كاتب الموضوع :
وطن نورة ،،
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: > أنت مثل أحزاني ،، قدر .. / بقلمي ..
◇ أنْت مِثلْ أحْزانِي ،، قِدرْ ◇
.
.
# (١) الفصل الأول ،،
°
°
ليلة حالكة السواد وطريق صحراوي طويل..
الساعة تشير للتاسعة مساءً و لا أثر لأي سيارة في
الطريق فيما عدى من صوت عجلات السيارة السوداء
حديثة الطراز و القادم من أوله.
تمشي في الظلام بتخفي دون أن تستعمل الإنارة الأمامية..
تمشي مسرعة وصوت محركها يشق سكون الليل..
وقف صاحبها جانباً..
رفع كفيه المرتجفين لوجهه يمسحه بتعب ..
الرائحة لازالت عالقة بين أصابعه فأبعدها بسرعة لتمتد ذراعه حيث زجاجة العطر في الدرج الأمامي..
رش منه حتى اختنق..
يرن هاتفه فجأة ليفزعه..
أخرجه من جيب بنطاله بصعوبة وما إن رأى اسم المتصل حتى أجاب بلهفه : بشر؟
الصوت من الطرف الآخر كان أشبه بالفحيح : تم.
زفر براحه : و الولد اللي.. ؟
قاطعه بهدوء : لحق أهله.. تطمن مابقى منهم أحد .
.
.
أغلق الهاتف وهو يضعه ببرود في جيب ثوبه العلوي..
ينظر للمنزل المشتعل أمامه ولهيب النيران يتراقص انعكاسه على بؤبؤة وينير المكان المظلم ..
وصله الصوت القلق للجالس بجواره : لو درى إنك كذبت عليه يا ويلك .
هتف بعد فترة : ما كذبت حنا خلصنا على كل اللي موجودين بالبيت ومابقى أحد حي وآخرهم كان الولد اللي جابه ورماه علينا عشان ننظف من وراه. صح ولا لأ؟
بتردد : لا صح، صادق..
بس..
التفت عليه يقاطعه بحده ونظره أكثر حده : دام إني صادق أجل لا أسمعك تفتح فمك بكلمة.. اترك عنك حركات النسوان واسترجل لا تخليني أندم إني اخترتك تكون معي .
فرك وجهه بقوة : يا ليتك ما اخترتني.. يا ليتك ما اخترتني.
رمش بهدوء وهو ينظر له يأنب نفسه على وشك البكاء حتى عاد ينظر أمامة بسرعة عندما وصل لمسمعه صوت سيارة الإطفاء قادمة من بعيد .
.
.
.. قبل ٣٤ يوم ..
×
×
وقعت الملعقة الخشبية من يدها وهي تسمع صراخة الغاضب يهز أركان المنزل.
رفعت قميصها وركضت خارجه من المطبخ لغرفة الجلوس حيث زوجها يتحدث بهاتفه يصرخ بوجه انتفخ من العصبية بكلام غير مفهوم .
وضعت يدها على صدرها بهلع عندما رمى هاتفه على الأرض بقوة ليتناثر قطعاً في المكان ..
برجفة : بسم الله يا رجّال وش جاك؟
جلس على الأريكة خلفة يفرك جوانب رأسه أنفاسه تتعالى : الله ياخذه.. الله ياخذه هذا كيف وصل لي؟؟
بقلق : مين ذا اللي كيف وصل لك؟ تكلم وش صاير خرعتني.
نظر لها بتوهان بعد أن دار ببصره في المكان : العيال وين؟
مشت حتى جلست بجواره بخوف تجلى في نبرتها بسبب الخوف الذي ينطق من عيني زوجها : كلهم فوق،، سند نايم وخطاب وأحمد عند خولة.. خوفتني فواز والله صبت عظامي. تكلم..
ابتلع ريقه بصعوبة بعد فترة : اللي هربت منه دل طريقي و وصل لي . وصل لي بعد أربع سنوات .
وصل لي..
.
.
