنا أحكم بنفسي أصدقه ولا لأ .
حك عبدالله عارضه بتردد، واستغرق دقائقاً لازال يحكه.. فاستنطقه عزام بتوجس : ليكون متورط معها بشي؟
تكرمشت ملامحه بغضب، وارتفعت نبرته بانفعال : أعقب واخس ياولد شايفني قليل أصل وعلومي ردّيه!!
عزام متحكمًا بنبرته : محشوم..
زفر عبدالله قبل أن يقول بعبوس : أنا ما أدري وش تحت راسها الله يستر عليها..
ليقاطعه عزام بحده : لا تقعد تلف وتدور هات اللي عندك مره وحده..
فتابع : تذكر يوم أروح السودان مع العيال؟ لقيتها هناك في القرية اللي كنا ساكنين فيها.
عقد حاجبيه : وش تسوي هناك؟ تدرس تشتغل ولا وش طاعونها؟
عبدالله بعبوس : ما عندي علم والله بس ماهقيت إن وضعها طبيعي..
سكت ليقول عزام بنفاذ صبر : وأنا بقعد اسحّب الكلام منك كلمة كلمة؟ أنجز ياخوي رفعت ضغطي .
ثم أردف بنبرة : البنت جوازها خاص !!!..
عقد حاجبيه باستياء : أدري إنه خاص.. والله يقلعني يوم إني رحت لها برجليني، زين..
عزام : تكلم أشوف وش أنت مهبب.

عم الصمت المجلس إلى أن نطق عبدالله أخيرًا : شفتها بالقرية مثل ماقلت لك واستنكرت إنها موجودة بذاك المكان وباين ماهي من أهل البلد .. سألت عنها وقال لي الساقي إنها جات قبل فترة ولا تذكر شي وما اقتنعت فخليته يدلني على مكانها..
سكت يأخذ نفسًا قبل أن يتابع : مالك بالطويلة يوم شافتني استجنت وقامت تهدد وتقول كلام غريب مافهمت منه إلا إن فيه أحد يلحقها وهي هربانه منه.
هذا كله عادي.. تدري وش اللي مخوفني؟
عزام بترقب : وش؟
عبدالله محاولاً كسر التوتر الذي خنق المجلس : إني قلت لها إني محامي..
ضحك بيأس رغمًا عنه : وتنكت بعد!!..
ثم أردف ينظر له بتعاطف فرغم مرحه إلا أن القلق واضح على وجهه : وليه قلت إنك محامي إن شاءالله؟
تكرمش وجهه تكرمش المتورط : كنت أبيها تثق فيني بس شكلها هجّت بي.. وتدري اللي مخوفني أكثر وش؟
ارتفعت ضحكته : وش بعد؟
عبدالله : إني قلت لها اسمي الكامل.
لكم عضده لازال يضحك يبادله عبدالله الضحكة بابتسامة صفراء : أنا أبي أعرف وش يخصك يامسلم؟ السودان ولا غيرها، ياخي جعلها بجهنم أنت وش عليك ؟
عبدالله بضيق : الله يشهد إنها كانت فزعة لوجه الله ما أبي من وراها شي..
بس خير تعمل شر تلقى شكلها هي اللي قايله لرجلها مكاني..

سكنت ملامح وجهه، يبادله الابتسامة بأسى يبتلع الكلمات كي لا ينطق بها.. إلى أن قال في النهاية : ما أظن وش يعرفها بمكانك؟
عبدالله بحيرة : صادق وش يعرفها..
سكت عزام يرى تقلب ملامح عبدالله بتفكير رغم وضوح الإجابة.. لا يعلم هل غفل عنها أم أنه يتصنع ذلك، ليقول بهدوء : ماقلت لي كيف وصلك جوازها؟ هي أعطتك؟
هز رأسه بالنفي ينظر للأرض بتفكير : لأ، أرسلته مع الساقي قبل لا أرجع بكيس ومعه جوال...
ابتسم عزام ما إن اتسعت عيني الآخر، يرفعها ينظر له : الجوال..
ثم ضرب جبينه ضاحكًا ببلاهه دون أن يدع مجالاً للآخر بأن يعلق : كيف راح عن بالي الجوال..
تابع بعدها بسرعة : يوم رجعت فتحته وبدت تجيني رسايل تروع القلب الله لا يقريها مسلم ..
سكت قليلاً قبل أن يقول : وجاني رابط بالليلة اللي انسرقت فيها المنجرة وأنا بكل ثواره فتحته.

ابتلع عزام ريقًا مرًا عند هذه النقطة، يقول بضيق : هذا جوار.
عبدالله بإزدراء : ما أحكي لك يا رجل رسايله كان فيها كمية تهديد وحقد غير طبيعي. أموت وأعرف وش بينهم..
عزام بابتسامة ضيق واضحة : مافيك حيله رجال و زوجته ياخوي بينهم اللي بينهم.. أعقل أحسن لك..
ثم أردف بعد لحظة صمت : و بعدها بيوم صار لك الحادث اللي ممكن يكون من تحت راس جوار.
عبدالله بضحكة باردة مرتبكة : بلهون علي ترى تخصصي جغرافيا وخرايط... شلون عرفت؟
حاول أن يضحك لكنه لم يستطع وهو يرى الخوف يتقافز من عينيه : مايبي لها يا عبدالله..

لم يجد عبدالله شيئًا ليقوله، فصمت ينظر لعزام ويقضم شفتيه بقلق..
ابتسم له الآخر ابتسامة لا معنى لها محاولاً التخفيف عنه : وش تهوجس فيه؟
عبدالله بتوتر : وش السوَات الحين؟
وضع عزام جواز السفر في جيبه بعد أن قلّب صفحاته بسرعة للمره الأخيرة، يقول بهدوء : خلاص الموضوع صار عندي.
وقف ليقف معه عبدالله كالملدوغ : وش بتسوي؟
ربّت على كتفه : قلت لك الموضوع عندي.. انسى ولا تشغل بالك.
عبدالله بقلق : لا يجيك شي ياعزام خلينا نروح نبلغ عنه ذا واحد مهوب صاحي..
عزام : مهوب جاي إلا المكتوب أنا بحلها بيني وبينه..
ثم تابع بسخرية : ازهل يا حضرة المحامي.. لا يدري عنك عبدالإله بس..
استطاع أن يسرق ضحكة باردة من عبدالله، ورغم أن القلق لازال واضحًا فيها إلا أنها أراحته قليلاً..
ليعلق عبدالله قائلاً : تصدق مدري شلون راح علي ولا قلت لها اسمي عبدالإله!
.
.

في منزل عبدالله بن رماح..
في مجلس الرجال حيث غادة تجلس على الكنبة الطويلة، ترتدي فستاناً زمردّياَ أنيقًا بأكتافٍ منسدلة وضحت من خلاله عظام ترقوتها التي أعطت أكتافها شكلًا رقيقًا مميزًا.. ينسدل الباقي منه بنعومة على باقي جسدها المتناسق..

بالأمس كان عقد قرانها على فهد.. عندما رنّ جرس منزلهم بعد المغرب معلنًا عن قدوم سلمان وأبنائه ورجال من جماعته برفقة المأذون كما اتفق مع والدها..


