كاتب الموضوع :
SHELL
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: رواية لؤلؤة تائهة فى بحر العواصف
بعد أن قامت بتحضير المشروبات وتقديمها الى السيدات المجتمعات بالقاعة , أخذت سماح تروح وتجئ بالمطبخ وهى غير منتبهة لعينى سعد اللتين تراقبانها بتعاطف ومودة فيما أخذت الدموع تتجمع فى مآقيها ثم تمسحها بظهر يدها وهى تكتم شهقات أنين على حال المسكينة التى ترقد بالمشفى ,على الرغم من قصر المدة التى رأتها فيها الا أنها فطنت الى طيبة قلبها ومعدنها الأصيل كما أنها كانت تعاملها ببساطة وليونة مغايرة لكل التكبر والاستعلاء الذى يتعامل به كل قاطنى هذا البيت الكبير ,حتى ريم التى تحبها وتعتبرها ليست مجرد خادمة تعمل لديهم فى بعض الأحيان يعلو صوتها لتنهرها عن فعل ما أو تتضايق من تكاسلها فتوجه لها تقريعا عنيفا ,بدأت تميل الى لبنى فهى كالبلسم الشافى للجراح وأشفقت على ما أصابها بعد مكوثها فقط ليومين وسط هؤلاء الحيتان كما يسمونهم المنافسون فى السوق ,تذكرت أبها - رحمه الله - وهو يقص عليها حكايات لا تخطر ببال ولا يصدقها عقل عن مدى جبروت وسيطرة السيد عبد العظيم الشرقاوى والذى توفى تاركا خلفه ثروة هائلة تكفى أن تقسم على حى بأكمله وليس مجرد عائلة واحدة .
حتى عم ( مصيلحى ) الذى لم يكف يوما عن الصراخ فى وجهها واتهامها بالكسل والبلاهة صار ألطف وأكثر مودة معها منذ الحادث المأسوىّ فكأنما يشاركها أحزانها ,وأخذ يعمل بجد ونشاط حتى يلهى نفسه عن التفكير فيما حدث , أنه يعرف جميع أفراد هذه العائلة فهو فى خدمتهم منذ عشرات السنين ,وقد شاهد أحفادهم وهم يكبرون يوما بعد يوم حتى صاروا شبابا ,فلم يصدق ما يشاع من أن ريم قد دفعت لبنى من فوق الدرج ,حتى ولو أقسموا له بأغلظ الأيمان ما اقتنع أبدا بهذا السيناريو ,لا يمكن لهذه الفتاة الرقيقة أن تقوم بعمل اجرامىّ كهذا .
قررت سماح الاستئذان من رئيسها حتى يسمح لها بفترة راحة قصيرة , فلا فائدة ترجى من عملها وهى مشتتة الفكر, وكانت خائفة من أن يثور بوجهها كعادته ,فتقدمت منه برهبة وصوتها يهتز من أثر البكاء:
-عم (مصيلحى ) , هل يمكن أن تأذن لى .. أريد أن أستريح قليلا ويمكنك أن تحتسبها من فترة الراحة الخاصة بى.
لأول مرة ترى ملامحه ودية وفى لهجة أبوية حنون أجابها:
-طبعا يا سماح ,يمكنك أن تذهبى الى الحديقة لتستنشقى بعضا من الهواء النقى ليساعدك على الاسترخاء,هيا اذهبى.
وقبل أن تنصرف الفتاة ,استطرد وهو يبتسم متلاعبا:
-ولا تقلقى فلن أخصمها من فترة راحتك المقررة , فقط هذه المرة.
رنت له بنظرة امتنان حقيقى وهى تقول وقد تهدج صوتها من أثر عطفه:
-شكرا , شكر يا عم ( مصيلحى ) , أنت أفضل طباخ فى الدنيا.
خلعت مريولها الخاص بالعمل وعلقته على مشجب خاص بالقرب من باب المطبخ الذى يطل على الحديقة الخلفية وانصرفت مسرعة.
لم يخف على الرجل العجوز نظرات مساعده الشغوفة والذى ظل يراقب الموقف من بعيد دون أن يجرؤ على التدخل بكلمة واحدة خوفا من تعنيف رئيسه ,فابتسم عم ( مصيلحى ) وأشار لسعد وهو يغمزه بخبث:
-هيا , يمكنك أنت أيضا أن تأخذ قسطا من الراحة ,وأنا سأحتسى كوبا من الشاى , فلا فائدة من محاولة التركيز بالعمل فيما نحن جميعا شاردون بمكان آخر.
كان الشاب كمن ينتظر فرصته للهروب بعيدا عن الجو الخانق للمطبخ ولكنه ظل يحملق بالرجل الأكبر سنا ليتأكد من أنه لا يمزح ,فلكزه فى ظهره بمرح وهو يشير الى الخارج:
-هيا يا فتى , أسرع قبل أن أغير رأيى.
واستطرد بصوت خافت دون أن يرفع عينيه نحوه:
-يمكنك أن تدعوها للتنزه على الكورنيش ,فهى بحاجة الى تغيير الجو.
كان سعد قد احمر خجلا من تلميح الرجل الصريح ولكنه هرول خارجا من المطبخ وكادت قدمه أن تنزلق لولا أن قام بموازنة ثقله فى آخر لحظة واختفى من الباب المفتوح فيما تبعته ضحكات الطباخ وهو يشهد على ارتباكه الواضح بعد أن أعلمه بأن مشاعره كالكتاب المفتوح , فلم يغفل يوما عن نظراتهما الشغوفة المتبادلة والابتسامات اللا نهائية التى يوزعانها أثناء عملهما سويا ,وقال يحدث نفسه:
-أتمنى فقط ألا تحرجه الفتاة , فسعد هذا يغرق فى شبر مياه.
ملأ الغلاية بالماء وأخذ يعد لنفسه كوبا من الشاى الساخن عله يضبط خلايا دماغه ليستطيع انجاز عمله بهمته المعهودة.
******************
|