كاتب الموضوع :
وطن نورة ،،
المنتدى :
الروايات المغلقة
.
.
.
أتمنى لكم يوم جميل و قراءة ممتعة مقدما ❤
# الفصل العاشر،،
" أنَا فِي قُربِك سَعيدْ "
.
.
.
منتجع الدانة،،
حيث بتلات ورد حمراء تتناثر على السرير ومن فوقها منشفتين على شكل بجعتين بينهما قلب..
نظرت لعينيه، وابتسامته الهادئة بعد ضحكة الاستنكار التي فرت من بين شفتيه لتجدد لمعة عينيه الحياة فيها.. علقت الحروف في حنجرتها، وترددت قبل أن تقول ماتنوي قوله فوجهه عندما قالته في السيارة انقلب مئة وثمانون درجة وكأنه يقول "ماتلاحظين أعطيتك وجه وتماديتي؟"
لكن لسانها العصي كعادته خانها ونطق، تصفح كفّها أمامه والله وحده يعلم مدى خوفها من أن يصرخ في وجهها منفعلًا : الجوال؟
رفع عزام حاجبيه لا يصدق فقد ظن أنها تمازحه في السيارة : صادقة أنتِ؟
ابتلعت ريقها بسرعة وكادت تغص به، تخشى من أن يغضب وينتهي كل شيء وهي التي من فرط سعادتها بسكونه وابتساماته اليوم تشعر وكأن لها أجنحة.. لكنها مع ذلك قالت بارتباك حاولت تغليفه بالثقة : ما عمري كنت أصدق في حياتي من ذا اللحظة.. الجوال لو سمحت.
ضحك باستنكار، استنكار حقيقي.. كأنه مسيّر يخرج هاتفه من جيبه يضعه في كفها : ما أدري ليش قاعد أجاريك باللي تبينه؟؟
رمشت أكثر من مرّه تحاول ألا تبيّن صدمتها من سرعة استجابته.. وقد بدأت تقلق من أن الماثل أمامها هو شخص آخر تلبّس جسد زوجها لتقول بابتسامة واسعة : لأني شعاع مو حيّ الله.
ضحك : طيب يا شعاع ياللي مو حيّ الله وش ناوية عليه؟
غمزت له : لا تسألني عشان ماتنصدم.
اتسعت عينيه بشكل درامي أضحكها : لا أنا كذا ببدأ أخاف.
تلامعت عينيها بخبث لا يدري هل توهمه أم كان موجودًا فعلاً، تقول بهمس قبل أن تبتعد من أمامه : لازم تخاف.
قالتها تهدد بمرح -أو هكذا وصلت لمسمعه- ولم يتوقع عزام أنها كانت تقصد كل حرفٍ في جملتها ما إن شعر بشيءٍ ينفجر في قلبه، وكأن العاباً ناريةً تفرقعت في رأسه.. صاروخًا انطلق من صدره وانفجر ليلوّن نظرته السوداء بعرسٍ من الألوان وانعكس ذلك على سطح عينيه.. لحق بها وهو يراها تتمايل في مشيتها، شعرها يتهادى خلفها ويميل مع ميلانها..
شعرت شعاع بقبضته حول مرفقها، يديرها ناحيته بسرعة لتشهق بذعر : بغيت تخلع كتفي عزام!!!
ضوّق عينيه ينظر لوجهها نظرةً متفحصةً أضحكتها.. ليست خبيثة ولا لعوب لكن لا مانع من أن تجرب مهاراتها عليه..
عقدت حاجبيها تقول بعذوبة : بسم الله عليك وش جاك؟ اترك يدي .
لكن أصابعه شدّت عليها أكثر يقول بنبرة : ترى صدق بديت أخاف وش ناويه عليه؟ أخاف تخلصين علي مثل ماقال عبادي.
ضحكت رغمًا عنها لينهار مخططها، تغطي فمها بكفها بخجل من ضحكتها المرتفعة ولو كانت تعلم بتأثير الحركة والضحكة على عقل عزام لكانت ضحكت طيلة عمرها..
وضح له مبسمها بعد أن أبعدت كفها، ابتسامة كانت الأعذب طيلة سنوات عمره الاثنى والثلاثون تقول بنبرة خافته : يمه منك،، كشفتني.
عمّ صمت شعر به كالطنين في أذنه. ينظر لفمها المشدود بابتسامة تلونت باللون الأحمر الياقوتي، ليرفع بصره ولم يدرك بأنه كان غارقاً إلى أن سمِع نبرته : ارفقي علي.. إذا مو عشاني عشان أمي..
اتسعت ابتسامتها حتى تحولت لضحكة هادئة باذخة جدًا، تربت على خده تقول برقّه قبل أن تبتعد : الحقني الصالة..
.
إن كانت شعاع تظن أنها ليست بالخبيثة اللعوب وكالقط مغمض العينين.. فهي قد أخطأت جملةً وتفصيلا.. فعزام في هذه اللحظة لا يرى سوى أنثى تنطق خبثًا لعوبًا وكأنه للتو يعرفها.. تخسف بثقله وتزلزل رجولته وكأنها عقوبة وسَخط على قلبه العاصي.
كان يجلس على أريكة الصالة وهي تقف أمامه .. يرى التماع عينيها،، الربع ابتسامة التي ارتفع بها طرف فمها الأيمن, تدخل سبابتها في فتحة زراره العلوي الفارغة وتسحبه منها للأمام : شيل التيشيرت.
فتح فمه وعينيه بذهول.. ذهول نقي تراه للمره الأولى على وجهه الذي اعتادت على تعابيره التي لا تتغير كثيرًا, جعلها تقول بجدية كي لا تنفجر ضاحكة على تعابير وجهه التي جعلت منه كالأحمق : ماتسمع؟
كانت صدمته أكبر من أن يلاحظ أطراف فمها المرتعشة وهي تحاول أن تحارب ضحكتها المجلجة.. أو حتى انعقاد حاجبيها بزيفٍ جديٍّ واضح..
ابتعدت من أمامه بسرعة لم يلاحظها، تدخل الغرفة تعض كفها بكل قوة كي لا تفضحها ضحكتها وتنقلب الليلة عليها.. تجلس على طرف السرير، أكتافها تهتز بضحكة مكتومة بعد أن غطت فمها لتكتمها..
أخذت ما يقارب الخمس دقائق لتسيطر على نفسها وتأخذ ماتريده وتخرج مجددًا..
قالت بعبوس عندما رأت أنه لازال على وضعه، يجلس فاغرًا فاه : عزام!!
خرج الهواء من رئتيه دفعةً واحدة وهو يدير رأسه ناحيتها. يراها تأتي باتجاهه ترتدي بنطالاً بخصرٍ مرتفع فاتح اللون و بلوزة بلون أبيض لوهله يبدو شفافاً، مخططاً بخطوط طولية صفراء واكتاف مكشوفة منسدلة، و تُربط في نهايتها وقد لاحظ أنها قصيرة وجدًا ما إن لمح جزءًا من بطنها يظهر أثناء مشيها..
يتبعها بعينيه وكأنه لأول مرة يراها إلى أن وقفت أمامه.. تضع ماكانت تحمله على الأريكة بجانبه بعبوس، تفتح زراريه المتبقيين وتخلع تيشيرته دون أي اعتراض منه فهو -وبكل ما تحمله الكلمة من معنى- مبهوتٌ مذهولٌ منها.
ربما تهورت شعاع بهذه الخطوة، فعضلات صدره البارزة المشدودة خدّرت عقلها وأنستها ما كانت تنوي عليه.. زفرت تبعد عينيها عنه تعاود أخذ ماوضعته جانباً.. علبه مستطيلة سوداء لامعة بشكلٍ باهظ الثمن.. فتحتها وعصرت مافيها على أصابعها ليخرج من سكرته أخيرًا يقول باستنكار وهو يرى السائل الثقيل أسود اللون الذي خرج ليغطي أصابعها : وش ذا؟
ابتسمت ابتسامة واسعة لا تناسب الموقف وماكان يدور في عقله : ماسك فحم.
تكرمشت ملامحة بقرف : وشو؟
ضحكت : ماسك..
ثم أردفت بتفكير : مم.. قناع يعني يالقروي.
رفع عينيه لها بإزدراء لازالت ملامحه متكرمشة : لا ياشيخة!! أدري وش يعني ماسك بس وش تبين فيه؟
التمعت عينيها بحماس : بحطه على وجهك.. رهيب بيعجبك .
عزام بقوة يعيد ظهره للخلف مستندًا يريح عضلاته التي شُدّت بما فيه الكفاية : الخلا بس ماعاد إلا هي.
شعاع باستمتاع : طيب سؤال أنت وش تغسل وجهك فيه كل يوم؟
ثم تابعت دون أن تدع له مجالاً للرد : أدري أدري بصابون تايد مايحتاج تجاوب.
ضحك : لا والله، الصدق ما أغسله لا بصابون ولا بغيره.. الله يخلي المويه .
اتسعت عينيها بشكل كوميدي رفرف قلبه ليضحك : ويلك من الله..
عزام وضحكته تحولت لقهقهه مرتفعة : شدعوة .
كان الاستنكار واضحًا على وجهها لتقول بنبرة جادّة : وماتبي تحط منه بعد!!.. شف وش اللي بينزل من وجهك والله تنصدم.
عزام : أقول بس...
قاطعته : قد جبته وصبيت منه ما أقدر أرجعه للعلبة.
عزام بحاجبٍ مرفوع يشير برأسه عليها : حطيه أنتِ.
لوت فمها بعبوس : حطيت منه أمس ماينفع يومين ورى بعض..
ثم تابعت بتهديد : ولا تفكّر ولا تحاول تقول اغسليه لأنه بمبلغ وقدرة حرام يروح على الفاضي.
