كاتب الموضوع :
SHELL
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: رواية لؤلؤة تائهة فى بحر العواصف
كان محمد جالسا بغرفة المكتب متوسدا المقعد الجلدىّ خلفه وهو يتحدث بالهاتف الأرضىّ قائلا بلهجة جدية:
-لا يمكنك أن تخاطر الآن ,عليك أن تنتظر بعض الوقت ... فات الكثير وما تبقى الا القليل كما يقولون.
استمع لبرهة الى محدثه على الجانب الآخر ثم انعقد حاجبيه بشدة وهو يردد محذرا:
-أنا لا أتهرب منك أبدا ,ولكن كل ما فى الأمر أننا نمر بظروف صعبة هذه الايام ,وحتى رفيق مشغول للغاية بمسائل شخصية فليس فى وسعى مطالبته بالمزيد.
تطلع الى الهاتف بنفاد صبر وكأنه يلومه بدلا من محدثه ,ثم هزّ رأسه وهو يقول بصوت محايد:
-حسنا , اتفقنا , مجرد مهلة يومين لا أكثر , لا أريد لأحد أن يتضرر ... طبعا أنت محق ,مع السلامة.
وأغلق الهاتف وهو يطلق زفرة عميقة أودعها كافة همومه وأحزانه ,ما كان ينقصه هذا الا الآن ؟ ماذا ستكون ردة فعل ابنه على حديثه هذا ؟ وكيف سيطالبه بما يريد من الاساس ؟
وما هى الا دقائق حتى قطع عليه خلوته صوت زوجته الحنون التى دلفت الى الغرفة لترى زوجها دافنا لرأسه بين يديه وهو مستند بذراعيه الى المكتب :
-محمد ... ما لك ؟
-هه ؟ سوسن ؟ متى أتيتِ ؟
-حالا لقد طرقت الباب عدة مرات ولما لم أتلقّ اجابة منك ... قررد الدخول.
-لم أسمعك ... كنت شاردا.
توجهت نحوه وهى تقف وراء مقعده لتمسّد عضلات عنقه المرهقة بيدين شافيتين لهما تأثير السحر عليه ,وهى تقول باشفاق:
-لقد تأخرت بالمكتب فانتابنى القلق عليك ,ما بك يا حبيبى ؟ أخبرنى ما الذى يزعجك بهذا الشكل ؟
صاح عاليا وهو يتأوه:
-آآآآآآه يا سوسن , آآآآآه أننى متعب للغاية ,وبرأسى تضج آلاف الأفكار تتضارب وتتصارع فيما بينها ... أشعر بأننى بحاجة الى الراحة , راحة طويلة ابدية.
انتفضت زوجته وهى تقول مؤنبة بينما أصابعها ما زالت تقوم بعملها على أكمل وجه:
-بعد الشر عنك , أدامك الله لنا وأطال فى عمرك يا حبيبى.
ابتسم لها مترفقا بحالتها المنزعجة وهو يوضح شارحا:
-لم اقصد هذا المعنى , ألا تتمنين معى أن نستريح ؟ أن نذهب الى مكان بعيد أنا وأنتِ فقط لنتمتع بهذه الفترة المتبقية من حياتنا فى هدوء وسلام؟
قالت بمنطقية تجيدها:
-وكيف سنترك أولادنا ؟ ألا ترى معى أنهما بحاجة لنا ؟
أمسك بيديها فى قبضته الفولاذية ليطبع قبلات متعددة على أطراف أناملها وهو يقول مغازلا:
-وأنا بحاجة اليكِ يا حبيبتى ,لقد اشتقت لجلوسنا سويا نحتسى الشاى الساخن بالشرفة كالأيام الخوالى دون أن يقاطعنا أحد .. أليس كذلك ؟
ارتعشت سوسن تأثرا وهى تردد بصوت حالم:
-طبعا أتمنى من كل قلبى أن أتفرغ لك فقط ونقضى معا أحلى الأوقات كالسابق ,ولكن ما زال أمامنا واجبات تجاه رفيق وريم.
أجابها محمد وقد شدها الى حضنه بالرغم من اعتراضها وتمنعها وهو يقول دافنا وجهه فى صدرها:
-رفيق وقد تزوج واستقر ,فما ينقصه أما عن ريم فلا بد أن يأتيها نصيبها قريبا وتتزوج هى الأخرى فلا يعد لك أى حجة يا حبيبة القلب.
ابتسمت خجلة وهى تقول بعد أن أراحت خدها على رأسه:
-لا أدرى لمَ أشعر بالقلق نحو زيجة رفيق من أميرة ,فأختك لا يهنأ لها بالا الا اذا أزعجته بتعليق قاسٍ أو تصرف غير معقول.
ابتعد فجأة عن حضنها وهو يتأملها لثوانٍ قبل أن يكرر مردفا بعدم تصديق:
-فريال ! هل فعلت هذا ؟
-لن تصدق أيضا أنها دعتنى بزوجة أخى حينما كنا بانتظار الطبيب وهو يفحص هناء لنطمئن عليها.
استقام محمد بجلسته وهو يسألها باهتمام قلق:
-وما هى أخبار صحتها ؟ ماذا قال الطبيب ؟
ارتسمت معالم الضيق والحزن على محياها وهى تجيبه بعد أن سارت مبتعدة لتجلس على مقعد آخر مقابلا له من الجهة الأخرى من المكتب:
-طالب باجراء العديد من الأشعات قبل أن يتخذ قراره النهائى باجراء العملية من عدمه.
تأسف محمد لحال زوجة أخيه وهو يقول بأسى:
-مسكينة يا هناء , لا تفتأ تقع بحوادث غريبة .
استطردت سوسن بلهجة مريرة:
-وليس هذا فقط ... فكريم ... لقد تشاجر معها وترك المنزل منذ ساعات ولا يعرف أحد له طريقا.
-ماذا ؟
هب محمد على الفور هائجا وهو يصيح بانفعال:
-كيف يحدث كل هذا دون علمى ؟ لماذا لم تخبريننى مبكرا يا سوسن ؟
حاولت هى أن تهدئ من ثورته العارمة بصوتها اللطيف الحنون قائلة:
-لم أعرف الا منذ قليل , هى بنفسها أخبرتنى بخلافهما الحاد ورجتنى أن أفاتحك بهذا الشأن قبل فوات الأوان .
-ماذا تعنين ؟ أوضحى.
-سبب الخلاف بينهما .. شخصى للغاية ,وهى تخشى أنه ربما لن يرغب بالعودة مجددا الى المنزل.
-ألهذه الدرجة وصل الخلاف ؟ أيترك بيته من أجله ؟ وما هو هذا السبب الشخصى للغاية ... هيا يا سوسن لم أعد أحتمل أكثر.
-سأخبرك بكافة التفاصيل , فقط اجلس واسمعنى بهدوء ,,, وأتوسل اليك ألا تنفعل ,فالطبيب حذرك مرارا من ارتفاع ضغط دمك ,أرجوك.
تنهد محبطا وهو يجلس مضطرا بناءا على نصيحة زوجته وقال:
-ومن يمكنه العيش هنا ولا تصيبه أمراض الدنيا جمعاء ؟ تحدثى كلى آذان صاغية.
وبدأت سوسن تعيد على مسامعه كل كلمة وحرف تفوّهت بها هناء ,وفى كل لحظة يزداد ارتفاع حاجبيه تعجبا واندهاشا مما يقال.
*****************
|