الفصل الثامن
تجمدت جوانا مكانها كالميتة وللحظة رهيبة لم تصدقه, لم يكن هناك أثر للطفلة في الماء, وابتلعت ريقها وقد أحست بالبرد والصدمة وكأن فيلما سينمائيا لا دخل لها فيه يعرض أمام عينيها, ثم وجدت مونيكا....شعرها الطائف فوق الماء, والموج يجرفها في حفرة بين الصخور, فرمت المعطف عنها وتقدمت نحو الماء وخاضت الي المنتصف محاولة الوصول اليها....لابد أنها وقعت من تلك الصخرة المرتفعة التي يقف عليها بوب ...ولم تكن تتحرك, أو يظهر عليها أنها واعية, وكان الماء يعلو فيغمرها من وقت الي وقت, وصاح بوب "لقد غرقت !لقد غرقت!"
فردت عليه جوانا من فوق كتفها"هراء! اذهب واحضر برايان...بسرعة...! أحضر برايان"
وطار راكضا فوق الصخور, وهنا فقدت جوانا توازنها فوقعت في الماء واضطرت للسباحة, ولكن الماء كان قويا ولم تستطع التقدم نحو مونيكا, وحاولت التقرب منها عبر الصخور ولكن الطفلة كانت تبتعد كلما علا الموج
لم يمر عليها أكثر من دقيقة ومع ذلك أحست جوانا أنها تقاوم الماء منذ ساعات, كل ضربة ذراع لها في الماء تبدو بطيئة ودون فائدة...
وأخيرا وصلت اليها, وأمسكت بوجهها الصغير الأبيض بين يديها, وأخذت تجرها فوق الماء, وتقدمت الصخور منها وأحست وهي تمسك ب مونيكا أن الماء أخذ يجرفها هي أيضا, وبيأس بدأت تقاوم ولكن قوة الموج طغي علي مقاومتها وضربتها الأمواج بالصخور مرات ومرات, ومع ذلك فقد قاومت بشكل ثابت كي تبقي وجه مونيكا فوق المياه
وأخيرا سمعت أصواتا عند الشاطئ فنظرت لتري بوب يلوح لها و برايان يسارع فوق الصخور أيضا...صاح بها" من هنا"
وكانت مرهقة تماما وبالتأكيد لن تستطيع الاستجابة له, ولاحظ هذا وتمسك بطرف الصخور وانزلق الي الماء ومد يده لها وقال بسرعة" أعطني الطفلة... أعطني إياها!"
وكان أبعد عن قوتها أن تستجيب, ولكن بعد محاولتين غير ناجحتين, استطاعت أن تعلق ياقة فستان مونيكا في أصابعه الممدودة, فأخذ يشد الجسد الفاقد الوعي نحوه, واستطاع بكل جهد أن يشدها لليابسة
وما أن رأته جوانا مع الطفلة حتي أطلقت تنهيدة كبيرة...وكانت أطرافها تؤلمها وكتفيها مخدشان من الصخور, وباردة برودة الموت, وبارتجاف تقدمت نحو الصخور مترنحة , ولكنها لم تستطع لتعبها أن تتسلقها, ومرة أخري سمعت صراخ بوب, ولكن من مكان بعيد...ولم يكن إحساس مزعج أن يحمل الماء جسدها.....فأغمضت عينيها....
كانت ممدة علي الشاطئ و بونتي يلعق وجهها... ومن خلفه كان بوب راكعا ينظر اليها بينما كان برايان يمسك ب مونيكا وهي منحنية الي الأمام تتقيأ فتمتمت جوانا" أوه ...لا"
هذه المرة سيكون عنيفا في غضبه, وهذه المرة له مطلق الحرية.
أدار لها رأسه" هل استيقظت...كيف تشعرين؟"
وبدا بدوره شاحبا وكأن الغثيان قد أصابه, فردت عليه محاولة أن تبدو مرحة" أشعر بالبلل"
"لست مندهشا, ستكونين محظوظة اذا لم تصابي بالنزلة الصدرية" وقال ل مونيكا" هل انتهيت؟"
فهزت رأسها وقال لها" لن أسألك ماذا حدث, اركضي الآن أنت و بوب وسأساعد جوانا علي النهوض"
وتقدم من جوانا ووقف يحدق بها متجهما" هناك دماء علي وجهك وكذلك علي ذراعيك"
"أنا بخير..."
وحاولت الوقوف بجهد فصرخت لألم في كتفها, فقال بشراسة" أنت مجنونة...لماذا لم تأت الي؟"
"لقد أرسلت بوب "
"ورميت نفسك في الماء وانتهيت تصيحين لآلامك...أيتها الحمقاء الصغيرة, ألا تعلمين أن البحر هائج؟"
"لم أفكر بهذا ,أنا آسفة"
وبلع صيحة غضب عنيفة, وقال" هل تستطيعين السير؟"
وأخذت يده التي مدها اليها ووقفت متألمة علي قدميها, وحملها بين ذراعيه دون أن يسألها شيئا, وبدأ السير بسرعة نحو المنزل
فقالت محتجة" لا...أرجوك, لا حاجة لك أن تحملني, فعضلاتي متشنجة قليلا فقط"
"تستحقين ذلك....ظننتك متي , عندما نظرت الي الوراء ووجدتك قد اختفيت...يوما ما ..سأسلخك"
فضحكت ثم سعلت وبعدها عطست وأخيرا قالت" أنت لست مهذبا معي"
"لا أشعر بأنني مهذب, بل أشعر ..."
"بالغضب؟"
"أكثر من هذا, أكثر بكثير بكثير..."
ووصل بها الي منزله, فركل الباب ليدخل المطبخ ويضعها قرب الموقد, فأحست بنعمة الدفء, وقال لها" والآن ماذا؟ حمام ساخن وثياب جافة, ستضطرين لارتداء ثيابي"
"ولكن مونيكا..."
"دعي مونيكا لي, سأحممها بنفسي وأجد لها شيئا يدفئها, اصعدي الي فوق وابدئي حمامك"
"ولكن مونيكا يجب أن تتحمم أولا"
"سأحممها هنا أمام الموقد, الا اذا...كنت تفضلين أن أصعد وأحممك أنت أيضا"
فسارعت لإطاعة ما طلبه منها...ولتقول الحقيقة كانت سعيدة بذلك فقد كان رأسها يؤلمها وأطرافها كذلك, وتفحصت جسدها في مرآة الحمام ووجدت كدمة قوية علي رأسها كانت متأكدة أنها ستسبب اسوداد عينها
وعادت الي الطابق السفلي لتجدهم يجلسون في المكتبة أمام النار ووعاء كبير من الشوكولا فوق النار, وصب لها برايان بعضا من السائل المنشط وقال" تحسنت؟"
"كثيرا"