كاتب الموضوع :
وطن نورة ،،
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: > أنت مثل أحزاني ،، قدر .. / بقلمي ..
مساء الخير
أتمنى لكم قرءاة ممتعة وعذراً على التأخير والتقصير أو الخلل والزلّه :)
نلتقي يوم الأربعاء بإذن الله مع الفصل الثاني عشر وانقلاب الموازين ❤
.
◇ أنْت مِثلْ أحْزانِي ،، قِدرْ ◇
.
.
# (١١) الفصل الحادي عشر ،،
°
°
ثمة حروبٍ تخرجُ منها لا منتصراً ولا منهزماً
لا تعرفُ ما ربحتَ منها أو ما فقدتْ فيها
لكنكَ تدركُ جيدًّا أن شيئاً ما ،،
انطَفأَ ،، و ماتْ بداخلكْ..
*منقول*
.
.
وجهها المبتسم هو أول شيءٍ فتح عينيه عليه هذا الصباح ، أثار النوم لازالت عالقه بتقاسيمه يشعر بالدفئ يخرج منها ليشمله..
ابتسمت له تقترب منه تغلق أزرار ثوبه بعد أن أبعدت يديه .. تغلقها بهدوء دون أن تنظر له تتهرب من عينيه بخجلٍ واضح لم يفشل يوماً بأسر مشاعره ..
ما إن انتهت حتى وابتعدت عنه ليهتف بهدوء : شكراً قلبي..
غمزت له بعد أن أدارت رأسها ناحيته قبل خروجها من الغرفة : ولو، بالخدمة.
ستعذره.. متأكدٌ من أنها ستعذره.. لابد لها أن تعذره ..
هي أكثر من يعرفه ولابد أن تضع له عذراً يشفع له .. حاول أن يدفع وجه هلا وابتسامتها له هذا الصباح لأقصى مكان في ذاكرته : يوم جاني جدك المكتب ذاك اليوم طلبت منه إني أتزوجك.. ورفض.. والحين أرجع أعيد طلبي لك..
دانه.. تتزوجيني؟
لتسقط من بين يديها الحقيبة وتتناثر محتوياتها في كل مكان..
ابتلع ريقه عندما التفتت تنظر له بعينين تكاد تخرج من محاجرها..
عادت تنظر للأمام.. تعود خطوة ثم تتقدمها بسرعة.. تنحني تجمع أغراضها المبعثرة هنا وهناك تحت أنظار خطاب الذي كانت أنفاسه تسابق الريح..
عادت تقف.. تعطيه ظهرها تحاول إغلاق حقيبتها لكن دون فائدة فارتعاشة يديها تمنعها..
خطاب بعد أن أصبح صوت أنفاسه مسموعاً : دانه.. أنا جاد في طلبي فكر..
لتقاطعه بصعوبة : أنا ما أقدر.. جدي قال لأ أنا ما أقدر.
خطاب بجمود : خذي وقتك وفكري.. أنا ما أبي رد الحين.
أدارت رأسها اتجاهه.. عابساً عاقداً حاجبيه وكأنه مُجبر.. ملامحه مظلمه وكأن الحروف تم دفعها قسراً في حنجرته..
هتفت بحزن عميق أهدابها لازالت مبلله بدموعها في خاطرها شيء غير الذي تقول : ما أقدر..
ارتخت قبضة يده التي لم يكن يدرك بأنه كان يشد عليها بقوة.. رغماً عن التخبط الذي يعيشه ويشعر به في هذه اللحظة، شعر بنسيمٍ بارد هبّ على روحه وكأن ثقلاً كان على كتفيه وسقط .. مع ذلك هتف بهدوء : بكون بإنتظارك إن غيرتي رايك،، بأي وقت..
ثم استدار عائداً للداخل : انتظري سيارتك داخل أفضل.
ليدعها واقفةً مكانها تنظر له مبتعداً.. جزءٌ منها نادم على رفضه -وهو الذي ستسعد بقربه لا محاله- والجزء الأكبر يرى أن رضا جدها فوق كل شيء.. متجاهلةً بذلك شعور الحسرةِ الذي تأجج في جوفها فجدها يستحق من يضحي بالعالم كله لأجله..
.
.
لم تكن تدرك حنين أن بقاءها في منزل زوج والدتها سيكون كارثياً على روحها هكذا.. كانت الأيام تمضي وهي تنتظر اتصالاً من بدر يطلب منها العودة.. حتى وإن كان يأمرها بذلك دون أن يبدي أي ندم.. كانت ستعود إن طلب ذلك.. تقسم أنها ستعود،، لكنه لم يطلب ولم يصلها اتصالٌ منه أو حتى رسالة كي يطمئنّ على أبناءه.. يعلم أن والدها خارج البلاد مع ذلك لم يكلف نفسه عناء السؤال عن مكان مكوثها هي وأبناءه!!.. كل شيء في حياتها توقف حتى امتد لحياة ابناءها..
اتصلت معلمة سيف عليها اليوم تسالها بقلق عن غياب سيف كل هذه الأيام فلم تجد عذراً تتعلل به سوى سفرهم لجدة..
كانت تشعر بهدوءٍ داخليٍّ رهيب رغماً عن الضوضاء حولها.. صوت بكاء سيف المتواصل لأكثر من خمس دقائق لازال يتردد بين جدران المجلس الذي أصبح سجناً لها..
تنظر له فاتحاً فمه يبكي متوجعاً وأثار أصابع حمراء على خده..
صفعة من يد حمود ابن سامي الأصغر كانت كفيلة بأن تترك أثرها على خده..
كانت تنظر بيأس وقل حيلة لا تعلم ماذا تفعل.. كل شيء في هذا المنزل يصرخ في وجهها بأنّ لا مكان لها هنا.. مرفوضٌ بقاؤها جملةً وتفصيلاً.. لكن ماذا عساها أن تفعل!
أين بدر؟؟ لم تكن قوية بوجوده ولن تكون قويةً بعيداً عنه.. باتت تؤمن حقاً بانها امرأةٌ خلقت لتعيش في الظل..
دخلت والدتها تحمل صينية الغداء بيدها : ما تشوفين الولد يصيح يابنتي؟ حرام عليك خذيه بحضنك.
كانت تتكئ على المسند جوارها يتضح يأسها من الحياة بميلانها : بيصيح شوي ويسكت يمه..
إنحنت تضع الصينية أمامها بصعوبة لتجلس تنادي سيف والذي ارتمى في حضنها يشكي..
قبلت رأسه تمسح وجهه بكفها المجعد حتى هدأ وما إن رفعت عينها حتى وجدت حنين على وضعها تنظر لها: تغدي..
ارخت بصرها للصينية ولصحن الكبسة متوسط الحجم الموجود بمنتصفها ولم تخفى عليها قطع الخيار والطماطم التي خالطت حبات الأرز ولم تنجح والدتها في اخفاءها : ما اشتهي يمه.
شيخة بحرج واضح : غرفت لك من الجهة اللي مالمسوها العيال.. نظيف لا تقرفين.. و ماعليه مابقى دجاج أكلوه كله ..
بتعب واضح : أدري نظيف بس ما اشتهي.. عليك بالعافية.
بدأت شيخة تطعم الصغار وحنين تتأملها.. باتت تعرف الآن أن حظها جاء معوجّاً كحظ والدتها .. فبعد الذي عانته وعاشته وهي على ذمة والدها،، تزوجت بسامي الذي جعل منها خادمةً له ولابناءه.
حنين بهدوء: يمه دقيت على عمي ياسر.
رفعت رأسها بسرعة : وش قال؟
بضيق : مغلق.. هو لا سافر مايمسك جواله السعودي بس أنا قلت أحاول. وما قال متى بيرجع قبل لا يروح وأخاف شغله يطول..
شيخة : ماعليه يابنتي أدري انك مو مرتاحة هنا بس...
ثم زفرت بقل حيلة دون أن تكمل تتلهى بإطعام سارة وكأن زفرتها كفيلة بشرح كل شيء..
.
.
يعلم أنها لا تستحق أن يُفعل بها شيئًا كهذا.. من لديه امرأة مثلها يجب عليه المحافظة عليها وشراء رضاها مهما بلغ ثمنه..
تأنيب الضمير يقتله.. هو نفسه الضمير الذي لازال يقتله منذ أن كان بالثامنة وحتى الآن وكأنه كُتب عليه أن يعيش معذباً حتى الموت..
زفر أنفاسه بضيق وعينه تتأملها.. تتمدد على الأريكة تغط في نومٍ عميق بحضنها سالم يتابع أحد برامج الأطفال .. لم تكن النيه أن تنام لكن النوم غدر بها على عكسه. كانا يتابعان التلفاز يلفهم الصمت يقطعه من وقتٍ لآخر عطاسها وسعالها.. كم يتمنى أن ينام براحه ينسى كل شيء ويستيقظ ببالٍ خالي من كل شيء..
تحرك سالم بضجر بعد نهاية برنامجه ليبتعد عنها متجهاً لغرفته حيث جهازه اللوحي موصولٌ بالشاحن.. ليبقى حضنها خالياً شاغراً وكأنه يدعوه ليدفن نفسه به ويرمي كل شيءٍ وراء ظهره..
خرجت هلا من دورة المياه تمسح وجهها بطرف قميصها بعد نوبة سعال اجتاحتها لتستيقظ مجبره.. رأت خطاب يجلس على نفس الأريكة التي كان يجلس عليها قبل نومها..
ابتسمت له بتعب ليبادلها بنفس الابتسامه : تعالي دفّي حلقك..
وأشار للكوب أمامه على الطاولة والذي لم يكن موجوداً قبل دخولها..
جلست بجواره بعد أن اخذته تتكلم بصوت مبحوح : وش ذا ؟
خطاب بهدوء: زنجبيل ونعناع.. اشربيه مفعوله وحده بوحده..
ارتشفت قليلاً منه ثم ابعدته بسرعة عندما لسعتها حرارته..
اتسعت ابتسامته وهو يراها تحرك كفها أمام لسانها لتبريده،، أسندت رأسها للخلف تضع يدها على حنجرتها : آه حلقي.. والله بموت أحسه بينفجر من كثر ماهو محتقن..
وضع يده على خدها يتحسسه.. ثم على جانب رقبتها مما جعلها تميل تلقائياً مع لمسته : والله حاره يابنت.. من وين جاتك الزكمة؟
أغمضت عينيها لازالت كف خطاب محاصرة بين كتفها ورأسها : .. ما أدري .. بس والله تعبانة.
حاول سحب يده لكنه لم يستطع : سلامتك يا قلبي..
ابتسمت لازالت على وضعها : والله أحس إني بموت من التعب يا خطّاب..
فهم ماترمي إليه ليهتف بضحكة : حبيبة عمري سلامتك من التعب..
وضعت كفها على قلبها بعد أن اعتدلت تنظر له بعينين ناعسة شديدة الاحمرار : أنت أكثر واحد يعرف يقول كلام حلو..
ابتسم : هذا وهي كلمتين بس!
هلا بخدر اعتدلت في جلستها لتقابله : لو تعرف الكلمتين ذي وش تسوي بقلبي كان عذرتني..
وضع كفيه على جوانب وجهها يقربها منه ويقبل جبينها المشتعل بقبلة طويلة يضع فيها كلّ مشاعر الامتنان التي تتزاحم في صدره.. ابعدها عنه يتأمل تقاسيم وجهها وعينيها المغلقة وكأنها تريد أن ترسم اللحظة في جفونها.. : أنا أدري إني مقصر.. بأشياء كثيرة..
هلا تقاطعه : خطاب والله إني تعبانة..
خطاب بخفوت : إلى متى تقدرين تصبرين؟
فتحت عينيها تنظر له مستنكرة تنتظر منه تفسيراً لكلامه..
عاد يقبل جبينها وعندما ابعدها عنه هذه المره وجد أن عينيها مفتوحة بالقدر الذي يسمح به تعبها لازالت تنظر له بنفس النظرة : وش تقصد؟
بعد صمت دام ثواني : إلى متى وبعدها بتنتهي طاقة التحمل عندك ؟
ابتسمت بقلق أنفاسها سريعة ومسموعة بسبب الحرارة : هذا لغز الحين؟
خطاب بزفره : ماقد سألتي نفسك كيف رجّال طبيعي تنام جنبه يومياً وحده مثلك ولا يتحرك فيه شي؟
اشتعل وجهها لذلك قالت بغمزة : أكيد عشان المخدة.. هي السبب.
خطاب بجدية : ما جاك شك إني موب طبيعي هلا؟.
هلا بإحراج : توني أقول كلامك حلو لا تخليني أغير رايي..
خطاب : أنا أتكلم جد.
هلا بضيق : وش تبيني أقول خطاب.. أنا أحترم رغبتك وقد قلت لك قربك يكفيني أنا موب طماعة..
خطاب بتعب : المسألة موب مسألة طمع.. المسألة شي فطري وطبيعي بين أي زوجين بس أنا عاجز عنه.. عاجز اعطيك إياه مع إني أبي..
ابتلعت ريقها لا تعلم كيف وصل الحديث فجأة لهذه النقطة : أنا موب مستعجلة.. لا تضغط على نفسك يا قلبي .
التمعت عينيه بأسى ويأس : بس أنا مستعجل ،، و أبي..
ثم تابع بتردد دون أن ينظر لها : أيام عرسي الأول رحت دكتور.. عشان يعني،، تعرفين.. بس مافاد لأن.... أنا مافيني شي.
وضعت الكوب الذي أصبح بارداً على الطاولة ببطئ تحاول أن تكسب بعض الوقت كي ترتب كلماتها.. سكتت قليلاً بعد أن قابلته مجدداً.. تهرب من عينيه التي تراقب وجهها وكأنه سيجد ما يبحث عنه : ما أدري وش اقولك!! ما أدري.
خطاب : في كل ليلة تمر وأنتي جنبي أحس إن الصبح ما بيطلع علي وأنا حي.. أعيش بنزاع بين قلب يبي وعقل يقول لأ لدرجة أني كل ما جيت أقرب أحس بخوف يقيدني.
هلا بقلق : خوف مني؟
هز رأسه نافياً : خوف مني أنا. من شي داخلي أنا ، يصرخ بي ي..
سكت لتبقى شفاهه تتحرك بتوهانٍ دون صوت حتى استقرت بخط مستقيم.. يالله من التخبط والضياع الذي يعيشه.. من أحاسيسه الداخلية،، من جميع الكلمات التي تأبى أن تخرج.. من الخوف الذي يعبث به حتى بات مسيطراً عليه من الفشل الذي يجهل سببه من الجُبن والتردد الذي يقيده..
يالله من الذنب ،، من الخيالات ،، من الهلوسات..
يالله من الغياب عن الوجود و تجوّف الفؤاد حتى باتَ خاوياً ..
يالله من القدرة وعدم القدرة.. من الرغبة والتمني و مايحول بينها وبين تحقيقها..
هزت رأسها بتفهم. رغم أنها لم تفهم .. فتحت فمها كانت ستقترح عليه أن يذهب لطبيب نفسي فالذي مر به يحتاج لمختصٍ يعالجه.. أيقنت بأنها مهما تحدثت و واست و إحتوت لن تستطيع تخليصه من عقدةٍ ورهابٍ يلاحقانه منذ أن كان طفلاً .. ربما تكون مشكلته بسيطة يمكن علاجها لكنها ما إن رأت القلق يقفز من عينيه ينتظر ماستقوله حتى وابتسمت له بتودد لتتمدد وتضع رأسها على فخذه دون أن تقول شيئاً..
.
.
: كيف الدوام اليوم؟
كان سؤال منيف الجالس معها بصمت لأكثر من ثلاث ساعات هو من أخرجها من نزاعها مع نفسها.. ثلاث ساعات تجلس معه لا هو الذي تحدث ولا هي التي سعت لبدء حوارٍ معه.. وبالرغم من غرابة الوضع عليهما إلا أن لا أحد حاول تغييره..
كانت تنظر له بنوعٍ من التفكير والتساؤل.. لماذا رفض خطاب بهذه السرعة دون حتى أن يرجع لها؟ أو أن يسأل عنه ؟
كان خيالها يشرّق بها ويغرِّب تتخيل إن كان جدها راضياً موافقاً أي حياةٍ سعيدة ستعيشها مع رجل مثل خطاب..
مجرد التخيّل بعثر أنفاسها وسبب اضطراباً لنبضات قلبها..
لم يخفى عليه سرحانها.. نظرتها الزجاجية وملامحها التي تمور بألف تعبيرٍ في الثانية.. ما يحدث معها يقلقه.. بدأ الشك يساوره منذ أن قابل المدعو خطاب.. صاحب النظرة الحادة الحاقدة.. نظراته غير مريحة وكأنه يحيك مكيدةً سراً.. كيف يضحّي بمن ملكت قلبه ويعطيها لشخصٍ يتضح من ملامح وجهه بأنه لا يتقبله ؟
وما رأى عليها اليوم بدأ يعبث بأفكاره يشككه بأن تكون دانة على علاقة به.. أو أن تكون قد عرفت بما دار بينهم ذلك اليوم ونظراتها وسكوتها الآن ماهم إلا عتبٌ ولوم..
الجميع يحاربه عليها.. حتى بدر الذي التقى به اليوم في أحد المستودعات..
يمشي معه بين الكراتين يتأكد من البضاعة التي وصلتهم..
يفتح أحدها ليخرج منها علبة -شامبو- باللون الفضي الغامق..
يفتحها ويميل بها على كفه ليخرج منها عدد من الحبوب البيضاء صغيرة الحجم.. ابتسم واعادها مكانها: تمام..
كان بدر ينظر له يراقب تحركاته بتوجس.. يراه يغلق الغطاء جيداً ثم يعيده بداخل الكرتون ابتسامة الرضا تحتل جزءًا كبيرا من وجهه..
