لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > روائع من عبق الرومانسية > رومانسيات عربية
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

رومانسيات عربية رومانسيات عربية


إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 07-10-18, 09:25 PM   المشاركة رقم: 31
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Feb 2009
العضوية: 121032
المشاركات: 242
الجنس أنثى
معدل التقييم: سيمراء عضو على طريق الابداعسيمراء عضو على طريق الابداعسيمراء عضو على طريق الابداعسيمراء عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 331

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
سيمراء غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : سيمراء المنتدى : رومانسيات عربية
افتراضي رد: رواية ، خلف أقنعة الذكريات ،الجزء الثاني من سلسلة خلف الأقنعة ،بقلم رغيدا المصرية

 

الفصل السادس والعشرين
انتفضت هند واقفة وهي تقول باستنكار : "ماذا ؟!! ماذا تقول عماه ؟ّ! أتريد أن يكذب حسين ويدعي أن هذا الحقير خاله كان يحاول أخذ المدية منه وأنه أصابه عرضا دون قصد ..أتريده أن يبرأه ؟ كيف هذا ؟"
استغفر الحاج محمد مقطبا وهو ينظر لوجه أكرم المقطب باستنكار صامت ...لكنه كعادته ينتظر باقي حديث أبيه..ليعود للنظر لملامح هند الغاضبة بثورة رافضة ...يعذرها بها تماما .. ليقول لهما مفسرا :
"يا ابنتي ...لو كان الأمر بيدي ..أو حتى يتعلق بهذا السعيد وحده لتمنيت أن يتعفن باقي عمره بالسجن ...لكن المشكلة أن الموضوع متشابك ...زوجة أبيك رغم خطأها واستحقاقها للعقاب ...لكنها تظل أم أخوتك ...سجنها سيؤثر عليهم ..بل ويكسرهم بقوة ..أنت رأيت حالتهم الفترة السابقة ...رغم عودتك للإقامة معهم بشقتكم ...لكنهم منهارون ..لا يكفون عن البكاء وطلب أمهم ...حتى حسين نفسه ..ما أن أفاق حتى سأل عن أمه ...رغم غضبه منها تظل أمه ...ولن يتحمل سجنها بسببه ...والمشكلة أن هذا الحقير أخبر الأستاذ مصطفى أنه مقابل شهادة أهل الحي و تنازل أخته وادعائها أن إصابته لحسين لم تكن مقصودة... سيتنازل عن حقه و سيدعي أن إصابة نبيلة له جاءت عن طريق الخطأ حيث أنها اندفعت ناحية ابنها بحالة هسترية وهي تولول لتتعسر وتقع فوقه وأنه لحظتها كان يمسك المدية التي استخرجها من أخيك لتنغرس فيه بطريق الخطأ:
لتنظر هند له باستنكار وتقول بسخرية:
"عماه !! ما هذا الفيلم الهندي ..إن ما تقوله غير منطقي ولا يقنع مخلوق ...حسين طُعن خطأ ..وبعدها مباشرة من طعنه يُطعن خطأ ؟!! هل هذا منطقي ...من سيصدق هذا الهراء..ومن سيشهد بذلك؟!! " ليبتسم الحاج محمد قائلا بهدوء :
"حتى لو لم يكن منطقي أو لم يصدقه المحقق لكن تصميم كل الأطراف وهو ما يرتبه السيد مصطفى.. على نفس الأقوال لن يدع له مجال لبناء قضية جنائية ..وتصميم كل الأطراف على التنازل عن أي حق سيجعل القاضي مضطرا لتخفيف العقوبة... غالبا ستكون الأحكام مخففة السيد مصطفى أخبرني أن نبيلة من الممكن أن يكون الحكم عليها مجرد غرامة أو في أسوء الأحوال حكما بالسجن لستة أشهر ...بينما سعيد ونتيجة ما حدث لحسين من إصابة أدت لفقدانه كليته.... فقد يتراوح الحكم عليه ما بين ستة أشهر لثلاث سنوات بأقصى تقدير لأنه سيحاكم على إصابة خطأ أدت لعاهة مستديمة "
ليقاطعها قبل أن تتحدث وهو يقف أمامها قائلا باستدراك:
"لكنه إن استطاع النفاذ من تلك القضية... وقبلنا نحن أن نخضع له لأجل إخوتك وأمهم فهذا لا يعني أن عقاب الله لن يطاله ..وفي الدنيا قبل الآخرة ...هو لن يحاكم على قضية أخيك فقط ...بل أيضا سيحاكم على تهمة أخرى شاء الله أن يجعله يقع فيها ليدفع ثمن جرائمه ...فالغبي كان يضع كمية من مخدر الهيروين بجيبه ...ويبدو أن الكمية ليست بقليلة ...لقد باع دراجته حسب ما فهمت واشترى بثمنها كله هذا السم الذي يتعاطاه ...الأستاذ مصطفى يقول أن المحامي الذي وكلته له عائلته يحاول أن يؤكد على كونها قضية تعاطي وليس اتجار ، وخاصة مع نتيجة تحليل دمائه التي أثبتت وجود هذا المخدر به ، أي أنه بجميع الأحوال سيحاكم ويأخذ حكما رادعا ...وينال جزائه العادل ... ربك يمهل ولا يهمل ...وحقك سيعود يا ابنتي ...فكما سخر الله لك نبيلة بنفسها التي كانت سببا فيما حدث لك لتبرئك بلسانها ...فسيعيد حقك من أخيها ...فسامحي ..وتخطي ما حدث ..لأجل نفسك ..وأجل أخوتك ...فالأمر مر وانتهى"
لتنظر له بعيون دامعة وهي تقول بألم :
"وهل أنتهى حقا عماه ؟!! أتقول أنك لم تسمع همزات ولمزات أهل الحي علي ..أتقول أن خالتي أم أكرم لم تخبرك عن أحاديثهم التي ما زالوا يلوكون بها سمعتي ...لكن هذه المرة بدلا من هند اللعوب التي فرطت بشرفها وكانت على علاقة بجارها ...أصبحت هند التي تعدى على شرفها شقيق زوجة أبيها ..وأن أكرم تزوجها لمداراة الفضيحة وسترا لها "
لينتفض أكرم لحظتها هاتفا باستنكار:
"ماذا؟!! ماذا تقولين هند؟!! ...من تجرأ وقال هذا الكلام المشين ..اخبريني وقسما لأقطعن لسانه "
لتنظر له هند بعيون ممتلئة دمعا وهي تقول بألم ساخر:
"ستقطع لسان من أو من ...معظم أهل الحارة يقولون ذلك ...لقد وصلتني الهمزات ...حتى أن بعض النساء لم يستنكرن أن يقلنها بوجهي وهن يدعين الشفقة علي ..وإخباري أنني كنت محظوظة لقبولك بي وسترك علي"
ليقول أكرم بثورة :
"خسئ لسان من يلوك سيرتك بحرف ...سأواجههم جميعا ...سأقطع السنة من..."
ليقاطعه أبيه وهو يقول لكلاهما بحسم:
"بل ستتجاهلان كلاكما الأمر تماما ..أسمعا يا بني ...الناس أو معظمهم يميلون لتضخيم كل ما يرونه ويسمعونه ..لن يصمتوا ولن يتوقفوا عن الحديث عن غيرهم ..نهش السمعة والأعراض للأسف هو تسلية الكثيرين ...ونحن علينا النصح والإعراض عن تلك الذنوب ..لكننا لن تستطيع منع السنة الناس التي اعتادت النميمة رغم عظم ذنبها ...لكننا بتجاهلها ستموت بعد فترة ...سينسوها وينشغلوا بشيء جديد ...وخاصة إن لم يهتم أصحاب الشأن أو يعيروهم أذنا أو اهتمام ...ويوما عندما يشاهدنكما معا ...يوما بعد يوم... وعاما بعد عام ...زوجين سعيدين ناجحين ..راضيين سيتشاغلون بحسدكما عن نهش سمعتكما "
لتقول له هند باستنكار:
"أتقول عماه أن لا اهتم ..أن لا أرد على هذا البطلان بحقي ..أنا أعيش وسطهم ...وكذا إخوتي ..وسيظلون ينغزونهم بكلماتهم المسيئة يوما بعد يوم حتى يدمرون نفسيتهم "
ليقول الحاج محمد بنفي :
"لا ...لن نتركهم ..أنا وحماتك نفينا تلك الحقارة لكل من سألنا ..والشيخ مرسي .. أيضا.... بل وخطب ثانية يوم الجمعة عن عقوبة الله لمن يغتاب غيره..كما جمع رجال الحي بعد الصلاة وأوضح لهم أن ما يحدث من انتهاك سمعتك بالغيبة والنميمة وخاصة من نسائهم كبيرة...بل وقذف محصنة ...وأقسم أمامهم أن الله أنجاك قبل أن يمسك سعيد بسوء ...وطلب منهم إيصال الأمر لنسائهم..وأمرهم بكف ألسنتهم عنك ..فهذا السعيد لم يلحق أن يلمسك "
ليرد أكرم بحمية :
"ولو كان لمسك يا هند لكنت قاتله ..قسما بربي ما كنت تركته يوما يتنفس هواء الحياة ...وكنت قتلته ..وتزوجتك وسلمت نفسي بعدها ...أنت أطهر فتاة عرفتها هند ..لن يدنسك حقير كسعيد مهما فعل صغيرتي ...كما لن يمسك كلام حاقد أو جاهل وينال منك ...الطهارة ليست عذرية جسد فقط ...فكم من نساء وفتيات فقدنها قصرا وقهرا ..لكنهن ظللن طاهرات عفيفات ...ففارق بين من تُقهر غصبا بفعلة حقير كأشباه سعيد ..ومن تفرط بنفسها عمدا ..تظل الأولى طاهرة رغما عن أنف كل من يقول العكس ..ومهما قال الناس ..أنا لا أهتم بالناس ولا بما يقولون "
ليقاطعه أبيه معترضا وهو يقول:
"لا بني ...صحيح أن رضا الناس غاية لا تدرك ...وأن الإنسان لا يجب أن يرهن حياته أو يوقفها على إرضائهم لأنه لن ينال رضا الجميع مهما فعل ...فالناس لن تتفق على أمر واحد مهما حدث ...لكن هذا لا يعني أن نتجاهلهم ..أو لا نراعيهم بتصرفاتنا ...لكن لا نجعلهم أكبر همنا نراعيهم دون إفراط ...بل يكون الخوف من الله سابق على الخوف من الناس ...فمن خاف ربه كفاه شر الناس ... ولو ناله منهم شيء رد ربك الظلم عنه وأعاد حق من ظُلم ولو بعد حين ...نحن نعيش وسط الناس ...نرعى حقهم فالله أمرنا أن نرعى حق الجار ...وأن لا نهين أو نظلم ...أن نكون بشوشي الوجه حسني اللسان مع الجميع ...تلك حقوقهم علينا ...نؤديها كحق لهم ..لكن لا نعيش لإرضائهم ...أتفهمون الفرق؟! "
لينظر كلاهما له وهما يومئان بإيجاب ..ليقول لهما ...سأذهب لحجرة حسين وافهمه الوضع ...والحقا بي بعد قليل لتقنعاه معي "
ليتركهما معا ..وما أن أغلق الباب خلفه ..حتى أقترب أكرم من هند المنكسة رأسها بألم ..ليرفع وجهها إليه قائلا بحب فاض من حدقتيه لصغيرته التي لا تكف المآسي عن ضربها من كل صوب ...ليعيد القسم لها بخفوت وهو يقبل جبينها:
"لن يمسك شيء طالما بي نفس يتردد ...أرفعي رأسك حبيبتي ..اجعليه دوما مرفوعا يعانق السماء ...أنظري بعين قوية لكل من يؤذيك بكلمة أو نظرة ..وأنت واثقة أن زوجك يراك الأنقى والأجمل ..وأن ما يقولوه فهو من قبيل الغيرة ..لأن أيا منهم لن يحصل على ما لديك"
لتنظر له بانكسار وهي تقول بخفوت :
" وماذا لدي أكرم؟!! "
ليقول ببطء وهو يضمها بحنان:
"لديك الكثيييييير ....لديك زوج محب يذوب قلبه عشقا من نظرة لعينيك ..لديك أخوة يعشقوك كاد أكبرهم يموت دفاعا عنك ...لديك مستقبل يفتح لك ذراعيه ...فستكونين أول طبيبة بحينا ...لديك أسرة تعدك ابنة لهم وتحترمك وتقدرك فيها أخ أكبر يدعى سامح ...أحمق ومتهور بعض الشيء... لكنه سيفديك بحياته دون تردد إن احتجته ...وأخت تدعى همس من الممكن أن تنزع السنة نساء الحي واحدة واحدة إذا علمت أن هناك من تضايقك منهن ...لديك والدين أبدلك الله بهما عمن اختارهما ربك لجواره يرياك كابنة لهم لا فقط زوجة ابن ....لديك الكثير مما يجعل الناس تغار منك ... فلا تهتمي ..اشمخي برأسك عاليا ...بكل كبرياء وثقة ...أنت نجمة لن يصلوا إليها أو يطالوها مهما أطلقوا عليها نيران ألسنتهم ..أنت أعلى وأرقى ..أنت الأغلى يا حبيبتي ..أنت حبيبة أكرم محفوظ وزوجته ...هل تفهمين من أنت!! وما أنت !! "
ليميل مقبلا عينيها الدامعة الناظرة له بعشق وضعف ..ويهبط لشفتيها يلثمها برقة ...قبل أن يبعدها بتردد قائلا :
"يجب أن نذهب لأبي لأني لا أضمن نفسي إن بقيت معك أكثر "
لتحمر بخجل وهو يمسك يدها بحنو ساحبا إياها خلفه ليخرجا من غرفته ليلحقا بأبيه....
-------------------
ابتسم بمكر وهو يلمس يدها بشقاوة وهى تناوله كوب الشاي ..لتنظر له بلوم ووجهها يحمر خجلا قبل أن تبتعد وهي تكمل توزيع أطباق الحلوى والشاي لتعود بعدها للجلوس بارتباك بجوار شقيقتها...سعيد هو بإرباكها ...يعجبه أن يرى احمرار وجهها خجلا من همساته أو لمساته المسروقة لها عندما يكون ياسر أو عائلة شقيقتها لديهم وهو ما يكاد يكون طقسا يوميا منذ أقاموا بجوارهم ... يشعر أنه يعود معها مراهقا ...يعيش مشاعر لم يعشها قبلا ...يقوم بتصرفات لم يتخيل أن يقوم بها يوما ...لكنه راغب بتعويض كل ما فاته معها حتى أفعال المراهقة ...ليخرجه من شروده بها صوت مسعد وهو يسأله :
"ألا ترى أن المبلغ المطلوب بها مبالغ فيه "
لينتبه هو للحديث الذي كان يجريه معه حول الشقة التي جاءهم بها السمسار العقاري وذهبوا لمشاهدتها صباحا.... ليرد عليه بنفي قائلا:
"بالعكس حسب كلامكم ووصفكم أرى سعرها مناسبا جدا وخاصة أن مساحتها كبيرة ...لا تنسى أن المنطقة هنا ارتفعت أسعار العقارات بها بشدة في الفترة السابقة ...وأيضا الشقة كاملة التشطيب والتجهيزات ...بل وأيضا الرجل عرض عليكم شرائها بالأثاث ...ومها تقول أن الأثاث جديد ومختار بذوق رفيع "
لتقاطعه مها بحماس وهي تقول:
"أنه رائع جدا ...لو كنت لأختار بنفسي لم أكن لأختار ما هو أفضل ...حتى الديكورات والستائر ...شديدة التناسق والجمال .....الشقة كلها أجمل مما تخيلت ...لقد أخبرنا السمسار أن صاحبها جهزها على أعلى مستوى لعروسه ...لكن حدث بينهما خلاف قبل الزفاف مباشرة أدى لإلغاء الزيجة ...فقرر صاحبها بيعها بكل ما بها ...حقا مصائب قوم عند قوم فوائد ...الشقة فرصة بكل المقاييس ...ليس فقط لكونها قريبة منكم فهي بنفس الشارع ...بل أيضا أنها ستوفر علينا مجهود تجهيز وفرش أي شقة جديدة نختارها غيرها... ويمكن أن ننتقل إليها فورا لو وافق مسعد على شرائها ..أرجوك أقنعه ..لقد أحببتها أنا والأولاد "
وقبل أن يرد عليها احدهما فوجئ الجالسين بباب الشقة يفتح بعنف بينما يدلف ياسر وتقى بأصوات مرتفعة وهما يتشاجران كالعادة ....ليتبادل الجالسين النظرات بملل من اعتادوا المشهد ..فحتى والدي تقى وإخوتها اعتادوا المشاحنات اليومية بين ياسر وتقى على أي وكل شيء ..لينظروا لهم متابعين الحوار الدائر دون تدخل خاصة وقد توقف كلاهما متواجهين بمنتصف الصالة متخصرين بتحدي بينما تقول تقى بغضب:
"أنت أهنتني بتصرفاتك... لا أدري لما كلما حضر آسر بك للمكتب لمقابلة خالد بك تظل تحوم حول مكتبي بشكل محرج لي ...مئة مرة أخبرتك أن لا شأن لك بي ...لا تتدخل لا بحياتي .. ولا بعملي "
ليرد عليها بحدة وهو يقول:
"وأنا أخبرتك مئة مرة أنني سأتدخل رغما عنك إن رأيت ما لا يعجبني ...فأنت ابنة خالتي ..شئت أم أبيت ...وهذا الرجل الوقح بالذات إن رأيته مرة ثانية يتحدث معك بتلك الطريقة سأضربه ولن يهمني حتى لو فصلت من العمل ...نظراته لك وطريقته بالحديث معك لا تعجبني ..كما أنه يتعمد إغاظتي ..أراها بعينيه كلما نظر لي كأنه يتعمد إثارة غضبي عمدا "
لترد صارخة عليه بغضب:
"أيها الغبي الأحمق ...آسر بك لم يقل أو يفعل شيئا ...لقد جلس بمكتبي قليلا حتى ينهي خالد بك اجتماعه مع رؤساء الإدارات والذي طال عن موعده قليلا ..وهو كان لديه موعد معه ...أنت من اقتحمت مكتبي بلا سبب ..وجلست أمامه بلا أي مبرر ..وظللت تنظر له بطريقة مستفزة كما لو كنت تحرسه حتى لا يسرق أثاث المكتب .. بينما هو لم يفعل شيئا وكان مهذبا جدا ولم يتخط حدوده !!"
ليرد عليها بسخرية غاضبة :
"حقا ؟!! وهل كل عميل أو ضيف يأتي لمكتب خالد بك يطلب أن تصنعي له قهوة بيديك لأن قهوتك طعمها مميز ولا تنسى!!! "
لترد عليه بدفاع وهي تقول:
"كانت مجاملة لم يقصد بها شيء ..أنت فقط ذو رأس متحجر وأفكار قذرة ...تظن الناس كلهم مثلك ..بعيون زائغة على الإناث "
ليفتح عينيه هاتفا باستنكار :
"ماذااااا؟! أنا ؟أنا بعيون زائغة على الإناث أيتها الكاذبة"
لترد بغل وهي تضرب الأرض بغضب وطفولية:
"نعم أيها المغازل الوقح ..وأنا لست كاذبة ...لقد رأيتك أثناء استراحة الغذاء ..وأنت تقف مع تلك الفتاة من قسم شئون العاملين ...تلك الوقحة ذات الملابس الكاشفة والزينة المبهرجة ..وكانت تضحك معك بميوعة وأنت تنظر لها بوله وابتسامة سخيفة كأحمق لم يرى أنثى ...يا زائغ العينين ..على الأقل أختار فتاة جيدة لتنظر لها ..زوقك ردئ ..."
وقبل أن يرد عليها ياسر وقف أشرف هاتفا بهما:
"كفا كلاكما... اصمتا قليلا ...لقد صدعتما رؤوسنا كل يوم بشجاراتكما التي لا تنتهي ...لكن أنا لدي حل يريحنا جميعا!! "
ليلتفت لمسعد ومها وهو يقول:
"مسعد أنا أطلب يد ابنتك الحمقاء تقى ..لأبني الأكثر منها حماقة ياسر ...صدقني لن يجد أيا منهما من يناسبه مثل الآخر ...وللعلم ..هذا الأحمق الذي يقف فاتحا فاه هو من طلب مني خطبتها من عدة أيام فهو يحبها ...وقد طلبت منه التمهيد لها وسؤالها رأيها قبل أن أفاتحك ...لكنه غبي يعبر عن هذا الحب بطريقة رديئة ولو انتظرناه ليحسن التصرف فسنشيب ونموت قبل أن يجد الطريقة المناسبة لمفاتحتها بالأمر .. وأظنها أيضا تبادله شعوره فغيرتها عليه واضحة كغيرته عليها"
- أبــــــــي!...عمـــــــاه! _
..ليتجاهل هتافهما معا ...
"لقد كنت راغبا بتأخير الأمر حتى تجدوا شقة وتنتقلوا لها منعا لأي إحراج قد تشعرون به ...لكني حقا قد اكتفيت من كلاهما ...أرجوك وافق ولنزوجهما ليكملا شجاراتهما بعيدا عنا..."
-----------------------
كانت ماهي تنظر لأبيها بوجل ...فاقدة للقدرة على الحركة والكلام فقط اختضاض جسدها الذي جعل سامح يقطب وهو يناظر كلاهما بقلق غاضب ليترك يديها ويستدير بكليتيه لهذا الرجل الذي ينادي خطيبته بلفظ حبيبتي ...ورغم شعوره بغضب عارم يكفي في العادة لجعله ينقض على من يتجاوز أمامه عليها بنظرة أو حرف ..إلا أن هناك شعورا مبهما بتوقع القادم قيده عن رد فعل عنيف يموج بداخله ليرد عليه بصوت خشن:
"لماذا لا تعرفني أنت بنفسك؟!! فزوجتي ( قالها متعمدا الضغط على حروفها من بين أسنانه ) تبدو متفاجأة بوجودك لدرجة أفقدتها القدرة على تعريفنا"
لينظر له الرجل بابتسامة مبهمة وهو يقول له بغموض أربكه:
"تبدو رجلا حامي الدماء...رجلا بحق ...أنا سعيد بأن ماهي اختارت رجلا مثلك ..وليس واحدا من شباب النادي التافهين ..ولو أني كنت أتمنى أن أكون أنا من تتقدم له طالبا يدها ...لكنه عقابي أن لا أكون وليها في العقد كما كان ينبغي أن يحدث"
كان سامح حائرا بكلمات الرجل عندما فوجئ بانفجار ماهي خلفه بهستريا وهي تصرخ بوجه الرجل أمامه:
"بأي حق؟!! ...بأي حق تريد أن تكون وليا لي ...بأي حق تطالب بأن يكون لك دور بحياتي ...أنت فقدت حقك هذا منذ هربت وتركتنا ...منذ تركتني طفلة تمسك دميتك التي أهديتها وتسألها عنك وعن سبب غيابك؟!! طفلة تنتظرك يوما بعد يوم ..وعاما بعد عام ...في كل عيد تمنى نفسها بأنك قادم... في كل حفلة لعيد ميلادها تظل تنظر للباب تنتظر دخولك..فأنت دوما كنت تصنع لي أجمل احتفال ..وتحضر لي أحلى الهدايا ..وترفعني أمام الجميع حتى تحسدني صديقاتي على أبي الذي يناديني أميرة فيجعلني أشعر حقا أني أملك الدنيا وما فيها ..لكن تاج الأميرة كسر وهم يخبروها أنك تركتها ...هجرتها ..حرمتها حضنك ..وحبك ..وأمانك ...أنك كرهتها ...لم تعد تهتم بها ...وتُكذب الجميع ...لا تصدق أن من كان يجعلها أميرة ...من دللها مخبرا إياها أنها الأغلى والأهم لديه سيهجرها يوما بتلك الطريقة..حتى صدقت في النهاية ..أتعرف أني توقفت عن الاحتفال بعيد مولدي؟!! ..مسحت تاريخه من ذاكرتي عمدا حتى لا يذكرني بك ..كما مسحتك من حياتي... أنت لم تعد تعنيني ...لم تعد تهمني ...لم أعد أريدك ...أخرج .. ...لا تعود ...لا تريني وجهك ثانية ...لم أعد أريدك "
تسمر سامح مكانه وهو يناظر انهيار ماهي وعقله يجمع الخيوط معا ليصل لحل هذا اللغز .. أن الواقف أمامه أبيها ...الذي أخبروه أنه مهاجر منذ سنوات طويلة ...من تهربت دوما من الحديث عنه كلما سألها ... ليرتبك بقلق وهو يرى الرجل يحاول الاقتراب منها فتنتفض مبتعدة عن كلاهما لآخر الحجرة وهي تطالبه أن يبتعد ولا يلمسها بينما يقول الرجل مهادنا بتوسل:
"أميرتي فقط أسمعيني ..كان رغما عني ..أمك.."
لتقاطعه صارخة :
"لا يهمني ...لا يهمني ...لا يوجد ما يمكن أن يجبرك على تركي ...على هجري ...لا شأن لي بخلافاتك مع أمي ...بطلاقك لها ..العديد من الآباء ينفصلون عن زوجاتهن لكن لا يهجرون أبنائهم ...أبتعد عني ..أنا أكرهك ...ابتعد .."
توقفت يدي عز معلقة في الهواء ..لينكسها مع رأسه بانكسار رآه سامح بوضوح ينضح من كل مسامات جسد الرجل ..لكنه لحظتها لم يكن مهتما به بقدر اهتمامه بتلك الباكية بجوار الحائط ...تسند رأسها إليه بينما تحتضن جسدها بيديها بانهيار جعل قلبه يلتوي ألما عليها ولها ..ليقترب هو منها بهدوء ويجذبها إليه رغم ممانعتها الضعيفة ضاما إياها لصدره لتنهار بالبكاء على كتفه بينما ينظر لوجه والدها الذي رفع إليه عينين مغرقتين بدمع يأبى النزول ونظرة تحمل مزيجا من الأسى والندم والرجاء ..رجاء قرأه بوضوح في عينيه التي تخبره أن يعتني بها ..وكأنه يحتاج لمن يطلبها منه ..إنها نبض قلبه ..ضلعه الناقص .. ليراه يعود لتنكيس رأسه قبل أن يستدير باتجاه الباب بقدمين غير ثابتتين ليفتحه قليلا ...قبل أن يستدير نصف استدارة مميلا وجهه باتجاههم قائلا بخفوت حزين:
" أرجوك بني ..أقنعها أن تمنحني فرصة لتسمع ما لدي ...قد لا يكون مبررا كافيا لهجري لهما ..وغالبا لن يقنعها ...لكن على الأقل سيمنحها راحة المعرفة لما حدث"
ليخرج مغلقا الباب خلفه بهدوء تاركا الحجرة غارقة بصمت لا يقطعه سوى صمت نشيجها الباكي على كتفه ..الذي تحاول هي كتمه بيدها وهي تدفن وجهها أكثر ملقية بثقل جسدها المتهاوي عليه ليسندها هو أكثر لافا ذراعيه حولها لدقائق حتى بدأ نشيجها يهدأ .. لتبتعد عنه بتردد وهي تقول بأسف حزين بينما تنظر لكتفه بحرج:
"عفوا سامح لقد أفسدت ملابسك ..قميصك أصبح متسخا بالدموع وبقايا من زينة وجهي "
ليدير وجهه ناظر لقماش قميصه ذي اللون السماوي والذي أصبح كتفه ملطخا بألوان ما بين الأحمر والأسود ليبتسم بجانب فمه وهو يقول بمزاح ساخر :
"لا تهتمي حبيبتي ...غالبا هي دعوة همس الحمقاء علي أن لا أهنأ بملابسي بعد زواجها ...بعد أن ظننت أني تخلصت منها ومن سرقتها لملابسي "
لتنظر له بعدم فهم ليهز رأسه بلا اهتمام وهو يسألها:
"هل أنت بخير "
ردت بادعاء وهي تحاول مسح وجهها ببعض المناديل الورقية :
"نعم ...شكرا ..آسفة على ما حدث ...أنا.."
لتصمت بارتباك لا تدري ما تقوله له
بينما ظل ينظر لها بهدوء لا يعكس ما بداخله قبل أن يتجه للمقعد المواجه لمكتبها ليجلس عليه وهو يسألها:
"متى عاد أبيك من السفر؟!!"
لتشيح بوجهها متهربة من عينيه وهي تزدرد لعابها بينما تصمت للحظات محاولة استجماع شتاتها قبل أن ترد بخفوت مرتعش:
"لست متأكدة ...أظن عشرة أيام تقريبا ... لا أعرف ولا أهتم أن أعرف ..أرجوك سامح ...انس ما حدث منذ قليل ...ولا داعي لنتحدث عنه ..هذا الرجل انتهى من حياتي منذ سنوات ولا..."
لينتفض سامح من كرسيه غاضبا ليقول بحدة أجفلتها لتتراجع خطوة وهي تنظر لوجهه الثائر بقلق:
"لا عزيزتي ...سنتحدث ..وسأفهم ..أظنه سبب حالتك الغريبة التي كنت عليها طوال الأيام السابقة ...حالتك التي جعلتك تتهربين مني رافضة أن أعرف ما بك ..أن أشاركك ما يؤرقك ويحزنك ...نأيت عني بحزنك ومشاكلك وألمك ...فلما؟!! ...ما هو دوري بحياتك ..إن لم أساندك ..وأشاركك ..إن لم نكن معا في السراء والضراء ...كيف تكونين زوجتي وتخفين عني جزءا مهما من حياتك ..جزءا يجرحك ويوجعك ..لما لم تخبريني؟! ...لما تجاهلتني؟! ..إلي هذا الحد أنا نكرة بحياتك ولا أعني لك شيئا؟!!"
لتهز رأسها نفيا باستنكار ملتاع وهي تقترب منه مادة يديها محاولة تلمس صدره بأصابعها باستجداء وهي تقول:
"لا...لا ..كيف تقول ذلك سامح ..أنا أحبك ..أنت تعني لي كل شيء ..أنا فقط لم أكن أرغب بأن أتحدث عنه ...هو انتهى من حياتي منذ سنوات طويلة ...منذ هجرني وأخي عندما كنت طفلة متعلقة به بجنون ...أرجوك سامح ...لا أريد الحديث عنه ..أنسه ..هو لا يمثل شيئا لنا ..هو.."
ليقاطعها صارخا :
"هو أبيك ..أيا كان ما فعله هو أبيك ...لا يمكننا محوه من تاريخنا ...فهو جزء منه شئنا أم أبينا ...سيكون جد أبنائنا "
لتقاطعه بانفعال وهي تنهت بغضب وتبعد يديها عن صدره لتضمها لصدرها:
" لا ...لن يكون ...لن أسمح له بالاقتراب ...لن أسامحه ...هو لا شيء ...لا شيء ..أتفهم ..أنسه هو لا يعنيك ولا يعنيني "
ظل ينظر لها للحظات دون حديث بينما تنظر هي له بتحدي ممزوج بغضب لكنه رأى خلف هذا الغضب المزعوم طفلة حزينة متألمة ...طفلة تتوق لأبيها ...أبيها التي عشقته ويكاد يجزم أنها ما زالت تعشقه رغم كل ادعاءاتها بكرهه ...ليقترب منها قليلا وهو يقول له بخفوت :
"لا يمكننا الهرب من ماضينا ...على الأقل اسمعيه ..أعرفي منه ما حدث ...إن أردت حقا إغلاق صفحة الماضي ..فيجب أن تكشفي غموضها أولا حتى تستريحي ...قابليه واسمعي ما لديه وبعدها قرري ما تريدين ..إن أردتني معك سأكون حاضرا ..وإن أردت أن تكوني وحدك فلا مشكلة ... لكني لن أعاود الاتصال بك مجددا ..عليك أنت أن تأتي إلي ...عليك أن تشركيني بحياتك بإرادتك إن أردتني جزءا منها ...فاثبتي ذلك ..وإلا فلن تنجح حياتنا معا "
لينحني مقبلا جبينها متجاهلا تخشب جسدها ليستدير بعدها تاركا المكان دون أن ينظر للخلف ويرى نظرتها الملتاعة إليه وانقباض كفيها الضاغطتان على قلبها المتألم وهي تشعر أنه يهجرها .. يتركها ويبتعد كما فعلها أبيها سابقا ..لتمتلئ عيناها بالدموع وتتراجع لتسقط على المقعد بينما يعلو صوت نشيجها بأنين مكتوم"
--------------------