كان المجلس يمتلئ بحضور سلمان وأبنائه، وشقيقه علي -الذي قال بابتسامة يلف يديه حول كتف فهد يقربه منه بود " عمك يبي يشهد على عرسك الليلة ترخص له ولا لأ؟ ".. - و والد زوجته الجد عزام.. وشقيقها خالد.. ولم يكن في الطرف الآخر سوى عبدالله وعديله وابنه الذي لم يتجاوز العاشرة من عمره..
وبالرغم من أن لديه ثلاثة أشقاء أصغر أبنائهم في سنته الجامعية الثالثة إلا أنه لم يجد أحدًا منهم بجانبه عندما احتاجهم..

كان ناصر يجلس بجانب والده الذي قال له بخفوت في طريقهم لبيت عبدالله : إن كان عندك كلمة طيبة قدام الرجَال قلها ولا عض على شحمة..
يعلم أنه لازال غاضبًا منه بسبب ما حصل الاسبوع الماضي ، لا يرد عليه إن وجّه له حديثًا وحتى السلام لم يكن كما اعتاد ناصر..
و لم ينوي المجيء اليوم وسيتعذّر بعمله لكن ما قالت والدته عندما زارها بالأمس تستغل خلو الصالة جعله يتراجع : بتروح مع أخوك بكرة ولا مثل المره اللي فاتت؟
ناصر : ما أظن يمديني يمه..
سارة بحدة : ليه؟
تجنب النظر لعينيها : مستلم..
سارة بانفعال : قل لأحد يستلم عنك.. ولا والله يا ناصر لا أغضب عليك دنيا وآخره يكفي الجمعة الماضية مشيناها لك وسكتنا عنك ولا تظن كذبتك مشت علي.. وحط في بالك، أنت اللي بتشهد على زواجه وفيك خير اكسر كلمتي يا ولد بطني..

تلهى يرتشف من فنجانه، يرمق بطرف عينه فهد الجالس على الكنبة الأخرى بجانب المأذون.. ينظر للأرض عاقدًا كفيه في حضنه كالمذنب..

.

لم يعبر الأسبوع عاديًا لا على غادة ولا حتى فهد وأمه.
تغيّبت فيه عن الجامعة وهي التي كانت تتميز بغيابٍ صفري خلال مسيرتها العملية.. لكن ما إن أخبرتها والدتها بأنها تنوي إقامة حفلة صغيرة لأهله وأهلها بعد يوم تماماً من عقد قرانها عليه إلا واستنفرت وبدأت ماراثون الركض في الأسواق لإيجاد شيءٍ يليق بمناسبة كهذه..
ورغم أنها حاولت فيها أن تحدد يوماً آخر ربما بعد شهر لأن "يمه مافيه وقت.. شعري لحاله يبي له ثلاث جلسات عناية"، لكنها رفعت رايتها البيضاء في نهاية المطاف عندما قالت والدتها ترفع كفها في وجهها باعتراض تنهي كل ذلك " العفو منك أنتِ أول فرحتي مستحيل أخلي ذا المناسبة تمر مرور الكرام.."

كانت تجلس في صالة المنزل تحاول إظهار التشاغل بما يعرض على شاشة التلفاز.. تشعر بأعين شقيقاتها المتفحصة تنظر لها مستنكراتٍ سكوتها وسكونها -على غير العادة- في أكثر لحظات عمرها توترًا..

وقعّت بيد ترتعش تزّينت بطلاء أظافر وردي اللون كي تظهر يدها بشكلٍ أنيق وجميل في الصور التي توصّت بها رهف جيدًا والتقطتها باحترافيه عالية من جميع الزوايا..

زغرطت والدتها بخفوت خوفًا من أن يصل صوتها للجالسين في المجلس، تقربها منها وتمطر عليها دعواتٍ جعلت قلب غادة الميت من الخوف والتوتر يحيَا من جديد..
.

ركضت بسرعة للمطبخ ما إن سمعت صوت والدها يناديها قادمًا من قسم الرجال.. تشعر بخجلٍ غريب منه، لا معنى ولا مبرر له.. هذا ورغبة ملحّه بالبكاء، لا معنى ولا مبرر لها أيضاً.
كانت تنوي أن تختفي من أمامه، لكن صوت ضحكته التي كانت ترتفع باقترابه وصلتها قبل أن تدخل المستودع وتغلق الباب على نفسها..

نامت تلك الليلة على مديح والدها السعيد جدًا -جدًا- لفهد وأهله بعد أن عاد من العشاء الذي أعدّه سلمان بإحدى الاستراحات فرحًا بهذه القرابة : أشهد بالله إن فهد نعِم الرجل وأهله نعِم الأهل نسب وسند وعزوه من دخلت لين طلعت وهم شايليني شيل ياعم وياعم. الله يجعلها زواجة الدهر يابنتي ويسعدك ويرزقك منه الذرية الصالحة اللي تشيلينها وتشيلك.

.

وإن كانت ظنّت بأن الأمس هو أكثر يوم موتّر مرّ عليها في حياتها فقد أخطأت؛ لأنه لا يأتي شيئًا عند اليوم الذي تعيشه الآن .

رغم ابتسامتها وصلابتها من الخارج إلا أن الله وحده يعلم كم هي تذوب توترًا من الداخل.. تشعر بأضلعها تصطدم ببعضها ولولا الابتسامة المتصنعة التي ثبتت شفتيها عليها لكان سمع كل من في البيت صوت ارتطام أسنانها ببعضها البعض.

كان المجلس يخلو تماماً من الضيوف المتوزعين في الصالات الداخلية. أدخلتها فيه والدتها -بمساعدة من رهف التي سحبتها ببراعة دون أن تمزق فستانها أو تكسر ذراعها ما إن عجزت قدمها عن الحركة- عندما أخبرتها سارة بأن فهد قد وصل..
كانت قادرة على سماع صوت الألحان المرتفع القادم من المسجل الخارجي.. لكن نبض قلبها كان أكثر ارتفاعاً لدرجة أنها شكت بأن الموجودات يتراقصن رقصًا نقازيًا على أنغامه ..

علق ريقها في منتصف حلقها لم تستطع بلعه ولا حتى بصقه.. تضيق أنفاسها بهلع ما إن سمعت صوت الزغاريط المرتفع..
عرفت أنه أتى.. وقفت.. وعادت تجلس.. تقضم أظافرها ثم تبصق طلاء الأظافر ما إن استطعمته في فمها..
شعرت بأنها ستبكي وهي تحس بأن قلبها انزلق من بين أضلعها ليستقر واقعًا عند أخمص قدميها..

.

