كاتب الموضوع :
وطن نورة ،،
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: > أنت مثل أحزاني ،، قدر .. / بقلمي ..
◇ أنْت مِثلْ أحْزانِي ،، قِدرْ ◇
.
.
# (٦) الفصل السادس ،،
°
°
أتمنى لو أنّي أستطيع أن أخبرك أني أخاف عليك
من الحزن ومن الخسارات.. ويؤلمني أن تضعف..
أخاف عليك من حزن الدُنيا ومن فجائعها الصغيرة..
أخاف على قلبك أن ينكسر ..
أخاف على صدرك أن يشعر بالضيق ..
وأخاف ألا يكفيك قلبي ،، لتكون بخير ..
،،،
يتمدد بخمول وهو يشعر بأن طاقته سُحبت منه عنوه.. كان قد وصل قبل ساعتين لطوارئ المستشفى ليجد خالد يجلس واضعاً رأسه بين يديه..
قميصه مشقوق ملطخ بالدماء وشعره اشعث..
اقترب منه بلهفه : خالد .
قفز واقفاً ما إن رآه ليرى وجهه مرعوباً وحاجبه الأيمن قد اختفى تماماً تحت الشاش الأبيض المثبت باللاصق..
أمسك بكتفيه يتفحصه : جاك شي؟
خالد بخوف : لا لا أنا بخير .. بس السيارة الثانية خطاب.. انعدمت..
خطاب بتوتر أجلسه : إهدى وفهمني شلون صار الحادث؟
اخذ أنفاسه يحاول أن يجمع شتات نفسه : ما أدري.. كنت أسوق عادي ويمكن غفيت أو السيارة الثانية مالت علي... ما أدري،، خطاب كل شي صار بسرعة وصدمت فيها وتقلبت.. أكثر من مره..
تسارعت أنفاس خطاب بتوتر واضح : طيب.. الحمدلله إنك بخير.
خالد بقلق واضعاً كفيه على رأسه يمسح شعره ينظر للمكان حوله كأنه يبحث عن شيء : لا خطاب لا.. السيارة الثانية انعدمت.. أنا ما أدري كيف طّلعوا الحرمه والرجالين اللي فيها.. ومن جينا هنا وهم داخل ما طلع أحد يعلمني وش صار.
ابتلع خطاب ريقه وهو يرى الشرطي يقف خلف خالد بمسافة مسنداً ظهره على الحائط خلفه وكأنه ينتظر ..
خطاب بهمس : الخطأ عليك ولا عليهم ؟
خالد بتوهان : ما أدري .. ما أدري ما أذكر شي.
همس بقلق : إن شاءالله خير.. هد نفسك أنت وان شاءالله خير.
بعدها بوقت أعلنت المستشفى حالة الطوارئ وحاجة بنك الدم لفصيلة (O-) للمصابة التي تعاني من نزيف حاد ،، دانه الوهّاج..
ليقف متوجهاً نحو بنك الدم في نفس الوقت الذي مر من جانبه رجلان احدهما يركض والآخر يتبعه على مهل وكأنه أتى مجبراً.. يسأل الشرطي بلهفه وخوف : ولدي بدر وينه؟؟
زفر بتعب يشعر بأن المكان يدور به وكأن عروقه قد جفت بعد كمية الدماء التي سُحبت منه .. لا بأس.. المهم أن يكون الجميع بخير من أجل خالد الذي تركه يضرب أخماساً بأسداسٍ خارجاً..
جاء الممرض يتأكد من وضعه الصحي بعد -الدوخة- التي حدثت له عندما انتهى من التبرع.. ابتسم له بتودد : أفاا ما خلصت العصير!
خطاب بتعب : خلاص مايحتاج أحس إني أحسن..
وش صار على البنت؟
ابتسم له يسحب كرسياً ويجلس : لا أبشرك وضعها صار مستقر..
خطاب بزفره : واللي معها؟
عقد حاجبيه بتفكير : الشايب ماجاه شي غير شق بالراس وتمت خياطته والرجّال الثاني كسور و رضوض ونزيف بالرئه لكن الحمدلله تمت السيطرة عليه والحين تحت الملاحظة.. من حسن حظ خويك..
أغمض عينيه يتنهد غير مصدق لما سمع: الحمدلله..
ظن أنه يهذي عندما سمع أصوات صراخ في الخارج من بينها كان صوت خالد .
لكن الممرض الذي وقف بقلق أثبت بأن ما سمعه حقيقة..
تحرك من مكانه بسرعة ليميل جسده للأمام بعد أن شعر بالدوار فأمسكه الممرض: إنتبه .
أبعده عنه وخرج مسرعاً حيث الأصوات القريبة جداً من المكان الذي كان يرتاح به ليرى ما افزعه..
رجلان يتقدمهم واحد برأس ملفوف بشاش ومقوي حول رقبته يمسك بمقدمة قميص خالد يصرخ بوجهه مهدداً..
ولا أثر للشرطي..
ركض بسرعة على صراخه مهدداً بغضب : والله العظيم ما اخليك.. لو صار في بنتي شي والله ما ارحمك والله لا أطلع روحك بيدي يال*..
حاول خالد بشكل مستميت أن يحرر نفسه لكن لا جدوى ولم يشعر سوى بجسد خطاب يحول بينه وبين من يحاول خنقه ليدفعه للخلف بمساعدة من الممرض الذي ما إن رأى وجهه الغاضب حتى وانطلق يطلب المساعدة من الأمن .
بصراخ وهو يحاول أن يحرر نفسه من الأيدي التي تسحبه للخلف : .. ياسر اتركني.. والله ما ارحمكم يا عيال ال* ..
والله يا عياااال ال* ما اخليكم.
احتدت أنفاس خطاب برعب بعد أن أمسك مقدمة ثوبه .. وجهه يكاد ينفجر من شدة الغضب ..