هب واقفا متجها لباب مكتبه بترحيب وهو يقول بسعادة:
"حمدا لله على سلامتك ...لما أتعبت نفسك بالقدوم ...إن أردتني لما لم تتصل وأنا احضر إليك "
ليرد أشرف بابتسامة مازحة:
"ماذا يا خالد ...ألم تعد تردني معك هنا؟!!"
فيقاطعه خالد بحمية بينما يصحبه للجلسة الجانبية بمكتبه ليجلسا معا براحة :
"مكانك سيظل دائما وأبدا محفوظ لك.. ولو غبت سنوات ستعود لتجده بانتظارك ..أنت لست موظف هنا ..أنت جزء من هذا المكان ..أنت معلمي ..من ساندني منذ البداية وبأصعب الأوقات ...من بقي بجواري شهورا يعمل ليل نهار بلا أجر حتى استطعنا أن نعيد إنجاح شركة الراشد ونعيد لاسم الراوي مصداقيته ..أنا فقط قلق على صحتك ...لا أريدك أن تجهد نفسك قبل تماما شفائك"
لينظر أشرف لخالد بمحبة وشعور بالفخر يملأه لهذا الشاب الذي يعتبره بمثابة ابن ثاني له ، وهو يربت على ساقه بود قائلا:
"لا تقلق بني ..أنا قادم من عند الطبيب والحمد لله طمئني تماما ..صحتي والحمد لله بأفضل حال ...حتى أن الطبيب نفسه أبدى اندهاشه لسرعة تماثلي للشفاء ...وقد سمح لي بالعودة لممارسة حياتي وأنشطتي دون أن أجهد نفسي"
لينظر له خالد براحة ممزوجة بالسعادة ويميل عليه هامسا بمكر وشقاوة غير معتادة منه جعلت أشرف يناظره بتعجب ممزوج بالخجل:
"يبدو أن الطبيب لم يعرف أن تحسن حالتك الصحية ناتج عن تحسن حالتك العاطفية وأن تأثير العودة لزوجتك أكبر من تأثير الدواء ...واضح أن الحياة الزوجية لها قوة شفاء تفوق كل الأدوية عليك"
لترتفع قهقهة خالد بالضحك وهو يرى وجه أشرف يحمر وهو يقول بعتب حرج "خالد" ..قبل أن يستسلم لنظراته الماكرة ويرد له مزاحه بالمثل وهو يقول:
"يبدو أن التأثير متبادل يا خالد ...منذ متى أصبح خالد الراوي يمزح و يعترف بالتأثيرات العاطفية ...يبدو أن تأثير الزواج على مزاجك كان قويا أكثر مني"
...ليصمت للحظة بتفكير وهو ينظر لوجه خالد الباسم وعيونه التي حملت دفئا بدل صقيعها الذي كان معتادا عليه في الماضي وهو يضيف:
"لكن كلامك صحيح بني ...راحة القلب لها تأثير على الصحة ...عندما تستكين بجوار نصفك الآخر يستريح عقلك ...ويقاوم بدنك الأسقام ...أنها أفضل مضاد حيوي للأمراض ...حفظك الله وزوجتك من كل شر ..الآن نأتي لسبب زيارتي لك اليوم... لقد جئت لدعوتك لحفل خطبة ياسر ابني وتقى ابنة خالته ..سكرتيرتك ...يوم الخميس القادم ...سيكون حفلا عائليا صغيرا بمنزلنا ..وبما أنك من العائلة فأنا سأنتظرك أنت وزوجتك والسيدة رقية والدتك ...وزوجتي ستتصل بهما لتأكيد الدعوة ...لقد أصررت على الحضور ودعوتك بنفسي ولم أجعل أيا من ياسر أو تقى يفعلاها "
ليهتف خالد بحبور:
"مبرررروك ...خالص تهنئتي عماه ...بالطبع سنحضر ...نحن عائلة كما قلت وياسر كأخي الصغير " ليضيف بابتسامة ماكرة :
"أتعرف ..أنا لست متفاجئا ...لقد شعرت بوجود شيء بينهما ...هناك ذبذبات بالجو استشعرتها كلما كانا معا ...ليضيف ضاحكا ...كما أن ياسر يكثر من الحضور لمكتبها بسبب وبدون ..ويبدو كما لو كان يحرسها ...لقد أخبرني آسر أنه كاد يضربه مرة لأنه سمعه يجاملها بسبب قهوتها "
ليقطب أشرف متسائلا:
"آسر؟!!"
فيرد خالد موضحا:
"آسر الراوي..أنت تعرفه جيدا ...لقد قابلته معي عدة مرات على مر السنوات الماضية ..كما قابلناه معا بأمريكا من عامين عند توقيع صفقة شراء أسطول سيارات النقل "
ليهز أشرف رأسه بتأكيد وهو يقول:
"تذكرته ...بالطبع أعرفه ...وكنت أعرف أبيه عندما كنت أعمل مع جدك وعمك بشركة العائلة ...لقد عملت مع أبيه لفترة قبل هجرته للخارج "
ليقاطع حديثهم صوت طرقات سبقت دخول تقى وهو تقول:
"عفوا سيد خالد ..السيد آسر حضر بالخارج بناء على موعده معك "
ليقوم أشرف قائلا:
"حسنا خالد بك ...سأتركك لتكمل عملك وأنتظركم يوم الخميس القادم ...ليمسك خالد يده مانعا إياه من التحرك وهو يقول:
"بل أبقى قليلا سيد أشرف فأنا احتاج لرأيك فيما جاء آسر من أجله ...اجعليه يدخل تقي وأحضري لنا القهوة وللسيد أشرف عصيرا طازجا ...فلا أظن القهوة جيدة له"
ليبتسم أشرف وهو يتجه معه ناحية المكتب قائلا:
"يا الهي يا رجل ...هل سأظل أتناول العصائر طوال حياتي ...لقد اشتقت للقهوة ...ألا يكفي زوجتي التي تحرمني منها بالمنزل ...هل أرسلت إليك تنبيها مسبقا أنت أيضا"
ليضحك خالد بينما يتخذ مجلسه خلف مكتبه وهو يرى دخول آسر بطلته الأنيقة المعتادة ليقفا للسلام عليه مرحبين به ..ليتبادل آسر وأشرف التحية قبل أن يجلس الجميع ويقول خالد بجدية موجها الحديث لأشرف:
"سيد أشرف لدي مشكلة جزء منها مهني وجزء أخلاقي ...تعرف أن المشروع السكني الذي نقوم بتنفيذه قد قابلته بعض العوائق ..ورغم أننا استطعنا بصعوبة التغلب عليها ..لكن الوضع ما زال حرجا لحد ما ...فنحن لم نتخط عنق الزجاجة تماما ... وقد قدم لي السيد آسر خطة مشروع يرغب بمشاركتنا به يخص المنطقة الشمالية من الأرض المجاورة للمشروع والتي كنت قد استقطعتها رافضا ضمها للمدينة لرغبتي بإقامة مشروع خدمي مجاني عليها يضم مسجد و مدرسة بها فصول للتقوية ومركز شباب ومشفى صغير ...قطعة الأرض التي كنت أنوي إقامة المشروع الخدمي عليها لم تدخل بالتصميم للمدينة السكنية رغم ملكيتي لها ومجاورتها للمدينة ..السيد آسر يرى أن نستغل تلك القطعة من الأرض وخاصة أن مساحتها كبيرة ونقيم عليها مشروع مول عملاق يضم ملاهي حديثة الطراز بها أماكن للتزلج وفروع لتوكيلات الماركات العالمية والمطاعم ومختلف عوامل الجذب وخاصة للطبقة العليا ...فكرته هذه ستخدم من ناحية الفندق الذي يخص السيد آسر لقربه من تلك المنطقة فسيعمل وجود هذا المول العملاق كحافز جذب إضافي لرواده كما سينفعنا نحن من ناحية أخري حيث سيخرجنا تماما من عنق الزجاجة ويحل لنا مشكلة السيولة تماما خاصة أنه بمجرد الإعلان والدعاية عنه ستتسابق الشركات والتوكيلات العالمية لشراء وتأجير فروع لها به وخاصة مع موقعه بجوار مدينة سكنية كبرى للنخبة ...المشروع من الناحية الاقتصادية والاستثمارية مربح جدا ويحل مشاكلي المادية ..لكن من ناحية أخرى أشعر بالضيق لأني هنا استبدل مشروعا سيقام لوجه الله وخدمة المحتاجين مقابلا للربح المادي ...دون أن استثني طبعا الرفض التام للأمر من قبل السيدة همس نائبتك بإدارة الجدوى رغم اعترافها بالجانب الربحي للمشروع لكنها ترفضه جملة وتفصيلا وتصر على الإبقاء على الخطة الأصلية له ...ما رأيك أنت ...وهنا لا أسألك عن رأيك فقط كاستشاري لإدارة الجدوى فقط فأنا أعرف أن الرأي الاقتصادي سيكون لصالح فكرة آسر ..لكن أسألك كاستشاري للمجموعة وكانسان أثق برأيه "
ليطرق أشرف رأسه قليلا بينما تطرق تقى الباب حاملة القهوة لتقدمها لهم ...فيشكرها خالد باسما بممازحة وهو يقول:
"شكرا يا عروس"
لتحمر خجل وترتبك حتى كادت تريق الأكواب التي اهتزت وهي تضعها لتتركها مغمغمة بينما تخرج مهرولة يتابعها الجميع بعيونهم باسمين قبل أن يسأل آسر مندهشا:
"لما ناديتها عروس وجعلتها ترتبك هكذا"
ليبتسم خالد مخبرا له بموضوع الخطبة فتزداد ابتسامة آسر ويهنئ أشرف وهو يمازحه:
"إذا هذا الغيور هو ابنك ..مبارك ..لقد شعرت بوجود شيء بينهما من أول مرة ..وخاصة مراقبته الدائمة لها "
لتنطلق ضحكات كلا من أشرف وخالد وهما ينظران لبعضهما قبل أن يقول أشرف بسخرية مازحة:
"يبدو أن أبني كان فاضحا لنفسه حتى عرف وشعر الجميع بما يجري معه إلا هو نفسه ...على كل حال يسعدني تشريفك حفل الخطبة سيكون بالمنزل يوم الخميس القادم العنوان لدى خالد بك"
ليرد آسر بمكر :
"وأنا سيسعدني الحضور"
ليتنحنح بعدها أشرف قائلا:
فيما يخص مشروع المنطقة الشمالية لدي رأي يمكن أن يكون حلا جيدا ...أرى أن ننفذ فكرة السيد آسر وفي نفس الوقت فكرتك الخدمية"
ليقطب كلاهما بدون فهم بينما يطل التساؤل من عينيهما فيضيف السيد أشرف:
"اسمعني جيدا سيد خالد ...موقع المشروع لن يكون ذا فائدة خدمية كبرى للمحتاجين ...فهو يقع بمنطقة بعيدة جدا عن التكدسات السكنية التي تحتاج للخدمات ..فالمنطقة معظم ساكنيها من النخبة الغير محتاجة بل والتي ترغب بالابتعاد عن رؤية الجانب الفقير والمحتاج من الحياة ...تصميمك على عمل المشروع بهذا المكان سيكون ضررا للجانبين فمن ناحية سيثير غوائل صدور الفقراء ويشعرهم بالنقص والعجز وهم يرون الفرق الكبير في المستوى بين من يحيون بالمكان وبينهم بظروفهم التي تجعلهم يحتاجون للخدمات المجانية ..كما أنهم أيضا سيعانون للوصول لهذا المكان البعيد ...وهناك أيضا قاطني المشروع ... سيشعروا أن الأمر اختراق لخصوصيتهم وسيكرهون تواجد الفقراء حولهم وهذا سيقلل من الإقبال على شراء الوحدات والفيلات به...لا أقول أن هذا صحيح أو أخلاقي ...لكني هنا أتحدث من ناحية واقعية واقتصادية بحتة ...نحن بصدد مشروع ربحي ...هدفنا تقديم خدمة عالية المستوى لطبقة معينة راغبة به وقادرة على دفع ثمنه مقابل اشتراطات معينة يجب أن نوفرها لهم ...ولا تنسى أن هذا المشروع نجاحه وربحيته هامة لاستقرار الوضع المالي للمجموعة التي يعمل بها آلاف الموظفين الذين يعيلون أسرهم ..فالأمر ليس به ما يشين بل نجاح المشروع هو ما يعول عليه موظفيك لضمان استقرار وظائفهم ....خاصة انك وضعت معظم ما تملك به وخاطرت بكل ما لديك من سيولة ...لكن على صعيد آخر هذا لا يعني أن تلغي فكرة العمل الخدمي .. خاصة وقد انتويت خيرا لوجه الله فلا يجب أن تتراجع عنه"
ازدادت الحيرة على وجه خالد وهو يسأله :
"حسنا كيف لا أتراجع وأنت تخبرني أني يجب أن أنفذ مشروع آسر وقطعة الأرض لا تكفي لكلاهما ..وأيضا أنت لا تحبذ إقامة المشروع هناك..وأنت تعرف أني لا أستطيع حاليا شراء قطعة أرض مماثلة بمكان آخر وإقامة إنشاءات المشروع عليها ...لا أمتلك سيولة كافية حاليا ...ولا أرغب في الوقت نفسه بتأخير هذا المشروع الخدمي أكثر ...فلا أحد يضمن موته من حياته "
ليبتسم أشرف وهو يقول بإعجاب لهذا الشاب أمامه:
"حفظك الله بني وأطال عمرك ....لا تقلق ..لدي حل يجمع بين فائدة الأمرين ...هناك قطعة أرض ممتازة بمنطقة شعبية يملكها زوج شقيقة زوجتي والد تقى سكرتيرتك ...كانت منزلا عائليا لكن أراد الله أن يسقط المنزل على رؤوس من فيه ليموتوا جميعا منذ بضع أعوام ...مسعد صهري يرغب بإقامة مشروع خدمي يكون بمثابة صدقة جارية لعائلته على تلك الأرض يمكن أن تتشاركا هو بالأرض وأنت بالإنشاءات ... ليس هذا فقط ..بل عندما ذهبت معه منذ عدة أيام لرؤيتها لأول مرة منذ فترة وجدنا البيت المجاور قد تمت إزالته وأصحابه راغبين ببيع الأرض بإمكانك شرائها وضم القطعتين للمشروع وبهذا ستكون المساحة مناسبة لتقيم مسجد صغير يعلوه مشفى ... ومدرسة يمكن استغلال ملعبها مساءا كمركز شباب، وسيكون هذا أكثر فائدة وأقل عناء ...صحيح سيكون الأمر مربكا ماليا بالبداية لكن الأمر يمكن تدبره عن طريق سرعة الإعلان عن إنشاء ألمول التجاري وعند بداية تدفق أموال الحجز للوحدات التجارية أدفع منها ثمن قطعة الأرض بإمكاني محادثة أصحاب الأرض ومماطلتهم قليلا بالدفع حتى تجمع المبلغ ...وأيضا لو حسبناها تجاريا أنت ستحتاج تدفق مالي دائم للإنفاق على مشروع كهذا ...سيحتاج ليس فقط أبنية وتأسيس لكن عاملين لهم أجور حتى لو تطوع البعض سيبقى الغالبية يحتاجون أجورا شهرية ...وخاصة المشفى الذي سيحتاج دعم مالي دائم ليعمل يكفي احتياجه لمستهلكات وأدوات دائمة وطاقم أطباء وممرضين وغيرهم ...لذا بإمكانك أن تجعل من أرباح ألمول بعد أن تغطي منه تكلفة الإنشاء وسعر الأرض كوديعة توضع بحساب خاص بالمشروع ويتم الإنفاق منها عليه وهكذا لن تكون استخدمت قطعة الأرض الشمالية لمصلحتك بما يثقل ضميرك بل لمصلحة مشروعك الخدمي الذي سيكون بمثابة ذكاه لمالك وصدقة لك بحياتك وبعد مماتك ..أطال الله عمرك بني ..مسعد أيضا بإمكانه أن يتولى إدارة المشروع وبالمجان .فهو قد قرر بعد عودته من الخارج التقاعد والعيش من مدخول مدخراته وبعض الاستثمارات التي يشارك بها ..لكنه في الوقت نفسه كان يحمل هم الشعور بالفراغ والملل ..وأظنه سيرحب بشدة بالأمر وخاصة أنه سيخدم به أهل منطقته القديمة وسيكون مشاركا فيه بنصف الأرض "
ليبتسم آسر بإعجاب وهو يهتف بمزاح:
"ها قد حل الأمر ..خالد ..ولا أظن زوجتك يمكن أن تعترض ...أحسنت سيد أشرف ...ليضيف بخبث ماكر:
"عقلية مثلك يجب أن لا تظل محبوسة بين مشاريع مجموعة الراشد فقط ..ما رأيك ألا تحب أن تنضم للعمل معي ...فمعي ستنطلق لحدود العالمية ..عقل مثلك سيفدني جدا بعملي"
ليهتف خالد بغيظ :
"آسر توقف عن محاولة سرقة موظفيني ...مرة زوجتي تحاول إقناعها أن تتركني وتعمل معك بحجة أن عملها معي سيجعل أي نجاح لها ينسب لي ..والآن السيد أشرف ..هل جئت لتخرب عملي يا رجل؟!! "
ليبتسم آسر وهو يقول له بمزاح وان حمل بعض الجدية:
خالد عزيزي ..لما الغضب ..إن الأمر مهني تماما ...أفصل مشاعرك عن عملك ..الم تخبرني ذلك سابقا ... بالإضافة أن رجل الأعمال الناجح يجب أن يحاول اقتناص الفرص الجيدة"
ليبتسم أشرف بمودة وهو يرد مقاطعا زمجرة خالد وهو يوجه حديثه لآسر:
"أشكرك على العرض سيد آسر .. واعتذر عنه ...أنا أصلا شبه متقاعد ..فقط أقوم ببعض الاستشارات للمجموعة من وقت لآخر وعند الاحتياج لي ...ليرفع يده مقاطعا آسر الذي هم بمقاطعته وهو يضيف ..ولن أعمل لأي مكان آخر لا بصورة دائمة أو مؤقتة ..ليس فقط لحالتي الصحية التي لا تحتمل الضغوط ...بل أيضا لأني انتمي لمجموعة الراشد فكرا وروحا"
ليبتسم خالد بسعادة وينظر لآسر بتشفي مازح وهو يسمعه يرد بتعجب :
"حقا لا أفهمكم ..زوجتك ترفض لأنها تنتمي لك ولمجموعتك رغم عرضي عليها فرصة يحلم بها من يفوقوها سنا وخبرة ..والسيد أشرف يرفض لأنه ينتمي لك وللمجموعة ..ما دخل الانتماءات بالعمل؟!! ...انتم لستم مهنيين مطلقا" ...لتتعالى ضحكات الرجلين وخالد يقول له هازئا:
"ولن تفهم أيها الأمريكي النشأة ..هناك في تركيبة عقولنا جين ينمو تحت شمس بلادنا يدعى الولاء والانتماء لن يعرفه أمثالك "
ليلتفت بمحبة لينظر لأشرف وهو يقول له شاكرا:
"أحسنت سيد أشرف اقتراحك هو الأفضل والأمثل ..أرجو أن تتولى أنت هذا الأمر بمجرد انتهاء حفل خطبة ياسر أريد البدء بالإجراءات دون إبطاء"
-----------------------

