لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > روائع من عبق الرومانسية > رومانسيات عربية
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

رومانسيات عربية رومانسيات عربية


إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 29-07-18, 03:04 PM   المشاركة رقم: 6
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Feb 2009
العضوية: 121032
المشاركات: 242
الجنس أنثى
معدل التقييم: سيمراء عضو على طريق الابداعسيمراء عضو على طريق الابداعسيمراء عضو على طريق الابداعسيمراء عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 331

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
سيمراء غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : سيمراء المنتدى : رومانسيات عربية
افتراضي رد: رواية ، خلف أقنعة الذكريات ،الجزء الثاني من سلسلة خلف الأقنعة ،بقلم رغيدا المصرية

 

الفصل الثاني

ينظر للطبيبة دون أن يستطع إخراج صوت كأنما حلقه جف ولسانه تخشب لدرجة تمنعه من القدرة علي تحريكه فقط عيناه المرتعبتين تناشدانها أن تطمئنه ..يكاد يتقلب بين رغبتين ..إحداهما تناشدها أن تسرع بالكلام لتطمئن قلبه علي ساكنة نبضاته ..والأخرى تطالبها بتأخير الأمر إن كان فيه ما يسئ ..فهو رغم توقه لطفليه الذين لما يرهما بعد.. واللذان تابع نموهما برحم أمهما من أول لحظة عرفا فيها بوجودهما .. وشعر بأول اختلاجة لهما كما لو كانت دبيب فراشة صغيرة تنتفض وهو عشقهما ، كانت متعته الكبرى أن يضع يده فوق رحمها ليشعر بهما حتى وهما ساكنين ..قضى ساعات يحادثهما وهو يضع رأسه فوق صدر ريهام .. وكان ينام محتضنا إياها لافا ذراعيه على بطنها ليشعر انه يضم الثلاثة لقلبه ..
ورغم ذلك كل ما يريده الآن هي!! وهى فقط ..
لو خيروه بينها وبين أن يحيا محروما من الذرية رغم عشقه للأطفال لاختارها دون أن يفكر ..
منذ رآها أول مرة جالسة وسط مئات الطلبة والطالبات بمدرج الكلية ..عندما ساقته الصدفة وربما القدر ليدخل مكان أحد زملائه لإعطائهم المحاضرة لتأسر قلبه وعينيه من اللحظة الأولى فلا يرى غيرها بعد ذلك ..
حارب كثيرا ليصل إليها وكاد يخسر والديه أثناء حربه لولا ستر الله وتوفيقه ومعاونة همس له ..
لكنه لم يندم قط ...فقد أثبتت له طوال تلك الشهور أنها تستحق .. فهي بحق توأم روحه ..يعلم كم يحبها ..لكنه لم يتخيل مقدار هذا الحب بقلبه إلا عندما شعر انه يمكن أن يفقدها ..لو خيروه بين كل ما يملك حتى حياته وبينها سيختارها راضيا ..مر كل هذا برأسه في لحظات ..فلم يشعر بتلك الدمعة التي غافلته وانسلت من عينه بينما يري فم الطبيبة يتحرك ويصله صوتها المنهك يخبرهما أنها بخير..
لينتفض جسده بأكمله حتى كادت قدماه تخذلاه بينما الطبيبة تسترسل موضحة كيف كادوا يفقدونها بالعملية وكيف أنجاها الله ليس هي فقط بل هي والطفلين بمعجزة وفضل من عنده .. لكن الطفلين سيحتاجان للبقاء بالحضانة لبعض الوقت حتى يطمئنوا عليهما .. وحاليا هناك طبيب أطفال يقوم بفحصهما....
لم تتحمل أقدامه المزيد فارتخت وكاد يسقط أرضا لولا أن أسنده سامح لافا ذراعيه حوله بينما يصيح شاكرا الطبيبة ، ومهنئا إياه بصوت متهدج.... وما أن شعر بقدرته على التوازن حتى أزاح ذراع سامح من حوله دون أن يتكلم ، ليخر بعدها ساجدا شكرا لله وناذرا أن يذبح ثلاث عجول ويوزعهم على الفقراء عند خروجهم ..ليرتفع بعدها واقفا ليسأل الطبيبة بصوت مبحوح النبرات من شدة التأثر عن موعد خروج ريهام من حجرة العمليات لحجرة عادية لتجيبه أنها ستنقل خلال دقائق ويجد بعدها سامح يخر ساجدا هو الآخر شكرا لله...
-------------------