تكلم من يقف خلفه يحاول سحبه : منيف اتركه عنك بتذبحه..
منيف بصراخ : ياسر اتركني .. وخر عني أحسن لك.. وخر أقولك..
وخررر.
ياسر بصعوبة من شدة مقاومة منيف له. : حمد روح ناد أحد ماعاد اقدر أمسكه.. ولا تعال ساعدني لا توقف تتفرج كذا..
ليمشي حمد ببرود وصمت مبتعداً عنهم..
وقعت عيني خطاب بعين الذي يدعى ب"منيف" بعد أن سحبه ناحيته..
في صميم عينه الغاضبة وشعر بأنه يختنق بأنفاسه.. اتسعت عيناه بهلع ولم يستطع أن يرمش حتى بعد أن دفع خالد منيف بعيداً عن خطاب ليقيده من يقف خلفه مرجعاً يديه للخلف..
لم يرمش حتى بعد اندفاع الهواء لصدره عندما تحرر عنقه من اليدين التي تحاول خنقه..
ولم يرمش - بل شعر بأن قلبه سيتوقف - عندما لمح الوحمة الحمراء الكبيرة في خده الأيمن..
وحمة حمراء كبيرة وداكنة تبدأ من أطراف وجهه الأمرد الخالي من الشعر..
وحمه حمراء كبيرة وكأنها كرة ملتهبه في بياض وجهه..
وحمة حمراء كبيرة كان قد رآها لرجلٍ قد عرّفه والده لهم بأنه "الصديق منيف" .. صديق العائلة الجديد..
وحمة حمراء كبيرة يتذكر بأنها قد افزعته في أول مرة رآها فيها مستنكراً وجودها ظناً منه بأنها دماء تلطخ وجهه..
وحمة حمراء كبيرة يتذكرها جيداً في ليلة حالكة السواد .
كان كالثور الهائج يحارب بكل قوته كي يتحرر.. يشتم المدعو ياسر ويهدده.. يتوعد بخالد الذي يحاول دفعه كلما اقترب منهم ويحلف بقتله..
بدأ ياسر بالصراخ مستعجلاً القادمين نحوه يركضون.. لم يكن يتخيل بأن منيف لايزال قوي البنية حتى بعد هذا العمر..
لازال يقف مكانه يشعر بالأرض هلامية تحته.... عيناه لازالت تنظر لعيني منيف الذي حاول الجميع تثبيته من شدة قوته المفرطه.. وكأن إصابته ماهي إلا وقود يزيد من قوته.. لا يرى أحداً سواه وكأن المكان أصبح رقعة بيضاء والبقية ظلال تتحرك حولهما..
وقف خالد أمامه بخوف ليحجب الرؤية عنه.. يحاول أن يستنطقه بعد الصمت الرهيب الذي لفه.. يسأله إن كان على ما يرام والإجابة وضحت له عندما رآه يلتفت للممرض يناديه ليقف الآخر أمام خطاب..
نقل بصره عليهما.. يرى شفاههم تتحرك يحادثونه وعلامات الخوف تعتلي وجوههم لكن لم يصل له شيء مما يقولون..
رفع بصره ليقع على منيف مجدداً و الذي أصبح الآن يفترش الأرض يرفس بأقدامه يحاول التحرر من الجميع.. يصرخ بأسمائهم حتى بحّ صوته.
الأصوات حوله أصبحت عائمه..
منيف .. حمد .. ياسر
منيف .. حمد .. ياسر
منيف .. حمد .. ياسر
ترددت الاسماء في عقله..
تدور حول رأسه..
قد سمعها مراراً قبل هذه المره وفي كل مره يكاد قلبه يتوقف من شدة الترقب لرؤية أصحابها عله يجد ضالته.
لكن هذه المره مختلفه..
لأول مره يسمعها مجتمعه لثلاثة رجال يعرفون بعضهم يقفون أمامه -ويستحيل أن تكون صدفة- ..
"يارب مو صدفة.. يارب مو صدفة.. يارب مو صدفة "..
عاد به خياله للماضي.. حيث منيف يناديهم للسلام عليه ليأخذ معه سند ويرحل..
ثم بثلاث رجال يقفون على بُعد مسافة منه يتناقشون .
ثم بصوت يهدد بصرامة : حمد ،،x ياسر .. لا أوصيكم أبي أسمع خبرهم الليلة.
يتوه عن جميع الأصوات إلا هذا الصوت.. يعرفه حقاً ،، حقيقةً وحلماً..
اتسعت عينيه عندما وقعت بعيني منيف الحاقده من جديد والذي خارت قوته بعد المجهود الذي بذله واستسلم للذين اجلسوه.. أحدهم يهدد فوق رأسه..
كانت مجرد دقائق.. ثواني ربما..
لكنها كانت كفيلة بأن تسلب منه كل شيء حتى يقع غائباً عن الوعي ..
.
كان يشعر بضربات قلبه السريعة حتى أثناء نومه.. فتح عينيه بقوة وكأنه وعى من كابوس ليداهمه ضوء الإنارات الساطع من السقف فوقه..
وصله صوت مُتعب : صح النوم .
ثم أردف عندما لم يصله رد منه : جوالك فضخنا وهو يدق واسمح لي رديت لأن المتصل أختي..
التفت برأسه ليجد خالد يبتسم له بعد الذي قاله.. يجلس على كرسي بلاستيكي بالقرب منه..
لازال حاجبه الأيمن يختفي تحت الشاش الأبيض.. لازال قميصه مشقوقاً ملطخاً بالدماء.. ولازال شعره أشعثاً..
لم يكن يحلم مثل كل مره.. حاول أن يجلس بسرعة لكن صداعاً قوياً ضرب رأسه ليعاود وضعه على الوسادة يتأوه بألم ..
خالد بقلق : تبي أنادي لك الدكتور؟
وضع يده على رأسه حيث الألم يكاد يفتت جمجمته : وش صار؟
خالد : صار لي حادث و..
ليقاطعه بانفاس متسارعة : أقصد منيف.. وش صار عليه؟
خالد باستنكار : منيف مين ؟
خطاب بألم : آه خالد منيب ناقصك.. منيف اللي بغى يذبحك..
خالد بغيض وهو يتحسس عنقه : الله لا يوفقه.. من جد بغى يذبحني..
خطاب محاولاً النهوض : وينه؟ أنا لازم أشوفه..
فز من جلسته ليعيد خطاب مكانه : تشوفه وين؟ ارتاح ..
خطاب بنرفزه : أنا لازم أشوفه.. وخر عني..
خالد : وش تبي فيه راح باللي مايرده إن شاءالله ..
بخوف : وين راح؟
خالد بحقد : أخذ بنته ونقلها مستشفى ثاني مع إن حالتها مستقرة.. بس خسيس ويحب المشاكل و..
بحدة : أنت شلون تخليه يروح؟
باستنكار : وليه ما اخليه وأنا ما صدقت أفتك من شره؟
حتى اللي معه شالوا مريضهم ونقلوه الله لا يبارك فيهم كلهم..
وضع يديه على رأسه بحسره : يالله يا خالد أنت وش سويت؟؟
ثم بدأ يضرب رأسه بغضب : كيف ضاع من يدي؟؟.. كيف؟؟
ليه سمحت له يروح؟ حرام عليك .. حرااام عليك..
خالد بهلع من حالته : خطاب وش السالفة؟ أنت تعرفه؟
ثم بتوتر وهو يحاول أن يمسك بذراعي خطاب الغاضبين : والله ما دريت إنك تبيه ولا كان مسكته لك..
خطاب فهمني وش السالفة؟
خطاب لا تسفهني تكفى تكلم..
لكن خطاب لم يتكلم بل ظل يصرخ غاضباً متحسراً على وشك البكاء من خسارته التي لا تعوض..
.
.
ابتسم والدموع تغزو عينه عندما رآها تفتح عينيها بوهن و ألم بعد ثلاثة أيامٍ قضتها بالمسكنات.
تنظر للسقف ثم تغلقها من جديد..
شد على كفها بين كفيه : دانه.
تحرك حاجبيها بضيق حتى كادا يلتصقا ببعضهما ..
عاد يهتف بحنو : دنِّي.
ارتخت ملامح وجهها المشدودة لتعاود فتح عينيها.. بؤبؤها يتحرك ببطئ وكأنها تبحث عن مصدر الصوت ..
تحشرج صوته عندما شعر بها تضغط على يده وتأن بألم : ألف لا باس عليك ياروحي.. ليته فيني ولا فيك..
همست بنبرة تشوبها العبرة : جدي..
قبّل يدها ثم اقترب منها يقبل جانب رأسها : سمّي..
بكت وهي تشعر بقبلاته الحانيه على شعرها : جدي..
بخوف : سمي يا روح جدك.. فيه شي يوجعك؟ ليه تبكين؟
دانه بألم : أنت بخير؟ صار لك شي؟
قبّل رأسها مجدداً يضحك لها ولخوفها عليه : جعل عيني ماتبكيك يا دانه.. والله حسيت روحي بتطلع من الخوف.
أغمضت عينيها تبكي من الألم الذي تشعر به يعتصر قلبها بعد الرعب الذي عاشته..
بدأ يمسح دموعها بأصابع يده يحاول تهدأتها وسؤالها عن علتها لتجيبه برجفه : والله خفت.. والله خفت..
حاول أن يحارب دموعه وهو يتأمل وجهها المحبب لقلبه والذي أصبح مبللاً تماماً بدموعها.. متورماً بكدمات داكنة.. الكدمة تحت عينها اليمنى والأخرى القريبة من فمها هما الأبرز .. رأسها الملفوف بالشاش.. يدها اليسرى والجبيرة التي تحتضنها..
جسدها المرتجف وكأنها ستتجمد من البرد.. خرجت من الموت بإعجوبة مع أنها كانت أكثرهم ضرراً..
يذكر حاله بالثلاثة أيام الماضية عندما كانت تستفيق تبكي من شدة الألم فيطلب منهم حقنها وتسكين وجعها.. فعل أي شيء يحول بينها وبين الألم..
يصرخ بالأطباء يكيل الشتائم : أنا ماجبتها مستشفى خاص عشان تتركونها تتوجع..
كان يشعر بألمها يفتك بعظامه ويدمي قلبه..
قوته تلين لأجلها.. لا يضعف إلا أمامها.. دائماً في صفها حتى وإن كانت ضدّه..
هي من آنست وحدته لسنين طويلة وتغلغلت لأعماق روحه حتى بات لا يرى سواها..
يذكرها طفلة رضيعة بين يديه.. تنظر له تبتسم مع أنها لا تعرفه..
تكبر قليلاً تضع يدها على وحمته.. تلعقها ظناً منها بأنها حلوى..
تقول له بعد عدة سنوات وقد بلغت السادسة عشر من عمرهاx : تدري إني بحثت في الإنترنت عن الوحمة اللي بخدك؟
ليبتسم لها وللمعة الفضول في عينيها : صدق؟ وش طلع معك؟
بجدية : وحمة دموية وعند ناس كثير.. وممكن تشيلها لو تبي..
رفع حاجبه مستمتعاً : إذا تبيني أشيلها، شلتها.
ابتسمت له تغمز بمرح : لأ طبعاً ، عاجبتني ومعطيتك كاركتر ماحصلش ..
مسح على وجنتها بعد أن خارت قوتها ونامت..
ابتسامه هادئة تعتلي ثغرة.. والإتصال الذي أتاه وغير حياته قبل أكثر من أربعةٍ وعشرين عاماً هو ما يدور في عقله..
*
بصدمة بعد أن وصله صوت المتصل : جابر؟
جابر ببرود وجمود ولم تخفى عن منيف نبرة القرف بصوته : إيه جابر.
بعدم تصديق : وش أخبارك؟ أنت من وين جبت رقمي؟
بضحكة : أنت سافرت صح بس كلابك للحين هنا .
منيف وكل شيء في عقله أختفى.. حاول أن يقوي صوته فهو بعد كل شيء منيف القوي لا يهزه شيء ولا يؤثر به شيء.. بغضب : أجيك لو إني بآخر الدنيا و أقص لسانك ياللي ماتستحي. خير وش عندك داق؟ توك تذكر أن عندك أبو ياولد أمك؟
جابر بنبرة مشابهه لنبرة والده : لا تجيب طاري الشريفات على لسانك أحسن لك..
صرخ به : جابر.
جابر بتهكم : مبروك صرت جد.
عقد حاجبيه مستنكراً : وشو؟
جابر : جاتني بنت .
ارتفع حاجبيه بعدم تصديق : جاتك بنت؟ متى تزوجت أنت؟
ومين اللي زوجك وأنت مابعد تكمل عشرين سنة؟
جابر بجمود : زواج أبو شهر وكان مشروط وبعدها تم الطلاق بس بنت ال* غدرت فيني وحملت..
منيف بغضب : أنت أكيد انهبلت.. شلون تسوي كذا؟ تحسب الموضوع لعبه؟
جابر بدون نفس : اسمعني، انا مادقيت أبشرك ولا دقيت آخذ منك نصايح.. أنا داق اسألك، تبي البنت؟
يكاد يفقد عقله مما يسمع : شلون يعني أبي البنت؟
بعدم صبر : اللي قلته ماله تفسير ثاني.. تبيها بجيبها لك أنا ماتلزمني.. توني صغيّر ولا لي بالبزارين وتربيتهم.. أمها وأهلها حذفوها علي وأمي ماتدري بسالفة الزواج ذي من الأساس ومستحيل أقول لها.
وبالأول والأخير هي بنتّي مستحيل أرميها وبنفس الوقت ما أقدر أخليها عندي..
ثم أردف ببرود : تبيها؟
يذكر أنه في ذلك اليوم لم يدع شتيمة في قاموسه إلا وقالها لابنه.. وبخه وصرخ به وشتم والدته التي لم تربي سوى فتى لا مبالي دللتهx بالمال حتى أفسدته ليقول جابر بعد كل ذلك ببرود: يعني تبيها ولا شلون ؟
*
.
.
يتمدد على سريره بجوار سالم الذي يلعب بجهازه اللوحي بما يزيد عن الساعة.. يضع يده تحت خده ينظر للشاشة بخمول ويتابع حركة أصابع الصغير الممتلئة بشرود.. في عقله معركة ستقتله.. هاجسٌ تسلط عليه سيقتله وكأن هذا ماينقصه..
الذي حدث في الاسبوع المنصرم كان كالجاثوم يتكئ على صدره ويستمتع بخنقه.. لازال في مرحلة اللاوعي ، بين المصدق بأنه رآهم وبين المكذب لاستحالة حدوث شيء كهذا بعد مايقارب ربع قرنٍ من عمره..
ليدخل بعدها في هذيان الحمى التي أصابته بعد عودته من المستشفى في ذلك اليوم.. كأن جسده لم يتحمل ما وجد وما فقد بسرعة..
من ليلتها وهو يضع الفرضيات .. والذي كان سيفعله إن لم يذهب منيف والذين معه من بين يديه..
حرارة و مرارة تغزوه تنفض جسده بقسوة وكأنها تلقي عليه اللوم بتركهم يرحلون دون أن يأخذ ثأره منهم كما يجب.. دون أن يبصق عليهم حتى..
وعى على صوت سالم ينادي بانسجام : خطّاب.
بضيق : نعم حبيبي؟
سالم بتفكير : وش أحط شعر؟
رمش أكثر من مره عاقداً حاجبيه ينظر للشاشة حيث سالم منخرط في لعبة الحلاق.. خطاب بتركيز: جرب هذا.
وأشار بأصبعه للشعر الوردي.
ضحك سالم ضحكات متتالية بعد أن وضع ما اقترح عليه ليرفع حاجبيه مستنكراً : وش؟
سالم واضعاً كفه على فمه وصوت ضحكته المرتفع يقاطع كلمته : يضحّك ..
نظر له مطولاً ولم يلبث حتى بدأ يشاركه الضحك بهدوء : ولد خلاص .
لكن سالم لازال يضحك على شيء يجهله.. حتى بعد أن أغلق جهازه ليلقيه جانباً يهتف بنعاس بعد أن أغلق عينيه لازالت الضحكة تشوب صوته : تعبت، بنام .
أغلق خطاب عينيه يشعر بالسكينة تغزو قلبه بعد أن اقترب منه سالم يدفن نفسه في حضنه..
لم يدرك بأنه قد شارك سالم غفوته إلا بعد أن وعى على صوت الذي يناديه، يهز كتفه برفق : خطاب.. خطاب.
فتح عينه وشعر سالم ملتصق برقبته نتيجة تعرق رأسه الصغير أثناء النوم .. التفت برأسه ليجد خالد : وش ذا الخيسة ليه نايمين بالحر؟
خطاب بخمول عاد يضع رأسه على وسادته : هلا تقول .
خالد باهتمام : للحين تعبان أنت؟ سألتها تقول صار لك يومين اشوى.
خطاب مغمضاً عينيه : مم..
سكت خالد يتأمله.. ثم قال بجدية : اجلس واسمعني بقول لك شي.
لازال على وضعه : والله مالي خلق خالد.. أتركني بحالي.
خالد : انت وش فيك ؟؟ اسأل هلا عنك تقول من الشغل للبيت ومن البيت للشغل وطول الوقت ساكت وحابس نفسك بالغرفة؟ وش صاير؟
خطاب بزفرة بعد أن شعر بثقل خالد يجلس على السرير : تعبان.