لم تكن تلك المره الأولى التي يصرخ زوجها بهذا الشكل ليبث الرعب في أوصال كل من في المنزل ..
في أحد الليالي وبعد أيام من أول اتصال تفاجأت بأكبر أبنائها سند يتحدث بتردد وبعد صمت كأنه كان يراجع ماينوي قوله : يمه أبوي زعلان من صديقه؟
باستنكار : أي صديق؟
سند : صديقة اللي يزورنا يوم كنا ساكنين بالرياض .. منيف .
ارتعبت فقالت بتوتر : وأنت وش عرفك بمنيف؟
سند باستغراب : شلون وش عرفني ؟ نسيتي أنه كان صديق أبوي وكان يزورنا ؟
اقتربت منه لتمسك ذراعه تنفضه بتهديد : لا عاد اسمعك تجيب اسم الزفت ذا على لسانك فاهم!
سند بألم بعد أن حرر نفسه منها : ليه؟
عادت تمسكه تنفضه بقوه وتوتر هذه المره : من غير ليه.. خلاص انسى إنك تعرف واحد اسمه منيف ولا قسم بالله أتصرف معك تصرف ثاني. فاهم؟؟
تركته لتتجه لزوجها تخبره بما سأل سند ليعود هو الآخر يمسكه وينفضه بتهديد : سند لا تخليني أزعل منك إن سمعتك تذكر اسمه مره ثانيه يا ويلك. والله ما تلوم إلا نفسك سااامع؟.
.
.
السبت الساعة الرابعة عصراً .
على بُعد شارعين من منزل سند وعائلته..
.
" سند "
التفت سند ليجد الصديق القديم 'منيف' يقف بجانب سيارته ينظر له بابتسامه .
تحدث شقيقه الأصغر الواقف بجواره بقلق : هذا عمي منيف؟
سند بتفحص يتأمل الرجل الأنيق في هندامه كالعادة : مم..
عاد منيف يتحدث بود كبير وصوت شبه عالي : شلون يا عيال مابتسلمون علي يعني؟
تحرك سند خطوة لتمنعه يد الصغير الذي نطق بخوف : وين بتروح؟
سند : بسلم عليه ماتسمعه يتشره؟ إمش معي عيب.
هز رأسه برعب : لالا أخاف.
ضحك : تخاف من وش يا بزر؟ تراه عمي منيف موب غريب مايمديك تنساه!
بهمس ورجاء : الله يخليك لا تروح.. ماسمعت أبوي وش قال؟
ولا أمي؟؟ والله إن دروا لا يزعلون وأبوي بيعصب مره .
سحب يده : إذا ماتبي تجي بكيفك بس أنا بروح له أشوف وش بينه وبين أبوي .. أنا أحب عمي منيف ولا أبي أبوي يقطعه بدون لا يعلمني السبب على الأقل.. أنا كبير وأهلك للحين يعاملوني كأني بزر..
عاد يتشبث ذراعه بكلتا يديه : و أبوي ؟
سند بعجل وصوت منيف ينادي من جديد يتداخل مع صوته : و أبوي شلون بيدري؟ أنت ارجع البيت وانتظرني لا تدخل عشان لا يسألون عني وأنا برجع على طول منيب مبطي.. إن قلت لأحد إني رحت معه ولا كلمته والله والله ما عاد أكلمك مره ثانيه لو تموت..
ركض لمنزله بخوف بعد أن رأى سيارة منيف حديثة الطراز تمشي مبتعده تحمل داخلها سند الذي لاقى ترحيباً لا مثيل له من صديق والده القديم.
.
.
ذات السبت،، الساعة السادسة والنصف مساءً..
يتمدد على السرير بتعب، يشعر بأن الحمى تذيب عقله وخلاياه..
ينظر بنصف عين مفتوحه للتي تجلس جواره تبدل الكمادة بأخرى جديده تضعها على جبينه..
القلق واضح عليها إستطاع أن يشعر به ويراه حتى مع شدة تعبه : وش .. فيك يامرَه؟
بقلق بعد أن تحسست خده المشتعل بكفها : العيال أرسلتهم الصيدلية العصر وللحين مارجعوا..
