الفصل التاسع والعشرون
أخذ الجميع ينسحب واحدا تلو الآخر حتى بقى فقط الأحفاد يجتمعون معا وكل منهم ينتظر أن يبدأ الآخر فى الكلام ,وظل رفيق صامتا يراقب أقرانه بعينيه الثاقبتين كعينى صقر يتحيّن الفرصة المناسبة للانقضاض فيما قامت ريم بالخطوة الأولى لتكسر حاجز الصمت بتلقائيتها وعفويتها لتقول ببراءة شديدة:
-هل تعرفون أننى متحمسة للغاية لمعرفة أن لنا أقرباء سوف نتعرف اليهم عن قريب , أليس هذا رائعا ؟
هكذا ببساطة شديدة التعقيد عبّرت الفتاة عما يجيش بصدرها من أحاسيس نحو أشخاص لم تعرفهم ولم ترهم قبل اليوم وكل ما يربطهم هو اسم ... مجرد انتمائهم لعائلة الشرقاوية ,أهذا يجعلهم متأهبين للقائهم واستقبالهم بصدر رحب كمن يستقبل صديقا عزيزا كان غائبا عنه لسنوات ,الأمر مختلف تماما ... ولن يكون هذا اللقاء عاديا وريما يحمل معه الكثير من المفاجأت التى حتما لن تكون جميعها سارّة ... هكذا كان يرى رفيق الأمر من وجهة نظره الشاملة , هو يعى مدى طيبة وسذاجة أخته التى تتعامل مع البشر سواسية وكأنهم جميعا ملائكة لا يخطئون ,واللوم يقع عليه حينما وافق أباه على رأيه بأن تظل ريم جليسة المنزل بعد تخرجها دون أن تصطدم بالواقع وتجرب الحياة العملية بما تمنحه لها من خبرات تؤهلها لمعرفة الصالح من الطالح ,ربما عليه أن يعيد النظر فى مسألة عملها ... فهى بحاجة الى افراغ طاقاتها بشكل ايجابى ... سوف يتناقش مع أبيه فى هذا الأمر بعد اتمام عقد القران ..
قال سيف الذى كان ينظر لابنة عمه باستهزاء:
-أنتِ ساذجة للغاية يا ريم .. فهؤلاء الاقارب الذين تودين استقبالهم بذراعين مفتوحتين لا نعرف عنهم شيئا ,وكل ما تحتاج لادراكه بالوقت الحالى أنهم سوف يشاركوننا فى كل شئ نملكه ... الميراث ... الشركة ... الأراضى وحتى هذا المنزل .. لم يعد ملكا لنا وحدنا.
قامت أميرة بطرح استفسارها بصوت مرتفع نسبيا وكأنها تحادث نفسها:
-ترى كيف تعرّفتم عليهم ؟
أجابها كريم بلهجة ممطوطة وقد شعر بالسأم يتملكه من هذا الحوار:
-الأجدر بك أن تسألى : كيف تعرّفوا هم علينا ؟ لقد ذهبت الى منزلنا الريفى ففوجئت بوجود هذا الشخص الذى ادّعى أنه أخا لجدنا ,فى البداية لم اصدّق أذنىّ حتى هاتفنى عمى محمد بنفسه وسألته عن حقيقة الأمر فأكّد لى أنه ليس شخصا كاذبا ,,, لقد اتضح لى الكثير من الأمور الغامضة بالآونة الأخيرة ,وبدأت الحقائق تنكشف تباعا ..
أمّن سيف على قوله وهو يستند بذراعه على وسادة صغيرة الى جواره ثم قام بتمديد قدميه أمامه وهو يشير لريم مشاكسا:
-عندك حق يا ابن عمى ... ريم أرجو ألا تكونى متضايقة لأننى أمد قدمىّ فى مواجهتك مباشرة.
لم تتراجع ريم عن رد الصاع صاعين له وهى تقول بعد أن أصدرت صوتا معترضا بشفتيها:
-عجبا لأمرك ! ومنذ متى كنت مراعيا لشعورى الى هذا الحد ,لقد صدّقت الآن أن هناك معجزات ما زالت تحدث فى عصرنا الحالى .
ابتسم رفيق وقد علت ضحكاته مقهقها فلم يتمالك نفسه حتى أمسك بمعدته وهو يقول ناهرا:
-كفاكما أنتما الاثنان , ألا تشبعان مشاكسة كالقط والفأر ,متى سوف تنضجان وتتصرفان كشخصين بالغين ... ونحن بوسط هذا الكم الهائل من المشاكل وأنتما لا تحسنان التصرف ... شئ لا يصدقه عقل.
رد كريم ممازحا وقد أعجبته اللعبة فأشار للثنائى العابس قائلا:
-لقد افتقدت حقا هذا الجو العائلى , شجاركما الدائم على أتفه الاسباب .. تعنيف رفيق لكليكما ...
استطرد رفيق قائلا وهو يشير نحو كريم:
-ودفاعك المستمر عنهما ... ومحاولة استرضائى حتى لا أغضب ..
شعرت أميرة بالغربة وسط استعادتهم لذكرياتهم المشتركة بالماضى حيث كانت مجرد قريبة بالاسم لا يعرفها أيا منهم ,فانكمشت على نفسها مختبئة بقوقعتها التى عادت أدراجها اليها ,لم تستغرق أكثر من ثوانٍ معدودة حتى شعرت بيد تداعب كتفيها لتشدها الى أحضان دافئة وكأنما جسدها يلتقط بمؤشر حسّاس ذبذبات خاصة به وحده ,ورفعت عينيها تناجى عينيه المفعمتين بكل معانى العشق والتفهم لوضعها فقرأت بداخلهما المواساة الصامتة دون أن يتفوّه بحرف واحد وكأنه يخبرها بمعرفته لما يعتمل بنفسها بل ويؤكد على وجوده الى جوارها ثم همس لها بأذنيها بعيدا عن مسمع الآخرين:
-أين اختبأت لؤلؤتى ثانية ؟ لا أريد أن أراكِ متباعدة بهذا الشكل .. أحب أن أشعر بوجودك بكل كيانك معى ليس فقط جسدا بل قلبا وعقلا وحتى خواطرك الخفيّة لا بد أن تشركيننى فيها , اتفقنا يا حبيبة قلبى ؟
أومأت له برأسها فيما انساب الألم من كلماتها المقتضبة:
-ليس بيدى , صدقنى كلما حاولت أن أنسى وأتجاهل الماضى بكل حوادثه وآلامه أجده مجسدا أمامى بكل وضوح .. لا اعرف أين المفر ؟
قال دون أن يتراجع بحزم:
-ليس عليكِ الفرار منه بعد الآن , ربما آن أوان المواجهة يا أميرتى.
-ماذا تعنى ؟
-كلما واجهنا الحقيقة كاملة فنستطيع أن نطرد جميع الأشباح المخيّمة على ماضينا دون أن نترك الباب مواربا لعودتها مجددا ,الآن سوف نغلقه نهائيا وللمرة الأخيرة.
كانت ريم فى ذلك الوقت تتلاعب بهاتفها الخلوى فأثارت انتباه سيف الذى استشعر ارتباكها وهى تنظر الى شاشته التى أضاءت عدة مرات ولكنها كانت تضعه على الوضع الصامت فلم يلتفت غيره لتصرفها المتوتر ,واقترب منها دون أن تلاحظ ليتطلّع نحو الهاتف بتساؤل واضح وهو يقول بمكر:
-لماذا لا تجيبين على الاتصالات التى تأتيكِ ؟
انتفضت مذعورة من قربه الدانى وقد تفاجأت حقا بوجوده فأسرعت تخفى شاشة هاتفها حتى لا يلمح الاسم الذى كان ملحا باتصالاته المتتالية وكأنه لا يقبل بالرفض أبدا مهما ضغطت على زر الانهاء ,ضاقت عيناه بلمحة واعية لما قامت به لتوها فعاد لوضعه متراجعا الى الخلف بينما عقله يعمل بسرعة الصاروخ وقد تأكدت له شكوكه المتناثرة حول السبب وراء تغيّر تصرفات ابنة عمه فى الفترة الأخيرة وبدأت تتلاعب به ظنون خبيثة ... أيمكن أن يكون المتصل رجلا ؟ هل لريم علاقة بأحدهم ؟ لا يوجد تفسير منطقى لاخفائها هذا الأمر عنهم الا لكونها تعرف مدى الخطأ الجسيم الذى ترتكبه ,لم بظن يوما أن ريم قد تكون من هذا النوع من الفتيات العابثات اللاتى تتهورن بتصرفاتهن فيطمع فيهن من كان فى قلبه مرض ,فى حين شعرت ريم باهتزاز الهاتف بين يديها فقررت أن تنهى عذابها المتجدد بأن نهضت واقفة لتستأذن منهم وهى تقول بصوت ناعس متثاءبة بعمق:
-ياااااه أعتقد أننى سوف أخلد الى النوم ,تصبحون على خير ...
وهرعت نحو غرفتها بالأعلى الا أن صوت شقيقها استوقفها بعد أن قال بصوت خشن:
-ريم ... انتظرى ,,أود أن أتحدث معكِ قليلا.
أسقط فى يدها هل انتبه رفيق الى تصرفاتها الغريبة فقالت بصوت مرتعش دون أن تلتفت اليه:
-ألا يمكن للحديث أن يؤجل للصباح ؟
اتسعت ابتسامته الصافية وهو يقول بود دون أن يبدو عليه الانتباه الى تلعثمها:
-طبعا حبيبتى ... ولكن لا تنسى لن تجدى سبيلا للهرب منى غدا.
-حسنا ,أراك فى الصباح الباكر يا أخى.
واندفعت تكمل سعيها نحو ملجأها الامين بغرفتها التى ما أن وطأتها بقدميها حتى أغلقت بابها بهدوء دون أن تصدر صوتا وأدارت المفتاح مرتين حتى تطمئن نفسها ,على الرغم من أنها تدرك أنه لا يمكن أن يدخل غرفتها أيا كان دون أن يطرق الباب أولا ,ثم انتظرت دقيقة أخرى حتى تتأكد أن لا أحدا يتبعها واستلقت على فراشها تتلمس الطريق الى الهاتف حتى تجيب على المتصل لتزيح عن كاهلها هم محادثته بعد لقائهما العاصف نهارا فأسرعت تقول بصوت جاهدت لتجعله هادئا ثابتا:
-آلو ...
انطلق من الجهة الأخرى صوته الرجولىّ الغاضب وهو يصيح منفعلا:
-لماذا لا تجيبى على اتصالاتى ؟ لقد هاتفتك أكثر من عشرة مرات وأنتِ تغلقين فى كل مرة.
أجابته بلا مبالاة مصطنعة وهى تضغط أظافر اصابعها بعمق فى راحة يدها لتصنع آثارا غائرة فى جلدها الأملس تكاد تشعر بها تحرقها كما تحترق روحها من الداخل:
-كنت مشغولة فلم أستطع أن أجيب على اتصالك.
-وما هو الشئ البالغ الأهمية الذى يشغلك عنى ؟
استفزتها لهجته الساخرة والتى كانت تأكل من روحها القلقة فأجابته بصوت متألم وقد شعرت بالجرح العميق:
-ها أنت تسخر منى , طبعا لا تصدّق أنه قد يوجد أمر أكثر أهمية فى حياتى من مجرد البقاء فى انتظار أن تتكرم علىّ باتصالك.
لم تره وهو يتلاعب بخصلات شعره الشقراء بيديه شاعرا بالقنوط يجتاح كيانه من تحوّل مجرى الحديث بينهما الى هذه الدرجة ,ولكنها سمعته يزفر بحرقة قبل أن يقول لائما ايّاها:
-لا أفهم لماذا تتحدثين الىّ هكذا ؟ يخيّل الىّ أنكِ لست ريم التى أعرفها.
أجابته مؤنبة:
-وهل تعرفنى حقا يا جاسر ؟ أشعر أحيانا أننا لسنا بهذا القدر الكافى من المعرفة .. مجرد علاقة سطحية , أليس كذلك ؟
شعرت بأنه يقف على حافة بركان غضبه الذى انفجر بغتة فى وجهها وهو يقول :
-الآن أنتِ ترين أن علاقتنا سطحية ,وماذا أيضا لديكِ ضدى ؟ أفرغى ما فى صدرك .. ولا تترددى.
-لا شئ موجه ضدك ,مجرد اعادة للتفكير والنظر برويّة وتأنٍ فى مسار هذه العلاقة ,ولا أرى ما يسئ اليك فى هذا الشأن.
أتاها صوته هذه المرة ناعما وهو يقول متلطفا:
-لماذا تغيّرت تصرفاتك معى فجأة ؟ ما الذى جرى اليوم ؟
أخذت ريم تهز رأسها يمينا ويسارا عدة مرات وهى لا تكاد تصدق أنه يطرح هذا السؤال بمنتهى البساطة فأجابته باندفاع:
-أتسألنى ؟ فقط مجرد معرفة للحقيقة الواضحة أمام ناظرىّ وكنت أتغاضى عنها أو بمعنى أصح أتعامى برغبتى عنها حتى لا أصل الى هذه النتيجة.
قال بصوت يفيض سخرية مريرة:
-وهل لى أن أعرف منك ما هذه النتيجة التى توصلت اليها أيتها العبقرية ؟
-أننى لا أعرفك حق المعرفة .. تبيّن لى أننى كنت أعيش بأوهام من نسج خيالى وحاولت أن أجعلها تبدو كالحقيقة حتى اتضح أنها مجرد سراب.
صمت برهة قبل أن يستعيد هدوء أعصابه حتى يقدر على مسايرتها فقال بثبات واضح:
-لقد أردت أن أشرح لكِ .. ولكنك لم تمنحيننى الفرصة ,هربتِ منى !
-أنا لم أهرب !
اعترضت بقوة وهى ثائرة على اتهامه الظالم لها ثم استطردت قائلة بحدة:
-كما أنه قد بدا لى أنك مشغول للغاية ... بالعمل أو زملاء العمل.
أدرك أنها تعنى بكلامها أن تصل لطبيعة علاقته بليلى ,ولم يدرِ لمَ شعر بعودة الأمل مجددا لينعش قلبه اليائس فاذا كانت مهتمة بشأن معرفة الحقيقة فهى لا زالت متعلقة به ,فتنهد ارتياحا قبل أن يقول صراحة:
-أتعنين ليلى ؟
-آه تذكرت اسمها ... أنها ليلى اذن دون أية ألقاب.
ابتسم فى سره من غيرتها الواضحة التى رنت مدويّة فى أذنيه معلنة عن اهتمام بالغ تحاول انكاره فقال بغموض:
-كما سبق وأشرتِ أنها زميلة لى فى العمل فكيف تريدين منى أن أناديها ؟ من الطبيعى أن نتعامل بصورة غير رسمية ... ولا تنسى أيضا أننى أكن لزملائى كل ود واحترام.
-ومن الطبيعى أن تناديك باسمك مجردا دون ألقاب , مع العلم أنك الآن نائب للمدير ؟
-لقد أخبرتك أن هذا تم بصورة مؤقتة لحين عودة السيد فهمى وبعدها لن يعود لى مكان بغرفته.
-وأين ستذهب ؟ هل ستعود لمشاركة زملائك الذين تودهم وتحترمهم ؟
صمت عن الاجابة متعمدا فهو لم يشأ أن يكذب عليها فأساءت هى تفسير سكوته وظنته دلالة على تلاعبه بمشاعرها فأكملت تقول لتحرقه بلهجة قاسية:
-اذن هنيئا لكما ... لا اجد داعيا لاستمرار هذه المحادثة.
-انتظرى يا ريم.
قاطعها بلهجة صارمة اثارت الخوف بجسدها فهذه هى المرة الأولى التى تجده يعاملها بطريقة جافة فأجفلت لتقول مترددة:
-ماذا تريد ؟ سوف أغلق حالا.
-ايّاك وأن تفعليها يا ريم ,أريد أن أقابلك لأمر ضرورى للغاية.
أشاحت بوجهها وهى تضرب الأرض بقدميها بطريقة طفولية وكأنه يراها فقالت متحدية:
-وأنا لن أستطيع رؤيتك فلدى مشاغل كثيرة هنا.
تصلّبت قسمات وجهه وصاح أخيرا وهو يطحن بأسنانه غاضبا :
-ومن الذى يشغلك لهذا الحد ؟ كنتِ سابقا تتلهفين لمقابلتى فما الذى استجد عليكِ ؟
انتبهت الى أنه قال : من الذى يشغلك بهذا الحد ؟ وكان الأجدر به أن يقول ما وليس من ,فأخذت تفكر مليا قبل أن تقرر أن تتلاعب بمشاعره مثلما يفعل معها لترد باستهتار:
-شخص مهم جدا لدىّ ,أحبه كثيرا ويحتاج الى مساندتى له.
اعتصر بقبضته القوية الهاتف بين يديه ونيران الغيرة والشك تلهب خياله الخصب بعد أن اعترفت له دون أدنى ذرة من التردد أو الخوف ,فأعاد فى ذهنه تفاصيل الحوار الذى سمع جزء أخيرا منه وكان دائرا بينها وبين سماح حينما سألتها الأخيرة عن هذا المدعو سيف ,والذى كان مفترضا أن يتزوجها ,بحسب زعمها , أيمكن أن يكون هذا صحيحا ؟
فقال دونما تفكير:
-ومن هو هذا الشخص ؟
-وما شأنك أنت ؟ أنه أمر عائلى.
شعر بصدره يضيق غير قادر على التنفس بشكل طبيعى وتساءل : هل هذا صحيح ؟ أتها تعنى هذا الشخص فعلا فهو من عائلتها ... ابن عمها على الأرجح ,وتذكّر أنه سبق ورأى شابين يقفان معا حينما كان فى زيارة لأميرة ,وأخذ يفكر ايا منهما يا ترى هو سيف ؟ كان يحاول استعادة أدق التفاصيل عن ملامح غريمه الخفىّ ,بلا جدوى فالضباب انتشر مشوشا الصورة لتتلاعب الظلال بسخافة فى ذهنه حتى قضت على أدنى بارقة امل للتعرف على الوجه الوسيم التقاطيع ,وتضاءلت فرصته الى جانب هذا الشخص الذى تربطه بها صلة دم فى حين أنه هو الغريب عنها ,علاوة على اعترافها بقربه منها وعشقها له.
نجح أخيرا فى أن يقول بصوت متهدج على الرغم من محاولته التماسك:
-ألا يساورك حتى الفضول لمعرفة ما أود قوله لكِ ؟
-تفضل , يمكنك أن تخبرنى الآن.
-لا يمكن على الهاتف , لا بد أن أراكِ وجها لوجه.
-لا أعتقد أنه يمكن فى الوقت الحالى ,هل يمكن تأجيل هذه المقابلة ؟
-لا أستطيع ارجائها لوقت آخر فالأمر حيوى للغاية.
-حسنا , لم يعد بيدى الأمر ... تصبح على خير يا جاسر.
-أرى أنكِ قد حسمت قرارك ,وما زلتِ ترفضين الاستماع الىّ.
لم يكن قرارها هيّنا كما اعتقد بل كانت تصارع لهفة قلبها الضعيف لرؤيته والارتماء فى أحضان عينيه حتى ترتوى من نظراتهما الشغوفة التى تحتويها بجرأة بالغة ,بيد أنها اتخذت قرارا قاطعا بعدم الاستسلام لهذا الضعف ,فعليها أن تصبح قوية وقادرة على السيطرة على عواطفها حتى لا تصبح مثارا للسخرية من سذاجتها وبساطة تفكيرها كما يتهمها سيف على الدوام ,فقالت دون تراجع:
-أتمنى لك الخير فى حياتك يا جاسر ..
أقفلت بوجهه بابها الذى كان مفتوحا فيما مضى على مصراعيه فقال بقسوة مهددا:
-لا تهدرى هذه الفرصة من بين أيدينا.
-وداعا.
-لا يا عزيزتى , بل الى اللقاء وأعدك وقتها أنك ستذرفين الدموع ندما على ما فاتك ... ووقتها لن تفيدك الدموع بشئ ولن تعيد لكِ ما أهدرته من بين يديكِ.
-...........
لم تعلّق بكلمة واحدة وأغلقت هاتفها بأصابع مرتجفة من آثار الغضب والألم ,وشعرت بكيانها كله يهتز بعنف وصدى كلمات تهديده الحاقد تتردد بقوة حتى صمّت آذانها ,فانهارت باكية على الأرض الباردة وهى تشعر بلهيب حارق يجتاح جوفها ,وأخذت تنعى آمال حبها الضائعة.
****************