خالد : تعبان ولا اللي صار بالمستشفى حاسك حوس؟ خطاب اقعد زين وفهمني أنت للحين متضايق ؟
اشتدت أنفاسه : السالفة انتهت لا تقعد تعيد وتزيد فيها.. خلاص!
خالد بعد صمت : عاد تدري من يومها وأنا قلبي موب مرتاح من انفعالك واحس إن ودك تذبحني.. عشان كذا سويت اللي أقدر عليه وجبت اسماء اللي معي بالحادث .
لم يجد أي تجاوب من خطاب ليتابع باستنكار : البنت اللي تبرعت لها اسمها دانه جابر الوهّاج والشايب العايب اسمه منيف سلمان الوهّاج..
اما الثالث اسمه بدر ياسر البدر..
مرت الاسماء على مسمع خطاب وكأنها لا شيء.. لازال يغمض عينيه يظهر اللامبالاة مع أن قلبه يحترق من القهر..
خالد بحاجبين انعقدا : سمعتني؟
تنهد واعتدل جالساً بحرص كي لا يوقظ سالم : سمعتك..
خالد بتعجب : وعادي؟ قبل أسبوع بغيت تذبحني والحين خبر خير ؟
خطاب بمرارة : وش بتفيدني اسماءهم فيه يا خالد؟
خالد : أقلها تعرف وين تلاقيهم.. زيد شرطي وبضغطة زر يقدر يجيب لك كل اللي تبي تعرفه.. استغل معارفك ياخي فرصتك ذي.
خطاب : زيد تعرفه مثالي بزيادة ولا يحب يدخل العلاقات الخاصة بشغله .. عشان كذا لا احرجه ولا احرج نفسي.x
خالد بعد فترة : طيب سؤال..
ابتسم له بضيق : وش طاقة السواليف ذي اللي عندك اليوم؟
خالد بجدية : من وين تعرفه أنت؟
خطاب بجمود : معرفة قديمة.
عقد حاجبيه مستفسراً : طيب وش بينك وبينه؟
سكت قليلاً ليقول بتفكير يبعد نظره عن خالد : تدري يا خالد لو ماراح منّي ذيك الليلة هو واللي معه.. كان يمكن اخنقهم بيديني الثنتين لين أشوف أرواحهم تطلع من عيونهم، أو يمكن أحرقهم واسمع أصواتهم يستنجدون لين يموتون.
هذا اللي بيني وبينه..
قال آخر جملته ورفع بصره ينظر لخالد المبهوت تماماً بعد الذي سمعه..
حاول أن يضحك على خيبته : بس خلاص ماعاد له فايده الكلام ذا الحين.
يمكن خيرَه.
خالد بسرعة : إلا أكيد خيره.. أعوذ بالله خطاب وش هالكلام؟
ناوي تنهي حياتك أنت؟ ماهقيت إن تفكيرك إجرامي للدرجة ذي.
خطاب يرفع كفه -وكأنه يكشر عن مخالبه- : اررر انتبه مني..
رمش خالد أكثر من مره باستنكار لينفجر بعدها ضاحكاً : الله يقلع عدوك تستهبل وأنا على بالي صادق.. خلعتني ياشيخ..
ابتسم بحزن ولمعة عينيه تعبر عن كل شيء عجز عن قوله : أنا أدري عنك.. تعرفني أنا يالله أذبح نمله..
خالد لازالت الضحكة في صوته، وربما هماً وقع عن كتفيه : أعرفك ياقلبي حنون .. بس صدق عاد من وين تعرفه؟
حاول أن ينهي الحوار بأي شكل فما هو إلا تجديد لخيبته : كان صديق أبوي فواز الله يرحمه..
خالد بتفهم : الله يرحمه .. بس يعني انفعالك ي..
خطاب بضيق : خلاص عاد خالد عليتني.. انسى الموضوع.
.
.
تجلس عند إقدام زوجها المجبره والممدودة على السرير..
بصرها يتنقل بين والدها و والد زوجها ليستقر أخيراً على زوجها الذي كان صامتاً طوال اليوم..
لا تصدق بأنه لازال حياً بعد حادثٍ كاد أن يودي بحياته..
ليلتها لم تنم من شدة خوفها أن تستفيق على خبر وفاته..
بكت على صدره كثيراً تعبر له عن خوفها ولم تجد منه سوى الصمت و البرود كعادته.. لا بأس.. المهم أنه بخير.
منذ خروجه من المستشفى كان يتكل عليها بكل شيء حتى دخوله الحمام وخروجه منه خصوصاً مع أطرافه المجبره التي تحد من اعتماده على نفسه .. وكانت هي أكثر من سعيدة لتلبية احتياجاته واعتماده عليها في ذلك حتى وإن كان يلقي أوامره عليها وكأنه يتفضل عليها بذلك..
لا بأس.. المهم انه بخير.
نظرت لوالدها والذي لم تره منذ شهر يتحدث مع ياسر.. ملامح وجهه كعادتها جامده باردة وكأن الذي يدور حوله لا يعجبه.. على عكس ملامح ياسر التي تتسم بالحنان والعطف والاهتمام حتى وإن كان الموضوع لا يستهويه..
ادرات وجهها حيث يجلس بدر لترى عينيه موجهه لها.. ينظر بتمعن..
ابتسمت له بموده ولكنها لم تجد منه سوى ملامح جامده..
مع ذلك همست : تبي شي حبيبي؟
بدر بجمود وعبوس : ليه قاعده عند رجلي ؟
حنين لازالت مبتسمه :x عشان لا بغيت شي أكون قريبه منك يا قلبي .
بدر بحده : لابغيت شي بناديك.. قومي،، ضايقتيني..
ابتلعت ريقها بإحراج بعد أن شعرت بأنظار الموجودين ناحيتها بعد أن قطع صوت بدر حديثهم..
بهمس ورجاء وهي تشير بعينها للجالسين : بدر؟.
لازال صوته حاداً : قومي اقعدي هناك..
ولا اطلعي..
أنقذها من الموقف المحرج صوت والد بدر يهتف بعدم رضا : والله انك مو وجه أحد يرزك.. حنين وأنا عمك تعالي اقعدي جنبي وسعي خاطري اتركيك من عديم النظر ذا.
تحركت من مكانها بسرعة باتجاه ياسر وقبل أن تجلس بجواره وقعت عينها على والدها.. تمنت لو ترى القليل من الغضب يعتلي ملامحه لارتفاع صوت بدر عليها.. لمعاملته السيئه لها و بوجودة.. لكن خابت أمنياتها فلم تجد شيئاً على وجهه سوى البرود ونظرة وكأنها لا تعنيه تتابعها حتى جلست..
ياسر بموده وهو يلف يده حول كتفها : حد يحصل له هالوجه يقابله ويقول لأ؟ مير من يومك وجه فقر يا بدر.
ابتسمت له الدموع تكاد تنفجر من مقلتيها..
عادت تنظر لبدر بعتب لكنه كان قد أغلق عينيه واسند رأسه على وسادته..
كيف له أن يبدو بكل هذا الجبروت وكل هذا الضعف في نفس الوقت..
تشعر به ضعيفاً وهو لا يتحرك إلا بمساعدتها.. شيئاً ما يدور في عقله يجعل منه هشاً نظرته كسيره.. تتمنى لو تحتضنه تجعله ينسى ما يشغل عقله قليلاً.. يعبر لها عن أهميتها في حياته.. كيف أن وجودها أنقذه من أن يتذلل للغرباء لمساعدته في إنجاز أبسط أموره.. بالرغم من قسوته لكنّ قلبها يصبح هشاً رقيقاً في كل مرة تنظر له فيها..
رفعت حاجبيها مستنكرة ردة فعله عندما رفع رأسه فجأة والتفت لحمد وياسر الذين بدأوا يتحدثون عن شخص يدعى منيف ..
حمد : البنيّه اللي نقلها منيف.. دانه، طلعت بنت جابر؟
ماخبرت جابر عنده بنات كبار ؟؟
ياسر بضيقx : الله يستر عليه وعلى بنته.. وش تبي فيهم يا رجّال أعوذ بالله. أنا من شفته وأنا كأني شايف الموت قدامي ما صدقت يسافر عشان يرجع من جديد..
حمد بتجاهل تام نظر لبدر : أثرك صادق يوم قلت عنده وحده..
ظنيتها شيء مؤقت ماهقيت إنها حفيدته!
ابتلعت ريقها عندما ربطت الاسم بما سمعت من بدر سابقاً..
وشعرت بقلبها يهوي لأخمص قدميها عندما برز الاهتمام في عيني بدر الذي ناداها بانشغال : حنين تعالي أبي أجلس.
اتجهت نحوه.. ساعدته يجلس و تأكدت من أن ظهره بوضعية صحيحة.. كعادتها تهتم بأدق تفاصيله عله يوماً يلحظ ذلك ويطري عليها حرصها ..
بدر دون أن ينظر لها : خلاص روحي..
عادت تجلس جوار ياسر تجد نفسها تسمع بكل انكسار حواراً يُذكر فيه اسم فتاة غيرها قد شغلت بال زوجها ..
.
.
تتمدد في فراشها تتظاهر بالنوم كي يكون عذراً إن فتح جدها الباب يريد الجلوس معها كعادته مساءً.
قلبها يؤلمها لذلك وتشعر بدناءتها وهي تتعذر عن رؤية،، الشخص الثابت والوحيد في حياتها..
سعادتها وبهجة أيامها دون منازع... لا تعرف أحداً غيره وتعلم أنه يعرف غيرها الكثير ولكنه اكتفى بها حتى عن أبناءه..
أغمضت عينيها بقوة عندما شعرت بالباب يفتح ليتسلل الضوء لداخل الغرفة ..
سمعت صوته هادئاً : دنِّي نمتي؟
ابتلعت ريقها بمرارة عندما أغلق الباب بتنهيدة يأسٍ سمعتها عندما لم يجد رداً منها.
توبخ نفسها لفعلتها فهو لا يستحق التجاهل الذي لقيه منها الليلة.. (جدي منيف هو حياتي كلها.. وأنا من غيره مالي حياة)
جلست وأنزلت أقدامها على الأرض الباردة.. لتخرج من غرفتها بيدها المشدودة لصدرها تتجه حيث مكانه المفضل ليلاً في منزلهم الجديد..
وما إن رأت ترحيبه الحار لها والفرحة التي التمعت في عينيه حتى نست كل ماكان يغم قلبها من أحداث حدثت قبل ليلتين..
(والله إنه حياتي كلها).
*
قبل ليلتين،،،
كان كعادته يلازمها مكوثها في المستشفى متجاهلاً تعبه..
بشرّها بأن اليوم هو اليوم الأخير الذي ستنام به بين جدران هذا المكان وأنها من الغد ستكون بين أحضان غرفتها..
تبادلا الأحاديث المطولة كعادتهما دون الشعور ببطء الوقت حتى فُتح الباب ودخل آخر شخص توقع منيف رؤيته..
عقدت حاجبيها بعد أن شعرت ببرودة كف جدها الذي كان يمسك يدها..
تنظر للذي دخل عليهم للتو وهي التي تعرفه كما تعرف ملامح وجهها.. تتابعه في -تويتر- تتأمل صورة وتتلهف لمعرفة آخر أخباره..
رجف قلبها بلهفه وشوق غامر وهي تراه يقترب من سريرها نظرات جدها تتبعه..
جلس على الأريكة السوداء ذات الجلد اللامع.. يهتف ببساطة : مساء الخير.
نهرت نفسها على توقعاتها التي خابت وهتفت بمودة : هلا مساء النور.
ثم نظرت لجدها الذي كان ينظر لابنه بنظراتٍ غريبة..
اعتدلت وسحبت يدها من يد جدها ترتب شعرها بتوتر تحاول السيطرة بيدٍ واحدة على جميع الشعرات المتطايره وتعيد ترتيب زي المستشفى من الأعلى فهذه المره الأولى التي يراها فيها والدها وهي امرأة ناضجة تختلف تماماً عن الطفلة في عامها العاشر..
جابر : الحمدلله على السلامة .
منيف بأنفاس حاده : بدري طال عمرك .. لو مت كان ما دريت .
ضحك : أعرفك قط بسبع أرواح بسم الله عليك.
غير إني ما دريت إلا من العاملة في بيتكم يوم مريته اليوم ..
منيف : واخوانك وينهم؟ ولا لازم يمرون بيتي عشان يعرفون..
جابر ببرود : أخواني إنسى.. أنا لأني تربيتك ماهان علي اسمع انكم بالمستشفى ولا أجي .
منيف بنرفزة : الله لا يضرك يا تربيتي..
أمك ما قصرت حشت راسك وراسهم..
جابر بضحكة: أمي مالها دخل .. أظن كنا موجودين بالدنيا يوم طلع خياسك..
صرخ به صرخة افزعت دانه التي كانت تراقب تراشقهم بالكلمات والنظرات برعب : جابر لا تنسى إني أبوك.
وإن نسيت حط في بالك إني منيف ولا بغيت أنهيك،، أنهيتك حتى لو إنك ولدي..
جابر بغمزة : ماتسويها ..
بجديه : جربني..
عاد يغمز وبضحكة هذه المره: تؤ،، ماتسويها..
بيني وبينك مصلحة..
قالها وأشار برأسه لدانه..
منيف بغضب : لا عاد تشوفك عيني ياجابر أحسن لك .
انقلع عن وجهي.. انقلع.
وقف وببرود : إن شاءالله أجيك زيارة في بيتك الجديد..
التصميم جبار على فكرة..
قال جملته وخرج من المكان بهدوء كما دخله بهدوء لزيارة لم تدم سوى دقائق ..
ليترك منيف يفور كالإبريق خلفه ودانه غارقة في دوامه بسبب الكلمات المبطنة بينهما.. و الخيبة والخذلان من والدها الذي لم ينظر لها بنظرة خاطفة حتى ..
*
.
.
خرج خالد من غرفة خطاب ليجد هلا تدور في الصالة بقلق ..
ما إن رأته حتى اتجهت له : عن وش تكلمتوا؟
خالد بنبرة حالمه : عن الحب.
عقدت حاجبيها باشمئزاز : نعم؟
خالد باستمتاع : الحب في حياة الرجل.. أمور ماتعنيك يعني .
قلبت ملامحها : خالد عن ثقل الدم الحين والله موب رايقة لك..
خطاب من بعد مارجع من ذاك اليوم وهو مكتّم ولا عاد يكلمني مثل أول..
خالد : يمكن انك غاثته بسواليفك يختي.
هلا بنفاذ صبر : خاالد.
ضحك متجهاً للباب : مافيه شي رجلّك يتدلع.
بضيق : ما أدري،، إن شاءالله..
بتروح؟
خالد باهتمام وجديه بعد أن لاحظ وجهها : ايه خلاص وراي رحله.. وسعي صدرك والله إن مافيه شي بس شاف صديق عمي فواز وشكله حن..
بس مع ذلك راجعي نفسك بموضوع الهذرة الزايدة تراني جاد فيها.
قالها وضحك لتضحك معه بتعب وهي تدفعه و تغلق الباب خلفه : أقول يلااا بس..
وها هي الآن عــقــارب الساعة تشير للحادية عشر مساءً ..
خطاب لا يزال يعتكف الغرفه.. لم يعد كما السابق أبداً. أصبح يجلس وحيداً يتعذر بالتعب وحاجته للنوم ..
لم تشأ أن تخترق عزلته فأصبحت تدعه كما يحب.. وحيداً لا توجه له سوى بعض الكلمات(تبي عشا؟ بتنام؟ احط الغدا) ولا شيء سوى ذلك..
تشعر بقلبها يتفطر لرؤيته يقصيها من حياته هكذا.
حتى عدم رغبته بها جاءت رقيقة دون أن تجرحها فكان جوابه دائماً على أسئلتها الرسمية (تسلمين... ايه تصبحين على خير... تغديت عليك بالعافية)
تذهب يومياً لعملها برفقته صباحاً ، الطريق طويل ومع صمتهم يزداد طولاً وكأنه يعاقبها حتى باتت تتعذر بنومها في السيارة ليوقظها برقه مربتاً على كفها : هلا وصلنا.
هناك خطأ.. خطأ بعثر أوراقهم وأضاع الطريق بينهم و لا يجب أن تسكت عنه أبداً..
شعرت بثقل على الأريكة جوارها أخرجها من سرحانها فالتفتت لتجد خطاب يجلس جوارها.x يسند رأسه على ظهر الأريكة مغمضاً عينيه..
شعر بيدها تتحسس وجهه.. ليقول بهدوء : صار لي يومين متعافي وأنتي للحين تتأكدين إذا الحرارة خفت أو لا!
هلا بهدوء مشابه : أطمن قلبي عليك.
ابتسم لازال مغمضاً عينيه .. استغلت هلا الفرصة لتتأمل وجهه الذي لم ترى وجهاً مثله . يتفرد بتفاصيله وتقاسيمه عن أي شخص آخر..
تنظر له بحنين تتمنى لو كان باستطاعته الشعور به ..
شعر بأصابعها تمشي على ملامحه.. تتّبع حاجبيه وكأنها تعيد رسمها..
لمستها ناعمه و رقيقة شعر بها تذيب قلبه..
وصله همسها بعذوبة : توبي.
ابتسم للاسم الذي لم يسمع سواه منها فيما مضى حتى عندما كان يأمرها بأن تناديه باسمه دون تدليل .. اجابها بخدر : مم؟
لازالت تهمس وكأنها تحادث نفسها : وش فيك حبيبي؟.. ليه زعلان؟..
مين مضايقك؟...... أنا؟
فتح عينيه عندما استقر كفها على خده.. لا اناره سوى إنارة الأباجورة الصفراء الخافته خلفها.. تجلس تواجهه تميل عليه وهالة عجيبة تحيط بها..
ملامحها بين الصحوة والغفوة وكأنها تحارب النوم وتقاومه.. شعرها ينسدل على اكتافها بنعومه عدى بعض الشعرات المتطايره لتعطيها سحراً مختلفاً.. ابتسامه ناعمه وصادقة ترتسم على فمها.. عينيها الناعسه تحاول أن تحكي له شيئاً لم يروى لغيره أبداً..
هلا مختلفه.. هذا مايؤمن به حقاً..
هلا هي منقذته من غمرة الأحزان التي أغرق نفسه بها..
هلا هي خلاصه وكل حكاية يتمنى أي رجلٌ أن يعيشها..
ابتسم لها يسحب كفها الذي أصبح دافئاً على خده.. قبّل باطنه ليردف بهدوء : هلا تدرين كيف أهلي ماتوا؟
ابتلعت ريقها تهز رأسها من تغير الحوار فجأة .
حرر يدها من يده.. ينزل بصره يهتف بذات الهدوء : تدرين إني شفتهم يموتون قدامي؟
رمشت أكثر من مره غير مستوعبه : وش؟
ابتسم بأسى: شفتهم يموتون قدامي.. شفت النار تاكل بيتنا وأنا واقف وكأن المنظر عاجبني.. بعدين هربت.. تركتهم يحترقون وراي وركضت بعيد عنهم متمسك بالحياة..
وما أدري وش الحياة اللي كنت متوقع أعيشها بدونهم..
تدرين وش أكثر شي يجي على بالي من يومها..
أمي وين كانت؟ و أحمد الصغير؟ وخوله اللي ما كملت السنة؟
قدرت أمي تشيلها ولا احترقت بسريرها؟
ساعات أنسى إن بحياتي كان فيه أخ اسمه أحمد.. وإن خوله كانت أختي الوحيدة.. وأكره نفسي مليون مره فوق ما أنا أكرهها .
هلا بعبرة تشعر بثورة من المشاعر تضربها بكل قوة. صدمة وهلع ورعب : شلون صار كل ذا؟ وليه ما قلت لأحد؟
ليه سكتت عن موضوع مثل كذا؟
خطاب بابتسامه لم تصل لعينيه وهو يرى الدموع تتجمع في عينيها : أنا ما قلت لك إلا لأني أبيك تعذريني.. وعشان تعرفين إن المشكلة فيني صار لها أكثر من عشرين سنة.. تكبر معي وتقاسمني كل شي حتى صحتي..
مشكلتي مالها حل إلا برجعة اللي راحوا يا هلا.
هلا أنا حزين..
أحس قلبي مات من الحزن من يوم كان عمري ثمان سنوات.. من يوم ما تركت أمي واخواني يحترقون وراي وهربت .
قال ما لديه لازال محافظاً على ابتسامة ليس لها معنى.. في عينيه ذبولٌ رهيب أذاب قلبها..
كيف لخطاب الصغير أن يتحمل كل هذا لوحده..
كيف قالها مكسوراً هكذا؟ كيف اختار الكلمة لينطق بها (حزين) حزيناً هكذا؟ وكأن بين الحاء والنون قصة حياته كاملة..
ابتسمت له بأسى عندما رأت أن عينه لازالت تنظر لها.. مسحت حاجبه بإبهامها بنعومه تهمس بصوت أثقلته العبرة : وش فيك ؟
رفع كتفيه بقل حيلة لازال محافظاً على ابتسامته..
حتى وإن لم تصل لعينيه، لازالت تجمّل وجهه..
هذا ماهتفت به لنفسها وهي تقترب منه بهدوء ..
قبّلته..
المرة الأولى برقه وهدوء وكأنها تخاف من أن تجرحه.. بالكاد لمسته.. ولم يتجاوب معها تحت دهشته وصدمته من فعلتها..
لم تبتعد كثيراً لتعود وتقبله مجدداً للمرة الثانية.. هذه المره جعلته يشعر بها لتشعر بأنفاسه تتسارع باضطراب..
الثالثة كانت منه . عندما حاولت أن تبتعد لكنه وضع يده خلف عنقها يمنعها..
يضع كل عواطفه ومشاعره في قبله.. يستودعها كل أحزانه وقصة الماضي التي تقيده.. يستودعها كل مخاوفه وكأنه يخبرها بأنه لا يستطيع أن يتقدم بهذه العلاقة مهما حاول ذلك.. يستودعها كل القيود التي تربطه وتثبط عزيمته وتبدد كل أماله بحياةٍ طبيعية ..
وكيف لقبلةٍ أن تكون كافيةً لتنسيه الزمان والمكان.
شعر بها تبعده برقه عندما ضاق تنفسها.. هز رأسه نافياً مغلقاً عينيه لا يريد للحظة عذبة كهذه أن تنتهي .. توقع منها أن تبتعد لكن صدره زاد في علوه وهبوطه عندما شعر بصوتها يهمس بالقرب من أذنه بيأس وضعف وحزن شعر به يبعثرُه : أنت بس لو ترضى تسلمني قلبك يا خطاب..
.
.
.
# نهاية الفصل السادس ♡.
سبحان الله وبحمده،، عدد خلقه .. و رضا نفسه،، وزنة عرشه ومداد كلماته ..
أتمنى لكم قراءة ممتعة وعذراً مقدماً على أي تقصير :)
|