كاتب الموضوع :
وطن نورة ،،
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: > أنت مثل أحزاني ،، قدر .. / بقلمي ..
فصل اليوم هادي وخفيف وتمهيد للقادم،،
قراءة ممتعة وأتمنى يعجبكم :
◇ أنْت مِثلْ أحْزانِي ،، قِدرْ ◇
.
.
# (٧) الفصل السابع ،،
°
°
قد تبكي ،،
وهذا حقك ..
قد تحزن ،،
وهذا حقك ..
لكن إيّاك ،،
ثم إيّاك ،،
ثم إيّاك ،،
أن تنكسر .
.
.
وعت من نومها على صوت إغلاق باب خزانة الملابس بغضب لترفع رأسها وترى خطّاب يخرج من الغرفة ويبدو أن -شورته- القطني الواسع فاتح اللون قد تبلل..
اتسعت عيناها بذهول وهي تستعدل جالسة.. ترفع الغطاء من جهته لترى مكانه مبللاً أيضاً..
تسارعت أنفاسها وهي تضع يدها على رأسها..
لا تعلم كيف ستكون ردة فعل خطاب هذه المرة.. منذ أن تزوجته وحتى هذا اليوم كانت تستيقظ صباحاً تنظر له بقلق تخشى أن يكون ماقالت طليقته حدث بالفعل..
صراخه ليلاً لم يعد كالسابق.. يفزعها أحياناً لكن ليس كالسابق..
توقظُه بسرعة قبل أن ينتصف في كابوسه أنفاسها تتسارع من نظرة الرعب في عينيه ليعطيها ظهره يهتف بضيق : آسف صحيتك من نومك..
"يارب وش أسوي"
لم تمهل نفسها وقتاً لتفكر. قفزت من مكانها وخرجت تتجه لدورة المياة بخطى سريعة..
وقفت بالقرب من الباب تستمع لصوت المياة لتسند ظهرها على الحائط بجوار الباب تضع يديها خلفها تنتظر خروجه..
عقلها توقف عن العمل تريد أن تجد تصرفاً لائقاً لهذا الموقف والذي تعلم أنه سيدمر خطّاب خصوصاً بوجودها..
حاولت أن تبلع العبرة التي تجمعت في حلقها فهذا آخر شيء يحتاجه خطّاب في هذه اللحظة.. حاولت أن تمحي نظرة الشفقة التي هي متأكدة بأنها واضحة في عينيها.. لكن قلبها يتفطر عليه..
واللهِ إنّ قلبها يتفطر عليه وهي تعلم مايغزوه من إحراج وتأنيب الآن..
ارتعبت عندما سمعت صوت شيء يُكسر يتبعها صوت صرخه مكتومه..
وضعت يدها على قلبها وهي تسمع نفس الصرخة مراراً وتكراراً..
لا تعلم كم مضى من الوقت على بقائه في الداخل.. لكنها مع ذلك انتظرته حتى فتح الباب لتتحرك واقفةً أمامه بسرعة.. لفت ذراعيها حول كتفيه تحتضنه بكل قوتها.. شعرت بأنفاسه تتسارع وبصدره يعلو ويهبط وكأنه سيختنق.. حاول أن يبتعد لكنها لم تدع له مجالاً لذلك..
لم ولن تدع له مجالاً لذلك..
شدت عليه أكثر تشعر بشعره المبلل يبلل أكتافها..
برجفه وصوت مبحوح : هلا وخرّي عني..
همست في أذنه بعطف : لا تسوي بنفسك كذا خطّاب..
عادي..
والله عادي..
عادي.. ما صار شي..
والله عاد..
بُتر الباقي من جملتها عندما شعرت بذراعيه يلتفان حولها..
يسند جبينه على كتفها..
يبكي.
جسده يهتز بقوة وكأن روحه تخرج منه..
شعرت بانكساره يكسرها يحطم قلبها ويحرقها عندما بدأ يهمس بيأس وصوت معذب : تعبت..
والله العظيم تعبت.. أبي أرتاح..
متى برتاح؟ متى؟
وضعت يدها على رأسه.. مسحت عليه بحنو : حبيبي ما صار شي .
لا تقسى على نفسك..
حبيبي أنت لا تبكي.
أنت أقوى من كذا. والله أقوى من كذا.
شعرت به يهز رأسه بالنفي هذه المره.. اليأس وقلة الحيلة قد قتلاه حقاً.. لا فائدة من نكرانه لحقيقته.. فالحقيقة تبقى حقيقة مهما حاول تكذيبها.. هو خطّاب،، لم يبقى له سوى القليل كي يدخل عامه الثالث والثلاثون.. لازال يخشى من النار. لازال يرى أحلاماً وكوابيساً تبكيه في منامه وتفزع من حوله .. لازال -وبكل أسى- يبلل فراشه وهذه الحقيقة هي ماقتلت الباقي منه.. هي التي ترعبه أكثر شيء.. وتقلق نومه أكثر شي.. أن ينام ويستيقظ وقد فعلها نائماَ دون أن يشعر..
ابعدته عنها .. عيناها تمتلئ بالدموع وهي تراه يهرب ببصره عنها بخجل.. تقوس فمها بحزن..
آه يا خطاب.x آه..
بصوت أثقلته العبرة : خطاب طالع فيني..
ثم أردفت عندما لم يتجاوب معها : ناظرني حبيبي..
لكنه أغمض عينيه عنها عندما حاولت أن ترفع رأسه توجهه ناحيتها ..
من بين دموعها وهي تمسح خده بكم بيجامتها : معليش حبيبي ، والله ما صار شي .
ناظرني..
فتح عينيه ينظر لها ،، فبكت عندما رأت ذبولها واحمرار حدودها من أثر البكاء.. قالت بحدة : ليه تبكي؟
شوف عيونك كيف صارت..
أنت مو دايم يصير فيك كذا.. صح؟
هز رأسه.
تابعت بصعوبة وهذه المره مسحت أنفها : طيب وش شفت عشان.. أقصد وش شفت هالمره عشان تبلل فراشك؟
لم يجب عن سؤالها لتنزل بعينيها حيث ينظر.. لكفّه التي تنزف وقد صبغت باللون الأحمر ..
ارتعبت وهي تتجه لغرفة سالم : اقعد خطاب بجيب لصقه وأجي..
بحثت بين حاجياتها ولم تجد ماتبحث عنه فاضطرت لأخذ عدد لا نهائي من المناديل وتخرج له مسرعه تفرك عينيها بقوة فخطاب لا يحتاج من يضعفه فوق ضعفه.
كان يجلس على الأريكة، يده المجروحة بدمائها أمامه والأخرى يسند بها جبينه وكأن حمول الدنيا كلها فوق ظهره..
شعر بثقلها جواره.. تمسك يده من المعصم بنعومة خوفاً من أن تؤلمه وتبدأ بمسح الدماء لتهتف بهدوء : مالقيت لصقه..
شد على أسنانه بضيق و في قلبه ألم يكاد ينهي حياته.. كل شيء رأته وعاشته معه من أول يوم تزوجته فيه وحتى اليوم يهون عند ماحدث معه الآن..
كل شيء يهون إلا ماحدث اليوم..x
حتى وإن كانت هلا.. ابنة خالته.. زوجته.. الأقرب له الآن.. يثق بها ويثق بأن ما يحدث بين جدران منزله مهما كان نوعه لا يخرج لأحدٍ أبداً فكيف بشيء -يفشل- كهذا؟.x مع ذلك لم يكن يجب عليها رؤية شيء مثل هذا يحدث معه..
شيء في داخله ينزوي.. يجعله يتمنى لو يستطيع الهرب..
التخلي عن كل شيء والهرب..
نظفت يده جيداً حتى وصلت للشق العرضي في جانب كفه. لازال مفتوحاً ينزف.. بألم من شكله : الله يهديك ليه تسوي بنفسك كذا؟
لم يتجاوب معها ولم يبدي أي ردة فعل حتى عندما بدأت تضغط على الجرح كي يتوقف عن النزيف.. مع أنه يتألم ويتضح ذلك من شدّهِ لكفه الآخر وانعقاد حاجبيه لكنه لم يتأوه حتى!!
شعرت بالعبرة تتجمع في حلقها تكاد تختنق بها وما زاد عليها حقاً هو صوت خطاب الذي قال بهدوء : ترى انكسرت مراية الحمام.
لم تستطع أن تحبس دموعها أكثر، فبكت : يبي لنا نشتري مراية جديدة.. حرام عليك كسرت ذي..
ليه؟ والله كانت عاجبتني..
خطاب بنفس النبرة الهادئة.. الميته.. ينظر ليدها تضغط على يده يتجنب النظر لوجهها : آسف.
هلا برجاء : خطاب وش شفت عشان يصير اللي صار؟
ابتلع ريقه مكرهاً : أبوي..
عقدت حاجبيها : أبوك ؟
خطاب بصوت مخنوق : مو أبوي سعد..
أقصد أبوي فواز، زوج أمي.
هلا : وش شفت؟
خطاب بعد صمت : شفته يحترق ويحرقني معه. حسيت بالنار تحرقني أنا وكأنها حقيقة..
حسيت بحرارتها وأنا نايم وكنت مرعوب.. كنت خايف وأنا أسمعه يصرخ وأحس فيها،، كأنها حقيقة..
رفع بصره ينظر لوجهها الغائم بعد أن تكدست الدموع بعينيه : هلا أنا ما أعرف أب غير فواز.. أبوي سعد توفى وأنا في بطن أمي ويوم تزوجها فواز عاملني أنا وسند كأننا عياله لدرجة صدقنا هالشي ومحد من اللي حولنا شك أننا مجرد عيال زوجته.. فواز أبوي وشوفته يصرخ والنار تحرقه ت.. تخوفني...
وتوجع..توجعني.
سكتت تنظر له.. لوجهه وآخر آثار النوم العالقة به.. حاجبيه.. شعره الرطب وبعض الخصل المتموجة على جبينه.. ذبولٌ في عينيه الواسعة كأنه طفل أضاع طريق العودة للمنزل وفقد الأمل بإيجاده..
باتت تعرف جيداً ماهو السبب وراء رعبه وأحلامه.. ولا تلومه أبداً..
أبداً لا تلومه.. : الله يرحمهم ويغفر لهم ويجعلهم من الضاحكين المستبشرين في الجنّة..
اللقاء بالجنّة أجمل بإذن الله يا خطاب.. أجمل،، وأبدي.. ماله نهاية.... لا تلوم نفسك على شيء ماكان بيدك ..
خطاب بنبرة غريبة خالطت صوته : مهما تكلمت مستحيل أحد يحس باللي أحسه في داخلي..
هلا بعذوبة وحزن : أنا حاسه فيك حتى من قبل لا تتكلم.. وأعرف اللي يدور في بالك الحين.. وأعرف اللي كان يدور في بالك قبل.. وما ألومك.. وما لأحد أي حق إنه يلومك.. بس أنت ماكان بيدك شي لأنك لو كنت تقدر تسوي شي كان سويته بدون تردد.. ورحمة ربك فيك وفيهم هي اللي أنقذتك عشان تكون الولد الصالح اللي يذكرهم ويدعي لهم لا انقطعت أعمالهم عن الدنيا..
ثم أردفت بحنانٍ بالغ وعطف ليّن قلبه : صح؟
هز رأسه مؤيداً لما قالت.. حتى وإن كان لليوم فقط . يريد أن يقتنع،، أن ينسى،، أن يرتاح ولو قليلاً..
يغرق في نبرتها الهادئة ولمستها الحانية على كفه لدرجة أن إحساسه بالألم تشتت ولم يبقى في عقله سوى الشعور بملمس أصابعها على يده..
خطاب بابتسامه بعد أن لاحظ سرحانها في وجهه : آسف على كمية النكد اللي عيشتك فيها.
ابتسمت من بين دموعها : ليه تقول هالكلام؟
خطاب بصدق : لأن اللحظات اللي بكيت فيها قدامك أكثر من اللحظات اللي ضحكتّك فيها..
هلا بابتسامه زادت من سحر نواعسها : البكى مافيه شي،، بالعكس تطهير للقلب والعين..
ولا ليكون أنت من نوعية الرجّال عيب يبكي؟
خطاب بتنهيدة أسى : لو إني من هالنوعية كان ما شفتي دموعي كل ماطق عود بحصى نزلت.. أنا تعديت هالمرحلة خلاص..
هلا بعذوبة همست : هذا لأن قلبك..
ثم تابعت وهي تضغط بسبابتها على صدره، لازالت باليد الأخرى تشد على جرحه : طيّب..
ثم بالوسطى : و رقيق ..
ثم بالبنصر : و حنون..
قالت كل صفه وهي تضغط بكل اصبع على حدى تعددها على صدره..
ليذوب كل إحساسٍ مُر في داخله..
رفع يدها يقبل أصابعها يهتف بعد كل إصبع : والله أنتي اللي
طيبة..
ورقيقة..
وحنونة..
هلا بخجل حاولت أن تخفيه بنبرة مرحه : على فكرة ممكن أنا وأنت نجتمع ونبكي ونسوي بحيرة من الدموع.. ممكن يشاركنا سالم إذا تبي..
ضحك : تطقطقين على أحزاني يابنت تركي؟
بسرعة وتبربر: لا والله مو قصدي.. دُعابه جات في غير وقتها..
آسفة..
ابتسم وبهدوء وهو يتأمل وجهها الأحمر : أمزح معك..
هلا بإحراج وقلق : جد اسفه..
خطاب بهدوء شديد : والله عادي يا قلبي..
تصنمت من كلمته.. لأول مره ينطق بها منذ أن تزوجته.. أول مره وكان وقعها عليها شديد الروعة وكأنها أجمل شيءٍ سمعته في حياتها..
خطّاب باستمتاع من نظرة الذهول التي اعتلت وجهها : قلبي وش فيك؟
بدأ بؤبؤها يتحرك في المكان وكأنها تبحث عن شيء : أنت تقول قلبي ولا يتهيأ لي؟
ابتسم : لا يا قلبي ما يتهيأ لك..
سمعتي صح يا قلبي ...
قلبي.. قلبي.. قلبي.
ضحكت له تداري عبرتها تضربه بخفه على صدره : تتريق؟
امسك بمعصمها يتنهد براحه حقيقية والخجل الذي يأكل وجهها يعجبه، يهتف بهدوء وكأنه يعيش كل حرف ينطق به : والله إنك قلبي فعلاً..
حتى لو ما قلتها.. المفروض تعرفين هالشي.
هلا وصوتها بالكاد خرج : وأنت بعد قلبي.. وكل حياتي يا خطّاب .
ثم وقفت كالمقروصة فبعد تلك القبلة -التي بدأتها هي ذلك اليوم- أصبحت تخجل منه وعينها لا إرادياً تسقط على شفتيه : بروح أجهز لنا الفطور عشان تلحق على الخطبة..
.
.
بهدوء كعادتها وعادته.. جففت شعره جيداً وبدأت بتمشيطه بعناية كما يفعل دائماً ثم بدأت تلبسه ثيابه بحذر استعداداً لصلاة الجمعة،، يتجاهل النظر لوجهها و يبدو هادئاً وديعاً على غير العادة..
هتفت بهدوء : بدر.
نظر لها يتساءل لتكمل بذات النبرة : وش رايك لو أحمل؟
عقد حاجبيه : وش طرى عليك فجأة؟
ابتلعت ريقها لا تعلم كيف بدأت حواراً كهذا معه : سارة صار عمرها ٤ سنوات.. كبرت خلاص وأنا خاطري بطفل يشغل وقتي..
بهدوء صارم : لأ ..
باستعطاف وهي ترتب تيشيرته على اكتافه لصعوبة ارتدائه ثوب -خصوصا وأن أغلب ثيابة مخصرة على جسده- : ليه حبيبي؟ والله خاطري ا..
قاطعها : حنين قلت لأ يعني لأ.. يكفي اللي عندنا غير إني قايل لك من أول ما أحب الأطفال..
وإن فكرتي مجرد تفكير تتركين الحبوب ياويلك.
حنين بضيق : بدر أنت مو حاس؟ الحياة بيني وبينك ميته.. نحت..
بدر بجمود مقاطعاً كلامها مجدداً: إذا ميته ننهيها أفضل .
عادت برأسها للخلف بصدمة : ببساطة كذا؟ ننهيها؟
بدر : هاه أجل؟ إذا موب طايقة الوضع للدرجة ذي الله معك.. أنا ما اتمسك بأحد ..
حنين بحزن واضح والرجفة التي سرت بجسدها تكاد توقعها أرضاً من قوتها :x توقعت لي مكانة بقلبك..
بدر توقعت تحسب حساب للعشرة اللي بيني وبينك على الأقل..
سكت بدر يتأملها ببرود رهيب.. لينطق بعد فترة : حياتي مابتوقف عليك..
لكن حياتك أنتي هي اللي متوقفه علي..
حنين مالك خيار ثاني غير قعدتك في بيتي.. وين بتروحين؟
أبوك وزوجته عصافير الحب ما أظن وجودك بينهم مرحب فيه..
و أمك وعيالها و زوجها ما أظن يحتاجون شخص زيادة يكمل الأسرة الكبيرة.. أنا خيارك الوحيد.
حنين بضعف : وأنت عندك خيار ثاني غيري؟
ابتسم : عندي ثلاث خيارات غيرك..
لكن أنا ما أحب أجمّع فالحريم..
أحب أصفي العداد أول بأول.
قال جملته وضحك وكأنه قال نكته..
لتبتئس وبدى هذا الشيء واضحاً جلياً عليها : ماتوقعتك قاسي كذا يا بدر..
أنا أدري إنك ما وصلت معي لدرجة الحب اللي تخليك ماتستغني عني.
بس ماتوقعت هالشي منك..
بدر : أنا واقعي حنين.. أنا ما أقول إني أكرهك.. لكن بنفس الوقت،، أنا مو متيّم بك.. إن لقيت البديل،، راح أبدلك..
زفرت بضيق والحوار كالعادة انقلب عليها : وش اللي فيني ما أرضاك طيب؟ ما أظن إني قصرت معك بشي أبد حتى بالوقت اللي كنت تعاملني فيه بشكل سيء كنت أعاملك بأحسن ماعندي وما أظن بتلاقي وحده تسوي هالشي سواء كان وراها سند كفو أو لأ ..
بدر ببساطة : أنتي ماكنتي إختياري..
لا تنسين..
سكت بعد الذي قاله لتسكت لا رد لديها لجملته.. فعلاً لم تكن اختياره فهي قُدمت له (عطيّه) من والدها.. أو بمعنى أصح -ببلاش- عندما قال له وكأنه يتمنى الخلاص منها بأي شكل : خذها ومهرها علي.. بس خذها..
لم تستغرب حديثاً كهذا من بدر.. ولم تستغرب تقبلها حديثاً كهذا منه حتى وإن كان أدمى قلبها فهي تشبعت منه حتى ارتفعت مناعتها..
" على الأقل تجاوب معي وكان هادي مافشلني.."
هذا مارددته في نفسها وهي تتأمل وجهه المحبب لقلبها، تداري خيبتها تقنع نفسها بأنه شيء إيجابي على غير العادة.. وتحاول بذلك أن تخمد ناراً غاضبة بدأت تتأجج في صدرها..
.
.
نزلت عتبات الدرج بكسل والصمت الرهيب الذي يلف المنزل يشعرها بنوعٍ من الغربة..
وجدته يجلس في الصالة يضع قدماً على الأخرى وينظر لشيء غير مرئي أمامه بسرحان..
تنحنحت كي لا تفزعه ولم ينتبه لها إلا عندما قبلت رأسه : صباح الخير..
ابتسم لها عينه تراقبها تجلس جواره : صباح الورد يا قلبي.. الساعة ١٢ ونص غريبة نايمة للحين؟
بكسل : ما أدري وش فيني عجزت أرفع راسي من على المخدة..
ثم بأمل : رحت صليت؟
هز رأسه بالإيجاب وهي تعلم أنه يكذب من نظرة عينية.. زفرت بيأس: جدي الله يخليك انتبه لصلاتك.. والله يوجعني قلبي يوم أشوفك ماتصلي.
على مضض : إن شاءالله الجمعة الجاية أصحى بدري و ألحق عليها..
دانة بهدوء : فيه صلوات غير الجمعة الله يهديك.. مو معقول بتقعد سبع أيام بدون صلاة وماتركعها إلا من جمعة لجمعة..
الله يخليك والله إني أخاف عليك من عقوبة الله..
منيف بزمرة : خلاص دانة قلت إن شاءالله..
استوى فمها بخط مستقيم وهي تنظر لجانب وجهه.. يبدو عليه الانشغال بالتفكير في شيءٍ ما..
صمتت تسرح بوجهه وكم يحزنها إهماله لصلاته بهذا الشكل.. مهما نصحت وتكلمت قلبه لا يلين وكأن بينه وبين الصلاة عداوه..
وصلها صوته هادئاً : كيف يدك ؟
زفرت : الحمدلله..
شعر بضيقتها من زمرته عليها لكنه مع ذلك قال بتودد : متى يبدأ دوامك؟
ابتسمت له ابتسامة بالكاد استطاع رؤيتها : بعد اسبوعين..
عقد حاجبيه بتفكير : الجبيرة بتكون بيدك بعد اسبوعين...
مددي إجازتك..
دانة بسرعة : لا جدي الله يخليك أنا لو علي داومت بكرة..
طقّت روحي من قعدة البيت مليت.. ويدي ماحولها شر ان شاءالله..
منيف : أنا وصيت معارفي بمكان عملك لكن برجع أأكد عليهم ينتبهون عليك.
دانة بضيق : قلت لك ماله داعي أنا أعرف أعتمد على نفسي..
منيف بود : أدري.. لكن عشان قلبي يتطمن أكثر!
هزت رأسها وعدم الرضا واضح على ملامحها..
تأملها قليلاً قبل أن يقول بتفكير : تهقين أبوك قال لأمه وزوجته عنك؟
دانة بضيق : خليه يعترف بوجودي أول..
ابتسم محاولاً تجاهل ضيقتها من هذا الموضوع ومكيدة خبيثة تحاك في عقله..(هيّن)
.
.
جال ببصره على الموجودين في المكان بابتسامه هادئه..
صالة منزل خالته في مغرب الجمعة يحيطها دفئ أسري فضيع يشعر به يتوغل لقلبه يحتضنه ويمسح على رأسه بحنو..
اتسعت ابتسامته يأخذ فنجالاً مدته له هلا.. تتبسم ليلحق بها بعينيه يتأملها حتى جلست جوار والدتها في الجهة المقابلة له ..
كانت تتحدث معها بهمس في موضوع ما تصب كل اهتمامها فيه ليستغل انشغالها يتأملها تهز رأسها وتشرب من فنجالها بتركيز..
ترتدي فستاناً ناعماً أزرق اللون يتناغم مع لون بشرتها الفاتح وكأنه صنع لها لتلبسه ولم تضع على وجهها ذو الملامح الدافئة سوى (ماسكرا) وملمع شفاه فاتح اللون..
كانت تتوهج..
حرفياً!!
عيونٌ بأطرافٍ ناعسة وأنف بعظمة مستقيمة وشفاه مكتنزة بوضوح في وجه دائري يحيط به شعرها أسود اللون يتموج بنعومة ليصل لمنتصف ظهرها . مع أنها لم تكن ذات جمالٍ صارخ أبداً لكن ملامحها ساحرة بطريقةٍ ما..
انتبهت له ولنظراته لتبتسم ابتسامة واسعة جعلته يغمز لها دون أن يشعر..
سمع نحنحة جواره ليلتفت ويجد زيد ينظر له بحاجب مرفوع ..
خطاب بضحكة : نعم وش مقعدك جنبي؟
زيد بخفوت واستمتاع : إحمد ربك أنا اللي قفطتك موب خالد ولا وش بيفكك من بثارته؟
ضحك ينظر لخالد المنشغل بهاتفه تماماً وكأنه في المكان لوحده..
عاد ينظر لهلا التي انشغلت هي الأخرى بسالم يشتكي لها شيئاً بنبرة شخصٍ على وشك البكاء..
اعتدل جالساً على صوت زيد يهتف بسعادة : أقولكم عندي لكم بشارة.. أم تركي حامل ..
تعالت التبريكات والفرحة طغت على وجه خالته بشكل واضح.
خطاب بهدوء وعينه على هلا : ماشاءالله مبروك.. والله إنها بشارة تسعد صدق مافيه مثل الأطفال في البيت..
زيد بمودة : الله يبارك فيك وعقبال تبشرني بأول عيالك.
ابتسم لهلا بأسى ابتسامة صغيرة لم تصل لعينيه لتبادله هي بأخرى : آمين .. الله كريم..
قالها صادقاً وهو يؤمن داخله بأنه حلم.. لكن هل لهذا الحلم أملٌ بأن يحدث؟ هل سيحصل؟
كم يتمنى أن تكون له أسره كبيرة تعوضه عما مضى.. حتى مع احتواء خالته وزوجها له في صغره.. لكنه لازال يشعر بالفراغ داخله وكأنه خارج حدود الصورة مهما حاولوا ادخاله بها.
يريد أن يكون أباً لعدد كبير من الأطفال. ربما أكثر من خمسة..
حلم جميل يراوده.. وأن تكون والدتهم هلا هو الجزء المفضل لديه من هذا الحلم..
انتبه لملامح زوجته التي سرحت بشيءٍ ما تنظر للأرض.. لا يعلم إلى أي حد ستصبر قبل أن تنفجر وتطلب أن تتحرر منه ومن حياته البائسة؟
يحرمها من أن تعيش كزوجة طبيعية معه يرعبها يومياً بأحلامه ويبكي أمامها أكثر من ابنها سالم.. مع ذلك لا تتردد بأن تحتويه وأن تسبل عليه ستائر الحب الذي يراه واضحاً جليّاً في عينيها.. وكم يخشى أن تصل لمرحلة لا يصبح للحب فيها معنى أو فائدة مقارنة بحريتها ..
وعى من وساوسة على صوت خالته سلوى تحاول دفع خالد عنها بعد أن جلس جوارها : قم عني ذبحتني..
خالد بضحكة وهو يحاول تقبيل رأسها رغم تمنعها : يمه الكل قاعد ينتج إلا أنا تكفين اخطبي لي.
سلوى : اعقل واخطب لك.
خالد بامتعاض : يمه والله لو اني قاعد بالزاوية أكلم نفسي . والله إني عاقل خلاص مليت أبي أعرس.. ما تبين تشوفين ذريتي يعني؟
هلا بضحكة : يا ذا الذرية اللي لجيتنا بها..
خالد : لا والله صدق ..دوري لي هلا دام أمي جاحدتني.
أشوف زيد ما صدقت يقول أبي أتزوج من بكرة دقت وأنا نبت براسي نخل ولا هي معبرتني.
سلوى باستنكار : والله مادريت إنك صادق عاد.. ماينعرف مزحك من جدك أنت..
خالد بحلطمة : يعني شلون؟
تركي باستمتاع : صامل تبي تعرس؟ بكرة أدق على عمك صالح ونخطب لك وحده من بناته ماشاءالله مافيه مثلهن.
تقاطعت نظرات خالد بنظرات خطاب الذي رفع حاجبه يذكره بحكاية قديمة حدثت وهو ابن الرابعة والعشرين عندما كان يريد أكبر بنات عمه صالح ليهتف خالد بسرعة : لا تكفى.. موب قصور في عمي وبناته بس ما أبي من العائلة.. أبي دماء جديدة خلاص كلنا ندور في نفس الدائرة حتى عيالنا صاروا سحنه وحدة من كثر الشبه..
انتهوا من العشاء ولم يبعد خطاب عينه عنها .. كان يلاحظ صمتها في ذلك الوقت وصمتها طول الطريق الآن و إن تحدثت كان رداً عليه لتعاود الصمت بعدها ..
لم يعتد أن تكون هلا هكذا فهي بالعادة تختلق أحاديثاً من تحت الأرض حتى لا يبقى في عقله سوى صوتها..
أوقف سيارته واغلقها تحت عمارتهم. ولم يتحرك منهم أحد حتى سالم كان نائماً في المقعد الخلفي من شدة الهدوء..
التفت لها : وش فيك؟
لتهتف لازالت تنظر للامام : والله فيني الضحكة..
ابتسم : ليه؟
نظرت له : ما أدري ! بس ضحكني خالد.
خطاب بابتسامه ناعسة : دام إنه يبي العرس المفروض خالتي تخطب له..
هلا : أمي ناوية أصلاً بس تبي تلعب بأعصابة.. عاد والله يا بختها اللي بتاخذ خالد حبيب و وسيع صدر.
خطاب بضحكة لا يعلم سببها : أنا أشهد..
عم الصمت السيارة مجدداً.. هدوء لطيف لا يتخلله سوى صوت أنفاس سالم العالية من وقت لآخر وخطاب متحفز يتوقع منها أن تذكر موضوع الحمل و الأطفال وتكوين أسرة وأن تسأله: إلى متى؟
حتى أنه قام بوضع عدد من الإجابات في عقله لسؤالها ويتمنى أن تكون مقنعة بما يكفي..
لكن الوقت مر وهي صامته وعندما نطقت قالت بكسل : ما ودك ننزل؟
تسارع نبض قلبه وكأنه كان يحبس أنفاسه تحت الماء وللتو طلع للسطح.. التفت برأسه ناحيتها ليراها تسند رأسها تغمض عينيها وطول اهدابها مع الإنارة القادمه من الخارج يعطيها ألقاً لامثيل له..
تدافعت الكلمات في حنجرته يتمنى أن يقول الكثير ولكنه في نهاية المطاف هتف بهدوء : تدرين وش اللي قاعد أحس فيه الحين؟
نظرت له بعينين مبتسمه بعد أن اعتدلت بجلستها : وش؟
خطاب بهدوء وصدق وضح بنبرته : أحس وكأن فيه نور دافي قاعد يتسلل لصدري.
شفتي يوم السما تكون سودا وفجأة من بين السواد يطلع ضو؟
هذا إحساسي الحين وأنتي جالسة جنبي..
أحسك ضوّي،، قاعدة تنورين قلبي..
حرفياً تنورينه..
تجمعت عبرتها في حلقها وكي تمنعها من أن تخرج بدأت تضحك كما لم تضحك من قبل ..
خطاب بابتسامه نظر لها ورنّة ضحكتها المهزوزة هزت قلبه : أعتذر على الكلام المبتذل جداً..
مسحت دموعها التي تسللت من عينيها رغماً عنها : بالعكس.. كلامك حلو...
مبتذل،،،، بس حلو..
قالتها وغمزت ليضحك لها.
من أعماق قلبه.. بصوت مرتفع لدرجة أن سالم صحى من نومه مرعوباً..
.
.
دخل منزل والدته بعد أن طلبته على وجه السرعة حتى بعد أن تعذر بأن لديه مايشغله في هذه اللحظة.. لكنها قالت بصرامة : جابر قلت تجي الحين يعني تجي.. لا تخليني أجيك أنا..
ما إن حطت اقدامه الدور العلوي حيث مكانهم المعتاد في الصالة حتى ورفع حاجبيه مستنكراً وجود الجميع.
والدته تجلس بكل عنفوان على كرسيها الملكي تضع قدماً على الأخرى.. شيء غريب في ملامحها ربما زادت من حجم شفتيها أو شدّت تجاعيدها أكثر من اللازم هذه المره. أنيقه حتى في يوم اعتيادي هادئ داخل المنزل..
على أحد الأرائك يجلس شقيقه الأصغر عامر يتعبث بهاتفه وبجواره يجلس شقيقه الآخر فارس بوجهٍ متجهم وغاضب جداً..
باستنكار : وش فيه يمه جايبتني على وجهي؟ وش صاير؟
رفعت حاجباً حاداً : اقعد.. أخوك شوي ويجي..
مشى يزفر يكتم كلاماً يعلم انه سيغضبها إن قاله.. جلس بجوار عامر يهمس : وش السالفة ؟ اجتماع ذا ولا وش؟ وفارس ليه معصب؟
عامر بملل : علمي علمك.. بس أكيد السالفة تخصه لأن يوم جيت كانت تهديه.
خمس دقايق الصمت يلف المكان إلى أن ظهر شقيقة منصور.. يأتي في الترتيب بعده مباشرة يسكن هو وزوجته وابناءه مع والدته في منزلها..
الأقرب لها والمدلل حتى وإن كان يأتي بعده فارس وعامر..
يمشي بتكاسل قادم من جهة جناحه هو و زوجته..
قبّل رأس والدته وجلس على الكرسي المفرد جوارها يهتف بصوت مثقل بالنوم : هذاني صحيت يمه! وش فيك قلبي؟
باقتضاب : مو أنا حبيبي.. أخوك فارس..
توجهت الأنظار لفارس الذي انفجر غاضباً : فصلوني من شغلي..
لتهتف بعده بغضب هي الأخرى تنظر لعامر يضع يده على أذنه بعد صرخة شقيقه : فصلوه من شغله.. أخوكم فصلوه من شغله.
جابر باستنكار خصوصاً وأن فارس أكثر أشقائه انضباطاً يعمل كالساعة ويهمه ما يقال عنه لذلك فهو نادراً مايغلط : وش مسوي عشان يفصلونك؟
فارس بقهر : ما أدري.. سألته ولا رضى يعلمني..
عامر : ارفع تظلم.. ماله حق..
فارس وهو يمسح شعره بقوة : فيني حرّه أحس إني بموت..
منصور : موب معقول يفصلك من الباب للطاقة.. شف وش مهبب..
نطقت والدتهم بحقد : وأنا عشان كذا جمعتكم .. أكيد إن أبوكم هالتسلب اللي لا يحلل ولا يحرم هو السبب..
جابر بضيق : و أبوي وش دخله؟ وش يعرفه بمكان شغل فارس من الاساس ؟
فارس : شلون وش يعرفه؟ أبوك ذا مابيرتاح إلا لا ذبحني..
وأنا متأكد إن له يد بالموضوع لأنه أرسل لي لوكيشن بيته يقول خليني أشوفك صار لي شهر من جيت ولا شفتك.. انا ابي اعرف وش يبي فيني؟ الله ياخذه ياشيخ ..
منصور بضيق : ياليل ذا وش رجعه؟ كنا مرتاحين..
جابر : خلوني أنا أتفاهم معه . مايعرف له غيري..
تكلمت والدته كارهه جداً تتمنى لو أن تقطع المدعو منيف إرباً : خليه يرجع ولدي مثل مافصله.. وفهمه يا جابر لا يحلم يحتك بأحد فيكم أنا أعرف حركاته النذل يبي يستفزني..
بس لا يحلم.
لكن فارس لم يقتنع ولن يرتاح إلا إن ذهب له بنفسه.. كم يتمنى أن ينفيه من حياته للأبد كي يرتاح منه ومن أفعاله التي يمقتها..
متأكد بأن والده لا يستهان به أبداً ولم يفعل فعلته إلا لغرضٍ ما..
آخر مره رآه فيها كان قبل سفره بخمس سنوات عندما كان بالعاشرة من عمره. لا يذكره جيداً وكم يتمنى لو باستطاعته محي ملامحه من ذاكرته ولكن لا يستطيع خصوصا مع وجود كره ملتهبه حمراء في وجهه تظهر له في سواد ذكرياته مع والده..
وقفت سيارته أمام منزل كبير بتصميم راقي، زفر أنفاسه بغضب حقيقي يشعر بأن داخله يشتعل وبالقرف من فكرة أنه مضطر لمقابلة المدعو والده..
اتصل على الرقم الذي يترأس المحادثه وثواني مرت ليصله صوته. بث في أوصاله برودة شديدة ليضع يده على فمه عندما شعر بأنه سيتقيأ من مجرد سماع صوته فكيف برؤية وجهه : أنا برى..
تخلل نبرته شيء ساخر : وش أسوي لك طيب؟
فارس بحنق : لا تستهبل علي.. أبي أشوفك.
سكت قليلاً ليردف بعدها باستمتاع : طيب دق الجرس وبيفتحون لك.
ثم أغلق في وجهه..
منيف موجهاً حديثه لدانة : خليك جنبي لا تطلعين.. وخليك معي باللي اقوله.
دانة بحاجبين معقودين : مافهمت! ومين كنت تكلم؟
لكنه لم يجبها.. اعتدل جالساً شيءٌ في نفسه يتحفز لرؤية ابنه وجهاً لوجه بعد هذا العمر.. كان من السهل عليه أن يحصل على رقمه.. ومن السهل أن يستفزه بفصله من عمله.. بدون عناء أو تعب هي مجرد مكالمات انتهت بجملة : أبشر واعتبره مفصول من اللحظة ذي..
ابتلع ريقه لا إرادياً وهو يراه يظهر من بعيد حتى وقف أمامه بينهم مسافة كبيرة..
شهقت دانة بهلع وصدمة من الرجل الذي دخل عليها وكادت أن تقف كي تهرب لكن صوت جدها الثابت -رغم المعركة التي اشتدت داخلة من رؤيته- منعها : دانة خليك.. فارس موب غريب.
تصدد فارس بعينيه عن الجالسة تلتصق بوالده الذي ألقى على وجهه البغيض نظرة سريعه لم تدم طويلاً..
منيف : ما ودك تسلم؟ كم صار لي ما شفتك؟
فارس بقرف لازال يتصدد بعينه لا يعلم من هي التي بجوار والده : ما جيت أسلم.. ولو علي ماجيت أبد..
دانة بهمس وتوتر : جدي أنا بطلع غرفتي..
صرخ بها نظره مثبت على فارس: قلت خليك.. فارس ولدي.
تسارعت أنفاس دانة تبتلع ريقها وهي ترى عمها ينظر لها نظرة سريعة ثم يعاود إبعاد بصره عنها ..
منيف: دامك ما جيت تسلم وش جابك؟
فارس : جاي أفهم وش تبي مني أنت؟؟ وش سويت لك عشان تتعمد تقرفني بحياتي كذاx ؟
منيف ببرود : ماسويت لي شي.. ولا أنا سويت لك شي يا ولد الجازي..
فارس بغضب : لا تقعد تلف الموضوع على راسي.. أنا أدري إنك ورا سالفة طردتي من شغلي.. خير إن شاءالله وش بيني وبينك؟ متى ابرتاح منك الله ياخذك..
اقشعر بدن دانة من دعوته.. ومن نظرة الحقد التي برزت في عينيه..
ومن نبرة جدها الصقيعية : كنت منتظر ترقية أجل؟ تدري عاد إن مديرك كان بيوقع خلاص .. و بتليفون واحد مني قدرت أنسف كل شي.. لا تعاديني يافارس أحسن لك..
فارس وهو يشد على قبضة يده عروق رأسه تكاد تنفجر : أنا ما اعتبرك موجود من الأساس عشان أعاديك... أنت في حياتي ميت من زمااان ولا ذكرتك حتى ما أترحم عليك.. والله إني اتفشل منك ومن مصايبك وفضايحك اللي إلى يومك ذا أحس الناس تتكلم فيها كل ماشافوني.. لو علي ض..
ليقاطعه منيف بجمود : اطلع برا بيتي..
اطلع.
تسارعت أنفاس فارس بشكل ملحوظ لتتحرك اقدامه خارجاً من المكان والغضب والحقد والكره يكاد يفجر قلبه وقبل ابتعاده عاد ينظر للتي تجلس بجوار والده تنظر له بخوف و وجه شاحب .
بعد خروجه عم صمت مهيب المكان.. دانة إلى الآن لم تفهم ما حصل ولم تستوعب بعد أن الذي كان يقف أمامها هو شقيق والدها..
نظرت لجدها بشفقة وعطف هي تعرف أن هناك عداوة بينه وبين أبناءه سببها والدتهم.. اكتفى فقط بقول هذا قديماً لا تفصيل ولا حتى سبب صرّح به لها.. ملامحه جامدة في هذه اللحظة ولكنها تعلم أن قلبه يذوب من الحزن والقهر من ردة فعل ابنه.. ليتهم يعرفونه عن قرب كي يعلموا أي أب عظيم هو منيف.. شخص مثله لا يمكن التفريط به.. أبداً!
حاولت أن تحدثه عما حصل أن تواسيه وتخفف عنه لكنه لم يدع لها مجالاً عندما وقف بثبات وكأن شيئاً لم يحدثx : أنا طالع انسدح بغرفتي..
.
.
منذ أن تخرج خطاب من جامعته حتى وجد وظيفته تنتظره في نفس الشركة الهندسية التي قضى فيها فترة تطبيقة.. كان مديرها أو كما يحب أن يناديه الجميع بكنيته رجل في عقده الخامس.. متواضعاَ جداً و محترماً يعامل الجميع كأبناءه دون أن يبخل عليهم بنصيحة أو توجيه وهو الذي طلب شخصياً من خطاب أن يأتي بوثيقته بعد التخرج بقوله : مكتبك جاهز وينتظرك..
أخلص في عمله وأثبت نفسه وتقدم على الجميع بقدراته فتم تعيينه في سنته الثالثة من مسيرته العملية مديراً لقسم الاستشارات الهندسية بالرغم من وجود من هم أقدم منه..
اليوم أول أيام الأسبوع وكان ثقيلاً على خطاب الذي توجه بخطى متكاسله لمكتب المدير العام بعد أن طلبه..
ابتسم بوقار : أبي اكلفك بمهمة و أدري أنك قدها.
خطاب بهدوء : أبشر باللي يسرك يا أبو مبارك .. آمرني وإن شاءالله إني قدها.
بهدوء : فيه موظفة جديدة بتستلم وظيفتها اليوم.. هي في قسمك وإدارتك وأبي أخليك المشرف عليها وتدربها شخصياً.
خطاب باستنكار فالشركة يوجد بها قسم خاص بالتطوير والتدريب.. وتدريب الجدد هو عملهم وليس عمله : أنا؟
أبو مبارك والقلم بين يديه ينظر له : هي من طرف شخص بيني وبينه معرفه شخصية و وصاني عليها وماودي أرده.. البنت توها متخرجه وجايه من برا وشهادتها قوية لكن تحتاج تدريب خصوصاً إن ماعندها أي خبرة..
أنا أثق فيك وبشغلك ومتأكد إنها بتبدع إن وجهتها صح..
زفر بضيق وهو ينظر لوجه مديره السَمح.. لا يفضل التعامل مع النساء ويحاول قدر المستطاع عدم الاحتكاك بهن في مكان عمله فكيف به يدرب إحداهن و يحتك بها بشكل مباشر؟..
أبو مبارك بابتسامة : وش قلت؟. أنا ماودي أعتمد على غيرك بالمهمة ذي لأني أثق فيك وبقدراتك ومتأكد أنك بتبيض وجهي مع صديقي..
عبس بضيق : إن شاءالله تلاقي اللي يسرك..
اتسعت ابتسامته : أثق بك يا خطاب وصدقني لو ما اشوف فيك الموظف الناجح والرجل الكفو كان ماطلبت منك هالشي..
وأعتبر اللي بطلبه منك الحين طلب خاص بيني وبينك.. لا أوصيك عليها اعتبرها مثل أختك ترا جدها محرّص وموصي ولا أبي أزعله..
هز رأسه وهو يوقع ورقة خِطاب التكليف التي مدها له.. يهتف تحت أنفاسه: إن شاءالله..
" تدريب لمدة ٦ أشهر !!! والله اللي ابتلشت يا خطّاب "
وقف ليقف معه ابو مبارك باحترام : موعدنا معها بعد ساعة.. وأنا طلبت منهم يجهزون لها مكتب خاص فيها عشان تاخذ راحتها ماودي تختلط بأحد..
خرج من مكتبه يرفع حاجباً يتساءل عن قوة واسطتها التي من أجلها اضطر مديره أن يضرب سياسة الشركة عرض الحائط.. فالموظفين جميعهم -باستثناء مدراء الاقسام- مكاتبهم مدموجة بشكل يفصل بين النساء والرجال..
فكيف بهذه ومكتبها الخاص وهي لازالت متدربة؟ وكيف لأبو مبارك أن يخلط بين علاقاته الخاصة وعمله وهو الذي عُرف عنه الموضوعية والنزاهه..
جلس خلف مكتبه الضيق فعلاً يحاصر قلبه لسبب يجهله..
.
.
بعدم رضا وهي ترى جدها يجلس بالأمام بجوار السائق: جدي الله يهديك أنا مو بزر عشان تجي معي.. وش بيقولون عني؟
منيف باستمتاع : يقولون اللي يقولونه مايهمني.. لازم اتطمن عليك بنفسي ولو تطيعين شوري وتقعدين في البيت أفضل . وش لك بالتعب أنتي مو محتاجه.
دانة : تكفى لا نرجع لنفس الموضوع.. وقلت لك الشغل حاجه معنوية أكثر من إنها مادية أنا مادرست عشان أقعد في البيت..
منيف بود : أجل ماعليه اسمحي لي أروح معك المره ذي ومنها أشوف أبو مبارك و أوصيه عليك بنفسي.
أنا مالي غيرك يا دانة من حقي أخاف عليك..
دانة بتأثر ونبرة حاولت أن تكون خفيفة : مشكلتك تعرف تضحك علي بكلمتين.. خلاص تعال يا قلبي كل يوم لو تبي.
ضحك لها براحه يربت على كفها الذي وضعته على كتفه..
توقفت سيارة المرسيدس السوداء -آخر موديل- أمام مبنى شركة (البناؤون العرب) الهندسية ..
ليرتفع معها رأس دانة بتوتر داهمها فجأة تنظر للمبنى الممتد وكأنه سيلامس السماء ونوافذة الكثيرة تعكس أشعة الشمس بشكلٍ قوي..
مشت بخطى ثابتة و واثقة تناقض رجفة قلبها بين أضلعها تستمد قوتها من يد جدها التي تمسك بيدها يمشي بجوارها بكل شموخ وعنفوان وكأنه لا يرى أحداً أمامه..
ما إن وصل للاستقبال وأعطى اسمه حتى و وقف الموظف يرحب به بشكل لفت انتباه الموجودين القليلين في المكان..
خرج خطّاب من مكتبه ما إن تلقى اتصالاً يخبره بأن متدربته قد وصلت.. توجه بثقل حتى وصل لسكرتير مكتب مدير الشركة ولم يستطع أن يمنع سؤاله من أن يخرج : وش شكلها ذي اللي متوصيين فيها بالشكل ذا؟ أبو مبارك بنفسه داق علي؟
ضحك : الواسطة يابوي.. مير جايبه أبوها بكبره معها.. أدخل بس أبو مبارك ينتظرك..
زفر واتجه للباب : الله يعين .
فتح الباب الموارب ودخل بهدوء ورائحة القهوة المهيلة والبخور هي أول ما استقبله ليتساءل فعلاً عن مكانة هذا الرجل ..
لم ينتبه أحد لدخوله فأبو مبارك خلف مكتبه ينظر لبعض الأوراق أمامه بتركيز ،، وعلى الكرسي أمام المكتب يجلس رجل بياض ثوبه الناصع سبب زغللة لعينيه يرتدي شماغه المكوي بعناية ويعطيه ظهره.. الأريكة السوداء البعيدة قليلاً تجلس عليها امرأة لا يظهر من وجهها سوى عينيها وإحدى يديها تحتضنها جبيره واضحه تحت كم عباءتها..
انتبهت له وما أن وقعت عينها بعينه حتى و أرخت بصرها بسرعة ..
خطاب بهدوء : السلام عليكم..
أبو مبارك يقف مبتسماً : وعليكم السلام.. حياك كنا ننتظرك..
مشى بخطوات ثابته حيث أبو مبارك الذي تحرك من خلف مكتبه يقف أمام صديقة الذي لازال جالساً ولم يلتفت أو يرفع رأسه حتى..
أبو مبارك بابتسامة: أعرفك يابو جابر بخطّاب المهنا.. أكثر موظفيني كفاءة واللي اعتمد عليه بكل شي..
ما إن وقف خطاب أمامه مباشرة تفصل بينهم خطوة أو اثنتين حتى ورفع الرجل رأسه لتقع عينه بعين خطاب الذي شعر بأن الأرض اهتزت تحته لدرجة أنه لم يشعر بجسده عندما مال للأمام بسرعة وقوة باتجاه الجالس أمامه ينظر له بتعجرف.. ليسقط نتيجة ميلانه عليه فنجال قهوته الساخن من يده منسكباً على ثوبة..
زمجر بغضب وهو يرفع ثوبة عن فخذه : ما تشوف أنت؟
لحظتها كانت ركبتّي خطاب تلامس الأرض.. كفٌ على رأسه يمسك عقاله والكف الآخر على الأرض يسند جسده وبصره شاخص على الأرضية الرخامية اللامعة ..
أبو مبارك بسرعة وهو يرفعه من ذراعه بقلق : بسم الله عليك.. وش جاك؟
كان يشعر به يرفعه حتى استطاع أن يجلسه على الكرسي الآخر المقابل لكرسي الرجل الغاضب أمامه..
أغمض عينيه يفتح أزرار ثوبه العلوية وهو يشعر بأن جدران صدره تطبق على قلبه لدرجة أنه سينفجر.. أنفاسه بالكاد تخرج وهو يشعر بشهيقه ساخناً حاراً على رئتيه..
كان يسمع أصواتهم حوله لكنها كانت كالصفير على مسمعه.
لا يمكن لشيء كهذا أن يحدث. ليس بهذه السرعة على الأقل لدرجة أنه شك بأن عقله يحيك له مكيده وأصبح يصور الرجل البغيض وكأنه حقيقة..
فتح عينيه لتقع على الرجل أمامه.. بوجهه الأبيض الامرد الغاضب جداً.. يرى شفتيه تتحرك بسرعة في كلام غاضب -والأرجح أنه يشتمه- يوجهه لأبو مبارك الواقف بجواره يده على كتفه بخوف أبوي غير مستغرب منه ..
اغمض عينيه مجدداً وانفاسه تتسارع بشكل مرعب وملحوظ لكنه عاد يفتحها يخشى ألا يجده أمامه كما حدث في السابق..
انتهى 'منيف' من توبيخه وصرف نظره للتي تقف بجواره تحاول أن تمسح القهوة التي سُكبت على ثوبة بمجموعة مناديل في يدها.
كان يتأمل المنظر أمامه وصوت أبو مبارك يصل لمسمعه قلقاً خائفاً : خطاب تعبان أطلب لك الاسعاف؟
ابتلع ريقه بصعوبة وهو يهز رأسه بالنفي.. عينه مثبته بتركيز وهلع على المشهد أمامه.. يشعر وكأنه يحلم عقله يرفض ما يحدث وكأنه خيالٌ يعيشه..
أبو مبارك بنبرة حانية : وش جاك يا أبوي بسم الله عليك؟ وجهك مخطوف تحس بشي؟..
التفت منيف عن التي كان ينظر لها لينظر لخطاب بغضب : وش علتك أنت؟ شارب شي منت بقادر تصلب طولك؟
أبو مبارك بضيق من نبرة منيف المرتفعة : العذر منك يا أبو جابر.. أمسحها بوجهي.
منيف بغضب : يحمد ربه القهوة جات على فخذي موب مكان ثاني ولا والله ما ارحمه..
أبو مبارك : الله يهديك اللي يسمعك يقول متعمد.. ماكان قاصد..
منيف بدون نفس : عشانك بس يابو مبارك ..
ثم بنظرة تقييميه نظر لخطاب من رأسه وحتى اخمص قدميه ويبدو وكأنه يحاول أن يربط ويتذكر أين رآه : وش قلت اسمه؟
أبو مبارك : خطاب المهنا.. وهو إن شاءالله اللي بيشرف على دانة و أوعدك و أوعدها مابتلاقون إلا اللي يسركم ان شاءالله..
ثم تابع بلطف : خطاب أعرفك على منيف الوهاج.. و المهندسة دانة الوهاج اللي ان شاءالله بتبدا عملها معنا من بكرة..
ابتعدت دانة تعود ادراجها لمكانها الذي كانت تجلس به قبل أن تقفز منه مرعوبة عندنا صرخ جدها من حرارة القهوة التي حرقته..
تأكدت من أنه بخير وقررت أن تبتعد من أمام الرجل المسكين الذي بهت وجهه بصدمة يعتلي الهلع ملامحة من توبيخ جدها والذي تراه مبالغاً به.. فمواقف كهذه تحصل ولا تستدعي كل هذا الانفعال..
زفرت بضيق من هذه البداية الغير مبشرّة أبداً.
لا تريد من جدها أن يسبب حزازية وعداوه بينها وبين الذي يدعى خطاب فكما فهمت من أبو مبارك هو من سيقوم بتدريبها لمدة ستة أشهر إلى أن تفهم العمل كما يجب..
لكن يبدو أن الموضوع تعقد من قبل أن يبدأ حتى.
.
.
.
# نهاية الفصل السابع ♡.
سبحان الله وبحمده،، عدد خلقه .. و رضا نفسه،، وزنة عرشه ومداد كلماته ..
|