كاتب الموضوع :
SHELL
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: رواية لؤلؤة تائهة فى بحر العواصف
الفصل السابع
عندما اختلت لبنى بنفسها فى غرفتها الجديدة التى لم تعتد عليها بعد , كانت تشعر وكأنها فى حلم غريب , انها ما زالت بغرفة نومها القديمة فى شقة خالتها حيث تفترش الأرض على السجادة المدورة التى تغطى أكثر من نصف مساحة الغرفة بألوانها المبهجة وملمسها الناعم حيث كانت متعودة على الجلوس وقراءة رواياتها المفضلة تندمج مع أبطالها الخياليين وتنسج لحياتها فصلا بقراءاتها حتى تحتل صدر الرواية وتطرد البطلة لتفوز فى النهاية هى بحب البطل , هل تستطيع أن تحول الأحلام الى أرض الواقع ؟
اتصلت بخالتها مديحة , تلك السيدة التى تكفلت برعايتها منذ وفاة والديها , وقد أحسنت معاملتها بل كانت تعتبرها الابنة التى لم تنجبها , فقد كانت متزوجة من رجل طيب يعمل بوظيفة وكيل وزارة ولم يكن يملك الكثير فاحتملت معاناة الحياة معه وأنجبت له ابنا واحدا هو حسام الذى يكبرها بستة أعوام , تذكرت شجارهما الدائم وعدم توافق ميولهما الواضح , لم يرث طيبة أمه ولا كياسة أبيه.
كان يحلو له أن يضايقها عندما كانت مراهقة , وأصبح ينتقد تصرفاتها متدخلا فى كل كبيرة وصغيرة عندما دخلت الجامعة , وحمدت ربها عندما تزوج بعد أقل من سنة من خطبته لزميلته بالعمل فأصبحت لا تراه الا نادرا.
جاءها الصوت الحنون الذى طالما هدأها فى لياليها المرهقة التى أضناها السهر والصداع القاتل الذى يصيبها من حين لآخر:
-ل.. لؤلؤتى ... كيف حالك يا حبيبتى؟
-بخير يا خالتى , أنا فقط أردت الاطمئنان عليك
-أنا قلقة عليك , هل كل شئ على ما يرام؟
ابتسمت لبنى لنفسها بمرارة وقد غص حلقها بالكلمات فأبت أن تخرج لتريح قلب السيدة الرؤوف , ولكنها قمعت بداخلها الرغبة الملحة بالبكاء وتنحنحت لتقول بصوت شبه ثابت وبقوة لم تعهدها فى نفسها :
-لا تشغلى بالك , فجميع من تسببوا بالأذى لأمى ولى سينالون ما يستحقون.
حذرتها خالتها من مخططها الانتقامى:
-لا يسبب الانتقام سور شعور مؤقت بالراحة , بعدها .. لن تنعمى بالراحة أبدا, لم لا تصفحين ؟
-أصفح ؟ بهذه السهولة والبساطة بعد عمر ضائع ؟
-لا عليك فأنت الآن مشوشة التفكير ولن تتخذى القرار المناسب , أتوسل اليك أن تؤجلى أى فعل حتى تهدأ نفسك وتنقشع الغيوم من ذهنك
كانت لبنى قد اتخذت قرارها ولن تتراجع عنه مهما كلفها , فلم يعد لديها ما تخسره , فقدت وظيفتها , بيت السيدة التى رعتها , حبيبها , راحة بالها.
-أنا مضطرة أن أغلق معك لأننى أسمع طرقا على بابى , الى اللقاء.
-فى رعاية الله يا ابنتى , حماك الله من كل شر.
وكان هناك من يقف ببابها منتظرا اجابتها بفارغ الصبر , فوضعت هاتفها الجديد على المنضدة بجوارها ونهضت مرتجفة وهى تحاول استعادة شتات روحها الممزقة قبل أن تواجه القادم.
كانت ريم ابنة عمها تنتظرها بمرح فائق وهى تدلف الى الغرفة وتقول بصوت عالٍ:
-أين ذهبتى ؟ لقد قلقت عليك , أيمكن أن نجلس لنتحدث معا بعض الوقت؟
لم تنتظر اجابة الفتاة المذهولة أمامها بل اتخذت مجلسا على الأريكة الفخمة المصنوعة من القطيفة واتخذت وضع القرفصاء لتبدو مرتاحة وكأنها تنوى البقاء بغض النظر عن موافقة ابنة عمها, فلم تملك لبنى الا أن تجلس بجانبها وهى تشعر برغبة فى افراغ ما بداخلها من شحنات التوتر وقد ملأت ريم جو الغرفة بالروح الايجابية.
-طبعا تفضلى ولو أننى أرى أنك قد سبق واتخذت قرارك
نظرت لها ريم بغموض لم يلبث ان تحول لضحكة عابثة كشفت عن صفى من الأسنان المنتظمة البيضاء أصافت لجمال ابتسامتها روعة وبهاءاً , ثم اعتذرت منها :
-أنا آسفة لتطفلى عليك هكذا , ولكننى لا أجد من أتحدث اليه فى هذا المنزل , ولم أصدق حظى الحسن لأجدك الى جوارى ونحن تقريبا فى نفس السن , أليس كذلك؟
-ما هو عمرك؟
-خمسة وعشرين عاما
ضربت لبنى كفا بكف ريم وهى تقول بمرح:
-بصرة!
مما اكد لريم بالفعل صدق ظنها.
أخذت القريبتان تتحدثان بعفوية وطلاقة كأنهما قد نشأتا سوية ولم تفصلهما السنوات البعيدة عن المعرفة , ولم تجمد ثلوج الجفاء قلبيهما النابضين بالحياة , وقد انفتح لها قلب لبنى فريم تجسد معانى الأخوة التى حرمت منها لبنى بابتعادها عن مركز العائلة.
***********
|