ليقول أخيرًا بعدم رضا واستسلام ما إن رآها تنظر له بأمل : يافضحك بين حمران العيون ياعزام على آخر عمرك تحط من قراشيع النسوان.
ضحكت و ويلٌ لقلبها مما باغته في هذه اللحظة وهي ترى طوعَه لما طلبت : حبيبي مافيها شي صدقني أحمَر واحد بحمران العيون على قولتك تلاقيه يحط أهول من كذا.. استرخي وتيك إت إيزي هذا وأنا قايله سلمني نفسك.
أمسك معصمها عندما اقتربت اصابعها من وجهه، يقول بتهديد : لحد يدري.
ابتسمت باتساع : ولا الجن الأزرق بيدري.. غمض عيونك..
ضوّق عينيه بتوجس، يشد على معصمها أكثر ما إن شعر بمحاولتها في تقريب يدها لوجهه : ليه وش ناويه عليه؟
ضربت طرف أنفه بسبابة يدها الأخرى برقه، تقول بمرح : أسرق خشمك الحلو هذا ..
رمش أكثر من مره ينظر لها و يحرّك فتحات أنفه بسرعة
وابتسامة مشاكسة تجمّل وجهه، لا تعلم ماذا حصل ولكن شعرت بقلبها يتسع لثلاث أضعاف حجمه الطبيعي.. بل شعرت وأن جوفها امتلأ بقلوب أهل الأرض جميعًا لينبض بشدة، وكأن ماكان يفعله طيلة السبعة وعشرون عامًا الماضية لم يكن إلا نبضًا عبثيًا كي تعيش فقط.. والآن للتو حيَت.. تغرق في سعادة غشتها وهي ترى جانبًا من عزام لم تراه من قبل، وكأنها تعرفت عليه للتو.. تدفع وجهه بيدها للجهه الأخرى تقول بضحكة ونبرة مغرقة بالحب : وش ذا؟
عاد ينظر لها وضحكة خافته فرّت منه يشعر بأن شرايين قلبه اتسعت وكأنها لمست شيئًا في صوتها يقول براحة وابتسامته لم تتبدل، يغلق عينيه : ياويلك إذا ماتغير شي بوجهي..
وضعت يدها أسفل ذقنه لترفع رأسه بنعومة جعلت رعشةً تسري في جسده ليقول مبررًا بحرج : يدك باردة..
بدأت تمد القناع الأسود على وجهه ، تستغل أنه ساكنٌ مغمضٌ عينيه لتتأمله، تتأمل أجفانه التي تخفي خلفها عينين لوزيتين تنطق ذكاءً من يراها يشعر بالحذر وكأن أسراره كلها ستكشف..
تضع المادة السوداء على جبينه وتحرص ألا تلامس حاجبيه متوسطي الكثافة بزاويا مرتفعة شديدة الجاذبية..
تعصر قليلاً منها على أصابعها قبل أن تضعه على عظم وجنته البارز بحذر ودقه كي لا تلامس شعر عوارضه القصير والمشذب وكأنه للتو بدأ بالنمو، مظهرةً بذلك غمازة ذقنه والتي لا تراها إلا إن كان مخففًا شعر وجهه كما الآن..
لم تدرك بأنها كانت تمسح نفس المكان حتى وصلها صوته بملل : شعاع ماخلصتي خدَر خدي.
تنحنحت تبعد بصرها عن شفتيه الرفيعتين تضع مما تبقّى في يدها على أنفه البارز بعظمةٍ دقيقةٍ مستقيمة وكأنها مسطرة : شوي بس.
عزام : أحس وجهي قاعد ينكمش وش ذا المصيبة اللي حطيتيها لي؟
ضحكت تستقيم بوقفتها : ياقلبي الحين تشوف بشرتك كيف بتصير مصقوله وبتشكرني.
فتح أحد عينيه ينظر لها بإزدراء : والله أهل العقول في راحة .
وضعت يدها الأخرى على خصرها تنظر له بتهكم : حبيبي هذا منتج كوري يخلي بشرتك قزاااز من الصفاوة.
ضحك باستخفاف : وأنتِ مصدقة؟
لتجيبه بجدية قبل أن تبتعد لغسل يدها : بشوف وش تقول لا غسلته..
انتظر عودتها وهو يحاول تحريك عضلات وجهه الذي تيبس بعد أن جف القناع تمامًا، على عودتها تمسح يديها لتسأل ضاحكة : وش تسوي ؟
عقد ذراعيه على صدره يقول بعدم رضا : الحين جايبتني وعازلتني عن العالم لاا ومفصختني بعد عشان الخرابيط ذي؟
ابتسمت تتصنع عدم الفهم : خفت بلوزتك تتوصخ أنت شايف كيف لونه أسود والله مايروح من الثياب.
نظر لها بملامح لا تعبير فيها ليقول بعد ثانية صمت بجدية لا تتناسب مع مايغطي وجهه : شعاع من جدك؟
شعاع ببراءة : أنا وعدتك بشي؟ ذكرني يمكن نسيت.
سكت قليلاً قبل أن يضحك بتهديد مبطن وهو يرى لمعة المكر في عينيها : طيب يا شعاع.. طيب.
اتسعت ابتسامتها تشبك أصابعها ببعضها تفرقعها بحماس وتحرك رأسها يميناً ويساراً : عاد الحين أحلى فقرة يوم نقعد نشيله.
ثم أردفت تغمز : تمدد حبيبي.
رمقها بنظرة ولم تخفى عليه نبرتها المحملة بضحكة ساخره ليقول بابتسامة مشدودة : هيّن يا شعيّع، شغلك بعدين.
دفعته من أكتافه إلى أن استقر ظهره مستويًا على الأريكة.. يشعر بكل وترٍ يُشد في قلبه ما إن انحنت تجلس على ركبتيها بالقرب من رأسه.. رفرف جفنيه يتابع حركتها ما إن أعادت شعرها للخلف بيدها.. وأخذ شهيقًا لا زفير بعده ما إن اقتربت من وجهه وفي عينيها يلتمع التركيز.. عقد حاجبيه مغمضًا عينيه.. يبتلع ريقه ورائحة عطرها جعلت قلبه يرتجف بين أضلعه.. كان على وشك الغرق لكن الألم الذي شعر به ما إن بدأت تقشّر أطراف القناع بالقرب من جبينه جعله يصرخ يفتح عينيه بهلع ويمسك بمعصميها بسرعة : وش قاعدة تسوين؟
ضحكت عندما بدأ يتحسس جبينه بأصابع إحدى يديه يقول بجزع : قشعتي جلد جبهتي؟؟
شعاع بنبرة غارقة بالقهقهه : لا لا..
نظر لها عاقدًا حاجبيه بالكاد تلتقط أنفاسها من شدّة الضحك ليحاول أن يرفع رأسه يهم بالجلوس : أنا قايل الحركات ذي مستحيل تكون لله..
عادت تدفعه ما إن حرر يديها، ليقول لازال يشعر بالألم : وخري..
شعاع ضاحكة : وين بتروح؟ اقعد بشيله.
عزام بانفعال يحاول الجلوس مجددًا : بروح أغسله مجنون أنا أخليك تشيلينه!! والله حسيت بقلبي انشال معه.
دفعته بقوة لم يشعر بها صدر عزام المشدود إلى إن استقر مكانه. تضع ذراعها بشكلٍ عرضي على صدره العاري وتستند بثقلها كي تثبته تشعر وكأن عضلاته تحركت تحت ذراعها، تقول بجدية ونبرة غليظة مصطنعة : أقول اهجد.
عزام وملامح وجهه تكرمشت باستعطاف : طيب بس تكفين بشويش، ترى والله العظيم أوجعتيني.
ابتسمت وقلبها ترقق عليه فهي للتو أدركت أنها نست -أو ربما تعمدت- أن تهيأ بشرته قبل وضعه.. : طيب..
عزام وعينيه تتركز على عينيها يقول بنبرة درامية بحته : ليلتك سودا يا ولد صيتة..
رفعت رأسها تتعالى ضحكة مرتفعة فرّت من أعماق قلبها. جعلت ابتسامة صغيرة ترتسم على وجهه ما إن عادت تنظر لوجهه تقول بحاجب قد ارتفع وخلفه الف معنى ومعنى : بسم الله على قلبه ولد صيتة توّه مابعد شاف شي.
.
.
تمدد بجانب ابنته وهو يتحسس جبينها.. يشعر بحرارتها تكاد تحرقه ليبتسم لها بتودد ما إن نظرت له بعينين بالكاد تُفتح.. قبّل خدّها يستنشق رائحة شعرها : يلا نامي.
لتقول برجفة واضحة : غطيني عبادي.
عقد حاجبيه بقلق فالغرفة تكاد تنفجر من شدة حرارتها بعد أن أغلق المكيف : بردانه؟
هزت رأسها تشد على شفتيها بقوة كي تمنع اصطدام فكيها.. ليرفع الغطاء ملبياً رغبتها إلى أن وصل أسفل رقبتها..
تهدجت أنفاسه يتأمل وجهها بعد أن أغمضت عينيها بسكينة.. يمسح خدها بسبابته ويمررها على ملامحها واحدةً تلو الأخرى لتبتسم لازالت مغمضة عينيها تقول بضحكة خافته : تضحكني عبادي..
ابتسم يهمس : اسمها تدغدغني..
فتحت عينيها الواسعة لتلتقي بعينيه.. ترفع حاجبيها الرقيقين : كيف تدغدغني؟
حررت يديها من الغطاء لتغرس أصابعها في جوانبه تحركها بالقدر الذي يسمح به تعبها : كذا تدغدغني.. بس قبل شوي أنت كنت تضحكني..
