كاتب الموضوع :
وطن نورة ،،
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: > أنت مثل أحزاني ،، قدر .. / بقلمي ..
◇ أنْت مِثلْ أحْزانِي ،، قِدرْ ◇
.
.
# (٢) الفصل الثاني ،،
°
°
♧ لم يكن الغصن هزيلاً ، بل كانت الريح قوية ♧
.
خرج من دورة مياه شقته الصغيرة يلف فوطته على خصره ..
مطبخ صغير يُفتح على صالة متوسطة الحجم بأربع أرائك وغرفتين و دورة مياه واحدة .
لم تكن أقصى طموحه لكنها تقنن من وحدته التي استحلت قلبه حتى أصبح يشعر بأنها مرض مزمن لن يحل عنه إلا إذا مات.
رفيقة فارس يتمدد على الأريكة يعبث بهاتفه . ما إن رآه حتى صفّر يهتف ممازحاً : لبيه يالعضلات..
جلس على الأريكة الأخرى يمسح شعره بفوطة حول رقبته ، يضحك : اعقل..
فارس بعد أن فتح كاميرا جواله : ممكن صورة؟ أعطيني وضعية لو سمحت.
خطاب بجدية: فويرس اعقل أقول .. يا ويلك تصور .
مانزل خالد من الغرفة ؟
بتعجب : خالد هنا؟ وش عنده ؟
خطاب : عنده مشكله و يبيني القى لها حل.
فارس بسخرية : مشكلة عاطفية؟
ابتسم نصف ابتسامه : بالضبط..
ضحك : موب بسيط والله يا طبيب القلوب أنت..
حل مشاكلك أول شي ولا هات أنا احلها لك .
خطاب بحاجب مرفوع : وش مشاكلي؟
ماعندي مشاكل اللهم لك الحمد ، خالي من الهموم والغموم ..
لم يعلق فارس فقد شعر بكمية السخرية والتهكم في صوته..
وقف متجهاً للمطبخ يتهرب من هذا الحوار الذي كان سيوقعه في شبكة أحزان خطاب .. هتف بصوت عالي وهو يفتح الثلاجة : زيد وينه بالله؟
خطاب بهدوء : عند عياله.
خرج من المطبخ يحمل بيده علبة عصير يشرب منها : وش فيه ولد خالتك خفيف تقل ما صدق يصير أبو؟ من ولدت حرمته وهو مختفي.
ابتسم : خل الولد يستانس وش حارق رزك أنت؟
تذكر بس يوم جاك محمد كيف اختفيت وإن حصل وشفناك لقيناك شايل معك يا علبة حليب يا كيس حفايض؟
فارس بحاجبين معقودين : الكلام ذا من سنة يالظالم وكنت مستانس بالورع..
ما أقول غير الله يبلغني شوفتك تراكض في الصيدليات تلقّط قرابيع عيالك.
وقف متجاهلاً ماسمع متجهاً لغرفته يمر من أمام فارس الذي بدأ يشرب مما في يده يتابع مشي خطاب الهادئ بعينيه حتى اختفى من أمامه بعد أن هتف من فوق كتفهx : بحط ملابسي علي وبرجع لك.
دخل غرفته بنفسٍ ضائقة ليجد خالد يتمدد على سريره هاتفه بين يديه وسحابة سوداء تظلل رأسهx ..
رفع حاجبه : يوم إنك صاحي ليه ما طلعت الصالة؟
بملل دون أن يُحرك ساكناً : مالي خلق أقابل أحد.
اتجه حيث خزانة ملابسه فتحها وهتف بجدية : خالد خلاص يكفي زعل تلاقي أمك منشغل بالها عليك .
خالد : يمه منك اللي يسمعك ما يقول تكلمها يومياً تعطيها أخباري؟
غير إني توني مكلمها قبل شوي والأمور طيبة الحمدلله.
التفت له مبتسماً : أجل اسمع ، تراني يومياً بعد ما أكلمها
أكلم أبوك.. يعني نحشتك ذي ما منها فايدة.