ابتسم فهد بإحراجٍ واضح ما إن وطت قدماه أعلى عتبة من عتبات درج المنزل الأربعة المؤدية لمدخل الرجال.. يرى تجمّع قريباته أمام الباب يزغرطن بصوتٍ اخترق طبلة أذنه.
يتعجل في خطاه قبل أن تتقدم له جدته.. ينحني مقبلاً يدها قبل أن يرفع رأسه ويقبل رأسها لازالت زغاريطها قائمة حتى تحشرجت في حلقها بعبرة واضحة.. تقول غاصةً بدموعها الواضحة من فتحة برقعها : جعله مبارك يا أبو سلمان عسى الله يسعدك و يعمر بيتّك ويرزقك الذرية الصالحة.
ابتسم يتمتم آمين قبل أن ينتقل لوالدته التي لم تنطق بشيء فما قالت البارحة وهي تبخره قبل ذهابه لعقد قرانه يكفي.. و ماقالته بعد أن أوصلها اليوم لمنزل غادة يكفي.. بل يزيد ليعيش في نعيم طيلة أيام حياته ..

سلّم على جدّته صيتة يصل لمسمعه صوتٌ يعرفه جيدًا : الف مبروك يا فهد جعل الله يسعدك ويعمّر بيتك.
ابتسم يتصدد بعينيه على من كان يناديها "صيوت" لمدة ليست بسيطة.. : الله يبارك فيك ويخليك يا أم عزام.
ثم بصوتٍ آخر يتبعه : مبروك يا فهد الله يجمع بينكم على خير ويرزقكم السعادة وراحة البال.
اتسعت ابتسامته يتلّهى بإعادة نسف شماغه لا ينظر ناحيتهن رغم أنهن يسدلن غطاءهن كاملاً لا يُرى منهن شيء.. يرد على مشاعل لازال يذكر مرحها جيدًا وكأنه كان يجلس معها بالأمس عندما طلبت منه جريدة فيها صورة أحد اللاعبين بأحد الأندية المحلية تقول مهددة "بس لا يدري خالك خليها بيني وبينك".. : اللهم آمين والله يبلغك بذيب وهزاع.

سحبته سارة من يده ما إن ذهبن،
و وقف بمنتصف الممر يجد امرأة ترتدي جلابية بحزامٍ يلتف على خصرها تتبسم له بهدوء ونوعٍ من الحَرج على تعليق والدته : هذي عمتك فاطمة يا فهد.. أم غادة..

تركت ريم الواقفين في الممر وسبقتهم للداخل حيث غادة في حالٍ يرثى له.. بعينين اشتد احمرارها وأنفاس متقطعه وشعر تطايرت خصلاته من كثرة تعبث أصابعها به..
اقتربت منها تهتف بمرح : ياساتر وش اللي قاعد يصير معك يابنت؟
خرج صوتها مبحوحًا : جا؟
أشارت بإبهامها للخلف : واقف مع أمك برى..
ثم تابعت بقلق تهف عليها بكفها : ريلاكس يابنتي تنفسي وجهك بينفجر..
ثانية صمت مرت لا يسمع فيها سوى صوت أنفاسها المخنوقة فقالت ريم بمرح : ترى فهد كيوت وجنتل مووت، مهوب عووو، مابيعضك إن شاءالله.
لكن نبرة غادة تغيرت وكأنها ستبكي تغطي فمها بكفها : أحس إني بطرش..
تعالت ضحكة ريم..: يا ساتر للدرجة ذي!

وضعت كفها على نحرها، والآخر لازال على فمها.. تأخذ أنفاساً عميقة بطيئة تحاول أن تكتمها قليلاً علّ الأكسجين يصل لمخها الذي تلخبط نظام عمله و بدأ يردد كلمات أغنية لا تعلم من أين أتى بها في هذه اللحظة. تشعر بعظام ساقيها تهتز لا تعلم هل تهتز طرباً أم شيئًا آخر..

دخل فهد، رأَته.. وشعرت بدخوله يهز الأرض تحتها مع أنها متأكدة من أن رجل بابتسامة كهذه يستحيل أن يضرب الأرض بقوة خوفًا من أن يؤذيها.
لم تقف بل شعرت بعجزٍ تام في أطرافها، إلى أن رفعتها ريم بطريقة لبقة تعيد ترتيب فستانها.

لم يكن أحسن حالٍ منها بل كانت أضلعه تهتز كالمباني في وسط زلزال.. لكنه أخفى كل ذلك ودخل بابتسامة وثقة بعثرت ثقة غادة وخسفت بها أرضاً .

اتسعت ابتسامته ما إن وقف أمامها.. تتشكل حول عينيه خطوط دافئة جعلت قلبها يذوب كالسكر " إذا هذا مو حب من أول نظرة أجل وش يطلع؟..
الثقل ياغادة،،
ماهو من أول دقيقة عاد..
لا يحس إنك مدلوقة عليه..
.... ياربي بموت فيني الضحكة ههه "..

.
.

 
 

 

عرض البوم صور وطن نورة ،،  
قديم 14-12-19, 12:51 PM   المشاركة رقم: 179
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Oct 2018
العضوية: 330628
المشاركات: 159
الجنس أنثى
معدل التقييم: وطن نورة ،، عضو على طريق الابداعوطن نورة ،، عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 176

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
وطن نورة ،، غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : وطن نورة ،، المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي

 

.
.



.
.
.



في اليوم التالي،
حيث الجادل تجلس على أحد الكنبات.. ترتدي فستاناً ناعمًا بلونٍ فاتح يتناسب مع لون بشرتها، وقطعة قماش طويلة من التل الأبيض مثبته بتاج كريستالي صغير أعلى رأسها لتغطي جزءا من شعرها الطويل الذي كان يتموج بنعومة على ظهرها.

قطعت التورتة التي تزينت بمجسم عروس ترتدي الأبيض أعلاها، على زغاريطهن والموسيقى..
ترفض بلباقه التقاط صورة جماعية أو أي صورة أخرى بهواتفهن..

والآن تجلس لوحدها تنظر للموجودات وتشعر بأنها ستتقيأ.. ورغم أن المكان يمتلئ بصديقاتها أيام الدراسة إلا أنها تشعر وكأنها وحيدة.. وكأن روحها في غربة..
لم يطرأ في بالها ولا حتى في أكثر أحلامها تمردًا أن تأتي بتصرفٍ كهذا.. أن يصدر فعلٌ كهذا منها وهي التي عُرفت برجاحة عقلها..

أن تخبر والدتها -التي لم توافق إلا بعد طلوع الروح- بأنها ستذهب لبيت هند حيث تقيم لها حفلة "توديع العزوبية" كما أطلقت عليها، تحتفل بها فلم يتبقى على زواجها سوى اسبوعين..