أغمض عينيه وهو يتمتم ببعض الكلمات لا يعلم ماهيتها ليشعر بنفسه بعدها يسبح في دوامه..
.
.
فتح عينيه بهلع أنفاسه تتسارع.. لا يعلم ما الذي حدث هل غفى أم غاب عن الوعي .. لكنه هتف بصوت بالكاد خرج : يا سلمى..
وصله صوتها بعيداً كأنها تقف في آخر الغرفة ..
عاد ينادي بصعوبة وهو يغمض عينيه : سلمى..
شعر بثقل جسدها جواره.. مسكت يده برجفه واضحه : سم.
نطق بتعب : العيال رجعوا؟
بنبرة باكية : للحين ؟
ارتفع جفناه قليلاً لينظر لوجهها ضبابياً أمامه : كم الساعة ؟
بكت : قدها سبع. الشمس غابت وعيالي للحين مارجعوا..
.
.
يسند ظهره على سور منزلهم. مبتعداً عن المدخل الرئيسي خوفاً من أن يراه والده المتعب ويسأله عن سند الذي لم يعد بعد فيعاقب ويغضب منه شقيقه الأكبر..
يدفن وجهه في ركبتيه المضمومات لصدره .. يرتعش ويبكي بخوف فالشمس غابت تماماً وحل الليل وسند لم يعد بعد..
رفع رأسه بلهفه عندما سمع صوت محرك سيارة يقترب..
وقف يميل برأسه من آخر السور يسترق النظر للسيارة الواقفة أمام باب منزلهم..
ابتسم براحة بعد أن تعرف على هويتها فهي سيارة منيف السوداء حديثة الطراز..
مسح دموعة بذراعه وحرك قدميه بصعوبة كي يعود للبيت أخيراً لكن خطواته توقفت عندما رأى منيف يغلق بابه بقوه ويقف بجواره يلف شماغه بطريقة غريبة ليغطي ملامحه..
وسند لم ينزل بعد!
يتقدم رجلان أحدهما واثق لا يلتفت والآخر متخبط في خطواته يتلفت حوله بخوف..
الشارع هادئ تماماً .. يخلو من الماره كالعادة فمنزلهم يعتبر ثامن منزل يُبنى في منطقة شبه نائية كهذه يتجنب الناس السكن فيها لبعدها عن مركز المدينة الأساسي..
يتحدثون بصوت منخفض وصله بوضوح في سكون المكان : وين الولد؟
منيف يشير بابهامه للخلف بعد أن ضم باقي أصابعه: ورى .
ضحك الواثق بهدوء : خبري فيك تبت عن هالسوالف؟
منيف بتنهيده : جددت توبتي بعده .. المهم تراه حي ما مات بس ماتحمل وأغمى عليه..
ثم بصرامة وهو يشير عليهما بسبابته : حمد ،، ياسر .. لا أوصيكم أبي أسمع خبرهم الليلة. مثل مادمرني فواز وغدر فيني ابيكم تدمرون كل شي يخصه أبيه ينمحي عن وجه الأرض ولا عاد يبقى من طرفه أحد.. مفهوم؟
كان ينظر للمشهد أمامه بهلع.. عيناه تتسع مع كل خطوة لمن هم أمامه يعجز عن الحركة أو حتى الصراخ يشعر بأن أطرافه تجمدت.
يُفتح الباب الخلفي للسيارة حديثة الطراز ، ينحني الرجل الواثق بكلامه ومشيته ليدخل جزأه العلوي ويختفي داخلها.. يقف منيف والرجل المرتعب بجواره ينظرون للواثق يسحب نفسه وجسد سند محمولٌ بين يديه ليقف باستقامه..
خارت قوته وجلس بقوة على الأرض ينظر لسند الدماء تغطي ثوبة الأبيض بلا أي قوة وكأنه قطعة قماش باليه..
ابتعد منيف بسيارته بعد أن ركبها ليختفي عن أنظاره..
ومشى الرجلان حتى باب منزله..
