أشار عادل لزوجته خفية حتى تتبعه فقد كانت منهمكة بالحديث مع النساء فى غرفة الجلوس المتسعة ,وفجأة لمحت ابتسامته المحببة تتراقص فى عينيه قبل أن يغمز لها وهو يحرك سبابته نحو الأعلى دون أن تلمحه غيرها كما توهمت فتنحنحت لتقطع حديث فريال المتحمسة وهى تقص عليهم كافة التعديلات الى قامت باجرائها على جناح العروسين الذى يجرى تجديده فقالت بتردد:
-آسفة يا فريال للمقاطعة , أستمحيكم عذرا فلا بد أن أصعد الى غرفتى الآن.
نظرت لها هناء التى كانت تتكأ بقدمها على وسادة بالرغم من أن حالتها قد تحسنت كثيرا وقد اندهشت من سرعة تغيّر مزاجها قبل أن تسألها الجدة شريفة باهتمام:
-ما بك يا بنيتى ؟ أتشعرين بتعب ؟
قالت منى تتصنّع الاجهاد لتهرب من حصار الأعين المحيطة بها:
-لا شئ يا ماما , مجرد ارهاق بسيط , سوف أذهب لأستريح قليلا.
رفعت فريال حاجبا قبل أن تقول بمكر:
-اتركيها يا أمى لتذهب وترتاح , فهى ترهق نفسها كثيرا هذه الأيام ,,, مشغولة بمتابعة أعمال البيت اضافة الى مساعدتى فى الاشراف على العمّال ...
ومنحت زوجة أخيها ابتسامة خاصة وهى تقول بمغزى:
-كما لا بد وأن تكون فى أبهى صورة حينما يعود عادل من الخارج.
ضيّقت منى عينيها فى نظرة ادراك واضحة لما تشير اليه فريال ففهمت أنها قد رأت زوجها ,بينما قالت سوسن باشفاق وحنو:
-طبعا عزيزتى , هيا اصعدى الآن ونحن سنتكفل بالمتابعة ومساعدة فريال حتى نهاية اليوم.
ابتسمت منى باشراق للسيدات وهى تهب واقفة بسرعة وحماس يتناقض مع ما كانت تزمع من اظهاره من تعب وهى تتمتم بكلمات الشكر للجميع مع اعتذار واهِ قبل أن تنهب درجات السلم برشاقة ولهفة حتى وصلت الى غرفتها المغلقة فسحبت المقبض الى أسفل قبل أن تدفع الباب برفق لتجد الغرفة غارقة فى ضوء خافت ينساب من اضاءة جانبية وقد كان هذا هو وقت مغيب الشمس ثم تناهى الى مسامعها صوت موسيقى هادئة كلاسيكية يتسلل ببطء حتى يتوغل فى أعماقها , هذا الشعور الذى بدا وكأنها لم تعد تتذكره عاد ليدغدغ حواسها برقة ,ثم فاجأها عادل بظهوره من الباب الجانبى وهو فاتحا ذراعيه ليستقبل جسدها اللين فى أحضانه وقد مد ذراعه ليستقر على خصرها بينما أمسك بيده الأخرى أصابعها المرتعشة ببهجة وليدة وهو يهمس بحب فائق:
-حبيبتى .. طال انتظارى لهذه اللحظة منذ سنوات.
ثم أخذها بين ذراعيه يراقصها بمهارة على أنغام الموسيقى وهى ترمى برأسها على كتفه مغمضة العينين ,لا تصدق ما تشعر به فى هذه اللحظات الثمينة من عمرها الذى ضاع فى الأوهام والضلالات حتى قررات استعادته كاملا فقد أصبح زوجها شخصا مختلفا يحاول تعويضها بشتى الطرق عما مضى وهى سعيدة راضية بين يديه.
حينما توقف صوت الموسيقى أبعدها عادل بحنان عنه قليلا ليتأمل فى عينيها بشغف فصدرت عنها أنة اعتراض واهن على حرمانها من دفئه قبل أن يقول بوله:
-حبيبتى ... انتظرى فقد أعددت لكِ مفاجأة ,, أتمنى أن تنال اعجابك.
ثم أمسك بمرفقها ليقودها الى جانب الفراش ثم انحنى بقامته المديدة ليفتح جارورا فى الخزانة الصغيرة قبل أن يخرج منها بطاقتى سفر ويلوّح بهما أمام ناظرى زوجته التى أذهلتها المفاجأة فابتسم لها ملء فيه قبل أن يتشدق بعنجهية أمامها:
-ما رأيك باجازة طويلة لندور حول نصف العالم ... سويا ؟
ارتعشت أهدابها وهى تهز رأسها عدة مرات كمن لا يصدق نفسه قبل أن تغمغم :
-أنا وأنت ؟ فقط ؟
سحب يدها الى صدره ثم لثم أطراف أناملها بشفتيه وهو يعيد تأمل ملامحها وجنتها المتوردة فكأنها عادت عشرات السنين الى الوراء ,,, بأول يوم وقع بصره عليها ... كانت مرتبكة تنظر حولها بخجل ... أسرت قلبه من يومها ولم يعد ملكه أبدا ... تنهد ارتياحا وفخرا قبل أن يؤكد لها ببساطة:
-نعم ,وهل نحتاج الى أحد آخر معنا ؟
كادت أن توافق الى أنها توقفت بآخر لحظة لتهتف ملتاعة:
-وسيف ؟ هل سنتركه وحيدا ؟
قهقه عادل عاليا وهو يحيطها بذراعيه قبل أن يصيح:
-أنه ليس طفلا صغيرا يا حبيبة قلبى , لقد صار رجلا.
وأشار الى شاربه مؤكدا ,فأشاحت هى بوجهها بعيدا وهى تتحسّر بحرقة:
-أعرف أنه بات رجلا ,ولكن قلبى لا يطاوعنى على تركه ,أنذهب لنتمتع بالسفر وهو هنا منهمك بالعمل ...
قال عادل باصرار:
-لا تعتقدى أننى سأتركك تفلتين منى , سوف نذهب وفورا بعد عقد القران ,,, لقد تم تأكيد الحجز ولن أتراجع.
وضعت يدها على صدرها قائلة:
-كما أن قلبى ليس مرتاحا فأنا أراه كثير الشرود هذه الأيام لا أعرف ما الذى أصابه ؟
انتفض ضاحكا من سذاجة زوجته الواضحة وهو يشير بأصابعه صانعا شكل قلبين قبل أن يقول:
-ماذا به يا امرأة ؟ أنه الحب ,ألا تذكرين أول نبضات القلب حينما يقع غارقا فى العشق ؟
شحبت وجنتاها وهى تشهق بقوة قائلة:
-الحب ؟ أتقصد أنه عاشقا لفتاة ما ؟
-بالتأكيد , لن يكون ولدى ان لم يحب حتى الآن ... فأنا وقعت غارقا حتى أذنىّ بحبك وتزوجتك وأنا أصغر منه عمرا بكثير ,لقد تأخر هذا الفتى وعليه أن يسرع حتى لا يفوته القطار.
عقدت جبينها قبل أن تتساءل ببلاهة:
-أى قطار ؟
-قطار الزواج بالطبع , ألا تتوقين لرؤية أحفادنا يملأون علينا البيت فرحا وسعادة ؟
سرحت بأفكارها وقد بات قلبها يخفق بشدة حينما تخيّلت طفلين صغيرين يشبهان ابنها يقفزان من حولها بمرح ووجدت نفسها جالسة تراقبهما بسعادة وحبور يملأها الفخر والاعتزاز ,فقالت هامسة:
-أتمنى من كل قلبى أن يعثر على ابنة الحلال التى تناسبه وتسعده وتكون من عائلة , أتكون واحدة نعرفها ؟
قاطعها زوجها باستياء:
-ما هذا الكلام ؟ تناسبه ومن عائلة ! كلا ,المهم أن تسكن قلبه وتجعله يشعر بالحياة الى جوارها ,,, أن تكمل روحه ,,, ولا يهم من تكون ولا ابنة من ,هذا حديث لا جدوى منه.
قالت مؤمنة دون أن تكون لديها رغبة باثارة المشكلات بينهما:
-لديك كل الحق , المهم أن تريحه و... ولكن كيف تكون واثقا هكذا من الأمر ؟
غمز لها بعينه قائلا:
-أنا رجل ذو خبرة , أم نسيتِ ؟
-كلا , لم أنسَ ,ولكن لا بأس ان ذكرتنى .
وتصاعدت ضحكاتهما سويا آملين فى أن تتحقق أمنيتهما ... باستقرار ابنهما بالزواج , دون أن يعرفا بنيّته مطلقا.
*******************