الفصل الأول
من أنت ؟
بدت الحديقة حول منزل فيونا الصيفي وكأنها أصبحت برية ..مضى أسبوع فقط لم تأت به إلى هنا .. وأسبوع من الشمس المشرقة فعلت العجائب بالإعشاب المتنامية , وبكل شيء أخر ...وخرجت من سيارتها في منتصف الصباح , تندم على قلة نومها .. وكان يجب عليها أن تصل إلى هنا في وقت مبكر أكثر ...!استدارت حول منزلها ببطء ... تحسب في فكرها كم سيستغرقها من وقت لإعادة الحديقة إلى طبيعتها وكما تحبها .
فكرت فيونا بالأمر وهي تشرب قهوتها , وتقرا البريد المكوم داخل الباب , والذي كان معظمه طلبات , طلبات خاصة ... لم تكن معتادة على استلام هذا العدد كبير من الطلبات خلال أسبوع . المحلات التي كانت تبيع لها معظمها محلات هدايا ,تعني بالزوار والسواح , وعادة كانت هذه المحلات تأخذ ما تستطيع هي أن تعطيه ...كلف هاهي : سبعة طلبات , وللتسليم في أسرع وقت ممكن . صحيح أنها كانت مسرورة لكن خائفة كذلك ...كانت تأمل أن تمضي بعض الوقت في شراء ما يلزمها من مواد أولية .في نهاية الأسبوع هذه ... والوقت منتصف الصيف , والأشياء التي تبتدعها خلال الشتاء , كلها بيعت , تقريبا .
جلست طويلا تفكر بالأسبوع القادم ... وصممت رأيا ..واتصلت بجيم ردايت في المكتب :
جيم؟ مرحبا .. أنا سعيدة لأنني وجدتك قبل أن تخرج ...
قاطعتها ضحكته :
بإمكانك الاتصال في المنزل .
اجل ..لكن ... لا بأس..اسمع لن أتمكن من ألمجي إلى المكتب في الأسبوع المقبل ...حسنا ... إنها سبعة طلبات تنتظرني .
لو أنها تنتظر أن يغتبط جيم لها , فهي مخطئة ,فقد قال :
هذا من حقك بالطبع ...لكن فيونا ...نحن نحتاج إلى مساعدة هنا ..هل فكرت .. حسنا ..هل فكرت بعرضي لك ؟ بالنسبة للعمل ومتى أتوقع قرارك؟
العمل ... تأوهت في نفسها , عليها اتخاذ قرار أخر ...والدها كان يفكر أن يجعل منه شريك له .. فجيم رجل رائع , مطلق دون أولاد , في أواخر العشرين من عمره ... ولقد عمل لوالدها لمدة ثلاث سنوات ... ووالدها لم يخطئ يوما في تقديره أو تحركه ... ومؤسسة لينسي العقـارية مؤسسة منذ خمسين سنة على يد جدها لأبيها جورج لينسي ..كان لأبيها الإشراف الكامل على المؤسسة منذ ترك المدرسة ووفاة جدها قبل ذلك بثماني سنوات .
أمام فيونا ألان خيار فجيم يريد شراء المؤسسة لكن المشكلة انه لا يملك المال ..واقترح صفقة بدت لها معقدة جدا ..نسيت تفاصيلها ما عدا أن النتيجة ستكون دخلا ثابتا بدلا من كمية محددة من البيع ...لقد بدأت تفكر بالأمر ,ولم تطلب منه إعادة عرضه ..فقالت له:
جيم... أنا آسفة ...لكنني لا زلت لا افهم عرضك تماما ...ويجب أن اطلب منك توضيحه ثانية .
لا باس في هذا ...في الواقع تغيرت أمور كثيرة... ولدي فكرة أو أخرى ...ويمكنني تقديم عرض أفضل ألان ...لو تستطيعي توفير ساعة لي ..لو..
بالطبع استطيع ... سأراك غدا إذا أحببت .
عظيم ! لنتناول الغداء معا ..سآتي لأخذك .
لا...سأقابلك في منتصف الطريق .
لكنه اقترح مطعما في منتصف الطريق فعلا ما بين منزلها و"نورثم" البلدة القريبة على الطريق العام إلى بيرث وسيكون اللقاء ظهرا... وضعت السماعة ببطء مفكرة ... دون أي التزام... كل ما وعدته به أنها ستصغي إلى عرضه ... ويمكنها الإصغاء بعناية هذه المرة , ثم تقرر ماذا ستفعل ... أما ألان ... فقد قالت بعناية هذه المرة ..ثم تقرر ماذا ستفعل ...أما ألان ..فقد قالت لنفسها : هيا ألان ...تحركي , فما أمامك ليس بالأمر السهل .
عملت يجهد وسعادة , طوال اليوم , وخرجت في المساء الباكر لتسقي الحديقة ... عيناها متعبتان ولن تتمكن من العمل أكثر من هذا , وإذا استمرت طوال الأسبوع القادم , تقسم وقتها بين العمل ,وعمل المنزل , والحديقة, فكل شيء سيكون على ما يرام.. عالمها لن يعود كما كان أبدا ... لكن , بالتدريج أخذت تستعيد حياتها الطبيعية .
المأساة التي حلت بها , هزت البلاد كلها ... ومنذ أسبوع فقط استطاعت اتخاذ قرار حول منزل والديها ... او ما كان منزل والديها ... وقبل هذا ... كانت تعيش في ذهول الصدمة , وفي ضباب نفسي وذهني بدا لتوه ينجلي ... حتى ألان ... لا زلت في حالة متوترة ... فظاعة الرعب الذي حل بها لموت والديها ...سيستغرق أكثر من ستة أشهر لتتغلب غليه ... الكارثة كانت تحطم الطائرة التي كان يستقلها وزوجته وعدة أفراد من العائلة , تقريبا كلها جرفتهم جميعا في لحظة واحدة, والصدمة لم تكن لها لوحدها بل هزت العالم .
من ناحية أخرى . لم تكن فيونا يوما غير مسؤولة ...لقد عملت جاهدة بالنسبة لتعليمها . ومرت في كل امتحانات بنجاح , وأصرت على أن يتوقف والدها هن مساعدتها , حال أن استطاعت إعالة نفسها ... كانت لهما ابنة طيبة , أحبتهما وأظهرت لهما هذا وكانت تزورهما باستمرار ... وضميرها مرتاح في هذا .
كان والداها يعيشا مع عمتها وزجها في بيرث , وكعادتهما كل سنة , كانا سيسافران لزيارة الأقارب في انكلترا ...لكن هذه السنة كان سيرافقما العمة وزوجها وابناهما الأكبران وزوجتيهما , إحداهن حامل في الشهر الرابع ... العائلة كلها ...بل عائلات ...ولم يبق لديها سوى ابن عم اصغر أنهى لتوه دراسته الجامعية .
كان هذا أول ما فكرت به صباح الأحد ... حياتها , الروتين ...لكن ماذا عنها ؟...
في المساء ... جلست تخلد لنفسها وتحاول جهدها أن تتوصل إلى قرار حول اقتراح جيم ... لكنها تحتاج إلى مساعدة ...إلى رأي خبير .
صباح الاثنين , اتصلت بمحامي أبيها ,صديق قديم للعائلة ... استمع إليها ثم أعطاها رأيه حين انتهت ... عضت شفتها دليل عدم الرضى ... فالسيد ألمان لم يساعدها كثيرا , بل قال أن القرار لها .. وهذا ما تعرفه!
هكذا إذن ... حسنا... يبقى مسالة أخرى سيد ألمان ...مسالة منزل والدي ...
لكنه يعرف بأمر قرارها بيع "روسدايل "فالسيد برونز اتصل به , والسيد روي غارليس الذي قدم أخر عرض للشراء , ووجدت نفسها مرتاحة لهذا . ولا تستطيع تصديق حظها ..وقالت له :
وهل ستنهي الأمر بأسرع وقت ممكن ؟متى يمكن أن أتوقع إكمال الصفقة ؟
كان الرد , في حوالي الأربعة إلى خمسة أسابيع ...حسنا هذا يكفي , وسريع .. فالمعروف عن المحامين بطء تقدمهم في أعمالهم كهذه .
هذا يعني أنها في منتصف أب تقريبا , لن تعود تملك منزل أبيها القديم "روسدايل " وعليها أن تأخذ منه كل الأشياء التي تريد الاحتفاظ بها ... وقد تحتاج.إلى استئجار شاحنة صغيرة .. وهذا شيء يجب أن تفكر به كذلك.
كانت قد سالت السيد روي غارليس :
لماذا أنت متقبل هكذا ؟ لماذا لا تجادلني بالسعر , لماذا لا تساوم ؟
أوليس السعر منصفا ؟
بكل تأكيد ... لكن المرء عادة....
عادة ماذا ؟ الوقت له ثمن. والوقت بالنسبة لي ألان اغلي من المال ..أريد ان استقر في أسرع وقت ممكن .ولدي أسبابي ...فهل اتفقنا ؟
اجل.
سأقول لك ما جعلني أوافق بسرعة ... المكان معزول . وفيه الكثير من المساحة , وبعيد عن الأنظار ...وأرجو أن لا يكون الجيران مزعجين ...ومن النوع المتطفل .
أظنهم لطفاء ,لكن لن يزوروك إذا لم تشجعهم.
أريد خلوتي ..فعملي يتطلب العزلة ..فانا عالم تاريخ وأريد تأليف كتاب عن الشعوب القديمة .
لماذا شراء منزل , هذه مبالغة .
لأنني لم أجد منزلا مناسبا للإيجار .
أتفضل زوجتك الأمكنة الهادئة ؟
لم تكن تريد أن تعرف ما إذا كان متزوجا أم لا ,بل كانت تظهر الفضول فقط ..لكنه قال متجهما :
ليس لدي زوجة .
وأقسمت بعدها أن لا تسأله أسئلة شخصية .
أخذت تكلم نفسها مرة أخرى :يكفي هذا فيونا , عودي إلى العمل يا فتاة !...لم تكن معتادة على هذا , لكنه يدل على أنها تعود إلى الحياة ,وتحاول أن تبقي عملها مستمرا ..لكن ’لم يعد أي شيء كما كان حتى في هذا المنزل الصيفي...الرضى الذي عرفته من قبل ...تغير ... وكأنه موجود وغير موجود لقد خسرت كل عائلتها ما عدا شخص واحد... ابن عم يعيش على بعد مئتي ميل عنها , ولا بد أن توماس يشعر بنفس الوحدة ألان ... ربما حين يقبل , وتستقر الأمور ستذهب لتقيم معه أسبوع أو اثنين ... ولا بد انه يدور في فراغ كبير داخل المنزل الذي تركه له والده ... بعد أن انه تعليمه ألان .
المطر يوم الثلاثاء والأربعاء منعها من الاهتمام بالحديقة ...والتزمت غرفة عملها لمعظم اليومين , وأمضت ما تبقى من اليومين في إكمال أعمالها منزلية مهملة ... صباح الخميس قادت سيارتها إلى اقرب سوبر ماركت لتشتري ما يملأ البراد والثلاجة ... حين عادت , نظرت إلى الحديقة مقطبة وهي تخرج من السيارة ... يومان من المطر وعادت الحديقة كما كانت بحاجة إلى العناية من جديد...رتبت مشترياتها في الخزائن ,وغيرت ملابسها ,ارتدت جينزا قوي وتى شيرت سميك ... وبدأت العمل في الجهة الجنوبية من المنزل .
كانت قد وصلت إلى الحديقة الخلفية حين وصل روي غاليس ... كانت الساعة تقارب السادسة . ولم تسمع اقتراب سيارته ... لأنها كانت تستمع إلى الراديو الصغير , ولم تحس أنها لم تعد لوحدها إلا بعد أن شعرت أن احد يراقبها .
ببطء شديد , استدارت .وهي في وضعية الركوع قرب مسكبة الورود , وقشعريرة ذعر تمر على ظهرها . حين استقرت عيناها عليه يستند إلى الجدار . خفق قلبها بجنون , كل ما استطاعت فعله هو أن تمنع نفسها عن الصياح في وجهه .. لكنها مع ذلك لم تكن راغبة في أن تحس بالرضى لرؤيته , ولا تريده أن يراها بهذا الشكل ألاشعت .
سيد غارليس ؟ماذا تفعل هنا ؟
حسنا ...ماذا لدينا هنا ...وآنا من كنت أظن نفسي رجلا متناقضا ... ما رأيك بهذا كتغيير للصورة ؟ لكنك تبدين جميلة فيونا ... جميلة جدا .
نظرت إليه بذهول ...لا تصدق انه يعني ما يقول ... لم يكن يبتسم ,عيناه الرماديتان جادتان . تتفرسان في وجهها ... وتتحركان ببطء على جسدها ... وقالت :
روي ...هل جننت؟
آووه... يعجبني هذا ... العودة إلى الطبيعة ... دون ماكياج ولا عطر ولا ... ملابس داخلية .
صاحت ساخطة :
أتسمح ...؟ماذا ...كيف وجدتني ...؟
فتشت عنك... لحقت صوت الموسيقى ,وها أنت .
اهتاجت فيونا , كان لا يزال ينظر إليها نظرات لها معنى ومع أنها لم تصدق ما سمعت , إلا أن إطراءه لها كان صادقا ...
أنت تعرف جديدا ما اعني ...
قبل أن تكمل مد يده يمسك شعرها المضموم إلى قسمين ويضحك:
لست واثقا من هذا ... مع أنني اعتقد أن هناك جاذبية مؤكدة ...
صفعت يده:
أتسمح أن تتوقف عن هذا ؟
كانت لا تعرف ماذا تفعل بنفسها ... كان قلبها يخفق بسرعة ووجهها يحمر كمراهقة ... ماذا دهاها ! تحس بسعادة غامرة لرؤيته ؟
بما انك هنا .. تفضل بالدخول إلى المنزل ...سأغسل يدي .
دخلت المطبخ ,تحس بخطواته اللينة خلفها .. كان يبدو مختلفا , يرتدي الجينز والتي شيرت الضيق الذي يبرز عضلات صدره القوية ... ووضعت يديها تحت الماء , تحاول التماسك ...ثم قالت :
بما انك هنا ...هل لي أن اعرض عليك قهوة أو أي شيء أخر... روي .
لكنه كان اختفى ...توجه إلى غرفة الجلوس , وكان يتفرج على المكان وكان منزلها الصيفي الصغير يشابه القصر .
هنا تعشين إذن ...! ياله من مكان رائع ...أحببته ! منذ متى وانت هنا ؟ وكيف وجدت مثل هذه اللقطة !
كانت قد جعلت من منزلها مكان دافئا حميما ...ووضعت طابعها الخاص فيه ..كان سؤاله التالي :
ممن ورثت اليد الخضراء ؟ هذه نماذج نباتات مفضلة لدي ..
ضحكت , بعد أن ردد لها اسما طويلا باللاتينية :
وهي مفضلة لدي أيضا ..لكنني اسميها السرخس .
ضحك :
وهذا ما قلته ..باللاتينية .
وجد بابا في زاوية الغرفة البعيدة . فاتجه إليه :
ماذا هناك ؟هل لي أن القي نظرة ؟
لحقت به ,فهو لم ينتظر ردها ولم يكن المكان سوى حمام .
حمام في الطابق الأسفل ؟ غريب قليلا لكنه مناسب ..وفوق ؟
هزت كتفيها ...
تفضل ...
فهو سيفعل على أي حال , كان السلم يتصاعد من ردهة هي الأصغر خلف الباب الأمامي , وتركته يتقدمها ...في الطابق الأعلى غرفتان فقط حولتا إلى غرفة عمل وغرفة نومها .
استكشف روي غرفة النوم أولا , يلقي نظرة على السقف المنحدر وعوارضه الخشبية المنحنية المفتوحة . السرير المزدوج والخزائن الثابتة ’ والبسط البيضاء على الأرض الخشبية ... وأعلن أن الغرفة " مبهجة "قبل أن يستدير إليها :
لكن , لماذا اخترت أن تعشي في منطقة ريفية بعيدة ...بعيدة عن المدينة ...فتاة شابة ..هذا لا يناسب ... أنت مليئة بالمفاجئات فيونا .
كانت ستجيب , لكنه تحرك ليرى الغرفة الثانية ..الأدوات والمواد الأولية التي تصنع فيها الحلي الفريدة من نوعها ومن صنع يدوي , كانت ملقية بترتيب فوق الرف العمل الذي بناه لها والدها تحت النافدة , لتحصل على كمية من النور... واخذ روي يتلمسها واحدة واحدة !
ماذا ...؟هل هي هوايتك فيونا؟
أسندت نفسها إلى الجدار زالت تضحك منه :
لست ادري لماذا مذهولا هكذا ...فهكذا اكسب عيشي ..أنا اصنع الحلي .
استطيع أن أرى هذا .
أشارت إلى طاولة أخرى عليها أطباق بيضاء ودهان وفراشي وسائل لترقيق والتنظيف :
وهذه هوايتي ...ارسم على الأطباق ..مع أنني أبيع منها الكثير ..إنها مريحة تماما في الواقع .
هز رأسه .
هذا ما ظننته ..تلك التي على الجدار في الأسفل , ظننتها من الأثريات ..إنها رائعة .
لست اعرف شيئا عم هذا ,لكن شكرا لك للإطراء ...اثري ؟ ..هيا بنا ,للنزل . لدي بعض العصير في البراد أتحبه ؟
كثيرا .
لحق بها إلى المطبخ , يطرح الأسئلة ويعلق طوال الوقت .
أنت مليئة بالمفاجئات ..لماذا لم تخبريني بكل هذا ؟ لماذا تركتني افهم انك سمسارة عقـارات ؟ ظننتك مدربة على هذا العمل , وانك توليت أمر مؤسسة حين ...
هزت رأسها توفر عليه بقية الكلام :
هناك مقاعد مريحة في السقيفة هناك أيمكن أن تخرجها لأجيء أنا بإبريق العصير؟فمن الأفضل أن نتمتع بما تبقى من شمس هذا اليوم .
حين دلسا مستقران غي الخارج , طفقت فيونا تخبره عن نفسها :ما تحبه ولا تحبه ...إنها تعيش بخيارها وكأنها الناسك معظم الأوقات ..فقال :
وأنا كذلك ..حين اعمل ,استغرق في عملي تماما ..وتمضي الساعات دون أن اشعر ... وحتى أياما ...فانا اعمل خلال الليل ..وأتوقع أن تفهمي كيف يحصل هذا .
افهم جيدا , وافهم انك لا تستطيع العمل سوى في منزل خاص بك ,حتى ولو كان مؤقتا !ولا استطيع أن اصف لك سعادتي حين وجدت هذا المنزل ...مع انه كان في حالة سيئة جدا ...أصلحته وأبي معا ...وأراد أن يشتريه لي لكنه مالكه لم يكن يهتم بالبيع لسبب ما .
وأكملا الحديث بتفاهم تام , ودون أن تفكر وجدت نفسها تخبره عن عرض جيم وايت لاستلام المؤسسة وإدارتها.. وقالت له عن البديل :لقد اتصل بها المدراء مؤسسة اكبر مركزها أيضا في نورثم , والتي كانت المنافس الوحيدة لمؤسستهم منذ سنوات يعرضون الشراء !.
لكن ما لي ضدهم هو ردة فعل عاطفي ...لديهم الكثير من المال ,لكنني لا استطيع إجبار نفسي على تسليمهم مؤسسة أبي , ليبتلعوها و...
هذا أمر غير منطقي ...أم انك تظني أن والدك كان سيكره الفكرة ؟
لست ادري في الواقع ...لقد كان في السابعة والأربعين فقط ...ويعرف أنني لن اتبع خطاه في العمل ...لكن , في مثل سنه لماذا يفكر بماذا سيحدث حين يتقاعد؟ وهو لم يتحدث يوما عن المدى البعيد, او البيع!
تابع طرح لأسئلة ,وتقديم التعليقات إلى آن انتهى أخيرا بالقول لها كما قال المحامي , لكن مع فارق بسيط ,فهو لم يقابل جيم بينما المحامي يعرفه جيدا .
أخيرا ابتسم !
دعينا نلتزم الموضوعية, وأنت لا ترغبين في استيلاء الشركة الأخرى على عمل والدك ... ترغبين في أن يأخذها جيم ...وربما لا تحتاجين إلى المال ..لكنك ملعونة إذا عرضت للخطر ما هو من حقك , ما عمل جدك ووالدك , جاهدين لتحقيقه.
نظرت إليه مباشرة :
بالضبط ...هذا تماما ما اشعر به .
إذن أجيبي على هذا : هل جيم وايت رجل كفؤ؟
هل يعرف العمل جيدا؟ هل من الممكن أن يبقى منطلقا . ويحقق طموحه ... ثم يصبح قادرا على أن يدفع لك في الوقت المناسب حسب الشروط التي تقدم بها؟
اجل ...اجل...أؤمن انه قادر ..في الواقع كان والدي يفكر ان يجعله شريكا ...
لقد حصلت على الرد . وهذا ما كانت تشعر به ,لكنها كانت بحاجة إلى الدفع .لقد وصل المحامي ووصل روي إلى نفس الاستنتاج.
شكرا لك روي ...في الواقع أنا جائعة جدا ...ما رأيك ؟
وأنا كذلك.
حقا ؟...لدي بعض ...أوه ...يا الهي!
لقد وضعت قطع لحم الخاصرة وبعض البطاطس في الفرن قبل ربع ساعة من وصول روي ... ودون كلمة تفسير تركته راكضة إلى المطبخ , الذي لم يكن قد امتلأ بالدخان بعد لكن ساخن وملئ برائحة اللحم المشوي ..أمسكت قفاز فرن خاص ,وأخرجت الصينية التي كانت تحوي قطعة لحم ذاوية وبعض البطاطس السوداء :
أكان هذا عشاءنا ؟
التفتت لصوت روي , لا تعرف أتضحك أم تبكي ونظرت إلى الطعام المحروق :
هذا ما أخشاه ... لن تصدق كم كانت هذه القطعة كبيرة حين وضعتها في الفرن ... وكنت انوي تناول ما سيتبقى منها في الغد مع السلطة .
إنها غلطتي , غلطتي ..أظن أنني سأذهب لأقتل نفسي!
أرجوك كن جديا ..أتعرف كم نبعد عن اقرب محلات ؟ وهي لا تفتح في مثل هذه الساعة !
إذن فلنجعل الميتة شنقا...هناك ما يكفي من أشجار حولنا ..الديك حبل ؟
رويَ!
اعرف تماما أن لا مطاعم قريبة من هنا حتى نورثم..
مطعم ! ألا تنظر إلي...؟ سيلزمني ساعتين لأتحضر للمطعم !
لم يعد يستطيع كبح ضحكته ...
انظري إلى نفسك , قدماك سوداوان ! ومنفرجتان عن بعضهما بعناد ... وعيناه خضراوان تلمعان بلؤم .
أيها الأحمق...
ويدان على الخصر , قبضتان مشدودتان , وإضافة إلى كل هذا المشهد , تحملين ما كان من المفترض أن يكون عشائي ... قطعة مطاط وبعض الفحم ...
عشاءك...
وماذا تفعل مضيفتي ؟ تصيح بي مثل المرأة السليطة .
استدارت تلتقط قطعة قماش تنظيف مبللة بما يكفي ورمته بها ...لكنها لم تكن راضية حين التقطها , ورماها عليها بسرعة لتقع على وجهها.
أيها الجرذ الحقير ...سوف...
لم تتمكن من قول المزيد , فقد قفز يمسك بيديها ويرجعهما إلى خلف ظهرها .
أو...! حسن جدا ... حسن جدا .... اسحب كلامي ...واسترالية عنيدة ...حسنا ...أمامك ثانيتين سيدتي لتقولي لي أين أجد البيض ...!
حين أحست بأصبعه في ظهرها وكأنه يوجه إليها مسدسا انفجرت ضاحكة وانهارت ... وخفف روي من قبضته عليها لكنه لم يتركها.ثم سألها ما إذا كان لديها جبن , حليب , زبدة , خبز .كل هذا وهي لا تزال منهارة من الضحك , حتى أن ساقيها انهارتا واستندت إليه , فأدارها لتواجهه .
فجأة توقف كل شيء ...الضحك ...الحركة..الزمن ..أو هكذا بدا لها ... كانت مشدودة بقوة إليه , صدرها مضغوط على صدره القاسي . والتقت عيونهما وتشابكتا , تسجلان الدهشة والارتباك ..صدمة رغبة أعلنت عن وجودها في كل جسد فيونا ..في كل مكان يتصل به بجسده , حتى وحيث لا يتصل , وعرفت انه يشعر بنفس المشاعر ,دون شك .. للحظات طويلة ..نظرا الى بعضهما , دون حراك , أنفاسهما سريعة بعد تحركهما السريع ... وكان هو من قطع الصمت :
اوكي .... لماذا لا تذهبي وتنظفي نفسك بينما احضر أنا شيئا نأكله ؟
اجل ... أظنني سأفعل هذا .
خرجت من المطبخ على الفور دون طرح أسئلة ..فهي مصدومة أكثر من أن تفكر , او تقول له أين يجد كل شيء , وصعدت إلى غرفتها لتستحم وتغير ملابسها ...
هذه المرة الثانية التي تقابل فيها روي غارليس ...ومع ذلك ... كانت تقع في حبه ... صاحت بنفسها :لا تكوني سخيفة فيونا ..أنت منجذبة إليه فقط .. والأمر جسدي , لكنها لم تصدق هذا : إنها تقع في حبه ..وإلا ما تفسير خفتها ومرحها , والإحساس أنها منذ قابلته قد خطت من الضباب إلى نور الشمس ؟ ... لكن بكل تأكيد لن يدوم هذا ..لا يمكن أن يدوم , ولا تريده أن يدم , فالثمن سيكون غاليا جدا ...
نزلت إلى المطبخ رابطة الجأش تماما , نظيفة ورائحتها صابون ...ترتدي جينزا نظيفا ,بلوزة زرقاء :
مرحبا ...أهذه أنت حقا؟
ابتسمت :
اجل ...هذه أنا حقا أنا ...في مكان ما بين المتطرفتين اللتين شاهدتهما من قبل ...ماذا عنك ؟من أنت؟ وكيف يمكنك أن تجعلني أحس هكذا ؟ ...أنني لا أعرفك حقا!
على طاولة المطبخ الصغيرة ,وضع أمامها طبقا ساخنا من معكرونة بالجبن , يتصاعد البخار منه جلس قبالتها ...يبدو مسرورا بنفسه...وقال:
أسف على فوضى المغسلة ,أنا رجل فوضوي حين اطبخ .
هذا ما أراه.
رف المغسلة كان مليئا بكل مقلاة تملكها ,عدا الإطباق والملاعق ..لكن جهده أكثر من مرحب به ...والطعام طعمه لذيذ .
شكرا لك ... ألان لماذا لا تقول لي ما الذي جاء بك إلى هنا ؟
أوه ...اجل كدت انسي ,انا هنا لأطلب منك معروفا . قابلت المحامي السيد برون اليوم ...وهو من اخبرني بعنوانك واخشي أن أكون قد أزعجت محاميك ...السيد ألمان ..أليس كذلك؟
أزعجته ؟كيف؟ولماذا؟
الم يتصل بك بعد الظهر ؟ إذن من الأفضل أن اشرح لك ...سأشرح لك.... سأشرح أولا الأسباب التي تجبرني على الاستقرار في "روسدايل " في أسرع وقت ممكن ...أريد أن اختصر الوقت الذي أبقيه خارج المنزل إلى حد ادني .
المنزل أين كان منزلك ؟ومع من كنت ؟أكمل :
ومع موافقتك , لا داعي لان أؤخر انتقالي قبل إتمام إجراءات البيع ...ويمكنك تصور رد فعل المحامي على هذا !
لابد قال :هذا مخالف للقانون ....أو شيئا من هذا .
بالضبط ...وأدهش هذا السيد برونز , ورفض الاتصال بالسيد ألمان , وقال أن هذا قرار يعود إليك .
هزت كتفيها :
بالنسبة لي , يمكنك الانتقال ساعة تشاء .شريطة ...
شريطة ضمان حصولك على المبلغ , بالطبع ...لقد أعطيت السيد برونز شيكا مصدقا من المصرف ,وهذا ما هدا من روعه قيلا ...واظنه وضعه في حسابه , ليكسب عليه الفائدة إلى أن يعطيه إلى محاميك.
ضحكت :
يبدو انك ضليع بأساليب عمل المحامين ... أنت محق ,إنهم يحاولون الاستفادة متى استطاعوا.
في غرفة الجلوس صبت له القهوة , وقربت الطاولة الصغيرة بينما تمدد هو على الأريكة مرتاحا .
فيونا ؟اخبريني عنك ...أنت تثيرين اهتمامي .
لكن ما يمكنها أن تقول له ؟لقد أصبح يعرف قصة حياتها من خلال مقابلتين فقط. أخبرته كيف تركت منزل أهلها ,وكيف تعلمت حرفتها في الجامعة وكيف تحب أن تعيش لوحدها ....مستقلة ...وسألها :
هل هناك رجل في حياتك؟ وإذا لم يكن ,لماذا ؟
لأنها لم تقابل رجلا مثله من قبل ..لا ...هذا غير صحيح ! لقد ظنت نفسها تحب مرتين من فيل ... ظنت نفسها ...ربما هذا ما تشعره نجو روي غارليس ألان وتتمنى أن يكون !
لا ...ليس هناك رجل.. فانا لا اشعر بحاجتي لرجل .أنا مكتفية ذاتيا ...الم تلاحظ هذا ؟
هل افهم من هذا انك تعشين حياة عزوبية كاملة ؟
أحست بالاحمرار يحرق وجهها خجلا ...أيمكن أن يفهم لو شرحت له ؟على الأرجح لا .
أظنك قد تماديت كثيرا ...فهذا حقا ليس ...
ليس من شأني ؟أوه.... هيا ألان..لقد تجاوزنا هذه المرحلة ..فلا تحاولي الانغلاق في وجهي ألان ..تجاوبي ..تحدثي إلى ..تواصلي !
تواصلي ! التواصل مع الناس هو عمله ,الباحث في التاريخ يعرف الناس ويفهمهم...فهل اهتمامه بها عام أكثر منه شخصي؟
أجد من المزعج كيف أن الناس ,حتى والداي , يحاولون تصنيف الآخرين .لا شيء غريب حولي , إذا كان هذا ما تفكر به .
لا تظني أنني أحاول تصنيفك ..فإذا كنت تعيشين متغايرة قليلا فهذا لا يعني انك شاذة عن المجتمع , أو غير طبيعية .
هزت كتفيها ,وقالت متجهمة :
جين أحس بالحاجة ... سأخرج واجد لنفسي رجلا . وإذا احتجت للزواج فساجد لنفسي زوجا . بعد إن أحبه .
قالت كلمتها ولن تتراجع , فليغير الموضوع بنفسه ...فهذا أمر مهم لها ..هناك روموز تقليدية للتصرف اعتادت عليها وسألته :
أكنت تحب زوجتك قبل أن تتزوجها ؟
بجنون .
ولم تستطع أن تكمل ,فهو أرمل وليس مطلقا ..ولن تخاطر في النبش بالماضي . ثم لم تعد تريد سماع المزيد فغيرت هي الموضوع ...وأكملا الحديث بخفة ...حين دقت الساعة على رف المدفئة , نظرت إليه :
روي إنها منتصف الليل !
وان يكن ؟
يجب أن استيقظ باكرا في الصباح .
لماذا فيونا ..هذا مزعج منك !... لقد خيبت أملي ...ظننتك تتمتعين بصحبتي , فانا أتمتع .
وأنا كذلك ...لكن..
لكن ماذا ؟ على الأرجح لن تنام باكرا , وستبقى مستيقظة كعادتها حتى ساعات الفجر الأولى :
أنت محق ...سأصنع القليل من القهوة بعد...
كانت الساعة الثالثة إلى عشر دقائق حين قفز واقفا ....
أسف يجب ان اذهب .. تكادي أن تنامي وأنت جالسة .
وقفت فيونا :
اجل ... فانا متعبة .
ترنحت قليلا فوضع ذراعه على كتفيها :
اثبتي !
أبعدت نظرها عنه , تتجنب عينيه , فهمس باسمها :
فيونا ؟
لماذا لا تستطيع النظر إليه ؟ هل سيقبلها ؟ لماذا هذا التوقع يخيفها ؟.. لكنه تركها ..يقول شيئا عن رؤيتها يوم الاثنين بعد الظهر . بعد أن أوصلته إلى سيارته , وقفت تستند إلى الباب الموصد تصغي إلى صوت سيارته تبتعد ...تلعن نفسها لترددها ..انه رجل حساس وقرا ما في أفكارها تماما ..وتناغم معها إلى أقصى مدى بالرغم من تعارفهما القصير .
تناغم معها ...كما تناغمت معه تماما .