كان نقاشًا حادًا رفضت فيه مشاعل رفضًا قاطعًا لا رجوع فيه
"يمه ليه لأ!"
مشاعل : وش اللي بنات لحالهن باستراحة؟ إنسي الموضوع الله يرضى عليك ياجادل وإن وافقت أنا أبوك مهوب راضي..
لتقول : مهوب لازم يدري..
مشاعل بنبرة قوية مستنكرة : من اللي مهوب لازم يدري؟
الجادل بتردد : أبوي.. توه سافر الله يحفظه وش يدريه إني رحت؟
ثم أردفت بسرعة عندما وصلتها نظرة والدتها الحادة : تكفين يمه.. الحفلة البنات مسوياتها لي ومتكلفات عشاني يرضيك يعني؟
مشاعل بصرامة : كثر الله خيرهن لكن خلاص انتهى الموضوع ولا عاد تفتحينه معي.. استراحة لأ.
بضيق : طيب خلاص بتصير في بيت هند..
رفعت حاجبيها : توها كانت استراحة..
ثم بغضب : بنت تلعبين علي أنتِ؟

مدت شفتيها بزعل تميل على والدتها بدلال : لا يمه بس أنا أعرفكم زين خبز يديني وتوقعت ردة الفعل ذي.. وقلت لهند من أول وقالت بتخليها في بيتها ..
أبعدتها عنها بالقوة : دام عارفة ليه تنشفين ريقي؟
عبست : قلت أجرّب حظي يمكن تصيب معي ذا المره بس واضح إن حظي عجاجه والحبايب قراطيس..
قالتها بمرح عل العبوس في وجه والدتها ينمحي.. لكنها تابعت عندما زاد : وش قلتي؟ عاد بيت هند تعرفينه .
مشاعل بضيق : أنا ما أحب هاللي اسمها هند ذي.
الجادل : ليه يمه وش شفتي عليها؟ البنت محترمة وبنت ناس وتعرفين أمها.
لتجيب : وجهها ماهو مريح.
الجادل بإندفاع : حرام عليك والله انك ظالمتها يمه..
ثم تابعت بإلحاح تعرف تأثيره على والدتها : هاه وش قلتي؟
تكفين عاد البنات غيروا تخطيطهم كله عشان خاطري.. يمه أنا منيب بزر وأعرف الصح من الغلط وش شايفين علي عشان يصير مافيه ثقه للدرجة ذي؟
سكتت قليلاً قبل أن تقول : ما هي قل ثقة وأنتِ عارفة زين..
ثم أردفت بتردد : والله قلبي ماهو متطمن. لكن أمري لله نفختي قلبي.. بس بشرط.
الجادل بفرحة واضحة تلوح بيديها في الهواء : تعيش بنت عبدالله،، تعيش تعيش تعيش..
ابتسمت بضيق : قبل الساعة ١٠ تكونين بالبيت.
اتسعت عينيها بذهول : شدعوة يمه حفلة ذي وش اللي قبل ١٠؟
لتقول مشاعل بصرامة : خلاص أجل قبل ٩ ت..
لكن الجادل قالت بسرعة قبل أن تكمل جملتها : لالا خلاص أمري لله ١٠ يعني ١٠..

.

ليتها تعوذت من وسوسة الشيطان عندما زيّن لها قول هند ما إن دخلت بيتها : لا تفصخين عباتك.
عقدت حاجبيها بقلق وهي تراها ترتدي عباءتها : ليه؟
هند : البنات ينتظرون.
تسارعت نبضات قلبها بقلق : ينتظرون وين؟ الحين ما اتفقنا إنها تصير في بيتك؟
غطت وجهها : كان هذا اتفاقنا قبل لا أدري أنهم قد حجزوا وخلصوا كل شي...
مشينا.

تقدمت عدة خطوات ثم عادتها، تقف أمام الجادل التي لازالت تقف في مكانها، تنظر لها بغضب : تكفين بلاش النظرات ذي وكأني أجرمت في حقك.
الجادل بحدة : أنا راجعة البيت.
تأففت : الموضوع تافه ماله داعي كل الأوفر ذا.. بنروح ننبسط ونرجع جَمعة بنات محترمات عادية جدًا.. ترى حتى أنا عندي أهل وأخاف على سمعتي مستحيل أروح أماكن مشبوهه وش شايفتني؟.

تعرف هند وتعرف أهلها وقد التقت والدتها مع والدة الأخرى أكثر من مره.. زفرت بتردد لتردف هند بابتسامة : الدفعة كلها موجودة عيب عليك.
سكتت قليلاً قبل أن تقول : إذا رحت معك اوعديني نرجع قبل ١٠.
رفعت حاجبيها باستنكار : الساعة الحين سبع ونص.. صاحية أنتِ؟
تحركت الجادل تنوي الابتعاد من أمامها ناحية باب المنزل لكنها سحبتها من ذراعها : خلاص يا معقدة طيب..

.

تبسمت تتعذر عندما دعتها إحدى صديقاتها للرقص معها.. تشعر بأنها ستقع مغمًا عليها فهذه المره الأولى التي تذهب فيها لمكان من وراء ظهر أهلها..

ليتها سمعت والدتها عندما مرّت عليها قبل أن تذهب : أنا بروح بيت خالتك وش رايك تجين معي؟ والله إن مجلسها أهون من صديقاتك هاللي نافخة قلبك عليهن مليون مره.
لكنها قالت تبحث في أدراجها عن علبة ساعتها : الله يرضى عليك يمه قد اتفقنا أمس..
مشاعل : إن صارت ١٠ ولا رجعتي البيت ياويلك.. وإن دقيت عليك ردي لا تخليني أخاف..

ليتها ذهبت معها، لكانت الآن تجلس في صالة خالتها بجانب شعاع يتحدثن لساعاتٍ طويلة دون كللٍ أو ملل..
ورغم أن الحفلة لها ولأجلها في مكان كما قالت هند محترم جدًا وجميع الموجودات من بيوت معروفة السمعة إلا أنها تشعر وكأنها ترتكب جرمًا لا يمكن تكفيره..
وقفت بسرعة تتجه حيث هند تتحدث مع إحداهن ، تسحبها معها تقول بعينين تمتلئ بالدموع : تكفين أبي أرجع البيت خلاص.
هند : تونا ما صار لنا ساعة من جينا يا بنت الحلال!!
غصت بريقها : تكفين ياهند أحس قلبي بيوقف من الخوف خلينا نرجع..
عقدت حاجبيها بضيق : خايفة من ايش بالضبط؟ الاستراحة تشوفين بعيونك أمان وفيه حارس برى ع..
قاطعتها بهمس مذعور : أنا جيت هنا من ورى أهلي .
هند بملل : يووه ياجادل مره ماتضر لا تكبرين الموضوع.
لكنها قالت برجاء : لا هند الله يرحم والديك ما أقدر أقعد أكثر من كذا..
سكتت تنظر لوجهها المرتعب وكأنها أتت بمصيبة لتقول ببرود : السواق مع أمي. حطنا وراح لها ولا أظن خلصت منه.
شعرت بأن عظامها ستذوب تحت وطأة الضغط الذي تشعر به : دقي عليه يجي الله يخليك.
نظرت لها وكأنها برأسين : لا بالله انهبلتي.
لتقول بإنفعال : أنا ما أقدر أقعد بالمكان ذا دقيقة وحدة.. تصرفي.
استشاطت الأخرى غضبًا : شلون أتصرف نعنبوك وش تبيني أسوي؟ إذا ملزمَه على الروحه دقي على سواقكم يجيك.
لتقول الجادل بهلع، وغضب : تبيني أقول لسواقنا يجيني للإستراحة وهو تاركني في بيتكم ؟ تبين أهلي يذبحوني؟
لتجيبها هند بامتعاض : الله يشغلك أنتِ وأهلك زين!! أنا وش خلاني انضرب على عقلي والزم عليك تجين معي يامعقدة؟
لتقول الأخرى بحدة : مثل ماجبتيني رجعيني.. والحين.

