-اهدأى قليلا يا فريال , لا يصح ما تفعلينه هذا.
حاول أخوها أن يقنعها بضرورة التروى والتزام الهدوء , فكل ما يشغلهم الآن هو الاطمئنان على صحة الفتاة الراقدة بالداخل.
لمح كريم ابن عمه سيف واقفا مذهولا وفتاة رائعة الجمال بصحبته ,فغمزه مشيرا باصبعه ليختلى به لحظات وما أن أصبحا على مسافة بعيدة كافية عن الموقف المشحون حتى سأله بفضول:
-أين كنت يا سيف ؟ لقد اتصلت بك أكثر من مرة ولكن يبدو أنك كنت تدبر أمرك بطريقة رائعة ,من هذه الفتاة الجميلة التى جئت بصحبتها؟
تنهد سيف بمرارة وهو يشعر بأن راسه تكاد تنفجر من هول الصدمات المتوالية عليه فى هذا اليوم بدءا بصفعة ريم مرورا بجدالهما مع رفيق وحادثة لبنى أو أيا كانت فما عاد يعرف لها اسما أو صفة ,انتهاءا بمقابلته لليلى مصادفة على باب المشفى , لم يتخيل أنه سيراها بعد فراقهما الأخير ,وكما هى لم تتغير لم تفقد ذرة واحدة من جمالها ,هو يدرك أنها ليست كملكات الجمال ولكنها تمتلك جاذبية خاصة وسحر مثير ينتشر فور تواجدها بأى مكان ليدير رؤوس الرجال حتى ينهلوا من متعة النظر اليها ,والأسوأ أن عليه الآن تبرير تواجدها معه لابن عمه الذى ينتظر اجابته بفارغ الصبر ,فهز رأسه بقوة وهو يقول بطريقة عادية:
-لقد كنت فى اثرك عندما قابلت ليلى مصادفة فى الاستقبال واضطررت الى اصطحابها الى الكافتيريا ,وما أن أنهينا احتساء مشروباتنا حتى لحقت بكم الى هنا.
قال هذا وكأنه يكفى لتبرير اصطحابها معه ,فقلب كريم شفتيه استياءا بعد أن أدرك هوية الفتاة فهذه المدعوة ليلى كانت فى يوم ما مثار اعجاب وحب سيف الذى لم يبخل عليها بشئ من عواطفه ولا أمواله حتى اكتشف حقيقة خيانتها ,كانت من صنف النساء اللاتى تعرفن كيفية اصتغلال جاذبيتهن للنيل من الرجال والاستحواذ عليهم حتى تحقق مآربها ثم تنتقل لرجل آخر ,ويحمد الله أن ابن عمه قد كشف زيف قناعها قبل أن يتورط بزواجه منها ,وتعجب من مرافقتها له فاستطرد بغضب:
-ولكن هذا لا يفسر وجودها هنا ؟
-لن تصدق فهى آتية لزيارة لبنى , انهما صديقتان.
فى هذه اللحظة كانت ليلى تراقب رفيق وهو غارق بأفكاره شاردا عما حوله متناسيا ما قام به من اعتراف مثّل صدمة للجميع ,ولم تضيع ثانية واحدة فاتجهت الى جواره وربتت على كتفه بلمسة مدروسة فانتفض جسده بعنف ورفع رأسه اليها وبدا أنه لا يتذكرها فنظر له مستفهما ,فابتسمت بطريقة ساحرة تتقنها بمهارة:
-أنت لا تتذكرنى , أنا ليلى زميلة لبنى بالمكتب.
لم تترك له مجالا للتراجع فأضافت بدلال:
-لقد رأيتك منذ عدة ايام عندما جئت برفقتها الى العمل , أنا سكرتيرة السيد فهمى.
أومأ برأسه بفتور فلم يكن مهتما بمحاولاتها لتذكيره بنفسها , ثم ما لبث أن قطب جبينه وسألها باهتمام:
-آنسة ليلى , ما الذى جاء بك الى هنا ؟
-هذا واضح تماما , أتيت لزيارة لبنى والاطمئنان عليها , كيف حالها الآن ؟
تجاهل تماما محاولاتها اليائسة للفت انتباهه وكان مدركا لما تحاول القيام به, وتابع استجوابه بطريقة تقريرية:
-وكيف عرفت أصلا أنها بالمستشفى ؟
لم تتخل عن ابتسامتها الساحرة وهى تتابع حديثها:
-للمصادفة اتصلت بها هذا الصباح لأسأل عن أحوالها فأجابتنى فتاة لا أعرف من هى تقريبا هى تعمل لديكم ,وأخبرتنى بما حدث للبنى حين أخبرتها أننى صديقتها المقربة ,وعرفت اسم المستشفى وهكذا أتيت.
-آه , فهمت.
كادت تبدأ معه حوارا جديدا الا أن عمته لم تهدأ ولم تلتفت الى محاولات أخيها لابعادها عن ابنه ووجدها تزيح الفتاة بخشونة من طريقها وهى تطالبه بالانفراد به :
-أريد أن أحادثك يا رفيق.
نظر الى الجهة الأخرى وهو يتحاشى التقاء عينيه بعينيها:
-ليس هذا هو الوقت ولا المكان المناسبين يا عمتى.
-سوف نتحدث الآن , هيا.
قالتها وهى تدفعه من كتفه لينهض واتجها سويا الى ركن بعيد وما أن رأت أنهما ابتعدا مسافة كافية حتى وجهت له الهجوم بدون هوادة:
-ما الذى قلته عن زواجك من ابنتى يا رفيق.
-ابنتك ؟ ومن قال أننى متزوج من ابنتك !
فاض بها الكيل من طريقته فى اللف والدوران فثارت بحدة فى وجهه:
-رفيق , كف عن هذه الألاعيب , أنت تعرف وأنا أيضا أن لبنى هى أميرة ابنتى التى اختفت منذ خمسة وعشرين عاما.
جاء الدور على ابن أخيها ليثور بدوره وهو يتهمها:
-اذن كنت تعرفين طوال هذا الوقت وفضلت اخفاء الحقيقة عنها ؟
رفعت سبابتها باتهام وهى تشير اليه:
-انت أيضا اخفيت هذه الحقيقة ولا بد أنك كنت على علم بها كما أنك الآن تتلاعب بأعصابنا وتقول أنها زوجتك , يا لك من كاذب.
انتفض بعنف وهو يرفض اتهامها الكاذب وقال يدافع عن نفسه بضراوة:
-أولا لا تتهميننى بالكذب مرة أخرى فأنا لا أجيده ,ولا يوجد لدى ما أخاف منه فأحاول اخفائه ,كما أنه لدى أسبابى الخاصة للسكوت ,ولكننى فضلت الصمت لمصلحة أميرة.
-بأى حق تقرر الصالح لها ؟ من أنت حتى تتخذ القرار نيابة عنها ؟
أجاب بقوة:
-أنا زوجها.
-كيف ؟ فقط لو تخبرنى بالحقيقة كاملة .
وخفت حدة صوتها وهدأت نبراتها الى درجة كبيرة وهى تتهالك على مقعد قريب منها:
-أرجوك , أرجوك.
أشفق عليها رفيق وشعر بتعاطف قلبه معها فمهما كان هى والدة أميرة الحقيقية ولديها كل الحق لمعرفة كافة التفاصيل.
جلس بجانبها ثم قام بضمها الى صدره بحنان بالغ وهمس لها :
-لا تقلقى على أميرة , فأنا لن أسمح لأى مخلوق منذ الآن أن يمسها بسوء , فقط ندعو الله أن تقوم سالمة من غيبوبتها.
واضاف بنبرة وعيد:
-ووقتها اذا ما تجرأ أيا كان سيكون عليه أن يواجهنى أنا , اطمئنى يا عمتى لست عدوا لك , فأنت غالية عندى ليس فقط لكونك عمتى ...
وأزاحها عن حضنه حتى يجبرها على النظر اليه فابتسم لها وأضاف:
-لأنك أم أميرة , حبيبتى وزوجتى , وفى الوقت المناسب ستعرفون الحقيقة كاملة.
******************