ضحك يقبل خديها الممتلئين لتظهر غمازتيها ما إن ابتسمت.. يحك أنفها الصغير بشعر عارضه : طيب وكذا وش؟
تعالت ضحكتها المبحوحة تحاول أن تدفع وجهه بكفيها : كذا تغززني.
أعاد رأسه للخلف يضحك من أعماق قلبه قبل أن يشعر بجسدها الصغير يميل عليه ويُدفن في حضنه.. لف ذراعه حولها وأنفاسها الحارة تضرب عنقه بدون رحمة.. مريم ستبقى أروع أقداره وأجمل العطايا التي منّ الله عليه بها، و الحسنة الوحيدة من تجربه زواج فاشلة وبجدارة..
رنّ هاتفه ليدير جذعه ويأخذه من الطاولة بجانب سريره.
أجاب بعد أن رأى اسم عبدالله: هلا وسهلا..
عبدالله : هلا بك. وينك؟
عبدالإله باستنكار : الساعة ١٠ الليل وين بكون يعني؟
ضحك : طيب وش رايك تمرني البيت؟
عبدالإله مخللاً أصابع يده بخصلات شعر مريم الملتفه حول بعضها بنعومة : وش عندك؟
ليجيب : العيال بيمروني، تعالوا اسهروا معي نعنبو غيركم ماتقولون يدينه مكسورة مايطلع ولا يدخل نجي نبسطه.
عبدالإله بابتسامة ما إن علقت أصابعه بعقده في شعر ابنته : الله يبسطك بالعافية .. بمرّك يوم ثاني حبيبي.
عبدالله : طيب عزام حولك؟ أدق عليه مايرد.
ضحك : لا والله عزام إلى السبت ماهو حول أحد.
باستنكار : مسافر؟
قهقه : ايه ..
عبدالله : الله يجيبه بالسلامة.. طيب وش قلت بتجي؟
تنهد : لا والله ميمي تعبانة ما ودي أخليها وأطلع .
ليسال عبدالله بقلق : وش فيها بسم الله عليها؟
مد شفتيه يتحسس خدها بظهر كفه : سخونة يارجال نفضَت والدينها.
عبدالله ونبرته تبدلت بمودة : قدامها العافية إن شاءالله.. سلام عيني..
قالها وأغلق الخط ليلقي الآخر هاتفه جانباً ويتشاغل بكلتا يديه يفك العقدة في شعر ابنته والتي كادت أن تكسر أصابعه ..
.
لم يدرك بأنه نام إلا عندما استيقظ على صوت أنينٍ مكتوم.. تغضن جبينه يفتح عينيه بتوهانٍ واضح.. ليجد مريم في وجهه.. أبعد رأسه للخلف قليلاً يشعر ببللٍ تحته.. ثم تحرك مبتعداً بسرعة يتحسس المكان بينه وبينها حيث بقعة بللٍ انتشرت قبل أن يرفع أصابعه لأنفه.. نظر لها بصدمة وحاول أن يوقظها فمنذ متى و مريم تبلل فراشها!!
بدأ يتحسس وجهها شديد الشحوب برعب عندما لم تستجب لنداءه،، يشعر به كصفيحٍ مشتعل.. وضع يده على صدرها ليشعر بنبضات قلبه ستدفع كفّه من قوتها وسرعتها .. ولم يوعَى بنفسه إلا وهو أمام باب غرفة صيتة يفتحه دون أن يقرعه حتى لتقفز الأخرى مرعوبة بعد أن كانت تستعد للنوم : بسم الله وش فيك؟
عبدالإله بهلع وأنفاس لاهثة : ميمي ميمي مدري وش فيها .
لحقت به صيته وقلبها وصل بلعومها، تدخل غرفته حيث مريم لازالت على نفس وضعها..
انتبهت للبلل وجلست في الجهة الأخرى تتحسس خدها وتبعد الغطاء عنها بقوة : الله يهديك البنت فيها حرارة تقوم تغطيها!!
عبدالإله بتلعثم : هي قالت بردانه..
بدأت بخلع ثيابها تقول بقلق : روح عبّي البانيو موية..
تحرك ولكنه عاد بسرعة : موية وش؟
صيتة بانشغال : موية فاترة..
خرج من الغرفة لكنه عاد بسرعة : كيف يعني فاترة؟ دافيه؟
ضحكت رغماً عنها : ايه وسط..
.
وضع مريم برفق على سرير صيتة بعد أن أصبحت ملاءاته غير صالحة للاستعمال.. لازالت تلتف بروب استحمامها الوردي بعد أن عاد لون وجهها لطبيعته..
فتحت صيتة جميع النوافذ وأدارت رأسها تنظر برأفه لشقيقها الذي أخذ مكانه بجانب جسد ابنته..
:
*
فِلوة ليست سيئة،، أو هذا ما أعرفه..
لا تجمعنا بها قرابة أبدًا.. لكن كانت والدتي تعرف والدتها لتطرح مشاعل اسمها كإقتراح ومع بعض الوصف عرفت من تقصد..
'مملوحة' كما هو متداول في مجتمعنا.. أشباهها كُثر ولا يوجد بها شيء يميزها عن غيرها إلا أني كنت أشعر بسعادة عبدالإله وهو معها..
بعد سنة من زواجهم أتاني عبدالإله بابتسامة لم أرى أجمل منها، برفقته زوجته تنظر له بين وقتٍ وآخر بخجل إلى أن نطق أخيراً : استعدي صيوت كلها كم شهر وتصيرين عمه.
أتت مريم بعد تسعة أشهر جلستها فلوة في بيت أهلها تتعذر بتعب الحمل رغم اعتراض عبدالإله.. : يا صيتة كل الحريم تحمل ماهي أول حرمة لكن وش اقول حسبي الله ونعم الوكيل عندها أخت مابترتاح إلا لا خربت بيت أختها.
لم أفهم مقصده وظننت أنها بلبلة رجل غاضب يلقي اللوم على غيره كالعادة..
لكن حتى بعد ولادة مريم وانتهاء الأربعين يوماً لم تعد فلوة لمنزلها.. فسألته بقلق : فيه شي بينك وبين حرمتك؟
ليقول ساخرًا : بيني وبينها أختها وصغر العقل.
عقدت حاجبي : وش قصدك؟ وش دخل أختها؟
ليعقد حاجبيه بغضب : الشيخة زعلانة تقول ليه تسمي مريم.
لم أستوعب مع ذلك سألت : طيب وش دخل أختها؟
عبدالإله بقهر : لأن فلوة كانت راضية إلى إن قالت أختها سمي مها على اسم أمي أنتِ اللي شلتي و ولدتي وبغيتي تموتين ولا هو.
ضحكت رغمًا عني : صادق أنت؟
عبدالإله : تخيلي إني صادق.. أنا ماقد شفت وحدة بغباء ال* فلوة هاللي تتسمع لأي شي.
نهرته بعتب رغم نقدي لها في نفسي : عيب عليك احترم أم بنتك..
بعد ثلاثة أشهر من انتهاء نفَاسها رضت عنه بعد أن قدّم لوالدتها طقماً من الذهب الأحمر كي ترضى ابنتها.. فعلها مكرهًا وقد شتم إلى انتهت كل شتائم أهل الأرض فهو لم يفعل ذلك إلا شراءً لراحة باله وحفاظًا على أسرته الصغيرة التي تكونت للتو..
استقرت حياته لفترة بعد أن تزوجت أختها وانتقلت لمنطقة أخرى.. كان يأتيني في كل مرة أرى الراحة والانشراح يعتلي وجهه.. كانت سعادته سعادةً معدية ما إن تراه إلا وتَسعد..
كان كذلك إلى أن أتاني غاضبًا يرمي همومه علي كعادته.. : أنا ماني قادر اتحمل زيادة يا صيتة خلاص.. الحياة مع ذا المرَه مستحيلة أمرضتني الله ياخذها..
عقدت حاجبي بقلق وأنا أرى ملامحه : ليه وش سوّت بعد؟
نظر لي بحنق : صديق أخوها مختلس وتبيني أترافع عنه.
فقلت بذهول : لا إله إلا الله .
عبدالإله بضيق : صيتة أنا تعبت أحس إني متزوج أهلها ماني متزوجها..
حاولت أن أواسيه : اسفهها.. بتزعل شوي وترضى.
نظر لي بتوهان : طالبه الطلاق يا صيتة..
جف ريقي : يا ساتر ذي وش فيها؟ طيب ماعليه سو اللي تبيه وش بيدك ياخوي؟
تبدلت نظرة الضيق لغضب في أقل من ثانية : صاحية أنتِ؟ تبيني أترافع عن حرامي؟
تلعثمت فقلت أحاول أن أبرر موقفي : عشان بنتك.
لكنه تركني أنا و تبريري خلفه وخرج غاضبًا..
بعد فترة أتاني يحمل مريم بين يديه ولم اسأل فقد عرفت ما حصل من نظرة عينيه..
حاولت أن أواسيه ولكن لم أستطع، خصوصا وأنا أرى مريم ونظراتها المبتسمة لي لأقول عوضًا عن ذلك : الله يهديك بنتك وش ذنبها بمشاكلكم؟ كان كبرت عقلك ودحرت الشيطان إن كانت هي بزر يمشونها أهلها فأنت عاقل..
ارتفع صدره وانخفض بغضب : خليني ساكت أحسن من إني أجيب سيرتها واغلط عليها.. ال..
ثم تمتم مستغفرا تحت أنفاسه قبل أن ينظر لي بضيق : صيتة طلعَت ماخذه فلوس منه عشان تقنعني أمسك قضيته..
لم أصدق : مستحيل!
لكنه قال بنبرة متعبه : هي قالت لي بلسانها.. أنا بس أبي أفهم وش قصرت عليها فيه عشان تسوي ذا الحركات والله ما عمري قلت لها لأ واللي في جيبي لها تاخذه من غير لا تسأل. ثم بعد كل ذا ترفع يدها بوجهي يوم مارضيت إنها تطلع لأخوها الوصخ..
ثم أردف بعد لحظة صمت وكأنه يقطع كل محاولة للتراجع : لا خلاص أنا تحملت بما فيه الكفاية والله العظيم. الله يستر عليها ويبعد طريقها عني ومريم اللي خلقني وخلقها مابينساها لاهي أول وحدة ولا آخر وحدة تعيش في بيت مافيه أم.
*
:
اقتربت منه عندما بدأ يتحسس مكان قلبها، يرفع كفها يقارن لون أطرافها بلون يديه.. تقول ضاحكة : بسم الله عليك مافيها شي خلاص راح الشر.
عبدالإله دون أن ينظر لها : اسكتي يا صيتة للحين عظامي تنفض. ما عمري خفت بحياتي مثل اليوم .
صيتة بمودة : كل العيال تسخن لا تكبر الموضوع.. الحمد لله وقفت على حرارة ماجاها الأعظم.
عبدالإله بهمس : ياخوفي أكون استأثمت في بنتي يوم إني ماخليتها لأمها.
وضعت يدها على كتفيه تمسده بحنو : وميمي وين بتلقى أب مثلك؟ تعوذ من ابليس ورح بدل ثيابك وتروش مابقى شي ويأذن الفجر.
تنهد بضيق وما في خاطره لا يمكن وصفه.. لكنه قال عوضًا عن ذلك يتصنع المرح : ياشيخة انخبص قلبي يوم قمت ولقيت الدنيا مبلله شكيت بعمري خفت إني فكيتها بدون لا أحس ساعتها وين أودي وجهي من الله وخلقه..
تعالت ضحكتها بصخبٍ لم يسمعه منذ مده، ليشاركها رغم ضيق نفسه وعلى ذلك فتحت مريم عينيها تقول بتعب وصوت بالكاد يخرج : عبادي..
كان ينظر لأخته لكن بعد ندائها استدار لها بلهفه : سمي أمي..
مريم بوهن : جوعانة..
ضحك يشعر بعبرته تقف في منتصف حلقه ليقول مقبلاً جفنيها بعد أن اطبقتهما : وش تبين اطلبي كل اللي بخاطرك وأنا أسويه لك..
.
.
كان يغط في نومٍ عميق إلى أن اخترق صوت الرنين المتصاعد السكون.
دفن رأسه في وسادته يشد على أجفانه عله يختفي إن كان صوتا دخيلاً على حلمه.. لكن لا جدوى فالصوت لازال يتصاعد مترددًا على طبلة أذنه،، إلى أن فتح عينيه عاقدًا حاجبيه باستياء..
أشعة الشمس التي اخترقت زجاج النافذة الكبيرة التي تغطي الجدار كاملاً أمامه هي أول ما استقبله.. ليغمض عينيه يعيد فتحها مجددًا وكم يتمنى أن يكون لديه في هذه اللحظة قوة سحرية تجعل الستائر البيضاء على جانبيها تلتقي بالمنتصف.
عقد حاجبيه عندما أدرك أن صوت الرنين لازال يتصاعد.. قريبًا منه وكأنه داخل رأسه.. تحسس المكان أمامه إلى أن وجد مصدره بالمنتصف بين مكانه ومكانها الفارغ.. ليرفع هاتفها الأسود ويغلق المنبه الذي أفسد عليه سباته.. سقط الهاتف من يده ليُسقط يده خلفه بإرهاقٍ واضح.. يغمض عينيه يشعر بخدر في كل عضلةٍ في جسده.. أخذ خمس دقائق مغمضاً عينيه يستمتع بصوت موج البحر الذي يصله بكل وضوح في سكون المكان.. رفع يده ينوي حك خده وهو الذي شعر بشيءٍ عليه منذ أن توعّى من نومه، ربما تكون ذبابه عالقة تنتظر منه أن يطلق سراحها. لكن ما لامس أصابعه كان شيئًا آخر.. عقد حاجبيه باستنكار يسحب ماكان يلتصق على عظمة وجنته ليجدها ورقة ملاحظات صغيرة صفراء اللون، يقرأ ماكُتب فيها بعينين بالكاد تُفتح (لاقيني عند البسين ياباشا.) وأسفلها رُسم مستطيل يبدو كمسبح ماء من الخطوط المتعرجة داخله وحول الدائرة المرسومة كوجه بعينين وفم وشعر متطاير رافعةً يديها للأعلى وكأنها تغرق.
.
أغمض عينيه يستمتع بسقوط الماء الدافئ على جسده.. يأخذ وقته وكفايته وهو يشعر به يذيب عضلاته المشدودة.. يحاول أن يطرد كل شيءٍ من رأسه وألا يفكر سوى بصوت وقوعه على الأرض تحته. لكن وجه شعاع أتى ليزعزع سكينته..
.
ملامحها البارحة عندما جلست بجانبه.. تضع على فخذيها دفتراً فخماً أسود اللون بمنتصفه حرف 'ع' و 'ش' مذهبين ومتداخلين بشكلٍ راقي..
عقد حاجبيه وقد لفته شكله الباذخ : وش ذا؟
شعاع بابتسامة وهي تفتحه : البوم صور زواجنا.
كانت أول صورة لشعاع بفستان زفافها تقف تعطي العدسة ظهرها والإضاءة القادمة من الباب المفتوح أمامها جعلت منها تحفة فنية جعلته يقول بصدق : تهبل الصورة .
تكركرت بخجل : تسلم حبيبي..
عزام وعينيه تتأمل يدها التي قلبت الصفحة برقه وكأنها تخشى من أن تتمزق : من متى وهو معك؟
شعاع بتنهيدة : من بعد زواجنا بشهرين بس أنت ما فضيت تشوفها.
كانت الصور تظهر أمامه مع كل صفحة تقلبها شعاع.. بعضها لها لوحدها وبعضها له معها.. إلى أن وقفت عند إحداها يظهر فيها وجهه بوضوح لتقول بابتسامة لا معنى لها : ياساتر، يا إن وجهك كان فيه كمية بؤس!!
حاول أن يبتسم لكنه لم يستطع فقال مبرراً : كنت متوتر .
هزّت رأسها تسايره وقلبت الصفحة وهي تعلم أن الموضوع أكبر من توتر فهي أيضاً كانت متوترة وهلعه لكن في كل صورة كانت ابتسامتها تظهر على أكبر اتساع..
ارتفع صدره وانخفض وهو يتأمل جانب وجهها، تنظر لشيءٍ بتأملٍ بدى له أنه حزين من ابتسامتها.. أخفض بصره لما تنظر إليه لتتضح صورته يقف وحيدًا ينظر للعدسة بوجهٍ ميّت.. ينتبه لكفها تمسح على الصورة بسرحان وكأنها تمسح عليه.. عاد ينظر لصورته وبدون أي مبالغة -انسدت نفسه- من تعابير وجهه المتجهِّمه. صدقت عندما قالت كمية بؤس فقد كان حاجبيه قاب قوسين أو أدنى من أن يلتقيا بالمنتصف من شدة تقطيبه لهما. وفمه مزموم وكأنه يمنع نفسه من أن يشتم من تقف خلف العدسة لتصوره.. وجهٌ عبوس كأنه في صدد القيام بمصيبه، ليس وكأنه عريس في ليلة زفافه..
شعر بالرعشَة التي خرجت مع زفيرها، تتنحنح وهي تقلب الصفحة ليظهر ما بعدها.
كانت شعاع تتأمل كل صورة وقلبها يضمر بأسى على الذكريات التي لا تحمل إلا وجه عزام المكفهّر.. وكأن هذا ماكان ينقصها ليذكرها بأنه لم يكن ينظر لوجهها ليلة زفافهم.. ولم ينطق بحرف بعد أن رآها في فستانها الأبيض بعد كل هذا العمر.. لم يظهر على ملامحه الجامدة أي تعبير.. لا فرح ولا حزن.. لا ذهول ولا انبهار من شكلها ولا حتى خيبة ظن وخذلان.. كان جامدًا وكأنه تمثال شمعي لا حياة فيه..
شعرت بالعبرة تدفع نفسها قسراً لأعلى حنجرتها.. لتأخذ نفسًا عميقاً أطلقته عله يبعدها.. تتنحنح عل ذلك يبدد ماعلق بمنتصف حلقها.. وكأنها نجحت.. حتى انتبهت له يقّرب رأسه إلى أن حطت شفتيه الدافئتين تقبل كتفها العاري.. التفتت ناحيته تعقد حاجبيها مستنكرةً فعلته.. لتجد ابتسامة تعتلي ثغره وكأنها اعتذار منه.. وكانت فعلا اعتذاراً شعرت به يطبطب على قلبها..
.
فتح عينيه، يأخذ نفسًا عميقاً يطلقه من فمه ليتطاير الماء القريب من شفتيه.. يغلق الدش ليأخذ علبة شامبو شعاع الوردية القريبة منه ،، يسكب قليلاً منها على راحة يده قبل أن يدلك بها فروته وخصل شعره.. يغمض عينيه عاقدًا حاجبيه لا يعلم لماذا ملامح وجهه تعشق العبوس.. ابتلع ريقه بعد أن ضرب بيده مقبض الدش ليندفع الماء واقعًا على رأسه مجددًا..
.
لازال وجهها يغزو تفكيره، تضع البوم الصور جانباً وتخرج هاتفها من جيب بنطالها بعد أن مالت بجسدها قليلاً عليه..
ليقول بتهكم : ماشاء الله الحين ماخذه جوالي وتاركه جوالك معك؟
ابتسمت تفتحه لتتراقص إضاءته على ملامحها : أنا غير .
ارتفع حاجبيه باستنكار يرتدي قميصه المنسّي جانباً بعد أن سرت رعشه في جسده مبرراً ذلك ببرودة الجو : عجيب !!
شعاع : بوريك كذا موديل وإختار لي لأني محتارة.
عقد حاجبيه يمرر أصابعه على رأسه يرتب شعره : حق وش؟
وجهت الشاشة له : عرس حاكم والجادل مابقى عليه شي وأبي الحق اشتري قماش وأفصله.. وش رايك وش أحلى؟
مد شفتيه بتفكير وهو يرى أصبعها يذهب يمينًا ويسارًا بين الصورتين ليقول بعد ثانية صمت ما إن أغلقته تنظر له بترقب : الأول .
رفعت بلوزتها قليلاً لتبرز بطنها : ذا يبي له وحده جلد على عظم بطنها لاصق بظهرها، ماينفع.
ابتلع ريقه وهو يرى ذلك، ليقول بزفره : طيب اختاري الثاني، حلو بعد.
أسندت ظهرها للخلف، ومدت شفتيها بتفكير تربت على بطنها وعقله بدأ يتشوش،،
حرفيًا بدأ يتشوش..
.
خرج من دورة المياة يلف منشفته حول خصره، والأخرى الصغيرة تتدلى على عنقه.. يقف أمام النافذة الكبيرة التي تطل على المسبح الخاص ومن أمامها بمسافة بسيطة البحر بلون مياهه الزرقاء وانعكاس الشمس عليها جعل منها ألماساً ذا بريقٍ يخطف الأنفاس..
رفع طرف منشفته المنسدله على كتفه، يجفف شعره وعينيه تحط عليها.. ينظر لها جالسةً تعطيه ظهرها على كرسي الجلسة أمام المسبح . بؤبؤة يتحرك مع خصل شعرها التي تتطاير خلفها دون أن تكلّف نفسها عناء جمعه.. يراها تلقي شيئًا تتجمع حوله مجموعة من الطيور تلتقطه وتطير به هاربه.. يجد أنه لازال غارقاً يفكر بها،، وبنفسه،، وتصرفاته معها.. كان مستسلمًا راضيًا يجاريها، فهو قد عاهد نفسه أن تكون نهاية الأسبوع هذه هدنة لقلبه.. إن لم تنفع فيستحيل أن تضر ..
هدنة بين قلبه وشعاع..
يريد أن يعرف فقط هل لازال صالحًا للاستعمال أم أنه شاخ بين جوانحه وانتهى..
هدنة مع شعاع..
وشعاع لن تضره مهما حدتها الظروف.
فتح باب النافذة برفق كي لا يصدر صوتًا بعد أن ارتدى ثيابه.. كانت تعطيه ظهرها ليتقدم ناحيتها.. ينحني خلفها يلصق الملصق الأصفر على خدها مقبلاً خدها الآخر هامسًا : صباح الخير.
تلفتت بهلع بعد أن كانت سارحة.. تشعر بدفئ جسده وذراعيه تحيط بها بعد أن أسند كفيّه على يدي كرسيها.. تغشاها رائحته من جميع الاتجاهات لتقول بأنفاسٍ مقطوعة : صباح النور.
ابتعد وشعرت بقلبها يفقد شرياناً،، يمر من أمامها لتنتبه لشورته القصير الذي يصل لفوق ركبته بقليل.. صفّرت ما إن رأته ليضحك رغمًا عنه : كيف؟
شعاع وعينيها تتأمله من رأسه وحتى أخمص قدميه بدون خجل : شِيك أوي..
ثم أردفت تسحب نظارتها من أعلى رأسها تغطي عينيها : صح النوم ، كل ذا نوم ياباتمان؟؟
جلس على الكرسي الآخر قريباً منها، يضحك وباتمان كانت كلمة قالتها ساخرة ما إن نزع قناعه الأسود البارحة لتعلق على لسانها، ويبدو أنها ستعلق لفترة -فكر عزام بذلك وفي عقله يرتسم وجه يحرك حاجبيه بخبث- لترتفع قهقهته قائلاً : صح بدنك بس نمت نومة ولا أحلى.
اعتدلت جالسة وضحكته وترتها : نوم العوافي حبيبي.. افطر قبل لا تبدأ الخطبة.
عزام : فيه مسجد قريب؟
هزت رأسها بابتسامة واسعة : يس.. عشان تعرف إني لا جيت أخطط أهتم بأدق التفاصيل..
ابتسم وماقال خرج عفويًا : الله يخليك لي.
لو كان يعلم عزام ما شعرت به لحظتها بعد الذي قال لكان أمطرها بمثل هذه الدعوات وكسب بها ثوابًا.. رفرف قلبها حتى كاد يخرج من إحدى عينيها.. لم تتوقع بأن شيئًا بسيطًا كهذا قادر على أن يفتح باب السعادة على روحها .. كان يأكل وصوت موج البحر الهادئ هو الصوت الوحيد المسموع..
صمتًا مريحًا ولأول مره..
استغلت شعاع سكونه لتتأمله.. تتأمل كل تفصيلٍ فيه من شعره المسرح للخلف بأناقه لازال رطباً، لأنامله التي ترفع كوب الشاي لفمه..
لازال قلبها ينبض بشدةٍ آلمت أضلعها حتى آمنت بأن مقولة "بموت من الفرح" حقيقية وستُثبتها هي بعد أن تقع من طولها الآن..
حمدت الله مليون مرّه أنها تذكرت أخذ نظارتها الشمسية قبل أن تخرج من المنزل بالأمس.. لأنها متأكدة من أن نظرة عينيها في هذه اللحظة ستُضحك عزام إن انتبه لها ليوم يبعثون.
لكن عزام كان منتبهاً لها، لتسارع أنفاسها وطرف ابهامها الذي اختفى ما إن اطبقت أسنانها عليه.. يرمقها بطرف عينيه وتلك الحركة اعتاد على فعلها في شبابه.. ترتدي فستانًا يظهر ساقيها بلونٍ خمري يكشف نحرها الذي تزيّن بسلسالٍ ينتهي بتعليقة سوليتير براقّه لتبرز عظام ترقوتها بشكلّ جعله يغص في لقمته.
ربتت على ظهره ما إن بدأ يكح، تمد له قارورة الماء بعد أن فتحتها ليشربها دفعةً واحدة يتنحنح بعدها علّ أثر الشرقة في حلقه يختفي..
في أوقاتٍ كهذه يهوى عقل شعاع أن يبدّل سعادتها لنكد وكأنه يستنكرها عليها.. عقدت حاجبيها باستياء بعد أن ارتخت بجلوسها، تنظر له وترفع سلسالها ليعلق في عبوس شفتيها.. تنظر له بتركيز وتفكير.. تفكير مدمر لا معنى ولا داعي له لكنها فكرت بجلساته سابقًا مع الجوهرة لتبتلع ريقها بارتباك وعدم ارتياح.. لم تمضي أربع وعشرون ساعة على شخصيته المرحه المتحررة من كل القيود والتي ظهرت البارحة،، ورغم أنها تعرف أنها جزء لا يتجزأ من شخصية عزام القديمة إلا أنها أنعشتها وأنستها كل من تعرفهم عداه. فكيف به قبل إحدى عشر سنة عندما كان يجالسها وهي تعرف أنه غارقٌ مهووسٌ بها؟
الجوهرة كانت ولازالت منطقة ملغومة لا يستطيع أحد الاقتراب منها أو التفكير بها..
ربما تكون أخطأت كونها أخذت رجلًا قلبه كان مسلوبًا من أخرى. ولو كانت الجوهرة موجودة ولم يجمع القدر طريقها بعزام لأي سبب كان، لكانت رفضت الاقتران به.. لكن لم يعد للجوهرة أثر بل أصبحت شخصًا آخر ما إن تراه إلا ويهوي قلبها أسىً وانكساراً عليه.. ومع كامل الشفقة على حالها،، الجوهرة لم تعد موجودة إلا في قلب عزام..
ضاقت حجرات قلبها من هذه الأفكار وهي تتأمله لتقول وصوتها خرج رقيقًا عذبًا يصف كل خلية في جسدها ما إن تراه : أحبك عزام.
علقت اللقمة في بلعومة، لم تصعد ولم تنزل بل بقت تسبب وخزًا جعله يستطعم الدم في فمه.. دفعها بقوة وسكت قليلاً قبل أن يقول ينظر لها بابتسامة "هدنة ياقلبي هدنة".. : وأنا بعد .
شعاع بهدوء : من قلبك عاد؟
ليقول محاولاً تصنع الاستنكار : أجل من رجلي؟
ضحكت بعتب : عزام!!
أخذ نفسا من أعماق قلبه قبل أن يستدير بجسده ليقابلها : قلت لك من قبل ياشعاع.. أنا ما أكرهك.. أنتِ بنت عمي خالد وخالتي مشاعل قبل لا تكونين زوجتي ..
حاولت أن تخفي نبرة التوسل والاستجداء في صوتها لكن يبدو أنها فشلت : طيب مافيه أمل تحبني لأني زوجتك بس؟
عزام بهدوء : أنا ماني فاهم وش درجة الحب اللي تقصدينها؟ طول ما أنا أعاملك زين ومقدرك معناها أحبك.. وإن كان قصدك أصبحك و أمسيك على كلمات مالها داعي،، فأنا أقولك إني ما أعرف.
شعاع بعبوس : اللي مايعرف يتعلم، وش فيها لا أصبحت تقول صباح الخير ياقلبي وأمسيت تقول تصبحين على خير ياقلبي؟
ضحك ضحكة باردة : حنا أكبر من الكلمات التافهه ذي يابنت الحلال.