ابتسمت هند بتهكم لم تعد تقوى التجادل معها أكثر : صح عليك صادقة أنا الغلطانة يوم أجيبك معي..
دقيقة بشوف واحد من أخواني.
طارت عينيها : تبيني أركب مع أخوك؟
رمقتها بحده تفتح هاتفها تبحث فيه عن رقم معيّن : عندك حل ثاني؟
هزت رأسها "لأ" صامتة، تقسم داخلها أنها لن تعبُر عتبة الباب مجددًا دون والدتها.. وأنها بمجرد عودتها للمنزل ستأخذ حمامًا ساخنًا ينسيها هذه الليلة الكارثية بالنسبة لها، وستدفن رأسها بوسادتها حتى تستيقظ لا تذكر شيئًا..
لتقول هند مبتعدةً تضع هاتفها على أذنها : أجل تركبين وأنتِ ساكتة..
.

مرّ كل شيءٍ سريعًا كأنه حلم..
كابوس..
كاللحظات الأخيرة للديار الآمنة قبل دخول العدو عليها ليهدد أمنها ويبدد شمل أهلها ويملأ قلوبهم رعبًا..
حتى ركوبها خلف مقعد هند في سيارة شقيقها السوداء المتهالكة نوعًا ما رغم أنها من عائلة متوسطة الدخل.. كان كالحلم، الذي تسير فيه دون تحكمٍ منها رغم صراخ قلبها بأن تتوقف عن المسير وتعود أدراجها..

أخذه للطريق المؤدي لخارج منطقة الاستراحات ببطئ رغم أنه طريق سريع.. كان كالحلم، تشعر أنها تعيشه ولا تعيشه..

محاولته إشراكها في أحاديثه مع هند.. يسألها ويعيد ضبط المرآه حتى أصبحت مائلةً ناحيتها، مما جعلها تسحب طرحتها لتغطي عينيها وتلتصق بالباب أكثر وكأن جسدها سيعبر من خلاله.. كان كالحلم، الذي تشعر به واقعًا أكثر رعبًا من الخيال..

شعرت بقلبها يقع، ينسل واقعًا في بئرٍ لا قرار له،
ما إن رأت أنوار سيارات الشرطة التي تقف على جانبي الطريق مما جعله يبطئ من سرعته حتى شكت بأن السيارة ستتوقف، حاولت التحكم بأنفاسها التي ثارت ونفسها التي هاجت حتى شعرت بأنها ستتقيأ.. تقنع نفسها بأنها مع هند وشقيقها لا داعي للخوف.. إلى أن وصلها صوته، يقول بقلق : تفتيش.
لتعتدل هند بجلوسها تقول بخوف أقرب للبكاء : تفتيش ايش؟ ياويلي يا راشد ارجع ارجع.
راشد بتوتر : خليك طبيعية مو صاير شي. اهدي لا تفضحينا.

وقف وفتح نافذته.. وتوقف قلب الجادل معه.. حرفيًا..
تشعر بأن الهواء في السيارة أصبح مسموماً يخنقها وأن الحديد سينصهر على عظامها التي تآكلت من الخوف، وليته يفعل فكما يبدو -من ارتباك راشد وأخته- أن هناك مصيبة ستحدث ولن تقع إلا على رأسها ورأس أهلها ..

أشار له الشرطي بدون نفس : رخصتك.
راشد بتوتر يفتح الإضاءة أعلاه، ثم الصندوق بينه وبين كرسي الراكب : أبشر أبشر.
مد له بطاقته ، يقول بارتباك وضحكة تملق : ماقد صار تفتيش بالمنطقة ذي عسى ماشر؟ ترانا بخدمة الحكومة نعين ونعاون .
نظر له بتفحص ثم للجالسة بجانبه ثم لمن تجلس خلفه : مين مركب معك؟
راشد : أهلي.
ناوله بطاقته : عطني اثباتك واثباتات اللي معك..
سُحب اللون من وجهه تمامًا ، يسمع شهيقًا متصلاً لا يدري مصدره، ليقول بانفعال : أقولك أهلي وش تبي بإثباتات خواتي؟
ضرب أعلى سيارته يقول بصرامة : وقف على جنب أشوف..
.

لو إنها ذهبت مع أمها.. طاعتها كما تفعل دائماً فهي فتاة مطيعة عاقلة متعقلة تحسب تصرفاتها ولا تخطو الخطوة إلا بعد تأني وتروي..
لو ذهبت لمنزل خالتها الحبيبة صيتة، لربما كان عبدالإله موجودًا يأخذها هي وشعاع لأحد المقاهي ليفتح معهن مواضيعًا لا تنتهي.
لو بقت في المنزل عند جدتها.. لو قضت بعض الساعات تتحدث مع حاكم في غرفتها، تحايله كي يخبرها أين ينوي اصطحابها في أول شهرٍ بعد زواجهم، لكنه لا يفعل..
يرد بعد الحاحٍ منها : القمر.. مافيه إلا أنا وأنتِ..

.. لو ولو ولو.. كان لديها بدائل كثيرة لو فعلت أحدًا منها لما حصل كل هذا..
لكن ما الفائدة من كل هذا الآن وهي التي قامت بفتح عمل الشيطان بنفسها وعملت به.

كانت كالمغيبّة تمامًا.. مفجوعةً تحت تأثير الهلع، لم تستوعب شيئًا بعد. تشعر بالفراغ يأكل داخلها حتى أصبحت خاوية.. كقطعة الخشب المسندّة.. دموعها تسقط بكمياتٍ هائلة بللت غطاء وجهها حتى التصق بها.. تسقط تباعًا دون توقف.. بصمت، دون أن تتحرك عضلة في وجهها.. لا شيء يستجيب فيها حتى قلبها الذي بات عضلةً باليه لا ينبض..
آمنت أنها انتهت.. وأنها في هذا اليوم حفرت قبرها بيديها. وكم تتمنى أن تنشق الأرض وتبتلعها وتصبح نسيًا منسيا..

كانت تقف كالجماد في القسم.. دون أي استجابةٍ تصدر منها، دون إرتعاشٍ حتى فأطرافها تنمّلت لم تعد تشعر بها وكأن لا دماء تصلها.. تقف بانكسار ويأس وفقدان أمل وقنوط..
بأكتافٍ محنيَه، وكأن جبالاً تحط عليها. وليتها تكسرها..

الشرطي بهدوء : اتصلنا على ولي أمرك برقمه المسجل بأبشر ..
ثم تابع عندما لم يجد ردًّا ولا استجابةً منها حتى أنه شك في بادئ الأمر بأنها لا تسمع ولا تتكلم : حاكم بن ساجر.. وهو على وصول..
سكت قليلاً قبل أن يردف عندما أغمضت عينيها : أعرف كثير من جماعتكم وماعمر العيبه طلعت منهم.. أبد..
حرام عشان تصرف فردي من وحدة ....
سكت ولم ينطق بها لكنها سمعتها بوضوح، تفتح عينيها بإنكسارٍ واضح تراها في نظرته.. ليتابع : تروح سمعة قبيلة كاملة..
ثم أردف بقرف واحتقار وكأن هذا ماكان ينقصها : المفروض الوحدة قبل لا تنجر ورى هواها وإن كان مافيها خير ونست ربها تتذكر أهلها.. أبوك و أخوانك اللي جبتي لهم العار وش ذنبهم يدسون راسهم بالتراب طول عمرهم عشان وحدة مثلك..