رفع بصره عن شاشته.. ينظر لخطّاب ينوي قول شيءٍ ما لكنه عوضا عن ذلك نظر له بتفحص ابتداءً من كتفيه وانتهاءً بطرف فوطته ومروراً بعضلات بطنه المقسمه فأطلق صفيراً بإعجاب وحرك حاجبيه بخبث ..
حذف القميص الذي بين يديه على وشك أن يرتديه ليستقر على رأسه : ولد غض البصر .
خالد بضحكة وهو يبعد ماحجب الرؤية عنه : فتنة يا توبي فتنة.
سكت قليلاً ثم أردف بجديه : خالد أبوك منشغل باله عليك وما أظن أن الموضوع اللي مزعلك منه يسوى .
بضيق : اووه وأنا كل ما جيت أصرّف السالفة تقوم ترجع لها؟
يرحم والديك عن الغثى عاد.
لازال يتحدث بجدية فحال الشاب هذا لن يجدي هكذا : طيب إلى متى؟
نظر له : أنت متضايق من قعدتي عندك؟ إذا متضايق قول.
بوجه خالي من التعابير : إيه متضايق.
اتسعت عينيه باستنكار وعدم تصديق : خطاااب!!
ببرود بعد أن عاد لدولابه يبحث بين ثيابه: اكذب عليك يعني؟
صار لك ثلاث أيام هنا و خالتي ماشافتك وضايق صدرها والبلى ليته على شي يسوى!
خالد بإنفعال : أنت وش فيك علي يااخي؟
بإنفعال أكبر: مو عاجبني حالك قاعد هنا وتندب حظك.. الموضوع انتهى خلاص انسى وعيش حياتك ولا تصير بزر.
خالد بقهر: لا ما إنتهى . عندي أنا ما إنتهى، أنت تدري إني أقدر أمنع المهزلة ذي من إنها تصير وأقول بنت عمي لي وتحرم على غيري وهذا حقي وما لأحد علي كلمه ساعتها ..
بس إن أبوي حلف أيمان مغلظة إن سويتها أنا بطريق وهو بطريق.
أنا الغبي اللي قلت له المفروض احطه قدام الأمر الواقع.
خطاب بإنفعال : لا يا شيخ!! والله المهزلة هي كلامك ذا..
حق وش اللي قاعد تتكلم عنه؟ البنت مهيب من أملاكك عشان تحجرها لك وتاخذها بالطريقة ذي بدون حتى لا تهتم أنك تسمع رايها..
بإنفعال وهو يضرب على صدره بقوة :x أنت ماجربت القهر اللي قاعد أحس فيه الحين ولا كان ما قلت كذا.
سكت عنه خطاب .. ذاكرته تعود لعامين قد مضت ..
كيف لم يجرب القهر وهو الذي عاش أغلب حياته مقهوراً ؟
رمش أكثر من مره يبعد خيال ذكرى قديمة عنه .
لم يعد لخالد أثر في الغرفة لذا بدأ يرتدي ثيابه بهدوء وعندما خرج الصالة تفاجأ بأنها خاليه .
نظر لساعته التي تشير للحادية عشر ليلاً ..
السكون يلف المكان الصغير ليزيده كآبة..
ليته لم يزد العيار على خالد.. أقلها كان وجودة طيلة الأيام الماضية
مؤنساً.. لا يريد أن يكون وحيداً الليلة..
#
هناك حيث توقف الزمن عليها ..
قبل عامين ،،
حيث هلا تجلس على سريرها تنظر للفراغ بلا وعي ..
تحديداً بعد أن زف شقيقها الأصغر خالد خبر خطبة ابن عمها لها..
كل شيء تلاشى واختفى ..
كل احساس جميل نامت عليه البارحة تطاير رذاذاً حتى اختفى..
كيف لمحمد أن يخطبها وهي قالتها صريحة في وجه شقيقته أنها لا ترغب به؟
والأدهى من ذلك كيف لوالدها أن يوافق على طلبه دون حتى أن يرجع لها بالقرار؟
وقفت تجر خطواتها حيث دورة المياه .
توضأت وكبرت لتصلي صلاة الظهر .. لن تتسرع فربما خالد أساء الفهم ..
ربما ..
يارب .
لم يمهلها والدها كثيرا من الوقت كي تحتار بصحة ما سمعت، لتستفيق بعدها على صدمة الخبر . وأنه حقيقة ..