بدر بهدوء : أبو جابر.. اطلبك بنتك دانه زوجة لي على سنة الله ورسوله.. وإني طالبك ماتردني المره ذي..
نظر له منيف نظرة صقيعيه باردة : وحنا إلى متى بنقعد نتكلم في هالموضوع ؟ هي كلمة وحدة قد قلتها ومهيب متغيرة..
بدر وكم يتمنى أن يهشم وجهه : إن كنت تقصد زوجتي الأولى بنت حمد.. فأنا طلقتها..
فتح كرتوناً آخر : لأنك حمار..
بدر بحدة : أبو جابر لا تستغل احترامي لك وتقعد تحذف بالكلام اللي ماله داعي..
لازال يتكلم ببرود : وحدة مثلها راضية بنذل مثلك المفروض تتمسك فيها بيدينك وأسنانك..
بدر : أنت سامع عني شي؟
نظر له مطولاً : لأ.. بس ما أرتاح لك وأنا مستحيل أعطي بنتي لواحد نظرته وصخة مثل نظرتك..
بدر بقهر : شايف علي شي؟
منيف بملل وصرامة : بدر دانة مهيب لك.. حط هالكلمة حلقة بإذنك ولا تقعد تعيد وتزيد بالسالفة الماصخة ذي.. انتهينا!
.
زفر أنفاسه ونظرة عينيها التي تنظر له بها لم تعجبه : دانة أكلمك أنا..
رمشت أكثر من مره وكأنها للتو انتبهت : هلا جدي.. وش كنت تقول؟
منيف بنبرة : أقول كيف الشغل؟
ابتسمت بضيق : تمام ..
منيف : صاير شي؟
عقدت حاجبيها: شلون يعني؟
منيف : أقصد بالدوام؟ صاير شي؟ أحد يتعرض لك؟ أحد يضايقك؟
ابتلعت ريقها بتوتر تعتدل بجلستها : لأ جدي أبد.. تطمن.
منيف بحاجب مرفوع : دانة أنتي وعدتيني.. لا تنسين.
كانت قاب قوسين أو أدنى من أن تخبره بما حدث معها اليوم.. بللت شفتيها وهمست دون أن تنظر له : وأنا عند وعدي.. تطمن.
.
.
لم تتوقع حنين ولا حتى طرأ على بالها أن يصل بها الحال كما وصل اليوم..
تأكد سامي من خلو المجلس قبل دخوله عليها يغلق الباب خلفه لتقفز مذعوره..
سامي بهدوء : اقعدي أبي أكلمك..
حنين بتوتر : أمي وين؟
سامي بحدة : قلت أقعدي منيب ماكلك.. أقعدي..
جلست بسرعة وخوف قلبها تتسارع نبضاته.. فمنذ أن دخلت هذا المنزل لم تصادف أحداً من أهله حيث أنها لم تتعدى باب المجلس إلا للذهاب لدورة المياة المجاورة له وفي اليوم الذي قررت فيه مساعدة والدتها بأعمال المنزل وجدت سامي يجلس في الصالة ما إن رآها حتى احتدت نظرته بشكل مرعب جعلها تعود أدراجها بسرعة..
انتبهت لنظرته الكارهه لتنزل بصرها تتأكد من أن لباسها لا يظهر شيئاً من جسدها ليصلها صوته كارهاً : أبوك متى بيرجع؟
ابتعلت ريقها : إن شاءالله قريب.
سامي : وإلى متى بتقعدين هنا؟ أنا مو ملزوم بك وبعيالك.
لم تجد رداً وتلهت بالتفكير في أين يلعب أبناءها الآن!!
سامي : أنا مستعد أخليك في بيتي حتى لو كنتي تحدين من راحتي وراحة عيالي،، لكن أبي مقابل..
بذعر وكل القصص التي سمعتها فيما مضى عن تجبّر أزواج الأمهات طرأت عليها : كيف يعني مقابل؟
ارتخت ملامحه المشدودة : أبيك تروحين معي بكرة المستشفى..
ولدي ثنيان معه فشل كلوي وصار ملازمه خمس سنين ويحتاج متبرع عشان ماعاد يغسل..
لم تستوعب : كيف؟
سامي بصرامة : أبيك تتبرعين له..
حنين : ليش أنا ؟
بتهكم : تطمني قد حللت أنا وأخوانه قبلك،، حتى أمك، ولا تطابقت الأنسجة..
حنين بقلق :.. أخاف..
قاطعها رافعاً حاجبه بتهديد : تخافين؟؟
حنين بتردد : أبي أفكر طيب .
لم يجبها ولكن النظرة التي تلقتها منه قبل خروجه كانت كفيلة بقول كل شيء..
.
لم يحل المساء إلا وحنين أخذت قرارها.. حتى وإن كانت مكرهه وغير مقتنعة به . لم تكن تتوقع أن تصل لهذه المرحلة من البؤس حيث أنها تضطر لبيع عضو من أعضاءها كي تشتري رضا زوج والدتها..
حتى وإن فكرت أن تحايله وتماطل لحين عودة ياسر و والدها لن تنفع حيلة كهذه مع رجل مثل سامي..
حتى أنها داست كل شيء ابتداءً من كرامتها المزعومة وانتهاءً بمشاعرها وحاولت أن تتصل ببدر لكنه -أعطاها مشغول-.. مر على طلاقها منه شهر و أسبوع استنزفت عمرها كاملاً..
حنين بهدوء : يمه إن شاءالله بكرة بروح المستشفى مع سامي .
عقدت حاجبيها باستنكار : خير؟
حنين : بروح أحلل وإن تطابقت تحاليلي مع ثنيان بتبرع له.. أنا توني أدري إن معه فشل كلوي ..
شيخة بجزع : انهبلتي انتي؟
حنين بضعف : يمه الله يخليك أنا راضيه ،، اعتبريها زكاة صحتي وأجر لي.. ثنيان تعبان والكلى تعبها يهد الحيل..
شيخة : وان كان تعبان تقومين تعطينه كليتك؟ الله بيعافيه ويرفع عنه أنتي مالك دخل. إن كان سامي هو من طلب منك اسفهيه وانا بكلمه.
حنين : يمه أنا راضيه.. وتطمني أقدر أعيش بكلى وحده ..
شيخة بإنفعال: أشهد إن ماعاد بك عقل.. يابنت تعوذي من ابليس وربي عيالك أحسن، الواحد بكليتين ويسأل الله العافية كيف عاد لا صار بوحده؟
سكتت قليلاً لتهتف بهدوء مميت : عموماً هي مجرد تحاليل ويمكن ماتتطابق الأنسجة والفصايل.. لكن إن حصل وتطابقت تأكدي يمه إني بتبرع..
.
.
كان خالد خالي البال حرفياً حتى قرر الارتباط.. كل شيء بدأ من نظرة عينيها في ذلك اليوم وبعدها أصبحت لغزاً يشغله بمحاولة حلّه كل مساء.
قبل أسبوعين ذهب مع والدته وأخته لمنزلها.. فكما أوصل له والدها بعد أن اتصل عليه لتحديد موعد عقد القرآن أن ضي ترغب بأن يكون عقد قرآنها في الليلة التي تسبق يوم الزفاف..
سأل والدها الذي نقل طلبها بحرج : أسالك بالله ياعمي ضي مجبورة علي؟ إن كانت مجبورة فوالله إني عزيز ولا أرضاها على نفسي. والمرَه بدالها مرَه بس كسرة النفس مالها جبر..
أبو غيداء بعد زفرة كادت تصم مسمع خالد : مهوب أنا اللي أجبر بناتي يا خالد.. ولو قالت ضي ما أبي أعرس طول عمري لها اللي تبي وبتقعد في بيت أبوها معززه مكرمه..
خالد بتوتر : أعذرني والله إني ماقصدت شي بكلامي.
ابو غيداء بضيق : أنا فاهمك ياعمك ولا الومك.. وأقولها لك كانك تشوف إن بنتي ماعاد تناسبك فأنت إلى هالحين بالبر ومعذور..
كيف انقلب الحديث عليه وأصبح هو المُلام على استنكارٍ من حقه؟ كان من المفترض أن يكون هو الطرف الذي يعاتب ويستنكر وليس العكس ..
وقتها كان في ساحة منزله يمتر المكان ذهاباً وإياباً بتوتر..
وضع يده على رأسه يمسح على شعره : لا والله إني لازلت أبي ضي واللي تبيه تبشر به وبإذن الله على آخر الاسبوع تجيكم الوالدة وتحدد كل شي مع الأهل.
ثم تابع بعدم رضا: وتشوف متى اليوم اللي يناسبكم ويحددون العرس..
.
وعندما وقفت سيارته أمام منزل أبو غيداء فتحت والدته الباب ثم التفتت له باستنكار : ماراح تدخل؟
خالد بضيق : بروح اخلص كم شغله وإن خلصتوا رجعت لكم..
سلوى : مهيب حلوة يا خالد توصل لين باب بيتهم ولا تنزل تسلم على أبوها.. وش بيقول الرجّال؟
حك ذقنه : ماعليه يمه والله مشغول ولا عندي وقت.. بمر عليه وقت ثاني.
ثم التفت لهلا ينهي النقاش : هلا إذا الصندوق ثقيل عليك خليني اشيله..
هلا : متى تبي نقولهم العرس؟
خالد : شوفوا وش يناسبهم .. أنا قد كلمت أبوها واتفقنا.
سلوى بعدم رضا: يصير خير إن شاءالله..
تابع ببصره دخول والدته وهلا للمنزل بعد أن فُتح بابه وهلا تتحامل على نفسها تحمل صندوقاً خشبياً ثقيلاً مذهّب الأطراف يحتوي على المهر والشبكة وبعض ما يتم تقديمه للعروس كهدية في يوم عقد قرآنها.. اليوم الذي اسقطته ضي من الحسبَة تماماً ..
لازال تفكيره يضيق حتى يصل لنقطة لايمكن العبور من خلالها.. ما بالها تدفعه بعيدًا عنها هكذا؟ في المرة الأولى التي رآها فيها كانت عيناها تفيض من الدمع والآن أخرّت كل شيء ليوم واحد وكأنها تريد تأخير ارتباطها به قدر المستطاع!!!
.
.
لا يوجد شيء أسوأ من أن تشعر بأنك وحيد تواجه عاصفةً هوجاء.. متيقنٌ من أنها ستنتشلك من الأرض التي تثبت بها أقدامك بكل قوة... تعصف بك ثم تلقيك.. لتقف مجدداً تثبت أقدامك جيداً وتنتظر العاصفة التالية..
كانت دموع حنين تسيل بكل هدوء على خدها وكأنها اتخذت من ظلام الليل ستاراً لها. انتهت عدتها من أسبوع.. ندمت أشد الندم أنها لم تحاول استرضاء بدر قبل أن تنتهي.. تجبره على تقبلها حتى وإن كان سيضع عليها عشر نساء.. فالحياة معه أهون ألف مرة من بقاءها في بيت والدتها..
إن كان سامي سيئاً معها ومع أبناءها فيما مضى.. فهو الآن أصبح أكثر سوءاً خصوصاً عندما لم تتوافق نتائج تحاليلها مع ابنه وكأنه يعاقبها على شيء لا يد لها فيه.. الله وحده يعلم كم كانت تتمنى من أن تتطابق النتائج أقلها تحصل على رضاه حتى عودة ياسر و والدها اللذان طال سفرهما هذه المره..
رفعت هاتفها بعد أن أنار في الظلام معلناً عن اتصال جديد بصمت.. عبست عندما جهرها الضوء في الظلام الدامس وجلست تجيب بسرعة عندما قرأت اسم المتصل: الو..
كانت نبرته مشبّعة بخوفٍ جعل من فكها يرتجف بشدة : حنين أنتي وينك؟
مسحت دموعها براحة كفها: عمي أنت متى وصلت؟
ياسر بقلق : توني من ساعتين ومالقيت أحد بالبيت ويوم سألت العاملات عنك قالوا صار لك اكثر من شهرين تاركه البيت.. حنين انتي وينك ؟ صبت عظامي من الخوف يابنتي..
قطع أنينها صوتها حتى خرج مبعثراً : عمي ليه طولت؟.. بدر طلقني..
كانت تسمع كلماته المستنكرة أسئلته الغير مصدقة -دون أن يدع لها مجالاً لتجيبه- وشتائمه لابنه التي شعرت بها تطفئ شيئاً من قهرها..
كان يكيل الشتائم والتهديدات بغضب وغل وكأنه والدها.. يغضب لأجلها غصباً شديداً لشيءٍ ارتكبه ابنه..
ياسر بعتب : والله إن زعلي عليك أكبر من زعلي على بدر.. شلون ما تدقين علي؟
حنين : عجزت وأنا أدق والله العظيم .
ياسر : لا حول ولا قوة إلا بالله.. طيب أنا بجيك أنتي وينك الحين؟..
لتقاطعه بيأس : أنا عند أمي.. وطلعت من العدة ياعمي خلاص..
ياسر بانفعال : يرجعك وهو كلب مو على كيفه.. أرسلي موقع بيت امك و أنا بتصرف..
.
.
لم يفهم خالد تلميحاتها.. ولا الطريقة التي حاولت انقاذه بها.. كانت تعطيه مجالاً للهرب.. متسعاً من الوقت كي يعيد التفكير وينهي كل شيء..
كانت ترى نظرة والدها تحثها على الموافقة.. يسطر لها انجازاته وصفاته وما هو عليه.. متمسكٌ به دون أن يضغط عليها. يتوسل لها بكلمات المديح أن توافق..
في بادئ الأمر طلبت رؤيته تحت سخطٍ من والدها على طلب كهذا.. فالرجل نفسه لم يطلب حقه في أن يراها كما هو جائز شرعاً ليأتي الطلب منها.. مع ذلك اضطر بأن يوافق تحت إصرارها فخالد شاب لا يُعاب ابن صديقة سيرته حسنه سيرفق بابنته ويوفر لها الحياة التي تمناها لها..: طيب وبعد مايشوفك يابنتي؟ الله يرضى عليك لا تحطيني بموقف يحرجني مع الرجّال وأهله..
ضي بحزن واضح : إن شافني و وافق علي ورضى فيني.. أعتبرني موافقة يبه.. أوعدك.. لكن إن،، إن غير رايه بعد مايشوفني أوعدني أنت ماعاد تفتح معي طاري العرس مره ثانية..
ابو غيداء بتعب : أنا مانيب فاهم إلى متى وأنتي تسوين بنفسك كذا؟ ارحمي عمرك يابنتي وارحميني..
لكنها ابتعدت عن المكان تترك سؤاله معلقاً دون إجابه..
في ذلك اليوم تحاملت على خوفها وتوترها ودخلت عليه مجلسهم تحاول أن تتحكم بإندفاع الدموع في مقلتيها.. رجفتها واضحه وكأن ماساً كهربائياً يضربها ليشطر جسدها نصفين..
رفعت بصرها له تراه يجلس في منتصف الأريكة بثوبٍ ناصع البياض على وجهه علامات غريبة.. تأكدت من خلالها بأنه سيرفض ارتباطه بخيال أنثى مثلها لتخرج من المكان بقلبٍ مثقلٍ بالأسى.. تسمع صوتاً قريباً من أذنها يصرخ .. وآخرٌ يضحك على ثقتها بنفسها عندما طلبت أن يراها "أكيد خرعتيه"..
راقبت تقدم والدها من مكان جلوسها بعد خروج من كان سيكون زوجها.. تفكر كيف خرج؟ هل خرج راكضاً مرعوباً يحاول أن يمحي الصورة التي رآها قبل قليل.. أم خرج مبهوتاً يتساءل كيف لبشرٍ أن يكون مسخاً هكذا؟
.
رمشت أكثر من مره تحاول أن تبدد الإحساس بالكتلة التي تثقل قلبها..
تنظر ليديها المرتعشة.. لأصابعها التي وقعّت اليوم قرار ارتباطها به..
كانت لآخر لحظة تتوقع منه أن ينسحب.. أن يتراجع ويشتم نفسه على هذه الفكرة المجنونة.. لكنه كان متمسكاً بها.. على الأرجح مُحرجاً من والدها.. هذا إذ لم يكن والدها هو من الزمه على الارتباط بها..
ابتسمت لابتسامة أختها غالية.. الأقرب لها والتي كان لكلمتها تأثيرٌ عليها دائماً .. تجلس على الأرض أمام حقيبةٍ صغيرة تضع فيها احتياجات ضي لليلة الغد.. ليلة الزفاف التي لازالت تشعر بأنه حلم..
الزفاف الذي لم تضع يدها في شيءٍ من إعداداته.. كانت كقطعة الخشب يحركنها شقيقاتها لا تُظهر أي استجابة.. عينها تنقلت على موجودات الغرفة التي ستفارقها غداً.. التسريحة التي أصبحت خاليه بعد أن كان سطحها مليءٌ بالعطور ومساحيق التجميل التي هجرتها منذ زمن..
لفستانها المعلق على شمّاعة الثياب.. بتفاصيله التي كانت ستليق بها قبل سنه -هذا ما يقوله صوتٌ قريب منها-.. كل شيء كان سيكون مثالياً إن كانت في زمنٍ غير هذا.. لو أن خالد اختار وقتاً أفضل من هذا.. وقتاً تكون فيه أكثر اتزاناً وثباتاً..
عادت تنظر لغالية التي أصبحت تجلس أمامها الآن.. تنظر لها بحنان،، لعينيها التي بدأت طبقة من الدموع تغطي سطحها : وش تفكر فيه العروس؟؟
ضي بعبوس : في بكرة.
غالية بعبوسٍ مماثل : طيب ليه تقولينها وانتي مطنقره كذا؟
أقولك شي يروقك؟
نظرت لها ضي بشك لتتابع : شفت اليوم خالد من شباك الصالة وهو طالع من المجلس بعد ما طلع الشيخ.. ماتوقعته كذا..
عقدت حاجبيها : كيف؟
حركت حاجبيها بمرح : شب حليوه بصراحة. كاريزما غير طبيعية الله يعينك عليه .
لم تتجاوب معها ضي أبداً.. لذا قالت بعبوسٍ حقيقي هذه المره : سلامات ضي هذا وضع عروس بالله عليك ؟ ليه زعلانة خبري إنك انتي وافقتي عليه برضاك.
ضي بنبرة مرتجفة : أنا خايفة غالية.
غالية : طبيعي تخافين وكلنا كنا خايفين مثلك بس ماعقدنا النونه كأننا بعزا.. حرام عليك الوحدة كم مره بتتزوج؟ عيشي اللحظة ولا تضيعين أجمل شعور يمر على البنت عشان أفكار مالها داعي..
خللت أصابعها في شعرها تشده : ما أقدر غالية.. مخي عجز يهدأ..
غالية بتأنيب : الشيخ كم مره قرأ عليك وقال مافيك شي؟ كل اللي انتي فيه أوهام تعوذي من ابليس حرام عليك..
بدأت شفاهها ترتجف.. لا أحد يفهمها أو يفهم ماتعانيه أبدا : كيف مافيه شي وأنا أحسهم معي؟ والله أحسهم معي.. أسمعهم..
زفرت بضيق: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ..
ثم سكتت. تعقد حاجبيها بيأس وتتأمل ضي التي بدأت تمسح دموعها بارتعاشه واضحة. حاولت أن تغير نبرتها : تدرين إن هديل المسكينة ليلة عرسها انخفض معها الضغط و أغمى عليها من الخوف؟ ياعمري وما طلعت إلا اليوم الثاني من المستشفى للصالون على طول..
نظرت لها من بين أصابعها ففي ذلك الوقت كانت كبيرة و واعية بما يكفي كي تتذكر حدثاً عظيماً كهذا : ما أذكر..
ابتسمت لها : يمكن كنتي نايمة .. طيب تدرين غيدا من زود ما كانت تتنافض وقت الزفة مال بها الكعب وكانت بتطيح.
اتسعت عينيها برعب : مستحيل..
ضحكت : والله.. لو تبين تنرفزينها قولي لها الحادثة ذي والله إن تنتف شوشتك..
تقلبت ملامحها بقلق : أنا ما أبي زفة بكره..
غالية بنفاذ صبر : اللهم طولك ياروح.. ضي لا ترفعين ضغطي..
أسندت رأسها للخلف : والله راسي بينفجر من كثر التفكير..
غالية بتعاطف : وليه تفكرين؟ وكلّي أمرك لله واتركي عنك الوساوس اللي مامنها فايدة..
هزت رأسها تغمض عينيها غير مقتنعة.. فما أسهل الكلام وما أصعب التنفيذ. أخذت نفساً تهتف بعده بهدوء : متى بتروحين بيتك؟
ربتت على فخذها لتعدّل من وضع رأسها وتنظر لها: اليوم كلنا بننام هنا،، هديل وغيدا وهاجر بالمطبخ يجهزون لنا شي خفيف .. بناكل ونسولف سوالف حريم متزوجات ونعيّن من الله خير ..
لم تلبث أن تنتهي من جملتها إلا وانفجرت تضحك على ملامح ضي التي شحبت تماماً بعد كلامها .. قربتها منها تحتضنها بكل قوتها تربت على ظهرها وعينيها تمتلئ بالدموع رغماً عنها خوفاً من ليلة الغد التي لا تعلم كيف ستَمر على أختها.. ترجو من الله أن يكون خالد سَمحاً رحوماً كملامحه،، متفهماً بما يكفي كي يفهم حالة ضي..
.
.
لا يصدق فارس أنه يجلس الآن أمام والدته.. وأنه استطاع الصمود طيلة الأشهر الماضية والخروج من المعركة في داخله بأقل الخسائر..
كانت دانة وكما يبدو تعرف حدودها جيداً حيث أنها من بعد ذلك الإتصال لم تتواصل معه بأي شكل حتى أنه بات يشك بأن ماجرى في ذلك اليوم مجرد حلم.. لكن صورة إثباتها الموجودة في هاتفه تخبره عكس ذلك وتؤكد له كل شيء..
كان بعد اعترافها قد تلقى عرضاً لمدة شهرين بأن يعمل بأحد المكاتب التابعة لعمله في ينبع.. كنوعٍ من تبادل الزيارات كأنها رسالة من ربه بأن يبتعد قليلاً ويكاد يقسم أنه لم يوافق على شيءٍ في حياته بهذه السرعة..
كان يحتاج لأن يهرب بعيداً عن كل شيء.. لا رغبة له برؤية أحد حتى يصفَى عقله تماماً..
شهرين مدة كافيه جعلته يرتب أفكاره يعرف مايتوجب عليه فعله.. فصوت دانة عندما استنجدت به لازال واضحاً في مسمعه..
طلب رؤية والدته على انفراد.. حيث أن قراره بإخبارها عما يعرف يأتي متوافقاً مع سفر جابر للرياض فلا فائدة من مواجهته..
رتب لكل شيء إلا بداية حديثه معها.. كيف يمهد للقنبلة التي ينوي القاءها عليها؟
لكنه وجد أن الكلمات خرجت من تلقاء نفسها عندما سألته بنفاذ صبر : خير فارس ناديتني عشان تسكت؟؟ وش عندك؟
فارس بسرعة وتلعثم : يمه أنتي تعرفين عن دانة بنت جابر؟
.
.
نزلت دانة السلالم بسرعة حتى أنها كانت ستسقط في آخر ثلاث درجات.. فتحت باب المكتب على جدها والذي كان يقرأ أوراقاً بين يديه..
رفع رأسه من دخولها المفاجئ ليهتف بقلق بعد أن رأى ملامح وجهها الشاحبة : خير؟
كانت أنفاسها تتسارع بشكلٍ ملحوظ وبدأت تدخل في نوبة هلع بعد أن تلقت رسالة من فارس.. كانت حاستها السادسة تخبرها بأن الذي كانت تتمناه لن ينتهي إلا بكارثه. ترى الآن أمام ناظريها برجها العالي في قلب جدها يُهدم عليها ويدفنها حطامه..
وقف عاقداً حاجبيه بعد أن رنّ الجرس بشكلٍ متواصل : وش صاير؟
دانة وش فيك ؟
كانت الثواني ثقيلة كثقل أنفاسها.. شدت على قبضة الباب التي تمسكها بكل قوة.. هتفت برعب : جدي..
لكن صوت المرأة العالي والحاد جداً ابتلع كلمتها المهزوزة.. صوتها تصرخ تنادي بغضبٍ واضحٍ مدمر : منيييف..
.
.
كان خالد قبل ربع ساعة يرتدي بشته ليوم الغد.. يصعد السلالم وينزلها ثم يمشي أمامهم على مهل تارة ويرقص به تارةً أخرى..
سلوى ويدها على جبينها تمسده: ولد عرسك بكرة اترك عنك الخفّه..
خالد : آه يمه والله أخرتوني.. والله ماعندنا وقت..
باستنكار وتوجس عقدت حاجبيها : ما عندكم وقت في وش؟
وقف بعد أن كان جالساً يهتف بضحكة : نبي ننتج يمه نبي نجيب ٣ من أول محاولة.
صرخت به تراه يهرب من أمامها ضاحكاً بعد أن ألقت عليه حذاءها : لا بارك الله بعدوك من ولد.. شلون تقول هالكلام قدامي ياللي ماتستحي؟؟
كانت ضحكات خطاب وهلا تصدح بالمكان خصوصاً عندما تعثرت أقدام خالد بطرف البشت لينزلق واقعاً على ظهره بالقرب من السلالم.. مع ذلك سلوى لازالت تصرخ بإنفعال : أنا قايلة منت بكفو عرس بس محد سمع لي..
حاول الوقوف متألماً .: هذا بدل لا تسمين علي يمه.. آخ انكسر ظهري خلاص ماعاد به عيال انقطع نسلي..
سلوى : عقوبة رب العالمين..
خالد ويده على ظهره : كنا نمزح ياخي وش فيك ؟
سلوى : خوى جنبك قل آمين اذلف عن وجهي اشوف..
خالد بأسى : طيب راعي إني عريس على الأقل وإني متوتر ، والله أحس بطني يعورني يمه..
سلوى بغيض : خطّاب خذه من قدامي لا أكفر فيه..
كانت الابتسامة لازالت تعتلي وجه هلا وهي تنظر لوالدتها تضع يدها على رأسها تتأوه بشكلٍ مبالغ فيه : حسبي عليه من ولد بيرفع ضغطي..
ضحكت : وش فيك عليه يمه خليه يوسع صدره..
ثم وقفت : أنا بطلع لهم المجلس أكيد شابين الضو..
سلوى : إن استبردتي ادخلي لا تمرضين علي،، أبيك بكرة معي من بدري..
هلا : إن كنتي تبيني أنام عندك نمت.
ابتسمت : روحي بيتك الله يستر عليك لا ينام ولد اختي بلحاله.. الله يفرحني فيكم ويبلغني اشوف عيالكم قريب..
ابتسمت لها بتودد : الله كريم .. ادعي لنا يمه..
خرجت حيث المجلس الخارجي بجلساته الأرضية ..جلست ترى خطاب ينظر للمشب وخالد يلتف بفروته وعينيه مثبته على هاتفه..
هلا بعد أن سرت رعشة بجسدها من برودة الجو : والله برد يا عيال..
خالد بعد ثواني وهو يفتح فروته والتي كان يشدها على جسده باستماته .. ضاحكاً : تعالي وأنا أخوك والله لو تتنافضين من اليوم لبكرة اللي بالي بالك موب حولك..
ابتسمت تقترب منه تجلس بجواره ملاصقةً له ليشملها يغطي اكتافها بفروته..
نظرت لخطاب السارح تماماً.. لم ينتبه لها ولا لحديث خالد حتى والذي صفّر له ليستحوذ على انتباهه : مدير..
لكنّه لم يتحرك أو ينظر.. كانت عيناه مثبته على النار أمامه وكأن لا أحد بالمكان سواهما..
عندما انسدل ستار الليل تماماً.. كان النوم مجافياً عينا خالد..
يتمدد على ظهره يضع يديه تحت رأسه ينظر للسقف.. فُتح الباب ليرى والدته تقترب منه : للحين ما نمت!!
ابتسم لها بتعب دون أن يجيبها.. لتتابع بقلق بعد أن فتحت الإنارة القريبة من رأسه : ليكون ظهرك للحين يوجعك؟ قم جبت مرهم بدهنّك فيه ..
خالد لازال مبتسما : لا ياعيني تطمني.. وأبشري بالأحفاد..
ضحكت لتجلس بالقرب من رأسه : ياملغك يا خالد .. وش مصحيك للحين؟ اذا بطنك يعورك صدق ادهن بفيكس وتغطى زين..
خالد بعد فترة: قلقان يمه... و أفكر!
عقدت حاجبيها : تعوذ من ابليس.. أنت قلقان من المسؤولية بس.
خالد بأمل : تهقين؟
ابتسمت له ابتسامه واسعة تحارب الدموع التي تجمعت في عينيها وهي ترى أصغر أبناءها قد أصبح عريساً : أكيد.. عاد أنت بالمسؤولية الله بالخير ياقلبي..
ضحك بعد أن مال بجسده حتى أصبح رأسه في حضنها : شفتي كيف؟؟ عشان كذا أنا حلفت اسكن عندك أنا وبنت الناس المسكينة. أنا من غيرك أضيع يانبضي..
.
.
.
# نهاية الفصل الحادي عشر ♡.
سبحان الله وبحمده،، عدد خلقه .. و رضا نفسه،، وزنة عرشه ومداد كلماته ..
|