كانت كلماته مسمومة وكأنه يتعمد أن يوجعها. وقد نجح تمامًا ما إن أشار بيده كي تُسحب بأذلال وتُبعد من أمامه وكأنه يبعد حشرة.
.

كانت عيني حاكم الشاردتين تتأمل صورتها في بطاقة إثباتها بين يديه..
لأول مره، دون أي شعور.. بفراغٍ خبيثٍ يأكله.. نظرةً فارغةً وكأنه ينظر لامرأةٍ من عالمٍ آخر، لا يبصرها.. مسخ دخل عالمه و شوه واقعه..
ينظر لعينيها وكأنها ستجيبه إن كان ما يحدث حقيقيًا أم لا.. كابوس يعيشه أم خيال صوره له عقله فقط كي يختبر قوة تحمله..
لا شيء مما سمع عبر مسمعه ليصل لعقله.. بل نزل كالسهم سريعًا لقلبه ليسبب ثقبًا لا يمكن سدّه.. واللهِ ثقب لا يمكن سده بل يكبر ويتسع في كل مرةٍ يأخذ فيها نفسًا ثقيلاً حتى بدأ يبتلع داخله..

ابتلع ريقه بصعوبة.. أنفاسه تتسارع بثقلٍ موجع يتمنى أن يبكي إلى أن تختفي صورتها تماماً.. ينتحب باكيًا إلى أن ينسى الصدمة التي زلزلته ما إن سمع الضابط يقول " خلوة غير شرعية بسيارة شاب، هي وخويتها"، ونظرة الشفقة والأسى في عينيه واضحة، فهو رجل يعرف مامعنى أن يأتيك اتصال يطلب منك المجيء على وجه السرعة.. وما إن تصل تلتقط أنفاسك التي فرّت من القلق ، تسمع ما يجعلها تفر مجددًا ، دون عودة هذه المره ..
وكأن نظرة الشفقة والمواساة في عينيه لا تكفي لأن يشعر بالعار .

سأل الضابط بنبرة أقل حده من التي كان يتحدث بها معها، ما إن استدعاها مجددًا يشير بيده : هذي زوجتك؟

ابتلع ريقاً استطعم الدم فيه، دون أن ينظر لها.. وهو يشد على بطاقة إثباتها في يده، وكم يتمنى أن يشد على عنقها في هذه اللحظة حتى تموت.

تدافعت الشهقات المحبوسة منها دفعةً واحدة ما إن رأته، يجلس مطأطأً رأسه بإنكسار وكأنه سيقع لا قدرة على أكتافه لحمله فهي قد كسرته دون رحمه.. قد دفنته بالعار دون أن تفكر مرتين..

وكأن قبضةً من حديد اعتصرت رئتيها.. خرجت شهقاتها منها دفعةً واحدةً.. تنتحب بشكلٍ مفجع، محزن ، وموجع.. تنحني للأمام تحاول أن تجذب أنفاسها لكن دون جدوى فبدت وكأنها ستختنق وتقع من طولها ميتة.. تقول بصوت ممزق لا يُسمع : حاكم..
مع ذلك لم يتحرك رمشٌ منه.. بل كان صوت بكائها يعبر أذنه اليمنى ليخرج من اليسرى دون أي تأثير.

تنهد الضابط بضيق على حاله وبنوع من الرأفة : تقدر تاخذها الله يستر عليكم بس لاهنت وقع على المحضر والاستلام ..

وقّع دون أن يرفع رأسه، دون أن ينظر له، أو لأي شيء غير الأرض تحته حيث أقدامه لا قدرة لها لرفعه.. وترك القلم ينفلت من بين أصابعه وكأن لا قوة لديه ليشده.. وهو الذي لم ينطق بكلمه منذ أن دخل وسأل بقلق " عسى خير؟.."،، وحتى هذه اللحظة..
يمشي خارجًا يتعداها.. وكأنه يهرب منها، لتتبعه بخطى متخبطه مذعورة ولم تخفى آخر نظرة استحقار من الضابط صوبّت نحوها..

تمنى لحظتها حاكم لو أن شماغه على رأسه ليغطي وجهه به.. أو أن يلفه حول عنقها حتى تضعف أنفاسها وتموت..

كان يعلم أنها تتبعه من صوت نحيبها، يشعر بنظرات الموجودين تتوجه ناحيتهم باستنكار.. لتخنقه النظرة مرة،، والهمسات ألف مرة.. يشعر بزغللةٍ في عينيه لا يستطيع أن يثبّت نظرته على شيءٍ أمامه وكأنه في دوامه تدور به حتى شعر بالغثيان..

خرج من المبنى أخيراً بعد أن أحس بأن المسافة بين المكتب الذي كان فيه وبوابة الخروج لن تنقضي أبدًا.. يرفع رأسه للأعلى يجذب أنفاسًا مسموعة لها رغم صوت نحيبها..
أنفاسًا تمنّى لو أن تفجّر رئتيه علّ هذا الوجع يتلاشى.
يختنق بظلمةٍ مريعة.. يشعر بقلبه يئن.. يسمع أنينه وكم يتمنى أن يصرخ بأعلى صوته عسى هذا الألم داخله يتلاشى ويختفي .

ركبت بجانبه لم يعد لبكائها صوت فقد بحّ صوتها.. تنطلق سيارته بسرعة جنونية قبل حتى أن تغلق بابها ليُفتح على مصراعيه دون أن يكترث بصراخها المفزوع .. ضغطت بجسدها على الكرسي الذي تجلس عليه حتى أصبح كجلدها. تتمسك بالحامل أعلى رأسها تحاول ألا تقع أو تطير من السيارة.
بقى هكذا إلى أن ضغط على الفرامل يقف للإشارة -مجبرًا لوجود سياراتٍ أمامه- ، تحتك عجلات سيارته بما تحتها مصدرةً صوتًا مرتفعاً أفزع من حوله. فاندفع الباب بالاتجاه المعاكس مُغلقاً بكل قوة..
كاد وقوفه المفاجئ أن يتسبب بكوارثٍ جمّا.. جعلت عددًا لا نهائياً من أصوات الهرنات يرتفع.. ليفتح نافذته يصرخ ويشتم من كان يصرخ ويشتم..
هذا كله والجادل تدعي بأن يأخذ الله روحها في هذه اللحظة.. الآن الآن قبل أن ينتهي العد التنازلي لفتح الإشارة..
تشعر بأنها تحلم فلا يمكن أن يكون هذا كله واقعيًا.. تقنع نفسها بأن هذا حلم وستستفيق منه قريبًا..
تسارعت أنفاسها ما إن فتحت الإشارة.. وأغلقت مجددًا ولم تتقدم سيارتهم إلا قليلًا بسبب حركة السير البطيئة جدًا . مما جعل حاكم يصرخ من أعماق قلبه بشتيمةٍ صدمتها..
ابتلعت ريقها تحاول أن تنطق : ح..
لكنه رفع كفه في وجهها.. كفًّا مرتعشًا وكأن ماساً كهربائيًا يعبره.. يقول بغضب دون أن ينظر لها : ولا كلمة .
غصت بعبرة جديدة : ما أعرفه والله العظيم ما أعرفه. الموضوع ماهو مثل ما أنت فاهمه.. أنا كنت.. أنا كنت...