كل شيء حقيقة أكدتها ابتسامة والدها المرتسمه على شفتيه التي نطقت بفرح : محمد ولد عمك سالم خطبك مني وأنا وافقت.
هلا بضيق : بس أنا منيب موافقه يبه..
تلاشت ابتسامته وانعقد حاجبيه بصدمه : أفاا.. وش تقولين أنتي يابنت؟
هلا والعبرة تقف بمنتصف حلقها : ما أبيه يبه.. تكفى لا تجبرني.
تأمل وجهها وبضيق : ليه؟ شايفه على ولد عمك شي؟
هلا بسرعة : لا والله. بس ما أبيه تكفى.x والله أنه مثل زيد و خالد عندي .. تكفى لا تجبرني.
زاد انعقاد حاجبيه : بس أنا قد أعطيته كلمه.. وأعطيت أخوي كلمه.
هلا ودموعها سقطت بأمل فوالدها ليّن وحنون هي تعلم ذلك جيداً لن يجبرها على شيءٍ لا تريده : إذا منحرج من عمي أنا أكلمه وأقول له.. تكفى يبه لا تجبرني.
تنهد يستغفر تحت أنفاسه.. ارخى بصره عنها : ويرضيك تصغريني قدام أخوي و ولده يابنتي وأنا قد قلت كلمتي؟
برجاء : أبوي.. الله يخليك.
قلبه لا يقوى رؤية دموعها وسماع رجاءاتها دون أن يرضخ. لكنه قال بثبات : محمد ولد أخوي كبر قدام عيني أعرفه وأعرف أخلاقه لو
إني شايف عليه شي مو زين كان رديته قبل حتى لا يكمل جملته.. لكني أعرفه ومافيه أحسن من إن الوحده تاخذ ولد عمها منها وفيها
يخاف عليها ويداري خاطرها..
يا بنتي تعوذي من إبليس واللي فيك تردد وخوف طبيعي لا تخلينه يأثر عليك .
الله يرضى عليك يا هلا مثل ما أنتي ترضيني طول عمرك ..
ابتعدت عنه تكتم شهقاتها بيدها .. فجملته الأخيرة دلالة على انتهاء النقاش.
*
عقد حاجبيه بتشتت : كيف؟
ابتسم : وش اللي كيف؟ أقولك محمد خطب هلا وأبوي وافق .
أصلا من أول هي له الكل يعرف .
رمش أكثر من مره وهو يشعر بدماغه يذوب في رأسه ليذيب معه ماقال زيد..
ينظر له بنصف وعي يراه يتناقش بحماس مع خالد يشرح له مقصده من جملته التي قالها ..
أنزل بصره حيث ساعته التي أهدته البارحه.. يتتبع بسبابته إطارها الدائري الفضي .. لا بأس، هذه ليست أولى خساراته وبالتأكيد ليست أكبرها..
يبتسم ابتسامه لا معنى لها على صوت زيد يهتف : من جات على الدنيا وعمي قايل إنها لولده محمد.. عاد محمد رجّال والله وماينعاب.. ولّا خطاب وش رايك؟
.. : هاه؟
نطق بها بسرعة يرفع بصره لزيد ويسحب كم ثوبه ليغطي ساعته .
زيد : أقول وش رايك في محمد؟
ابتسم مجددا لكن هذه المره بتهكمٍ على حاله : رجّال.
حتى وإن كان مختلفاً معه، لن يبخسه حقه أبدا..
محمد ونعم الرجل على مشارف الثلاثين موظف في أحد شركات النفط الكبرى .. قليل الكلام صامت أغلب الوقت وجديٌّ جداً.
لا يحتاج لأن ينظر في الموضوع مرتين حتى يعلم أنه لا يكُن له أي موده خصوصاً وأنه لا يتلقى منه سوى النظرات الحادة و الكلمات الجافة.
.
.
تقف خلف النافذة تتأمل ساحة منزلهم بذهن شارد ..
للتو أنهت حياتها بيدها .. كتبت على نفسها حياة مع شخص آخر لا شيء يشدها نحوه..
