كاتب الموضوع :
سيمراء
المنتدى :
رومانسيات عربية
رد: رواية ، خلف أقنعة الذكريات ،الجزء الثاني من سلسلة خلف الأقنعة ،بقلم رغيدا المصرية
الفصل الثامن عشر
يتجاهل بتعمد النظرات المتفحصة لوالدته الجالسة أمامه على طاولة الإفطار ...لقد رغب أن يخرج بسرعة دون أن يراها ..لكنه لم يشأ أن يشعرها بشيء .. يكفيها ما هم فيه ...لكن يبدو أنها كالعادة لديها قدرة على استشعار ما يحدث معه دون كلمات ...حاول إنهاء قهوته التي اكتفى بها ليخرج بسرعة قبل أن تبدأ جلسة الاستجواب.. وما أن هم بوضع فنجانه والتحرك حتى أوقفه صوتها المتسائل:
"ما بك خالد؟ ...لا تبدو بخير ..هل حدث شيء جديد؟! "
ليحاول التهرب وهو يجيب بمواربة :
"وهل كل ما يحدث يمكن أن يجعلني بخير أماه ..مشاكل العمل وأزمة السيولة الخاصة بالمشروع ...مصيبة مدحت التي لا ندري ما سيكون وضعه ..وعمتي واتفاقها الشائن مع هذا ألعاصم ..والمبالغ التي تدين بها له ..ليقطب بينما يتذكر أمرا فيرفع عينيه لها سائلا:
"هل استطعت الاتصال بالعم عز الدين لأجل إخباره بموضوع الفيلا ..أحتاج أن يرسل عقدا ابتدائيا موقعا منه بتاريخ قديم يبيع به الفيلا لعمتي ..حتى إذا ما حاول عاصم استغلال العقد الذي باعت هي به الفيلا له واتهمها بالتلاعب أو النصب يكون لدينا ما نرد عليه "
لتتنهد بضيق وهي تقول بقلق:
"لا أدري أين اختفى ..الأمر مقلق ...لقد أعتاد على الاتصال بي والتواصل معي كل عدة أشهر ليعرف أخبار أبنائه... ويطمئن عليهم من خلالي بعد رفض عمتك الرد عليه ..والتواصل معه ..وموقف أبنائه الرافض ..فيكتفي بإرسال المال لحسابها لأجلهم ..ومعرفة أخبارهم مني ..لكنه لم يتصل منذ أكثر من ستة أشهر على غير العادة ..وحاولت الاتصال أكثر من مرة مؤخرا بلا فائدة ..هاتفه مغلق ..لقد تركت له عدة رسائل ,,أتمنى أن يراها قريبا"
ليقطب خالد بينما يقول بضيق :
"المسألة لا تحتمل الصبر والانتظار ..سأكلف بعض معارفي بالسفارة هناك لمحاولة معرفة أخباره والتواصل معه ..لابد أن يظهر أو يتصل بسرعة ..يجب أن ارتب أوراقي واستبق أي تصرف من عاصم "
ليقاطع حديثه صوتها الخافت على غير العادة.. وهي تلقى التحية بينما تدخل لحجرة الطعام و تسحب الكرسي المجاور له لتجلس عليه ..ليقف هو بسرعة جامعا متعلقاته من هاتف ومفاتيح بينما يقول موجها حديثه لأمه متجاهلا إياها تماما:
"لقد تأخرت ..أمي ...سنكمل حديثنا لاحقا ..فلدي مواعيد هامة هذا الصباح ..وأيضا بعد الظهر وحتى في المساء ..لذا سأتأخر ..لا تنتظريني فلا اعرف متى سأعود"
ليتحرك بسرعة ..متجاهلا إياها...ليوقفه صوتها بينما لحقت به أمام الباب الخارجي وهي تقول بارتباك "خالد ...ألن تنتظرني ..أنا جاهزة ..فقط سأحضر حقيبتي وآتي معك"
ليتلفت ناظرا لها ببرود وحاجب مرتفع بينما يقول بصوت ساخر:
"تأتي معي أين سيدة همس؟! ..أنا ذاهب للعمل بمجموعة الراشد ..وعلى ما أتذكر ..أنت لا يمكن أن تعملي بمكان كهذا ..يديره شخصا فاسدا مثلي ..لا أظن الأمر يتوافق مع أخلاقك الرفيعة "
ليتجاهل محاولات مقاطعتها لحديثه بينما يقول بحدة :
"عفوا سيدة همس ..لا مكان لك معي.... لقد كلفت أمس ياسين بتولي الملفات التي كانت بحوزتك ..على أن يتولى محمود و ياسر ملفاته هو ..لذا لا تشغلي بالك ..وبإمكانك إراحة نفسك وضميرك ..فهناك من تسمح أخلاقهم بالعمل مع الفاسدين أمثالي"
ليتركها مندفعا للخارج ليدير سيارته وينطلق بها بسرعة..بينما وقفت تنظر لها و هي تتلوى ألما وحزنا ... وتقضم شفاهها ندما على ما تفوهت به بلحظة اندفاع منفعل ...لتدمع عيناها قهرا وهي تتذكر مخاصمته لها منذ ليلتين ..فمنذ تلك المواجهة بينهما ..والتي سألها بنهايتها عن ما تريده لينفذه لها ..لتنتبه لحظتها لفداحة ما تفوهت به ..فهي لم تقصد المعنى الذي وصل إليه من حديثها ..فتحاول توضيح وإصلاح الأمر .. لتخبره أنها لم تعني أنها ترفضه هو... هي فقط ترفض تصرفه ..لكن يبدو أنه أغلق عقله ..وكلما حاولت أن توضح له ما تعنيه كان يبدو أنها تزيد الأمر سوءا .. ليتركها بعد دقائق من محاولاتها الفاشلة للتوضيح ... ويتجه لأحدى الحجرات الخالية ليقضي الليلة بها بعيدا عنها للمرة الأولى منذ زواجهما ..وبالأمس غادر مبكرا دون أن ينتظرها ..تاركا أمرا مع الخادمة لتبلغها أن لا تحضر للمجموعة ...ولم تره طوال اليوم ..حتى عندما عاد ليلا تجاهلها ...ووجه حديثه لوالدته فقط حيث كانتا تجلسان معا بحجرة المعيشة... بانتظاره لتناول العشاء.. ليخبر والدته بعدم رغبته بالطعام وانه يرغب بالخلود للنوم مباشرة..وما أن لحقت به حتى وجدته خارجا من جناحهما حاملا ملابسه واحتياجاته متوجها لنفس الحجرة التي قضى بها ليلته السابقة ..ليتجاهلها رغم ندائها المتوسل عليه ...نائيا بنفسه عنها .. لتفيق من نظراتها التائهة على ربتة حانية على كتفها فتلتفت لحماتها لترتمي بأحضانها باكية ...بجسد مرتجف ونشيج متصاعد لدرجة أفزعت سمية... التي أخذت تهدئها وتربت على ظهرها وهي تسألها بقلق عن ما يحدث ..لتنتبه كلتاهما على صوت نحنحة محرجة صاحبت رنين جرس الباب المفتوح لتلتفتا للحاج محمد الواقف أمام الباب الخارجي برأس مطرق لأسفل وصوت نحنحة منبه لهما ..لتترك همس ذراعي حماتها و تنطلق لترتمي بين ذراعي أبيها وهي تناديه بنشيج باكي ...واندفاع كاد يوقعه للخلف على درجات سلم المدخل لولا أن تدارك الأمر بصعوبة وهو يتمسك بالحاجز بإحدى يديه بينما يلفها بالأخرى ..وعينيه تحمل تساؤلا قلقا للسيدة سمية الواقفة خلفها ..تبادله التحديق بحيرة ..وهى تحرك يديها بمعنى لا اعرف ما بها ...بينما تتحرك للأمام داعية إياه للدخول
-----------------
تكاد تتجاوز السرعة المسموحة للقيادة بهذا الطريق عائدة للمشفى ...يسبقها قلبها الملتاع خوفا على من تركته منذ ليلة أمس جبرا تحت ضغط أبيها الغاضب ...لم ترد أن تزيد من نقمته خاصة بعدما أخبرته بأمر طلاقها وأنها من أصرت عليه ..وأن الأمر لا علاقة له ببعثة أكرم ... ولا خوفا أو قلقا من السفر للندن عند أمها ..فهي كانت ستطلب الطلاق منه بكل الأحوال ..بعد أن أيقنت أنها لا تحمل له المشاعر الكافية للاستمرار معه كزوجة ..ورغم تأكيدها على أبيها أن أكرم تفهم موقفها ..وأنه لا يحمل ضغينة أو ملامة لكلاهما ......لكنها استشعرت حزنه وقدرته ...لذا لم تستطع أن تعارضه عندما أصر عليها أن تعود للفيلا للراحة وتكف عن الإقامة باستراحة الطبيبات .. محذرا إياها أنه لن يحضر لها المزيد من الملابس أو يقبل بمزيد من تجاوزاتها التي أصبحت تضعه بمواقف حرجة ..لقد فهمت ما يعنيه دون سؤال ..لكنها لم تستطع أن تعده بعدم تكرار الأمر والذهاب لزيارة مدحت بعد ذهاب أسرته ..مخالفة قوانين المشفى وأوقات الزيارة بالرعاية.....لتزفر وهي تتذكر حوارها معه.. ...حيث واجهته بتصميم لا يخلوا من رجاء وهي تقول:
"عفوا أبي ...لا تطلب مني الابتعاد عنه ...لا تحملني ما لا أطيق ...لن أستطيع ..أرجوك"
لا تدري إن كانت عيناها الراجيتان المليئتان بالدمع ..أم مشاعرها التي فاضت من كل جوارحها هي ما جعلته يلين ..ليقول بتنازل :
"فقط زيارة واحدة غدا ليلا بعد هدوء المستشفى ..ودون أن تطيلي "
لتومئ برأسها وتحاول الابتعاد ليوقفها صوته بنبرة سمرتها مكانها لما تحمله من اتهام :
"هل كان على موعد معك ليلة الحادث ...هل وجوده وقتها كان مقصودا ليراك "
لتلتفت لأبيها رافعة له عينان مصدومتان لتقول بنبرة تحمل من الخذلان مقدار من تحمله من إباء وكبرياء وهي تقول بنبرة لا تقبل التشكيك:
" ليست سارة خليل ..من تواعد شابا وهي على ذمة آخر ...ليست تربية يداك أبي من تخون أو تخدع ..أو حتى تسمح لقلبها قبل عقلها أن يتجاوز بحقك أو حق من ارتضته شريكا ...أنا فوجئت به ليلتها ...وفي اللحظة التي شعرت فيها أني قد أخون عهدي بفكري ..لا أكثر ..طلبت الطلاق من أكرم "
لتنظر لأبيها بحزن قائلة:..قد أكون ابنة إيفا ..لكني تربية يداك أبي ...فلا تخشى من جيناتها ..لن أكون يوما مثلها ..فلدي من الخلق والدين ما يمنعني عن ذلك "
لتدير ظهرها له محاولة الهرب من شعورها بخيبة الأمل ..لتمسكها يد أبيها ..تديرها إليها ضاما إياها لصدره ..لتنفجر باكية بين أحضانه بعد أن خذلتها قوتها لتستسلم لأوجاعها ..ما بين شعورها بالذنب ناحية أكرم ..والخوف على مدحت ..والصدمة من كلمات أبيها التي أعلمتها أنها رغم كل ما حاولت منحه له من حب و طاعة على مر السنوات ..لم يكفي ليمنحها ثقته
ويبدو أنه شعر بما يدور بداخلها ..ليقول لها بنبرة معتذرة نادمة.. بينما يربت على شعرها وهو يضمها مواسيا :
" ليست عدم ثقة ..أنا واثق بأخلاقك وتربيتك ..لكن ..ظننت... ربما كان هو من حاول الاقتراب ...يبدو واضحا أنه كان بينكما شيئا ما بوقت زمالتكم بالجامعة ..لذا ظننت انه...ربما كان يحاول لقائك أو ..."
لتقاطعه دون أن ترفع رأسها :
"ما جمعني بمدحت بالماضي ..هي مشاعر حب من طرفي فقط ..مشاعر ظننت لفترة أنها متبادلة رغم انه لم يصرح لي بها يوما ..لأكتشف بعدها أني واهمة ..مدحت لم يحاول يوما أن يتجاوز حدوده معي أبي ... ..حتى وأنا زميلته التي تفضحها عيناها بمشاعرها نحوه ..فكيف سيفعلها بعد سنوات لم أره فيها أو أعرف عنه شيئا ..أنا لا أعرف ما جاء به يومها ...لقد فوجئت به أثناء محاولة الاختطاف ..لكن ...ما شعرت به لحظتها ..جعلني أعي أن إكمال ارتباطي بأكرم أمر مستحيل ..بغض النظر عن ما سيحدث ..لترفع رأسها ناظرة لأبيها ..لتضيف بوجع ..أنا أكره الخيانة أبي ...لا أطيقها أو أقبلها ..حتى بالعقل ..وما أن شعرت أن عقلي وقلبي يخونا عهدي لأكرم ..حتى أصررت على الانفصال عنه...سامحني أبي ,,أعرف كم كنت تتمنى أن أرتبط به ..وأنا اقسم أني كنت معجبة به ..وعلى أتم الاستعداد للزواج منه ..لأني أردت إرضائك أولا ...وأردت الزواج بمن يشبهك ثانيا ..كنت أظن أني تخطيت مشاعري ناحية مدحت ..لأجد أنني فقط دفنتها عميقا دون أن تموت ...لتطفو للسطح رغما عني بعد ما حدث "
ليربت أبيها على وجنتها وهو يتنهد قائلا :
"لا تعتذري بنيتي ...سبحانه مقلب القلوب ..بيده وحده أمر قلوبنا ..لا نستطيع أن نجبر أنفسنا على حب أحد مهما حاولنا ...وأنت أصبت بإنهاء ارتباطك بأكرم ما دام هذا شعورك ....ورغم حزني للأمر .. لكني لا استطيع سوى الموافقة عليه ...لكن هذا لا يعني شيئا آخر ..فمدحت .."
لتقاطع أباها بسرعة وهي تقول :
"أرجوك أبي ...ليس الآن ...لا داعي لنتحدث عن أي شيء يخصه الآن ..فلنطمئن عليه أولا "
خرجت من أفكارها لتجد أنها وصلت أمام المشفى لتناور بسيارتها لتجد مكانا تضعها به بالقرب من البوابة ..لتلمح والدة مدحت تترجل من الباب الخلفي لسيارة فاخرة ويترجل معها رجلا أنيقا تبدو عليه سمات السلطة ..و يتوجها معها للداخل ..لتتنهد بضيق وخيبة ..فقد كانت تمني نفسها بذهابهم حتى تستطيع الدخول إليه ...فهي لم تره منذ مساء الأمس ..لترتكن برأسها على مسند مقعدها وهي تتمتم ..يبدو أنه ما زال أمامي مزيدا من الانتظار لأراك وأطمئن عليك يا مالك قلبي وسبب شقائه ...منذ تعلم الحب والألم على يديك"
---------------------
دخل حجرة أخيه وأغلق الباب خلفه... ليتجه بصمت للفراش المستلقي عليه فيزيحه بلا مبالاة ويرتكن جواره بجزعه... و يرفع إحدى ساقيه ليريحها على الفراش.. متجاهلا استنكاره وصوت تأوهه الناتج عن احتكاك ساقه بساق أخيه المصابة ..ليغمض عينيه للحظات بإرهاق ..حتى وصله صوت سامح الساخر مستهزئا :
"ما بال طبيبنا الهمام زوج الاثنين هل تعب مبكرا هكذا ...إن أوان التعب لم يأتي بعد يا شهريار ...مازال أمامك معارك مستقبلية وأنت تحاول مراضاة كلا منهما ..وتتساءل أين تركت ملابسك وأين"
...ليقاطعه أكرم بنزق:
"كف عن سخافتك سامح ...لا أحتملها حاليا ..وللعلم ...لم أعد زوجا لاثنين ...فقط واحدة "
ليعتدل سامح بجزعه وهو يجلس على الفراش سائلا شقيقه بتوجس:
"ماذا تعني ..هل طلقت إحداهما ؟ ...إياك أكرم أن تكون طلقت هند ..ليس بعد ما حدث ..أقسم أن أضربك لو فعلت ذلك "
ليفتح أكرم عينيه وينظر لأخيه بتمعن وهو يسأله :
" ولماذا ظننت أني أقصد هند تحديدا وقلقت عليها ولم تهتم بسارة ؟ "
ليرد سامح بينما يقطب باستنكار: "أي سؤال غبي هذا!! ...بالطبع لأن هند واقعة في مصيبة كبرى.. الحقير تسبب بتدمير سمعتها تماما ... يا إلهي ..كلما تذكرت ما أخبرتني به أنت وأبي ... أشعر بالغضب والجنون لدرجة أني أمنع نفسي قسرا من الذهاب إليه وتغير خارطة وجهه وتركه بعاهة مستديمة ..ولولا أني لا أضرب النساء ...لكنت فعلت ذلك بالحقيرة نبيلة أيضا ...لكن أقسم لن يفلت هذا الدنيء من يدي... فقط أقف على ساقي جيدا ..وسأريه كيف يتهجم على هند و.."
ليقاطعه أكرم بتحذير حاد وهو يعتدل :
"إياك سامح ...لقد نبهك أبي قبلا ..أي تصرف منك ..سيسيء لسمعة هند أكثر ..ويعيد فتح قصة نرغب بأن تندثر وتنسى "
ليشخر سامح بسخرية وهو يقول بغيظ :
"أي نسيان هذا ؟!..أتظن الناس بمنطقتنا سينسون الأمر بهذه السهولة ...سيظلون يثرثرون ويضيفون المزيد من البهارات والإختلاقات.. ويزيدون في القصة ..وكل منهم يضيف عليها ما يريد لتتحول لرواية أكثر حقارة ..وكلها ضد المسكينة هند ...سيلوكون سمعتها أكثر ويحولونها ل***** متلاعبة بلا أخلاق ..متناسين أنها ابنة حيهم التي تربت أمام أعينهم ..ويعرفون أخلاقها .. أنت تعرف كيف يكون الأمر ..ما لم تظهر الحقيقة وتبرأ ساحتها ..ستظل موصومة بالخزي "
ليرد عليه أكرم بحدة :
"وكيف يمكن تبرئة ساحتها ..ها ..للأسف لا يوجد طريقة ...مهما قلنا ستظل كلماتنا أمام كلمات الوغد وأخته ..وأم محمود التي لا أستطيع لومها لأنها تثرثر ما تظن نفسها رأته ..ليتنهد مضيفا بإرهاق ..
"أرجوك سامح ..كف عن حماقتك ..وإياك وفعل شيء ...يكفي ما نحن فيه ... ليضيف ساخرا ..." بالإضافة لأنك لم يعد لديك مكان يمكن أن تُضرب فيه أكثر"
ليرد سامح باستنكار:
"أضرب ؟!! أنا ؟! ومن مَن ..هذا السعيد؟! ..إنني أستطيع دهسه بقدمي المصابة دون أن يستطيع رفع إصبعه حتى "
لينظر له أكرم بنصف عين وهو يقول مستهزئا:
" تظن نفسك فتوة المنطقة بهذه العضلات المنفوخة ..يا أحمق ..أمثال سعيد لا يواجهونك مباشرة ..هم أجبن وأضعف من ذلك ..الخوف منهم أكبر... لأنهم يتربصون بالخفاء ,,,قد تسحقه في مواجهة مباشرة ...فينتظرك ليلا ليطعنك من الخلف ..دون أن يستطيع أحد رؤيته ..أو إثبات شيء عليه ..وقبل أن تجادلني ..لا تظن نفسك محصنا ..جسدك لم يعد فيه أماكن أكثر تتحمل المزيد من الإصابات ..ليضيف بابتسامة ساخرة ..أبقي جزءا منك سليما ليصلح للزواج"
ليقطب سامح متذكرا فيسأله:
"لقد أخذت تلف وتدور ولم تجب علي ...من تركتها منهما؟!"
ليزفر أكرم بعمق ..وتتلون نبراته ببعض الأسف والذنب:
" سارة .. هي من طلبت الطلاق ..وقد نفذت طلبها وطلقتها ..واليوم صباحا أنهيت الإجراءات الرسمية"
ليطرق سامح وهو يقول بإقرار "لابد أنها رفضت موضوع هند ..كنت متوقعا ذلك ..لا يوجد فتاة مهما شرحت لها قد ..."
ليقاطعه أكرم موضحا:
"لا ...سارة لم تعرف بأمر هند "
ليفغر سامح فاه متعجبا ..وهو يسأل:
"ولماذا أرادت الطلاق إن لم تكن قد عرفت بأمر هند؟!! لا أفهم "
ليجيب أكرم بغموض :
"هي شعرت أننا غير متناسبين معا ...وأنا لا أخفي عليك ..لم أحاول أن أناقشها أو أقنعها ..بل شعرت أني سجين حُرر من قفص ..دخله بإرادته ليكتشف أنه لا يحتمل البقاء فيه "
ليلاحظ أكرم صمت ووجوم سامح فينظر لوجهه سائلا :
"ما بك ..لماذا هذا الوجه الخشبي؟!..فأنا أعرف أنك منذ البداية لم تكن ميالا لارتباطي بها "
ليرد سامح بصوت أجوف وملامح ساهمة:
"كانت تبدو سعيدة بارتباطكما ..و راضية بك رغم اختلاف المستوى ..حتى أني كدت أظن أن هناك أملا أن تكون هناك في تلك الأوساط فتيات مختلفات...لكن يبدو أن لا فائدة ..هن يتلاعبن بالشاب الذي يعجبهم لفترة..وعندما يشعرن بالملل .. أو الاكتفاء بعد تحقيق هدفهن ..يرمون باللعبة التي فقدت أهميتها بعد حصولهم عليها "
لينتفض واقفا فجأة وهو يقول بغضب مكتوم:
"أرغب بالخروج من هنا..لقد أصبحت بخير"
ليرفع أكرم حاجبيه وهو يرد ساخرا:
"حقا !! أصبحت بخير وترغب بالخروج ؟!! لم أكن اعرف ؟؟ عزيزي إنك بخير وجاهز للخروج من أسبوع ..لكنك من ترفض وتلتصق بالمشفى ..مكلفا إياي وحماي السابق أجر الخصم الخاص بحجرتك ..التي أصر هو على تحمل تكلفة إقامتك بها كاملة ..وأصررت أنت على الدفع رغم ارتفاع التكلفة ..لأتحمل أنا بالنهاية أجر الإقامة بعد أن استفدت بالخصم الخاص بي كطبيب وتنازل كل الزملاء المتابعين لك عن أجرهم مجاملة لزميلهم ..الذي هو أنا !! ..لقد كان المفترض بك المغادرة من أكثر من أسبوع ..وأنا كنت سأهتم بالتغيير على الجرح بالمنزل ..لكنك أصررت على البقاء هنا..وأظننا أننا نعرف السبب"
ليتحرك سامح بعرج ناحية الشباك معطيا ظهره لأكرم بينما يقول بخفوت:
"يبدو أني كنت غبيا ...وقد آن أوان أن أفيق من أوهامي"
ليزفر أكرم بعمق بينما يتحرك ليجاور أخاه الساهم بعيونه الشاخصة للخارج بينما يكاد يقسم انه لا يرى شيئا من المشهد أمامه... ليربت بمؤازرة على كتفه وهو يقول:
"أخي كف عن أحكامك المتسرعة ...سارة لم تكن متلاعبة ..وليست كل الفتيات متشابهات ...هناك في كل وسط اجتماعي ..الوفية والخائنة ..الخلوق العفيفة ..والمتلاعبة ..الأمر ليس حكرا على وسط دون آخر ولو فكرت هكذا ..إذا فأنت غبي " ليلتفت سامح لأخيه قائلا بحدة:
" إذا أتظن أن فتاة عاشت وتربت بالقصور .. بإشارة بيدها يتم تجهيز طعامها وملابسها ...وتنظيف منزلها ..فتاة قد لا ترتدي ثوبها مرتين ..ولا تحتاج لمراجعة ميزانيتها قبل أن تخرج لشراء ثوب أو حذاء جديد..و لا تهتم بالنظر لورقة السعر للتأكد إن كان الثمن يتناسب مع ميزانيتها وتستطيع تحمل الشراء أم لا ..مثل هذه الفتاة أتظنها قادرة على أن تنتقل لتعيش وضعا مناقضا ..حيث تكتفي بالحياة مع شاب لا يكفي دخله مصاريف صيانة سيارتها وتعبئتها بالوقود ..لا يستطيع دفع اشتراك ناديها الفخم ..أو ثمن أثوابها المبهرة غالية الثمن ..لا يمكن أن يجعلها تحيا بمستوى مشابه أو حتى مقارب لما تربت به ..بل سيكون محظوظا إن استطاع توفير شقة قد لا تصل مساحتها كاملة... لمساحة غرفتها الخاصة ببيت أسرتها ..وطبعا يستحيل أن يوفر لها خادمة بل سيكون عليها أن تطهو وهي التي ربما لا تجيد صنع كوب شاي أو سلق بيضة ..هل تتخيل فتاة كتلك تقف في سوق الخضار لتفاصل بائعة الخيار على تخفيض سعره لتوفر عدة قروش ..أو تقف بطابور الخبز بأكشاك البيع المدعومة لأن الميزانية لن تتحمل شراء الخبز..الفاخر أو التوست و.."
ليقاطع أكرم الهذر المتألم لأخيه:
"أما زلنا نتحدث عن سارة يا سامح ..أم عن ....ماهينار؟!!"
ليظل ناظرا لأخيه الذي التلفت محدقا به بحدة وملامح متفاجأة:
ليقول أكرم ساخرا :
" ماذا أتظننا حمقى ..وعميان ..لا نسمع ولا نرى ..إن مشاعرك ناحيتها واضحة ..- ليلكزه بكتفه وهو يضحك ساخرا من نفسه - وهذا لحسن حظك ..لأني كنت بدأت اشك انك تحمل مشاعر ما لهند .... وكدت أبرحك ضربا حتى أغير خارطة وجهك الوسيم " ليتجاهل ارتفاع حاجب سامح المتفاجئ وهو يضيف:
" سامح قد يكون ما تقوله به جانب كبير من الصحة ..فالتكافؤ أمر مستحب بين الزوجين ..لكنك أيضا تغفل حكم القلوب ..وقبل أن تعارضني سأخبرك رأيي..نعم ...يمكن لأثنين بهذا الاختلاف أن ينجحا ..لكن فقط أن جمعهما حب كبيرا وقدرة على المرونة لتجاوز بعض العقبات التي ستواجههما ..خاصة إن كان الطرف الآخر مهندسا ..وسيما ..طموحا ..يمكن أن يوفر لها قدرا مقبولا من الحياة اللائقة...قد لا تشابه أو تقارب ...ما توفره لها حياتها السابقة ..لكن سيعوض عليها بحبه واحتوائه ..وإذا كانت هي فتاة عاقلة وعاشقة ..ستتحمل معه ظروفه ...ستتعب بالبداية ..لكن بمعاونته ستعتاد ..وتقدر "
ليضيف لملامح أخيه الساهمة ..على كل حال أنت بالفعل ستخرج اليوم ...لقد وقعت أمر خروجك ...فبقائك أكثر أمر غير لائق ..ويعد استغلالا غير مقبول ..ويمكنك المجيء ...... كزائر لمن تريد... إذا شئت طبعا..سأنهي مناوبتي مساءا وأصطحبك معي للمنزل"
ليتركه متجها للباب قبل أن يتوقف للحظة وهو يقول بتعمد:
"لقد رأيت والدة ماهينار ..ومعها هذا الرجل الذي يرافقها دوما قبل حضوري إليك واقفين معها ...ويبدو أنهم كانوا يتجادلون حول أمر ما ...فوجه ماهينار كان متجهما وتبدو غاضبة بشدة"
ليغلق الباب خلفه متجاهلا هذا الذي تشنج بوقفته المستندة على إطار النافذة
---------------------
يجلس بحجرة المعيشة الصغرى مع ابنته الساهمة ....بعد أن استأذنت حماتها تاركة إياها معه وحدهما بعد تقديم الضيافة والترحيب به ... لتمنحهما الخصوصية ...لقد حكت له همس ما حدث بينها وبين زوجها ..وتفاصيل الخلاف وأسبابه ...ورغم أنه ممن يفضلون عدم إفشاء أسرار الزوجين والتدخل بينهما من قبل الأهل ...لكن حالة ابنته المنهارة والتي ارتمت على صدره لتجهش ببكاء هستيري جعله يضطر للتغاضي عن مبدأه هذه المرة ... ليحرك حبات مسبحته بهدوء بينما يطرق برأسه بصمت للحظات بعد انتهاء ابنته من كلامها ..متجاهلا إياها للحظات
ليرفع رأسه ناظرا لوجهها المطرق ونشيجها الخافت ويديها التي تدعكهما
ببعضهما كعادتها دائما عندما تكون مضطربة ...ليسألها بهدوء:
"همس ...سأسألك عن خالد رئيسك ..وليس زوجك ..هذا الذي عملتي معه ما يزيد عن العام حتى الآن ...ما رأيك به "
لتنظر لأبيها بتعجب وهى تجيب بصوت متقطع بحشرجة البكاء :
" لا أفهم سبب السؤال؟!"
" أجيبي وسأفهمك لاحقا"
قالها وهو يحرك حبات مسبحته ويركز عينيه عليها بينما تجيب بخفوت :
"رجل أعمال بارع من الطراز الأول ...عادل ..ومحترم ...قاسي قليلا ..لا يقبل التجاوز ولا الوساطة ولا المحاباة ...لكنه في الوقت ذاته ...يقدر الظروف القاهرة والضاغطة للعاملين لديه ...بل ويحاول أن يوفر لهم ما يحتاجونه ..لقد أنشأ صندوقا خاصا لمساعدة العاملين هو الممول الأكبر به .....إذا علم أن أيا من العاملين يعاني من مشكلة ..أو أحد من أهله مريض ..أو هناك من سيتزوج منهم يجعلهم يصرفون له ما يحتاجه من الصندوق ...وغالبا يكون هو من يدفع لأن الصندوق والذي يعمل بنظام خصم واحد بالمائة من كل موظف لا يغطي كثرة الطلبات والاحتياجات للعاملين ..لكنه دوما ما يغطي النقص دون أن يشعر أحد ....حتى لا يشعرهم بأنه يتفضل عليهم أو يمنحهم مساعدة ...بل يحفظ كرامتهم بكون ما يتقاضونه من مساعدة حق من حقوقهم..أيضا قد يكون قاسيا بعض الشيء بإدارة أعماله ...فيستخدم أحيانا بعض الرجال الأشبه برجال العصابات في حراسة مواقعه أو من يطلق عليهم هو حراسة خاصة معظمهم تابعين لشركات أمنية يثق بها .. لكن هذا مجرد استعراض للقوة لإخافة وتحذير من يرغب في التعدي على عمله ..لكنه أبدا لا يبدأ بالإيذاء ..أنا لم يعجبني هذا الأسلوب... لكني أعترف أنه كان ضروريا في بعض الأحيان ..خاصة عندما تعرضت بعض مواقع العمل للسرقة ومحاولات التخريب ..كما لم أره يسئ استخدام قوته أو يطلب من هؤلاء الرجال أمورا بها تجاوز وإساءة استخدام للسلطة أو تعدي على غيره من المنافسين "
ليطرق أبيها برأسه للحظات قبل أن يرفعه ناظرا بعينيها بحدة ليقول بحزم:
"إذا... أنت تقولين أن خالد رجل الأعمال هو رجل شريف ..عادل ...لا يتعدى حدوده ..ولا يتعدى على حقوق غيره ..حتى من يحاول التعدي عليه ..يكتفي بإيقافهم ..وإظهار قوته دون أن يسئ استخدامها "
لتهز برأسها إيجابا وهي تنشج بأنفها وتمسح دموعها بظاهر يدها :
لينظر أبيها حوله حتى يرى علبة مناديل قريبة فيقف مقتربا منها ليأخذ بعضها ويعود ليناولها لها لتمسح أنفها ووجها .. ثم يترك مكانه الأول بجوارها ليجلس على الكرسي المواجه لها ليقول لها بلوم :
"وهل رجل مثله يمكن أن يقال عنه فاسدا . ...ولاحظي أني ما زلت أتحدث عن رئيسك لا زوجك .. لأن زوجك ...الرجل الذي عشت معه طوال الأشهر السابقة ..وخبرتيه عن قرب .. لن يقبل أن تقول زوجته عنه فاسد ... هل خالد رئيسك أو زوجك رجل فاسد ..مرتشي ..يقبل أن يأخذ حقا ليس له يا همس "
لتقاطعه مجادلة بعناد رغم نشيجها الذي خفت وتيرته:
"لم أقصد انه فاسد أو مرتشي ..لكن تصرف كالذي قام به ..سيجعله..."
ليقاطعها أبيها بحدة وصوت غاضب رغم انخفاض نبراته:
"يجعله رجلا مضطرا ..رجلا يحمي أقوات من يعملون عنده ...يحافظ على مصالحهم ولقمة عيشهم ...يسعى لدفع الضرر الأكبر ولو بقبول ضرر أصغر يتحمله ضميره رغما عنه ...يجعله أشبه بالمضطر ..والمكره وليس على المكره حرج ..ألم تسمعي قوله تعالى في كتابه الحكيم (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) ..إن زوجك يا ابنتي كان مضطرا .. ..خالد لم يبغي على أحد ..لم يأخذ حقا ليس له ..لم يطلب أن يتعدى أو يتخطى غيره ...لكنه دخل معركة لابد أن يحارب فيها بكل ما يستطيع ليحمي ماله وأقوات من هو مسئول عنهم ..والحرب خدعة ..هو بحث عن أداة تجعله ينتصر بحرب مشروعة هو فيها المعتدى عليه وليس المعتدي ...يحق له أن يدافع عن نفسه ..وكان المفروض والذي يتوقعه أي زوج أن يجد زوجته بجواره ..تأيده وتآزره"
لتقاطعه وهي تقول بنزق :
" أأيده حتى لو كان مخطئا "
لينفعل أبيها قائلا بحدة غاضبة جعلتها تنكمش أمامه:
" نعم ..إذا اخطأ الزوج ...لا تحاربه الزوجة ..صارخة بوجهه ..متهمة إياه بالفساد ..لأنه وقتها سيعاند ..ويصر على موقفه ..وينفر منها ..لكن تأتيه باللين ..تناقشه بالحسنى ...تنصحه بالعقل والحجة ..هذا إن كان مخطئا ..وزوجك ليس مخطئ..بل أنت من أخطأ ..ويبدو أنني قد أخطأت أيضا لأني لم أربيك كما يجب ...لم أعلمك وأمك حق الزوج على زوجته كما ينبغي ..وكيف يجب أن تقف معه وتسانده بالضراء قبل السراء ..ليس بالوقاحة وطول اللسان ..لكن بالحب والتحمل ..نحن كنا نتركك تتجاوزين بالعناد والاندفاع كثيرا ..ويبدو أننا لم نحسب حساب يوم تستخدمين به عنادك وصلابة رأيك واندفاعك ..ضد زوجك ..ونفسك قبل الجميع ..أنت أخطأت ..وزوجك يحق له حماية مصالحه بالأسلوب الوحيد المتاح أمامه ..وهو ليس بمخطئ ..وأنت يا همس خسرتي كثيرا من مكانتك لديه بما قلته وفعلته ..ونصيحة يا ابنة زينب ..الحقي نفسك وحاولي الاعتذار وإنقاذ مكانتك بقلبه قبل أن تفقديها باندفاعك وأفعالك ..فالمحبة تزداد وتنمو بالمودة والمساندة وحسن العشرة ..لا بالمجابهة والعناد وطول اللسان .."
لتقول بارتباك كطفلة مذنبة:
"أنا يا أبي؟!! أنا طويلة اللسان"
ليرد عليها بغضب مكتوم:
"أعندك شك بهذا !!...من تقول ما قلته لزوجك ليست فقط طويلة اللسان ..بل قليلة الأدب ..ولم يحسن أهلها تربيتها .. وأقسم يا همس لولا حملك ..لضربتك على رأسك حتى أعيد عقلك للعمل وتعرفي قدر وقيمة زوجك ..ولو أني أظن أن خالد من سيعيده لك ..ونصيحة مني ..أيا كان ما سيفعله معك في الفترة القادمة ..فتحمليه وحاولي أن تجدي طريقة لمراضاته والاعتذار له ..فأنت أخطأت بحقه خطا يصعب على أي رجل غفرانه ..قسما لو أن أمك قالت لي يوما أني فاسد ..لأعدتها لبيت أسرتها بعد أن أكسر رأسها ...لكني لم اسمع منها يوما كلمة تهيني بها أو تنتقص من قدري ..حتى بعز شجاراتنا وخلافتنا ...لم تتجاوز يوما بحقي " ليمد يده ساحبا إياها حتى جاورت كرسيه ليرفع يده ممسكا أذنها وهو يهتف بها:
"كيف تفعلين ذلك بزوجك في ظروفه هذه ..وتضيفي فوق همومه هما بدل أن تحمليه معه ...الم تتعلمي شيئا من أمك التي ساندتني دوما ..واحتوتني حتى عند غضبى "
لتحاول التملص من يد أبيها مخلصة أذنها وهي تقول بألم :
"آآآآه أذني أبي ..كفى أنت تؤلمني ...حسنا ..أنا مخطأة اتركني... سأحاول إيجاد طريقة لمصالحته"
لينظر لها أبيها بسخرية وهو يقول:
"لا أظن الأمر سيكون سهلا ...فبقدر الحب يكون الجرح وتصعب المسامحة فاستعدي لتحمل نتيجة أخطائك واندفاعك الأرعن ..واصبري على ما سينالك من غضب زوجك الذي تستحقيه بجدارة ..والآن اذهبي لتنادي لي زوجة أخيك ...فقد كنت قادما لأجلها أساسا"
لتنظر له ببلاهة وهي تسأله بتعجب:
"زوجة أخي من؟!!"
ليضرب أباها كفا بكف .وهو يتحوقل :
"وكم زوجة أخ تقيم لديك ...هند ...تلك التي أرسلناها لتقيم لديك من أكثر من أسبوع ...هل تذكريها أم نسيتها وسط شطحات جنونك"
لترد بنزقها وهي تقطب:
"أبي أنت منذ ساعة لا تكف عن إهانتي وشتمي ...لقد تفاجئت فقط ...فلم اعتد مسألة كونها زوجة أخي ..الأمر ما زال صادما لي ..وغير مستساغ حتى الآن"
لينظر لها أبيها بضيق ..فتقول بارتباك كطفلة مذنبة تداري أخطائها :
"حسنا ..حسنا ...لا داعي لتلك النظرة ...لم أقصد شيئا ...سأذهب لمناداتها ..عسى فقط أن تستجيب ..ولا ترفض أو تدعي النوم كعادتها"
لتخرج بسرعة مبتعدة عن أبيها الغاضب...لتعود بعد دقائق لتقول له بضيق ..كالعادة ادعت النوم ولا ترد علي رغم أني حاولت أن أناديها مرارا وأهزها بلا فائدة ولولا أني لاحظت انكماشها وإغماضها المبالغ لجفنيها لظننتها مغمي عليها ...هل تحب أن اسكب فوق رأسها كوب ماء حتى تقفز من الفراش ولا تقدر على الادعاء"
ليتنهد أبيها بعمق بينما يقول بقنوط :
" لا داعي لأفعالك المتطرفة ...سأذهب الآن فلدى عدة مشاوير يجب أن اقضيها بمنطقتكم ...ولي صديق قديم يسكن مع ابنه بمكان قريب من هنا وعلمت انه مريض ...سأذهب لعيادته والاطمئنان عليه ..وأعود آخر النهار ..لن تظل نائمة طوال اليوم ..تابعيها وما أن تفتح عينيها ابلغيها أني أرغب برؤيتها ولن اقبل رفضا ولا إدعاء "
حاولت همس إبقائه معها دون جدوى ...ليحي حماتها أثناء خروجه معتذرا منها عن إثقالهم عليها بإقامة هند .. لتقابل كلماته بابتسامة حنون وهي تخبره بأن كل من من طرف همس مرحب بهم والبيت بيتهم ..ليشكرها ويخرج مؤكدا على همس ضرورة إبلاغ هند بعودته للقائها مساءا "
----------------
أغلقت الهاتف وهي تدلف لحجرتهما ..لتجد اشرف الجالس بالفراش يغلق المصحف بعد أن أنهى تلاوته ...لتنظر له بعشق ..كم تحب صوته وهو يرتل القرآن .. يمتلك نبرات عميقة تشعر السامع بالرهبة والخشوع ...لتلتقي نظراتهما ..فيرفع نظارته عن عينيه ليضعها بجوار مصحفه على الكومودينو بجواره ويشير لها بالاقتراب ..لتجاوره واضعة رأسها على كتفه وهي تتنهد بعمق .. لترتفع يداه للتلاعب بخصلات شعرها المجموعة بأعلى رأسها ..فينزع رابطة شعرها لينسدل على كتفيها ويبدأ بتخليله بأصابعه ..وهو يسألها عن المتصل ..لتقول بقلق:
"إنها مها ...لقد أخبرتني أن مسعد قرر أخيرا وبعد سنوات من رفض النزول لمصر أن يأتي ..سيحضر في الإجازة بعد شهر من الآن "
ليقول بتعجب:
"وما الغريب بالأمر ..طبيعي أن يأتوا ..على الأقل لرؤية تقى والاطمئنان عليها معنا .. لينظر لوجومها بعمق ويسألها باهتمام ...ماذا هناك حبيبتي ..هناك ما يقلقك ولا تخبريني به "
لترفع رأسها ناظرة له بلهفة وهى تسأله :
"هل قلت حبيبتي ..آآآه أشرف أخيرا قلتها ..منذ عدنا معا وأنا مشتاقة لسماعها من بين شفتيك ..كنت دوما تقولها لي بالماضي ..الآن أصبحت شحيحا وتضن علي بها "
ليسبل عينيه بغموض وهو يقول :
"دعي الماضي للماضي تقى ...واخبريني عن سبب قلقك من حضور مسعد ومها لمصر"
ظلت تنظر له للحظات قبل أن تتنهد بيأس وتعود لإلقاء رأسها على كتفه وهى تقول :
"لست قلقه من حضورهم ...بل من ردة فعل تقى عندما تعرف.." لتضيف بتوجس قلق:
"أخشى أن تعاند وترفض لقاء أبيها ..هناك أمر ما حدث جعل العلاقة بينهما سيئة ..هي ترفض أي تواصل معه بأي صورة ..لقد حاولت مرارا معرفة ماهية الأمر دون فائدة ...تلك الفتاة تجيد الكتمان وقتما تريد ...حتى مها رغم ثرثرتها المعتادة ..تأتي على هذا الموضوع وتتحول للغموض وهي تدعي عدم معرفتها بالأسباب ..وأنا أكاد اجزم أنها تعرف لكنها لا ترغب بالبوح "
لترفع رأسها ناظرة إليه بينما تسمعه يقول بحسم رغم علامات التعجب على وجهه:
" تقى ..البيوت أسرار ..وما دام أصحاب الشأن غير راغبين بالبوح ...فلا تلحي ..فقط لنقم بما علينا تجاههم ..ليضيف إجابة على سؤالها الغير منطوق ..المساندة والنصح ..وفقط ..ليضيف بتفكير بينما يرتكن برأسه على ظهر الفراش :
"أتعرفين ..كنت واثقا بان هناك أمرا ما حدث لابنة أختك ..فتقى الطفلة التي كنت اعرفها كانت شديدة المرح والصخب ..تشع حياة وشقاوة ..بينما من قابلتها بالمجموعة عند عملها معنا ..كانت هادئة لدرجة الكآبة ..هناك شيء أنطفئ بها ...جعلها تبدو اكبر من عمرها ..ليضيف بينما تشتبك عيناه بعينيها القلقتين " أتدرين لما أرفض أن أتدخل بشجاراتها هي وياسر ..وأطلب منك أن تدعيهما مهما ازداد صخبهما وعنادهما ..وتحولوا لأطفال مشاغبين يعاندان بعضهما بعضا"
ليبتسم لوجها المقطب الحائر وهو يكمل:
"لأنني أشعر أنهما يعوضان ما فاتهما بشكل ما " ليغمض عينيه مكملا بحزن " عندما انفصلنا ورفضت أن تقتربي منا أنا وياسر ..تأثرا بجرحي وألمي ..لم انتبه وقتها لتأثير الأمر على ياسر ..لقد أخذ مني الأمر وقتا طويلا لأنتبه لما يحدث معه" ليزفر بألم الذكري
" ياسر الفتى المشاغب ..شديد الحيوية والعناد والصخب والشغب ..أنطفأ ..تحول للنقيض ..هادئ ...صامت ...منطوي ..كأنه فقد روحه برحيلك ..المشكلة أنني كنت من الأنانية والجرح لدرجة لم تجعلني أقبل بالسماح لك بالتواصل معه ..حتى لأجله هو .. الأمر كان فوق طاقتي ...لذا عندما عدتي لحياتنا ..شعرت أن ياسر عاد ..أحس انه يعوض مع تقى ما فاته من جنون وصخب لذا أتركهم يتقاتلون كقط وفار ..أشعر أن هذا ما يحتاجه كلاهما ..نوعا من التعويض والعودة للماضي ..ليعيشوا مراهقة ضاعت منهما ..قد لا أعرف سبب ضياعها من تقى ..لكنى واثق انه أمر جلل ..لذا أنا سعيد بان يفرغوا كبت وطاقة السنوات الضائعة لديهم ولو عبر الشجار "
لم تكد تحاول الرد حتى انتفضا على صوت إغلاق الباب الخارجي للمنزل بعنف مصاحب لصوت الشجار المتعالي .. بين القطبين المتنافرين ..لتزفر تقى بغيظ بينما تقول لأشرف بعتب:
"إن كنت تتمنى أن يعوضوا الماضي ..فجد حلا يرحمني أنا مما ينالني من صداع وألم وأنا أحاول فك الاشتباكات والتوفيق بينهما بلا طائل ...إنهما يثيران جنوني ويفقداني صبري ..هما لا يعوضا فترة المراهقة المفقودة ...بل عادا للروضة " لتنطلق ضحكات أشرف وهو يضمها لصدره ليربت على ظهرها بمواساة بينما تتعالى الأصوات بالخارج دون أي دلالة على الانتهاء قريبا
-----------------------------
يجلس ساهما بسيارة أخيه ..بينما تتقاذفه الظنون ويفتك به القلق ...لقد حاول تجاهل ما أخبره به أخاه ..وعدم الذهاب إليها ...لكنه لم يستطع الصمود سوى لدقائق معدودة ليجد نفسه ينطلق إلى الطابق الموجود به غرف الرعاية ..وما أن وصل إليه حتى لمحها تتحرك بسرعة تكاد تهرول في الاتجاه المقابل له ..ولاحظ وجود والدتها وهذا ألعاصم ينظران إليها دون أن يحاول أحدهما اللحاق بها ...ليمر هو بجوارهما دون أن يهتم بالنظر ناحيتهما ..يكاد يجزم أنهما لم ينتبها له فقد كانا مشغولان بالحديث معا ..حيث التقط سمعه كلمات أمها وهي تقول ..لا تهتم بما قالته ..ستوافق وتنفذ ما نريده" ليجد نفسه يسارع الخطى قدر استطاعته محاولا اللحاق بها ...لكن للأسف ..قدمه المصابة لم تسعفه ...فرغم تحسن حالته لدرجة استغنائه عن العصا التي كان يرتكز عليها سابقا ..إلا انه لم يستعد بعد كامل قدرته على الحركة ..وما زالت حركته بطيئة وتنتابه الآلام إن حاول الضغط عليها كما فعل بمحاولته الوصول إليها قبل استقلالها للمصعد ...لقد حاول حتى أن يلحق بها بالأسفل لكنه ما أن وصل للأسفل وخرج لمدخل المشفى باحثا عنها ..حتى لمحها تنطلق بسيارتها بسرعة أثارت قلقه بقوة ...ليزفر بعمق جعل أكرم يلتفت له مقطبا وهو يسأله عن ما به ...ليحرك يده بمعنى لا شيء ...وهو يفكر بأنه لا بد أن يعود غدا لمعرفة ما يحدث ...لقد وعدها بأن يقف معها ..وبغض النظر عن أي أمر آخر ...هو لا يستطيع تركها في مواجهة هذا المغرور الذي يظن أن بإمكانه أن يجبرها على الزواج منه رغما عنها
ليفيق من شروده على الإيقاف المفاجئ للسيارة مع هتاف أكرم القلق ..ما الذي يحدث هنا"
ليرفع عينيه على الأصوات المرتفعة من حوله ..ليجد أنهم على أبواب حارتهم ...ويبدو أن هناك مشاجرة ما بين مجموعة من المراهقين ..وهناك بعض الناس بدأت بالتجمع محاولين فك الاشتباك دون فائدة على ما يبدو ...ليلمح نبيلة قادمة من بعيد وهى تصرخ منادية باسم حسين ...ليترجل بسرعة لاحقا بأكرم ...الذي كان قد سبقه مخترقا الجموع ...ليتسمر كلاهما على المشهد الذي حدث بسرعة لم تمكن أيا منهما من تداركه ..فالفتى الذي كان يشتبك مع حسين أخرج من جيبه مطواة فتحها بسرعة طاعنا إياه ببطنه .. ثم يدفع به بعيدا غارقا بدمائه قبل أن يلوذ بالهرب بسرعة مستغلا حالة الذهول التي أصابت الجميع
------------------------------------
تدخل لغرفة المعيشة بتردد ..تكاد قدماها لا تحملاها ...تناظر الأرض بانكسار..لتتوقف بجوار الباب ..غير قادرة على التحرك أكثر ..لا تشعر برغبة أو قدرة على رفع عيناها لتلتقي بعيني العم محمد ...تشعر كما لو كانت عارية ...لا شيء يسترها ...ترغب بالاختفاء عن العيون ..تشعر بان الجميع سينظر لها إما بشفقة أو باحتقار ...وهي لا تطيق الأمرين ..كل ما تريده أن تختفي ...تنزوي بركن بعيد لا مرئي ...حيث لا يشعر بها أحد ...ولا يسأل عنها أحد ...لم تعد تريد شيئا ..تقسم لولا الخوف من الله لأنهت حياتها ..وتخلصت من هذه الدنيا التي أشبعتها ظلما منذ كانت طفلة فقدت حضن أمها التي فضلت مجابهة الموت بحثا عن حلم إنجاب ذكر عن الاكتفاء بها ...حتى الحلم البسيط الذي عاشت تعافر ظروفها لتحققه ..أن تتخرج يوما و تكون طبيبة ...وتلفت عيون أكرم فيبادلها الحب ...ويتزوجها ...تحول لكابوس مريع ..لتخسر حلمها ..رغم عقد الزواج الذي ربطها به ...فبدلا من نظرة الحب والفخر ...أصبحت حالة ستر عورة ...عورة عراها الظلم ..وهتك سترها قساة القلوب ..لتتحول لحالة إنسانية ...يتسابقون لنيل ثواب سترها .. رغم أن الستر لم يعد ذا نفع بحالتها ...فقد خسرت سمعتها وشرفها ...نعم ..هي ترى نفسها منتهكة الشرف ... فالشرف ليس فقط بضع قطرات دماء تشكل غشاء عذرية ...بل الشرف أيضا سمعة تحفظ للفتاة كرامتها لتمشي رافعة رأسها وسط الناس ...وهي نُكست رأسها..وضاع شرفها وسمعتها ....وصارت علكة تلوكها الألسن ..وتلعنها حتى المنحلات ومدعيات الشرف بحيها ... ..حتى ولو لم يكن ما حدث لها تم بإرادتها ...لكن الناس ليس لها إلا الظاهر ..وظاهرها أصبح ملوثا مهتوكا ...لم تعد هند عبد السلام ..إلا فتاة منحلة ...جلبت لأبيها العار بتربته .. ليحاولوا مدارة فضيحتها وعريها بورقة توت تسمى عقد زواج...لكنها لا تريد تلك الورقة ...فقط ترغب بالاختفاء ...فلماذا لا يتركوها ...لعل الله يرحمها ..ويمنحها خلاصا من هذه الدنيا ...ويأخذها لجواره ...فتنال رحمة الموت ...بدل عذاب الحياة
..لم تعي نظرات هذا المراقب لانكسارها بشفقة ممزوجة بغضب لأجلها ... يلتوي قلبه ألما على فتاة كانت كالزهرة ..وأصبحت اقرب لشبح ...فتاة يشعر أنه قصر بحق العناية بها ..وبحق وعد أعطاه لأبيها رحمه الله ...صديقه وجاره لسنوات طويلة ..أن يرعى ابنته إن أصابه مكروه ...وحتى زواجها من أكرم ...لم يشعر بعده بأنه أدى الأمانة ... فسمعتها تشوهت ..والسنة الناس لا تكف عن رجمها ..ومهما حاول وهو من يعرفون الحقيقة معه الدفاع عنها ..إلا أن الناس لا ترحم ...زوجته أخبرته عن أقوال الناس التي تنهش سمعتها بالباطل ..وكيف يتجمعون حولها بالسوق ما بين مدعية المؤازرة وهي تلقي سموم لسانها عن حظ ابنها السيئ الذي جعله يضطر للزواج من فتاة لعبت عليه لتوقع به ...وما بين من تتساءل عن إن كان ينوي الاستمرار أو سيطلقها قريبا بعد أن تزوجها مرغما حسب كلامهم ...ورغم محاولات زوجته الدفاع عن هند ..إلا أنها غير قادرة على مجابهة كل هذه الافتراءات ...حتى الشيخ مرسي ...رغم تخصيصه خطبة الجمعة بالمسجد عن حرمة رمي المحصنات ...وعظم الذنب لمن يلوك سمعة الغير بالباطل وبلا بينة ,,,إلا أن الأمر يزداد ...لقد علم من زوجته ..إن نبيلة زوجة أب هند تُذكي الشائعات بكلام مغرض عن هند ... دون أن تراعي أن الأمر يمس أبنائها قبل أن يمس هند...لقد علم ..أن حسين توقف عن الذهاب لمدرسته ودروسه من كثرة ما يعانيه من إهانات واتهامات تطال أخته ..الفتى يكاد لا يكف عن الشجار كل يوم ...أكثر من مرة تدخل هو والشيخ مرسي والمعلم شعبان ..وغيرهم لفك الاشتباكات بينه وبين صبية ومراهقين يتعمدون إلقاء الكلمات السامة والمهينة التي تمس أخته أثناء مروره ... ليزفر بعمق ويقف مقتربا منها بعد أن يأس أن تقترب أكثر ..ليقول بينما يضمها بحنو :
"كيف حالك يا ابنتي ..اشتقت إليك ...وكلما حضرت ترفضين رؤيتي"
لتقول بخفوت مكسور دون أن ترفع عيناها عن الأرض:
"عفوا عماه ...لم أرفض ...فقط ...فقط "
ليقاطع ارتباكها وهو يبتعد خطوة دون أن يفلتها ..فيمسك كتفاها بين يديه ليناظر رأسها المنكس وهو يقول بحزم آمر:
"أرفعي رأسك هند ..ارفعيها يا ابنة عبد السلام ..ارفعيها ولا تنكسيها أبدا ...فلم ترتكبي ما يشينك لتنكسي رأسك يا زوجة ابني "
لتنتفض بين يديه وترفع له عيناها المتألمتان وقد امتلأتا دمعا بينما تقول بخزي:
"زوجة ابنك ..تلك الكلمة وحدها تستدعي أن أنكس رأسي عماه ...فلست زوجة لأبنك ...لست زوجة أرادها هو أو انتم ...لم تأتوا لتطلبوا يدي كأي فتاة تُطلب للزواج ...فأتدلل ...واطلب مهلة لأفكر ...وبعدها اقبل فتتعالى الزغاريد بالبيت ..وتعلق الإنارة على شرفتنا ...واجلس معه وسط تجمع أهل الحي الضاحكين والمهنئين وحتى الحاسدين...لم تدور صواني الشربات والأغاني ... بينما يلبسني حلقة الخطبة ...ويأتي المأذون ليسألني رأي فأنكس رأسي خجلا بينما انطق بالقبول ...لم يسألني احد عماه ...لقد جلست منكسة رأسي خزيا لا خجلا ...لا أكاد أذكر إن نطقت القبول أم فقط هززت راسي كالطير الذبيح وهو يعاني سكرات الموت بعد الذبح ...لم اسمع الزغاريد بل السباب ....لم أسمع التهاني بل اللعنات على السافلة التي أسقطت الطبيب بحبائلها لتخطفه من خطيبته ابنة الحسب والنسب ..وتناله بعد أن تلاعبت به واستدرجته لبيتها حتى توقعه بفخ الزواج "
كانت الكلمات تنساب من فمها بحرقة القهر بحروف مكسوة بالألم :
ليهتف بها محمد سائلا:
"وهل فعلتها هند؟! ...هل تلاعبت بأكرم لتوقعيه بحبائلك ...هل تعمدت ما حدث؟!!"
لتنتفض مبتعدة خطوة بينما تقول بنفي مرتعب :
"لا عماه ...أقسم لم يحدث ...لم أفعل يوما ...لم أقم يوما بما يسئ لسمعتي واسم أبي الذي أحمله ...دوما ما حافظت على سمعتي ..وخفت من ربي ...لم أفعل شيئا عماه ...لم أفعل ...أقسم بالله لم افعل "
كان صوتها يتعالى حتى وصل لحد الصراخ بينما تضم جسدها بين يديها محتضنة إياه وهي تنثني بألم على نفسها
ليقترب منها محمد ضاما إياها لصدره بينما يشير بعينيه لهمس وحماتها اللتين جاءتا على صوت الصرخات ..فتعودا من حيث جاءتا دون أن تشعر بهما هند ...ليسحبها هو للداخل وهو يضم جسدها المرتعد داخل صدره ..ويغلق باب حجرة المعيشة بإحدى يديه بينما تضمها الأخرى ...ويظل يجذبها وهي ترتعد فاقدة للشعور بما حولها حتى أجلسها على أريكة مزدوجة ليجلس بجوارها ضاما رأسها لصدره ليربت على رأسها بينما يقول بحنو:
"أبكي هند ...أبكي حتى تخرجي من صدمتك ..اخرجي ألمك بالبكاء والصراخ حتى تكتفي ...وبعدها ارفعي رأسك عاليا ...واجهي الجميع برأس مرتفع لا ينحني ...طالما لم ترتكبي خطأ فحدقي بعيون كل من يرميك بالباطل ..و اعلمي يا ابنتي انه حتى لو ظلمك الناس اليوم ...فرب الناس مطلع ..وسيعيد لك حقك ولو بعد حين ...آمني أن الظلم مهما طال ومهما احتكمت حلقاته حتى تشعرين أنها ستطبق عليك ...فهي تكون إشارة لانفراج قريب ...الم تسمعي قول الإمام الشافعي رحمه الله (ولرُبٌّ نازلةٍ يضيق بها الفتى ذرعاً وعند الله منها المخرج ُ
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فُرجت وكان يظنها لا تُفرجُ)
فرج الله قريب وحقك سيعود يوما فقط قولي حسبي الله ونعم الوكيل ..دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب ...وستظل عند ربك حتى يعيد حقك ...فقط لا تقنطي من رحمته ... و أحسني الظن بالله فهو عند حسن ظن عبده به ...ولا تظني أن حقك سيعود بالاختباء ...أريدك أن تفيقي ..أن تقومي من عثرتك ...ما زلت صغيرة ..وستقابلك في الحياة عثرات وعثرات ..أريدك قوية لا تكسرها الخطوب ...أريدك فخرا لأبيك ...فيكفيك أنك تعلمي انك لم تخطئ ..ولو أتهمك كل البشر فيكفيك أنك ونحن نعلم انك لم ترتكبي خطأ ...يكفي ضعفا ...أفيقي لنفسك ...لقد أضعتي وقتا طويلا ...وأنا لن اسمح لك بالمزيد ..أتفهمين يا هند ..أنا من لن أسمح لك بمزيد من هذا الخنوع ...ستفيقي لنفسك ...ستعودي لكليتك ...وتعودي لتعيشي معنا ...بحينا ..وتجابهي الجميع ...برأس مرفوع لا تنحني مهما قالوا"
لترتعد ويشحب وجهها ..وتنسحب من بين ذراعيه وهو تقول بتردد وارتباك::
" لا عماه ..أرجوك ...لا استطيع العودة ...اعرف أني أثقلت على همس ..وعائلة زوجها بمكوثي عندهم بغير وجه حق ولا سابق معرفة ...فقط لو تسمحون لي ببعض الوقت ...سأبحث عن مكان لأقيم به وعمل و.."
ليقاطعها محمد ساخرا :
"حقا هند ...ستبحثي عن عمل ..وتتركي كليتك التي لم يتبقى لك بها سوى أقل من عامين وتتخرجي كطبيبة وتحققي حلم أباك ..و أي سكن هذا الذي ستجديه ومن أين ...وكيف تعيشين وحدك ..حتى لو حدث المستحيل و وجدته ..كيف ستأمنين على نفسك من ذئاب البشر "
لترد بارتباك وتشوش:
"ربما أعمل كممرضة بأحد المشافي ...نعم ...وهم لديهم مناوبات عمل ...سأطلب العمل بكل المناوبات ..بحيث لا أحتاج للعودة أو.. البحث عن مكان إقامة ,,,فأقيم بنفس المشفى الذي سأعمل به و... ونعم ..سأحاول أن ..أن ....لا ...لا ربما مستشفيان نعم اثنين واحدة اعمل بها نهارا والأخرى ليلا ..و...و"
ليقاطع هذرها الغير مترابط.. بصوت ساخرة وهو يقول لها :
"حقا هند ...ستعيشين بلا نوم ...ولا طعام ...ولا مأوى ...لابد انك ستصبحين خارقة" ..ليضيف بحدة وصوت صارم غير قابل للنقاش جعل الفتاة أمامه تنكمش رعبا:
"اسمعي يا فتاة ...كلام كثير لا ارغب بأن أسمع ..وإن ظننت أن ظروف زواجك بأكرم تجعل زواجك منه مجرد حبر على ورق ..فأنت واهمة ... ولا تخبريني بتلك الفلسفة الفارغة عن الشفقة والعار ..فكل هذا هذر لا يهمني ...أنت كنت قبلا ابنة صديقي ومن كان بمنزلة أخي ..وأمانته التي استأمنني عليها ..و الآن صرت زوجة ابني ..ومسئولة منى ...أصبحت حماك وأباك ...شئت أم أبيت ...تفاصيل ووضع علاقتك بأكرم نحسمها فيما بعد ...لكن هذا لن يغير من كوني بت المسئول عنك ....ولن تكسري لي أمرا ...سأتركك هنا أسبوعا آخر ...لا غير ..وبعدها ستأتي للإقامة معي ... وهذا أمر لا نقاش فيه "
لتنظر له بقلق لا يخلوا من رفض ..وتقول بتردد :
"عماه"
ليقاطعها بحدة أربكتها ولجمتها
"لا" ليلف جذعها بذراعه جاذبا إياها لصدره وهو يقول بينما يمسك بذقنها ليرفع رأسها إليه بسبابته وإبهامه:
"من هذه اللحظة ستناديني أبي ..لا عمي ..هل تفهمين يا هند ..أنا أباك ...كما أنا والد أكرم زوجك "
لتزداد ارتباكا وتهرب بعينيها منه وهي تحاول تخليص وجهها بتنكيسه بينما تقول برفض مقهور :
"لأكرم زوجة أخرى عم...أقصد أبي ..زوجة أحق مني ..زوجة اختارها بنفسه لم يُجبر عليها أو ...يضطر ل ...ل "
ليقاطعها محمد قائلا بغموض وهو يعيد رفع وجهها الذي نكسته:
"لم يعد لأكرم زوجة غيرك يا ابنتي"
ليراقب اتساع عينيها وارتباك نظراتها وتلك الدموع التي بدئت تملأ مقلتيها لتسيل على وجنتيها وهي تقول بانكسار مقهور :
"يا إلهي ..لقد دمرت له حياته ...لابد أن سارة رفضت وجودي ..أنا السبب ...لابد أنه يكرهني.. أرجوك عماه ...قل له أن يطلقني ...أنا سأذهب لسارة واخبرها بحقيقة الأمر وأن أكرم كان فقط يحاول مساندتي وستري ..زاد نشيجها بينما تقول بتقطع ...فقط هو كان شهم ..وحرام أن يخسر ..الفتاة ألتي يحبها بسبب شهامته معي"
ليرد عليها محمد ببسمة حانية وهو يقول لها بتأكيد:
"لست أنت السبب يا هند ..الأمر لا علاقة له بك...لتهز رأسها رفضا ..ترفض التصديق وهي تنشج صارخة
"بل أنا السبب ..أنا السبب ...أرجوك عماه ...دعه يطلقني ..لن احتمل المزيد أقسم لن احتمل يكفيني ما أشعر به وأعانيه "
لينهرها محمد بحدة طالبا منها الصمت والنظر إليه ليقول لها بتأكيد حازم :
"هند ..هل عاهدتني كاذبا يوما ما"
لتنظر له بارتعاد من بين نشيج البكاء للحظات قبل أن تهز رأسها نفيا ...فيقول بتأكيد:
"إذا عندما أقول لك ...أن سارة طلبت الانفصال عن أكرم دون أن تعلم بأمرك ..أو يكون لك شأن بالأمر ..من قريب أو بعيد ...إذا يجب أن تصدقيني " لتنظر له بارتباك وذهول وهي تقول بعدم تصديق :
"لكن لما؟ ..كيف؟! ...لقد كانت تبدو متعلقة به ..لابد أنها عرفت شيئا أو"
ليقطعها بنفاذ صبر:
"هند ..أمر سارة انتهى ...ولا شان لك به ...وموضوعك مع أكرم أيضا ليس مجال نقاشنا الحالي ...فهذا الأمر سيكون لنا فيه حديث في وقته ...فما بينك وبين أكرم عقد قران ..ولن يتزوجك إلا بعد أن تُنهي تعليمك ..وفقط إن وافقت أنت وارتضيت به زوجا ..وسيتزوجك كما يليق بابنة عبد السلام صديقي ...الدكتورة هند ...بزفاف ومهر ..وكل ما تناله العروس من حقوق دون أن يبخسك شيئا ...بل سأكون أكثر تعنتا معه من أبيك لو كان حيا ..فانا أبيك الآن ..وكما قلت أسبوع وتنتقلين للعيش معي ومع أمك زينب"
لتقول له بحيرة:
"لكن كيف أبي ..سامح وأكرم لن يشعرا بالراحة بوجودي سأقيدهم و"
ليقاطعها مطمئنا"
"لن تقيدي احد ...سامح سينتقل للحجرة الخالية بسطح بيت الحاج مرسي بجوارنا ...لقد أستأجرها منه ...وبهذا ستكونين براحتك ..وسيقيم بها معه أكرم مؤقتا ...فهو سيسافر قريبا ..خلال شهرين على الأكثر ...وعندما يعود من بعثته ...ستكونين قد أنهيت دراستك ...وأصبحت مخولة لتقرري ما تريدين ...آه وقبل أن أنسى ...لقد أخبرني أكرم أن أخبرك أنه قد قام بتقديم اعتذار لك عن المادة التي كان موعد اختبارها هذا الأسبوع ..حتى لا تفقدي تقديرك بها ..ولكن يجب أن تستعدي جيدا للمادة القادمة أمامك خمس عشرة يوما قبل موعد اختبارها وهي مدة كافية لتراجعيها حسب قوله ..وبإمكانك اللجوء إليه إن وقف أمامك شيء ..آه وقد أحضرت لك كتبك وجدول الاختبار وأعطيتهم لهمس لتضعهم بحجرتك ...يكفي خمولا وكسلا ..سأذهب الآن ..وأعود بعد أسبوع مع أكرم لأخذك ..فلابد أن تدخلي الحي معنا ..تدخليه برأس مرفوع ..وأنت تتجاهلين كل ما سيقال ..وتجابهي أعينهم بقوة" لتنظر له بخوف وهي تقول بحزن :
"أرجوك عماه ..لا أريد العودة لهناك .. ليس الآن على الأقل ...لن أستطيع مواجهة الناس أرجوك آآآ"
ليقاطع كلامها رنين هاتفه ..ليرد بينما ينظر لوجهها بتمعن وهو يذكر اسم المتصل ليبتسم على ارتباكها وهو يقول مازحا:
"نعم أكرم ..هل حدث شيء ..فأنت لا تهاتفني إلا عند المصائب "
لتتحول البسمة لعبوس بينما يستغفر وترتبك عيناه وهو يناظر هند بنظرات وجلة جعلتها تقول بصوت مرتجف :
"ماذا هناك عماه ؟ّ!! ماذا حدث ؟"
ليستغفر بينما يغلق الخط وهو يناظرها بقلق ويقول بخفوت:
"الأمر يخص أخاك ....حسين...
-----------------------
|