تبدلت عينيه لحفرتين من الدموع الحارقة.. يسمع تبريرها بصوتٍ قطعته الف شهقه.. تتسارع أنفاسه بقهر وضعف ويأس و وجع.. الكثير من الوجع..
ولا توجد كلمة قادرة على وصف إحساسه في هذه اللحظة.. يشعر بالسواد يغيم نظرته حتى بات لا يرى شيئًا..
يشعر بالغضب..
بالهلع..
بالفجَع..
عدم التصديق..
الصدمة.. ولا شيء يقارن بالصدمة التي تلقاها.. بل أنه وخلال سنوات عمره الثلاثين لم يتلقى صدمةً كهذه، حتى صدمته بما حصل لفهد .
ليته كان خبر وفاتها، يقسم أنه سيكون أخفّ على روحه مما حصل.. أقلها سيترحم عليها ويعيش فجيعته بها يسأل الله الصبر والسلوان ..

كانت بدايتهم جميلة.. البداية جدًا جميلة تنبئ عن حياة سعيدة للأبد.. شهور الانتظار والترقب الطويلة رغم ثقلها على روحهِ إلا أنها مرّت عليه مستأنسًا وجودها في حياته لدرجة أنه كان يشعر بمرور الثواني في الأشهر الماضية، ثانيةً ثانية على قلبه.. يعد الأيام بلهفه يراها تنطوي مقربةً اليوم الذي سيجتمع بها تحت سقفٍ واحد.. لا يعلم أين الخطأ؟ هل استكثر على نفسه السعادة حتى حُرم منها؟
أين المشكلة؟
ولماذا؟


قاطعها مجددًا بعد أن ضاق من صوتها.. بكفيه هذه المرة..
كفٌّ على عنقها والأخرى تقبض على فكّها بكل قوة. يصرخ بغبنةٍ بعد أن طارت الدموع من عينيه : قلت ولا كلمة.. ولا كلمة.. ولا كلمة.. انكتمي ما أبي اسمع لك صوت ..
دفعها بعيدًا عنه، قبل أن يفقد السيطرة على أطرافه ويبدأ بضربها بيديه العاريتين ، يضرب كل ما تصل له يداه وكانت تشعر بصفعاته في كل مكان وفي نفس الوقت.. يمطرها بوابلٍ من الشتائم التي أدمت مسمعها. يصرخ بقهر بين كل شتيمةٍ وأخرى كالوحش : ليش.. ليش... ليش..

أغمضت عينيها بألم ما إن دفع رأسها بقوة للخلف ليرتطم بالنافذة.. كانت متأكدة بأنها تبكي، بل تنتحب ولكن لم تسمع صوتها أبداً فقد كانت تسمع عوضاً عنه، صوت صراخه وصوت ارتطام يديه بشيءٍ ما.. ربما المقود أو رأسه. كان يصرخ بغضب حقيقي مرعب أرعبها وجعلها تشد على عينيها بكل قوة، تضع كفيها على أذنيها وتصرخ..
تصرخ معه..
وعليه..
بأعلى صوتها.
.

ضغط على الفرامل بكامل قوته لتقف سيارته أمام بيت خاله الملاصق لبيتهم..

فتحت الباب بسرعة كي تخرج وكم تمنت لو تطير لكنها شعرت بأصابعه تُغرس في ذراعها تسحبها بقوة.. التفتت تجهش ببكاءٍ مرير وخوف : حرام عليك وش باقي بعد؟
التمعت عينيه بقهر، عينين شديدة الإحمرار وكأنها ألسنةٌ من لهب.. يصرخ في وجهها وعروق رقبته بارزة، و كأنها لا تتحمل فوران دمه فيها : حرام علي؟؟ حرام علي؟؟
يمين بالله مايبرد حرتي فيك شي يالرخيصة.. لو علي فضيّت رشاشي براسك و غسلت عاري لكن ..
ثم عصر ذراعها يهتف باستحقار من بين أسنانه : سواد وجهك ذا لا يدري عنه أحد.. فاهمة؟
الجادل بمرارة وتهالك واضح وضعف ويأس : أنا ما سويت شي.. والله العظيم ماسويت شي.. ماكنت أدري إن..
صرخ صرخة مدوية أفزعت روحها : تفهمين ولا لأ ؟
هزت رأسها رغما عنها بانصياع وعينيها تنظر له بهلع.. هذا ليس حاكم الذي تعرف.. هذا وحش كاسر غاضب وساخط ينفث النيران من مقلتيه لتحرق كل شيءٍ أمامها.
دفعها من ذراعها بعيدًا عنه، بقرف ومهانة : اذلفي.. اذلفي من قدامي الله ياخذك..
ثم بصوتٍ مرتفع مجروح من الصراخ : انقلعي الله لا يردك..

تابعها بعينيه تمشي ناحية باب المنزل بخطى متخبطه سريعة.. ولم يستطع أن يمنع نفسه المخذوله من أن تنفجر في بكاءٍ مرير.. يبكي بقهر، يضغط على كفّه بأسنانه كي يمنع صوت نحيبه وأنينه المرتفع من أن يخرج..
ولكن المهمة كانت مستحيلة، يراها بنظرةٍ غممتها الدموع، تفتح باب المنزل بمفتاحها قبل أن تختفي خلفه.. تغلقه بكل قوة،
وكأنها أغلقته على قلبه ..
لينحني ساندًا رأسه على المقود، يبكي بقهرٍ مزّق حنجرته..
و روحه..
قهرٌ ليس له مثيل..

.
.

دخل المبنى بنوافذه العاكسة بعد أن تأكد من أن لا أحدًا يتتبعه.. يصعد السلالم بسرعة حتى وصل لمكتب بسام يفتح بابه على مصراعيه بعد أن قرعه..
ابتسم بسام بارتباك ما إن رآه وهو الذي أخّر هذا اللقاء وتعذر بأعذار واهية حتى حاصره عزام وأصر على أن يلقاه الليلة..

جلس الآخر أمامه بعد أن ألقى السلام. تبدأ الأحاديث البسيطة بينهم والسؤال عن الحال والأحوال حتى قال يتنحنح : وش صار معك؟
بسام : مالقينا إلا واحد منهم بس، والرجال الله يرفع عنه يقط خيط وخيط فيه الزهايمر.. أما الثلاثة الباقيين كلهم طلعوا برى السعودية هم وعوايلهم يعني الموضوع يبي له وقت.. بكرة اجتماعنا مع أبو هيثم عشان نشوف وش ط..
قاطعه بابتسامة : الله يقويك ويعافيك،، بس أنت فاهم عن وش قاعد اسأل.