قبل أسبوعين جاء خبر خطبتها.. حاولت وقاتلت باستماته أن تمنع هذه الكارثة من أن تحدث لكن دون جدوى .
في كل مرة تنهار في أول المعركة عندما يهتف والدها بحنو : الله يرضى عليك يا هلا مثل ما أنتي ترضيني طول عمرك ..
كانت قد رفعت رأيتها البيضاء واستسلمت ..
تنتظر انقاذاً من الجهة الأخرى ..
تنتظر خطّاب ..
لكن خطاب اختفى لتنشغل بالقلق عليه عن أي موضوع آخر ..
حتى موضوع ارتباطها بغيره.
اختفى وعاد البارحه لتكتشف أنه كان في دورة عمل في جده .. وأن الجميع يعلم بذلك عداها.
تضحك على نفسها عندما تتذكر بأن نوعاً من الأمل داعب قلبها عندما علمت بعودته.
لا أحد يستطيع انقاذها سواه.. مع ذلك لم يتحرك ساكناً فوضعت له عذراً يشفع له .
انتهى الأمل وتبدد وأصبح مجرد ذكرى مؤلمة..
والواقع الآن أنها صارت زوجة محمد ..
.: هلا.
وصلها صوت نجود بتردد .. صوتها قريب جداً كأنها تقف خلفها مباشرة..
أجابت على ندائها الثاني بشرود وعينها مثبته على ساحة المنزل : مم؟
عادت تنادي بإصرار : هلا؟
لترمش أكثر من مره تبعد حرقة الدموع في عينيها وتلتفت لها بضيق: وش تبين؟
نجود بقلق : مبروك؟
زفرت بأسى : الله يبارك فيك .x عقبالك.
مررت لسانها على شفتيها : زعلانة مني؟
رفعت بصرها عن الأرض لتنظر لها باستفسار : ليه؟
رفعت كتفيها بيأس لا تدري لتردف هلا بابتسامه ذابله : ما سويتي شي يزعل . وما صار شي عشان أزعل عليه..
مسكت ذراعها : والله محمد مو سيء .. بالعكس، وما أمدحه لأنه اخوي ،، والله .. أعطيه فرصة و لا تضيقين صدرك .. ومبروك مره ثانية .
قالتها بسرعة بعد أن احتضنتها بقوة لتخرج من الغرفة.
تلاشت ابتسامتها تماماً وذبلت عينيها بحزن يكاد يفتت قلبها..
وعادت تقف خلف النافذة تنتظر خروجه.
.
يجلس معهم يسمع لأحاديثهم وبصره مركزٌ على محمد الذي أصبح الآن زوج ابنة خالته..
ينظر له مستنكراً أفعاله -ونظراته- هذه اللحظة..
خصوصاً وأن الرجل - والذي كان يجلس أمامه مباشرة في صدر المجلس - ينظر له بتشفي وكأن بينهما ثأر قد أخذه منه للتو..
وضع يده على معصمه يتأكد من أن الساعة يغطيها كم ثوبه ..
هل علم بموضوع الهدية أم ماذا؟
أفعاله الليلة غريبة كان أولها عندما طلب المملك بطائق الشهود.. فأخرج كلاً من زيد و خالد أشقاء العروس هوياتهم..
محمد بابتسامه : خالد إذا تسمح بس أبي خطّاب يكون الشاهد الثاني على زواجي .
خالد بهدوء وهو يسحب بطاقته : أبشر ، أنا وخطّاب واحد .
ابتلع ريقه ليقول بثبات : خالد أخوها ويبي يكون الشاهد وأظن من حقه.. هو أولى مني.. رجع بطاقتك خالد.
محمد لازال مبتسماً : أفا عليك بس ؛ تردني وأنا طالبك؟
ليضع بعد جملته تلك ، بطاقته مكرهاً ..
أبعد بصره يحاول أن يشتت تفكيره ويخرجه من عقله ..
لكنه لم يستطع.. عاد ينظر له بشك ليجد محمد لازال ينظر له بتشفي وابتسامه ترتسم على شفتيه..
.
.
ابتسم بحنو وهو يرى خالته قادمه من بعيد تحمل بيدها صينية القهوة. يشتاق لها حقاً ويفتقد قربها مع أنه حتى بعد انتقاله لسكن مستقل لازال يحرص على زيارتها يومياً..
وقف ليأخذها منها ويسكب لها فنجالاً يمده لها : سمي يا قلبي.
أخذته بفرحه تشع من عينيها : سم الله عدوك يا عين أبوي أنت.
ضحك بخفوت وهو يراها تكاد تقفز من فرط سعادتها : وش العلم فرحيني معك.
وضعت فنجالها على الطاولة الجانبية .. استدارت لتواجهه بحماس : هلا بنيتي توها مكلمتني تبشرني إنها حامل..
مرت الكلمات على مسمعه فكان وقعها على قلبه كجبلٍ من جليد..
أخرجها من تفكيره بعد أن تزوجت ويقسم على ذلك لكن لا يعلم مالذي حلّ بفؤاده هذه المره ..
ارتشف من فنجاله ليبعده ويقول بهدوء وجمود : ماشاءالله مبروك الله يتمم لها وتقوم بالسلامة..
ثم ابتسم ابتسامه لم تصل لعينيه : كبرتي يا خالة و بتصيرين جْدِيدَة .
ضحكت وعينيها تلتمع بالدموع على حاله وقبلها على حال ابنتها التي أبلغتها الخبر وهي تبكي منهارة منه..
.
بقلق والعبرة تجمعت في حلقها : وش فيك تبكين يابنت؟ الدكتورة قالت لك شي؟
هلا بصوت بالكاد خرج من بين شهقاتها : خايفه يمه خايفه.
بضيق : لا تخافين كل الحريم تحمل و تولد والموضوع هين بقدرة الله ورحمتهx .. احمدي ربك واشكريه على هالنعمة واعطيني محمد أكلمه و أبارك له.
.
تعلم أن لا رغبة لها بمحمد وأنها غير سعيدة بحياتها معه حتى وإن كانت تظهر العكس وتحاول أن تبين سعادة زائفة ..
لكنها تعلم أن ابنتها تنطفئ يوماً بعد يوم.
سكتت تتأمل تفاصيل ابن شقيقتها يتلهى بقهوته وقد انطفأت شعلته التي أتاها بها الليلة بعد أن أخبرته.. ليتها لم تخبره..
تنحنحت وقالت بهدوء : زيد حدد موعد عرسه..
ابتسم لها بتعب : ايه قال لي ، بيتشقق من الوناسة على قولته .. الله يوفقه ويسعده ويتمم فرحته.
تنهدت : وأنت إلى متى بتقعد تدعي للناس وتبارك لهم؟
عقد حاجبيه باستنكار : هاه أجل ، أدعي عليهم يعني؟
مررت لسانها على شفتيها لتعتدل جالسة : ولد.. أنت فاهم قصدي.
ضحك : لا والله موب فاهم.
نظرت له بجدية : كل اللي بعمرك وأصغر منك أعرسوا. صديقك فارس قبل شهرين و زيد بعد شهر.. باقي أنت.
أشار بسبابته يهتف بمرح : وخالد لا تنسين.
ضحكت لا إرادياً : لا خالد الله يستر عليه توه خليه يتخرج ويشتغل ويكّون نفسه ثم لاحق .. تكفى يرحم والديك لا تسمعه الطاري قسم إن يغثني.
ثم بسرعة وهي تمسكه من معصمه بقوة عندما هم بالوقوف : ولد.. اقعد..
ضحك يعتدل بجلسته بعد أن كان على وشك السقوط : هاه وش تبين؟
ابتسمت له : اقعد مابعد أخلص كلامي .
خطاب : بروح الحمام و أرجع لك.
رفعت حاجباً متهكمة : تلعب على مين أعرفك بتنحاش..
اسمعني .. أنت تدري إني للحين ماخذه بخاطري على طلعتك وقعدتك في بيت لحالك.
هز رأسه : وموب مرضيك إلا... ؟
ضحكت وهي تكمل جملته : إلا إني أخطب لك .. هاه وش رايك؟
سكت يقلب كلامها في عقله . امرأة في حياته ؟
لا يبدو اقتراحاً سيئاً.. يحتاج لعنصر نسائي في حياته يجددها، يحتاج لأسره ينشغل بتكوينها علها تشغل تفكيره وتسلّي خاطره.
هتف بهدوء : فيه أحد في بالك؟
كادت تنشطر من فرحتها.. قالت بلهفه : اووه فيه وش كثر ..
ثم أردفت بمرح وهي تغمز له : والله يا إن عندي لك تشكيلة.. شي فاخر من الآخر..
ضحك من قلبه : يا حبي لك يا خاله.. ها سمعيني كلي آذان صاغية ..
سلوى بعد تفكير بسيط: أول وحده هي أخت صديقك فارس ..
وش ملحها تهبل .
كاد قلبه يتوقف .. تغيرت ملامحه عندما تبادر لذهنه الصوت الأنثوي لصاحبة اللسان السليط : لا يرحم والديك.. هاتي غيرها .
استنكرت رد فعله لكنها تجنبت أن تعلق خوفاً من أن ينفعل -وهي ما صدقت أنه وافق وقاعد يناقشها ويتجاوب معها الحين- : والله فيه كثير.. أنت تبي وحده معينه؟ لك مواصفات معينه ؟
قال بضحكة : وش هالسؤال؟ والله أستحي أقول لك مواصفاتي بصراحة.
بحسرة : خلف الله علي ليت ربي أعطى زيد مثل ما أعطاك..
ماترك شي في خاطره من مواصفات وآخرها قال يعني يمه أبي نجود بنت عمي أثاريه من أول حاط عينه عليها الهيس.
شعر بالإحراج لا يعلم لماذا : الخيار لك يا خاله أثق بذوقك.
التمعت عينيها بحماس : خلاص تم بكرة بعده بالكثير ويكون اسم عروستك عندك.
.
.
تنظر للفاتنة أمامها بحقد واضح.. تبدو في قمة أنوثتها وجمالها بفستان زفافها الأبيض..
زفافها على فارس أحلامها هي منذ أن كانت طفلة.. سرقته منها وستنعم بقربه الليلة، ستنعم بعذوبة كلماته وهمساته الليلة..
وضعت يدها على بطنها المنتفخ أمامها تتأوه بعد أن شعرت بألم بسيط فيها ..
وكأن ابنها المزروع بين احشائها يذكرها بوالده، وأن ما تفعله الآن لا يجوز..
..: هلا فيك شي؟
التقت عينها بعين نجود ابنة عمها، شقيقة زوجها .. و زوجة شقيقها..
وقبل كل هذا صديقتها الأقرب .. زفرت بتعب : لأ.. بس متوجعه شوي..
نجود بقلق : طيب تبين أدق على محمد ترجعين البيت؟ وجهك تغير لونه .
ابتلعت ريقاً جافاً بدى وكأنها تبتلع موساً : لا مايحتاج.. مابقى شي ويخلص العرس ونمشي كلنا.
نجود بمرح : انتبهي على صحتك ترى إن صار بولي العهد ولا فيك شي محمد بينهبل..
ابتسمت لها بضيق ابتسامة تجمع كل شيء عدا التأييد بما قالت .
.
.
ابتسم بهدوء ورضى وهو ينظر لها تجلس أمامه..
فتنة ، هي ما يليق أن يطلق عليها..
فاتنة بكل شي .. جسد يصرخ أنوثه.. وجه بملامح مصقوله وشعر طويل مسترسل ..
هذا ما يبحث عنه وهذا مايحتاجه.. امرأة كاملة يسرقه جمالها من عالمه ..
يغرق في عالمها يفكر بإبداع الخالق في ملامحها لينسى عالمه .
ينسى الوقت والمكان.. ينسى الماضي والحاضر ولا يشغله شيء سوى التي بين يديه ..
هذا ماتمناه..
أو ما كان يظنه..
#
.
.
قطعه من ذكريات الماضي التي لا تفارقه صوت الباب يفتح ويغلق.
التفت فوجد خالد يخلع حذاءه بالقرب من كومة الأحذية و بيده كيس أحد المطاعم .
نظر لساعته فوجدها قد قاربت الواحدة بعد منتصف الليل : وش رجعك؟
خالد بضيق بعد أن وضع الكيس على الطاولة الصغيرة التي تنتصف الصالة أمامهم ليرتمي بعدها على الأريكة بتعب : خطاب والله موب وقت ظرافتك يالسخيف . لا تمزح معي..
ببرود وهو يراه يفرك صدغيه بألم : من قال أمزح؟ توقعتك رجعت بيتكم؟
تنهد : كنت برجع بس فكرت فيك ، ما ينفع اتركك فجأة لازم بالتدريج.
بشبح ابتسامه : الحين مين اللي سخيف وموب وقت ظرافته؟
ثم أردف باهتمام عندما لم يبدي خالد أي رد فعل : ولد!
سلامات وش فيك؟ صاير شي؟
خالد بعد فترة وبهدوء : بنت عمي ملكتها نهاية الأسبوع.
رفع حاجباً : طيب؟ الله يوفقها ويتمم على خير.
هذا اللي مكدرك؟
خالد بيأس : خطّاب.
مد يده لكيس المطعم أمامه : أقول بس وش جايب معك؟
مرت عشر دقايق يلفهم صمت موتّر.. تخللته تنهيدات خالد المكتومة وصوت مضغ خطاب لطعامه والذي رفض خالد أن يشاركه إياه : عليك بالعافية، ما اشتهي..
ما إن انتهى حتى هتف بهدوء : خالد من جدك ضايق صدرك؟
خالد ونظره مثبت على السقف : لا يالغالي، بس إني شفت نفسي مستانس قلت أغير جو وأجرب الضيقة ..
ثم رفع رأسه بسرعة مستنكراً عندما سمع ضحكة خطاب المرتفعة ..
يضحك من أعماق قلبه كما لم يضحك من قبل .
زفر وعاد لوضعه السابق .. يسند رأسه وينظر للسقف بيأس ..
خطاب وصوته لازال متأثراً من ضحكته : وين اختفيت انت وفارس فجأة؟ طلعت مالقيت أحد.
خالد : يرحم والديك اسكت عني مالي خلق أتنفس حتى.
ضحك بخفوت : صدق إنك بزر..
خالد بهدوء بعد فترة : خطاب أنت ماقد جربت ينوخذ منك شي كنت تتمناه طول عمرك . عشان كذا لا تستهين باللي قاعد أحسه يرحم أمك.
ليجيبه خطاب بعد فترة ببرود : صادق .
" أنا اللي جربته أدهى وأمر " نطقها بينه وبين نفسه .. لا داعي لنثر أحزانه أمام خالد والذي يبدو متضايقاً بالفعل .. خالد لازال صغيراً ، للتو دخل عامه الرابع والعشرين قلبه لازال غضاً يتأثر بسرعة ، لا يجب أن يسقط من أول عثرة تواجهه فحياة كهذه يجب أن تكون فيها مقاتلاً..
مقاتلاً تسقط وتقف حتى وإن كانت جميع جروحك مفتوحةً تنزف.
تعايش مع حزنك ، لا بأس إن شعرت به يكبر معك يوماً بعد يوم..
لا بأس إن كنت تتذوق مرارته يومياً حتى اعتدت عليه وأصبح روتيناً.
تعايش مع حزنك .. كي تعيش.
وضع يده على صدره، يشعر بقبضة من حديد تعصر قلبه..
" تعايش مع حزنك " هذا ما يقوله ويكرره يومياً.. يحاول إقناع نفسه بذلك لكن دون جدوى..
فحزنه قد عاش فيه حتى استوطن كيانه لدرجة أن جميع الأحزان أصبحت لديه هيِّنه.. فلا حزن يضاهي حزنه القديم الجديد..
لازال حزيناً وكأنه عالق في عمر الثامنة، ثلاثة رجال يقفون أمامه.. بين يدي أحدهم يُحمل أخاه الدماء تلطخ ثيابه..
يسمعهم يتفقون على كيفية قتل أهله .
يراهم يفعلون ذلك.. ليهرب بعدها ببساطة..
" أنا اللي جربته أدهى وأمر ، والله أدهى وأمر "
لم ينطق بها بل قال عوضاً عن ذلك بنبرة حاول تلطيفها : والله ماتوقعتك حساس كذا يا خويلد.. توقعته عناد وحب تملك بس .
رفع رأسه ينظر له بحده : ليه شايفني بزر؟
ليبادله خطاب بنظرة مفادها "ايه؟".. قال بعدها بابتسامه عندما عبس خالد باعتراض : يا حبيبي أنت. ربي مو كاتب لك نصيب معها.. خلاص تأقلم مع الوضع وعيش حياتك و إفرح لبنت عمك وأطلع من مود قيس بن الملوح اللي مهوب لايق عليك .
أنت توك صغير والبنت أكبر منك بخمس سنوات يعني موضوعك منتهي من قبل لا تفكر فيه حتى. لو كانت داريه عن هوى دارك كان رفضت اللي تقدم لها وانتظرتك لكنها وافقت وبتعقد عليه يعني اختارت حياتها وانتهت.
الحياة ما توقف على حرمه يا خالد. والله يجعلها أكبر المصايب إن اللي تبيها ماحصلتها ولا يوريك اللي أكبر منها..
.
.
يتمدد على سريره ينظر للسقف بوجع يمزق روحه بعد أن كان نائماً واستفاق على صوت الصراخ والبكاء القادم من غرفة خطاب المجاورة لغرفته.
لم تكن هذا المرة الأولى.. فقد سمعه يبكي ويصرخ يوماً ليهرع لغرفته بهلع وخوف ظناً منه أن مكروهاً حلّ به، ليتفاجأ بأن الرجل نائم لكنه يبكي ويصرخ في منامه كأنه يرى كابوساً..
ظن أنها ليلة عابرة ستمضي.. ربما كابوسٌ عابر وسيمضي..
لكن الليالي تكررت .. والكوابيس لم تكن عابرة لدرجة أنه اعتاد على بكائه وصراخه..
لم يتحرك من مكانه يخاف من غضب خطاب عليه كما فعل أول مرة أيقظه فيها ليسأله بخوف : خطاب وش فيك؟
أغمض عينيه وجدران صدره تضيق حول قلبه..
سلسلة الأحزان في حياة خطاب لا تخفى عنه ..
قد علم عندما كبر قليلاً فجيعة فقده لأهله - ويحمد الله أنه وقتها كان ابن الثالثة لا يميز ولا يدرك شيئاً - ثم زواجه الذي انتهى بسرعة وانهار في ظرف أشهر، والبلبلة التي أحدثتها طليقته حوله والأحاديث التي نشرتها عنه ، ذلك.. وأحزان أخرى يعلم أنها مرت به لتنقش آثارها على روحه ..
لك الله ياخطاب .. لك الله.
.
.
ذات الليلة .. والساعة اقتربت من الثالثة فجراً..
شعرت بدخوله الغرفه. أغمضت عينيها بقوة تتصنع النوم ..
تشعر بحركته في المكان يبدل ثيابه مصدراً ضوضاء كأنه يتعمد إزعاجها بها.. تتمنى فقط ألا يستفيق بسببها سالم الصغير النائم في سريره..
سكنت الضوضاء وأُغلِقت الأضواء واستقر جسده بجوارها .
تعطيه ظهرها تتمدد بأطراف السرير حيث أبعد نقطة عن مكانه .. شعرت بحركته يقترب منها يُديرها نحوه ويشدها حتى التصقت به ليلف يده حولها بتملك قاتل..
لازالت تغمض عينيها بقوة .. تمثل النوم باستماته..
لا رغبة لها به.. ولا بمقابلته.. ولا حتى سماع صوته..
حاولت أن تتحكم بأنفاسها التي بدأت تهيج عندما تجمعت عبرتها في حلقها ..
تشعر بالقرف من قربه.. والقرف من نفسها لأنها بقربه.
والقرف كل القرف من رائحة عطر فيرزاتشي النسائي الفواح التي تلتصق رائحته به وتنبعث منه بقوة..
[COLOR="rgb(25, 25, 112)"].
.
.
# نهاية الفصل الثاني ♡.
سبحان الله وبحمده،، عدد خلقه .. و رضا نفسه،، وزنة عرشه ومداد كلماته ..[/COLOR]
|