كاتب الموضوع :
SHELL
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: رواية لؤلؤة تائهة فى بحر العواصف
الفصل الثانى
***********
رن جرس الباب فى الشقة التى تسكنها لبنى مع خالتها السيدة مديحة وقد كان الطارق متعجلا لحوحا لا يستطيع صبرا
- حاضر يا من على الباب .. الصبر طيب
قالتها السيدة مديحة وهى تضع غطاء الرأس القصير وتمشى بخطى واسعة لتنقذ الجرس من الصراخ وتتفادى اصابتها بالصمم
وفتحت الباب بسرعة لتنهر من يقف ورائه لتفاجأ بابنة أختها الراحلة تقف بشرود ويدها لم يفارق زر الجرس
- لبنى ... ما لك يا ابنتى ؟
استفاقت الفتاة من شرودها على صوت خالتها يعيدها الى واقعها المحسوس
دخلت الى الشقة بدون حتى أن تلقى السلام على خالتها كعادتها كلما رجعت الى المنزل
- لبنى ... أين مفتاحك ؟ ولماذا وقفت هكذا على الباب؟
- هاه .. لا شئ لا شئ يا خالتى أعانى من صداع فقط
- سلامتك يا حبيبتى هل أعد لك الغداء؟
- لست جائعة ... سأخلد الى النوم
ودخلت الى غرفتها لتغلق بابها تاركة خالتها تتخبط فى أمواج حيرتها وقلقها
قالت الخالة فى نفسها " ربما هى مشكلة بالعمل أم يكون جاسر قد ضايقها ثانية ؟ "
وتنهدت بحرقة " لو تجد عملا آخر ستستريح من مواجهته كل يوم "
لم يطاوعها قلبها أن تأكل وحدها وتترك لبنى جائعة كما أنها قد فقدت كل شهية للطعام بعد رؤيتها لها متكدرة
طرقت على باب غرفتها طرقا خفيفا وهى تناديها بصوت هامس:
- لؤلؤتى .. هل نمت؟
لما لم تجد اجابة أو تسمع صوتا فتحت الباب ودخلت الى الحجرة المظلمة الا من ضوء خافت لآخر النهار والشمس تلفظ أنفاسها الأخيرة
كان الجو بالداخل ينم عن هدوء رتيب , تجولت عيناها فيما حولها لتعتاد على درجة الاضاءة الخفيفة بغرفة لبنى ذات الطابع الأنثوى الرقيق والذى يشى بذوق راقى ومنسق فى كل تفصيلة من تفاصيل الأثاث .. لقد اختارته لنفسها منذ ما يقرب من عشرة أعوام وهى المدة التى قضتها معها بمنزلها البسيط القابع فى أحد أحياء الجيزة المتوسطة المستوى فلا هو يتدنى لمستوى الحى الشعبى ولا يرقى لمستوى طبقة الأغنياء التى ينتمى لها عائلة زوج أختها الراحل .
عشرة أعوام انقضت على الحادث المروع الذى أودى بحياة أختها وزوجها الطيب تاركين خلفهما ابنتهما الوحيدة يتيمة شريدة بلا مأوى أو معين على الحياة الا الله .
سرحت بذكرياتها للحظات ثم تنبهت على صوت نهنهة لبكاء متقطع يتخلله شهيق مكتوم , تمزق قلبها من أجل الصغيرة التى رأت بأعوام عمرها الأربع وعشرين ما يمكن أن يراه المرء فى عمر كامل.
لقد لاحظت أنها اليوم على غير عادتها فقد نسيت أن تستخدم مفتاحها وظلت تدق الجرس لفترة طويلة كما أنها لم تمازحها بخفة ظلها المعهودة ورفضت تناول الطعام وانتهى بها الأمر الى الغرفة تبكى بحرقة وتحاول اخفاء اضطرابها عن خالتها.
- ما بك يا لؤلؤة؟
نادتها باسم التدليل المفضل لديها وهى تربت على كتفها وتحاول أن تضمها بين ذراعيها بينما تمسح على شعرها الأسود الحريرى كشلال من الليل البهيم.
تشنجت لبنى فى أحضان خالتها الدافئة وتهدج صوتها وهى تحاول السيطرة على انفعالاتها
- سأحكى لك كل شئ , لا أستطيع تحمل الكتمان , انه حمل ثقيل جدا
- كلى آذان صاغية يا حبيبتى
وقصت على خالتها كل الأحداث التى دارت اليوم بدون أن تغفل أدنى شاردة فهى لم تتعود الا على الصراحة معها , حتى قصة حبها القصيرة التى انتهت بالفشل الذريع كانت على علم بكل صغيرة وكبيرة فيها
- ماذا أفعل ؟ اننى حائرة جدا وأشعر بصدمة من جراء الضربات المتوالية اليوم
- هل هناك شئ آخر غير مقابلة المحامى هذه ؟
استغربت لبنى لماذا لم تشعر باندهاش خالتها لما قصته عليها من تفاصيل تخص جدها والميراث المزعوم الذى تركه لها فهى حتى الان تشعر بأنها خدعة أو مزحة ثقيلة ستنتهى بومضة فلاش ,وصوت مرح يقول:
كنتى معنا فى برنامج الكاميرا الخفية . هل توافقين أن نذيع ؟
ورأت أن تروى لها ما دار بينها وبين جاسر ... الحبيب سابقا والعدو حاليا
- لا بأس يا عزيزتى , فهو ما زال لا يتقبل خسارته لك
- ولكنه هو من أصر على الابتعاد !
- ربما يحمل لك بعضا من المشاعر القديمة
- لا أعتقد هذا
نفت لبنى هذا التفسير وبشدة آلمتها شخصيا فهى تتمنى لو كان ما تقوله خالتها صحيحا ولو بنسبة صغيرة من الأمل يمكنها استعادة ما كان
وعادت بذاكرتها لتصرفاته العدائية نحوها فاقشعر بدنها من برودة لهجته فى الحديث معها واصراره الدائم على تجاهل وجودها بالرغم من كونه شخصا لطيفا محبوبا من جميع المحيطين به
لقد لاحظ خالد زميلهما هذا الجفاء الذى اتسم فى جميع حواراتهما النادرة بعد أن كانا لا يفترقان أبدا وكل الرقة والحنان اللذان كانا يبدوان فى كل نظرة يصوبها اليها ولكنه آثر الصمت وعدم ابداء أى تدخل للمصالحة أو حتى التهدئة فهو يخشى انفجار جاسر القاتل فيه اذا ما جرؤ وألمح الى ما كان بينهما من عشق أو اذا حاول أن يجعله يتعامل بروح الزمالة معها.
لقد رفضها جاسر كحبيبة أو زميلة , وهى المسكينة تأمل يوما بعد يوم بأن يعاودا قصتهما الجميلة وهذا الأمل يخفت تدريجيا حتى باتت تعتقد أن اليوم شيعت جنازته وودعته للأبد الى مثواه الأخير ... لم يعد هناك من أمل
- خالتى .. سوف اذهب غدا بناءً على طلب المحامى لقد شعرت ببعض الثقة تجاهه فملامحه توحى بالطيبة ولا أظنه يريد ايذائى
- أنت صافية النية كالماء العذب ولا تعرفين بعد خفايا الدنيا
- هل تقصدين تخويفى يا خالتى العزيزة ؟
- لا يا عمرى .. بل أخشى عليك منهم ... ولكنك ايضا قوية صلبة العود ولن يكسروك ابدا
- أتمنى ذلك ولكن ما يهمنى من أمرهم فلا أعرفهم ولا أريد أى صلة بهم
- سنرى يا حبيبتى ... يا خبر بفلوس بكرة يبقى ببلاش
- لا تحملى هما .. سأنسى بمرور الوقت ما يكدرنى
- أنا واثقة من ذلك وأتمنى ألا تتوقف حياتك بانتظار من لا يقدرك حق قدرك
كانت تعرف من هو المقصود بهذا الكلام .. انه حكم الهوى الذى جعلها تتعلّق بمن ليس لها , ويا ليته يبتعد عن طريقها للأبد فوجوده بقربها يعذبها, تراه كل يوم وهو لا يراها , تراقبه بحذر شديد حتى لا يدرك أنها ما زالت تحفظ عهود العشق التى قطعاها منذ ثلاث سنوات مضت وهو يتجاهلها كما لو شبحا خفيا
- أنت على حق ... آن الأوان لأنسى ما فات وأبدأ من جديد
سأنساه ... قررت فى نفسها , وكأن هذا سهلا بمجرد أن اتخذت قرارا لا يعنى أنه تم تنفيذه
وشغلت بالها مقابلة عائلة أبيها فى الغد , لقد تجاهلوا وجودها خمسة وعشرين عاما ومن قبله نبذوا أباها لأنه تجرأ وخالف والده - الطاغية - الذى لم تصدق أنه مات , لقد كان أبوها رجلا بمعنى الكلمة يُعتمد عليه , ولم يشعر بأى استياء لدى طرده من جنة العائلة المزدهرة وحرمانه من كل الامتيازات التى يتمتع بها أقل فرد فى هذه العائلة , تقبّل الأمر ببساطة لا يشوبها أى ضيق , اختار امرأته بنفسه ودافع عن مثل هذا الاختيار , ما اشد اختلافه عن الرجل الذى وهبته حبها الأول
فقط لو قابلت رجلا يشبه والدها , لارتاحت الى الأبد
كانت حياة والديها قبل الحادث - كما تتذكّر - هادئة كبحيرة صافية ومبهجة كفرحة العيد , لم تسمعهما مرة واحدة يتجادلان ولم ترهما متخاصمين
ان خالتها لا تمل قولها بأن أختها كانت امرأة محظوظة لأنها وجدت حب حياتها وتزوجته
هل يخبئ لها القدر مفاجأة مذهلة كأمها ؟ هل ستتذوق طعم السعادة بعد أن تجرّعت مرارة الوحدة والعذاب؟
- ماذا أرتدى غدا؟
سألت خالتها لمجرد شغل تفكيرها بأمر آخر غير ما يضنيها ويهدد استقرارها الذاتى
- فقط ارتدى ثوبا بسيطا باللون الأسود .. لا تنسى أنكِ فى حداد
- حداد ؟ أنا لن أعزّى أحدا ... لا صلة قربى لى بمن مات
- وكيف يُعقل ما تقولين ؟ أتريدين أن يقولوا أنكِ لا تعرفين الواجب ولا تربيت على الأصول؟
- ليذهبوا مع أفكارهم الى الجحيم
شهقت السيدة مديحة من تعليق ابنة أختها المهذبة فهى لم تتفوّه بمثل هذه الألفاظ من قبل
- لا يصح يا ابنتى , خليكِ أنتِ صاحبة الأصل والتربية الحسنة
********
رن جرس الباب فى الفيلا الأنيقة الواسعة والتى تقع فى حى جاردن سيتى وقامت خادمة صغيرة السن رشيقة القوام بفتح الباب الزجاجى ووقفت مفسحة الطريق بمهنية عالية
- مساء الخير ...أنا ... هل وصل السيد مجدى ؟
وترددت الزائرة فيما تقول
- مرحبا بكِ ... تفضلى فالجميع بانتظارك
اندهشت لبنى كيف عرفتها هذه الخادمة الأنيقة بالرغم من أنها لم تطأ هذه الفيلا ولا مرة
وارتاحت لأنها لم تضطر الى التعريف عن نفسها
واحتارت الى اين تتجه ولكن حيرتها لم تدم الا لثوانٍ قليلة فقد أرشدتها الفتاة الى قاعة فسيحة ... اثاثها فخم ويشى بذوق راقى أنيق لا بد أنه كلفهم ثروة طائلة .. المال , لا قيمة له عندهم .. ورفعت بصرها لترى ثريا عملاقة تبرق كريستالاتها الزجاجية كأنها عقود من الألماس اللامع كما يزين جدرانها لوحات زيتية عملاقة تبدو أصلية كلها كما أن أثاثها غالى الثمن ويحيط به عدة تماثيل ذهبية اللون كادت أن تصطدم قدمها بواحد منها واستطاعت أن تميّز وجه المحامى الذى كان جالسا فى المنتصف ويحيط به أشخاص عديدون يتحدثون جميعا بصوت هادئ ولم يلتفت أيا منهم اليها حتى توجهت الخادمة حيث يجلسون وان كانت وقفت على مسافة بعيدة نسبيا
- لقد وصلت الضيفة
عم القاعة صمت رهيب ونظرت اليها أزواج من العيون الفضولية تتأملها باهتمام وتدقيق أثار القلق فى نفسها وتجردّت من أسلحتها التى شحذتها لمثل هذه المواجهة
وأنقذها من الحرج استقبال السيد مجدى لها بحفاوة وترحيب :
- مرحبا بكِ يا آنسة لبنى ... تفضلى
وأشار الى مقعد خالٍ قريب منها لتجلس عليه
- واسمحوا لى جميعا سأقوم أنا بالتعارف
بينما سرت همهمات جانبية بين الجالسين وخمنت لبنى بأنها هى محور هذه الهمسات ليس لغرور فى نفسها ولكنها الوحيدة الغريبة بينهم والتى شعرت منذ اللحظة الأولى بأنها النغمة النشاز فى وسط مقطوعة متناسقة الألحان
- هذه هى الآنسة لبنى .. ابنة المرحوم السيد وجدى
......
وأشار الى رجلين يبدو عليهما سيماء الوقار :
- هذا هو عمك الأكبر السيد محمد , وهذا هو عمك الأصغر السيد عادل , والدك رحمه الله كان الأوسط بين اخوته
ثم أكمل وهو يبتسم ابتسامة خفيفة:
- وهذه هى عمتك السيدة فريال
كما تعرّفت على زوجة عمها الكبير السيدة سوسن والتى بدت لطيفة وقبلتها على وجنتها والأخرى زوجة العم الأصغر السيدة منى وأشارت برأسها تحية لها شعرت معها بأنها متكبرة بعض الشئ
- وهؤلاء أولاد عمومتك ... سيف ابن عمك عادل
والآنسة ريم ابنة عمك محمد
ثم توقف برهة قبل أن يقول بخفوت :
- أما كريم فهو ... أخوكِ ووالدته السيدة هناء
أجفلت للعداء الواضح الذى يطل من عينى زوجة أبيها , وتاهت فى عالمها الخاص ... والدها كان متزوجا من غير والدتها , كما أمها قد أدركت من فارق العمر الواضح بينها وبين اخيها ويا لغرابة الكلمة عليها انه اكبر منها بكثير , اذن فهذه هى الزوجة الأولى وأمها .... كانت الزوجة الثانية , وهذا يوضح الكثير من الملابسات ... يعتبرون أمها قد خطفت الرجل من زوجته وابنه , ان لها اخ ويا له من اكتشاف !
أما كريم فقد نظر اليها بمحبة عميقة وحنان أخوى لم تستطع مقاومته فابتسمت برقة اليه وكانت المرة الأولى التى تشعر فيها ببعض الاطمئنان منذ وطأت قدميها أرض المعركة
وبعد القاء كلمات المجاملات التقليدية والتى بدت فى غير موقعها فى هذه اللحظة , وجدا الخادمة تمشى الهوينى وتستند على ذراعها سيدة عجوز يبدو على وجهها آثار الزمان من خطوط وتجاعيد تحيط بعينيها وفمها ولكنها لم تمحٌ ملامحها الرقيقة الارستقراطية والتى وشت بجمال ذابل كان يوما حسنا فائقا بشعرها الفضى الحريرى والذى جمعته فى كعكة فوق رأسها الصغير وعينيها الرماديتين كعينى قطة مدللة
قام عمها الكبير محمد من مجلسه ليلحق بهذه السيدة ويحيطها من كتفيها :
- ما الذى جعلك تغادرين الفراش يا أمى ؟ قال الطبيب بأن عليك التزام الراحة التامة
لم يبد على السيدة أدنى اهتمام بحديث ابنها بل قالت بلهفة كمن يبحث عن شئ تاه منه :
- هل هى حقا هنا ؟ ابنة وجدى جاءت .. أريد أن أراها
جدتها .. السيدة المسنة هى أم والدها وشعرت بعاطفة قوية تغمرها من لهفة الجدة على لقائها ووجدت نفسها بدون ارادة تندفع نحوها لتضمها فى أحضانها الدافئة الحنون ,شعرت كأنها وجدت مرفأ آمن تلوذ به بعد أن كانت تصارع أمواج الغرق
- أنا لبنى يا ... جدتى
- يا شريفة هانم لم يجدر بكِ مخالفة أوامر الطبيب , فلا ترهقى نفسك
قالها محامى العائلة الموثوق به والذى بدا كصديق مقرب لهم أكثر من مجرد محامٍ يلتزم بقضية الميراث
وأفسحوا لها مكانا لتجلس على الأريكة المخملية الكحلية اللون وما لبثت أن أشارت الى لبنى :
- تعالى الى جانبى يا ابنة الغالى
وتساقطت دموعها وكأنها أنهارا محفورة على خديها
- لقد حرمت من ابنى سابقا ولن أسمح لأى أحد أن يحرمنى من تعويض ربنا
- ولكن الله لم يحرمك الأحفاد ... كما أن كريم هو ولده ايضا
لفظت السيدة هناء - زوجة أبيها - بهذه الكلمات بحنق شديد عجزت عن اخفائه وهى ترمق لبنى بنظرات من نار
- ولبنى أيضا ابنته ولها مثل حقوقهما
رد عليها السيد محمد بلهجة قاطعة حتى ينهى هذا الحوار السخيف
- هيا لنبدأ ؟
كانت هذه أول مرة يتدخل فيها عمها عادل فى الحوار
أما عمتها فريال فكانت تقف على الحياد لا تضايقها وفى ذات الوقت لا تظهر تعاطفا
باردة .. هى الكلمة المثلى لوصف هذه السيدة التى تبدو فى أوائل الأربعينات من عمرها وهى رائعة الجمال كأمها ورثت عنها كل ملامحها فيما عدا أنه جمال بارد لا روح فيه
- ألن ننتظر رفيقا ؟
تساءلت زوجة عمها السيدة سوسن فى تبرم واضح
- ها أنا قد جئت
صوت قوى له رنة مميزة تلتصق بالآذان لشخص صاحب سلطة ونفوذ
جاء هذا الرد من مكان مرتفع فاضطرت لبنى معه وهى جالسة الى جوار جدتها أن ترفع رأسها عاليا لترى القادم
وتشابكت نظراتها البنية بنظراته الرمادية القاتمة وأسرت اهتمامها فغفلت عما حولها ... كان صاحب قامة طويلة تتجاوز المائة وثمانين سنتيمترا رشيق القد قوى العضلات تظهر من تحت قماش قميصه الذى شمر كميه الى منتصف ذراعيه وكان قد أرخى ربطة العنق قليلا وفتح أول زر فى قميصه فبدا كفتى عابث يرفض تماما أى قيد يحيط به
وقد وضع سترة بدلته على أقرب مقعد له باهمال
ألقى التحية على الجميع ثم توجه نحو جدته ليطبع على يدها قبلة رقيقة فيما هى تمسح على شعره الأسود الكثيف بحنان فريد
- ما الذى جعلك تغادرين فراشك يا أنّا ... فطبيبك لن يعجبه الأمر
- لقد مللت أوامر هذا الطبيب .. لقد آن الأوان لاستبداله بآخر
غمز لها بعينه دلالة على موافقته على كلامها
- طلباتك أوامر فلتعتبرى أن الأمر قد قضى
ثم استقام ليقف شامخا أمام لبنى يتأملها ولم يغفل عن تفصيلة واحدة بداية من شعرها البنى الحريرى الطويل الذى جمعته الى الخلف بذيل حصان , وجهها الخالى من الزينة وقد تمهل فى نظراته الى عينيها ... ثم بوقاحة الى شفتيها ... نزولا الى ثوبها البسيط الذى ترتديه حتى
استقرت نظراته على قدميها الصغيرتين فى صندالها الصيفى الأسود الرقيق العالى الكعبين
من يظن نفسه ليقيّمها بنظراته المحتقرة ؟ انها حتى لا تعرف من هو ؟ لقد نادر جدتها بأنّا .. اذن هو حفيدها ولكن ابن من ؟
- اذن أنت من جعلتها ترهق نفسها لتتشرف بمقابلتك
كانت السخرية واضحة فى نبرات صوته وفى نظرات عينيه الآسرتين
وقبل أن تسنح لها الفرصة لترد عليه ردا مفحما أنقذها السيد مجدى بقوله:
- لم يعد لدينا سببا للانتظار فقد اجتمعت العائلة كلها
جلس رفيق على المقعد المقابل لها بتكاسل وردد:
- نعم العائلة كلها حتى القطة الشاردة قد عادت للديار
*************
|