شعاع بزعل طفولي يليق بها : يا أخي أنا تافهه وأموت بالتفاهه.. عاملني معاملة التافهين أنا راضية..
عزام وقد ارتفع حاجبيه باستغراب ، ليقول ضاحكًا : بس كذا؟ خلاص ابشري بس فكينا من ذا السالفة عاد. بروح اتوضى..
قالها يقف من مكانه ليلمح مدها بوزها بامتعاض.
مشى من جانبها ولكنه قبل أن يتعداها ضرب مؤخرة رأسها بخفه يقول بمرح : باي قلبي.
وابتعد بعدها يضحك بصوتٍ مرتفع ما إن صرخت بقهر : عزاموه تطقطق علي!!!
.
.
السودان،،
الساعة الخامسة بعد العصر حيث عذوب تجلس أمام بدايع المشغوله بترضيع ابنها.. تتأملها بسرحان وابتسامة تجمّل وجهها..
انتهت بدايع ونام ذيب ولازالت عذوب على نفس وضعها لترفسها الأخرى بطرف قدمها..
عبست تنظر لها بغضب لتقول بدايع بابتسامة مشاكسة : تفكري بمنو صارلَّي ساعة ازعق عليكِ.
عذوب بزفره : نام ذيب؟
بدايع : اووه بتلاقيه غلّق الحلم التالت هسِّي وهيدخل على الرابع.
ضحكت : الله أكبر عليك.
أومأت برأسها تشير عليها : تفكري بمنو ماتحاولي تغيري الموضوع ؟
سكتت قبل أن تقول بتردد : حلمت حلم اليوم من حلاوته يابدايع تمنيت إني ما أصحى منه.
التمعت عينيها بفضول : حلم شنو؟
مضت أكثر من دقيقة و عذوب تنظر لكفيها لا تعلم إن كان ماتنوي القيام به صحيحًا أم لا.. رفعت عينيها بحيرة لترى وجه بدايع بملامحه المستنفرة بحماس وترقب لتضحك رغماً عنها : وش ذا الوجه؟
بدايع بعد أن تمددت على جانبها ترفع رأسها بيدها : أصْلي بموت بحكاية الأحلام دي..
ثم أردفت ضاحكة تحاول أن تغمز لكنها تفشل كعادتها لتغمض العينين معًا : وماتخافي هفسِّروا ليكي.
عذوب ورفعت إحدى حاجبيها تجاريها : تعرفين تفسرين؟
بدايع وعينيها تلتمع بشغب : دول بيسموني المفسراتيه يابت.. قولي قولي بسمعك..
ابتلعت ريقها وافترقت شفتيها، تحاول بصوتها أن يخرج لكن لسانها تحرك دون صوت.. تعرف بدايع جيدًا ولن تبحث في ثنايا ماستقوله لتكشف الحقائق.. عادت تبتلع ريقها تقول بهدوء : حلمت إني في مكان وكأنه بيتنا و أبوي يدخل علي يقول ياعذوب.
عقدت حاجبيها تقاطعها : منو عذوب دي؟
لتجيبها بتردد : أنا، اسمي بالحلم كان عذوب..
بدايع بتفكير وحماس : يكون دا اسمك الحقيقي يابت!!!
تسارعت أنفاسها ترفع أكتافها: يمكن..
جلست بدايع أمامها تهمس بترقب : أيوه؟
عذوب بابتسامة عصتها وارتسمت تتذكر تلك الأيام جيدًا : يقولي اطلعي زوجك ينتظرك.. وفجأة لقيت نفسي قدام واحد عرفت إنه زوجي.
اتسعت عينيها بحماس : أبّاااا.. وكيف شكلو؟
عذوب متصنعةً التفكير : ماكان وجهه باين. ما أذكر.
اقتربت بدايع أكثر حتى كادت تجلس في حضنها : طيب كملّي..
شعرت وكأنها ورطت نفسها فيبدو أن بدايع لن تسكتها بعض الكلمات التي تنوي قولها لتبدو الحقيقة كالكذب ..
كانت تحكي كذباً تخفي خلفه ماكانت تنوي حقًا قوله.. ورغم أن صوتها الوحيد الذي يُسمع ، لكن كان يمر على مسمعها صوتٌ آخر.. صوتُ الصراخ.. الأبواب الحديدية تُفتح قبل أن تُغلق بكل قوة..
صفعةً على وجهها رغم أنها واحدة لكنها كانت كفيلة بأن تجعل الدم يخرج من أنفها..
ثم بيدها التي بدأت تتحسس بطنها المنتفخ أمامها ما إن سكنت الضوضاء.. ليتحول عبوسها لابتسامة تغرق بالدموع تواسي نفسها بهمسٍ موجوع : ماعليه حبيبي.. تحمّل أمك شوي بس.
.
.
عاد عزام من صلاة العشاء بعد أن صلاها في المسجد القريب التابع للمنتجع.. ليجد الأنوار جميعها مغلقه ولا ضوء يستدل به سوى ضوء الأنوار الخارجية التي تسللت من النوافذ والشموع المضاءة على الطاولة في منتصف المكان بجانبها فنجاني قهوة برائحة قويّة..
ابتسم يرى شعاع تغلق التلفاز على اقترابه، ترفع شعرها أعلى رأسها ليستريح طرفه على كتفها : تقبل الله..
جلس بجانبها : منا ومنك..
ثم أشار بيده على المكان باستنكار : وش هالجو؟
رفعت فنجان القهوة ومدته له : أول شي روّق .
عقد حاجبيه يقربه من أنفه يشم رائحته بتوجس : وش ذا؟
شعاع بابتسامة واسعة قبل أن ترتشف من فنجانها بتلذذ : قهوة تركية..
استرخى بجلوسه يرتشف قليلاً من فنجانه.. وانتهى منه مستمتعًا بمذاقه ورائحة الشموع العطرية في المكان وكأنها تدغدغ خلاياه..
وضعت شعاع فنجانها جانبًا، ثم أسندت جانبها على الأريكة ترفع أقدامها تضمها لصدرها وتنظر له..
ارتبك : وش فيه؟
شعاع بهدوء : خلص قهوتك أول .
لا يعلم لماذا توتر لكنه شرب المتبقي في فنجانه يضعه أمامه يقول بسرعة : خلصت، وش فيه؟
ضوقت عينيها : لو قلت لك كيف وضعك بالحياة.. وش بتقول؟
عقد حاجبيه باستنكار : وش هالسؤال؟
شعاع ببساطة : فضول.
ثم أردفت بسرعة : وداخله على الله ثم عليك تجاوبني.
عم الصمت المكان وأخذ وقته يفكر بسؤالها حقًا،، ليقول بعد كل هذا بنبرة ساكنة تجردت من كل شيء إلا الصدق اختلطت بصوت الأمواج بالخارج : مرتاح الحمدلله.. لكن مو سعيد.
همست بصدمة : مو سعيد!! ليه؟
عزام بهدوء وابتسامة صغيرة بالكاد تُرى : أكذب عليك لو قلت أدري.
شيءٌ ما آذى روحها، لا تدري هل هي نبرته أم بريق عينيه من أنه لا يشعر بالسعادة بوجودها معه.. والأدهى والأمَر إن كانت هي سبب شعوره بذلك.. ابتلعت غصتها تسقط كل فكرة سلبيه تلصصت عليها في هذه اللحظة.. تقول بهدوء مشابه لهدوءه : تدري عبادي وش يقول ؟
عزام بذات الهدوء وابتسامته اتسعت بمودة، يعيد رأسه ليسنده على حدود الأريكة خلفه.. ينظر لها : وش يقول؟
أسندت ذقنها على ركبتيها، تحرر إحدى يديها لتمدها حيث خصل شعره تتطاير في كل مكان وكأنه لازال في الثامنة عشر من عمره، هو نفس شكله في كل مرّةٍ تراه يجلس بجانب خزان الماء في بيت والدها دون أن ينتبه لها أحد،، ينظر للجوهرة بابتسامة واسعة.. لتقول بصوت يشوبه حزن عميق : الراحة هي اللي تجيب السعادة مو العكس، يعني طول ما أنت مرتاح بتكون مبسوط.
قوّس شفتيه بتفكير وهو يشعر بأصابعها تلّف أحد خصلات شعره : ممكن.
مالت برأسها حتى أسندته، تمد شفتيها بيأس ، وليته يفهم أو يشعر : إلا أكيد ، بس أنت لازم تعطي روحك مجال تشوف وتحس..
سكت قليلاً يبتلع ريقه ، لا يعرف ماذا يقول فهناك الكثير في هذه اللحظة.. من أين يبدأ وإلى أين سيصل وكيف سينتهي؟
ابتسمت له ابتسامةً ناعسة وهي ترى تباطؤاً في حركة أجفانه، ينظر لها وكأنه سيجد الإجابة في وجهها.. ليقول أخيراً بهدوء : مافيه أحد مايتمنى يكون سعيد ياشعاع.. ما أحد يدور على النكد وضيفة الخلق برضاه، هي اللي تجيه.
عم الصمت لثواني ظنّت فيها شعاع أنها فقدت القدرة على الكلام.. لم ترى عزام ساكنًا هادئًا هكذا منذ أن تزوجته.. ينظر لوجهها بنظرة زجاجية لا تعلم هل هو سارحٌ يتأملها أم سارحٌ في مكانٍ آخر حيث لا أحد, دون أن تكون معه.. دون أن تكون موجودة على خارطة أيامه حتى.
أخذت نفسًا فلا فائدة من هذه الأفكار وهي تعلم أن نصفها تبهيرٌ من عقلها. وابتلعت ريقها مرة واثنتين وثلاث قبل أن تقول برقّه تذيب الحجر،، كأنها تحاكي قلبه : طيب وش اللي شاغل بالك؟ ملاحظة عليك صار لك فترة من توظفت بشغلك الجديد وأنت مهموم والحين بزيادة مع إني أتوقعه أهون من القديم.
ابتسم وخرج صوته ضاحكًا : أكذب عليك لو قلت أدري.
شعاع بإصرار وهدوء : يلا عاد علمني..
ثم رفعت رأسها تنقر بسبابتها جبينه بهدوء تقول مضوقةً عينيها : علمني وش يدور هنا؟
أمسك معصمها ليخفض يدها دون أن يحررها، يقول بضحكة لا معنى لها : أخاف إن دريتي أطيح من عينك .
ارتفع حاجبيها باستنكار، وخوفٌ داهم قلبها : للدرجة ذي؟!
عاد يضحك وهو يشعر بعروق معصمها التي شدّت بين أصابعه : هييه لا يروح تفكيرك لبعيد.. الموضوع مجرد أفكار بيني وبين نفسي.
عقدت حاجبيها بعدم فهم ، ليردف مفسرًا بتردد : تدرين وش أكثر شي مخوفني شعاع؟
ابتلعت ريقها بتوتر : وش؟
تراخى حاجبيه وبرقت عيناه : إني أخسر أمي.
ارتعش قلبها بين ضلعيها ليخرج صوتها هامسًا : عمرها طويل إن شاءالله..
عزام بضيق : ما أقصد أخسرها موت بسم الله عليها ، الله لا يجيب اليوم اللي أصحى فيه ولا ألقاها قدامي..
همست بوجل : أجل؟
انتظمت أنفاسه لدرجة أنها أصبحت مسموعة لا يغطيها صوت الموج : أنا أخاف من إني أخسرها وهي حيّه،، لأي سبب كان..
استنفرت خلايا عقلها وكل ماتخشاه أن يكون يقصدها بكلامه ، أو أن تكون هي سبباً لذلك "يارب ما يكون يقصدني سبب هالخسارة".. ابتلعت ريقها غير قادرة على التفكير : أحسن الظن بالله.
زم شفتيه ولاحظت ذلك.. يبدو أنها تسرعت بموضوع القهوة التركية فقلب عزام لم يقوى عليها وبدأ وجهه يتغير في الثانية ألف مره.. حتى نبرته عندما قال بعمق : أقولك شي محد يدري عنه.
زفرت بارتباك : أخاف الكل يدري عنه إلا انا.
ابتسم بعتب : لا والله..
حاولت أن تصنع جوًا ظريفًا فقالت ترمقه بازدراء : مع إني أشك بس قول.
فتح فمه وبقى مفتوحًا لبرهه قبل أن يقول بتردد : أنا للحين ماني مصدق بوفاة أبوي وعندي أمل إني القاه.
طارت عينيها بخوف.. مع ذلك قالت بحذر : وش اللي يخليك تقول كذا والكل متأكد إنه مات واندفن!!!
عزام بنبرة متعبه : محد من الكل شاف بعيونه.. ودام محد شاف شي بعيونه وتأكد بنفسه من إن اللي اندفن هو أبوي أنا مستحيل أصدق..
حاولت أن تنظر لكل شيء يحيط به، النافذة خلفه.. الوسادة الملقاه أرضاً قريبا منها.. حقيبة يدها عند رجل الأريكة.. حتى حذاءه الرياضي الذي يغطي قدميه.. الأهم ألا تنظر لوجهه كي لا يلمح الهلع الذي اتضح بعينيها : ممكن ليش لأ.
ابتسم بتهكم : تاخذيني على قد عقلي أنتِ؟
نظرت له بسرعة : لا والله العظيم أقولها من جد.. طول ما إن عندك فرصة تدور عليه وتلقاه ليه لأ.. استغل كل الفرص إلى أن يبرد خاطرك بس لا تخلي الشي ذا يقيدك ولا تخليه ياخذ من عمرك.. الأمل ياعزام ما يجي من فراغ وأنا إنسانه متفائلة ممكن تكون السبب و..
بلعت ريقها قبل أن تتابع بصعوبة واستنكار مما تقوله : .. و تلقى عمي ذيب اللي الكل يحسب إنه مات..
تسارعت أنفاسها من جنون الفكرة وأكملت : اسمع دايم لروحك لأن الروح ماتكذب.. بس حط في بالك بعد إن ذا كله ممكن يكون أوهام ومضيعة وقت .
لا تعلم أنها بكلماتها التي خرجت بعذوبة كي لا تشعره بمدى حماقة أفكاره. بثّت حياةً في الأمل المتهالك في قلبه، وكأنه كان يحتاج كلماتها فقط كي يسعى ويثق.. ابتسم بامتنان شعرت به شعاع.. يقول بحنين : أدري، بس أنا أسلّي عمري بذا الهاجس ياشعاع.. مع إني ما أعرف أبوي ولا عشت معه بس أشتاق له.
هناك الكثير الذي تمنى عزام أن يقوله وهو يرى نظرتها الحانية والتماع عينيها وكأنه الشخص الوحيد في عالمها.. يخاف الكثير لكنه يخشى من أن يفزع روحها ما إن تسمعه منه.. يخاف من أن يفقد شغفه بالحياة.. أن يفقد الجميع فقط لأنه لا يستشعر نعمة وجودهم حوله.. أو أن يستسلم قبل أن يجد يابسةً يُلقي عليها كل ما يثقل عاتقه.. لا يعرف متى بهَت بريق عيناه.. ومتى أصبحت جميع الألوان في عينيه واحدة.. وأصبح الزاهي والداكن والفاقع والناصع، معتماً.. متى تغيرت حياته ليصبح جسدًا يمشي تسّيره أقدامه دون أي وجود للعواطف؟ لا شيء يستهويه وكأن روحه أصبحت كهلةً فجأة!!. وكأن هناك حقبة زمنية مفقودة في حياته تبدلت فيها روحه.. هناك شيءٌ حصل له لم يكن موجوداً ليشهدَه..
لا يوجد شيء أصعب من أن تتمنى شيئًا وتفعل عكسه.. تحاول لكنك تعجز.. هناك الكثير مما يزاحم أضلع صدره.. لكن صوت شعاع الحاني بدده : الله لا يخيب أمانيك ياعزام..
شعاع تؤمن أن الكلمات الحانية والمعاملة الحسنة هي المفتاح القادر على فتح الأبواب المغلقة و التغيير من حالٍ إلى حال، تقرّب الأرواح المتباعدة حتى وإن كانت كلمات بسبطة.. قادرة على أن تجعل من يسمعها يعيش يوماً كاملاً في فرح مهما أخفى ذلك..
تعلم أن عزام يسعد بما تقول، حتى وإن لم تتغير ملامحه أو تلتمع عيناه تأثرًا بما سمع.. ومؤمنة أنها في يومٍ ما ستكون قادرة على هدم حصون قلبه.. تنتظر اليوم الذي ستصفى فيه حياة عزام من الصراعات المستمرة،، يوم كهذا سيأتي حتى وإن أخذ من عمرها سنوات.
.
مدّت هاتفه بعد أن وضع الحقيبة في صندوق السيارة وأغلقه، تقول بابتسامة : جوالك .
أخذه منها يشد عليه دون أن يتفقده حتى، يقول بهدوء ينظر لوجهها : شكرًا.
اتسعت ابتسامتها تلف حجابها تغطي شعرها : عفوًا..
انتهت ولازال ينظر لها بذات الهدوء.. يتحسّر أمنيةً بينه وبين نفسه "ليتك كنتي أنتِ بأول عمري"..
حاولت أن تَلهى عن نظرته.. تتشاغل بالبحث في حقيبتها عن نقابها.. و عقدت حاجبيها تبتسم بتساؤل ما إن وجدته بعد أن رفعت بصرها لوجهه لازال ينظر لها.. ليقول مجيبًا سؤالها بهدوء باسم : شكرًا شعاع،،، ماكنت أدري إني أحتاج الانعزال ذا إلا يوم جربته .. كأنك داريه إني محتاج أفضّي راسي من اللي فيه.
كادت حدود فمها تخرج من وجهها لولا أنها شدت شفتيها تمنع ابتسامتها من أن تفضحها، تقول بصوت خرج ثقيلاً : حبيبي،، عشان تعرف بس إني أفهمك من غير لا تتكلم.. وأعرف وش تبي من غير لا تطلب .
تبدلت السكينة في نظرته بأقل من ثانية.. يحرك رأسه يشير لها رافعاً حاجبه، يقول بنبرة خبيثة واضحة المعنى : بس الصدق صدمتيني، اثبتّي فعلاً إنك شعاع مو حيّ الله..
كانت تنظر له وتربط خيوط نقابها، لكنه وقع أرضًا من بين أصابعها بعد الذي قاله.. تتسع عينيها بصدمة وينفجر الدم في وجنتيها التي توهجت.. تصرخ بخجلٍ واضح تدفع جسدها ناحيته وتغطي فمه بكفها بعد أن انفجر يضحك من أعماق قلبه..
.
.
في نهاية الاسبوع،، حيث يجتمع أعضاء فريق التحقيق والتحري في غرفةٍ مغلقة.. يرفع بسام بصره ليحط على عزام الجالس أمامه بملامح جامدة لا يُعرَف ماتُخفي،، يقول بأسى ينطق الحروف ببطئ وكأنها تأبى أن تخرج : والضابط ذيب بن عزام بن خالد بن ساجر.
لم يسمع عزام اسم والده قبلاً بهذا الصدى.. وكأنه تردد بين جدران قلبه ليفجّر مسامعه.. يشعر بجميع الأنظار التي توجهت لوجهه.. لازالت عينيه تحط على بسام ونظرة القلق والأسى التي تطل منها.. مع ذلك بقت ملامح وجهه جامدة وكأنه لم يسمع..
كان انهياراً داخلياً أطفأ شيئًا كان ينبض في قلبه.. ابتلع ريقه بصعوبة يحاول إلا يصرخ فيهم وهو يشعر بأعين الجميع المتفحصة.. ثم ببعض الهمسات بينهم.. شد على أصابع قدميه عله يثبت عظامه من أن تفر من جلده.. أي صاعقةٍ ضربت أرضه الجافه وأضرمت فيها نيراناً لا تنطفئ!
كان هناك فورانٌ غريبٌ في جوفه.. يشعر به يصعد لأعلى بلعومه.. وكأنها أبخرة قلبه الذي احترق وأختفى لتبقى أضلعه خاويه..
أخفض بصره يهرب من نظرات الجميع.. يضغط على القلم بيده بكل قوة حتى انكسر إلى نصفين بين أصابعه،، ليأتى صوت اللواء عساف يتنحنح : الضابط ذيب رحمة الله عليه توفى قبل مدة طويلة بتفجير إرهابي.. وبكذا يتقلص عدد الموجودين على قيد الحياة لأربعه..
كان يتجنب النظر لعزام وقال موجهًا حديثه لأحدهم : أبي تشوف لي كيف نقدر نوصل لهم بس بدون لا أحد منهم يحس عليك..
ثم قال يقف كي ينهي الصمت الثقيل والهواء المسموم الذي أحاطهم : يعطيكم العافية تقدرون تتفضلون.
كان عزام أول الواقفين.. وأول الخارجين.. يشعر بأنه ممزق من الداخل، لكنه يظهر ابتسامته للجميع وكأنه انتصر للتو في المعركة.. رغم أنه كان مهزومًا ولا زال..
تسارعت خطواته يخرج من المبنى يتجاهل صوتًا كان ينادي باسمه.. لا يتحمل أي مواساة في هذه اللحظة بالذات.. ولا يريد سوى أن يختلي بنفسه ويبكي إلى أن تجف سدود عينيه..
ركب سيارته وانطلق دون أن يحدد وجهته.. لتنقضي الساعات الطويلة يعبر الشوارع دون هدف.. يسمع رنين هاتفه دون أن يكلف نفسه عناء الرد.. يحاول أن يبكي لكن هناك دموع عصية تأبى أن تخرج.. لا يستطيع البكاء رغم أنه مختنقٌ بدموعه.. مختنق وكأن داخله يغرق بها.. يسمع صوتًا داخله يقنعه بعدم وجود سبب حقيقي لذلك.. لماذا يبكي؟ وعلى ماذا؟ فوالده حقًا ميت و وجود اسمه أو عدمه في هذه القضية لن يقدم إنشاً ولن يؤخر..
.
دخل غرفته بهدوء بعد أن أشرقت الشمس بمدة.. ليجد شعاع لازالت على سجادتها لكنها قفزت ما إن رأته تسأل بنبرة مرتعشة : عزام وين كنت؟
تجاهل سؤالها يعبر من أمامها.. يتمدد في جهته على السرير دون أن يخلع ثيابه ثيابه.. أو نعليه.. مما جعل قلب شعاع يقع في أسفل أقدامها وهي تراه كالطيف يعبر أمامها وكأنه بلا روح.. اقتربت منه تنظر لوجهه شديد الشحوب بقلق.. ليرفع نظرته الفارغة ناظراً لها بوجهٍ جامد..
فزعت وتدافعت العبرة في صوتها : فيك شي؟
زفر لهيبًا ساخنًا أحرق رئتيه يقول مبعدًا عينيه عنها : شعاع طفّي النور بنام..
لتقول بصوت مرتعش فجميع الأنوار مغلقه : طيب ق..
لكنه قطع عبرتها يقول بحده : قلت لك بنام..
.
نظرت له لازال يتمدد على جنبه كما تمدد منذ أن أتى.. واضعًا يده تحت خده مغمضاً عينيه وكأنه محنط.. لم تذق عينيها طعم النوم أبدًا وهي تسمع أنينه بعد أن انتظمت أنفاسه ونام.. يأتي مرتفعاً وكأن روحه موجوعةً تطلب العون.. مع ذلك بقت تتأمل ظهره الذي كان يقابلها.. تخشى من أنها إن ايقظته يزمجر غاضبًا في وجهها كما فعل في المرة الماضية. بل مع حالته هذه لا تستبعد أن يرفع يده عليها ليكسر رأسها.
وضعت كفّها تحت أنفه لتتأكد من تنفسه، لتطلق بدورها نفسًا لم تدرك بأنها كانت تحبسه.. لكن صوته الذي وصلها جعل باقي أنفاسها تعلق في رئتيها حتى ظنت أنها ستموت من الرعب ، يقول لازال مغمضاً عينيه : صاحي وحي مابعد مت.
انتفضت بهلع تقول بتلعثم : بسم الله على قلبك نايم للوقت ذا ماهي عادتك.
فتح عينيه ينظر لها نظرة حمراء وكأن الدم سُكب فيها : كم الساعة؟
مال قلبها بأسى على حاله ولم تأتيها الشجاعة لأن تسأله : باقي شوي وتقوم الخطبة..
.
كانت تحاول التشاغل بترتيب فناجين القهوة رغم أن عقلها لازال بالأعلى حيث تركت عزام يتمدد على جانبه كلوح خشب..
" شعاع عزام جا؟ "
انتفضت بهلع ما إن فاجأها الصوت ليقع الفنجان من يدها ويتناثر قطعاً على الأرض.
صيتة بقلق: بسم الله عليك جاك شي؟
ابتلعت ريقها تنحني لتلتقط القطع القريبة منها : خرعتيني خالتي..
اقتربت منها صيتة ترفعها ورعشة أطرافها لم تخفى عليها : اتركيه بجيب مكنسه واكنسه انكسر الشر..
سحبتها رغمًا عنها حتى أجلستها على كرسي طاولة المطبخ تناولها كأس ماء شربته دفعه واحدة : وش بلاك تتنافضين؟
وضعت يدها على قلبها تشعر بخفقانه وهي التي لم تنم منذ البارحة صباحاً : كنت مسرحَه وارتعت .
مسحت على ظهرها بحنو : بسم الله عليك اسفه ماقصدت أروعك..
ثم أردفت بقلق : متى جا عزام غريبة مامرني مثل كل ليلة !
شعاع بضيق : رجع متأخر شوي وشكله بيزكم صوته متغير .
.
نزل الدرج بعد أن ارتدى ثوبه واستعد لأداء صلاة الجمعة، ليكون صوت والدته المرحب بلهفه هو أول مايصله من الصالة وكأنها كانت ترقَب نزوله : هلا أبوي..
اقترب منها يشعر بشيءٍ يعلق في حنجرته.. يقبّل رأسها على عجل يعود أدراجه بسرعة فلا طاقة بقت لديه كي ينظر لها لكنها أمسكت معصمه : وش أخبارك؟ فقدتك أمس مامريتني مثل دايم!
حاول الهروب من عينيها : جيت متأخر يمه خفت إنك نايمه..
لم تخفى عليها عينيه الغائمة رغم أنه لم ينظر لها، ولا شحوب وجهه ولا حتى رجفة أطرافه.. لتقول بقلق : طيب اقعد تقهو معنا باقي على الخطبة نص ساعة .
لم يستطع أن يتجاهل طلبها فقال بصوتٍ مُتعب : ابشري.
جلس بجانبها بعد أن أجبرته تسحبه من يده حتى أصبح كتفه ملاصقًا لكتفها.. كانت تلاحظ أنه يتجنبها.. ساكت مع أن الجميع يتحدث ويأخذ أنفاساً ثقيلةً دون أن تخرج، وكأنه يحتضر..
رفعت عينيها بقلق تنظر لعبدالاله الذي بادلها نفس النظرة،، يميل ببصره قليلاً لينظر لوجه عزام الذي بدا أسودًا وكأن حريقًا اشتعل فيه.. حُجب وجه الآخر عنه ما إن وقفت شعاع أمامه ليعطيها فنجانه يقول بصوت مختنق : بس .
شعاع بمودة : بعد واحد.
هز رأسه ينفي يعقد حاجبيه بضيق ويفتح أول أزرار ثوبه..
لم يكن طبيعيًا و والدته تشعر بذلك..
وقربها منه ونظراتها المركزّه على جانب وجهه جعلت من قلبه يبصق الدم بصقًا لباقي جسده..
جلست شعاع بجانب عبدالإله الذي سأل بهمس مرتفع وصله : وش فيه؟
لتجيبه الأخرى تنظر لعزام بوجَل : ما أدري!
لم تستطع أن تصمت أكثر عندما بدأت شفاهه ترتعش ليضغط عليها بأسنانه خوفًا من أن ينتبه له أحد.. لتسأل بقلق وخوف : حبيبي عزام وش فيك؟ تعبان تحس بشي؟
رفع رأسه يفرك عينه بكل قوة، يقول بنبرة حاده مرتعشه تنافي الظاهر عليه : ما فيني شي يمه.
تسارعت أنفاسها بهلع : فيه شي يوجعك أبوي؟ من أمس ماشفتك ولا مريت علي ماهي عوايدك.
تعالت أنفاسه في صدره بشكلٍ ملحوظ إلى أن أجهش باكيًا يقول بصعوبة : مافيه شي يمه.
تطمني.. ما فيني شي..
.
.
.
.
# نهاية الفصل العاشر
نلتقي قريبًا إن شاءالله ❤
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك ♡.
|