وقفت على باب هذا المقهى الفاخر قلبها يهدر وأنفاسها تتعالى بصخب ..بينما تأبى قدمها التقدم ...لقد كادت تتراجع عدة مرات وهي قادمة لتستدير بسيارتها عائدة ..فهي لا تدري حتى الآن كيف استجابت للضغوط عليها ووافقت على لقائه ...لما لم تكن قوية كأخيها مدحت الذي رفض الأمر بتاتا ورفض حتى مناقشته ...لما استسلمت هي ..هل لكلام سامح أم ضغوط زوجة خالها ..أم لمحاصرته هو لها باتصالاته وتتبعه لها بكل مكان وان كان من بعيد ..لكنها تلمحه في كل مكان تذهب إليه ..أم تراها بداخلها رغبة بالمعرفة حتى لو أنكرتها ...نكست رأسها وهي ما زالت مسمرة أمام الباب ذي الواجهة الزجاجية العاكسة ..غير قادرة على اتخاذ القرار والتحرك ..لا للداخل للقائه وسماع ما لديه ..ولا للخارج والإصرار على قطع كل الروابط ..لتبتسم بسخرية داخلية وهي تحدث نفسها ..أي روابط تلك ...لقد قُطعت منذ سبعة عشرة عاما ...ليخرجها من شرودها صوت خلفها يطالبها بالتحرك حتى يستطيع المرور ...لترفع رأسها وتغمغم باعتذار واهي دون أن تلتفت وهي تجبر قدمها على التحرك للدخول ..لتتوقف بعد مرورها من الباب تجول بعينيها بالمكان حتى لمحته على طاولة جانبية بعيدة متدارية بعض الشيء عن رواد المكان القليلين أصلا بهذا الوقت من النهار ...لتتحرك جانبيا لتتوارى خلف أحد الأعمدة التي أخفتها عن عينيه التي تطلع للباب كل بضع ثواني بينما ظلت هي تنظر إليه ..داخلها يموج بمشاعر عدة لا تكاد هي نفسها تحددها ...تشعر بغضب منه ..وبلهفة عليه...بكره وحب ..بشوق ورفض .....تشعر بمزيج متناقض من كل شيء ..يكاد عقلها يشتعل دون أن تستطيع تحديد ماهية مشاعرها يقينا... لتزفر مفكرة بأن ارتباكها ازداد لأن سامح لم يحادثها منذ يومين ...وهي اشتاقته ...وافتقدته بجنون ...لتغمض عينيها وهي تشعر بألم داخلي يجعل قلبها يتلوى بشعور مؤلم بالهجر ..لتجد يدها تتحرك لحقيبتها فتخرج هاتفها بينما عيناها ما زالت متعلقة بهذا الغافل عنها وهو يتطلع للباب بلهفة استشعرتها واضحة بحركاته المتوترة على بعد أمتار منها ..لينتفض قلبها وتسبل عينيها مع صوته الهاتف باسمها:
"ماهي؟!!"
لتسيل دموعها الحبيسة وهي تقول اسمه بتضرع :
"ساااامح"
ليصمت للحظة قبل أن يقول بصوت وصلها نبرة القلق به واضحة وهو يسألها:
"ماذا حدث؟!! ما بكِ؟!! " لتظل على صمتها فقط تنشج بصوت خفيض جعله يهتف بقلق:
"ماهي أجيبيني ..حسنا أين أنت؟ ...سأحضر إليك ..هل أنت بالعمل أم بالمنزل؟!!"
لتقول بتقطع لا ...أنا بمقهى****** سأقابله الآن ..أنا ..أراه.. أمامي... لكني ..غير ..قادرة ...على ..الذهاب ..إليه"
ليصمت سامح للحظة دون أن يسألها عن من تقصد ..فالأمر واضح ...قبل أن يقول بحزم:
"اذهبي إليه عزيزتي ..أنت خطوت الخطوة الأهم ..وأنت أقوى وأشجع من التخاذل والتراجع ..أسمعي ما لديه ..وأنا سأكون عندك بعد أقل من ساعة ..فقط مسافة الطريق .."
لترد بصوت مخنوق ..كطفلة خائفة تبحث عن الأمان بقربه:
"أنا خائفة سامح ..خائفة أن اكرهه أكثر بعد سماعي له ..وخائفة أن أسامحه وبداخلي رفض لهذا ..أيضا أمي غاضبة بجنون ...لقد أخبرتها أنه عاد ..وقد هددتني بأنها ستقاطعني إن علمت أني قابلته ..كانت ثائرة كما لم أراها قبلا وهى تخبرني أنه شخص سيئ وسيحاول أن يكذب علي ويلفق أسبابا لبعده حتى أسامحه ..لكني تركتها وخرجت ..لم اخبرها أني وافقت على رؤيته ..لكني أظنها تعرف ...نظرتها لي كانت غريبة ..مجروحة ..لائمة ..غاضبة ..لا أدري ..نظرتها مليئة بالكثير مما لم استطع تفسيره أو فهمه"
ابتلعت ريقها بصعوبة وهي تمسح دموعها بيدها بينما صوته يهدئها...و يقول لها أن تنتظره لحظات لتسمعه يحادث أحدا ما بجواره يخبره باضطراره للذهاب لأمر طارئ وان يهتم بمتابعة العمل حتى يعود ....ليأتيها بعدها صوت دراجته وهو يحاول تشغيلها بينما يعود لمحادثتها وهو يحسها على الذهاب لأبيها ..ويخبرها أنه بطريقه لها"
..فتغلق الهاتف دون كلمة وترفع نظرها لتلتقي عيناها بعيني أبيها!! ..لا تدري متى وكيف لمحها وتحرك ناحيتها ..لكنها وجدته واقفا أمامها بلا صوت ..فرفعت رأسها بمحاولة واهية للتمسك بتلابيب كبريائها وهي تتحرك متخطية إياه بخطوات حاولت بفشل جعلها واثقة لتجلس على المنضدة التي كان يشغلها دون صوت ..بينما حاول الجلوس بالمقعد المجاور لها لتردعه بنظرة رافضة ..فيتنهد بألم ويتحرك للمقعد المقابل لها ......ليظل الصمت سائدا للحظات لم يقطعه سوى صوت النادل سائلا عن ما يريدونه لتهز رأسها رفضا دون صوت ..فينظر له طالبا قهوة لنفسه ..ليقول ما أن ابتعد :
"شكرا لقبولك لقائي ..أعرف أن الأمر صعب عليك وأن .."
لتقاطعه بحدة وصوت مجروح:
"لو سمحت ..دون مقدمات طويلة ..لقد جئت فقط استجابة لضغوط خالتي سُمية ..وحتى أتخلص من إلحاحك الدائم علي بحجة رغبتك بالحديث معي ..لذا ..ها أنا هنا ..تحدث ..لن أقاطعك ..لكن لا تتوقع أن أيا كان ما ستقوله من الممكن أن يجعلني أغفر لك وأسامحك"
ليطرق برأسه هنيهة قبل أن يرفعها قائلا بسخرية مريرة:
"صدقيني ..ولا أنا أتوقع ذلك ..ربما آمل بداخلي ..أو أتمنى فقط وأطمع ببعض التفهم منك ...القليل فقط بما يكفي ليجعلك تسمحي لي بالتواجد بحياتك .. بأي كيفية تختاريها" ليتجاهل نظرتها الرافضة المجروحة وهو يغمض عينيه لحظة قبل أن يفتحها قائلا وهو ينظر لعينيها اللائمة :
"لكي تفهمي ما حدث يجب أن أبدأ من البداية "
ليشرد بالماضي وهو يقول:
"كنت شابا أعتبر نفسي من بين الأفضل...تخرجت بامتياز من كلية التجارة باللغة الانجليزية ..وحققت حلمي بالتعيين بالكلية ..فالعمل الأكاديمي كان حلمي وطموحي ..أنتمي لعائلة من أعرق العائلات المصرية وإن لم تكن الأغنى خاصة مع خسارة معظم أملاكنا لصالح الإصلاح الزراعي والتأميم إبان فترة ثورة عام 1952..لأولد أنا بعدها طفل وحيد لأسرة تحمل الدماء الملكية والعراقة والكثير من الألقاب والأصل الرفيع والقليل من المال ..الذي أحسن والدي استثماره فحافظ لنا على مستوى لائق جعلني أصبح شابا نسبه مرغوب من معظم العائلات ..فوضعي واسم عائلتي كانا كافيان مع امتلاكنا لفيلا فخمة بمنطقة راقية وبعض الأملاك التي استطعنا الإبقاء عليها ليضعني في مصاف الشباب المرغوب به ..ما جعلني اشعر بالغرور وأنا أرى تهافت بنات كبار العائلات ومحاولات الأمهات وتلميحاتهن للفت نظري لبناتهن في أي مناسبة " ليهز رأسه بسخرية داخلية من نفسه وهو يضيف بمرارة :
"نعم كنت مغرورا ...مجرد غر أحمق يرى نفسه الأفضل ويستحق الأفضل ... لذا عندما رأيت والدتك بأحد التجمعات بالنادي شعرت أنها من تناسبني وتستحقني ...كانت جميلة جدا ذات كبرياء كبير وغرور لدرجة العنجهية ظننتها وقتها ترفعا خلقيا ..ولأني ورغم كل شيء لم أكن شابا لعوبا أو عابثا ...فقد قررت أن أخطبها ... لأواجه برفض والدتي التي ما أن رأتها وحادثتها مرتين حتى أخبرتني أنها لا تصلح لي...قالت لي نصا ...بني أختر غيرها تلك الفتاة لا تليق بك ...رغم جمالها واصلها إلا أنها تخطت الغرور لدرجة الأنانية ولن تستريح معها ...لكني عارضتها وعارضت كل من قال لي عنها المثل وأصررت على خطبتها حتى رضخوا لي ...وخطبها والداي رغم عدم ميلهم للأمر وطرت سعادة بموافقتها رغم اشتراطاتها وعائلتها المُبالغ بها في متطلبات الحفل والشبكة والأثاث وكل شيء وهو ما كان يثير نقمة وغضب والداي خاصة أمي ... .. لكني كنت أراهم يظلموها ولا يفهمون أن ترفعها وغرورها هو كبرياء ورقي خلق وابتعاد عن الإسفاف والانحلال السائد في أوساطنا وأن من حقها أن تتدلل وتطلب ما تشاء .....كنت أطير فرحا لأنها وافقت علي مفضلة إياي عن كل من يحومون حولها طالبين ودها من شباب النادي ..وأبناء كبار العائلات .. لم أفهم أن والدتك كانت ترى نفسها فوق الجميع ..وكانت ترى في فرصة جيدة يمكن أن توصلها لما تريد ظنا منها أن وضعنا المالي أكبر مما هو في الحقيقة وأني قادر بحكم دراستي على أن أكون من كبار رجال الأعمال يوما ما وبهذا تكون استطاعت أن تحصل على المال والأصل والوسامة وفوقهم شاب يحبها ويمكنها أن تسيره كما تريد "
ليتوقف للحظات مرتشفا بعض من قهوته التي أصبحت باردة بعد أن وضعها النادل أمامه منذ دقائق دون أن يشعر به لشروده في ماضيه لينظر لها فيجدها منتبهة له بتركيز لا يخفي جمودها وتشنجها ...ليتنهد بعمق ويضع فنجانه ويكمل:
"تزوجنا بحفل مبهر كما أرادت ..وذهبنا لشهر عسل بأوربا دام لشهر كامل ملتهما الكثير من مدخرات أبي ...وعدنا للإقامة بالفيلا التي تعيشون بها حاليا فهي رفضت أن تقيم بشقة وأصرت إما على فيلا كبيرة وهو ما كان مستحيلا على إمكانياتي أو أن نظل بفيلا والداي بعد تجديد معظم أثاثها ... مخبرة إياي أنها لن تترك قصر عائلتها لمجرد شقة حقيرة أيا كانت مساحتها وموقعها ...وعشنا بالفيلا لتبدأ المشكلات بعدها ...فوالدتك كانت تغار من كل من يمتلك شيئا لا تمتلكه هي...فإن علمت أن هناك من صديقاتها من غيرت سيارتها بواحدة حديثة طلبت هي الأحدث ..وإن اشترت إحداهن قطعة مجوهرات طلبت ما يفوقها ... بالإضافة لكونها لم تكن تحترم جديك ...وتتجاوز بحقهم ... وزادت خلافاتها خاصة مع أمي وتفاقم الأمر وهي تطرد كل يوم أحد العاملين لدينا بسبب ودون سبب وتهينهم وتحتد عليهم ...وتعاملهم كعبيد ...لتبدأ غشاوة الانبهار بجمالها تزول عن عيني ..يوم بعد الآخر مع ازدياد حدة المشكلات بيننا وللأسف لم يردعها جدك ولا خالك مصطفى الذين لجأت إليهما مرارا ...بل كانوا غالبا ينصرونها رغم أفعالها...بينما خالك أمجد كان تأثيره عليها ضعيف رغم محاولته المتعددة معها لترتدع .....حتى تعبت وقررت الانفصال عنها لأكتشف في نفس اليوم الذي قررت الذهاب إليها فيه وإبلاغها برغبتي بالانفصال وكانت وقتها مقيمة لدى عائلتها في طقس متكرر لا ينتهي إلا بمحاولات صلح وهدية ثمينة مني .. وما أن بدأت التلميح برغبتي بالانفصال حتى فوجئت بها تخبرني بحملها ..لتلجم لساني وأقرر إعادتها لي محاولا معها إصلاح حياتنا لأجل الطفل القادم .. ليولد مدحت ويفرح به جديك بشدة لكنها فرحة لم تطل لأن جدك أصيب بجلطة بعد ولادته بعدة أسابيع أودت بحياته لتلحقه أمي بعدها بأشهر قليلة ... وتصر والدتك على أن أستغل ميراثي منهما بالأعمال الاستثمارية ..وأن أؤسس شركة لأنها ترغب أن يكون زوجها رجل أعمال ...لم تكن تهتم بمنصبي الأكاديمي ... ليضيف ببسمة ساخرة ...بل لم تسال أصلا عن وضعي حتى أنها لم تحضر مناقشة رسالتي الماجستير والدكتوراه كما تفعل كل الزوجات ...بل وكانت تسخر من طموحي العلمي معتبرة إياه تفاهة لا تدر مالا وأنني يجب أن أستغل ذكائي وقدراتي في مجال المال والأعمال لا الأبحاث التافهة حسب رؤيتها.....حاولت إفهامها أنني رغم كوني أكاديمي بارع في كلية التجارة لكني لا أملك موهبة وملكة العمل التجاري ..وأن الأمر يستلزم الكثير من المقومات والخبرة التي لا أملكها ...لكن بلا طائل وظللنا بمشاكل وخلافات حول الأمر لعدة أشهر وقتها كانت أمك حامل بك وعلمنا أن الجنين طفلة ...فطرت فرحا لأني كنت مشتاقا لابنة خاصة وأمك كانت تكاد تستحوذ على مدحت كاملا ومعظم الوقت تقضيه معه ببيت جدك ...وقتها هددتني إما أن أؤسس الشركة أو تقوم بإجهاض الحمل ..لأرضخ لها على مضض ..وأعترف أن جدك وعمك ساعداني بالبداية ودعماني بالسوق ...فنجحت بأول الأمر ..وبدأت الأمور تهدأ وتستقر لحد ما لفترة ...وخاصة بعد ولادتك"
ليرفع عيناه لها بنظرة تغيم حبا وألما وهو يضيف:
"كانت فرحتي بك كبيرة ..منذ أول لحظة تلقيتك بها على يدي من غرفة الولادة فضممتك لصدري واشتممت رائحتك حتى أسرتي قلبي وبعدها ببضع ساعات فتحت عينيك الساحرتين ونظرتي لي فقيدتي روحي ...صرت أميرتي الغالية ...كنت أحبك لدرجة الهوس ...لا أكاد أفارقك ...اشتقاقك إن غبت عنك ولو ساعتين ...ولا أكف عن تصويرك ليل نهار ... لدي لك مئات الصور لكل مرحلة بعمر طفولتك وعشرات شرائط الفيديو ..أول مرة ضحكتي أول مرة بدأت الزحف على ركبتيك ..ظهور أسنانك الأولى ...خطوتك الأولى ..أول أيامك بالمدرسة "
لتغيم عيناها في محاولة لكتم دموعها بينما تتذكر هي أيضا كيف كان يكثر من تصويرها ..وتدليلها ..لتقول بحشرجة وعيون مغمضة :
"فلما!! ...لما ابتعدت؟!!"
لينكس رأسه بألم وهو بقول :
"لأني رغم حبي الكبير لك ولأخيك ...رجل ...رجل له احتياجات عاطفية لم تقدمها له زوجته للأسف ...رغم كل صبري ومحاولتي معها ...ساء الأمر أكثر بعد وفاة جدك وعمك ...وانهيار شركاتهم والذي لحقت به شركتي مع الأسف ...فقد كنت أرتبط معهم بأعمال عدة ..ولم أستطع النجاة ..خاصة مع ضعف قدراتي وإمكانياتي بعالم الأعمال رغم كوني أكاديميا ناجحا من الطراز الأول حصلت على الدكتوراه بتفوق ونشرت على مدى الأعوام العديد من البحوث المميزة إلا أنني على أرض واقع الأعمال أعترف أني كنت فاشلا ..أنا أجيد النصح... أجيد الشرح ..وضع الخطط والنظريات ...لكن دون الجانب العملي والتطبيقي ...فهذا له من يجيده ولم أكن منهم ..وهذا الأمر زاد غضب أمك وجنونها ...خاصة بعد أن اضطررت لتخفيض الكثير من نفقاتنا ولم أعد أستطيع منحها ما تريد من مال ومواكبة طلباتها التي لا تنتهي" ..ليصمت للحظات متطلعا بعينيها بتردد ليضيف بخفوت ..بهذا الوقت صفيت كل أعمالي التجارية واكتفيت بعملي بالجامعة ... وقتها تم تعين موظفة جديدة كسكرتيرة للقسم ...وترقيتي كرئيس له بالإنابة رغم صغر سني وقتها لكني كنت الوحيد المؤهل للمنصب خاصة مع سفر كل من يسبقني للعمل بالخارج ..فالعمل بالخارج مربحا لنا ماديا بعكس العمل هنا وهو ما يدفع غالبية الأكاديميين للجوء إليه ..ليصمت للحظات يزدرد لعابه ويتناول كوب الماء كاملا قبل أن يكمل بخفوت .....وقتها ازداد اقترابي بحكم العمل من سامية ..كانت فتاة بسيطة ..في التاسعة والعشرين من عمرها ولم يسبق لها الزواج لأنها كانت تعمل لتعول شقيقها وشقيقتها الأصغر ووالدتها بعد وفاة والدها ... رفع عينين غائمتين بمشاعر قوية صدمتها بشدة وهي تراها بعينيه وهو يحكي لها بشرود كما لو كان فقد إحساسه بالزمان والمكان:
"لا أدري لما وجدت نفسي أراقبها عن كسب ..أتابع كل ما تقوم به ...لم تكن باهرة الجمال ..بل كانت عادية ..بسيطة في كل شيء ملابسها حديثها مستواها ...لكنها كانت تملك وجها بشوشا باسما على الدوام ...كانت تملك طاقة حب وحنان وتسامح ورقة لم أرها سابقا ...كنت استشعرها عندما أراها وهي تحدث أختها أو آخاها عندما يمرون عليها بالقسم فكلاهما كان طالبا بنفس الجامعة هو بالعام الأخير والفتاة بالعام الأول.. لكن بأقسام أخرى ... كنت أسمعها بحديثها الهاتفي المتكرر مع أمها لتطمئن عليها وتتأكد من أخذها لدوائها ... وشيئا فشيئا وجدتني أتعلق بها ..ليرفع لها عينين متألمتين وهو يقول مبررا :
"أقسم لك أني لم أتعمد الأمر ...بل لم أعرف كيف حدث ...لقد حاولت تجاهله ..الهروب منه .. حاولت أن أقنع نفسي أن الأمر مجرد إعجاب بها ..أو شفقة على ظروفها ...لكني قلبي كان يتعلق بها أكثر رغما عني ... حاولت التحصن بأمك ...لجأت إليها ..حاولت الاقتراب ..أقسم لك حاولت مرة... ومرة ...ومرات ..حتى أني حاولت الرضوخ لها لترضى فقمت بكسر الوديعة التي كنت قد وضعت بها المتبقي من ميراثي وأحضرت لها ما تريده ..أخذتها لرحلة للخارج ..غيرت سيارتها ..أحضرت لها المزيد من المجوهرات ...لكن كل هذا كان بلا طائل ..كانت تزداد تطلبا ...تزداد برودا وتكبرا وابتعادا ..لا تكف عن التذمر ..عن التطلع لما عند الآخرين ..عن الشجار ..حتى تعبت ..تعبت ..فضعفت ..واستسلمت لكون الأمر بيننا منتهي ..ما بيننا ميت لا يمكن إحيائه مهما وضعته على طاولة الإنعاش ..فلا فائدة ..ورغم ذلك ظللت أقاوم مشاعري ناحية سامية بلا فائدة ...كان قد مر ما يزيد على عامين على معرفتي بمشاعري ناحيتها ..تخرج شقيقها بها والتحق بالعمل بإحدى الشركات بتوصية مني ..فصاحبها كان أحد معارفي عن طريق خالك وجدك ..وهذا كان خطئي الأول .. بعدها استسلمت لمشاعري ...لاحتياجي للحب والحنان استسلمت لمشاعر ..حب سكنت قلبي رغما عني ورأيت صداها بعينيها الخجولتين رغم عدم بوح أحدنا بكلمة .. استسلمت لحنان كانت تبثه لي بنظراتها فأتلقفه بعطش أرض أضناها الجفاف ..واحتياج رجل اشتاق للحنان والاحتواء..كنت أسعد ..باهتمامها بسؤالها عن أحوالي وعنك وعن أخيك ..لأجد نفسي بيوم أطلبها للزواج ...فترفض بشدة قائلة أنها ليست سارقة رجال أو هادمة بيوت ..كنت أعرف أنها تحبني ..حاولت إفهامها وضعي ..لكنها أصرت على الرفض ..لأقع بخطئي الثاني والأكبر ...ذهبت لأمك وأخبرتها أني سأطلقها لأني لم أعد أحتمل ..وأن من حقي أن أعيش بجوار امرأة تمنحني ما فقدته معها ...لنتشاجر بقوة وهي تتهمني بخيانتها لأقع بلساني وسط الشجار معترفا لها بحبي لسامية ...لتفتح وقتها علي وعليها أبواب الجحيم"
لينظر لها بألم متأملا ملامحها المشدودة ويقول باعتذار :
"سامحيني صغيرتي ..لم أكن أحب أن أقول ذلك وأشوه صورة أمك ..لكن ..ليصمت للحظات ثم يضيف بصوت متحشرج
"دون الدخول بتفاصيل مهينة ومشينة ..يكفي أن تعرفي أن والدتك استطاعت شحذ كل معارفها ونفوذها ..لتدمير حياة سامية وأسرتها ...لفقت تهمة لأخيها بالاختلاس ..وتسببت بطردها من الجامعة ..استطاعت أن تدفع شابا مستهترا للتلاعب بشقيقتها وتصويرها وهو يحتضنها ويقبلها وابتزازها بالصور... وتهديدها أيضا بأن تسلط عليها من يغتصبها ويصورها وينشر صورها على الملأ ..لتأمرها بالابتعاد والاختفاء تماما مقابل خروج شقيقها من السجن وتبرئته من تهمة الاختلاس .. على أن تظل محتفظة بصور شقيقتها كوسيلة ضغط .. لأذهب ذات يوم للجامعة لأجدها قدمت استقالتها مستغلة غيابي لعدة أيام ...كنت فيها أنت مريضة وقد لازمتك ..أتذكرين دور الحمى الذي أصابك قبل سفري بعدة أشهر" ..لتهز رأسها إيجابا وهي تتذكر مرضها وملازمته الدائمة لها....
ليضيف هو "عندما علمت باستقالتها جن جنوني وخاصة أني لم أكن أعرف شيئا عن ما فعلته والدتك ...ولم أفهم سبب لفعلتها... وأيضا أقلقني اختفاء أخيها وسحب أوراق أختها من الجامعة ...لأستخرج عنوانها من الملفات المحفوظة وأذهب لمحل سكنها ..فأعلم أن والدتها أصيبت بجلطة ونقلت للمشفى ..أخذت العنوان من الجيران وذهبت إليها لأصل في نفس اللحظة التي يبلغهم بها الطبيب بوفاة والدتها ...لتواجهني بغضب طالبة مني الابتعاد عنها لتخبرني وصت انهيارها بما فعلته أمك ..وأنها السبب بموت أمها التي لم تحتمل القبض على أخيها لتنهار بعدها بالبكاء ..لأثور بجنون مخبرا إياها بأني لن اسكت وسأحضر لها حقها ...لا أدري إن كانت قد استمعت لي أو لا ...لكني وجدت شقيقها الذي خرج قبل أيام من السجن بعد أن نفذت لأمك أمرها بالاستقالة... يقترب مني وهو يطلب مني الابتعاد عنهم فيكفيهم ما نالهم منا "
تركتهم هناك وتوجهت لأقرب مأذون وقمت بتطليق أمك ...وعدت للمنزل ...كنت وقتها بانتظاري بالحديقة ..تسأليني عن سبب تأخري ..وتلوميني لعدم إحضار العروسة التي طلبتها مني ..وقتها أنت فقط من الجم غضبي المستعر ..عندما احتضنتك شعرت بأني يجب أن أتصرف بحكمة ...فمن فعلت ذلك يمكن أن تفعل أي شيء آخر ...لكني أيضا كنت غبيا ...فما أن أبلغتها أني طلقتها ..ورغم أني أخبرتها أني سأترك لها الفيلا وسأعطيها كامل حقوقها ..وأيضا سأقوم بالإنفاق عليكما ... ولا أريد سوى أن أظل بجواركم .. وأن لها الخيار إما أن تترككم معي إن أرادت ..أو تبقيان معها على أن تسمح لكم بالإقامة لدي بإجازة نهاية الأسبوع والعطلات المدرسية لكن ما لم أتوقعه هو ثورة جنونها وهي تهددني إما أن أردها لعصمتي وأنسى تماما تلك القمامة كما كانت تدعو سامية ...أو أنها لن تكتفي بحرماني منكما ...بل ستدمرني تماما وتدمرها وتدمر صورتي لديكما "
ليبتسم ساخرا بألم وهو يقول بمرارة تقطر من حروفه:
"أتعرفين ما المؤلم والساخر بالوقت نفسه ..أنها لم تكن تردني غيرة علي ..ولا اهتماما بي أو بكم ولا رغبة بالإبقاء على أسرتنا ...لقد صرختها بوجهي ..لن أسمح لك بتركي لتسخر مني السيدات بالنادي وأصبح سخرية فتيات ونساء العائلة ...لن اسمح لك بإهانتي ليقال أن رقية الراوي قامت فتاة حقيرة نكرة بسرقة زوجها منها...وقتها غضبت وثرت بجنون ..وأخبرتها أني لن أعيدها مهما حدث ..وأني لن أسمح لها بحرماني منكما ..أو بالاقتراب من سامية ...لتبدأ الحرب بيننا ...حرب غير متكافئة حيث يستخدم أحد أطرافها طرقا غير مشروعة لا يستطيع الطرف الآخر مجاراتها بها ...لينتهي الأمر باختفاء سامية دون أن أستطيع الوصول إليها أو معرفة ما حل بها ..خاصة بعد أن انتشرت صور شقيقتها مع الشاب بحيهم وبالجامعة وبكل مكان ...لأدور لأشهر كمجنون أبحث عنهم بلا فائدة ...ليتزامن الأمر مع منع أمكم لي من رؤيتكم ..وتعينيها حراس أمن على باب الفيلا لمنعي من الدخول ..بل وصل الأمر بها للسفر بكم لشهر كامل لم استطع به الوصول إليكم أو معرفة مكانكم لالتجئ للقضاء وتبدأ دوامة التقاضي بيننا ..لأقع بليلة سوداء بخطأ ثالث كان الخطأ القاتل ..كانت ليلة عيد مولدك ..وكنت سأجن اشياقا لكِ وقلقا عليك وأنا لا أعرف طريقك ..كنت أدور كالمجنون حول الفيلا المظلمة الخالية منكم وبين بيت أخيها أمجد ..الذي كان رغم تعاطفه وزوجته معي غير قادرين على مساعدتي فأمك أخفت مكانها حتى عنهما"
لتتذكر ماهي تلك الفترة ..كان عيد ميلادها الأول الذي لم يحضره ..كانوا يقيمون وقتها بإحدى المدن الساحلية وأخبرتها أمها أن أباها سافر ..وأنه لم يعد يهتم بها ..ولم يعد يحبها ..وأنه لابد نسي عيد ميلادها ...لكنها ثارت وغضبت ورفضت ..وأخذت تصرخ مطالبة بالعودة لمنزلهم.. مصرة على أن أباها سيكون بانتظارها هناك يحضر لها حفلها ...ليعودوا بعدها بعدة أيام ...لكنها لم تجد أبيها ..ولم يعد ...ولم يأتي لها ...لتنظر لها أمها بتشفي وهي تذكرها أنها أخبرتها أنه نسيها ...كرهها وكرههم ...سافر هاجرا إياهم
لتنظر له هامسة بألم .".لم لم تأتي ..لم لم تعد "
لينظر لها بألم مماثل وهو يقول بخزي ..لأني حققت لأمك دون أن أدري ما أرادته ..منحتها بيدي السلاح الذي قتلتني به" لتسأل بتوجس وقلبها يخبرها أن القادم أسوء: " كيف"
كانت تنظر لوجهه المنكس بخزي فلم تنتبه لمن دخل المقهى بلهفة قلقة وهو يبحث بعينيه عنها حتى رآها ليقترب منهما دون أن ينبههما لوجوده ...بل أكتفى بالجلوس قريبا منهما لكن ليس لدرجة الاستماع لما يقولون ...معطيا لهما الحق بالخصوصية وبالاحتفاظ بإسرارهما طالما لم يسمحا له بمعرفتها ...فلن يحق له التجسس عليها حتى لو كانت زوجته ...لكنه سيبقى قريبا منها ليكون بجوارها إن أرادته، و ليسندها إن احتاجته ......ومن ملامحها المنهكة شعر أنها ستحتاجه ...

ظل منكسا رأسه هاربا من عينيها لدقائق عدة وهي صامتة منتظرة ما سيقوله حتى عاد للحديث بصوت مقهور :
"جاءني خبر عبر صديق لي أن سامية تزوجت من رجل من بلدة أبيها وتعيش معه ومع إخوتها بإحدى قرى الوجه البحري ...لم أكن واثقا من صحة الخبر ..لكن الضغوط يومها جعلتني استسلم لضغط هذا الصديق ..أو فالنقل الشيطان الذي تلبس ثوب الصديق ..والذي لم أتخيل للحظة أنه مدفوع من قبل والدتك التي تلاعبت به وأقنعته أن يساعدها بحجة إبعادي عن فتاة طامعة تسببت بهدم بيتها ..وأيضا حتى يمكن أن تمسك ما تضغط به علي لإعادتي لصوابي ... ليضيف ساخرا من نفسه ...هذا ما أخبرني به بنفسه عندما قابلته بعدها بعدة أعوام هنالك بالغربة ..عندما فقدت أعصابي وضربته سائلا عن سبب ما فعله بي ...رغم أني أظن أنه كان له أغراض أخرى ...لكني لست واثقا ...ربما كان غيورا مني ...أو ربما طامعا بأمك وظن مساعدته لها ستفتح له الطريق ...حقا لا أعلم .."
لتعيد سؤالها وهي تراه يتهرب:
"ماذا حدث؟!!" ليقول بعد لحظة من التردد:
"ذهبت معه لأحد الملاهي الليلية ...استسلمت لضغطه وضعفي وألمي وشربت الخمر ..لأستيقظ صباحا لأجدني"
...ليتوقف للحظات قبل أن يقول بخفوت وخزي وهو يهرب بعينيه بعيدا عنها ..لأجدني بشقة حقيرة وبجواري امرأة عارية"
لتدفعه شهقتها للنظر لوجهها للحظة قبل يعود للهرب بعينيه من ملامحها المصدومة وهو يضيف بمزيد من الخزي والتبرير:
"أقسم بالله أني لا أذكر شيئا مما حدث ...ولا أعرف كيف حدث الأمر..بل لا أعرف إن كان حدث شيئا من الأصل ...فما أن أفقت صباحا بصداع يحطم رأسي وانتبهت للمكان الغريب حتى قمت كالملسوع أبحث عن ملابسي لأجد تلك ال....ليصمت مستغفرا قبل أن يضيف ...تلك المرأة تنظر لي بوقاحة وتطلق ضحكات ماجنة وأنا أسالها عن ما حدث وكيف جئت لهنا ...لتجبني بسخرية ووقاحة أني جئت معها برغبتي مدعية أني أقمت معها علاقة ...لكني لم أصدقها ... ..لا يمكن أن أفعل ذلك ..أو على الأقل هذا ما كنت أظنه حتى فوجئت ما أن عدت للشقة الصغيرة التي كنت أقطن بها وقتها بأمك بانتظاري أمام بابها ..لأجن صارخا وأنا اسألها عنك وعن أخيك لتضحك بشماتة وهي تخبرني أني لن أراكما ثانية ..إلا أن نفذت لها كل ما تريد ...وأولهم أن أعيدها لعصمتي ..وأسجل الفيلا باسمها ...وأقبل بالعودة لعالم الأعمال ...حيث ستمولني هي بميراثها من أبيها بشرط طبعا أن يكون كل شيء باسمها ..لأضحك ساخرا ..ورافضا كل ما تقوله ...لتعايرني باني ضعيف ..ومن كنت أرغب بالزواج منها تركتني بعد أن فشلت بحمايتها ..والأفضل أن أعود لها وإلا ستكمل تدميري ...لتخرج من حقيبتها صورا لي ...صورا ما أن رأيتها حتى فقدت قدرتي على التماسك وأنا اهرع للحمام مفرغا كل ما بمعدتي ..كنت أنا... ولست أنا ...صورا لي بأوضاع ماجنة وأنا بالملهى الليلي اشرب الخمر وأتمايل راقصا وسط ال****** ..وأخرى لي ..... عاريا بأوضاع مخلة مع تلك المرأة التي رأيتها صباحا ... أخذت اصرخ بهستريا وأنا اقطع الصور نافيا الأمر ...مدعيا أنها ليست حقيقية ..وأنها لابد تلاعبت بها ...لتضحك ساخرة بشماتة وهي تخبرني أنها حقيقية مئة بالمائة ..فأنكر بتصميم أكبر ...فحتى لو كنت سكرانا يستحيل أن أنسى تماما كل ما حدث ...لتقول لي بتبجح ..أن الأمر ممكن عندما يخلط الخمر ببعض الحبوب المخدرة ..والتي أضافها من اعتقدته صديقي لشرابي دون أن أشعر ...لتهددني أنها ستفضحني بالصور بكل مكان وستفصلني من عملي وأنها بهم ستحرمني رؤيتكم للأبد فلا يوجد قاضي سيمنح لسكير عربيد الحق برؤية أطفاله ..أما الطامة الكبرى التي أفقدتني كل تعقل هي تهديديها لي بأن تجعلك أنت ومدحت تشاهدون تلك الصور ... وقتها كدت أقتلها ..هجمت عليها راغبا الفتك بها لتصرخ مستغيثة فيتجمع الجيران وتصر هي على طلب الشرطة وتتهمني هناك بمحاولة قتلها " ليتنهد بانكسار وهو يكمل بزفرة ألم:
"ظللت لأيام بالحجز علمت فيها أنها قد قامت بإرسال نسخة من الصور لعميد الجامعة ...ليزرني بالحجز أحد زملائي مبلغا إياي أن الرجل إكراما لخاطر أبي الذي كان صديقا له ...ومراعاة للعشرة بيننا سيكتفي بقبول استقالتي فورا ودون فضائح وتحقيقات مراعاة لي وحتى لا يتم تدمير مستقبلي كليا ..والأفضل بعد أن اخرج أن أسافر للعمل بالخارج ...بعيدا عن أي فضائح حدثت هنا ..كما أنه أفضل لي ماديا.....حاولت إخباره أن الأمر ملفق ...لكن كان من الواضح أن الأمر منتهي والاستقالة هي الحل الأسلم والأقل ضررا ...لأكتبها وأوقعها وأرسلها معه ....بقيت بعدها بالحجز لعدة أيام أخرى حتى تدخل خالك أمجد ومحامي وبعض الأقارب ... ليتم تخيري بين أمرين أصرت أمك على أحدهما دون أي تنازل رغم كل محاولات خالك والبقية... إما العودة لها بشروطها كافة ..أو أن اختفى تماما من حياتكما ...دون أن يحق لي رؤيتكما طوال حياتي ..وتقتصر علاقتي معكم على إرسال المال فقط ..وانه في اللحظة التي سأخل بها بشرطها ستظهر الصور التي معها وتفضحني بها بكل مكان وأولهم لديكما"
...ليرفع عينين مليئتين بالخزي والندم والألم وهو يقول لها بانكسار
سامحيني ماهي ..اغفري لي أميرتي ...لم أستطع رغم عشقي لك وحبي لأخيك أن أرضخ وأعود لها ...لم أطيق أو أحتمل ..خشيت أن أفقد أعصابي بلحظة ما وأقتلها ..وصدقيني كنت قريبا من الأمر لعدة مرات ...لدرجة جعلتني أقرر السفر والعمل بالخارج ...خاصة بعد فشل كل مساعي ومساعي كل من اعرف في تليين عقلها والسماح لي برؤيتكم ..وكان القانون خيارا خاسرا بما تملكه ضدي من صور ..لأستسلم لضعفي وأفضل الابتعاد بعد عدة أشهر فشلت فيها بالتواصل معكما ورؤيتكما...ليكون كل ما يربطني بكم صورا ترسل لي من معارفي وأصدقائي ، وخالك وزوجته ..والتي استمرت بإرسالها وإمدادي بإخباركم حتى بعد وفاته ..وأموال أرسلها مع خطابات وهدايا كنت واثقا أنها لن توصلها لكم ...لكني لم أكف عن إرسالها آملا أن تعرفوا يوما أني لم أتخلى عنكم رغم كل ما حدث "
ليحدق بعينيها وعينيه مغرورقة بالدمع وهو يقول بتوسل "أرجوك أميرتي أمنحيني فرصة ....أعرف أنني كنت جبانا... ضعيفا ...أعرف أنني ربما لم أحارب بما يكفي واستسلمت ...لكني لم أنسكما يوما .. دوما كنت أتتبع أخباركما عن طريق كل من أعرفه ...كنت أجعلهم يرسلون لي صوركما على الدوام ..خاصة أنت ..لدي البومات لك في كل الأوقات ...كنت أحاول بها تصبير نفسي .. تهدئة قلبي المشتاق لأميرتي ..حتى تعب القلب ..وضعف ..فانهار منذ عدة أشهر وكاد يستسلم ..لكني قاومت ...قاومت راغبا أن أعود لك ..لأطلب غفرانك ..لأنظر لوجهك الذي اشتقته فصورك لا تكفي لتمنحني دفئ الشعور بك ..فهل يحق لي أن أحلم أن تسمحي لي يوما بالعودة لضمك كما كنت أفعل سابقا .. ضمة أشتم بها رائحتك ..هل ستقبلي أن تجعليني أسمع صوتك وهو يناديني أبي ...ليتهدج صوته وهو يكمل .... أرجوك أميرتي... ناديني أبي كما أعتدت سابقا ...لقد اشتقت لها من بين شفتيك ...صدقيني لو مت بعدها فلن أهتم.. فقط ليكون حضنك ورائحتك وصوتك بكلمة أبي آخر ما أستشعره بتلك الدنيا"
لتنظر له بألم ودموعها تسيل ...تشعر بضعف واضطراب ..تشعر بتيه وفقدان قدرة على التفكير ...كلها يختض من الداخل والخارج ...لتقف ببطء ووهن فيقف أمامها ناظرا لها بألم وتوسل لتقول بصوت مختنق:
"أريد ....أن.... أغادر"
ليلتف حول المنضدة محاولا لمسها فتنكمش ضامة جسدها بيديها وهى تبتعد خطوة لتقول باهتزاز:
"لا"
فينكس يديه بألم وخذلان وينطفئ بعينيه ضوء الأمل أن يحصل يوما على الغفران ...ليفاجأ كلاهما بمن يقف خلفها يضم جسدها لجذعه لافا ذراعه حول كتفها وهو يقول :
"هيا حبيبتي ...سأخرجك من هنا"...لترفع عينيها لسامح بتيه فيشدها له أكثر وهو يستشعر عدم ثباتها ليسندها بقوة وحنان موجها لها للخارج ...تاركا ورائه رجلا سقط جالسا بألم على مقعده دافنا رأسه بين يديه مخفيا دموعه عن من حوله .. ولسان حاله يردد أنها قد خسر كل معاركه ...ولن ينال يوما غفران أميرته
----------------------


 
 

 

عرض البوم صور سيمراء   رد مع اقتباس
قديم 07-10-18, 09:26 PM   المشاركة رقم: 32
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Feb 2009
العضوية: 121032
المشاركات: 242
الجنس أنثى
معدل التقييم: سيمراء عضو على طريق الابداعسيمراء عضو على طريق الابداعسيمراء عضو على طريق الابداعسيمراء عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 331

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
سيمراء غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : سيمراء المنتدى : رومانسيات عربية
افتراضي رد: رواية ، خلف أقنعة الذكريات ،الجزء الثاني من سلسلة خلف الأقنعة ،بقلم رغيدا المصرية

 

الفصل الأخــيـــر

تجلس بهدوء تراقب الجميع بابتسامة خارجية... بينما داخلها يموج بالعديد من المشاعر المتضاربة ما بين حب وغيرة ......نعم تغار من تلك الحميمية والترابط الذي تراه بينهم المشاكسات المازحة بين سامح خطيبها وأخوته همس وأكرم فتملأ الجو صخبا ويظهر قوة حبهم وترابطهم معا ..... حنان وابتسامة حمواها لأبنائهم ولبعضهما فقد لمحت حماها الحاج محمد يداعب حماتها السيدة زينب الباكية حزنا على سفر ابنها أكرم غدا ..فيربت على كتفها بحنان وهو يهمس لها بشيء بأذنها جعلها تبتسم بخجل وتنظر له بعتب وهي تضرب كتفه بمزاح لا يخلو من احترام ..فتأخذها الذكريات رغما عنها لطفولتها لتتذكر حياتها الجافة مع والدين لا يكادان يتحدثان معا ..وإن فعلاها فللشجار ...تتذكر استهانة والدتها الدائمة بأبيها وانتقاصها منه أمامه ومن خلفه ..تتذكر علاقتها الجافة والمتباعدة في صغرها مع مدحت ...فيلتمع الدمع بعينيها لتغمضها بسرعة وهي تنكس رأسها وينسدل شعرها حول وجهها حتى لا يلمحها أحد ...لحظات وشعرت بجلوس أحدهم بجوارها ...لتعرفه قبل أن يأتيها صوته هامسا بجوار أذنها:
"ماذا يحزن حبيبتي؟! ..ولماذا تجلسين وحيدة ولا تشاركينا الحديث"
فترد بخفوت وهي تنظر لسامح بحب التمع مع الدمع بمقلتيها:
"أردت أن اترك لكم الفرصة معا ...لابد أنكم ستشتاقون لتجمعكم الأسري بعد سفر أكرم ..فلم أشأ أن أفرض وجودي عليكم ..خاصة أن الجميع غادر بعد السلام على أكرم ..ريهام وزوجها ...وخالد ذهب لإيصال زوجة خالي وترك همس للمبيت معكم ..حتى خطيبة أكرم نزلت لأخوتها ...لم يبقى إلا أنا الغريبة بينكم ..ولا أدري لما لم تتركني أذهب وأصررت على أن أبقى معكم ...لابد أنكم ترغبون بالبقاء معا دون دخلاء"
لينظر لها سامح عاتبا وهو يقول باستنكار غاضب من بين أسنانه المطبقة:
"يا الهي ...متى ستفهمين وتقتنعين أنك لم تعودي غريبة ... بل أصبحت جزء من عائلتنا ...لست دخيلة ..أنت منا ..أنت زوجتي ..وأيضا خالد وهند ...ولولا أن زوجة خالك كانت مرهقة وأرادت العودة للراحة لبقى خالد ليكمل سهرته معنا ..حتى ريهام وأحمد لولا اضطرارهما للعودة لأجل التوأم وخاصة والصغيرة مصابة بنزلة برد منعتهما من إحضارهما وخاصة أن حمواها برحلة استجمام ولا يوجد معهما سوى الخدم والمربية مما جعلهما لا يستطيعان السهر معنا ..وهند نزلت للاطمئنان على إخوتها وستصعد ثانية لإكمال السهرة معنا ..نحن عااااائلة وأنت جزء منها ...افهمي الأمر وادخليه برأسك وتعاملي على أساسه ..كفي عن عزل نفسك عنا ..فالأمر يضايقني "
ليقف محاولا الابتعاد فتمسك كفه بسرعة ..وهي تقول باسترضاء آسف:
"لا تغضب سامح ..أرجوك ..أنا لم أقصد ...فقط ..فقط "
ليزفر سامح بعمق ..قبل أن يسحب يده قائلا بهدوء لا يعكس ضيقه الداخلي ..سأذهب لأتوضأ لأننا سننزل لصلاة العشاء ...اجلسي مع أمي وهمس حتى أعود ..وإن أردت الذهاب فسأقوم بإيصالك ...لقد أحضرتك وسأعيدك بنفسي ...ليلتفت مغادرا إياها تاركا لها غارقة في شعور متضارب من الألم والحيرة ...هي تشعر أنها تسيء لسامح دون قصد ...لكنها لا تتعمد إبعاد نفسها عنه وعن عائلته ...بل هي سعيدة أنها جزء من تلك العائلة الرائعة ..عائلة تمنت شبيهتها طوال حياتها ...لكنها في الوقت نفسه غير قادرة على محو شعورها الداخلي بالنقص ..بالضعف ...بصعوبة القدرة على التواصل ...تشعر أنها غير قادرة على أن تكون مثلهم ...تندمج معهم بسهولة ...رغم أنهم يحسنون معاملتها لكن ما زال لديها شعور بالتوجس وبأنها لا تستطيع جعلهم يحبوها ويألفوها كما ينبغي ...تشعر أن حماتها تتعامل معها ببعض التكلف والرسمية أحيانا..وخاصة وهي تراها تعامل هند ببساطة وتلقائية أكثر منها ..ولا تدري إن كان هذا ناتجا عن كون هند تربت معهم ..أم أنها هواجسها فقط أم ترى أن العيب بها ...هل هناك نقص بها يجعل الناس لا تحبها أو تقترب منها ببساطة"
ليقاطع أفكارها صوت همس وهي تهتف بجوارها بينما تحرك كف يدها مفرودا أمام عينيها صعودا وهبوطا وهي تقول بصخبها المحبب:
"هااا يا فتاة ..أين ذهبت ...أنا أناديك من فترة ... هل أطار أخي عقلك فأصبحت تهيمين به في حضرته وغيابه فعينيك معلقة بالباب منذ أن خرج " لتبتسم ماهي محاولة مجاراتها بالمزاح وهي تقول:
"شقيقك يطير العقل والقلب ..فلما لا أهيم به ..ألا تهتمين أنت أيضا بخالد ..فأنت تلتصقي به طوال وجوده بالمكان ....وعينيك تكاد تخرج قلوبا وهي تتابعه "
لتضحك همس وهي تصفق بجزل مجيبة :
"لقد أصبحت وقحة يا فتاة ..يبدو أن أخي قد بهت عليك "
ليقاطعهم صوت حماتها الهاتف من المطبخ مناديا همس لمساعدتها ..فتقوم ماهي معها مصرة على معاونتها لتبتسم حماتها رافضة بالبداية لتناولها بعد إصرارها مكنسة تقليدية بيد خشبية طويلة ومعها جاروف وتطلب منها كنس الصالة قبل عودة الرجال وحضور المزيد من الضيوف ...لتأخذهم منها تاركة كلاهما بالمطبخ وهي تشعر بمزيج من السعادة والارتباك ...سعادة لشعورها أن حماتها تقبلتها وعاملتها كهمس وطلبت منها المعاونة ...وارتباك وهي لا تعرف كيف تستخدم تلك المكنسة ...فهي لم تستخدمها قبلا ...ومعلومتها بالكنس منحصر برؤية المكنسة الكهربائية التي تستخدمها الخادمات لديهم أثناء توصيلهم إياها بالكهرباء..لكنها تحركت محاولة التصرف بحدثها .........
ابتسم بسخرية ما أن رآها تحاول الكنس وهي غير منتبهة له فظهرها كان للباب الذي فتحه وأغلقه بهدوء ، لقد عاد مسرعا من الصلاة بعد أن ترك والده وأكرم الذين استوقفهما الأستاذ مصطفى والشيخ مرسي ليخبراهم عن آخر تطورات قضية نبيلة ..وأيضا ليهرب من توافد الكثير من رجال الحارة للسلام على أكرم بعد انتشار خبر سفره غدا ...ليسارع هو بالعودة لحبيبته التي يقلقه حالتها الحزينة والمتباعدة منذ فترة والتي زادت منذ أسبوعين بعد لقائها بأبيها ... يومها أخذها وهي منهارة لتطلب منه إيصالها لبيت خالها ..وما أن أوصلها حتى نظرت له بعيون دامعة أوجعت قلبه وهي تطلب منه أن ينتظرها قليلا ولا يدخل معها :
"لتدخل لنصف ساعة تقريبا وتخرج بعدها بحالة أكثر تيها وانهيارا ...تلحقها السيدة سُمية بعيون دامعة قلقة ...ليشعر بارتياح السيدة ما أن رأته بانتظارها ...لتطلب منه ماهي بعدها بصوت تخنقه بحة الألم والبكاء أن يوصلها للمشفى حيث أخيها ...ليشغل دراجته وينطلق وهي تجلس خلفه متمسكة به بقوة ...يشعر بدموعها تبلل ظهر قميصه فيضغط كفيه على مقابض الدراجة النارية ... ينقبض قلبه ألما وهو يشعر بنشيجها الذي تكتمه بظهره ...ليتوقف أمام المشفى ناظرا لها بأمل أن تخبره شيئا دون أن يضغط عليها أو يطالبها بإفشاء أسرار عائلتهم ...لكنها أحبطت أمله وهي تقول له بتوسل لم يستطع إلا أن يمتثل له:
"سامح ....أنا شاكرة لك مساندتك الصامتة لي ...ولي عندك رجاء ...لا تطلب مني أن أخبرك بما أخبرني إياه أبي ولا سبب حزني وبكائي ... ...ولا تسألني يوما عن الماضي وأسبابه ..دعني بعض الوقت لأهدأ"
ليزداد نشيجها وهي تقول بانكسار أوجعه ..."ودع الماضي للماضي ..ففيه خطايا مؤلمة تمس أقرب الناس لي .."
ليرد عليها بتأكيد :
"لن أطالبك يوما أن تخبريني شيئا من ماضي أسرتك لا ترغبين أن أعرفه ..لكني سأطالبك بأن يكون الحاضر والمستقبل ملك لي ...أن أشاركك حزنك وألمك...أن يكون صدري ملجأك ومرفأ أمانك ...فلا تكتمي حزنك عني ...ولا تحبسي دموعك بداخلك ...بل اسكبيها على صدري ..ليحتويها ويحتويك ...وبعدها القي حزنك بعيدا مع الماضي ليطويه النسيان ...وتفرغي فقط لمستقبلنا معا...سأترك لك فرصة لتصفية كل رواسب الماضي وبعدها أريد أن أرى عينيك الجميلتان صافيتان بلا غيوم الدمع ..
لكنها حتى الان ورغم مرور تلك الفترة لم تصفو ..وهو يكاد يجن قلقا ..وحيرة.. وحنقا ...وخاصة أنه غير قادر على التواجد معها كما يريد ...فضغط العمل بالمشروع يستهلك كل وقته وجهده ...يكاد يواصل الليل بالنهار لينجزه حسب الجدول الزمني المضغوط نتيجة التأخيرات السابقة ...مما لا يدع له إلا بضع دقائق لمحادثة هاتفية يومية يحرص عليها كل ليلة قبل أن تخلد للنوم يطمئن عليها بها ..ورغم تأكيداتها دوما أنها بخير ...لكن صوتها كان يشعره بالعكس ...وهو لم يشأ الضغط عليها تاركا لها الوقت الذي تحتاجه ...لكن عدم قدرته على رؤيتها كان يستنفذ طاقة صبره ...فهذه هي المرة الأولى التي رآها فيها منذ هذا اليوم قبل أسبوعين ...ليهز رأسه زافرا بعمق وهو يتقدم منها محاولا تجاهل مشاعره القلقة ليقول بمزاح ساخر" ونعم الكنس حقيقة "
لتجفل لصوته وتلتفت بحدة فترتطم بصدره فيستغل الموقف ويضمها إليه لافا ذراعيه حول خصرها فترتبك وتحاول فك يديه بيدها اليسرى بينما اليمنى ما زالت متشبثة بالمكنسة ..بينما ترنو بعينيها ناحية المطبخ القريب حيث تسمع صوت حماتها وهمس لتقول له بهمس خجل وهي تحاول إبعاده:
"سامح توقف...والدتك وشقيقتك بالداخل وستخرجان بأي لحظة ...ليبتسم بخبث أقلقها وهو يمد يده ممسكا اليد الخشبية للمكنسة بيد بينما يسحبها بالأخرى باتجاه غرفته وهو يقول بمكر:
"تعالي معي لتنظفي حجرتي ...فهي تحتاج للكنس ...وهي فرصة لأعلمك كيف يكون ...فأنت فاشلة تماما حبيبتي ...تحركين مكنستك يمينا ويسارا دون أن تجمعي ما بالأرض باتجاه واحد"..كان قد دخل غرفته وأغلقها خلفه أثناء حديثه رغم ممانعتها ومحاولتها الإفلات ...بلا فائدة خاصة مع التزامها الهدوء خوفا من أن تصل أصواتهما لمن بالمطبخ ... لتسحب يدها منه بحدة وتقف أمامه بغضب متحدي وهي تربع يديها حول صدرها هاتفة بغيظ:
"لا فائدة فيك ...كل مرة تزداد وقاحتك ..ماذا سيقول أهلك الآن عندما يعرفوا أنني تركت الكنس ودخلت معك حجرتك وأغلقنا الباب علينا ..لابد سيظنون بنا الظنون ..."
لتنطلق ضحكة سامح وهو يحرك لها حاجبيه بشقاوة قائلا:
"ليظنوا ما شاءوا حبيبتي ..فأنا لم أرك منذ أسبوعين ..والله اعلم متى سأراك ثانية ...بعد أن أدخلني ابن خالك معتقل مشروعه ...ويحق لي أن اجلس معك قليلا وحدنا ..."
لتفك يديها وهي تتلفت حولها في الحجرة الضيقة بحرج و تقول متهربة:
"سامح ...ما تقوله لا يصح ... أخشى أن يظنون بي أشياء سيئة لقبولي الدخول معك لحجرتك "
فيقترب منها ضاما إياها إليه وهو يقول بصوت أثقله الشوق بينما يقترب من وجهها لتلفحها أنفاسه الدافئة:
"لو لم افعلها سيظنون بي أنا الظنون "
ليخفض رأسه مقبلا إياها برقة أذابت مقاومتها قبل أن تتحول الرقة بعد لحظات لشغف جعله يعتصرها بقوة جعلتها تأن وهي تشعر به يكاد يصهر عظامها على جسده ..ليفلت شفتيها دون أن يفلتها هي بعد وقت لا يعرف كلاهما مداه إن كان لحظات أم دقائق ...فقد استنفذا الهواء بداخلهما ليلقي بجبينه على جبينها وهو يقول من بين لهاث أنفاسه الحارة بصوت مثقل بالرغبة والحب :
"اشتقت إليك حبيبتي ....يا الهي ...كم اشتقت ... " ليعود محاولا اقتناص شفتيها مرة أخرى لكنها هذه المرة كانت قد بدأت تفيق من حالة التيه التي ادخلها فيها لتهرب من قيد ذراعيه وتميل للأرض ممسكة المكنسة التي سقطت وهي تمدها إليه قائلة من بين لهاث أنفاسها:
"هيا لتعلمني كيف اكنس "
ليرفع حاجبه بقهر وهو يقترب منها محاولا نزع المكنسة وإلقائها بعيدا بينما يقول بنزق:
"أي كنس هذا ...هناك أشياء أخرى أهم أرغب بتعليمك إياها "
فتنخفض بجسدها بسرعة هاربة من بين يديه وملتفة حوله وهي تقول ضاحكة بشقاوة رغم احتقان وجهها خجلا:
" لا شكرا ..لا أريد أن أتعلم سوى الكنس فقط"
ليقترب منها باسما بخبث وهو يأخذ المكنسة قائلا :
"حسنا سأعلمك التكنيك سريعا وبعدها أعلمك باقي الأشياء الهامة " لكنه ما أن بدأ يريها كيف تحرك المكنسة باتجاه واحد وهي تدفع ما بها أمامها حتى تجمعه لاحقا بالجاروف حتى فوجئ بهمس تطرق الباب وتفتحه بسرعة ناظرة لهما بتوقع مازح سرعان ما انقلب لضحكات صاخبة وهي ترى أخيها يكنس الحجرة بينما تقف ماهي على بعد خطوة تراقبه بتركيز لتقول بسخرية " يا (خبتك) يا أخي ...تنفرد بزوجتك بحجرتك لتكنس الحجرة " ..ليلقي سامح بالمكنسة أرضا ويلحق بهمس التي هربت للصالة متوعدا بينما تلحقهم ماهي ضاحكة بنفس لحظة دخول حماها من الخارج عائدا

------------------------
ما أن وصل هو وأباه أمام شقة هند حتى سمع صوتها تصرخ بأخوتها فعلم أنها لم تصعد لأعلى بعد.... فطلب من أبيه أن يسبقه وهو سيلحق به مع هند حتى يسلم على حسين قبل أن ينام ...فالفتى قد خرج من المشفى من يومين ...ليكمل علاجه بالمنزل تحت إشرافه و هند التي ستكمل متابعته بعد سفره ...مع المتابعة الدورية مع طبيبه المعالج ...
وما أن فتحت له هند الباب حتى صرخت بوجهه بحدة " أنت السبب يا أكرم "
بينما تترك الباب مفتوحا وهي تتحرك لمنتصف الصالة ليلحقها حائرا بعد أن أغلق الباب خلفه وهو يتساءل :
"السبب بماذا؟!! ماذا حدث؟!"
لتزفر بضيق بينما تجلس على أحد مقاعد منضدة الطعام وهي تقول بنزق:
"أخبرتك أن لا داعي لجهاز الكومبيوتر الذي أصررت على شرائه لحسن ومعاذ ..إنهما لا يكفان عن الشجار بسببه وكلا منهما يرغب بالاستحواذ عليه خاصة مع أفلام الكارتون و كل تلك الألعاب التي ملئت بها ذاكرته ..حتى حسين لا يكاد يفارق رأسه الهاتف الجديد الذي اشتريته له وقمت بعمل باقة انترنت به ...أخشى أن لا يجعلهم الأمر ينتبهون للمذاكرة "
ليضحك أكرم وهو يقترب منها ليسحبها من فوق الكرسي لتقف ويجلس هو مكانها ويحاول سحبها إليه لتجلس على ساقه لكنها تضرب كتفه بنزق وهي تقول ناهرة:
"توقف أكرم ..هل جننت ..إخوتي بالداخل ...يمكن أن يخرج أيا منهم بأي لحظة ..."
فيقف مواجها لها محتويا وجهها بين يديه وهو يقول بخفوت :
"صوت الفيلم الكرتوني يدل على إن حسن ومعاذ مندمجين به ولن يخرجا الآن ...وحسين لابد منشغل بهاتفه ..وإن حاول احدهم الخروج فجأة فلدي الحل ...ليسحبها معه بسرعة باتجاه المطبخ ...ليقف مستندا على حافة الطاولة الخشبية بجوار الحائط ليسحبها لتقف أمامه بين ذراعيه وهو يقول بصوت هامس:
"الآن لو خرج أي منهم سنراه قبل أن يرانا ..حبيبتي ..أنت كنت تشتكي من خوفك عليهم لأنهم أصبحوا غير راغبين بالخروج للعب بالحارة مع رفاقهم بعد ما حدث ..وهو ما أفضله لهم مؤقتا حتى ينتهي كل اللغط القائم ..وتخرج أمهم قريبا فلا يعايرهم أحد بكونها حبيسة ..وفي نفس الوقت هم صغار لابد أن نشغل وقتهم بشيء ..وأيضا حسين وخاصة بعد أن أجلنا دراسته لهذا العام ..كان سيجن مللا ...فكفي عن التذمر وانسي إخوتك قليلا وتفرغي لي .. ...أنا مشتاق لك هند ...كل ما أتذكر أنني سأسافر غدا وافتقد قربك ...رائحتك ...ملمسك ..أشعر بالاختناق وأكاد أطلب منهم إلغاء البعثة "
لتدمع عيناها وهي تنظر له بعيون عاشقة متألمة لتلقي برأسها على صدره وهي تقول بنشيج باكي:
"آآآه يا أكرم ...أكود أموت كلما أفكر في الغد ..أحاول أن أتجاهله ...لو كان بيدي أن أوقف الساعة لفعلتها ...لا أتخيل حياتي بدونك"
ليقاطعها هامسا وهو يشدد من احتضانه لها أكثر:
"لن تكوني بدوني أبدا ...مهما باعدت بيننا المسافات سأكون قريبا منك دوما ..سأكلمك كل يوم عبر شبكات التواصل ...سأراك دوما ولو عبر الشاشات ..والدي وإخوتي سيرعونك بغيابي "
لتقاطعه بصوت زادت حشرجات البكاء فيه :
"لن يكفي أكرم ..كل ما تقوله لا يكفيني ...عشت محرومة منك وأنت بجواري ..وعندما تصبح لي.. من حقي ...أحرم منك ثانية ..هذا صعب حبيبي"
ليبتعد قليلا رافعا وجهها إليه ليقول بصوت مخنوق بغصة العشق :
"أعيديها حبيبتي ...أعيدي ندائي بلفظ حبيبي أخبريني كم تحبيني وتعشقيني منذ صغرك ...املئيني غرورا بحبك لي ..آه يا صغيرتي ..كم سأفتقدك"
لترفع كفيها تمررهما على وجهه وهي تقول بينما تنظر لعينيه اللتين أغمضهما متلذذا بلمساتها:
"لولا معرفتي بحلمك ورغبتك بالتفوق المهني .و.لولا رغبتي بأن أراك الطبيب الأكبر والأشهر والأفضل ...لأجلك أنت ..ولأجل حلمك ..ولأجل وعدك لعمك رحمة الله..لتمسكت بك رافضة أن تتركني وتسافر ...لكني سأصبر ..حتى تعود لي قريبا ...الدكتور أكرم محفوظ كما حلم به عمه وأراده"
كانت دموعها تسيل على خديها ..فلم يحتمل أكرم ليهبط بشفتيه مرتشفا الدمعات من وجنتيها قبل أن يميل مقتنصا شفتيها بقبلة طويلة بثها فيها حبا وعشقا وشوقا ليظلا للحظات طويلة في أحضان بعضهما ..كليهما غير راغب بالابتعاد أو ترك الآخر ...حتى قاطعهما صوت هاتف أكرم ليبتعد على مضض ويخرجه من جيبه فيجدها أمه تخبره بمجيء خالته وزوجها وأبنائها للسلام عليه...فيغلق هاتفه بعد أن وعدها أن يصعد إليهم بعد قليل مع هند ..لينظر لحبيبته قائلا تعالي لأسلم على إخوتك فلن أجد وقت غدا ..وبعدها نصعد لنسلم على عائلة خالتي وتقضي السهرة معي ...فلن ابتعد عنك حتى موعد السفر...ليسحبها للصالة قبل أن يتوقف فجأة وهو يقول ...:
"آه كدت أنسى ..ليترك يدها ويخرج من جيبه بطاقة ائتمان يمدها إليها قائلا:
"تفضلي حبيبتي ...هذه البطاقة لك...رقمها السري هو أول أربع أرقام من تاريخ مولدك وبها مبلغ أتمني أن يكفيك حتى أعود ...أسحبي منها قدر ما تحتاجين ..ولو انتهى ما بها قبل عودتي ابلغيني وسأتصرف"
لتقطب وتهز رأسها رفضا وهي تشبك يديها رافضة أخذها بينما تقول :
"لا أكرم ...لن آخذ شيئا ...لقد كلفت نفسك الكثير ...يكفي ما أحضرته لي ولأخوتي ...حتى مؤنه البيت لم تنسها لدرجة أنني لم أعد أعرف أين أضع كل ما أحضرته ...لن أقبل أكثر ...أنت تحتاج للمال في سفرك وحتى تستقر أمورك هناك"
ليزفر بضيق ويقترب منها قائلا بحزم حاد:
"هند ...لن نعود لتلك المناقشات ثانية ...أخبرتك قبلا ..أنت زوجتي...ومعاش والدك قطع عنك بزواجنا ..فأنت أصبحت مسئولة مني ...كل طلباتك واحتياجاتك أنا وأنا فقط الملزم بها ...ولا تخافي ...الحمد لله لدي مبلغ كبير مدخر ...فمرتبي لفترة عملي طوال سنوات بمشفى الدكتور راغب كنت أدخره دون أن أمسه ..وأكتفي بالإنفاق من مرتبي الحكومي ...وبما أني كنت أقيم مع والداي فلم أكن أحتاج لنفقات كثيرة ...وهذا جعل المبلغ المدخر كبيرا فراتبي كان يزداد كل عام بالمشفى التخصصي وخاصة بعد أن أصبحت نائب المدير ...لذا لا أريدك أن تقلقي ...كما أن بعثتي شاملة الإقامة ولن أحتاج بها لأموال ...بل على العكس بمجرد أن انهي فترة الاختبار والتدريب الأولي يمكن أن أعمل بجوار البعثة هناك ...لقد توسط لي الدكتور خليل لدي طبيب معروف هناك لديه مركز من أكبر المراكز المجازة لتأهيل المصابين بحوادث أثرت على قدراتهم الحركية ويقع قريبا من مكان المشفى الذي سأقضي بعثتي به ..وأشاد بي كثيرا ...ولحسن الحظ هذا الطبيب سبق وحضر منذ عام لمؤتمر أطباء العظام الذي تعقده جمعية العظام بمصر سنويا وقام وقتها بإجراء عدة جراحات لدينا بالمشفى ساعدته أنا بها وقد أعجب بي وقتها ...لهذا ما أن حدثه الدكتور خليل عني حتى أبدى رغبة قوية بأن أعمل معه بمجرد ذهابي وسنتفق معا على مواعيد عمل تتوافق مع نظام بعثتي ولا تخل بها...لذا فلا تقلقي علي ...فأوضاعي ستكون جيدة بإذن الله"
لتنظر له بحب وامتنان وهي تمد يدها لتأخذ منه البطاقة بتردد بينما تقول بقلق مشفق:
"لكن هذا سيكون ضغطا كبيرا عليك أكرم ...كيف ستوفق بين المذاكرة والعمل المرهق بالمشفى التابع للجامعة هناك والعمل بهذا المركز ...سيكون الأمر مرهقا جدا وشاقا عليك" ليقترب منها واضعا وجهها بين كفيه ومقبلا جبينها وهو يقول بحنان:
"لا تقلقي حبيبتي ...أنا احتاج أن انشغل بقوة حتى لا أفكر في افتقادي لك ولكم جميعا ..وأيضا يجب أن أستغل سفري لتحقيق كل ما أريد على الصعيدين المهني والمادي ...حتى أكون جديرا بك ونحقق كل أحلامنا سويا ...فقط اهتمي بأخوتك ومذاكرتك ...وما أن استطيع العودة بإجازة سأحضر لنتمم زواجنا ...وإن سمحت الظروف سآخذك معي ..وإن لم تسمح سأعود لفترة حتى أنهي بعثتي وأرجع لأستقر معك لنحقق أحلامنا معا "
ليميل مقبلا عينيها وشفتيها بخفة قبل أن يمسك يدها متجها لحجرة إخوتها
----------------------------

كتم آهة الم نتيجة خبطة بكعب حذاء خطيبته المبجلة من أسفل منضدة الطعام التي يجلسان معا حولها ليتركا مقاعد الصالون لأسرته وأسرة خالته حيث تحتل همس وسماء أريكة مزدوجة ...بينما يتجاور أبيه وأمه مع خالته وزوجها على الأريكة الكبرى ... فلم يجد سوى مقاعد منضدة الطعام الصغيرة ليجلس عليها لتقوم ماهي من جلستها على المقعد المنفرد بجوار همس لتجاوره... فحبيبته إبنة الحسب والنسب أثبتت أنها أنثى لا تختلف عن غيرها عندما تتلبسها الغيرة ...فهي تكاد تلتصق به ...وتنظر له زاجرة كلما حاول تبادل بضع كلمات مع سماء ابنة خالته ...وتطلق عينيها نيرانا تكاد تلتهم الفتاة المسكينة التي آثرت السلامة واكتفت بتبادل الحديث مع همس وأمه ...في الحقيقة ...هو كان يحاول أن يجعل الأجواء أهدأ بلا فائدة ...فما بين نظرات ماهي النارية ...وأسلوب زوج خالته الجاف كعادته وحديث خالته فوزية عن خطاب ابنتها بطريقة استعراضية وهي توجه كلامها له كما لو كانت تخبره أنه خسرها وأن هناك العشرات يطلبون ودها ويتمنون خطبتها..حتى كادت تنطقها صريحة وسط حوارها بطريقة جعلته يشفق على سماء التي تعبت من محاولة مقاطعتها وتغيير دفة الحديث بلا فائدة لدرجة أنه لمح عينيها تمتلئ دمعا من شدة الحرج .... فحاول أن يتدخل مازحا معها ومغيرا دفة الحوار لكن خالته لم تتوقف مما أشعره بالضيق به ...مع تزايد الضيق الإحراج بملامح سماء... والغيرة بقلب ماهي ..وجعلته يتمنى أن يهرب من تلك الجلسة ...لكن ذلك لم يمنع شعوره بالسعادة لغيرتها عليه ...غيرة انقلبت عليه بعد دقائق ما أن حضر سيد ابن خالته الذي جاء متأخرا عنهم حيث جاء من عمله المسائي إليهم ...ليسحب كرسي آخر من مقاعد منضدة الطعام ويجلس بجوارهما ويبدأ بتبادل التحيات والحديث بل والمزاح مع ماهي مما دفع سامح الجالس بجواره لتقليد ماهي وتوجيه ضربة بكعب حذائه لقدم ابن خالته الذي تاؤه ألما وهو ينظر له متسائلا بتعجب فمال عليه سامح قائلا بغيظ من بين أسنانه:
"إن لم تكف عن سماجتك ...وتتوقف عن المزاح مع خطيبتي سأجرك للخارج وأضربك حتى اسقط أسنانك التي تتباهى بها بتلك الابتسامة السخيفة"
لتنطلق ضحكات سيد لدرجة اجتذبت عيون الجميع إليه ما بين حائر ومبتسم وزاجر ..ليتجاهل نظراتهم المتسائلة وهو يميل على سامح هامسا بابتسامة مستفزة :
"أتغار مني يا ابن الخالة؟!! ...يحق لك الغيرة فانا أكثر منك وسامة ...لكن لا تنسى أني محل ثقة ولن أنظر أبدا لخطيبة ابن خالتي وأخي " ليوقف رده الحاد عليه صوت طرقات الباب... ليشعر سامح بالراحة عندما انشغل الجميع عنه بحضور أكرم وهند

---------------------
أخذ يطالع السقف بشرود ..وهو يفكر بكل ما مر به على مدى الأسبوعين السابقين ...منذ دخلت عليه شقيقته مهينار منهارة بالبكاء لدرجة أفزعته ...لترتمي على صدره وهي تهذي بكلمات متفرقة استطاع بالنهاية أن يفهم منها بصعوبة أنها قابلت أباهما وعرفت سبب ابتعاده عنهما ..وأن والدتهما كانت السبب ..وأنها دمرت مستقبله ومستقبل آخرين معه..ورغم أنه كان رافضا دوما أن يتحدث أو يعرف شيئا عن أبيه ...لكن حالة شقيقته المنهارة مع فضوله لما تقول جعلاه يهدئها ويسمع منها القصة التي أخبرها بها والدهما ...وكيف أنها رفضت أن تصدقه بالبداية و ذهبت ما أن تركته لزوجة خالهما التي أكدت لها القصة كما رواها أبيها ... رغم محاولتها تبرير موقف أمها بالغيرة...ليبتسم ساخرا وهو يفكر أن أمه لم تحب أباه يوما لتغار عليه من أنثى أخرى ...فهو بالنسبة لها كان شيئا تملكه ..وترفض أن تأخذه غيرها ..فما تملكه رقية الراوي لا يحق لغيرها امتلاكه ، بالإضافة لمظهرها ومكانتها الذي تستميت حفاظا على الصورة التي ترسمهم بها ...ورغبتها بالاستفادة من أبيه لأقصى درجة ...دون أن تهتم لمن يتأذى في سبيل ذلك ...وأفضل دليل على ذلك هو حضورها إليهما وهو ما زال مصدوما مما سمع ومهينار ما زالت تبكي بانهيار ...ليفاجئ كلاهما باقتحامها الحجرة ومهاجمتها لماهي ما أن رأت حالتها ..وهي تتهمها أنها قابلت أباها رغم تحذيراتها ...وتسألها بغضب هستيري عن ما قاله لها... وتبدأ بكيل التهم والإهانات له مخرجة من حقيبتها ظرفا به الصور التي أخبر أبيهم ماهي عنها ...لتدير ماهي وجهها رافضة النظر إليهم رغم محاولة أمهما إرغامها على ذلك وهي تصرخ بها أن تنظر لأبيها الماجن والذي كان يخونها مع ال****** أثناء زواجهم ..بينما أخذ هو الصور ليدقق النظر بكل منها بكل برود حتى فجاءهما بانطلاقه بالضحك وهو ينظر لأمه سائلا باستهزاء يخفي الألم بداخله:
"وكيف وصلت لك أماه صور أبي وهو بالفراش مع أخرى ...لن اسأل على صور الملهى فتلك يسهل أن يصورها أيا كان ويرسلها لك ...لكن صورا بالفراش؟!!! ...تلك تحتاج ترتيبات خاصة !! أليس كذلك سيدة رقية ؟!"
في الواقع إن ارتباك أمه وتبريراتها الواهية لم تكن فقط الدليل الذي يحتاجه على صدق ما سمعه...فهو صدق قصة أبيه ما أن سمعها لسبب بسيط ...أنه يعرف أمه جيدا ...ويعرف كيف تفكر ...وما هي قادرة على فعله لتصل وتحصل على ما تريد ...حسنا هو لم يتصور أن يصل الأمر معها لتلك الدرجة... تشويه سمعة وتلفيق تهم ...لكنه أيضا لم يستطع إنكار الحقيقة ..أمه بإمكانها فعل أي وكل شيء و سحق الجميع في سبيل ما تريد... ...ليزفر بضيق وهو يفكر أنه سيخرج غدا من المشفى ...والمفروض أنه سيعود للإقامة معها بالفيلا على أن يتابع علاجه الفيزيائي لثلاث مرات أسبوعيا هنا بالمشفى ...و سارة قررت بدكتاتوريتها الحديثة التي أصبحت تمارسها عليه أنها من ستقوم بمرافقته ذهابا وعودة ...وهو الأمر الذي رحب به بسعادة ...فهو لم يعد يستغني عن وجودها ورؤيتها...بل إن خروجه من المشفى يضايقه لأنه لن يتيح له رؤيتها يوميا ولفترات متعددة كما يحدث هنا ...لكنه لن يخدع نفسه ...ليس هذا هو السبب الوحيد ...لكنه منذ عرف بما فعلته أمه وهو يشعر بغضب ونفور منها ...لم يتصور أن يكون ابتعاد أبيه نتيجة تصرفات بتلك الحقارة من أمه ...كما أن الأمر وضعه بمعضلة مع مشاعره تجاه أبيه ...فهو ما زال بداخله بعض اللوم لأبيه ...لكنه لا يستطيع النكران أنه يعذره لحد ما ...فأمه لا يسهل أن يحبها رجل ويخلص لها ...فهي رغم جمالها الخارجي ...لكن داخلها جامد ...وهو بعدما جرب الحب لفتاة رائعة معطاءة دافئة كذهبيته سارة ..كما جرب بعدها عنه سنوات كادت تدمره ...يجد نفسه يتفهم ..بل ويعطي أباه بعض العذر ... وفي الآن نفسه ...لا يستطيع أن يغفر له إهماله له حتى قبل سفره ...فدوما كان أكثر قربا من ماهي ...لا يدري هل بسبب أن أمه كانت وقتها تستحوذ عليه لنفسها على أمل أن تقربه من جده ..أم أن أباه لم يكن يحبه بما يكفي ...لكنه بالنهاية ترك كلاهما هربا من أفعال أمه ..حتى مدللته ماهي ...كم يشفق عليها ...فهي ما زالت حائرة ومتألمة ورافضة للتواصل معه ...ليبتسم ساخر وهو يفكر أنها تتصرف بعقلية طفلة أبيها المدللة التي تشعر بالغيرة لأنه تركها بسبب حبه لامرأة أخرى فضلها عليها فلم تعد الأولى بقلبه ... متغاضية عن الباقي ...لكنه يشعر أنها بدأت تلين ولن يستغرب أن تذهب له قريبا ..فأمس كانت تلف وتدور بالحديث وهي تحاول معرفة ما إذا كان أبيهما حاول محادثته أو زيارته أم لا ...لكن هذا أيضا أمر مقلق ...فأبيه بعد أن كان لا يكف عن الاتصال والقدوم رغم كل ما كان يلقاه منه من جفاء ورفض ونفور ..قد توقف تماما منذ لقائه بماهي ...وبداخله قلق أن يكون استسلم وعاد للسفر ...ليزفر بحنق وهو يدمدم ...لن أغفر لك هذه المرة لو فعلتها يا أبي ...ليس فقط لأجل ماهي التي ستتحطم تماما هذه المرة ...بل لأجلي أيضا ...ليدير رأسه ناحية الباب ما أن سمع تلك الطرقات الخافتة عليه والتي سبقت فتح الباب ببطء ليجد أباه يدخل بتردد ليقف بجوار سريره الذي يضجع عليه بنصف جلسة لتتسع عينيه ما أن رآه ...فمن يقف أمامه يبدو كما لو كان قد فقد نصف وزنه خلال تلك الأيام ...وجهه شاحب هزيل وشفتاه تكاد تقارب البياض ...ليسمع صوته الذي جاءه ضعيفا منكسرا كما لم يسمعه قط وهو يقول بألم:
"مساء الخير بني ...أعتذر عن قدومي لك ..أعرف أنك لا ترغب برؤيتي ...لكني لم استطع السفر قبل أن أراك ولو للمرة الأخيرة ...فلا أظن أنني سألقاك مرة أخرى ...ليضيف بخفوت وصل لمدحت بصعوبة ..وداعا بني"
...ليمد يده إليه ...لكن ذهول مدحت وصدمته جعلته فاقدا للقدرة على التفاعل ...ليقبض أبيه كفه ويستدير بحزن وخطوات ضعيفة باتجاه الباب قبل أن توقفه صرخة مدحت المتسائلة بغضب :
"أستهرب مجددا ؟!!..أستخذلنا للمرة الثانية؟!! "
لتتسمر خطوات عز دون أن يستدير بينما يرد بضعف وانكسار:
"وما الفائدة من بقائي بني ...أنتم لا تريدوني ...لم تعودا بحاجة لي ...لم تعودا راغبين حتى بتواجدي قريبا منكم ...لقد جئت متأخرا بعد أن فات أوان الإصلاح"
ليزمجر مدحت غاضبا وهو يهتف :
"وكالعادة أنت قررت نيابة عنا ...واتخذت السبيل الأسهل بدلا من الاستمرار في الحرب لأجلنا"
ليلتفت له أبيه صارخا بدفاع بينما سالت الدموع من عينيه:
"أحارب من؟!! ..هذه المرة الحرب خاسرة ..لأني أحارب أبنائي و أنتم لستم خصما أستطيع حربه ... لن أقوى على مجابهتكم ..لا قوة باقية لدي ...لقد كنت آمل فقط بقليل من التفهم ..بأن تسمحوا لي بالتواجد قريبا منكم ...بأن لا أموت وحيدا بالغربة دون أن تشعرا بي ..دون أن أكحل عيني برؤيتكم وقربكم ..كنت أتمنى عندما أموت أن تحمل أنت نعشي وتأخذ عزائي ..."
ليرد مدحت صارخا بغضب حاد:
"وأنا لا أرغب بأن أحمل نعشك و أخذ عزائك ...لم أعش معك بما يكفي ..ما زلت مدينا لي بسنوات تبقى بها بقربي ...تتحمل جنوني ...نزوات غضبي ...تصلح أخطائي ...تساندني ...تحملني أنت ..وإن لم يكن فعليا فمجازا ...تحمل همي ..تحمل أبنائي ... ..تحميني حتى من نفسي ...تستر عيوبي كما يفعل كل أب "
ليقترب عز أكثر وهو ينظر لمدحت بألم وأمل ..ليسقط بجوار الفراش على ركبتيه بينما يتشبث بكف مدحت وهو يقول بعيون دامعة كعيون أبنه ...وهل ستتركني أفعلها مدحت ...هل ستمنحني الفرصة والحق لأكون لك أبا يساند ...يساعد ...يحنو ...يغضب ...يحمي ...يُقوًم ...يكون لك ومعك أبا وتكون له سندا "
لينظر مدحت لأبيه للحظات طويلة ..تتعلق عيناه بعيني أبيه بحديث دون كلمات ...حديث يحمل بين طياته ..عتابا ...وحزنا ...غضبا ...ولوما ...تفهما ...وأملا ...وأخيرا غفرانا منحه القلب وهو يستكين بين ذراعي أبيه الذي جذبه لحضنه بقوة لينتفض كلاهما بين يدي الآخر بينما تعلو شهقات مدحت وهو يستكين كطفل بحضن أب إشتاقه عمرا بأكمله ... وتعلو نهنهات عز وهو يضم أخيرا بين ذراعيه بضعا منه فقده زمنا حتى كاد يموت حزنا وقهرا ..لتستكين روحه ويعلو صوته متمتما بحمد الله بينما يشتد ذراعيه حول ابنه رافضا تركه ..حتى ربت مدحت على ظهر أبيه وهو يقول بمزاح حزين:
"كفى أبي راعي أني ما زلت مريضا ...كما أن مظهري سيدمر إن دخلت خطيبتي ورأتني أبكي ...لن استطيع أن اذبح لها القطة بعدها " ليضحك أبيه ويبتعد ليمسح دموعه بكفه وهو يرد عليه بمزاح مماثل :
"لا أظنك قادرا على ذبح صرصور حتى بني ...فقد قيدتك خطيبتك بعشقها ...فمما رأيته يكفيها نظرة إليك لتنفذ لها ما تريد "
ليشد مدحت على كف أبيه يرفعه ليستجيب عز ويعتدل ليجلس بجوار ابنه دون أن يترك كفه وهو يقول له بتهدج :
"أتظن شقيقتك ستسامحني أيضا" ليضحك مدحت ساخرا وهو يرد على أبيه غامزا:
"أميرتك أبي غفرت لك بالفعل ..لكنها فقط تتدلل عليك كعادتها ...فهي بانتظارك لتحايلها كالماضي " لتغيم عيني عز بحزن وهو يقول بندم:
"للأسف بني ...لم أعد أعرف كيف أفعلها ...بالماضي كان يكفيني لمصالحتها أن أحملها لأدغدغها وأدور بها أو اشترى لها عروسا.. أو اصحبها برحلة لمدينة الملاهي ..إن كان خطئي كبيرا من وجهة نظرها وقتها..الآن الخطأ اكبر والسنوات حولتها لعروس لم يعد يصلح لها شراء لعبة أو حمل أو رحلة "
لتنطلق ضحكة ساخرة من مدحت وهو يغمز أبيه بمكر قائلا:
"ومن قال ذلك ...صغيرتك ما زالت مختبئة بداخل الفتاة الناضجة التي تراها ...ما زالت تتوق للعبة والرحلة ...وحضن أبيها ...صدقني أبي ...لن تعدم وسيلة مع مدللتك"
لينظر له أبيه بأمل ...قبل أن يبتسم وهو يقول له بتردد ..وأنت صغيري ..إلى ماذا تتوق " ليرد مدحت بحسم :
"إلى أبي" لتعود الدموع تملأ عيني عز ويشد على يد أبنه وهو يقول بتأكيد :
"وقد حصلت على ما تريده بني ...أعدك لن أخذلك أو أتركك حتى أخر نفس بعمري"
لينظر له مدحت بتردد وهو يسأله:
"أين تقيم أبي " ليجيبه عز بسرعة
"بشقة اشتريتها مؤخرا... قريبة من الفيلا حيث تقيمون ...أردت أن أكون قريبا منكما قدر استطاعتي ..أتمنى أن تزرني بها فور أن تخرج من هنا"
لينظر له مدحت بتردد للحظات قبل أن يحسم الأمر وهو يقول لأبيه:
"سأخرج غدا من المشفى ...لم يعد هناك ضرورة لبقائي هنا ..وسأتابع جلسات العلاج الطبيعي حسب جدول محدد ...فهل تقبل أن آتي لأقيم معك "
لتتسع عيني عز بسعادة كادت تفقده القدرة على النطق ليهز رأسه إيجابا وهو يعود لجذب مدحت محتضنا إياه بينما خرجت آآآآه من صدره حاملة وجع سنوات البعد ملقية به بعيدا عن صدر فاض بالحزن والهجر والبعد وآن الأوان لأن يذوق حلاوة القرب وأن يستريح بجوار أحبابه"
---------------------------------------

وضعت فنجان قهوة لمسعد بينما ناولت أشرف كوب عصير برتقال طازج ...لينظر له بضيق وهو يقول بنزق:
"لا أريد عصائر أريد قهوة ...فنجانا واحدا باليوم لن يضر"
لترفع حاجبها وهي تنظر لوجهه المتذمر بعناد بينما ترد برفض قاطع:
"الطبيب أكد على البعد عن المنبهات ...لذا لن أصنع لك قهوة ..واكتفي بالعصير "
لتتركه وتعود للمطبخ لتستكمل صنع المحشي مع شقيقتها تاركة أشرف يرغي ويزبد ومسعد يكتم ضحكاته وهو يقول مهادنا :
"كف عن التذمر أشرف ...هي على حق ...لابد أن تهتم بصحتك أكثر ...وتلتزم بتعليمات الطبيب ...ألا يكفي المحشو الذي طلبت أكله وأصررت عليه رغم أنه ثقيل على معدتك ...وقد استجابت لك لأنك قلت أن نفسك تهفو إليه "
ليرد عليه أشرف بغيظ:
"لا تفرح بشدة أراهنك أنها ستعد لي أربع أو خمس أصابع على الأكثر وتضعهم بطبقي قائلة أن هذا يكفي حتى لا تنتكس صحتي ...يا رجل إن صحتي ستنتكس من التقشف والحرمان من الطعام المغذي ..والقهوة التي اعشقها "
ليغمز له مسعد وهو يميل عليه قائلا بخفوت:
"وكأنك تحرم نفسك حقا ...ومن الذي كلما خرجنا معا ذهب لأقرب مقهى وطلب فنجانا مزدوجا منها "
ليقرب أشرف الورق من صهره وهو يقول له بنزق ...أخفض صوتك حتى لا تسمعك وأجدها ترافقنا بعد ذلك لتراقبني ...لقد صارت مهووسة بصحتي وطعامي وشرابي لدرجة تثير اختناقي" ورغم أنه قالها بصوت نزق ...لكن بداخله كان يرقص طربا وانتشاءً بخوفها عليه ...بعشقها له ...باهتمامها المبالغ به أحيانا بكل ما يخصه ..أصبحت تعوضه كل ما ضاع منهم مضاعفا ... فتهتم بصحته وطعامه وشرابه ودوائه نهارا ...وتغدق عليه حنانها وعشقها وتتقبل بتلهف طلباته العاطفية والحسية ليلا ..... ليمد يده مرتشفا من كوب عصيره محاولا الخروج من أفكاره التي تدور حول ذكريات لياليه معها..ليزفر بضيق توقا لمجيء الليل ...فينتبه له مسعد سائلا :
"هل تعبت وترغب بالتوقف قليلا"
ليرد عليه بنفي قائلا:
" لا لنعد للعمل على دراسة الجدوى ...فلم يتبقى إلا القليل ...وخالد متعجل على إنهائها"
ليرد مسعد بصوت حمل مزيجا من السعادة والراحة :
"وأنا أيضا يا صديقي ...شكرا لأنك عرفتني به ... هذا المشروع الخدمي هو ما كنت احتاج إليه لأستعيد نفسي وأشعر بالسعادة والرضا ...لو أننا نثقل عليك كل يوم ...حتى بعد انتقالنا للشقة الجديدة ... فنحن نكاد نقيم هنا يوميا ..كما لو كنا لم ننتقل"
لينظر له أشرف بعتاب وهو يرد عليه بلوم:
"ماذا تقول يا رجل ..إننا عائلة ..وأنا أكثر من سعيد بوجودكم معي ..كما أنني كنت أقضى اليوم بوحدة وملل ..الآن أصبح هناك ما يملأ يومي ويشغلني ...دون أن أرهق نفسي حتى بالخروج من المنزل ...ليضيف بشجن ....صدقني مسعد ...لو عشت مثلي سنوات ترزح تحت وطأة الوحدة ..حيث لا يوجد معك أنت وابنك من يؤنس أيامك ...والصمت هو عنوان بيتك ...لعرفت كم أقدر وجودكم معي وحولي ..أنها الحياة كما ينبغي أن تكون حيث دفئ الصحبة ..لا يوجد أفضل من تجمع العائلة وروعة العيش بصخبها"
ليقاطع حديثه دخول صاخب لتقى وياسر ومعهم رؤى التي مرا عليها لإحضارها معهما أثناء عودتهما من العمل حيث كانت تتسوق بأحد المولات بطريقهما...لتتعالى أصوات شجارهم كالعادة بينما يتبادل مسعد وأشرف النظرات الهازئة باستسلام ليرد مسعد على كلام أشرف ساخرا
" ها قد جاء مجمع الصخب يا صهري العزيز ...وسنتشبع به حد الاكتفاء...صدقني ...لم تعد مسكنات الصداع تجدي نفعا ...فلنعد للعمل "
...ليتجاهلا المتشاجرين بجوارهما بينما يعودا للنظر بالأوراق..ليرتفع صوت اشرف ناهرا وهو يأمرهم بالدخول وإكمال الشجار بإحدى الغرف حتى يستطيعا العمل بهدوء ...فيستجيب ثلاثتهم متجهين لحجرة ياسر ..ليتوقفوا بمنتصفها
بينما تتخصر تقى غاضبة وهي تقول لياسر بنزق :
"لا أدرى ما شأنك أنت ...شقيقتي تسألني عن الرجل فأجبتها ...ما المشكلة وما دخلك أنت "
ليرد بغضب حاد:
"ماذا؟..أتراني كلاكما (شُرابة خرج ) لتتغزلا أمامي برجل آخر والمفروض أن أبتسم لوقاحتكما "
لتسبق رؤى تقى بالرد الحاد وهي تقول بنزق:
"أنت تكبر الأمر ياسر ..وتهاجمنا بلا داعي ...لقد كان سؤلا مازحا عن مديركم الوسيم "
ليلتفت لها ياسر غاضبا وهو يرد عليها بحدة:
"آسر هذا ليس رئيسنا ...بل مجرد عميل لدينا وقريب الرئيس ...ولا أدري ما يعجبك به ..إنه سمج ..ومتطفل ...ولا أدرى حتى لما دعاه أبي...لقد كدت أجن ضيقا عندما رأيته الأسبوع الماضي بحفل الخطبة"
لترد عليه تقى ساخرة:
"كدت تجن ؟!..كدت فقط؟!!لقد جننت فعلا ..وكدت تفسد الحفل ...وتشاجرت معي ظنا منك أنني من دعوته ...رغم أنه حتى لو كان هذا ما حدث لا أرى بالأمر مشكلة ..ولولا تدخل عمي الذي أخبرك بأنه من دعاه لكنت تسببت بفضيحة وأفسدت الحفل بغيرتك"
ليرد عليها صارخا :
"أنا لا أغار من هذا اللزج "
لتثير رؤى غيظه أكثر وهي تتنهد بينما تسبل عينيها قائلة:
"حقا ..هو يستحق أن تغار منه ياسر ...لتضع يدها على قلبها بصورة مسرحية ... وهي تضيف..
"أنه يشبه نجوم السينما بتلك الطلة الآسرة كاسمه ...وسامة وأناقة وغنى ..إنه المثال الحي لفارس الأحلام كما ينبغي أن يكون ..ألا يوجد طريقة لتعرفاني عليه لعله يقع بغرامي ويتزوجني"
لينطلق صوت ياسر وتقى ناهرين معا بغضب وهما يحدقان بها:
"رؤى!!!" لتنظر لكلاهما بضيق قبل أن تتركهم متجهة للخارج وهي تقول بنزق:
"ماذا؟!! هل ستتفقان على الآن ...فلأدعكما لجنونكما واذهب لأمي وخالتي"
وما أن تركتهم حتى استدار ياسر لتقى قائلا بغضب:
"أرأيت تصرفات أختك ..وكله بسبب حديثك السخيف عن هذا الوقح ..جعلتها تتعلق به "
لترد عليه بعتاب غاضب :
"أنا حديثي سخيف ياسر ...أنا ؟ ماذا قلت أو فعلت لتتهمني بذلك؟! "
ليرد غاضبا وهو يقلد صوتها بالسيارة عندما سألتها رؤى عنه:
"إنه يثير إعجاب أغلب فتيات المجموعة ...فمجرد أن يحضر لا يكفون عن الحوم حول مكتبي بحجج واهية ليلقوا نظرة عليه ...وكل منهن تمني نفسها ولو بنظرة منه " ليعود لصوته بينما يصرخ بوجهها وهو يمد يده جاذبا أعلى ذراعها ..وهل يا ترى أنت أيضا تنتظرين نظرة وابتسامة من الوسيم الأنيق الذي أسر قلب فتيات المجموعة"
لتشعر تقى أنها ربما ...ربما ..بالغت قليلا باستفزاز ياسر ..فحاولت مهادنته واسترضائه وهي تنظر له باستكانة وترفرف برموشها بينما تنظر لعينيه قائلة بدلال :
"قلبي لم يعد خاليا ليتم أسره ...فقد سبقه وسيم آخر وأسره" ليهدأ ياسر وتتحول لمسته الحادة لذراعها للمسة حانية وهو يسأل بتوقع وزهو:
" ومن هو هذا الوسيم الذي أسر قلبك أولا " لتصمت للحظات محدقة بوجهه حتى لاحظت تغير لون عينيه لتضيء بمشاعر أرجفتها.. ورأت رأسه يميل ناحيتها ليقترب من وجهها لدرجة خطرة ...فابتعدت بسرعة متملصة منه وهي تقول بشقاوة قبل أن تهرب بسرعة خارجة من باب الحجرة:
"عمي أشرف طبعا !!من تظنه يكون؟!!" لتنطلق ضحكاتها صادحة وهو يلحق بها متوعدا ...

------------------------



 
 

 

عرض البوم صور سيمراء   رد مع اقتباس
قديم 07-10-18, 09:29 PM   المشاركة رقم: 33
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Feb 2009
العضوية: 121032
المشاركات: 242
الجنس أنثى
معدل التقييم: سيمراء عضو على طريق الابداعسيمراء عضو على طريق الابداعسيمراء عضو على طريق الابداعسيمراء عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 331

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
سيمراء غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : سيمراء المنتدى : رومانسيات عربية
افتراضي رد: رواية ، خلف أقنعة الذكريات ،الجزء الثاني من سلسلة خلف الأقنعة ،بقلم رغيدا المصرية

 

الخاتمة
-------------

بعد مرور عام (حفل زفاف ثلاثي بأحد الفنادق الكبرى بالعاصمة )
يقف الشباب الثلاثة كلا منهم يبدو آسرا بتلك الطلة وهو ينتظر نزول عروسه بينما يتبادلوا المزاح معا ...حيث توطدت العلاقات بينهم.. خاصة بين سامح ومدحت ...حتى أكرم رغم سفره طوال العام وعودته منذ أسبوع واحد إلا أنه كان يتعمد الاتصال بمدحت من وقت لآخر في محاولة لتثبيت أواصر العلاقة بينهم ومحو ترسبات الماضي ...لقد كان قلقا أن يرفض مدحت أن يشاركهما حفل الزفاف نتيجة للعلاقة السابقة بينه وبين سارة ...لكن الشاب اثبت أنه أكثر عقلا مما توقع ....أو ربما أصبح واثقا من عشق سارة له لدرجة جعلته يتناسى الماضي ...وخاصة أن اشتراك ثلاثتهم بحفل الزفاف وتقاسم تكاليفه بينهم جعلهم قادرين على إقامته بأحد أكبر قاعات الأفراح بهذا الفندق الفخم وهو الأمر الذي كان يستحيل أن يستطيعه واحدا منهم منفردا ...حتى مدحت رغم ثراء والده إلا أنه أصر أن يعتمد على نفسه ...
ابتسم أكرم بسعادة وهو يفكر أن الله كلل جهدهم بالنجاح ... فهو استطاع خلال عام واحد أن يصنع اسما جيدا بلندن وخاصة بالمركز الطبي الذي يعمل به بجوار المشفى ...وقد نشر بحثا عن تقنية علاجية جديدة تقلل من فترات العلاج لمصابي الحوادث باستخدام تقنية تجمع بين الأدوية العلاجية ..وأنواع الطعام وممارسة أنواع محددة من الرياضة التي تعمل على تقوية العضلات ...ونجاح تجربته جعلته مطلوبا بالاسم واستطاع أن يكتسب شهرة نامية بالإضافة للربح المادي الذي مكنه مؤخرا أن يقبل العرض الذي كان خالد قد عرضه عليه قبل سفره بمنحه الشقة المجاورة لشقيقه سامح بالمشروع الجديد ...وأن يدفع ثمنها عندما يقدر أو بالتقسيط المريح ...لقد رفض العرض سابقا لأن سعرها كان يفوق حتى إمكانية تفكيره بالأمر ...ليفاجئ بعد عودته بأن خالد ما زال محتفظا بها ما أن سأله عن وجود شقق ما زالت خالية بالمشروع ...ليضحك زوج شقيقته بسعادة وهو يخبره بمكر أن جميع شقق المشروع تم حجزها ولم يتبقى سوى شقته هو التي ما زالت بدون اسم صاحبها على العقد ... ليبتسم بسعادة بينما تتعالى الموسيقى وتظهر أول عروس ...لقد اتفقوا أن يتم زفاف كل عروس منفردة حتى القاعة تزفها فرقة مختلفة.. وبعد تجمع الثلاثة تبدأ فقرات الحفل المجمع... وبما أنه الأكبر سنا بينهما فقد كان الأول... لتهبط حبيبته الدرج متأبطة ذراع أخيها حسين ..الذي كان يشع فخرا وسعادة وتنضح ملامحه برجولة مبكرة وهو يهبط معها ليسلمها لأكرم .. الواقف بذهول ينظر لطلتها الآسرة ...بثوب يشابه ثياب الأميرات بنصف علوي من الجيبير المبطن بالتل والمرصع بحبات من الماس المقلد.. محكم على نصفها العلوي حتى الخصر ليتسع بانتفاش وطبقات متعددة من التل والحرير والستان تداخل معا .. ويزينه تطريزات رقيقة على حوافه ويعلوه طرحة رائعة مثبت فوقها تاج صغير فوق حجاب منسوج من نفس خامة الفستان جعلها تبدو رائعة بزينتها الرقيقة غير المبالغ فيها... كانت فاتنة لعينيه ...رقيقة ...محتشمة لا يظهر منها شيئا كقطعة حلوى مغلفة من أجله فقط ...فقد ارتدت حبيبته الحجاب منذ فترة بسيطة ..وهو ما أسعده بشدة ....عندما فاجأته بالأمر أثناء اتصالاتهما الهاتفية اليومية عبر شبكات التواصل ..والتي زادت من التقريب بينهما رغم أنها كانت أحيانا لا تتعدى الدقائق لانشغال أكرم الدائم ..وما أن تسلمها من يد شقيقها الفخور ..حتى نظر لها بعيون عاشقة ومال مقبلا جبينها وهو يهمس لها بتوق عاشق ...
"..وأخيرا حبيتي ...أصبحت لي قولا وفعلا ...أعانني الله على القدرة على فراقك ثانية بعد أن صرت ملكي" ...لتنظر له بعشق وهي تجيبه بخفوت :
"لا تذكرني الآن بسفرك ثانية ...لا أريد أن أفكر أنك ستتركني ثانية لعام آخر "
ليلف يدها حول ذراعه ويتحرك بها وسط موسيقى الزفاف باتجاه القاعة وهو يميل إليها قائلا بهمس :" فقط عدة أشهر أخرى تنهي بها عامك الأخير وتلحقي بي ...لولا أنني لم أعد أطيق صبرا على بعدك ..لأخرت زفافنا حتى تنهي دراستك ...لكن صبري نفذ شوقا لوصالك حبيبتي ..لذا صممت ما أن علمت بتحديد سامح لموعد زفافه أن أنزل بإجازة قصيرة لنتمم زفافنا معه .. فقد قتلني الشوق حبيبتي ...ورغم كون إجازتي لأسبوعين فقط ..لكني أنوي أن استغلهم تماما ...فلن أتركك للحظة ...بل لن نغادر غرفتنا بالفندق الذي حجزت به رحلة شهر العسل"
..لتحمر خجلا من نظراته التائقة ...وكلماته الوقحة ...بينما يصلا لمكان جلوسهما بالقاعة بانتظار حضور باقي العرسان
-----------
كان سامح يزفر بضيق وهو يدمدم بحنق:
"ما الذي أخرها حتى الآن أليس من المفروض أنه بمجرد أن تتحرك زفة أكرم تهبط أختك ...هل تاهت في الطريق من الحجرة إلى الدرج "
..لينظر لمدحت المبتسم بسماجة وهو يقول له بضيق:
"هلا اتصلت بأبيك لتعرف لما تأخرا هكذا وكف عن نظرتك الشامتة تلك حتى لا أفسد طلتك تلك بقبضتي "
ليرد عليه مدحت بتشفي مازح :
"تستحق لأنك أصررت أن تكون الثاني في الزفة وأكون أنا الأخير ...فتحمل ..لابد أن شقيقتي المدللة ما زالت تثير جنون المزينة وهي تغير بطلتها كل دقيقة ..أو ربما تبكي في أحضان أبي وهي ترفض ابتعاده عنها ...فهي أصبحت لا تكاد تفارقه منذ جاءت للإقامة معنا قبل عدة أشهر ..مزاحمة إياي عنده .. لقد باتت تشعرني أنها قد عادت طفلة لا تكف عن التدلل من كثرة طلباتها الغريبة التي يستجيب لها أبي بسعادة تثير الحنق"
ليزفر سامح بغيظ وهو يفكر بصحة كلام صهره ...فماهي التي ما زال لا يعرف سبب شجارها مع والدتها الذي تبع مصالحتها لأبيها وجعلها تترك الفيلا وتقيم هي أيضا مع مدحت بشقة أبيهما بحجة معاونته على خدمة أخيها حتى يتماثل للشفاء ...رغم أن مدحت كان يتحسن باضطراد... وخطيبته لا تكاد تفارقه إلا أنه لم يحاول سؤالها عن الأسباب محترما رغبتها ..فالأمر لا يهمه طالما أنها رغبتها وخاصة مع شعوره بتحسن حالتها وسعادتها بقرب أبيها ...لكنها أصبحت تثير جنونه وغيرته بالتصاقها الدائم به .. وحماه أيضا يجعله يتميز غيظا وهو لا يكف عن احتضانها أمامه وتدليلها ...كما انه منذ انتقالها عند أبيها لم يعد يجد الفرصة للانفراد بها وتقبيلها كما يشتهي... فأبيها يكاد لا يفارقها ....اللعنة أنه يشتري لها الحلوى والعرائس..وهي تسعد بالأمر كما لو كانت طفلة .....لكنه رغم كل هذا الجنون يزداد ولعا بها وعشقا لها ..ليرفع عينيه مع انطلاق الموسيقى التي تنبئ بحضورها لتتسع عيناه بذهول وهو يرى طلتها المهلكة... و ابتسامتها الساحرة وهي تتمسك بيد أبيها وتهبط ببطء... كملكة متوجة بشعر مسدل خلف ظهرها دون طرحة زفاف ..حيث رفعته من الأمام والجانبين بطوق من الزهور البيضاء تماثل المنتشرة بين خصلاتها التي استطالت حتى منتصف ظهرها ...ليزفر أنفاسه باختناق وهو يتساءل بينه وبين نفسه إن كان بإمكانه أن يخطفها ويهرب بها ضاربا بالحفل عرض الحائط ...لأنه غالبا سيرتكب جريمة قتل قبل انتهائه ..خاصة مع رؤيته لثوبها الذي أشعل لهيب جنونه ...فرغم أنها التزمت بعد شجارات عدة بأوامره بعدم ارتداء ثوب عاري يكشف جسدها لكن الثوب المغلق كان عبارة عن فتنة متنقلة ...فثوبها من الجبير والتل المبطن والمغلق تماما من الأعلى بكمين قصيرين يغطيان فقط أول الذراع ..لكنه ملتصق تماما بجسدها من أعلى وحتى الركبتين ليتسع بعدها على شكل زيل سمكة جعلها تشبه حورية البحار التي تسحر البحارة بجمالها ...وما أن وصل إليه عز الفخور بأميرته حتى التفت إليها مقبلا جبينها بمحبة وحنان دافق تبعه شقيقها مدحت مقبلا ومهنئا ليسلمها أبيها لسامح وهو يقدم يدها إليه بتردد كما لو كان غير راغب بترك يدها بينما يقول له برجاء وتحذير:
"هي أمانتك بني حافظ عليها وإياك ..إياك أن تحزنها يوما وإلا واجهتني ...فهي أميرتي المدللة "
ليتسلمها سامح بعد أن وعده بالحفاظ عليها ليميل لتقبيل جبينها وبعدها مال لأذنها هامسا بتوعد :" حسابنا بعد قليل على هذا الثوب "
لترفع حاجبها قائلة بمكر ودلال كادا يطيرا بصوابه:
"ما به حبيبي غاضب ..لقد نفذت كل تعليماتك ...ثوب مغطي ..غير فاضح ...لا يظهر شيئا من جسدي "
ليقضم شفته السفلى غيظا وهو يقول من بين أسنانه أثناء توجهه بها للقاعة:
"ونعم الالتزام!! ...غير فاضح ؟!! حقا؟؟؟!! وهو يشبه الجلد الثاني عليك ولا يترك للخيال شيئا ...حسابنا مؤجل لساعات قليلة يا مدللة أبيك بعدها..."
..ليصمت ناظرا لعينيها المعلقة به ببسمة تجمع بين المكر والدلال تحولت لخجل وهي ترى نظرة عينيه العابثة المتوعدة وهو يلعق شفتيه دون أن يكمل ...
-----------

ما أن اختفت زفة شقيقته حتى صدحت الموسيقى للمرة الأخيرة ليرفع رأسه لأعلى الدرج وما هي إلا لحظات حتى ابتلع لعابه بصعوبة وهو يشاهد ذهبيته المتألقة بثوب يشابهها ...أبيض بخيوط ذهبية ..وطرحة تكلل شهرها الذهبي يمسكها طوق من الورود البيضاء والذهبية ..كانت رائعة أثيرية الهيئة ..أشعلت نبضاته بجمالها الرائع بثوب كما لو كان منسوجا من خيوط الشمس محتضنا قدها الصغير الرشيق بفتحة صدر بيضاوية صغيرة أظهرت رقة عظام ترقوتها واحتضن الثوب جذعها بانسيابية حتى الأرداف ليتسع بعدها حتى الكعب من الأمام ويطول لعدة أمتار من الخلف ..كانت تنظر له بابتسامة مشرقة مشعة كضوء الشمس التي أدفئت أيامه طوال العام الماضي وهي تمنحه حبها ... مساندتها ..إيمانها به ..دعمها لكل خطواته ...وخاصة منذ قرر أن لا يجعل عدم قدرته على الحركة بسهولة تمنعه من خوض غمار العمل لينشئ موقعا على الانترنت للدعاية والتسويق ..بدئه بمشروع خالد ...وبعدها فندق آسر .. حتى مشفى أبيها ..أستطاع جعلها عالمية من خلال الدعاية التي صممها لها عبر مختلف وسائل التواصل ..حتى ذاع صيته واستعانت به كبرى الشركات وأصبح ويقدم استشارات لمختلف المشاريع عبر العالم وينجح بقوة وبمجهوده ...رافضا كل محاولات أبيه لدعمه ماليا ..أو حتى خالد لعودته للعمل معه ...ليثبت لها ولأبيها ولنفسه قبلهم أنه شاب ناجح ..و يعتمد عليه ...أنه رجل قادر على أن يمنح عروسه الحياة الكريمة التي تليق بها وبمجهوده الشخصي ...وهي كانت نعم السند ...حتى أثناء رحلة العذاب والألم ..والغضب والثورة أحيانا ...التي رافقت فترات العلاج الطبيعي ..ومحاولة السير على ساقيه .. حيث ظل بالبداية لفترة على كرسي بعجلات .. ثم اعتمد على عكازين... فعكاز واحد ..حتى وصل للمرحلة الحالية التي يشكر الله عليها... واستطاع السير على ساقيه أخيرا ... وإن كان ما يزال يعاني من عرج خفيف طمئنه الأطباء أنه سيزول مع الوقت والعلاج ..والآن وبعد أن أثبت نفسه وصنع اسما بجهده الشخصي .. وافق على أن يشارك أباه بشركة للدعاية والتسويق ... سيبدآن بها بعد عودته من رحلة شهر العسل .. تسلم يدها من أبيها الدامع العينين ..والذي قال له بصوت متهدج من شدة تأثره:
"هي أمانتك ووصيتك بني ليس لها في الدنيا بعد الله غيرك ...فاحفظها وراعها وكن لها أبا وأخا قبل أن تكون زوجا ..ليميل مدحت مقبلا جبين أبيها وهو يقول له بمحبة :
"حفظك الله لها عماه ...لا تخشى عليها هي في قلبي وعيني ..هي روحي التي تبقيني حيا ..فهل هناك من لا يحافظ على روحه " ليتسلم يدها بعد أن احتضنت أبيها بقوة ويتجه بها إلي مكانهما بالقاعة لتبدأ مراسم حفل الزفاف
******

كانت تدور في القاعة بثوبها الكحلي المحتشم والأنيق رغم بساطته وطرحتها الفضية ..والتي منحت ملامحها الخمرية وهجا مضيئا رغم عدم وضعها زينة فيما عدا بعض الكحل وملمع شفاه لا يكاد يلحظ .. ظلت تساعد خالتها في الترحيب بأفراد العائلة وإرشاد الضيوف لأماكنهم ... خاصة مع تعنت والدتها ورفضها معاونة شقيقتها أم أكرم ..حيث ما زالت ناقمة عليها لعدم زواج أي من ولديها بها ..إلا أنها حاولت التعويض عن أمها وهي تقوم مع شقيقها سيد بمعاونة خالتها وزوجها وهمس في كل ترتيبات حفل الحناء بالأمس وحفل الزفاف اليوم ...لقد كانت سعيدة لابني خالتها...ومؤمنة أن نصيبها لم يأتي بعد ...كانت تتحرك بابتسامتها الرقيقة التي تظهر غمازة خدها وبراءة ملامحها ونقاء قلبها الذي أنعكس على وجهها فمنحه جمالا وضياء ...جعلها تبدو لعين المراقب لها منذ دقائق عدة دون قدرة على إزاحة عينيه عنها رغم محاولات الكثيرات من الفاتنات بالقاعة لفت نظره متوهجة بقوة رغم بساطة ملامحها التي تعد عادية على مقياس الجمال
-------------

تحرك خالد بعد أن استقبل العديد من الحضور و رحب بأغلب ضيوف الزفاف ...باتجاه والدته الحاملة لطفله بين ذراعيها ...فهي منذ مولد أمجد الصغير منذ ثمانية أشهر وهى لا تكاد تفارقه ..ليهمس لها بخفوت من بين أسنانه:
"أماه تعالي على نفسك وأجلسي مع عمتي وصديقاتها وحاولي تلجيمها حتى تكف عن نظراتها المهينة وكلماتها الجارحة لكل من يحاول الاقتراب منها وتهنئتها من أقارب سامح ... ألا يكفى أنها حضرت الحفل تحت ضغط مني حتى لا تحزن ماهي لعدم حضورها زفافها وأيضا حتى لا تثار الأقاويل حول عدم حضورها ...ليتني استمعت لمدحت ولم اضغط عليها للحضور... فهي تنتوي افتعال مشكلة بطريقتها تلك"
لتزفر والدته قبل أن تربت بهدوء على كفه مطمئنة وتناوله أمجد ليحمله بحنو بينما تتحرك ناحية تلك المنضدة التي تجلس بها رقية وبعض من قريباتها ورفيقاتها بالنادي..وجميعهن تحمل ملامحهن نظرات تعالي وازدراء وهن يناظرن الناحية الأخرى الممتلئة بأقارب أكرم وسامح بملابسهم البسيطة وطريقتهم الشعبية في التعبير عن الفرح والسعادة ومجاملة أهل العريسان ...لتشاركهم الجلسة قاطعة عليهم أي محاولة لتعدي الحدود بالكلام أو النظرات
-------------------
بينما في الناحية الأخرى كانت ريهام وهمس منهمكتان بالترحيب بجيرانهم وأصدقائهم ومحاولة منع الأطفال من أبناء حارتهم المرافقين لذويهم من الصعود لمنصة العرس وإفسادها وتمزيق الزهور بالقاعة بلا فائدة تذكر..ليتبادلن النظرات بنزق مستسلم قبل أن تتوجه ريهام لزوجها الجالس بجوار أبويه يداعبهما على تلك الرحلات المستمرة حول العالم... والتي لا يكادا يكفا عن الذهاب إليها طوال العام ليغمزه والده قائلا أنهما لولا شوقهما لحفيديهما ما كانا عادا للوطن فهو يفضل أن يعيد مع أمه ذكريات شهر العسل ...لتنطلق ضحكات أحمد بارتياح وهو يغمز لوالده مداعبا خاصة مع احمرار وجه أمه خجلا ونزقا من زوجها وابنها...
---------------------
أما همس فذهبت لترى إن كان أشقاء هند ووالدتهم يحتاجون لشيء ...لتجد معاذ يلعب مع بعض الأطفال حول المنضدة ...بينما حسن يجاور أمه الجالسة بانزواء وصمت ...جعل همس تشعر بالشفقة عليها رغم كل ما مضى ... لتحييها وتطمئن على الصغار ...وتتجه لزوجها حاملة صغيرها الحبيب المتعلق بأحضان أبيه وهي تفكر بنبيلة التي منذ خروجها من السجن بعد قضائها ستة أشهر به ..تحولت لمخلوق صامت منزوي ...لا تكاد تخرج من بيتها أو تتحدث مع أحد ...خاصة أن الجميع نبذها وأولهم جاراتها اللاتي كانوا يشاركونها سابقا جلسات الذم والنميمة لتصبح هي الآن محور جلساتهم .....ولا يكاد يحادثها أحد من جيرانها إلا أمها بضغط من أبيها لأجل خاطر أطفالها... كما أنها أصيبت بمرض السكري وفقدت الكثير من الوزن لدرجة جعلتها تبدو كما لو كان عمرها تضاعف مرات في عام واحد..لكن رغم ما حمله هذا العام من مصاعب لهند وأخوتها..إلا أنه أيضا جعلهم أكثر ترابطا وقربا ..و أظهر معدن حسين الأصيل فالفتى المراهق أصبح أكثر نضجا وتحملا لمسئولية نفسه وأخوته...و معاونا لهند بقوة ..ليكون رغم صغر سنه نعم الأخ والسند لها ...لتعود من شرودها على شد صغيرها لخصلات شعرها فتبتسم لمناغاته ...وهي تدغدغ بطنه لتنطلق ضحكاته و تقول له بعشق ..متى تكبر حبيبي لتكون سندا لي ولأبيك ..لتتسع ابتسامتها وهي تشعر بذراع خالد الملتفة حولها تضمها وصغيرهما لرحابة صدره حيث أمانها وموطنها
----------------

تجاهلت طلب زوج أختها النزق لها بأن تلتزم مقعدها وهي تخرج له لسانها بشقاوة وتطلب منه أن يكتفي بفرض سيطرته وتنمره على زوجته..لتمد تقى يدها إليه وهي تطلب منه أن يدع رؤى وشأنها ليعيد ياسر نظراته الغاضبة لها وهو يقول بنزقه المعتاد:
"لا أدري سر تصميمكم على أن نحضر حفل الزفاف هذا ...نحن لا علاقة لنا بأي منهم ...لترفع تقى نظراتها لأعلى بضيق وهي تقول بإرهاق:
"ياسر لقد تعبت وأنا أخبرك للمرة الألف أن مهينار زميلتنا بالمجموعة وكذلك السيدة همس رئيستك...و كلتاهما .. قامت بدعوتنا وأصرت على حضورنا ...كما أن السيد خالد أيضا أصر على حضورنا جميعا بما فيهم أباك وأمك ..حتى أبي وأمي وإخوتي خاصة بعد تشاركه مع أبي بالمشروع الخيري ...والحفل يخص أقاربه وأقارب همس فكف عن التذمر لقد تعبت"
لينتفض قلقا وهو يمسك يديها بخوف سائلا:
"هل تشعرين بالإرهاق؟ ...هل نعود للمنزل لتستريحي؟!" ليضيف بقلق :
"أنت دخلت شهرك السابع ..ويجب أن تستريحي ..لا يجب أن..."
لتقاطع قلقه الذي يزداد عن حده أحيانا لدرجة تشعرها بالاختناق ..لكنها لا تنكر أنها عميقا بداخلها تسعد بقلقه واهتمامه... حتى لو أنكرت الأمر وادعت الملل والغضب .. لتمسك يده بمحبة و تؤكد له أنها بخير ..قبل أن تبتسم وهي تغمز له مشيرة لوالديه المندمجين معا بحديث هامس وهما ينظران لعيون بعضهما كالعشاق ويد أبيه تحتضن يد أمه غافلين عن العالم حولهما ليبتسم كلاهما وهما ينظران لبعضهما بتآمر قبل أن يميل ياسر عليها قائلا:
" دعيهما يتمتعان معا قليلا فما أن تنجبي أشرف الصغير حتى نتركه لهما ..ونتفرغ نحن لبعضنا" ..لتضحك بشقاوة وهي تقول :
"أيها الغيور ..أنت تريد أن تنكد عليهما صفوهما"
فيجيبها بمشاغبة:
"نعم ...يكفيهما ما يزيد عن العام وهما يشعراني بأنهما هما العريسان ...بينما أنا لم أتمتع بفرحة الإحساس بكوني عريسا إلا لشهر واحد لتصابي بعدها بكل أعراض الحمل حتى أنك كرهتي قربي!! ...لا يجوز أن ينعما هما وحدهما وأعاني أنا!!... ما أن تنجبي سأتركه لهما وآخذ حقي من التنعم بك دون شريك " ...لتنطلق ضحكاتها عليه وهو يلعب لها حاجبه ويغمزها بمشاغبة حسية ..أنتبه لها والديها الجالسين معهما لينظرا لبعضهما بابتسامة سعيدة وراضية ... بينما نظرت لهما رؤى بابتسامة خبيثة قبل أن تتسحب دون أن يشعرا بها.. تاركة مقعدها للتجول بين أرجاء القاعة تبدي إعجابها وانبهارها بتنسيقها ...وتتعرف على المتواجدين بطبيعتها الشقية وقدرتها العالية على اكتساب الصداقات والتعرف على الناس بسهولة ويسر .. بينما تتبع عيناها هذا الآسر كاسمه ..وهي تتميز غيظا من عدم قدرتها على الاقتراب منه والتعرف عليه كما ترغب..خاصة مع كل تلك الفتيات اللاتي تلتف حوله ..حتى يكدن يلقين بأنفسهن عليه بدعوات صريحة ...لتقف مراقبة إياه من أحد جوانب القاعة بملامح مقطبة وعيون تطلق شررا غاضبا قبل أن تقول بصوت نزق:
"يا الهي ..ماذا أفعل لينتبه لي؟!! ...وكيف سينتبه من الأساس وهؤلاء المتميعات متلفات حوله كالأفاعي؟! ...هل أحاول الاقتراب منه وأنا ممسكة بكوب عصير وأدعي السقوط أمامه ليسارع بإنقاذي"
...لم تكن منتبهة للواقف خلفها مستمتعا بالعرض الغاضب الذي تقدمه حتى أجفلت وأحمر وجهها بإحراج وهي تسمعه يرد عليها بسخرية:
"خطة فاشلة ومكررة بالأفلام القديمة ... للفت النظر ..ولا أنصحك بها لأنها غالبا ستتسبب بسكب العصير على ثوبك وإفساد طلتك تلك التي تحاولين بها التأثير عليه...وغالبا ستثيرين غضبه منك لا إعجابه بك ..خاصة إن لوثتي بذلته الأنيقة والتي تبدو مصممة خصيصا لأجله...فكري بخطة أخري لنيل اهتمامه"
..ليضيف بسماجة وهو يمط شفتيه وعينيه تمسحها من أعلى لأسفل قبل أن تنتقل عينيه لآسر المحاط بعدد من الفتيات الفاتنات :
"ولو أني لا أظن مثله سينظر لطفلة مثلك مهما ارتدت ثوبا يفوق عمرها ولطخت نفسها بالمساحيق ...ما زلت صغيرة جدا لرجل كهذا"
لتشتعل عينيها غضبا وتنظر له بغيظ وهي تقول بوجه محمر ضيقا وإحراجا:
"أنا لست صغيرة ...ثم ما شأنك أنت أيها السمج الوقح..كيف تسمح لنفسك أن تتنصت على حديثي مع نفسي ها؟!! "
ليرفع حاجبه وهو يقول لها بسخرية:
" ..وهل تنصت عليك بحجرة نومك مثلا ...لقد وقفت كحمقاء مجنونة أمامي تضربين قدميك بالأرض وتصرخين كالأطفال بخطتك الغبية ..الحق علي لأني أردت تنبيهك لكونها خطة فاشلة قبل أن تجعلي من نفسك سخرية أمام الناس وأمام من ترغبين لفت نظره"
لترد عليه صارخة بغضب طفولي:
" لا شان لك بي ..ثم من تكون بأي حال" ..لتنظر له من أعلى لأسفل وهي تسأله باستهانة تبدو كأحد المتسللين لحفلات الزفاف طمعا ببعض الطعام المجاني " ليرفع حاجبه بسخرية منها وهو يقول هازئا:
"آسف لتخيب ظنك أيتها الصغيرة ..أنا سيد ابن خالة أكرم وسامح .. أي أنني مدعوا من عريسين بالحفل وليس واحدا .. ..وأنت من تكونين؟!! تبدين كطفلة هاربة من أبويها بعد أن لعبت بأدوات زينة والدتها"
لتضرب قدمها بالأرض وهي تسبه بغضب:
"أيها الجلف الوقح ..عديم الذوق و التمييز ..وكيف أنتظر ذوقا ممن يدعى سيد!! ..هل هناك من يسمى سيد حتى الآن؟!"
لتتركه مبتعدة ناحية مقاعد أسرتها بغضب وقد نسيت مراقبتها لآسر في خضم شجارها معه ...لتتركه خلفها بعينان اشتعلتا بمزيج من الإعجاب والغضب من تلك الشعلة الصغيرة ...ليمط شفتيه بسخرية ذاتية وهو يقول لنفسه :
"إياك سيد ...إياك ...لا تسمح لنفسك بأكثر من نظرة إعجاب عابرة ...فمثلك لا تتحمل ظروفه ما هو أكثر ..وقطعا ليس مع تلك الشعلة الصغيرة "
ليبتسم آسفا وهو يشيعها بابتسامة بينما تذهب للجلوس مع عائلتها ..بينما يستدير مانعا عينيه من النظر ناحيتها ثانية .. ليتقدم لاستقبال زفة أكرم التي دخلت القاعة
-------------
ما أن دخل الأزواج الثلاثة تباعا واستقروا بأماكنهم حتى انخفضت الأضواء بالقاعة وتركزت عليهم لتبدأ فقرات الحفل حيث أعلن منسق الأغاني أن الأغنية الأولى التي سيفتتح بها الرقص هي اختيار موحد أتفق عليه العرسان الثلاثة وطلب منهم التقدم لحلبة الرقص ...ليتقدم كل عريس ممسكا بيد عروسه على أنغام أغنية صابر الرباعي
انا بعشقك ليه لأ .. وعندي ألف حق
مالقيتش أحن منك في الدنيا ما فيش ارق
وسنيني معاك تمر .. ما فيشهاش ولا ثانية مر
سلمتلك حياتي ملك ايديك وانت حر
أنا قولتلك وحلفتلك هكملك لو حاجة فيك ناقصاك
قبلك أنا ضيعت وقت دا انا اتخلقت عشان اكون وياك
. . .
على ايديك اتولدت .. واتعلمت الحياة
انا حد تاني بجد غير اللى الناس شايفاه
أنا قدامك كاني .. بكلم حتة مني
حبك غير حياتي وكنت هضيع لولاك
أنا قولتلك وحلفتلك هكملك لو حاجة فيك ناقصاك
قبلك أنا ضيعت وقت دا انا اتخلقت عشان اكون وياك

كان كلا منهم يضم حبيبته بين يديه بعشق وسعادة ...بينما تحكي عيونهم قصة حب كان مستحيلا يوما ليصير بفضل الله وتوفيقه واقعا تضمه أيديهم ...لتفيض قلوب العرسان حبا وهم يضمون عرائسهم بين أيديهم و تشتعل وجنات العرائس خجلا وسعادة ...

وبينما تخفض هند رأسها هربا من نظرات أكرم وهمساته الوقحة عن ما ينتويه بإجازته القصيرة ...
كانت سارة تهدد مدحت بشقاوة لو اقتربت منه إحدى فتيات النادي المتواجدات بالحفل ...ليبتسم بتعجب وهو يهمس لها سائلا عن سبب دعوتها لهم إن كانت تكرههم ..لتقول مازحة وهي تستجيب لضمه لها :
"حتى يعلموا أنك لم تعد متوفرا ..وأصبحت ملكية خاصة لي وحدي"
..ليزيد من ضمها بسعادة وهو يؤكد على قولها بأن عيناه وقلبه لم تعد ترى سوى شمسه الذهبية ...
أما سامح وماهي فقضيا الرقصة في شجار عشاق ..فرغم ضمه لها بقوة بين ذراعيه ..ومحاولتها الابتعاد قليلا بلا فائدة إلا أنه لم يكف عن تعنيفها على هذا الثوب الذي يفصل جسدها لدرجة تكاد تجعله راغبا بفقء عيون كل الرجال بالقاعة التي تتطلع لمواطن فتنة تخصه وحده ... ليستغل دورانها ليصبح ظهرها للجدار الخلفي.. ووجهها ناحية الحضور فيخفض يده بخفة من خصرها لأردافها قارصا إياها بقوة على تلك المنطقة التي يلتصق بها الثوب مثيرا جنونه لدرجة جعلتها تشهق وقبل أن تسأله بوجه محتقن... عن سبب ما فعل وتنهره كان يقول لها بغل وهو يشدد من احتضانه لها ...
"تلك عينة مما ستنالينه من عقاب ما أن نكون بمفردنا ..حتى تتعلمي أن هناك أماكن خاصة لا يحق لأحد معرفة تفاصيلها سواي"
لتشهق خجلا وتنهره بنزق هاتفة:
"أيها الوقح كف عن أقوالك عديمة التهذيب "
ليميل على أذنها هامسا :
"الوقاحة وانعدام التهذيب ستعرفينها على أصولها بعد قليل فاتنتي الوقحة"
لتنتهي الأغنية ..ويتجه الجميع لمقاعدهم ...بينما تتوالى فقرات الحفل ما بين أغاني شعبية وأغاني هادئة ...ورقصات متعددة شارك بها أصدقاء سامح وخاصة ابن خالته سيد الذي أشعل الحفل حرفيا مع حسين شقيق هند .. بينما شاركهم سامح لبعض الوقت وكذلك مدحت وأكرم ...لكن مدحت كانت مشاركاته محدودة دون قدرة على الاستمرار لفترة طويلة حتى لا يجهد ساقه ..وأكرم كان يفضل البقاء معظم الوقت بجوار هند التي شاركت بالرقص لدقائق معدودة فقط مع بعض زميلاتها وجارتها...بينما رقصت سارة لفترة مع ماهي و مدحت لتكتفي بعدها بالجلوس والمشاهدة ما أن لاحظت إرهاق مدحت لتسأله بقلق إن كان أجهد قدميه ...ليميل عليها هامسا بأنه لا ينوي إجهاد نفسه بالرقص فهو سيحتاج قدراته كاملة لاحقا ...ليشتعل وجهها بحمرة خجل فاتنة أشعلت قلبه ليمسك يدها بين كفيه ويكتفي بمراقبة شقيقته التي تتفنن بإثارة جنون عريسها ..
أما ماهي فلم تهتم أو تستجيب لمحاولات سامح لمنعها من الرقص بل ...كادت لا تجلس طوال الحفل إلا لماما ...ليفقد سامح القدرة على منعها خاصة مع لمعة السعادة والفرح بعينيها وهي تشارك أباها الرقص لمرات عدة ..ليجد أن الحل الأفضل أن يشاركها هو محاولا تلجيم رقصها لحد ما ومداراتها بجسده عن الحضور بالقاعة .. قدر استطاعته
---------------

ابتعد لآخر القاعة يمسح الدموع التي عاندته لتسيل من عينيه ...دموع تحمل بين طياتها سعادة ممزوجة بالألم والحزن ...فهو رغم فرحته لزواج صغيريه اللذان كبرا بعيدا عن أحضانه ...ليسترجعهما مؤخرا ...لكنه حزين لأنه لم يكتفي منهما ...لم يشبع من عبق وجودهما معه وحوله ..فما أن عادا لأحضانه ها هما يبتعدا ثانية... ليبني كلا منهما حياته بعيدا عنه ...لكنه راضي ..فيكفى أنهما أعاداه لحياتهما ... ليعد نفسه بأنه سيظل دوما جزءا منها... وقريبا إن أطال الله بعمره سيحمل أحفاده بين ذراعيه ...يعوض بهم ومعهم ما فاته مع والديهم ...ليستدير برأسه ببسمة حزينة وعيون دامعة ...لتتسمر نظراته على باب القاعة بينما يلمح تلك المجموعة التي ولجت منه .. مجموعة مكونة من رجلين وامرأتين بملابس بسيطة وملامح مغلقة...لكن عيناه تعلقت بواحدة منهم..امرأة لا يمكن أن ينساها مهما مر الزمن ..فملامحها التي حفر الزمن بصماته عليها محفورة بعمق في شرايين قلبه الذي ازدادت نبضاته وهو ينظر لها بذهول وعدم تصديق بينما يردد لسانه أسمها بذهول ... "سامية ؟؟!! مستحيل ؟!!"
------------------

كانت الفقرات تتوالى بينما يزداد نزق العرسان رغبة بإنهاء الحفل والانفراد بعرائسهم ...ليتنفسوا الصعداء أخيرا ومنسق الحفل يطلب منهم التوجه لمنصة الرقص لينهوا الحفل برقصة أخيرة على نغمات أغنية اتفقت العرائس على اختيارها كهدية لعرسانهم لتتعالى النغمات مع صدوح صوت اليسا وهي تشدو

عايشه حالة حب معاك واخداني
وصعب انها تتكرر تاني
وبعيشها لو انت بعيد او قدامي
واخيرا الايام رضيو عليا
اخيرا جه يا حبيبي يوم ليا
ارتاح من قسوة ايامي
سيبني اسرح فيك شويه .. وانسي ايام ضاعو مني
نفسي عمري يعدي بيا وانت بعينيك دول حاضني
وانا جنبك شايفه منك حاجه من ريحة ابويا
حب الدنيا دي جواك ومعاك .. شايفه حنية أخويا
وانت هنا معايا .. بدعي من جوايا
تجمعني الايام بيك .. ربنا يقبل دعايا
عايشه حالة حب معاك واخداني
وصعب انها تتكرر تاني
وبعيشها لو انت بعيد او قدامي
واخيرا الايام رضيو عليا
اخيرا جه يا حبيبي يوم ليا
ارتاح من قسوة ايامي
كل يوم بينك وبيني .. مش هيبقي يوم وعدى
بكره يجي وتلاقيني .. نفس احساس النهارده
من هنا ورايح سنيني .. ناويه اعيشهالك بحالها
وانا صعب سنيني فى يوم تتعاش ..
غير لإنسان يستاهلها
وانت هنا معايا .. بدعي من جوايا
تجمعني الايام بيك .. ربنا يقبل دعايا
عايشه حالة حب معاك واخداني
وصعب انها تتكرر تاني
وبعيشها لو أنت بعيد او قدامي
وأخيرا الأيام رضيو عليا
أخيرا جه يا حبيبي يوم ليا
ارتاح من قسوة أيامي


ليفاجئ أكرم الجميع مع نهاية الأغنية بحمل هند بين ذراعيه ليدور بها ....لتتعالى صيحات الحضور وصافرات الشباب بينما يلحقه العريسان الآخران بنفس الفعل ...ليكون مشهدا رائعا تخلده الكاميرات... والعيون... والقلوب لثلاث عرسان يحملن عرائسهن بعشق ويدرن بهن وسط هتاف الجميع ...البعض يهتف حبا وسعادة ..والبعض مجاملة ...والبعض ادعاء بينما يحمل بداخله حسدا وحقدا ..
وأيا كان ما في القلوب فلا يعلمه إلا رب القلوب ...فالحياة تدور كدوران العرائس بين يدي أزواجهن ... وتبقى الناس بطباع متباينة ..كتباين الطبقات التي حضرت حفل الزفاف .. وتظل الأقنعة باقية نتخفى خلفها طوال حياتنا ..لا يسقطها إلا الحب الصادق ..والقوي... فهو وحده القادر علي إسقاط الأقنعة ... أقنعة الوجوه... و أقنعة الذكريات ...و أقنعة القلوب !!
000000000000000


انتهت خالص امنياتي بقراءة ممتعة ولا تحرموني رأيكم بالرواية

 
 

 

عرض البوم صور سيمراء   رد مع اقتباس
قديم 22-11-18, 11:02 PM   المشاركة رقم: 34
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
قارئ مميز


البيانات
التسجيل: Jun 2010
العضوية: 174082
المشاركات: 4,029
الجنس ذكر
معدل التقييم: fadi azar عضو ماسيfadi azar عضو ماسيfadi azar عضو ماسيfadi azar عضو ماسيfadi azar عضو ماسيfadi azar عضو ماسيfadi azar عضو ماسيfadi azar عضو ماسيfadi azar عضو ماسيfadi azar عضو ماسيfadi azar عضو ماسي
نقاط التقييم: 4492

االدولة
البلدLebanon
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
fadi azar غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : سيمراء المنتدى : رومانسيات عربية
افتراضي رد: رواية ، خلف أقنعة الذكريات ،الجزء الثاني من سلسلة خلف الأقنعة ،بقلم رغيدا المصرية

 

رواية رائعة جدا

 
 

 

عرض البوم صور fadi azar   رد مع اقتباس
قديم 05-12-18, 07:04 PM   المشاركة رقم: 35
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Nov 2007
العضوية: 56280
المشاركات: 202
الجنس أنثى
معدل التقييم: السيدة ملعقة عضو على طريق التحسين
نقاط التقييم: 75

االدولة
البلدPalestine
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
السيدة ملعقة غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : سيمراء المنتدى : رومانسيات عربية
افتراضي رد: رواية ، خلف أقنعة الذكريات ،الجزء الثاني من سلسلة خلف الأقنعة ،بقلم رغيدا المصرية

 

بتجنن...كتييير حلوة


ممكن رابط التحميل لو سمحتي حبيبتي.. وشككرا

 
 

 

عرض البوم صور السيدة ملعقة   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
أقنعة, المصرية, الأقنعة, الذكريات, الثاني, الجسم, بقلم, رغيدا, رواية, سلسلة
facebook




جديد مواضيع قسم رومانسيات عربية
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 08:02 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية