كاتب الموضوع :
وطن نورة ،،
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: > أنت مثل أحزاني ،، قدر .. / بقلمي ..
مساء الخير .. محرجه منكم جداً وأعتذر وبشدة على التأخير الغير مقصود
أتمنى فصل اليوم يرتقي لذائقتكم ويعجبكم ويكون قد المقام :)
هادئ لكن العاصفة قادمة الفصل القادم ..
قراءة ممتعة جميعاً وعذراً مقدماً على أي تقصير ..
.
◇ أنْت مِثلْ أحْزانِي ،، قِدرْ ◇
.
.
# (١٣) الفصل الثالث عشر ،،
°
°
مَنْ أذبلَكْ ؟
مَن أَتلفَ الورْداتِ تِلكَ وَمبسمَكْ ؟
مَْن أَحزنَكْ ؟
مَنْ جمَّع الدَمعاتِ غَيماً وَأمطرَك؟
وَأطْلقَ فِي عَينَيكِ رعْداً وَأغْضبَك ؟
فلْتَهدئِي ..
سَأبعِدُ الأحْزانَ قَسْراً
عِندَما تَبقى مَعكْ ..
*منقول*
.
.
في حساب الأيام.. مرّ مايقارب الأسبوعان منذ أن تزوجت.. اثنى عشر يوماً.. بالضبط.
لم يكن خالد شيئاً بسيطاً يمكن تجاهله.. كان بكل سهولة قادراً على أن يثبت حضوره دون أي تكلف.. أو أي فعل.. وجودة في المكان يكفي لأنx تلتفت له الرقاب ..
تتذكر جيداً صباحية زفافها.. عندما استيقظت تنظر للمكان بتوهان.. وما إن رأت فستانها الذي نامت به نومة غير مريحة أبداً حتى وتذكرت كل شيء.. تجمعت الدموع في عينيها وهي تنزع ما يثبت خصل شعرها.. بغضب.. تنظر للباب الذي تعلم جيداً أنه مغلق وأن خالد خلفه.. في مكانٍ ما..
دخلت تحت الماء تحاول أن تزيل المكياج بفرك وجهها بقوة.. بشكلٍ مفرط حتى شعرت بأن جلدها سيتمزق..
خرجت ولا تعلم ماهو الذي يليق بإطلالة عروس في صباح زفافها.. كيف تقابل زوجها في أول صباحٍ يجمعهما؟
أرتدت ماوجدته في حقيبتها.. فستان ناعم بنقوش رقيقة يصل لمنتصف ساقها.. وقفت أمام المرآة ولم تخفى عليها حقيبة خالد الصغيرة القريبة من الباب.. كان كل شيءٍ كالحلم في ذاكرتها.. خالد وبشته.. ابتسامته.. عذوبة صوته.. ونظراته لها..
ابتعدت من أمام المرآة بغضب دون أن تفعل شيئاً واتجهت نحو الباب بعد أن أمسكت شعرها المبلل من الجانبين لتدع الباقي ينسدل على كتفيها. فتحت الباب وخرجت باندفاع تسيرها أقدامها للأمام لا تعلم إلى أين أو ماذا تريد كل الذي تتمناه هو أن يختفي الصوت الذي يخبرها بأن خالد ليلة البارحة صُدم بأن زوجته بهذا السوء.. وأن إغلاقها للباب جاء في صالحة ومن حسن حظه واتاه على طبقٍ من ذهب..
توقفت عندما رأته يتمدد على الأريكة نائماً على ظهره أقدامه تخرج من حدودها لتتعدى يد الأريكة.. ذراعٌ تغطي عينيه والأخرى على صدره.. يرتدي ماكان يرتديه تحت ثوبه-السروال والفانيلة- ويبدو غارقاً في نومه.. دون غطاء..
كانت فرصتها لتتأمل.. ماتخشى أن تفعله في صحوته.. كان طويلاً بجسدٍ نحيفٍ بإعتدال وبشرة حنطية لونها مُلفت يتعارض مع بياض فانيلته بوضوح.. لا تعلم كيف خرج صوتها عالياً مرتفعاً هكذا فجأة: خالد..
كانت وكأنها تصرخ.. تحرك خالد بفزع يبعد ذراعه : هاه!!! وش فيه؟؟
ابتلعت ريقها بتوتر : ليش نايم هنا؟
ثم عضت لسانها بندم على سؤالها وعلى نظرة التهكم بعينيه..
كانت يدها اليمنى تفرك اليسرى بكل قوة : كمّل نوم داخل.. خلاص أنا صحيت..
لم يجبها بل مشى يتعداها ويدخل الغرفة يغلق الباب خلفه وصوت تأففه مسموعٌ لها بوضوح..
لا تعلم كم مضى على اختفاءه.. كانت تجلس مكانه تنشغل بالنظر لأصابعها تحاول أن تتجاهل نظرته التي لازالت تراها بين عينيها ولا تستبعد أن يكون نادماً على زواجه منها .. نادماً جداً ويتمنى أن يتخلص منها في أقرب وقت..
لم تكن تعي بأنها غارقة في أفكارها لهذا الحد حتى شعرت بشيءٍ يحط على خدها لتقفز مذعورة تضع يدها على قلبها ..
كان خالد قريباً يميل بجسده عليها يقبّل خدها لكن قفزتها أرعبته فابتعد مسرعاً : بسم الله عليك.. هذا أنا!
ضي برجفة تنظر له بأنفاس ثائرة : خوفتني..
ابتسم يجلس بعيداً عنها : تعبت وأنا أناديك ولا أنتي حولي قلت أجرب طريقة ثانية.. و شكلي بعتمدها..
ابتلعت ريقها تتأمله يجفف شعره بفوطته بعد أن غمز لها.. يرتدي ثوباً كحلياً وينظر لها مبتسماً ويبدو في مزاجٍ جيد : صباحية مباركة يا عروس.
لكنها لم تجبه بل عادت تنظر لأصابعها بتركيز قلبها ينبض تأثراً بغمزته حتى أخبرها خالد بضيق : اجهزي بنروح لأهلي.. طيارتنا المغرب..
.
لقاؤها بأهله كان هادئاً لطيفاً شعرت فيه أن والدته أحاطتها برداءٍ من أمان جعل كل مخاوفها من رهبة اللقاء الأول تهدأ.. لاحظت وهي تتأمل والده بعد انتهاء الغداء وهم يشربون الشاي في صالة المنزل أن خالد يشبهه.. كثيراً.. ابتسمت بخجل وهي ترى ابتسامته الأبوية لها تزين وجهه وتزيد من وسامته بعد أن انتبه أنها تتأمله.. أبعدت نظرها عنه ليقع على خالد.. تساءلت بينها وبين نفسها وهي تنظر له منشغلاً بهاتفه،، بعد عشرين أو ثلاثين سنة عندما يصبح خالد في عمر والده الآن،، هل سيكون وسيماً مثله؟ لكن جواب تساؤلها أتى سريعاً عندما أخبرتها نفسها بأن سقف أمنياتها جدًا مرتفع فخالد لن يتحمل أن يبقى معها شهراً فكيف بعمرٍ كهذا؟
رفع عينيه عن هاتفه عندما شعر بأن أحداً يراقبه ليراها تنظر له.. ابتسم لها ابتسامة واسعة لكنها كانت وكما يبدو في عالمٍ آخر .. عيناها تلتمع بجنون وفمها مقوسٌ للأسفل بشكلٍ طفيف وكأنها للتو سمعت خبراً حزيناً..
تلاشت ابتسامته وهو ينظر لها بقلق.. كانت لازالت ترتدي فستانها بلون الكراميل والذي تناغم مع لون بشرتها السمراء وشعرها - الذي تفاجأ خالد بأنه طويل يصل لخصرها - قد جفّ وبدأ يأخذ تموجاته الطبيعية لتتراقص بعض الخصل القصيرة على جبينها وجانب وجهها بعذوبة.. لم تكن تضع سوى القليل من ملمع الشفاه واكتفت به مع ذلك كانت جميلة جداً لم تستطع عيني خالد أن تقاوم تأملها..
كان شكلها اليوم بالرغم من بساطته أجمل بكثير من شكلها البارحة فملامحها لم تكن تحتاج كل هذا الكم من المكياج..
تكلمت والدته تقطع الصمتx : تركي شفت هلا إن كانت بتجي؟ أدق عليها ما ترد..
ارتشف قليلاً من فنجانه : أرسلت لي تقول مافيها حيل..
خالد بابتسامه ونبرة : معلوم مافيها حيل ..
سلوى ولم تفهم مقصده : إيه والله ياعين أمها ، هي من قامت بعرسك أمس ماقصرت..
ضحك خالد من أعماق قلبه لتبتسم ضي تصْرف عينيها عنه : هلا أكبر عيالك يا خاله؟
سلوى : لا يا قلبي ولدي زيد هو بكري.. ثم وحيدتي هلا..
خالد بابتسامه جانبية : ثم عاد أنا، مسك الختام .
سلوى : إيه، نقول إن شاءالله.. مير أنت وأنا أمك جيت بدون تخطيط لكن الحمدلله على كل حال .
تطايرت عينيه :x وش اللي بدون تخطيط؟ الكنترول كان عند الوالد كل شي مدروس يا قلبي.. مايهرول عبث أبو زيد..
قذفته بالوسادة التي كانت بجانبها ليتصدى لها خالد بذراعه وقبل أن يفتح فمه ليعترض رأى والدته تنحني لترفع شحاطتها من على الأرض وتقذفها باتجاهه.. قفز من مكانه قبل أن تصل له وهو يتابع ارتفاعها في الهواء لتسقط بعيداً عنه.. ضحك : أمي ل..
قطع جملته قبل أن تكتمل وهوx يبتعد مسرعاً عندما رآها تنحني لترفع الأخرى وهذه المره أصابته في ساقه.. وقف يقفز على قدم ويرفع الأخرى بألم : أح أح يمممه..
بغضب : ماتستحي على وجهك أنت؟؟ ماتحشم أحد أبد وش قلة الأدب ذي؟
كان خالد لازال يقفز -وإن كان يبالغ قليلاً- وعينيه على ضي التي كانت تغطي فمها بكفها وتضحك بصوت مرتفع لدرجة أن عينيها بدأت تدمع..
تركي بابتسامة : والله ليتنا رقدنا ذيك الليلة وأنا أبوك ..
سلوى بصدمة وهي تضع يدها على رأسها : يابوووي..
خالد يتفقد ساقه : شدعوة يمه كلنا كبار لا تستحين..
آخ تسببتي لي بكدمة الله يصلحك..
سلوى بغضب : أحسن ليتها جات براسك ذا الفاضي كود تعقل.. قليل تربية.
تخصّر : ما شاءالله،، أشوف اللي قلته زعلك بس اللي قاله أبوي عادي!!
سلوى موجهةً حديثها لضي بابتسامتها التي تكاد تشق خدها : شفتي بعينك يابنتي بس إنه على أجر إن شاءالله.. بنتساعد عليه أنا وأنتي..
خالد باعتراض : يمه عااد. وش هالكلام قدامها؟
سلوى : شافت بعينها حسبي عليك من ولد مافيك عقل..
وقف تركي يشمر أكمامه بعد أن وضع فنجانه على الطاولة : خالد امش معي أذيت أمك ياللي ماتستحي.. رح توضى مابقى شي ويأذن..
ضيّق عينيه ينظر لضي ثم لوالدته : ما أدري قلبي مو متطمن أخاف أخليهم لحالهم.
سلوى بيأس : خالد وبعدين ؟
خالد بعد أن أمسكه والده من ذراعه وبدأ يمشي معه : أنا رايح بس تراني ما أحلل.. يمه استريني الله يستر عليك.. ضبطيني مع المدام تكفين .
ابتسمت سلوى بعد أن اختفى خالد و والده من أمامهم ونظرت لضي التي كانت تدير رأسها بالاتجاه الذي ذهب منه زوجها..
سلوى بهدوء وعطف : عساك مرتاحة ياضي؟
التفتت تنظر لها ترفع حاجبيها بتعجب وكأنها لم تتوقع سؤالها: الحمدلله؟
سلوى بحب واضح : لا يغرك هبال خالد تراه رجّال ويعجبك..
ابتلعت ريقها بخجل ولم تجد تعليقاً مناسباً لكلامها.. فتابعت سلوى : إن ضايقك ولا زعلك تعالي لي.. لا تقولين أمه تراك أنتي بعد بنتي ومثل هلا عندي..
ابتلعت ريقها هذه المره تأثراً : الله يخليك يارب..
.
لم تستطع أن تمنع تجمع الدموع في عينيها وهي ترى خالد يحتضن والدته بكل قوته قبل ذهابهم للمطار ..
كانت سلوى تشد على أكتافه بصمت ولم يخفى على خالد بكاؤها..
هتف متأثراً : شدعوة يا أمي اللي يشوفك يقول أول مره أسافر!
ابتعدت عنه تمسح دموعها بيد وتربت على كتفه عندما اقترب يقبل رأسها بيدها الأخرى : سفرتك ذي غير ياقلب أمك.. والله ما توقعت بيجي اليوم اللي أشوفك فيه مع زوجتك.
ابتسم لها : افاا عليك.. وابشري بالأخبار الزينة لا رجعت..
قالها وغمز لتضحك عندما فهمت مقصده : الله يستر عليك..
ثم التفتت لضي التي تقف بعيداً عنهم بمسافة بسيطة لتقترب منها تحتضنها وتربت على كتفها تهمس في اذنها بكلامٍ لم يسمعه خالد..
كان ينظر لعيني ضي المليئة بالدموع والتي كانت تنظر له من فوق أكتاف والدتها تسرح به وتهز رأسها تجاوباً لهمس والدته ..
.
بعد إثنى عشر يوماً برفقة خالد.. باتت ضي تعلم أن رجلاً كهذا لا يمكن التفريط به.. كان شعاعاً ينير عتمة عقلها يُضحكها رغماً عنها ويتحدث معها حتى وإن كانت لا تتجاوب معه.. كان رفيقاً رائعاً في السفر وهذا ما اكتشفته في أول يوم حطت به أقدامهم أراضي أوروبا. فكما وعدها خالد سيجعل من سفرتهم هذه شيئاً لا ينسى..
كانت تجلس في أحد المقاهي المنتشرة على الطريق بين منطقتين من مناطق سويسرا..
تابعت اقتراب خالد من الطاولة التي تجلس عليها يبتسم لها ابتسامه لم تستطع أن تمنع نفسها من أن تبادله بمثلها..
كان يرتدي قميصاً خمري اللون يعتليه جاكيت من الجلد الأسود وشعره الكثيف بلفاته الناعمة مسرحٌ بعشوائية جعلت منه جاذبيةً لا تقاوم.
سحب الكرسي أمامها ليجلس بعد أن وضع كوب قهوتها الورقي أمامها..
تكلمت وهي تلف أصابعها عليه عل رعشتها تهدأ : شكراً.
خالد بهدوء : بالعافية..
من ناحيتها كانت تشعر بأن العلاقة بينها وبين خالد لازالت تميل للرسمية أكثر.. رغم أن الرجل لم يتوانى في أن يبادر بأي شيء كي يكسر الحواجز بينهما وكان يحرص على أن يخترق عالمها بكل قوة لتتأقلم مع فكرة أنها لم تعد وحيدة كالسابق وأنها الآن أصبحت مع رجل تشاركه أبسط تفاصيلها..
تلهّى خالد بالنظر في كوبه وبالرسمة التقليدية على شكل قلب التي تعتلي سطحه.. يمد أقدامه تحت الطاولة ليلفها حول كاحلها الأيمن..
ارتعبت : يممه!!
ثم أنزلت رأسها تنظر للذي لامس قدمها وعبست : هذا أنت؟؟ ارتعت على بالي كلب..
تلاشت ابتسامته وسحب أقدامه : كلب!! عزّك الله يختي.
ضحكت وهي ترى انعقاد حاجبيه لتمد اقدامها بتردد وتلفها حول كاحله..: ياخي كلابهم في كل مكان ما تخاف لا من رب ولا من عرب..
شعرت به يحاول أن يسحب ساقه لكنها شدت عليها أكثر.. ضحك رغماً عنه متعجباً تصرفها : وش هالحركات؟ اتركي رجلي.
ضي بدلع وعفوية : ما أبي.. بردانة.
رفع حاجبه ينظر لوجهها مستنكراً.. كان وجهها مكشوفاً له بعد أن خلعت لثامها لتضعه بترتيب على الطاولة الخشبية خصوصاً وأن المكان شبه فارغ..
سحبت أقدامها بسرعة عندما لاحظت نظرته واعتدلت بجلوسها تشد على الكوب بين يديها تثبت بصرها عليه..
خالد بعد أن وقف : بردانة أجل..
راقبت بطرف عينها تحركه من أمامها بقلق ولم تشعر به إلا وكتفه يلتصق بكتفها وبذراعه تلتف حولها وتقربها من حضنه : البردان كذا يتدفى ياعيني.. أشوفك رايقة اليوم ؟
حاولت أن تتحرر منه بخجلٍ واضح : الجو الزين يغير النفسية..
اتسعت ابتسامته : و الوجه الحسن يا قلبي؟..
ثم أردف بانزعاج وهو يحاوطها بكلتا يديه بقوة : وقفي حركة مانيب تاركك.. اهجدي يالقطوة.
كان قلبها يرتعد من اقترابه هكذا لأول مره : الله يخليك وخر شوي.. الناس حولنا..
خالد : محد حولك.. ضي اهجدي يابنت اوجعتني يدي..
والله إن ماهجدتي لا ابوسك..
اتسعت عينيها بهلع وسكنت حركتها تماماً..
ضحك يسترخي يقربها لجانبه أكثر : إيه كذا.. خذي الأمور ببساطة واستمتعي..
لفهم الصمت تماماً.. كانت ضي تشعر بأن الكون كله قادر على أن يسمع نبضات قلبها.. قربه منها بهذا الشكل كان كفيلاً بأن يبعثر مشاعرها ويعبث بخلايا عقلها المتعبة..
كانت تقاوم الأصوات داخلها تهتف بينها وبين نفسها "لأ.. لأ.. لأ.." حتى خرج صوتها حاداً مرتفعاً : خالد..
عقد حاجبيه ونظر لها مستنكراً.. لم تنظر له بل قالت بأنفاس متسارعة : سولف..
خالد : تعبت بس أنا اللي أسولف!..
ضي بإرهاق واضح : قول أي شي.. لا تسكت.
كانت تريد من صوته أن يشغلها عن سماع أي صوتٍ سواه..
خالد : تدرين أني ما أعرف عنك شي.. وش تخصصك بالجامعة؟
ضي : ما كملت دراستي طلعت بعد أول سمستر..
خالد باهتمام : ليه؟
سكتت قليلاً لتهتف بعدها بحزن واضح : يوم مرضت أمي الله يرحمها عجزت أركز بأي شي غيرها.. وخفت الجامعة تلهيني عنها..
كان يتأمل جانب وجهها بتركيز : توك صغيرة عمرك ٢٤ سنة عندك فرصة تكملين الحين..
ضي بتنهيدة : ما أحس لي خاطر بالدراسة.. أو أي شي ثاني..
أحس أيامي صارت وحده كلها مثل بعض .. ماعادت الحياة حلوة مثل أول.
عقد حاجبيه : أعوذ بالله ليه السوداوية ذي؟
رفعت كتفيها بمعنى "ما أدري".. ليتابع خالد بشك : أنتي موب مرتاحة معي؟
نظرت له لترى القلق يطل من عينيه.. تصددت بعينيها عنه لتتنهد من أعماق قلبها : الموضوع ماله علاقة فيك خالد..
سكت قليلا يسحب ذراعه عنها ليقول بعدها بهدوء وهو يشعر بأنهما يجدفان باتجاهين متعاكسين : طيب اشربي قهوتك عشان نمشي..
.
.
خرجت من غرفة سالم عندما صلت الفجر لتجد خطاب يجلس في الصالة.. يرتدي ثوبة ويضع كفيه على رأسه في تفكيرٍ عميق.. ما إن شعر بها حتى ونظر ناحيتها بسرعة. عينيه شديدة الإحمرار بعد ليلة قضاها يعيش كابوساً مرعباً لم يحلم به منذ زمن.. بينما هلا التي كانت تتقلب طوال الليل على صوته لم تذق عيناها طعم النوم.. أجفانها حمراء وعينيها ذابلة بشكل واضح.. ومحزن..
خطاب بتوجس : صباح الخير ؟
هلا بهدوء : صباح النور..
قالتها و تركته تتجه لدورة المياه.. أغلقت الباب خلفها تستند عليه تتهرب بذلك من التواجد مع خطاب في نفس المكان بعد أن كانت في السابق تلتصق به كظله..
هدّأت من نفسها قليلاً وغسلت وجهها بالماء البارد جداً حتى أصبحت لا تشعر بملامحها ثم خرجت بخطى سريعة تمشي من أمام خطاب الذي لازال يجلس مكانه.. تتعداه دون أن تنظر له وتدخل المطبخ..
حاولت أن تتلهى بصنع الشاي ولا شيء غيره وتفكر بالخطوة التالية فبعد فورانه ستضع السكر حتى يخدر ثم تسكب القليل منه لخطاب والكثير منه لها..
التفتت بعد أن أغلقت النار لتجد خطاب يقف بمنتصف المطبخ ينظر لها كأنه ينتظر شيئاً ويلف يديه حول نفسه..
كانت عين خطاب تلحقها بلهفه.. تتحرك في المطبخ تفتح الثلاجة وتغلق الدولاب وترتب الفطور في الصينية ثم تعيد الترتيب مجدداً وكأنها تريد أن تشغل نفسها عن تواجده..
كان ينظر لها تقف أمام الرف تلقيه ظهرها وصوت ارتطام الأطباق بالصينية هو الصوت الوحيد المسموع..
كان ضائعاً حرفياً.. يشعر بلسانه معقود لا يستطيع أن يفسر أو يبرر..
تبدو هلا غاضبةً منه..
وحزينة بسببه..
تتجاهله وكأنها لا تراه ،، وهذا ما أوجع قلبه حقاً فبعد أن كانت تُشعره بأنه الوحيد الذي يستحق اهتمامها أصبحت الآن لا تنظر له حتى..
مشت من جواره تتعداه تحمل الصينية.. ليزفر بأسى يتبعها خارجاً من المطبخ..
جلس أمام صينية الفطور لترتفع عينيه عندما وقفت تحمل كوبها وتجلس بعيداً على الأريكة ..
خطاب بضيق : افطري..
هلا بهدوء مميت : ما أشتهي. عليك بالعافية افطر أنت..
سكت يتأمل الأطباق أمامه وأنفاسه بدأت تضيق..
مر على حديث دانة معه عندما أخبرته بموافقتها تقريباً سبعة أيام.. تحديداً يوم الأربعاء.. ليعيش بعدها يومين في عذابٍ قاتل وهو يرى هلا تتكلم معه تبتسم في وجهه تدلله و تغرقه حباً كأنه الرجل الوحيد في هذا العالم.. كانت تحرص من أن تصله مشاعرها يومياً دون أي قيود.. بينما هو كان يفكر بموافقة دانة عليه!! كانت فكرة الارتباط بها قد ألغيت تماماً بعد رفضها الأول.. بل أنه تنفس الصعداء بعد أن رفضت فهو يعلم أن هلا لن تتحمل إمرأة أخرى وأنّ فِعلاً كهذا سينهي ما بينهم حتماً.. حتى وإن كان الارتباط بدافعٍ بعيد كل البعد عن الحب أو الرغبة بإمرأة غيرها ...
لكن ماحدث بينهم بعد زفاف خالد كسر شيئاً فيه لتأتي موافقة دانة متزامنةً مع غضبة الشديد وقهره من نفسه.. فما حدث جعله يتهرب ويخجل من أن ينظر لعيني هلا كما اعتاد على الرغم من أنها لم تتغير عليه أبداً ولم تحسسه بأنه رجل مع وقف التنفيذ.. كانت ولازالت هلا التي يعرف.. كأن الموضوع شيءٌ لم يكن..
كانت موافقتها ذلك اليوم كالنار التي أشتعلت في حطامه والباقي منه.. ليذهب لوالدها يوم الجمعة يطلبها ويحاول قدر الإمكان أن يضع أعذاراً لنفسه.. ويتأمل بأن هلا ستتفهمه.. وستعذره..
مع أنه بينه وبين نفسه لا يعلم ماذا يريد.. وماذا سيفعل؟ وما الهدف من ارتباطه بها في المقام الأول؟ مالهدف من هذا كله؟؟ كان عقله يخبره بأن كل شيء سيأتي تباعاً بعد هذه الخطوة.. متسلسلاً دون أي عناء.. وقتها سيعرف ماذا يريد. وكيف يتصرف عندما تصبح دانة مدللة جدها -الذي رمى وعوداً وتهديداتٍ عليه بسببها- تحت يديه.. ستكون يد منيف التي توجعه.. ونقطة ضعفه والنافذة التي سيرى من خلالها منيف منهاراً يبكي عليها..x كما جعله يبكي على أهله لأكثر من ربع قرن..
حتى وإن كان يجهل كيف!
كان هذا حديث عقله الذي يحرك أقدامه دون أن يأبه بتحذيرات قلبه الذي يأمره بالعودة والتراجع.. فهلا تنتظره في المنزل بابتسامتها التي تعتلي ثغرها كما تعود منها.. ونواعسها التي تنظر له بشوقٍ كبير وكأنه غاب عنها مدة طويلة.. وجودها في حياته يكفي بأن ينسى كل أحزانه .. فلا هو بالقادر على أن يقتل ذبابة فكيف بإيذاء مجرم كمنيف؟
لكن سطوة عقلة كانت أقوى.. ليجد نفسه يجلس في مكتب والدها بأحد أكبر معارض السيارات بالمنطقة.. يطلبها منه لا يسمع صوته وهو يفعل ذلك.. تخرج الحروف من بين شفاهه دون إدراكٍ منه وكأن هناك من استلم زمام الأمور عوضاً عنه.. لتأتيه موافقة والدها في نفس اللحظة و دون أي تفكير : أنا مسافر بكرة و برجع على الثلاثاء. لا رجعت بأكلمك ونتفاهم على باقي الأمور..
لم يمنع نفسه من أن يسأل ،، كان ينظر له بحقدٍ شديد و واضح لم ينتبه له جابر المتشاغل بترتيب أوراق في ملفٍ أمامه بكل برود وكأنه كان يسأله عن طعامه المفضل وليس الزواج من ابنته.. كان يتمنى لو أن يخنقه بيديه.. فالماثل أمامه هو ابن منيف الذي لا يشبهه أبداً ولولا اسمه لكان شك بالقرابة بينهم .. وقتها أدرك خطاب أنه لا يوجد بيده سوى التمنّي وهذا كان حاله في كل مره يرى فيها منيف أو أي أحدٍ من طرفه.. مع ذلك سأل : أنا سبق وشفت أبوك وطلبتها منه لكنه رفض.. ما جاب لك طاري؟
نظر له باستنكار وقد تغيرت ملامحه بضيق واضح : من متى تعرف أبوي أنت؟
خطاب بغيض : من وقت..
وضع جابر الأوراق وعقد يديه أمامه بقرف،، فالشاب أمامه يبدو صغيراً جداً على أن يعرف رجلاً عجوزاً كوالده : وش نوع المعرفة اللي بينك وبينه ؟
خطاب باستغراب : كان زميل الوالد الله يرحمه.
زفر براحة ليهتف بعدها بهدوء ونبرة غريبة كأنه يريد التخلص من هذه القرابةx : اللي يربطني فيه بنتي وبس..
ثم تابع وهو يرى وجه خطاب الجامد جداً بعد معلومة -غريبة- كهذة : عموماً مثل ما اتفقنا بتواصل معك لا رجعت..
.
واليوم هو الثلاثاء.. وكم يتمنى ألا يأتي الغد.. أبداً..
تعلم هلا وهي تنظر لخطاب السارح في الأطباق أمامه أن أذن الكوب التي تضغط عليها بكل قوة لا ذنب لها وأنها لو ضغطت عليها أكثر ستتهشم بين أصابعها لتحدث نزيفاً لا يمكن إيقافه..
وتعلم هلا أن خطاب الجالس أمامها محنيّ الأكتاف بكل أسى يأخذ أنفاساً ثقيلةً كأنه ينازع رئتيه على البقاء، يعيش صراعاً بينه وبين نفسه.. وأنه قضى ليلةً مريرة امتد بها صراخه لساعات الصبح الأولى..
تفتقد خطاب هذا الصباح.. مع أنه جالسٌ أمامها لكنها تفتقده.. تشعر بتباعدهم وكأن كلاً منهم يعيش في قارةٍ مختلفة.. وهذا ما أرعبها.
فعلى الرغم من خيبتها وضيقها وشعورها بأنها ستتقيأ قلبها من شدة الحزن، لكنها لا تريد لعلاقتها بخطاب أن تصبح بهذه الغرابة..
فخطاب هو شقيق الروح الذي وجدت فيه سكناً وأماناً لها، وحب عمرها صغيرةً وكبيرة وعرفت معه حلاوة الحياة..
لم تستطع أن تمنع تدافع الحروف في حنجرتها ليخرج صوتها مبحوحاً : كيف أصبحت؟
رفع عينيه لازال مخفضاً رأسه ليهمس بابتسامه : الحمدلله. وأنتي؟
هلا بابتسامة بالكاد تُرى : عجزت أنام .
تبدلت ابتسامته البائسة لشيءٍ يشبه ابتسامة المواساة وعاد ينظر للأطباق أمامه دون أن يجد تعليقاً لائقاً لعبارة حزينة كهذه..
هلا : بَرد أكلك خطاب..
ابتعد زحفاً للخلف حتى إتكأ بظهره على الأريكة خلفه.. يأخذ نفساً : ما أشتهي.. اجهزي أنتي وسالم تأخر الوقت..
هلا بعد صمت دام لثواني : اليوم منيب رايحة..
وكم تمنت أن تقول له "وأنت بعد لا تروح" لأنها تعلم بأن دانة ستكون بانتظاره هناك.. لكن ماتمنت بقى أمنية ولم تتحقق..
.
.
أغلقت باب مكتبها بالمفتاح خلفها بعد أن دخلت وهي تتأفف بضيق..
لولا خوفها من أن تموت من شدة التفكير وثقل الدقائق لكانت أخذت الباقي من الشهر إجازةً لها.. طيلة الأيام الماضية كانت تتجنب مقابلة خطاب الذي بالأصل كان يتجنبها.. لم يكن يطلبها ليناقش معها بعض الأمور المتعلقة بالعمل ولم يعد يصادفها بالممرات كما كان يحصل في الأشهر الماضية..
كان ما إن يدخل مكتبه يغلق الباب خلفه وكأنه يخشى أن تدخل عليه.. ليته يعلم أنها قبل أن تخطو أي خطوة تتلفت عينيها بالمكان كي تتأكد بأن لا أثر له وكيف تقضي وقتها تدعو الله بألا يطلبها لمكتبه..
فبعد أن أخبرته بموافقتها بات كلاهما يتجنب الآخر و شعرت وكأن جداراً بُني حول قلبها.. كانت تعد الأيام التي طالت عدّاً حتى فقدت الأمل بأن يكون خطاب ذهب لوالدها يطلبه منها رسمياً وأنها بموافقتها المتأخرة أحرجت نفسها وأحرجته..
رن هاتفها لتتجاهله تستمع لنغمته ترتفع حتى توقفت.. جلست خلف مكتبها تغمض عينيها باسترخاء ليعود الرنين مجدداً.. أخرجته وتأففت وهي ترى اسم فارس الذي لم ييأس مكتوباً على الشاشة..
رفعت الخط و وضعت الهاتف على اذنها وفي داخلها تعقد النية بأن تغير رقمها في أسرع وقت..
فارس بلهفه : أخيرا رديتي..
دانة بأنفاس سريعة : نعم؟ خير وش بغيت مني ؟
فارس بضيق : وش هالنبرة دانة ؟
نزعت غطاء وجهها وقذفته بعيداً عنها بضيق.. باتت تجهل نفسها حقاً : كيف كنت متوقع أرد عليك بعد اللي سويته فيني؟
فارس بسرعة : ماكان قصدي أضرك ...
ابتلعت ريقها تدفع عبرتها التي اعتلت حنجرتها : جدي ماعاد يبيني عنده.. أنت خليته يمحيني من حياته مره وحده حرام عليك أنت باللي سويته ماضريتني بس أنت.. أنت..
فارس بقوة يقاطع ماصعب عليها قوله : اتركيك منه هذا شر..
دانة بعبرة : شلون تبيني أتركه و هو الوحيد اللي لي؟ أبوي يكرهني ورافضني وبعد اللي سويته فيني كرهني وصار يبغضني زيادة.
عمي أنت دمرت حياتي..
فارس بيأس : أمي تبيك مستحيل تخليك... وأنا بعد... لا يهمك جابر.. تعالي لنا حنا أهلك صدقيني وجودك معه وفي بيته يضرك أكثر مما ينفعك..x لا تلوميني الله يخليك أنا موب ناقص.. والله ماكنت أبي لك المضرة ..
دانة : أنا ما أعرف غيره،، هو أهلي والوحيد اللي بحياتي وكنت غبية يوم فكرت أعرف أهل غيره وغبية لأني استفزعت بك ماهقيت إن شي مثل ذا بيطلع منك..
فارس بحدة وانفعال : يابنت افهمي لو ما يهمني أمرك كان ماتعبّت نفسي وراك.. بجيك آخذك اليوم أمي تبي تشوفك..
دانة بغبنة : شكراً يا أخي ما قصرت، تعبتك معي ..x و خلاص أنا آسفه إني حاولت أدخل حياتكم إنسى وجودي وفكني من شركم الله ياخذني وارتاح من هالعيشة..
قالتها بصوتٍ مرتفع وأغلقت الهاتف في وجهه تنهي الاتصال الذي كان يلح عليه فارس منذ أن حدثت تلك الواقعة المشؤومة.. كان يصر على أن يتصل بها يومياً أكثر من مره ويرسل لها الرسائل لكن لم يجد منها أي استجابه.. كانت حرفياً تريد أن تمحي الجميع من حياتها.. تريد أن تعود بالوقت لسنتين مضت عندما لم يكن هناك أحد سواها هي وجدها..
كان فارس يحرص في كل رسالة أن يرقق قلبها ويضرب بيدٍ من حديد على عاطفتها ويخبرها بأن جدتها ستموت وتحتضنها فهي أكبر احفادها وأنهم حاولوا أن يدخلوا منزل جدها مراراً لكن الحارس الذي أصبح يحرس بوابة المنزل الكبير يحول دونهم ودون ذلك.. لكن كل هذا لم يؤثر بها بل كانت تقرأه ببرود وكأنها تقرأ خبراً لا يهمها في الجريدة..
أخذت نفساً وهي تسند ظهرها على الكرسي خلفها.x تنظر للسقف وتتخيل لو أن وضعها كان مختلفاً وكان جدها راضياً عنها وفارس لم يتقول عليها الأقاويل التي جعلت موضوعاً كهذا يكبر ويخرج عن السيطرة.. هل ستكون الآن في منزل جدتها بين أعمامها يلتفون حول مائدة الإفطار تدور بينهم الأحاديث الصباحية كأي أسرة طبيعية؟ ثم تعود بعد ذلك لأحضان جدها تخبره ماحدث معها ليتجاوب معها كما اعتادت منه؟ كان خيالاً جميلاَ جعل الدموع تتكدس في عينيها ثم تبتسم بازدراء عندما تذكرت بأن وضعها لم يكن طبيعياً أساساً منذ أن ولدت..
.
يومٌ آخر إنتهى بنجاح دون أن تصادف خطاب..
ما إن عادت من عملها حتى وصعدت السلالم بسرعة خوفاً من مواجهة جدها لتدخل غرفتها التي باتت هي المكان الذي لا تفارقه عندما لاحظت أن جدها أصبح يتجنب الجلوس في المنزل كي لا تجلس معه،، اختصرت عليه كل هذا وقررت أن تنزوي لوحدها..
لم تكن تتوقع بأن حياتها ستنهار فجأة هكذا وبلمح البصر بعد أن كانت ملكة في قلب الرجل الوحيد الذي تعرف ..
أغمضت عينيها وهي تأخذ نفساً مثقلاً كثقل روحها. تساوت الأرض والسماء عندها حتى أن اتصال فارس اليوم صباحاً كان صفراً لم يغير شيئاً ولم تسعدها معرفتها بأن من تمنت قربهم واعترافهم بها يريدونها باستماته ويحاولون الوصول لها. بل أن الموضوع كان ذا نتيجةٍ عكسية إذ أنها حزنت بمعرفتها ذلك فخبراً كهذا يؤكد لها أن جدها سيكون غاضباً عليها طوال عمره..
رن هاتفها لترفعه تجيب بتوجس على الرقم الغريب : الو.
اعتدلت جالسة عندما وصلها صوت رجل : نعم مين معي؟
بحدة : معك جابر .
دانة بلهفه لم تستطع أن تقاومها : جابر أبوي؟
ثم أردفت عندما لم يجبها : هلا أبوي آمرني!
جابر بجمود : بكرة الساعة عشر الصباح تعالي المحكمة.
بتوتر : محكمة وش؟
جابر بنرفزة : برسل لك الموقع بكرة.. تعالي وجيبي إثباتك معك واتركي عنك البربرة الزايدة.. تعالي على الموعد إن تأخرتي ياويلك وراي شغل بعد الظهر..
قالها واغلق الهاتف في وجهها..
أنزلته تنظر للشاشة باستنكار وقلق ظلّا يلازمانها طيلة الليل..
.
.
كان خالد استثنائياً حتى في أول شهر يجمعه بها.. يحرص وبشدة على أن تكون أول ذكرياتها معه شيئاً لا ينسى .
لم يكتفي بمنطقة واحدة يقضي فيها شهراً كاملاً بل استأجر سيارةً بعد أول أسبوع من وصولهم لوجهتهم وقرر أن يقضي الباقي من الأيام يتجول بين المدن يبقى في كل واحدةٍ منها يومين على الأقل..
وجهتهم هذه المره كانت لإنترلاكن.. أكثر المدن روعةً وسحراً.. كانت سيارة المرسيدس المكشوفة من الأعلى تشق طريقها بين الجبال المرتفعة وطرقها الضيقة تدفع الهواء البارد يميناً ويساراً.. وصوت خالد عالياً يغني مع المسجل مستمتعاً بالرياح التي تصطدم بوجهه وتحرك خصل شعره بكل اتجاه..
كانت ضي ولأول مره تشعر بأن شرايين قلبها تتوسع مع كل نبضه.. وأن روحها تتجدد مع كل نفسٍ تأخذه حتى باتت السيطرة على ابتسامتها الواسعة جداً شيئاً مستحيلاً.. تعلم أن الهواء والأجواء الجميلة سبب من أسباب سعادتها اليوم.. لكن السبب الأكبر كان خالد وطاقته الإيجابية واستمتاعه بكل دقيقة تمضي من يومه..
كانت ترفع هاتفها وتصور مقطعاً له وصوت ضحكها يتداخل مع صوته..
وضعت يدها على قلبها بهلع تضحك بعد أن رفع يده اليسرى يصرخ من أعماق قلبه بعد أن أغلق المسجل .. : بسم الله وش جاك؟
خالد : جربي واصرخي بكل قوتك..
ضي : قالوا لك مجنونة؟
صرخ مجدداً بعد أن مالت السيارة قليلاً عن مسارها ليمسك -الدركسون- بكلتا يديه بقوة..
ضي بهلع : انتبه تكفى الطريق خلقه يخرع..
مال عن المسار قليلاً -متعمدا- لتصرخ هذه المره ضي برعب..
ضحك : وش صرخة النسوان ذي؟ أصرخي زين..
ضي بغضب وخوف: المواضيع ذي مافيها استهبال خالد.. بغينا نموت..
خالد : يابنت أنتي ليه جديّه زيادة عن اللزوم؟ استمتعي الأيام ذي ماتتكرر..
ضي وعينها بدأت تراقب المكان حولها بعد أن انتبهت لارتفاعهم عن سطح الأرض .. بخوف : وش هالطريق ليه كذا ؟ خفف السرعة خالد ..
خالد باستمتاع: إن خففتها بتطيرنا السيارات ومابيوقفنا غير القاع.. روقي معك طاره يا قلبي مو أول مره أسوق هنا..
شدت على حزام الأمان وهي تبتلع ريقها بخوف واضح... أغمضت عينيها بكل قوتها وصرخت من أعماق قلبها..
مالت السيارة عندما ارتعب خالد من صوتها المفاجئ والذي خرج حاداً مرتفعاً جداً : بنت..
فتحت عينيها تنظر له بعدم تصديق.. ضحك وعينه تميل إجبارباً لتنظر لها : وش هالصوت زين ماطاح فينا الجبل..
وضعت يدها على حنجرتها تصرخ من جديد تدير جسدها نحوه لتعطي الإطلالة خلفها ظهرها..
ابتسم يضع يده على أذنه : خلاص يابنت الحلال..
كانت تنظر له بذهول وبصوت مرتفع : أحس روحي بتطلع..
خالد بصراخ : طيب إذني.
صرخت مجدداً تضحك بسعادة واضحة تتأمل شكله بإعجاب :. أحس بإحساس غريب.. إحساس حلو خااالد.. أحس قلبي قاعد يرقص..
أخذ نفساً بارداً براحة وهو يلقي نظرة سريعة ناحيتها قبل أن ينظر للطريق أمامه مجدداً... كانت تنظر له بعينين تلمع و بابتسامه واسعة جعلت من عظمتي وجنتيها البارزتين ترتفعان وخصل شعرها التي فرّت من تحت حجابها تتطاير مع قوة الرياح بشكلٍ أثيريٍ ساحر. كان المنظر البديع خلفها وشعاع الشمس المسلط عليها من كل إتجاه مجرد إضافة زادت من حسنها حُسناً..
هتف بهدوء وهو يشعر بأن قلبه سيكسر أضلعه : طيب طالعي وراك..
التفتت بسرعة لتفتح فمها بانبهار من منظر المياه الصافية بين الجبالx : وش ذا البحر؟
ضحك : بحيرة طال عمرك مو بحر.. لازم تكملين دراستك على فكرة..
بدلع : خاااالد عاد..
ابتلع ريقه : تبين ننزل لها؟
التفتت تنظر له برجاء : نقدر؟
غمز لها : أكيد نقدر.. معك خالد بن تركي لبّى عينك..
استدارت تعطيه ظهرها مجدداً تحاول أن تخفي ابتسامتها البلهاء وتورد وجنتيها عنه..
بينما كانت ضي تنظر بذهول وانبهار لبحيرة برينز بمائها التركوازي من شدة النقاء وتلتقط بعض الصور .. كان خالد ينظر لها بلهفة واضحة يراقب أبسط حركاتها ويتأمل أدق تفاصيل وجهها.. زفر هواءً ساخناً وهو يبعد بصره عنها فصبره على تمنعها قد نفذ تماماً لكنه لا يريد أن يرعبها.. كانت قد طلبت منه وهم بين الأرض والسماء بعد أن أقلعت الطائرة بأنها تحتاج لبعض الوقت كي تتعود عليه.. ليفهم مقصدها ويحترم رغبتها ويتخذ من أريكة صالة كل جناح سريراً له..
خالد بعد أن عاد ينظر لها : تدرين إن ظهري اوجعني من الكنبة.. والنوم بالصالة موب مريح نهائياً..
ضي بخجل بعد أن أوقفت تصوير الفيديو والتفتت له : خلاص اليوم أنت نام على السرير..
خالد بضيق : ضي أنا ماتزوجت عشان أصير أنا وزوجتي مثل الأخويا..
أنا ماتركتك كل ذا الوقت على راحتك إلا لأني أبيك تاخذين وقتك و تتعودين علي لأني متفهم خوفك من فكرة إن رجل غريب بين يوم وليلة ينام جنبك ولأني مستحيل أجبر نفسي عليك وأنتي ماتبين.. لكن إلى متى؟
بدأت تفرك يدها بتوتر : إصبر علي شوي.. أحتاج وقت..
خالد بنفاذ صبر : بصبر بس إلى متى ؟
نظرت له بسرعة ثم أرخت بصرها تهمس : شوي بس.
خالد بدون مقدمات والسؤال بات يؤرقه حقاً : أنتي مجبورة علي يابنت الناس؟ أبوك حدّك على الزواج مني؟
ضي بسرعة : لأ.. أبوي مستحيل يسوي شي مثل كذا !
خالد : أشك يا ضي.. أنا مو غبي ولاني بزر .. من يوم ما تقدمت لك و أنتي تحاولين قد ما تقدرين تبعديني..
ابتلعت ريقها : أنا كنت أعطيك فرصة عشان تنقذ نفسك.
خالد بانفعال : أنقذ نفسي من وش؟
بتعب : مني.
بحدة : ليش؟ فيك شي؟ ضي أنا ما أرضى بصفصفة الحكي قولي اللي عندك بدون هالحركات.. إن كنتي مو مقتنعة بي كزوج فالله يستر عليك يا بنت الناس ما أحد فينا مجبور يتحمل..
شعرت بأن قلبها سيخرج من مكانه.. كانت هذه المره الأولى التي ترى انعقاد حاجبي خالد بغضب هكذا : أعطيني وقت.. تكفى.
تأفف يصرف بصره عنها ويستغفر تحت أنفاسه كي لا يؤذيها بكلامٍ يندم عليه كلاهما.
ثم عاد ينظر لها عندما سمع صوت شهيقها ليراها تعض شفتها بكل قوة وتمسح عينيها بذراعها..
عاد يتأفف بيأس : لا تستعملين هالاسلوب معي..
بدأ كتفاها يهتزان حتى اندفعت شهقاتها قسراً من بين شفاهها..
اقترب منها حاول أن يسحب يديها التي غطت وجهها : ضي عن الدلع.. وقفي صياح..
حاولت أن تبتعد عنه لكنه شدها بقوة حتى باتت بين ذراعيه يضمها لصدره بشفقة .. وتعب : ضي أنا ماقلت شي غلط عشان تصيحين.. كنا نتناقش عن الوضع الكارثي اللي عايشينه.. أنا رجّال منيب حجر.. ينقفل علي وعلى حرمتي باب شلون تبيني أتحمل؟
منذ أن لامس رأسها كتفه حتى وخارت مقاومتها.. كم تتمنى أن تخبره بما يختلج في صدرها.. بالقبيلة التي تسكن عقلها تهددها به وتحرص كل الحرص على أن تعيدها مليون خطوة للوراء كلما حاولت أن تقترب منه..
أغمضت عينيها بكل قوة ليخرج أنينها تباعاً باستسلامٍ يكاد يقتلها عندما شعرت بذقنه يستند على رأسها.. وبصوت خالد هادئاً يائساً لازال يشد على أكتافها وكأنه يخشى أن تهرب منه : متعِبة ياضي..
.
.
في عصر اليوم التالي..
كان خطاب يجلس في صالة شقته بهدوءٍ رهيب كان قد اعتاد عليه وتعايش معه سابقاً. لكن ما فرق عليه هذه المره هو أن هلا تجلس معه بنفس المكان.. بعيدةً عنه بعد أن كانت تجلس ملاصقةً له فيما مضى تميل عليه بجسدها.. تتحدث دون توقف تملأ حواسه بصوتها ولمستها ورائحتها وجمال مبسمها..
كان صمتاً ثقيلاً يكاد يهشم اضلعه.. تنظر له بنظراتٍ غريبة بينما كان هو يتهرب بالنظر لهاتفه وكأنه يخشى من أن تعرف مافعل اليوم صباحاً .. حتى أنه حاول أن يبدأ حواراً معها فقط كي يسمع صوتها ويطمئن من تجاوبها معه . والحقيقة هي أنه لا يعلم كيف قاله..
خطاب : هلا أنا قررت أروح لطبيب نفسي مثل ما قلتي.
هلا بابتسامه بالكاد ترى : والله؟
حلو.
خطاب بتوتر : توقعتك تفرحين .
هلا بنفس الابتسامه : من يقول ما فرحت لك..؟
ثم أردفت بصوت مثقل بالعبرة وابتسامه واسعه لا معنى لها : ما تشوف ابتسامتي؟ أنا فعلاً فرحانه لك.
وصمتت بعدها ليصمت معها وينظر لهاتفه مجدداً..
كان هذا ثاني يوم تتغيب فيه عن العمل.. التعب يبدو واضحاً جداً عليها وأثار السهر وعدم النوم كانت تلقي بظلالها تحت عينيها بشكلٍ واضح..
هلا بحزن اخترق الصمت : أحس وكأن شريط حياتي قاعد ينعاد من جديد.
نظر لها بتوتر : وش يعني؟
ابتسمت تأخذ نفساً : خطاب أنا قد مريت بكل ذا من قبل.. وعشته وكنت أدري إنه كان يعرف غيري كنت أشم ريحتها فيه يومياً لمدة سنة وأخاف الشي ذا يتكرر معك وساعتها ما أظن أتحمل.. ما أقدر..
سكت يشد على أسنانه ضيقاً من طاري زوجها السابق وكأنها تذكره بأنها عاشت معه والتصقت به حتى باتت تميز أي تغير في رائحته..
لكنه مع ذلك سكت عن هذه النقطة لأنه يعلم بأن هلا لم تتكلم عن موضوعٍ كهذا إلا لأنها ستختنق من قهرها منه.. خطاب بزفره : صدقيني هلا ارتباطي فيها بيكون مجرد حبر على ورق موب لأني أبيها.. والله العظيم ما أبيها بس إنها أقرب شخص لمنيف أقرب له حتى من عياله.
هلا بيأس : وإن كانت أقرب وش ناوي تسوي خطاب؟
وش بيدك تسوي؟
خطاب بشرود : أي شي.. أبي أمسك عليه أي شي ينهيه..
هلا بضيق : وإن ماكان عنده شي؟
بحقد : مستحيل.. شخص وصخ مثله مستحيل يكون نظيف.. أكيد عنده شي لو ينسجن عليه سنة ، أنا بكون راضي.
بتعب : ما أدري وش أقولك. مهما تكلمت أحس كلامي كله بيروح على الفاضي. أنت قررت ونفذت وانتهيت بدون حتى لا تفكر فيني.!
خطاب بسرعة : تذكري أني أبيك بكل مافيني هلا.. وخايف أخسرك ومرعوب من فكرة أني ممكن بيوم أصحى ولا ألقاك..
هلا أنا أحبك.
كادت تختنق بعبرتها فخرج صوتها مقطوعاً محملاً بزفرتها الثقيلة : اوو..ف..
ثم مسحت تحت عينيها حيث تجمعت الدموع وقالت بضحكة دون أن تنظر له : تدري كم صار لي أنتظر هالاعتراف منك خطاب؟
يمكن لو إنه جا بوقت غير ذا كان مت من الفرحة.
حاول أن يلطف الجو بضحكته القصيرة : افا يعني كنتي شاكة بمحبتي لك قبل؟
هلا بجمود : إيه.
حك جبينه : اوف على بلاطة كذا!
حاولت أن تبتسم لكنها لم تستطع : و إلى الآن شاكة.. يمكن اللي تحسه ناحيتي مودّة أو تعود لا أكثر ولا أقل.. لكن ما أتوقع يكون حب.
عقد حاجبيه بعدم رضا: ما أسمح لك تتكلمين عن مشاعري بالنيابة عني.. أنا نفس الشخص سواء قبل أو الحين.. كنت ولازلت أحبك هلا ومن يومك صغيرة.. الحب اللي تمنيتك فيه تكونين زوجتي..
هلا بعبرة وطبقة من الدموع غطت سطح عينيها : صدق عاد؟
وقف ليجلس بجانبها يلف ذراعه حول كتفها يقربها منه لتستجيب ببساطة واستسلام وكأنها كانت تنتظره.. يعلم بحزنها ويعلم أنه زعزع علاقته بها وكسر شيئاً في نفسها والله وحده يعلم انها لا تهون عليه أبداً.. هتف بتأثر وهو يراها تمسح دموعها : أكيد صدق.. وما أسمح لك تشكين بموضوع مثل ذا مره ثانية..
يمكن أكون ما قلتها لك كثير..
قاطعته بضحكة من بين دموعها وغصة واضحة : أنت ما عمرك قلتها.. ذي أول مره.
ابتسم لها بحب يشعر بربيعٍ يزهر في قلبه من مجرد ضحكها له : كنت أقولها بقلبي،، كل يوم.. ومؤمن فيها ومتأكد منها..
وأعترف إني غلطان لأني ما قلتها لك بشكل كافي..
التقت عينه بعينها التي تنظر له بعمق، لتتبعثر الحروف في حنجرته وهو يقرأ كلاماً بين أهدابها.. كانت مشاعرها له واضحة وصريحة من أول يوم.. بل ومنذ زمن بعيد لم تبخل هلا بأن تصارحه و تعترف له.. حتى في هذه اللحظة وهي أنثى مجروحة منه كانت عيناها تتحدث وتخبره عن كمية المشاعر التي تشعر بها ناحيته.. كان حبها واضحاً صافياً جلياً لم يخفى عليه سابقاً ولن يخفى عليه الآن.. شعر بنبضات قلبه وكأنها تضرب رأسه من تسارعها وقوتها، همس لها بصدق : هلا أنا أحبك.. أكثر مما تتصورين.. بكثير..
.
.
فتح باب الشقة الفندقية القريبة من بحيرة برينز والمطلة عليها فبعد أن رأى انبهار ضي بروعة المكان قرر أن تكون هي مكان إقامتهم بدلاً من انترلاكن علها تلقي بتعويذتها على ضي وعلاقتها المتحفظة به..
انتهت ليلتهم الأولى في المكان بنظرات ضي الحائرة وترددها الواضح : نام بالغرفة إذا تبي..
خالد بهدوء يخلع جاكيته وينظر لها نظرةً ذات مغزى : وأنتي؟
ابتلعت ريقها لتقول بتوتر لم يخلى الرجاء منه : أنا بنام هنا.. بالصالة؟..
نظر لها بعتب واضح قبل أن يجلس على الكرسي المفرد يخلع حذاءه ويشيح ببصره عنها يتأفف بعدم رضا .. وحتى بعد أن وصله صوتها تعتذر ثم تبتعد تغلق الباب خلفها لم يرفع رأسه..
بداية يومهم الثاني كانت باردةً جداً افتقدت فيها ضي أحاديث خالد الصباحية وابتساماته حتى بات غضبة منها واضحاً لها لتعتذر منه مرتين . مره عن الخروج بعد وجبة الإفطار والثانية اعتذار اتبعته بسكوت ليفهمه خالد كما يشاء..
تنامى إحساسها بأنها كانت تكتم على أنفاسه وتحد من متعته إذ أنه ومنذ خروجه صباحاً لم يعد حتى بعد أن غابت الشمس واصبح الظلام حالكاً مرعباً مشابهاً لظلام حديث نفسها الداخلي..
"خالد لم يصدق فرصةً كهذه كي يبتعد عني.."
زفر خالد بضيق وعينه تتجول في الشقة الصغيرة بعد أن أغلق الباب خلفه بهدوء.. إضاءة المصباح الصفراء هي الشيء الوحيد الذي ينير المكان..
لم يبتعد كثيراً كان يجلس بالقرب من البحيرة يأتي السواح يلتقطون الصور ويسمع ضحكاتهم ويرحلون ليأتي غيرهم وهو لايزال جالساً في مكانه يحاول أن يطرد جميع الأفكار من عقله خصوصاً فكرة زوجته التي تركها وحيدةً خلفه..
كان يريد منها أن تختلي بنفسها وتقرر دون أن يؤثر عليها ويدفع نفسه في حنجرتها رغماً عنها..
جلس على الأريكة التي ينام عليها وهدوء المكان المميت كان كفيلاً بأن يجعل جميع الأصوات مسموعة..
عقد حاجبيه عندما التقطت أذنه صوتاً مسموعاً لكن غير واضح.. توقف الصوت لثواني ثم عاد من جديد..
تحرك من مكانه حتى وقف أمام باب الغرفة التي تحتمي خلف جدرانها ضي والتي توقع بأن تكون نائمة فالوقت اقترب من منتصف الليل..
فتحه قليلاً ليصله... صوته؟ " تدرين إن ظهري اوجعني من الكنبة.. والنوم بالصالة موب مريح نهائياً.."
عقد حاجبيه بعد أن توقف الصوت ليعود مجدداً بنفس الجملة.. وتكرر مجدداً.. أكثر من مره.. حتى فتح الباب على مصراعيه فالتفتت ناحيته بذعر ليتوقف المقطع..
كانت تجلس على طرف السرير بيدها هاتفها تعيد سماع مقطع الفيديو الذي قطعت تصويره مراراً وتكراراً.. كانت الثواني القليلة المحملة بصوت خالد الذي يحمل عتاباً واضحاً بين حروفه هي الشيء الوحيد الذي كانت تسمعه ضي خلال الساعة الماضية.. والشيء الوحيد الذي كانت تردده بينها وبين نفسها منذ أن خرج صباحاً وحتى هذه اللحظة.
وكأنها تستمد عزيمتها وإصرارها من كلماته والمعنى المخفي خلفها .
ابتلع خالد ريقه وكأنه سيموت من العطش.. عينه تتحرك بسرعة على التي تجلس على طرف السرير تنظر ناحيته بهلع بسبب دخوله المفاجئ.
أغمض عينيه ثم عاود فتحها.. يشد على مقبض الباب بكل قوته.. يعاود ابتلاع ريقه باستماته.. لم يكن منظراً اعتاد على رؤية ضي به .. خصوصاً قميصها الأسود القصير من الشيفون الخفيف والذي برز من خلاله طول ظهرها و رشاقة عودها..
كانت نظرتها كنظرة الغزال الذي وجد نفسه فجأة في عرين الأسد.. نظرة مرعوبة هي خليط من القلق والخوف والمفاجأة.. تجمَع شعرها على كتفٍ واحد والإنارة الخافته جعلتها تتوهج.. حرفياً..
سقط الهاتف من يدها عندما وقفت تحاول بصوتها أن يخرج : جيت..؟
كان سؤالاً لا معنى له وندمت على أنها لم تتدرب على جملة ترحيبة مناسبة عندما رأت أنه ابتسم يرفع حاجبه بمعنى "وش تشوفين؟؟"..
حاول أن يخرج من سكرته بعد رؤيتها.. كان ارتباكها واضحاً وتوترها زاد من توتره.. خفف نبرته وهو يتقدم منها يتفحصها بنظرته : شكلي دخلت المكان الغلط..
ثم وضع كفه فوق عينيه بشكل عرضي يضيق من نظرته : أنتي مين؟
بنبرة زعل عفوية جعلت من صوتها يخرج ملحنّاً بدلع : خااالد..
كانت تحاول أن تهوّن الموضوع على نفسها وأن تأخذه ببساطة.. تتجاهل كل شيء وتركز على فكرة أن خالد الواقف امامها الآن ينظر لها بإفتتان ونظرةٍ مقصدها واضح هو نفسه خالد الذي لم يفشل دقيقة واحدة بأن يضحكها ويخفف عنها كلما شعر بأنها ضاقت بسبب شيءٍ لا يعلمه..
ابتلعت ريقها تفرك يديها بقوة كعادتها إن توترت وما إن شعرت بيد خالد تمسك كفها حتى وتراقصت اضلعها برجفة واضحة..
عقد حاجبيه بعد أن ضم كفها بين كفيه: الحين ترجفين برد ولا خوف؟
حاولت أن تضحك تخفف من صعوبة اللحظة لكنها ندمت ما إن خرجت ضحكتها قصيرة مرتعشة.. زفرت بتوهان : ما أدري.. خايفه،، يمكن؟؟
ابتسم لها : لا تفكرين بشي،، غيرك ، وغيري والمكان اللي يجمعنا و بس.
.
تقلب في نومه حتى استيقظ منه.. التفت ناحيتها ولم يجدها جواره ليجلس بسرعة يبحث عنها في أرجاء الغرفة بعد أن ثبتت عينيه الظلام والضوء الخافت القادم من النافذة .. ارتعب وقفز وخرج من الغرفة بعد أن ارتدى بنطاله.. لم تكن طبيعيةً بين يديه أبداً كانت كقالب الثلج بارده جداً.. متصلبه كجثة وإن تحركت ارتعدت تصرخ برعب.. توقف عقله عن العمل وجسده عن الحركة عندما بدأت تبكي تضربه كي يبتعد عنها.. وابتعد،، ظناً أنه أفرط في قوته دون أن يشعر فأوجعها .. حاول أن يهدئ من رعبها وأن يعتذر لكنها لم تدع له مجالاً وهي تنزوي لآخر السرير في ابعد منطقةٍ عنه تضم جسدها تعطيه ظهرها وتغطي نفسها تجهش بالبكاء..
تمدد في مكانه ينظر لرجفتها الواضحة بلسانٍ معقود حتى نام دون أن يشعر..
كانت الصالة الصغيرة خالية تماماً ولا أثر لها فيها فنادى : ضي؟
لم تصله استجابه فعبس بقلق ينظر للساعة الجدارية التي تشير عـقاربها للساعة الثالثة والنصف بعد منتصف الليل.. تحرك مجدداً ينادي بقلق فلا يعقل أن تكون خرجت في ساعة متأخرة كهذه و دون أن تخبره.. والمكان صغير بما يكفي ليصلها صوته...
توقف في الممر الضيق حيث باب دورة المياة.. كان مظلماً لكنّ النور الأبيض المتسلل من تحت الباب كفيل بما يكفي لأن يرى إصبعه..
اقترب منه وما إن وضع يده على قبضته حتى وصله صوتها غريباً مبحوحاَ وكأنها كانت تبكي.. بل الأكيد أنها كانت تبكي فنبرتها لم تكن طبيعيةً أبدا : أدري إنه قرفان مني.. أدري.. خلاص...
بردت أطرافه وفتح الباب لتصرخ مرتعبه من دخلته الفجائية.. كان ينظر لها بخوفٍ عليها تجلس على الأرض تسند ظهرها للجدار وتضم ركبتيها لصدرها.. هاتفها أرضاً بجانبها وضوء الفلاش المنبعث منه للسقف جعل من شكلها رعباً حقيقياً خصوصاً مع ظلالها التي توزعت على الجدران حولها..
كانت آثاره لازالت واضحةً عليها.. نظرة عينيها بشكلٍ جعلها وكأنها مصنوعةٌ من زجاج وأحمر الشفاه الملطخ.. و شعرها الأشعث ينسدل مبعثراً على أكتافها المغطاه بروب الاستحمام مشمشي اللون.. دفنت وجهها في ذراعها بعد أن نظرت له بنظرة غريبة ليخرج أنينها موجعاً لقلبه الذي نهشه الضمير الذي يؤنبه لأنه أجبرها على شيءٍ لا تريده بسبب كلامه معها .. وأنه ضغط عليها ودفع نفسه دفعاً في وجهها..
ابتلع ريقه بصعوبة يهمس : وش تسوين جالسة هنا؟
قومي عن البلاط بارد.
هزت رأسها تنفي لازالت على وضعها فاقترب منها يوقفها من ذراعها.. بقوة.. تكلم بتوجس : كنتي تكلمين نفسك؟
لم تجبه فأخرجها يسحبها معه يقودها بكل استسلام منها ..ما إن خرج وأغلق الباب خلفه حتى قال لها بضيق : وش فيك ضي؟
أعوذ بالله موب زين تقعدين في الحمام وتصيحين كذا.. امسحي دموعك وش اللي يبكيك؟ أنا ماجيتك غصب عنك، جيتك برضاك..
مسحت دموعها بكفها تهتف بضعف تشعر وكأن حلقها سيتمزق : أنا ما أبيك تظن إني رافضه قربك خالد.. بس أنا ..
ثم بكت مجدداً : بس أنا .. أنا..
زفر بضيق يقربها منه ويلف ذراعه حولها بتملك واضح.. ابتسم بتثاقل يشعر بها تشد على أكتافه وتدفن وجهها بكتفه .. لا يذكر كم مضى عليهم هكذا، الصمت يلفهم ولا يقطعه سوى شهقات ضي من وقتٍ لآخر..
ليلتها تصنعت ضي النوم وهي تشعر بجسد خالد المتمدد خلفها و بعيداً عنها كالمغناطيس الذي يجذبها،، وتقاومه.. و ما أوجعها حقاً هو تجاهلها لصوته الذي همس لها بهمٍّ واضح : ضي، نمتي؟
.
.
كان ينظر لها تنام بسكينةٍ على ظهرها.. الغطاء يصل لمنتصف بطنها وكفيها موضوعان براحةٍ عليه.. ينظر لها وشيءٌ غريب يتأجج في جوفه.. أي جنونٍ ضرب عقله وهو ابن الثلاثة وثلاثون عاماً؟ أي تصرفات عشوائية وقرارات غير عقلانية باتت تسيره؟ غير مصدق بأنه فعل فعلاً كهذا وأن اسمه الآن ارتبط باسم فتاة تحمل اسم منيف كجدٍ لها.. و والدها هو ابنه!! والأدهى من ذلك كله كيف رضى بأن يرتبط بها دون أن يضع اعتباراً لهلا.. وحزنها.. ونظراتها المتوسله بألا يفعل شيئاً كهذا..
بات لايعرف نفسه .. وكأن روحه خرجت منه وأصبحت تشرف على جسده من الأعلى.. جسداً لا ينتمي له.. يسيره الضعف وسوء التصرف وقلة الحيلة.
أبعد بصره عنها يشد على قبضته حتى باتت مفاصلة بيضاء.
ينظر لها مجدداً يحاول أن يطرد فكرةً بشعةً تشكلت في باله..
كان يقف بالقرب من رأسها.. يطرد باستماته أفكاراً تتراقص حوله يثيرها أبليس بوسوسته..
ابتعد يخرج من المكان.. لكنه عاد متجهاً ناحيتها مجدداً و احتكاك أقدامه بالارض قادرٌ على توليد الشرار خلفه.. شعرت به وفتحت عينيها تعقد حاجبيها تنظر له باستنكار لازالت في حيرة النوم لكنه أخفى تلك النظرة تماماً عندما رفع وسادته من جانبها وغطّى بها وجهها يضغطها بكل قوة.. كان يشد على أسنانه يغمض عينيه..
بقوة ..
وندم ..
وفزع ..
وهو يشعر بمقاومتها ، ترفس بأقدامها وتحاول أن تدفع يديه بصراخٍ مكتوم حتى خارت قوتها و سكنت حركتها،، تماماً!!
.
.
.
# نهاية الفصل الثالث عشر ♡.
سبحان الله وبحمده،، عدد خلقه .. و رضا نفسه،، وزنة عرشه ومداد كلماته ..
|