يُقرع الجرس بكل ثقه ليصله صوت فواز بعد مده يصرخ بصوت مبحوح بعد أن فتح الباب : وش فيه سند ؟
تكلم الواثق بثبات : ممكن ندخل ونفهمك كل شي. والحمدلله اللي لحقنا عليه حي ما مات .
اختفوا من أمامه ليقف على صوت إغلاق الباب المعدني ..
مشى بتخبط وقد بلل ملابسه دون أن يشعر من شدة الخوف..
ثواني كانت مدة اختفائهم من أمامه حتى خرجوا من جديد قبل أن يصل لعتبة منزله ..
النار بدأت تشتعل خلفهم بلمح البصر فصرخ برعب ينادي بأسماء من هم بالداخل ، يحاول أن يركض للنار لكن ما إن رأوه وصرخ احدهم محاولاً التقدم باتجاهه بثوبه الملطخ بدماء سند حتى ركض مبتعداً لا يرى شيئاً من شدة هلعه..
.
.
بعد الحادثة ب٣٥ يوماً..
.
.
خرجت من غرفته بضيق الحزن يرسم مخطوطات على ملامح وجهها..
تتبعتها بعينيها حيث مكانها في الجلسة الأرضية حتى جلست تزفر بتعب : لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
بتوجس وهي ترى العاملة المنزلية تبتعد و بين يديها ملاءات السرير في كيس شفاف : للحين يسويها على نفسه؟
هزت رأسها بضيق : للحين.. صاحي ونايم ماعاد يقدر يمسك نفسه.
الولد نفسيته دمرانه واللي يصير ذا قاعد يدمرها زود.
بتعاطف : لا تلومينه ياخيتي اللي صار مو بسيط.. خسر أهله كلهم في ليلة وحدة الله العالم وش يدور في باله الحين. الله يرحمهم ويتقبلهم شهداء عنده .
تجمعت الدموع في عينيها وبرجفة : اللهم آمين ..
بس الولد ماكان كذا يا العنود والله ماكان كذا .. عجزنا فيه نبيه ينطق يتكلم يقول شي يفضي من الهم اللي في قلبه لكن مافيه فايده .. من أيام العزا والولد ساكت ماينطق بحرف لا ياكل ولا يشرب ولا ينام.. وإن غفت عينه فز متروع يصارخ بصوته كله ..
وضعت يدها على قلبها وبكت : ولد أختي ماكان كذا.. والله ماكان كذا..
سكتت قليلاً تبلل شفتيها قبل أن تنطق بتردد : أقول سلوى،، وش رايك تودينه لطبيب نفسي؟
نظرت لها بصدمه : ليه شايفته مجنون؟ والله ماهقيتها منك يالعنود.
العنود بسرعة : الله يصلحك لا تقوليني شي ما قلته . من جاب طاري الجنون الحين؟
الولد تعرض لصدمه قوية ولولا رحمة الله ثم الشايب اللي لقاه مغمى عليه قدام باب بيته وبلغ عنه كان للحين ماتدرين وينه.. مابقى له شي ويدخل ٩ سنين وسالفة إنه يسويها على نفسه صاحي ونايم مهيب عدله غير انه ماعاد تكلم من صحى أبد.
ربي رحمه وكتب له عمر جديد يوم انه ماكان في بيتهم ساعة الحريق مهما كان سبب طلعته.. وديه عند دكتور يشوفه ويساعده شوي شوي إلى أن يرجع لوضعه الطبيعي ويكمل حياته مثل باقي خلق الله ولا أنتي عاجبك وضعه وهو مقفل على نفسه ولا يختلط بأحد؟ شلون بينسى إذا أستمر كذا؟ ولا تبينه يلحقهم من الحسره؟
.
.
صرخ بقهر : كم مره قلت لك أمي وصتني أروح أجيب أعراض من الصيدلية القريبة لأن أبوي كان تعبان وبعدها ما أدري وش صار.
سلوى بخوف من صراخة : طيب حبيبي والله مصدقتك لا تعصب.
جلس على سريره يهتف بتعب ويأس تشبع به صوته : انا مو معصب . بس تعبت من كثر ما تسألوني وش صار وكيف صار وليه صار؟ مو يكفي إني حي وكلهم ماتوا؟ ليتني أنا اللي مت مو هم.. ليتني أنا اللي مت..
قالها يبكي يضرب رأسه بكفيه.. ارتعبت وهي ترى نحيبه لتقترب منه تحتضنه بشده لتشاركه انهياره الذي اعتادت عليه..
فبعد أن كان صامتاً بدون صوت أو ردة فعل،، أصبح الآن يائساً بائساً بكّاءً..
عاد طفلاً يبكي وينتحب أمام الجميع دون خجل وفي كل وقت ..
مسحت دموعها بكفيها الصغيرين وهي ترى والدتها تحاول السيطرة على انهيار ابن شقيقتها المتوفاه..
قلبها الصغير يكاد ينشطر فهي لم تعتد على رؤيته هكذا.
ركضت مبتعده حتى دفنت نفسها في حضن والدها الذي هتف بقلق عندما سمع صوت بكائها : افاا وش فيها هلو تصيح؟ مين عليك؟
ابتعدت ليخرج صوتها ثقيلاً من بين شهقاتها : توبي.
باهتمام وهو يمسح وجنتيها بكفيه : وش فيه توبي؟
عادت تدفن وجهها في صدره : يبكي.. توبي صاير يبكي كثير كأنه بيبي.
تنهد بيأس وهو يمسح على ظهرها : ماعليه يا أمي توبي تعبان شوي. والتعبان عادي يبكي مافيها شي.
هزت رأسها بالنفي : لأ.. توبي يبكي لأن خاله سلمى ماعاد هي موجودة خلاص ..
.
.
مضت السنوات ثقيلة عليه.. تأخذ من عمره وسعادته حتى وإن حاول إظهار عكس ذلك..
الأموات يلاحقونه حتى في منامه إلى أن بات يعتزل النوم..
ثلاثة رجال أشكالهم واضحة جداً لم تغب ذكرى فعلتهم عن باله ثانية واحدة ..
العذاب النفسي يكاد يمزقه وضميره يكرر دائماً (لو ما تركتهم وراك وانحشت كان قدرت تساعدهم.. أو على الأقل تكون معهم)
.
.
ابتسمت بحنان وهي ترى ابن شقيقتها وقد أصبح شاباً وصل الثامنة عشر من عمره ..
يجلس أمامها بجانب ابنها الذي يتكلم فوق رأسه دون أن يكترث إن كان مهتماً بسماع حديثه أم لا..
ينظر للأرض بسرحان فنجاله فارغٌ في يده..
لا يخفى عليها حزنه.. نظرة الانكسار في عينيه..
بكاؤه ليلاً حتى وإن حاول أن يكتم أنفاسه بوسادته ..
كل شيءٍ يبدو جلياً واضحاً على ملامحه..
تعلم أنه يعلم شيئاً.. لكنها توقفت عن سؤاله بعد أن انهار عليها يوماً ليأخذ حاجياته ويترك المنزل مهدداً..
(الفتى حزين.. وحزين جداً)
هذا مارددته في نفسها وهي تضع يدها على قلبها ..
تراه يرفع عينيه ويبتسم ابتسامه صغيره لابنتها هلا التي تقف أمامه تأخذ من بين أصابعه فنجاله لتسكب له القهوة ..
دارت على الموجودين حتى وصلت لوالدتها تجلس بجوارها وتنظر له بحب واضح حتى بعد أن عاد ينظر للأرض بسرحان..
اقتربت منها وهمست : شغلك بعدين.
هلا بانشغال تنظر له : ليه وش سويت يمه ؟
همست بغضب : ماتستحين على وجهك؟ كم مره قلت لك لا عاد تدخلين عليه الولد كبر وأنتي بعد كبرتي خلاص تغطي... ماتخافين من ربك؟
التفتت لها بهلع : حرام عليك يمه وش اتغطى؟ توني ١٥ سنة .
بوعيد من بين أسنانها : حرمت عليك عيشتك ياقليلة الحيا.. مابوجهك دم أنتي شوفي الولد كيف مستحي وأنتي خبر خير ؟
قومي من قدامه أشوف لا اجلدك..
هلا بنبرة باكية وصوت شبه مرتفع : يمممه ..
صرخت بها غاضبة : و صمة تصمك إن شاءالله .
قومي اذلفي عن وجهي .. قومي.
وقفت لتضرب قدمها الأرض معترضه تهتف ببكاء : والله ظلم حرام عليك .
قالتها لتبتعد راكضة حتى اختفت عنهم ..
ضحك شقيقها : أخيرا يمه تحررتي من قيودك وقويتي على دلع بنتك الماصخ!
أجابت بضيق وعينيها تقع عليه تتابع تحركاته منذ أن رفع عينيه حتى انعقاد حاجبيه مستفسراً : زيدوه اسكت عني لا تخليني أحط الباقي من حرتي فيك.
.
.
يتمدد على سريره والساعة قد عدت منتصف الليل بكثير .. ينظر للسقف يتخيل دوائراً سوداء تتحرك بشكل متداخل..
اغمض عينيه وهو يسمع قرعاً هادئا على الباب ..
ظن أنه يتوهم لكن صوتها المتوتر الذي وصله جعله يقفز جالساً : توبي نمت؟
نظر لها مستنكراً حضورها لغرفته هذا الوقت ،، هتف بقلق : خير هلا وش صاير؟؟ فيك شي؟
انشطر قلبها وهي ترى أثر الدموع واضحاً على خده..
كرر سؤاله عليها لتستفيق وتقترب منه تاركة الباب خلفها مفتوحاً : أمي لو شافتني بتذبحني.
بتوتر وهو ينظر خلفها : طيب اطلعي قبل لا يجي أحد.
هزت رأسها : أبطلع.. بس بقول لك إن ذي بتكون آخر مره تشوفني فيها.
بردت ملامحه : ليه؟ وين بتروحين؟
التمعت عينيها بشدة وبنبرة باكية : أمي تقول خلاص لازم أتغطى عنك.
بتوهان : ليش؟
رفعت كتفيها بيأس وهي تضغط على شفتها بأسنانها كي لا تنفجر باكية في وجهه..
سكت قليلا عابساً ضائقاً وهو يراها. حتى استوعب ليقول بنبرة حاول من خلالها أن يخفف عنها : اهاا،، عشان كذا طلعتي زعلانة ومعصبة اليوم من الصالة؟
هزت رأسها تؤكد قوله .. انطلقت دموعها وكذلك نحيبها عندما قالت : توبي أنا أحبك.. دايماً تذكر هالشي،، لا تنسى.
قالتها وخرجت تركض من المكان صوت بكائها يسبقها ..
ارتخت ملامحه بصدمه بعد الذي قالت.. أسند ظهره أنفاسه تتسارع ،
وكذلك نبضات قلبه بعد اعترافها بشيءٍ كهذا ..
.
.
من نافذة غرفتها في الطابق الثاني بعد أن أزاحت الستارة قليلاً تختبيء خلفها ، وقفت تتأمل الواقف في ساحة منزلهم مع اخوتها وبقية أبناء عمومتها..
تبتسم بحب مصفى وهي تراه يضحك لشيء قاله أحدهم..
أصبح رجلاً في الثانية والعشرون من عمره الآن..
رجلاً حقاً لم يبقى له سوى القليل حتى يتخرج مهندساً بمعدل يناطح السحاب..
" ترى حمّود يسلم عليك "
وصلها صوت ابنة عمها المتمدده خلفها على السرير -والتي نست وجودها حقاً- تتلهى بهاتفها لتجيبها بسرحان : مم الله يسلمك.
.. : من قلبك عاد؟
التفتت لها بحاجبين معقودين وبتشتت : وش تقولين ؟
جلست بغيض : داريه إنك موب حولي ولا حول اللي قلته..
وش اللي مشغلك وش قاعده تشوفين.
نطقت آخر كلمة بجوارها تقف خلف النافذة تنظر للمجموعة الواقفة في الأسفل.. ابتسمت بخبث : ماشاءالله.. هذا اللي مشغلك هاه.
بتوتر : شف التفكير التعبان بس. ماطقيت للي تقولين خبر.
عادت تبتسم : ياعمري يا حمّود.. آآه لو يدري أخيي انك واقفة ورى القزاز وتناظرين كان ماشال عينه. رزه بسم الله عليه شوفي شلون واقف كأنه حاس بعيونك.
بنرفزه : سلامات نجود وش هالكلام؟
منع صوت الضحكات العالي القادم من الخارج نجود من أن تتحدث.
نظرت كلتا الفتاتين للخارج ليجدن الجميع يضحك بشدة فيما عدى محمد شقيق نجود والذي كان ينظر بازدراء لزيد ابن عمه.
نجود بحاجب مرفوع : عجيب والله من متى النفسية يضحك؟؟
هلا وعينيها مثبته على الذي يرمي رأسه للخلف يضحك من أعماق قلبه لتشعر بأن قلبها سيتوقف : مين النفسية؟
نجود ببرود : ولد خالتك مين يعني؟
التفتت لها بحده : و ليه نفسيه إن شاءالله؟
عيب عليك نجود و إحمدي ربك على النعمة وإنك ماذقتي اللي ذاقه..
والله إن سمعتك أمي بتزعل.
نجود بملل : اوه العذر والسموحة منك نسينا وتكلمنا قدامك يا محامي الدفاع ..
ما علينا نرجع للي كنا فيه..
شوفي محمد أخوي بسم الله عليه .. أمانة مو وسيم؟
وش رايك فيه؟
هلا بإنفعال : ترى اشغلتيني باخوك كأني ما أعرفه!!
تراه ولد عمي ربيت أنا وإياه مع بعض.
نجود بتردد : طيب وش رايك فيه كزوج ؟
اشتعل وجهها بحياء واضح : لا أنتي أكيد انهبلتي وش هالسؤال؟
نجود : سؤال عادي ومحمد يبي يسمع جوابك..
هو طلب مني اسألك قبل لا يكلم أبوي وعمي.
بإنفعال وهي تبتعد : لا تسأليني ولا اسألك محمد مثل زيد و خالد عندي وما أشوفه غير كذا..
والله يخليك جودي لا عاد تفتحين هالموضوع معي مره ثانية عشان مانزعل من بعض .
نجود: أقول الولد جاد يحبك الخبل يعني غير محمد ولد سالم و العنود لا تفكرين تاخذين..
بغضب هذه المره : لا صار شوري بيدك ويد أخوك ذيك الساعة تحكموا.. وذي آخر مره أحذرك يا نجود اسكتي عن هالموضوع أحسن لي ولك.
.
.
كان قد دخل عامه السابع والعشرون البارحه ..
سنة جديدة تضاف لسنين عمره الثمانية عشر الماضية..
لا جديد سوى أنه يزداد وحدة يوماً بعد يوم وشيء في قلبه يتضخم حتى بات ينتظر انفجاره في أي لحظة..
في كل مره يزداد عمره عاماً،، يجد نفسه يحسب كم عاماً مضى على الموجودين في قبورهم.. وكم عاماً سيمضي حتى يلحق بهم..
فكر بكل هذا وهو يصعد درجات سلم العمارة التي يسكنها صديقة فارس.
قد اتصل عليه باكراً : وينك فيه؟
بملل : أدوج بذا الشوارع الله وكيلك.
ضحك : غريبة وينه زيد عنك؟
ابتسم لطاريه : زيزو عنده استلام ولا ماعمره تركني لحالي أبو تركي.
فارس : أجل زين إني داق ... تعال عندي البيت نلعب لنا شوط فيفا ونوسع صدورنا تحت المكيف أحسن من حر الشوارع أعوذ بالله.
بتردد : ما ودي اكلف عليك قدها قريب ١٢.
فارس : اقول اترك عنك البربرة وتعال انتظرك..
وينك بعيد؟
لم يكن بعيداً حقاً لكنه أجاب : يعني. طريق أبو نص ساعة ، ساعة الا ربع بالكثير..
فارس : حلو أجل أنتظرك.. بترك لك باب المجلس مفتوح إن جيت ادخل مو تقعد واقف تنتظر اعرف حركاتك الماصخة..
وها هو الآن يسبق الموعد بربع ساعة . يقف أمام باب المجلس الذي كان مردوداً بالفعل..
فتحه وما إن حطت قدمه بالداخل حتى و وصل لمسمعه صوت من الغرفة خلف الباب المغلق أمامه والملحقة بالمجلس يفصل بينهم باب (مقلط) ..
الأصوات كانت شبه عاليه تصله بوضوح..
صوت زجاج يصطدم بخفه بزجاج آخر ثم صوت أنثوي بحت : ترى مصختها أنت وخويك ذا كل شوي ناط بيتنا.
وصله صوت فارس الغاضب : أقول حطي الفناجيل وأنتي ساكته لا أكسر راسك .
عاد الصوت الناعم : هذا اللي ناقص تكسر راسي مو كافي قاعده أخدمك وأخدم هالزفت اللي ٢٤ ساعة ناقع عندنا تقل خلفناه ونسيناه..
والله كله عند أبوي خليه يصحى الفجر إن ماقلت له يافويرس إنك مصحيني نص الليل من عز نومي عشان أسوي لك شاهي ما أكون بنت أبوي..
سامع إني اشتغل عندك ولا عند ضيو...
صرخ بها مقاطعاً : رواااان ..
كان هذا آخر ماسمعه قبل أن يعيد الباب كما كان وينزل الدرج مسرعاً..
ارسل لفارس يعتذر عن قدومه متحججاً بعمل طارئ دخل ليخرب المخطط دون أن يذكر له أي شيء مما سمع..
عاد لمنزل خالته الذي يسكنه منذ أن كان بالتاسعة..
مضى وقتاً يجلس في سيارته يلفه الهدوء وبعض الأصوات في عقله تذكره بالموت والحريق وأنه قد هرب كالجبان ليتركهم خلفه النار تأكل أجسادهم..
لا بأس فاليوم هو ابن السابعة والعشرين أصبح معتاداً على كل هذا ..
فتح باب المنزل المعدني بمفتاحه وساقت به قدماه حيث الملحق الخارجي الذي أصبح غرفته لصعوبة بقائه داخل المنزل كالسابق..
ما إن وصل للباب حتى لفته الكيس الصغير لأحد محلات الساعات الراقية والمعلق بمقبضه..
رفع حاجباً وهو يمسكه بين يديه يدخل يده يبحث داخله عن شيء يدله عن هوية مرسلها مع أنه في قرارة نفسه يعلم..
وجد كرتاً صغيراً ما إن فتحه حتى وجد توقيعاً مميزاً بحرف الهاء..
ابتسم ورفع عينيه تلقائياً حيث نافذتها.
قلبها يسوقها نحوه دون حولٍ منها ولا قوة..
هذا ما شعرت به عندما رفع بصره حيث نافذتها التي تختبيء خلف ستارها تسترق النظر من خلفها.. تضع يداً على فمها تمنع ابتسامتها من أن تظهر و الأخرى على قلبها الذي قد خرج من مكانه وانتهى .
(وتقول نجود مالك غير محمد..
ليه؟
و.... خطّاب ،،، وين راح؟)
.
.
ما إن استيقظت في اليوم التالي حتى و زف لها شقيقها خالد خبر خطبة محمد ابن عمها لها وأن والدها قد أعطاه الموافقة المبدئية..
ليتلاشى كل إحساسٍ جميل شعرت به البارحة .. ولم يتبقى سوى وجه خطاب يبتسم لها بامتنان وشيءٍ آخر لم تفهمه..
.
.
.
.
# نهاية الفصل الأول ♡.
أستغفرالله العظيم من كلِ ذنبٍ عظيم وأتوبُ إليه ..
|