وكيف ينسى؟
عندما وصلته رسالة منه قبل فترة (بسام وينك ؟ أبي منك خدمة تكفى يالذيب.) ليلتقيه ويكتشف أن الخدمة ماهي إلا فتح لسجلات الماضي.. عندما قال عزام بهدوء : أنت تدري إن أبوي توفى وهو لازال ضابط على الخدمة..
بسام بهدوء : الله يرحمه ويغفر له .
سكت عزام قليلا قبل أن يقول : أبي منك خدمة وصدقني مستحيل أنساها لك طول ما أنا حي. أبيك تدور بسجلات أبوي من يوم ما تعيّن إلى آخر يوم..
ثم أردف بصعوبة : يوم وفاته..
.

زفر بارتباك وهو يرى نظرات عزام المصممة وكأنه يخبره بأنه لن يخرج إلا وقد أخذ العلم اليقين منه..
بسام : ممكن اسأل سؤال..
ثم أردف عندما أومأ "نعم" : وش بتستفيد؟

برقت عينيه بشيءٍ لم يفهمه بسام.. وكانت هذه الإجابة التي على إثرها فتح أحد الأدراج بجانبه يزفر بقل حيله.. يخرج ملفاً سحب من داخله ورقه قبل أن يعيده مكانه مغلقًا الدرج عليه.: أنت تعرف إن أبوك توفى بتفجير إرهابي؟
تسارع نبض قلبه بشكلٍ مرعب : ايه..
ليتابع بسام بتأني، يستحيل أن يقول الصدق لعزام ولو غضب منه الآخر : وإنه قبل لا يتوفى بسبع أشهر تقريباً اختفى وبلغوا أهلك عن ذا الشي؟..

لم ينطق بشيء رغم أنه فتح فمه ولكن لا صوت يخرج.. اكتفى بأن يحرك رأسه بثقل "ايه".. فقد قالت له والدته مسبقًا بأنه خرج ولم يعد.. رغم أنه لم يسمع هذه الرواية من عمه أو إحدى جدّيه..

سكت بسام يحاول أن يتحكم بنظرته، أن يكون ما يُرى في عينيه هو نظرته العادية، لا شفقة ولا أسى فيها : وهذا اللي لقيته مكتوب بسجلاته.. توفى بالتفجير وتحققوا من جثته بالدي إن أي واللي وقع أوراقه لواء تقاعد بعد وفاته بثلاث أشهر .
عزام بصعوبة : ما تعرّف عليه أحد من أهلي؟
ليقول بعطف محاولاً انتقاء ألفاظه : عزام أنت فاهم وتعرف كيف يعني الشخص يموت بتفجير مايحتاج أعلمك. وعلى حسب المكتوب جثته الله يرحمه ماكانت ت..
قاطعه بقوة وأنفاس احتدت : خلاص فاهم..
عاد بجسده للخلف يرفع حاجبيه باستنكارٍ من انفعاله،، ليقول بحذر عندما بدأ عزام يفتح زر ثوبه العلوي : فيه صور إذا تبي تشوف؟..
ابتلع ريقه يشعر بأنه سيتقيأ قلبه، يخرج بعده روحه.. يهز رأسه نافيًا يهمس الحروف همسًا مرتجفًا : لأ.. لأ ما أبي أشوف.

عم الصمت لثواني بقى فيها بسام ينظر للجالس أمامه بقلق.. يرى صدره الذي بدأ يرتفع وينخفض بوضوح محاولاً إلتقاط أنفاسه الثقيلة، يقف ويدور حول مكتبه ليجلس على الكرسي الآخر أمامه.. يفتح قارورة ماء صغير موجودة على الطاولة ومدها له : اذكر الله يارجال.. خذ أشرب شوي.
أخذها منه، يشربها دفعةً واحدة قبل أن يسحقها في قبضة يده.. يضغط على صدره بيده الأخرى وكأنه يمنع ألمًا من أن يتفاقم وينتشر .
ليسأل الآخر مربتًا على فخذه بقلق : عزام تب..
تهدجت أنفاسه، ينظر له بعينين كالزجاج وعِرق برز في جبينه.. يقاطعه : وش اسمه؟
ليعقد بسام حاجبيه : منهو؟
عاد يبتلع ريقه بصعوبة يشعر بالأمل الصغير في قلبه يحارب على البقاء : اللواء اللي تعرف عليه و وقع أوراق الوفاة؟..
فتح الورقة بعد أن مد يده وسحبها ، يقرأ مافيها رغم أنه يحفظه غيبًا، يأخذ نفسًا عميقًا، يسفطها ويضعها على الطاولة الصغيرة بينهم، ثم ينظر لعزام ويقول بهدوء : اسمه..
ساطي بن ساطي بن فلاح.
.
.
.

.
.
.
.


# نهاية الفصل الثاني عشر
نلتقي الاسبوع القادم إن شاءالله


سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك ♡.

 
 

 

عرض البوم صور وطن نورة ،،  
قديم 14-12-19, 03:50 PM   المشاركة رقم: 180
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,194
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : وطن نورة ،، المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: أَحلَامٌ تَأبَى أنْ ’ تَنْطفِئ ،، / بقلمي

 

اقتباس :-   المشاركة الأصلية كتبت بواسطة وطن نورة ،، مشاهدة المشاركة
  

أسعد الله أوقاتكم بكل خير..
ما اعرف من وين أبتدي بصراحة وأنا اعذاري صارت أكثر من عدد الفصول خخخ :(

الله يسعدكم جميعا على ردودكم اللي أسعدتني جداً.. محرجه من نفسي لأن قدركم إني ارد عليكم وحدة وحدة لكن كلي أمل تعذروني❤ الف شكر لكل من علق وكتب توقعاته والله إني كنت اقراها وأنا أغرق في السعادة.

جينا لسبب التأخير عاد :(
والله ما اعرف من وين ابدا لكن جدي أصيب بعارض صحي ثقيل
الله يكفيكم شره ومن يوم ما أخذوا منه خزعه إلى إن طلعت النتيجة وإلى هذه اللحظة والوضع ما احكي لكم ..
لكن الحمدلله على كل حال كل عطايا ربي زينه والله يجمع له بين الأجر والعافية .. فلا تنسونه من دعواتكم الله لا يوريكم مكروه..
اتمنى تعذروني والله أدري إني مقصرة لكن أنتم كريمين وأنا إن شاءالله إني استاهل هههه :)

اترككم مع الفصل الثاني عشر اتمنى لكم قراءة ممتعة وإن شاءالله ينال على استحسانكم ❤..

شكرا مره ثانية :)❤



معذوره حبيبتي والله يكتب لجدك الأجر والعافيه وماللإنسان غير الصبر واحتساب الأجر

فبل شهر توفي عمي أبو زوجي والأحد اللي راح توفيت عمتي زوجته الله يغفر لهم ويرحمهم

ويدخلهم فسيح جناته سبحان الله مابين وفاة زوجها ووفاتها شهر الله يرحمهم

 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي  
 

مواقع النشر (المفضلة)
facebook




جديد مواضيع قسم الروايات المغلقة
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 06:54 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية