كاتب الموضوع :
وطن نورة ،،
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: > أنت مثل أحزاني ،، قدر .. / بقلمي ..
◇ أنْت مِثلْ أحْزانِي ،، قِدرْ ◇
.
.
# (٨) الفصل الثامن ،،
°
°
هوّن عليك فما في اللوح قد كُتبا . .
واللوم يُورثكَ الأحزان والتعبَا . .
فاسعد بما في يديك اليوم من أملٍ . .
ولا تفكر بماضيك الذي ذهبَا ..
.
.
لا يوجد أصعب من رغبتك بالقيام بشيءٍ لا تعلمه. تتمنى أن تفعل،، لكن كيف؟ ومتى؟
و كيف؟..
و كيف؟..
و كيف؟..
خطاب مشتت،، يشعر بأن عقله يهوي في حفرة عميقة لا نهاية لها..
يشعر وكأن العالم بأسره يجثو على صدره.. لم يطرأ على باله يوماً بأن يكون لقاءه بمنيف هكذا..
بارداً هكذا...
جباناً هكذا.
كان قد رسم أمنياته منذ أكثر من عشرين سنه.. عندما يلتقيه سيصفعه ويفصل رأسه عن جسده.. سيمّثل بجثته سيحرقه وينثر رماد جسده للكلاب التي ستستنكره وتبصقه..
كان متأكداً بأنه سيشفي غليله منه بطريقة ما..
بشكلٍ ما..
لكن لا شيء من هذا حصل..
لم يحصل شيء سوى أن الحقد والغضب في قلبه سيقتلانه وهو ينظر لقاتل أهله يجلس أمامه بكل ثقة وخيلاء.. ينظر له يعجز عن الحركة وكأن أطرافه تيبسّت..
تمنى أن يهشمّ عظام جمجمته حتى تصبح فتاتاً لا يمكن تجميعه..
تمنى أن يقتلع عينيه من مكانها.. ويقطّع أطرافه.. ويرسم لوحةً بدماءه.. ويذّيلها باسمه وتوقيعه..
لكن لا شيء من هذا حصل..
يتذكر جيداً عندما انتهى لقاءه القصير جداً بمنيف وهو لازال تحت تأثير الصدمه من رؤياه.. يشعر بأنه مخدر رأسه يلف به لا يستطيع الإستيعاب..
أخذ حفيدته كما وضح له بنبرة تغيرت مئه وثمانون درجة وهو يتحدث عنها : الدانة بنيتي مو بنت ولدي بس.. صدقني لو اشتكت منك مانيب معدي الموضوع على خير.
لم يجبه بل سدد له نظرة لو كانت تقتل لسقط منيف صريعاً في أرضه ليكتفي أبو مبارك بردٍ مقتضب بعد أن شعر بالضيق من الجو بشكل عام..
أغمض عينيه يزفر أنفاسه عندما فُتح الباب الخلفي ليركب سالم ثم باب الراكب جواره لتركب هلا.. يقف لأكثر من ربع ساعه أمام مدرستها ولم يشعر بالوقت أبداً فهناك صوت داخله يتحدث معه بغضب يوبخه ويلومه على سوء تدبيره..
هلا بهدوء بعد أن أغلقت بابها : اسفه تأخرت عليك.. بس كنت أدور شنطة سالم الله يهديه.
حرك سيارته ينطق بهمس كأنه يحدث نفسه : مافيه مشكلة ..
نظرت إليه باستنكار شماغه في حضنه وجميع أزرار ثوبة مفتوحه.. لا يبدو طبيعياً أبداً لا من ملامح وجهه ولا من هندامه.. هتفت بقلق: صاير شي؟
هز رأسه بالنفي واكتفى بذلك لتحترم رغبته بالصمت وتصمت..
.
.
مضت ثلاث ساعات منذ خروجهم من الشركة التي ستباشر العمل بها غداً. . ذهبت مع جدها لأحد المطاعم الراقية في دعوة منه للغداء احتفالاً بهذه المناسبة..
لم يكن غداءً كما العادة تتحدث فيه وتحكي له وتناقشه في كل شيء وعن أي شيء -السياسة والتجارة والأسهم وسوق المال وآخر صيحات الموضة ومافعله مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي- بل كانت صامته ليدير هو الحديث كما يشاء..
حتى عندما سألها بقلق : دنِّي وش فيك ساكتة ؟ فيه شي يوجعك؟
أجابته بزفرة : لأ أبد.. بس يمكن لأني ما نمت زين أحس مافيني حيل لشي..
والحقيقة أنها شعرت بشعور غريب فور خروجها من الشركة..
لا تعلم ولكنه شعور غير مستساغ أبداً..
منيف بعد صمت : اللي اسمه خطاب ماجاز لي أبد أنا ما أدري كيف أبو مبارك يختار موظفينه!
دانة بضيق : ماقال شي الرجّال عشان تحكم عليه يا جدي الله يصلحك..
منيف بإصرار : ماجاز لي يا بنت..
دانة باستعطاف فبعد أن علمت أن جدها فصل ابنه عن عمله باتت تخشى بطشه : جدي الله يخليك عشاني لا تسوي شي. انا بتدرب عنده و بشوف الوضع بنفسي وبعلمك..
نظر لها يهدد بسبابته : اوعديني ماتخبين عني شي مهما كان كبير أو صغير..
دانة بعد أن وقفت : اوعدك.. نقدر نمشي الحين ؟
دفع المبلغ وسلك الطريق لمنزله. ما إن اقترب حتى ولمح الرجل الذي يقف بجانب سيارته الذهبية يسند ظهره على بابها..
شعرت دانة بأن قلبها سيخرج من بين أضلعها عندما تعرفت على هويته.. يبدو انيقاً جداً بتيشيرته الأبيض وبنطاله الأسود ليس كأنه في عقده الرابع.. ينفث دخان سيجارته بتفنن و التي ما إن رآى سيارتهم تقترب حتى والقى بها يعتدل واقفاً يطفؤها بحذاءه..
هتفت بأنفاس ملهوفة : جدي هذا أبوي!!..
منيف بضيق وعينه على وجه ابنه الذي ابتسم ما إن وقفت السيارة أمامة : أشوفه..
فتح باب الراكب لوالده ابتسامته تتسع بشكلٍ مستفز وكأنه يعرف بأن غضب والده يستثار منها ..: يا هلا والله بالشيخ منيف..
دفعه منيف عنه وهو يهم بالخروج من السيارة لتفتح دانة بابها بسرعة وتقترب من والدها الذي اعتدل بوقوفه يدلك صدره ويضحك.. قبلت رأسه على حين غفلة منه تهتف بفرح : هلا أبوي وش أخبارك؟
جابر بعد أن نظر لها نظرة سريعة أشاح بعدها بصره وابتعد عنها : هلا..
منيف بحده : خير نعم وش جابك؟
ابتسم : ولد بار وجاي يزور أبوه فيها شي؟
بزفره : بتتكلم ولا شلون؟ ..
ضحك : ممكن ندخل؟؟ أبيك بسولف عليك ..
نظر له منيف بامتعاض قبل أن يمشي بخطاه نحو باب منزله تلحق به دانة بأسى ومن خلفها والدها الذي يراقب انحناء اكتافها بانكسار..
جلس على أحد كراسي جلسة ساحة المنزل الخارجية ليجلس ابنه أمامه : بتستقبلني هنا؟
منيف : إحمد ربك استقبلتك.. أنجز وش عندك؟.. من الصبح صاحي ولا لي خلق هذرتك..
جابر ونظرته ثبتت على دانة التي أنزلت طرحتها على اكتافها ثم عاد لوالده.. وضع سيجارته في فمه وقال باحثاً عن ولاعته في جيب بنطاله : تدري إن فارس يظن إنها زوجتك.
منيف بابتسامه : ماتطلع من جزاي ياولدي .
أشعلها وضحك بصخب بعد أن نفث الدخان بتفنن : أنا أشهد..
عاد تدري إنه يقول دخلت بيته و لقيت زوجته قاعده بحضنه؟
ثم أردف بعد رفع حاجبه : يبه لا تنسى،، تراها حفيدتك..
منيف بحده : جابر!!
لتصرخ معه دانة بنفس الوقت باستنكار : يبه؟؟؟
جابر ببرود : حبيت أذكرك بس..
منيف بغضب هادر الحروف تخرج من فمه متتاليه كالرصاص : مريض أنت؟؟ وش هالكلام؟
الله لا يوفقك من ولد.. بنتك ذي يا قليل الخاتمة..
شلون تفكر بالتفكير ذا يالتعبان؟ أنت شارب شي؟
ابتلعت دانة ريقها بقرف من مغزى حديث والدها.. تنظر له بعتب نظرة لم يرها خصوصاً وأنه كان منشغلاً بالضحك على غضب والده وشتائمه..
منيف لازال غاضبا يشتعل.. سحب عقاله من أعلى رأسه وحذفه على كتف ابنه : حسبي الله عليك جاي تغثني.. مافيه شي يضحك يا أسود الوجه..
جابر وضحكته بترت تماماً وضع يده على كتفه يتابع ببصره دانة التي ابتعدت لداخل المنزل بخطى سريعة : جايك عشان فارس..
منيف وأنفاسه تسارعت : الله ياخذكم من عيال بتذبحوني.. وش عنده فارس بعد؟
جابر بجمود : لا تمن علينا بإنك متحملنا واننا هم على قلبك.. لأن العكس هو الصح صدقني..
فارس للحين مارجع لوظيفته.
منيف : وأنا وش علي؟
بإنفعال : كيف وش عليك؟؟ أقول يبه تعوذ من ابليس بس.
زفر بضيق : الحين أنت وش تبي جاي؟
جابر : تكلم خويك اللي خليته يفصل فارس يرجعه..
الولد مابقى على عرسه شي وإن درت زوجته وأهلها إنه صار بلا وظيفة ممكن ينهون الموضوع .
رفع حاجبه : وأخوك يوم إنه بغى يناسب مالقى يناسب إلا ذولي؟
جابر بضيق : أنت من وين لك كل هالمعلومات وأنت توك راجع؟
ابتسم : والله يا إني اعرف عنكم أشياء أمكم بكبرها ماتدري عنها ..
بارتباك : أمي تدري عن كل شي يخصنا.
منيف باستمتاع : ماهقيت.
اعتدل جالساً : وش تعرف؟
وضع قدماً على الأخرى : أمك تدري إن أخوك منصور كاتب بيتها اللي هي ساكنه فيه باسمه ،، بالوكالة العامة اللي هي موكلتها له؟
جابر بصدمة: كذب.. منصور مستحيل يسويها بأمي.
منيف : تأكد بنفسك لو تبي ..طيب أمك تدري إنك متزوج مسيار على بنت أخوها وتاخذها بكل سفرة معك ؟
تدري خالك هالهيس لو درى مهوب معدي الموضوع على خير والشراكة اللي بينكم إنساها..والعز والجاه اللي مغرقك فيه بينسحب منك وعيونك تشوف..
جابر بقلق وهو يطفئ سيجارته على سطح الطاولة أمامه : مين قالك؟
منيف : دريت.. بس شاطر تعلمت من غلطتك والمره ذي أخذت احتياطاتك ولا ابتلشت ببزر ماتبيه.. والأهم من كل ذا أمك و زوجتك يدرون عن دانة؟
تؤ،، ماهقيت!
اشعل سيجارة أخرى أخذ منها نفساً طويلاً : دانة إتفاق بيني وبينك.. وإن طلع لأحد إنسى تشوفها مره ثانيه غير إني وقتها كنت صغير وطايش ما لأحد حق يلومني.
منيف بقوة : لا تهدد و إعرف مع من تتكلم..
دانة لو تركتني بعد هالعمر وراحت لك بذبحها أنا بنفسي قبل لا توصل لك لكن أنا متطمن لأني أدرى فيها منك ..
لا تهددني لأن لو أمك درت إنك مخبي عنها موضوع مثل ذا ومستفزع بي في الوقت اللي نهتكم فيه عن ذكر حتى اسمي ،، يا ويلك.
وأنا أعرف الجازي.. كلبتن قشرا ماتتعاشر ولا عصبت مارحمت أحد..
جابر بغضب والقلق بدا واضحا عليه فكلام والده صحيح إن علمت والدته بشيء كهذا ستنهيه دون أن تضع اعتباراً لعمره حتى : طيب وش صار على موضوع فارس الحين؟ أمي مرسلتني..
منيف بنبرة ساخرة : خليه يجيني في بيتي هنا وأنا أتفاهم معه يا.. ياولد أمك..
.
.
انتهت هلا من إطعام سالم غداءه وها هي الآن تجلس بجواره تنتظر منه أن يغفى.. بالها مشغول بخطاب الذي ما إن دخلوا للمنزل حتى قال في طريقه للغرفة بصوت مختنق : ما أبي غدا عليكم بالعافية..
أعدت شيئاً سريعاً لسالم لتسكت جوعه وبالها يأخذها قسراً للذي دخل غرفته من دقائق.. كان تفكيرها محصورًا به تشعر بأن عقلها يركض ذهابًا وإيابًا في جمجمتها لدرجة أن سالم نام ولم تنتبه له إلا للتو وهي التي كانت تنتظر غفوته.
خرجت من غرفته وهي تنظر لساعة معصمها التي تشير xxxxبها للثالثة عصرًا..
دخلت الغرفة لتجده يتمدد على سريره لايزال يرتدي ثوبه وجواربه وحذاءه.. ينام على جانبه الأيمن يده تحت خده وينظر أمامه بشرود..
استنكرت كل ذلك فسألت: ما نمت؟
خطاب بهدوء : أنتظر صلاة العصر..
مع أنها تعلم أنه ليس على مايرام.. أبدًا.. لكنها صمتت فمن عشرتها لخطاب في الأيام الماضية عرفت طبعه.. سيأتي بنفسه يخبرها ما يشغل باله دون أن تلح عليه وتضايقه بأسئلتها حتى وإن كان داخلها يحترق لمعرفته..
بدلت ثياب العمل مستغلةً بذلك عدم انتباهه لها وما إن انتهت حتى تمددت بجواره على ظهرها.. يدها تأمرها بأن تربت على كتفه،، تمسح على شعره،، تحتضنه؟
ضلوعها تحثها على احتضانه حتى يهدأ كل شيءٍ داخله..
كل ما يحتاجه هو احتواء هي تؤمن بذلك لكن ليس الآن فمن الواضح أن هناك معركة طاحنة تحدث داخله ولابد أن تنتظرها حتى تهدأ..
زفرت : خطاب ماجعت؟
بصوت أقرب للهمس : لا حبيبتي..
وضعت يدها على قلبها : أخ قلبي..
التفت لها بقلق : وش فيك؟
فتحت عين وأغلقت الأخرى وهتفت بنبرة خفيفة تتصنع الألم : أنت قلت حبيبتي ولا يتهيأ لي ؟
لم يستطع سوى أن يبتسم،، لكن ابتسامته جعلت من ملامحه أكثر تعباً : لأ،، يتهيأ لك ..
مدت شفتيها بزعل وهي تنظر له بعد أن حصلت على انتباهه تهتف بدلال : خطااب!!.. شلون يعني أنا ماني بحبيبتك؟
التفت لها بكامل جسده.. يشعر بأن ضربات قلبه تسارعت فجأة وكل معركة في داخله أعلنت هدنتها،، لكن صوت الآذان الذي ارتفع جعله يتراجع عما نوى عن قوله .
.
دخل منزله بهدوء بعد أن قضى بعض الوقت في المسجد القريب.. يحتاج لوقت مع نفسه يرتب أفكاره المشتته ويهدئ من روع مشاعره المبعثرة..
كانت الصالة خالية تماماً موحشة بأنارتها المطفأة لكن الصوت القادم من المطبخ جعل أقدامه تتحرك باتجاهه ليجد هلا تقف أمام الرف تعطي الباب ظهرها..
ساقته اقدامه سوقاً باتجاهها. ولم يشعر إلا بيديه تلتف حول خاصرتها ليريح صدره المثقل بالأسى على ظهرها..
ارتعبت وتسارعت نبضات قلبها بعد أن كانت سارحه.. لكن ثورت رعبها هدأت قليلاً عندما شعرت برأسه على كتفها.. شعره يلامس رقبتها وعطره الباقي من الصباح يختلط بالهواء حولها .
ابتلعت ريقها أنفاسها متسارعه : خوفتني خطاب..
رفع كفّه يضعه على صدرها حيث شعر بنبضات قلبها تسابق الريح، بخفوت أغمض عينيه يريح خده على كتفها ..: آسف..
مسكت ذراعه تنزل يده بدعابه محاولةً إخفاء توترها : ولد!!
ضحك بهدوء وأدار رأسه يسند ذقنه على كتفها وينظر للذي كانت تفعله: وش تسوين؟
ابتلعت ريقها من قربه الذي بعثرها تماماً : شي خفيف ناكله..
خطاب : زين لأني جعت.
هزت كتفها ليتحرك معه رأسه : كنت أدري إنك تكابر.
لكنه عاد يطوق خاصرتها بيديه ويعيد وضع ذقنه على كتفها.. : مم.
سكتت وتابعت ما تفعل وهو لازال يلتصق بها.. متوترةً مستنكرةً وضعه فهذه المره الأولى التي يفعل فيها شيئاً كهذا فهي التي كانت تبادر دائماً وهو الذي يبقى متحفظاً مبتعداً كأنه يهرب ويخشى ويقلق من أن يبوح بمشاعره..
تعلم أنه يحبها وهذا الذي لا تشك به أبدًا.. لذا لا بأس وستبقى تنتظر اليوم الذي يعبر فيه كما يشاء دون خوف أو قيود ..
انتهت من إعداد وجبتهم الخفيفة وخرجت من المطبخ تحمل صينية بين يديها وخطاب لازال ملتصقاً بها يطوقها بين يديه -وكم يعجبها مايفعل- جلست ليجلس جوارها ويبدأ في تناول طعامه بصمت..
ما إن انتهى حتى أراح ظهره على الأريكة خلفه : تسلم يدينك حبيبتي..
وضعت مابيدها لتنظر له بطرف عينها ممازحه : تلعب علي أنت؟
ضحك بخمول والإحمرار الذي بدأ يعتلي أذنها لم يخفى عنه ليهتف متعمداً : لا يا قلبي.. شدعوة عليك حبيبتي ليه تقولين هالكلام؟
وضعت يدها على قلبها : آه يمه،،، حبيبتي وقلبي بنفس الجملة؟!! لا لا لا كذا كثير يا خطاب شوي شوي علي..
ضحك من أعماق قلبه ليقترب منها ويباغتها بقبله أخفت ابتسامتها الواسعة بعد جملتها..
ابتعد عنها بعد أن قال مايشعر به في قُبلة،، ينظر لوجهها المبهوت من حركته.. نبضاته تُسارع بعضها لدرجة أنه يخشى أن يخرج قلبه من فمه.. ابتسم لها بتودد وقليل من التوتر: .... شكراً على الغدا ؟
لم تجبه بل رفعت أصابعها تلامس شفتيها لاتزال تنظر له كأنه برأسين.
تمدد واضعاً رأسه على فخذها.. يريد أن يشتت نفسه من التفكير بأي شيء وأن يشغل عقله بهلا وهلا فقط..
أغمض عينيه يتنفس ببطء تاركاً الصمت المريح بينه وبينها يغلف مسمعه.. ليبتسم عندما شعر بأصابعها تخلل خصل شعره.. تدلك رأسه بنعومة لدرجة أنه أحسها تلامس قلبه..
هلا بهدوء : إن جاتني بنت أتمنى شعرها يطلع مثل شعرك..
فتح عينه ينظر لها بنعس : وش معنى؟
ابتسمت له تراقب ملامحه تمشي عليها بإصبعها : و أبيها تاخذ عيونك،، وحواجبك،، وخشمك..
خطاب بخمول يشعر وكأن الكلمات تخرج دون تحكم منه : تبين بس بنت وحده؟
هلا : لأ طبعاً.. أنت كم تبي؟
خطاب والحديث عن الأسرة التي يتمنى ومع المرأة التي يحب،، يداعب أوتار قلبه يثير عواطفه ويجعله يحلق بعيداً عن كل شيء فوق سحابه : أبي كثير..
ابتسمت : كم يعني؟
سكت ينظر لها وابتسامتها التي تذيب عقله.. حرفياً تذيبه يشعر بقلبه يهوي ويرتفع في نفس الوقت والمكان يدور به من عذوبة الإحساس داخله : كثير هلا..
ضوقت عينيها : تبيني مكينة تفريخ يعني؟
ابتسم بخدر ابتسامة واسعة : ما أستاهل؟
بخفوت : إذا أنت ماتستاهل مين اللي يستاهل أجل؟
وأنا بعد أبي كثير.. مايكفيني واحد أو اثنين منك. أبي قبيلة كلهم أنت أبوهم..
هز رأسه مؤيداً كلامها يغمض عينيه بعد أن تمكن النوم منه تماماً،، ليحلم حلماً عذباً بعدد كبير من الأبناء والدتهم هلا ..
حلمٌ جميل شعر به كأنه حقيقة..
.
.
تلقى اتصالاً من شقيقة يطلب منه رؤيته ليلتقي الاثنان في مجلس والدتهم الخارجي..
علاقة الأشقاء الأربعة ببعضهم قوية نوعاً ما حتى مع تفريق والدتهم بالمعاملة بينهم.. يختلفون في بعض الأمور ولكن يتفقون بشيء واحد ،، كره والدهم ومقته وهذا ماسعت له الجازي طيلة السنوات الماضية.. جعلت من أبنائها ممتلكات خاصة لا تقبل القسمة على اثنين فأصبح الجميع يخشاها ويهابها حتى جابر الذي كان الشيب يلون بعض خصل شعره..
جابر بعد أن ارتشف القليل من علبة المياه بين يديه : توني جاي من عند أبوي..
فارس بتأفف : وش قال لك؟
جابر : يقول خليه يجي بنفسه لبيتي.
فارس بضيق : وش يبي فيني؟ هذا ما يفهم؟
جابر : ماعليه روح له اضغط على نفسك شوي عشان مصلحتك..
تجلى عدم الرضا بملامحه : إن ضغطت على نفسي زيادة بنفجر.. منيب طايق أسمع حتى اسمه وكله كوم ولا رحت وشفت حرمته كوم ثاني.. أنا ما أدري وش لقت فيه عشان تاخذه؟ قرف يقرفها ياشيخ!
بتوتر : أنت الحين وش عليك بالمواضيع ذي؟ أنت تدري إنه مهددنا بأمي؟
عقد حاجبيه باستنكار ليردف جابر : ما عنده أي مشكله يلفق علينا تهم.. يقول منصور كاتب بيت أمي باسمه.
ضحك : مستحيل!
جابر : أدري،، ويقول إني متزوج مسيار.. تخيل!
ارتفعت قهقهته : تسويها أنت عاد ما استبعد. وبعدين اللي ثوبه طاهر يصلي به أنت ليه خايف منه؟
جابر : لأن الخرابيط ذي إن وصلت لخالك وأمك مصيبة!
فارس : أنت متزوج على أم بتال؟
جابر بسرعة : لأ.
فارس : أجل خلاص.. خليه يبربر على راحته.
متى يبيني أروح له حسبي الله عليه؟
أشعل سيجارته ينفث دخانها بضيق : متى ماتبي .
فارس بعد فترة : شفت حرمته؟
حك حاجبه محتاراً كيف يجيب سؤالاً ملغوماً كهذا لكنه قال على كل حال : لأ..
فارس باستنكار حقيقي : أنا فعلاً مستغرب كيف وحده مثلها ترضى تاخذ واحد مثله؟ البنت صغيرة وحلوووة تظلم نفسها مع واحد مثل أبوك ليه؟ بس شكله يعرف كيف يشتري بنات ال*.
جابر بعدم رضا فشقيقة شتمه دون أن يعلم : المهم الحين خلص أمورك معه أمي هلكتني إتصالات..
خرج جابر ليبقى فارس لوحده.. يقوي نفسه ويجبرها على الذهاب لمنزل والده ومقابلته مجدداً..
قبل خروجه دخل عليه شقيقة عامر.. مستيقظاً للتو وجهه منتفخ من كثرة النوم..
عامر وهو يرى فارس يقف يبحث عن مفاتيحه : وين بتروح؟
مر من جانبه بعد أن وجد مايبحث عنه : أشوف وش آخرتها مع أبوك..
تابع خطاه لكنه قبل أن يصل لباب سيارته وجد عامر يسبقه لباب الراكب : سلامات ؟
عامر بابتسامة : بروح معك أسلم على أبوي. مدري وش فيه علي لا أرسل لي مثلكم و ولا شي شكله ناسي إنه جابني قبل لا يهج.
ركب دون أن ينتظر رد فارس ليركب الآخر خلف المقود.: مره متشفق على شوفته!!
عامر بضحكة : والله على كلامكم تحمست أشوفه.. ومنها أطلبه يشوف لي وظيفة شكله واسطة ماتلعب..
ما إن وقفت سيارة فارس أمام منزل والده حتى وتلاقطت عينا عامر ينظر مستنكراً للبيت الكبير : اوف.. هذا كله وساكن فيه لحاله؟
فتح بابه : هو و زوجته..
لحق به عامر يقف بجواره يقرع الجرس.. الحماس يكاد يقتله لرؤية الشخص الذي حُرم عليهم نطق اسمه في منزلهم.. لا يعلم عنه الكثير فهو سافر واختفى من حياتهم وهو لم يتجاوز الخامسة من عمره..
لا ذكريات سوى الأقاويل التي يتداولها الجميع حوله..
وصلهم صوت أنثوي عميق : مين؟
ليزفر : أنا فارس ..
دانة بتوتر بعد أن ابتعدت عن الجرس متوجهه للصالة حيث جدها المتمدد على الأريكة يتابع الأخبار : جدي هذا عمي فارس..
منيف يعتدل جالساً وبنبرة ساخرة : لا تقولين عمي ولا أبوك هالفطفوط بيروح فيها..
لم يسمح لها دخول الرجلين للمكان الذي تقف به وقتاً للرد على كلامه..
عرفت فارس الذي وقعت عينها بعينه ،، بطوله الفارع وجسده المتناسق وملامحه الحادة.. واستنكرت الرجل الآخر صاحب الجسد الممتلئ نوعاً ما والملامح اللطيفة والذي ما إن رأت نظرته المتفحصة حتى وابتعدت من المكان بسرعة.. توقف فارس في خطاه بمنتصف المكان على عكس عامر الذي انطلق يقبل رأس والده ويده..: أخيرا شفتك يبه..
منيف وعينه على فارس صاحب الوجه المتجهم والملامح المعقودة بضيق : هلا!
ابتعد عنه : شكلك ماعرفتني! أنا عامر ولدك الصغير..
نظر له نظره سريعه يتأمله : أدري إنك عامر..
ثم نظر لفارس ينظر للمكان حوله بتفحص : ليه واقف تعال اقعد .
فارس بزفره : جابر قال انك طلبتني؟
منيف بحزم : تعال اقعد.. جنبي!
وأشار للمكان جواره..
لكن فارس تجاهل دعوته ومشى بخطى ثقيلة حتى جلس على أقرب كنبه له وابعد كنبه عن والده..
عامر بعد أن جلس حيث أشار والده : يبه شكل زوجتك ماتعرف إن عندك عيال..
نظر له بجمود : من قال إنها زوجتي؟
التقت عيني عامر بفارس الذي بادله نفس النظرة المستنكرة.: فارس يقول ؟
منيف بقرف : أمكم كرهتني بالحريم كلهم ولا عاد تزوجت بعدها أحد..
عامر بذهول : أجل وش تطلع ذي؟
بنرفزة من هذا الإبن الذي لا يذكر عنه شيئاً : وأنت وش دخلك؟؟
ثم عاد ينظر لفارس بحنين يعصي قوته وجبروته..
كان ولازال فارس هو أحب أبناءه لقلبه حتى وإن كانت ملامح الفتى أمامه تصرخ بالكره والحقد وعدم التقبل.. يعلم بأنه يكرهه ويبغضه ويمقته لكن مع ذلك لا يمانع بأن يفعل المستحيل كي يراه..
ابنه جابر لم يكن سهلاً في صغره فقد عُرف بأنه -نذل- و من نوعية الأطفال الذين لا يمكن تقبلهم حتى أنه كبر على ذلك فأصبح رجلاً لا يمكن تقبله ولا يشتهي النظر لوجهه أناني وانتهازي و -نذل- ..
ومنصور كان دمية والدته المفضلة فكان يلتصق بها وتلتصق به طوال الوقت لاتدع فرصة لأحد بلمسه حتى..
أما عامر.... لا شيء!!
جميعهم في كفة وفارس في كفةٍ أخرى..
منيف بهدوء صارم : وش تبي؟
فارس بحقد : أبي وظيفتي..
منيف : متى عرسك؟
عقد حاجبيه : ما أتوقع لو عرفت بتستفيد شي.
لو سمحت أبي وظيفتي.. مالك أي حق تطلبهم يفصلوني بالشكل القذر ذا..
سكت قليلاً وعيني عامر التي تتفحص وجهه بدأت تستفزه : تكلم معي زين. أبوك أنا رضيت ولا مارضيت..
نطق تحت أنفاسه : استغفر الله العظيم..
ثم هتف بصوت مرتفع : ممكن لو سمحت ترجّع لي وظيفتي؟
ابتسم بعد فترة : أبشر.. واعتبر الترقية اللي تنتظرها جاتك..
بس لا تاخذ حاجتك وتقطعني..
وقف فارس متجاهلاً حديثه متوجهاً للباب بخطى سريعة علّ هذا اللقاء الثقيل ينتهي لتلحق به عيني منيف .
ما إن سمع صوت إغلاق الباب حتى و زفر بضيق يلتفت لعامر الجالس بجواره : وش عندك للحين قاعد؟؟
عامر بابتسامه واسعه : افاا.. طردة ذي؟
بدون نفس : أخوك طلع.. قم الحقه!
عامر بسرعة : طيب ما ودك تشوف لي وظيفة منّا ولا منّا ؟ متخرج من متى وللحين مالقيت شي.
على مضض كي ينهي النقاش وينهي هذه الزيارة : أشوف.. والحين قم الحق أخوك!
.
.
لم تذق عينا خطاب النوم أبداً.. كان يتقلب في فراشة كأن جنوبه تُشوى،، يشعر بالضيق لا رغبة له بالذهاب لعمله غداً فهناك من ينتظره..
حاول إشغال نفسه بتأمل ملامح هلا النائمة بجواره،، يردد داخله كلامها معه عصراً.. كلامها عن الأسرة والأطفال و أنها لن تكتفي بعدد قليل..
ابتسم وهو يحرك إصبعه على مفاصل يدها فوق الوسادة بينهم،، تفصله عنها كي لايفعل شيئاً كما قالت عندما وضعتها أول مره .. لا ضوء في الغرفة سوى ضوء الإنارة الخارجية الذي تسلل من الستارة الخفيفة..
قبيلة أمهم هلا.. مجرد التفكير بشيء كهذا يبعثر مشاعره وأحاسيسه فكيف اذا أصبح واقعاً..
انتهت الرؤيا وانقطع الخيال عندما استدارت هلا تعطيه ظهرها ليبقى طوال ليله يتمنى استدارتها لتقابله..
.
وصل لعمله بعد أن أوصلها مدرستها.. مشى بتثاقل حتى دخل مكتبه يغلق الباب خلفه لا رغبة له برؤية أحد.. لكن بعد ثلاث ساعات وصله اتصال من مديره يسأله إن كان قابل دانة أم لا.. ليقول مكرهاً : الحين بطلبها تجيني.. انشغلت أول ماجيت..
.
زفرت أنفاسها المرتجفه بقوة علها تخرج شيئاً من توترها.. مشت باتجاه مكتب خطاب ويدها تعبث بنقابها تحاول أن تتأكد من أنه يغطي وجهها بشكلٍ لائق..
وقفت أمام الباب تبتلع ريقها تقرعه بصعوبة وبتردد بالغ فتحته بعد أن أذِن لها بالدخول لتجده يجلس خلف مكتبه ينظر ليديه المعقودتان أمامه : السلام عليكم ..
خطاب بهدوء لازال على وضعه : وعليكم السلام. اتركي الباب مفتوح.
"ومين قال إني كنت بقفله؟.. وجع!" هتفت بها بينها وبين نفسها بعد أن تركت الباب مفتوحاً خلفها على مصراعيه تنظر لخطاب مستغلةً بذلك تصدده بالنظر عنها ..
جلست أمام مكتبه تتأكد من أن طرحتها لا تظهر شيئاً من شعرها،، لازالت تبتلع ريقها بتوتر..
لف الصمت المكان شعرت أثناءه بأن أعصابها تذوب من شدة الهدوء..
خطاب بعد فترة : جدك ما جا معك؟
دانة : لأ.
لازال على وضعه ينظر لكفيه : هو يشتغل؟
زفرت : لأ! بس عنده مشاريع خاصة..
صمت مجدداً يبحث عن أي شيء إلى أن يقتنع قلبه بما يردده عقله (هذي بنت مالها دخل باللي سواه جدها)
(هذي بنت مالها دخل باللي سواه جدها).. (هذي بنت مالها دخل باللي سواه جدها).. لكنه لم يستطع إلا أن يسأل : وش هي مشاريعه؟
دانة باستنكار : عفواً.. بس ليه تسأل؟
رفع عينه أخيراً لتقع بعينها بنظرة غريبة بثت رعباً في قلبها : لأني أعرفه.. وتهمني اخباره.
باستغراب : أنت تعرف جدي؟ من وين؟ وليه ماقال أول ماشافك ؟
بجمود : خلينا نتكلم عن الشغل أفضل.
.
"كيف كان أول يوم؟"
رفعت رأسها لجدها الواقف عند باب غرفتها ينظر لها مبتسماً لتبادله ابتسامه عذبة تراقبه يتقدم نحوها حتى جلس بجوارها..
أخبرته بأحداث يومها من الدقيقة التي دخلت بها للدقيقة التي خرجت منها.. حتى أنها أخبرته: جدي تدري إن الأستاذ خطاب يقول إنه يعرفك؟
عقد حاجبيه : يعرفني من وين؟
دانة : ما أدري بس سأل عنك ويقول يعرفك.. أنت ما تعرفه؟
منيف بتفكير : هو خطاب وش؟
تسلل الخجل لها عندما مر حديثها معه اليوم عندما قطع فجأةً ماكان يتكلم عنه ليقول بهدوء: وش أخبارك بعد الحادث؟
دانة وعينيها على مجموعة الأوراق أمامها : الحمدلله..
ثم رفعت رأسها تنظر له مستنكره معرفته بموضوع الحادث فهي متأكدة أنها لم تتحدث عن شيء كهذا معه.. لكنه ابتسم ابتسامه لم تصل لعينيه : أنا كنت موجود يوم طلبوا متبرعين بالدم.. وتبرعت لك.
رجف قلبها بين أضلعها من لمعة عينيه ونظرته.. شيءٌ غريب مرّ بها ليقشعرَّ بدنها من ابتسامته..
نظرت لجدها تبتسم بحياء لا تعلم سببه : اسمه خطاب سعد المهنا..
عقد حاجبيه : خطاب سعد المهنا.. ماقد سمعت ولا قد عرفت أحد من عيال المهنا!! ذكريني لازرتك أمره أسأله..
.
.
لم يكن خالد يستمع بإذنه فقط.. بل كانت جميع جوارحه حاضرةً يستمع لوالدته تخبر شقيقته هلا عن من وجدتها مناسبةً له..
هلا بحاجبين معقودين : ضي مين يمه؟
خالد وينظر للجالسين جواره بطرف عينه : رجاءً لا تذكرون اسم محارمنا قدام اللي موب محارمهم..
هلا بتجاهل : يمه أي ضي تقصدين أنا قد شفتها قبل؟
سلوى بتفكير : أظن والله.. عموماً البنت تهبل بسم الله عليها تقولين رسمه ونعرفهم من عمر هي وأخواتها أخلاق لا يعلى عليهم بصراحة ومن بيت يشرّف..
خالد ونبضات قلبه تتسارع من مجرد الوصف فكيف إن جمعها به بيت واحد : أجل قدّام يمه.
نظرت له : الدعوة مهيب سلق بيض ياولد..
عرس ذا اصبر شوي بشوف أبوك أول.
وضع يده على رأسه يميل به يمينًا ويسارًا : يابووي هو أنتي للحين ما شفتي أبوي؟
زيد باستنكار : خالد اركد شوي بزر أنت؟
سلوى بتفكير : غير إني بشوف رقم أختها الكبيرة عندي ولا لأ.
هلا : ليه وأمها وين ؟
سلوى : توفت الله يرحمها من خمس أشهر.. والله لو تشوفين حال بناتها بالعزا إن ينكسر قلبك.. خصوصاً ضي هي أصغر بناتها واللي بقت عندها وقايمه فيها تشيل وتحط بعد ماهدها المرض..
بالعزا متمددة على الكنبة تهذي ماقدرت تجلس والحريم ينزلون لها يعزونها وهي ماغير دموعها تصب حتى كلام ماقدرت تتكلم..
خالد ويده على قلبه : ياعين أبوي هي ،، يتيمه!
هلا بتأثر : الله يصبرها ويجبر كسرها والله فقد الأم ماينجبر لو مر على وفاتها مليون سنة..
على الأريكة الأخرى يجلس خطاب يستمع لحديثهم بصمت..
وفي داخله معركة من نوع آخر ،، كان يفكر بأن قريبة من تسبب بإنهاء حياة أهله موجوده معه يراها يومياً يحدثها وتحدثه حتى وإن كان يختصر الكلام معها ولا يوجه لها حديثاً إلا إن دعت الحاجة ويتجنب رؤيتها قدر المستطاع.. ابنة غريمه قريبة منه يراها كل يوم وفي كل مرة يراها فيها يهمس صوت قريب من أذنه ( إحرق قلبه مثل ماحرق قلبك.. ترا ذي بترجع وبتقابل منيف ) ولكنه يقطع وسوسته بصوت مرتفع أقرب للصراخ يفزعه ويفزعها : خلاص أستاذة دانة تفضلي على مكتبك..
مر قرابة الشهر منذ أن أصبحت متدربته.. الفتاة محترمة ومهذبة جداً لا يظهر طرفها أبدًا حتى بدأ يشك بعلاقتها بمنيف الفاسد حقاً وأنها من سلالته..
طيلة الأسابيع الماضية وهو يعيش صراع نفسي قاتل.. يحاول ابعادها عن النار الهائلة المتأججة في صدره فمهما كان هي فتاة لاحول لها ولا قوة بما فعل جدها حتى أنها لم تكن مولوده آنذاك. ولكن ما إن يراها تقف أمامه تجيب أسئلته عندما يسألها عن منيف بحب واضح في صوتها والتماعٍ في عينيها، كل ذلك يُهدم لتدخل قسرًا في دائرة منيف الضيقة التي رسمها حوله.. هي أقرب الناس له كما كانت عائلته الأقرب إليه..
تلاشت من عقله واختفت تماماً عندما تسلل حديثهم عن الأم لزوبعة الفوضى داخله..
الأم لا يجبر فقدها مليون عام..
ذكرياته معها تؤرقة فقد فقدها في عمرٍ صغير قبل حتى أن يعبر لها عن حبه كما يجب..
دون حتى أن يكون كبيرًا بما يكفي ليعبر لها بكلمات واضحة ومخارج حروف صحيحة..
دون حتى أن يكون طويلاً بما يكفي ليقبل رأسها دون أن تنحني له حتى تصل لمستواه.. ليس طويلاً بما يكفي ليضع رأسها على صدره ويمسح على شعرها يخبرها بأنها أعظم جدّه لأبناءه.. وأعظم أم.. وأعظم صديقة..
دون حتى أن يكون قوياً بما يكفي كي يساعدها عندما بدأت النار تلتهما كقطعة أثاث..
الأم لا يُجبَر فقدها حتى بعد مليون عام..
هي الحزن الوحيد الذي لا يُنسى.. والحزن الوحيد الذي يكبر يوماً بعد يوم.. جميع الأحزان تبدأ كبيرة ثم تصغر حتى تتلاشى.. إلا حزن فقدها فمهما سهى عنه لازال يشعر وكأن قطعةً من قلبه فُقدت للأبد..
.
كانت تشعر به جوارها لازال مستيقظاً -حتى وإن كانت تعطيه ظهرها- وكأن النوم يجافي عينيه.. لم يخفى عليها ضيقه طيلة جلستهم اليوم في بيت أهلها على غير عادته.. لم يشاركهم الحوار ولم يعلق كما اعتاد هو وخالد..
ابتسمت وهي تتذكر خالد وحماسه عندما قفز في طريق والده -لدرجة انه كان سيتعثر أمامه- و الذي عاد من زيارة أحد أصدقاءه يقبل رأسه ويده يلح عليه بالموافقة و والده ينظر له بهلع لا علم له عما يتحدث..
تلاشت ابتسامتها عندما سمعت تنهيدة خطاب وكأنه يلفظ أنفاسه..
استدارت بجسدها اتجاهه لتجده ينظر ناحيتها نظرةً تائهةً زجاجية وكأنه يرى شيئاً لا يراه أحدٌ سواه..
ابتسمت له تضع يدها تحت خدها: للحين مانمت؟
رمش أكثر من مره دون أن يجيبها..
هلا بخفوت : وش مسهرك؟ وش شاغل بالك؟
اغمض عينيه عندما امتدت يدها تعبر الوسادة بينهم حتى استقرت على جانب رأسه.. تمسح حاجبه بأصابعها وكأنها تعلم قدرتها السحرية في تشتيت أفكاره،، لازالت تهمس : ها حبيبي ؟ علمني!
سكت قليلاً الحروف تتزاحم في حنجرته.. أنفاسه تتسارع فالتفكير أثقل روحه..
هل ينسى؟ يرمي كل شيءٍ وراء ظهره وينسى؟
فتح عينيه ليجد نواعسها تنظر له، ترمش ببطءٍ كأنها تحارب النوم.. ابتسامتها تحثه على أن يتكلم تزرع في داخله أمانًا وسكينةً لاحد لهما..
زفر أنفاسه التي شعر بها تخنقه .. ليهتف بهدوءٍ فجأة وبدون مقدمات بحروف خرجت وكأنها تائهه : هلا،، أنا التقيت بقاتل أهلي... قبل شهر ...
علميني..
وش المفروض أسوي؟
.
.
و كأن بركاناً ينفث حممه في جوفها ..
هذا ماتشعر به حنين في هذه اللحظة.. ناراً تأكل أوتار قلبها.. تحرق مدامعها حتى أنها لا تستطيع أن تمنع دموعها من السقوط.. ليس وكأن ماسمعت زوجها يتكلم به اليوم مع والده جديدٌ عليها.. لكن لسببٍ ما أثر بها وكأن حنين أخرى تواجهها تصفعها وتوبخها.. حنين أخرى لا تعرفها كتمت صوتها من أول مرة صرخ في وجهها بدر..
أغمضت عينيها بقوة عندما شعرت به يتمدد جوارها.. متحرراً مما كان يعيق حركته في الأسابيع التي مضت..
وعندما نام وانتظمت أنفاسه تمددت على ظهرها تنظر للسقف واضعةً ذراعها على عينيها عندما باتت الرؤيا مستحيلة من تكدس الدموع..
يارب الهمني.. أنا تايهه!
صوته يحدث والده عندما عاد من موعده يمشي على قدميه يحرك يديه في كل اتجاه من فرط سعادته يتردد في عقلها بصدى مرتفع..
كانت تمشي بخطى سريعة بعد أن اتصلت بالسائق تسأله عن موعد وصوله هو وبدر من المستشفى.. وأخبرها أنه وصل منذ أكثر من ربع ساعة..
شعرت بروحها ترفرف عالياً حتى وصلت للمجلس.. حيث صوت بدر مرتفعاً يتحدث مع أحدهم : يبه لا ترفع ضغطي..
وقفت تضع يدها على قلبها لا تعلم هل تلتقط أنفاسها بسبب خطواتها السريعة أم خوفاً من نبرة بدر وصراخة..
ياسر بهدوء : ارحم الضعيفة ياللي ما تخاف الله.. محد قام فيك غيرها لو انها موب موجودة كان تذللت لفلان وعلان يقومون فيك..
بدر بحدة : ماضربتها على يدها تخدمني.. هي خنقتني ولا أنا ماكنت محتاج لها..
ياسر بضيق : الله لا يواخذك.. اللي مثلك يحمد ربه وحده مثل حنين متحملته ولا انت من يعاشرك ويتحملك؟
بدر : ماقعدت عندي إلا لأن مالها غيري .. أنا من أول ما أبيها يبه وأنت تدري ولو ما أبوها نشب لي كان مافكرت فيها حتى..
صرخ به : أقول انطم.. واللي تبيه لو تموت ماخليتك تسويه فاهم..
بدر : انا ماطلبتك آخذ إذنك. أنا أبيك تكلم منيف يوافق علي..
أنا قد خطبت دانة منه و رفض لكن يمكن لا كلمته أنت يرضى..
ياسر بعدم تصديق لما يسمع : إنت أكيد انهبلت!! تبي تناسب منيف؟ انا أبي امحي طاريه من حياتي وأنت تبي تربطني فيه أكثر؟
والله لو تموت يا بدر لو تمووت ماتاخذها و إبعد عن منيف أحسن لك قبل لا تندم..
بدر : دانة باخذها برضاك أو غصب عنك.. والله لو ليلة وحدة معها تكفيني..
وضعت حنين يدها على قلبها تتأكد من انه لازال ينبض.. هل لازال في مكانه أم اختفى!!.. وصلها صوت ياسر بخفوت وغضب : وط صوتك لا تسمعك حنين..
لكن بدر رفع نبرته أكثر وكأنه يريد منها أن تسمع: خليها تسمع أنا مو بخايف منها وإن ماعجبها تضف عفشها وتذلف بيت أبوها..
.
خرجت منها آه مكتومه وهي تبعد ذراعها عن عينيها.. تضغط على صدرها بيدها الأخرى وتشعر بالألم يفتك بتلك العضلة.. لطالما كانت تتلقى كلاماً مماثلاً منه لماذا هذه المره كان وقعه عليها مؤلماً هكذا؟؟ قاتلاً هكذا؟؟ قوياً هكذا؟؟
أدارت رأسها تنظر لوجه بدر النائم جوارها..
كيف لوجه بهذه الملامح أن يكون لرجلٍ مثل بدر ؟؟ وكيف لبدر أن يكون بشراً متجبراً هكذا دون أن يضع السنوات التي بينهم أمام عينيه؟ دون أن يضع أبناءهم أمام عينيه؟ كيف؟
آه يارب أنا تايهه.. ساعدني.
.
.
يتمدد عامر على أريكة صالة والده القريبة من باب المنزل.. الاضاءات في الطابق السفلي جميعها مغلقه ولا شيء يضيء المكان سوى الإنارة الخافتة و القادمة من الطابق العلوي..
يضع سماعاته في أذنه يتابع بعض المقاطع وكأن المكان مكانه..
كان قد أتى قبل ثلاث ساعات لمنزل والده - والذي لاحظ أنه لا يتقبل وجوده أبداً-.. سأله عن الوظيفة التي وعده بها ليهتف من وراء نفسه : ما وعدتك بشي.. والحين قم أطلع الوقت تأخر وأنا بنام..
خرج ولكنه عاد مسرعاً عندما لم يجد هاتفه في جيبه. ليجد الصالة فارغة ولا أحد فيها..
أخذ هاتفه ولم يخرج كما أمر والده.. سيبقى -ويرفع ضغطه فهذا أكثر شيء يجيده- حتى يقتنع بأنه ابنه حاله كحال فارس الذي أعاد له وظيفته وفوقها ترقيه..
شعر بمرور ظل جعله يوقف مايتابع وينزل هاتفه على صدره ليرى ظهر امرأة بشعرٍ قصير لم تمنع الإنارة الخافته من أن تبيّن تفاصيل جسدها الذي يغطيه قميص نوم بأكمام طويلة ويصل لمنتصف ساقها..
جلس ببطء بعد أن تعرف على صاحبة الجسد ليرتفع حاجباه بينما عينيه تتابع ابتعادها عن مكانه..
تحسست بيدها الجدار حتى وجدت أزرار الإنارة.. ما إن كبستها حتى وأنار المطبخ أمامها لتتلفت عينها تتفحص المكان بخوف.. جوع آخر الليل هو من اضطرها لأن تنزل في هذه الساعة المتأخرة خصوصاً وأن المكان الكبير موحش جداً ومظلم..
تقدمت تقوي نفسها فالمنزل آمن جداً ولا شيء يستدعي الخوف..
فتحت الثلاجة تبحث بعينيها عن شيء يسكت جوعها وما إن وقعت عينها على علبة الزيتون حتى وشعرت بيد ثقيلة تكتم أنفاسها وأخرى تلتف حول خصرها تعتصره كأفعى!
.
.
.
# نهاية الفصل الثامن ♡.
سبحان الله وبحمده،، عدد خلقه .. و رضا نفسه،، وزنة عرشه ومداد كلماته ..
قراءة ممتعة وعذراً على أي تقصير ❤
|