تضع يدها بذراعه بينما يدلفان معا لداخل المقهى العصري الذي افتتح حديثا ... و يتميز بتصميمه ألحميمي الأنيق .. حيث تتوزع الطاولات بصورة هندسية تعطى مظهرا جماليا وتمنح الخصوصية المعقولة للرواد .. حيث يوجد مسافات جيدة بين كل طاولة وأخرى.. ويتميز تصميمه بمزيج متناسق بين فخامة الطراز القديم والعصرية الحديثة مع التمازج الفريد بين ألوان الأثاث البني بلمعة من اللون ألنبيذي وأغطية الطاولات البيضاء مع تلك المزهرية الصغيرة المضيئة بصورة خلابة بزهرتها الطبيعية الوحيدة من اللون الأحمر القاني مما يمنحه طابعا خاصا ومتفردا .. بينما تصدح موسيقى هادئة وناعمة من مكبرات صوت مخفية وموزعة بذكاء تشعر رواده بجو مريحا للنفس..
جالت بنظرها بالمكان بإعجاب بينما يصطحبها أكرم للطاولة التي دلهم عليها النادل ليسحب لها مقعدها برقى لتجلس عليه بينما يتجه هو لمقعده المقابل لتنظر له باسمة وهى تمازحه:
"أين تعلمت حركات النبلاء أيها الطبيب؟!! ..تفتح لي باب السيارة في الدخول والخروج..! وتسحب لي المقعد! ..كنت أظن تلك الأفعال انقرضت مع أفلام الخمسينات"
..ليرد عليها مبتسما:
"ها قد أجبت ..في الحقيقة تعلمتها من الأفلام القديمة.. فأنا عاشق لأفلام الأبيض والأسود.. أشاهدها في فترات راحتي"
..لتسأله بمزاح :
"الديك أوقات راحة يا طبيب ؟!!!.. ظننت الأطباء جميعا نسوا معنى هذه الكلمة !"
... ليجبها بهدوء وابتسامة رزينة:
"أنت محقة .. طبيعة عملنا تجعلنا نكاد لا نعى للراحة معنى.. لكنى أتحدث عن الفترات السابقة عندما كنت صغيرا.. وحاليا عندما أجد نفسي أرقا.. في أوقات نادرة ..حيث أنني غالبا ما أنام ما أن أضع راسي على الوسادة من شدة الإرهاق" ..ليصمت قليلا قبل أن يكمل وهى تستمع إليه بإنصات :
"سارة تعرفين طبيعة ..عملي بحكم حياتك مع أبيك.. وعملك معنا بالمشفى ..حياة الأطباء ليست سهلة ... وأوقات فراغهم نادرة ..وهو ما يشكل عبئا كبيرا على زوجاتهم.. فنادرا ما يستطيعون توفير الوقت الكافي لهن .. لتدليلهن ،أو مصاحباتهن في السفرات والخروج والتجمعات المختلفة ...فهل ستستطيعين احتمال ذلك ، ما زلنا بالبداية ولا أريد أن أظلمك أو أن تتوقعي منى أكثر مما استطيع تقديمه.. خاصة وأن لي أحلاما وطموحات ..ستجعلني ربما أكثر انشغالا حتى عن غيري من الأطباء"
..لتنظر له بإعجاب وتقدير لصراحته وهى تجيبه ممازحة بلطف:
"أليس سؤالا متأخرا بعض الشيء"
..وهى تشير بعينيها لخاتمة بيدها التي رفعتها قليلا قبل أن تخفضها لسطح الطاولة مكملة :
"لا تقلق أكرم أنا أعي ظروف حياتك جيدا ..وأقدر أحلامك وطموحك وأرغب أن أشاركك بتحقيقها"
..كان يحدق بوجهها بتمعن جعل وجنتيها تتخضب بحمرة محببة وهى تسأله بينما تخفض عينيها :
"لما تنظر لي هكذا"
..ليبتسم لها مجيبا بتفكه :
"ألا يحق لي النظر لخطيبتي الجميلة ..التي اشكر الله أنها وافقت على الارتباط بي.. رغم ظروفي الصعبة ..وإمكانياتي المحدودة .. خاصة وأنا اعرف انه كان يتقدم لها الكثيرين ممن يفوقونني ماديا واجتماعيا"
..لتقاطعه هي برقة:
"بل أنت تفوقهم جميعا بأخلاقك بطموحك.... بأسرتك الرائعة الدافئة المترابطة المحبة "
..لتتسع ابتسامتها وهى تضيف:
"ويكفى انك الابن الروحي لأبى الذي يشاركني قلبه .. لقد كنت أغار منك قبل أن أراك من كثرة حديث أبى عن تلميذه النجيب المجد الذكي الذي يرى نفسه فيه ..
أظنه لو استطاع استبدالي بك لفعلها "..
ليضحك أكرم بهدوء ..بينما يمد يده اليسرى ليمسك بيدها اليمنى المستندة على الطاولة ويداعب بإصبعه حلقة خطبتهما ..مما أشعرها بالخجل وجعلها تخفض عينيها لكنها لم تسحب يدها منه بينما تسمعه يجبها بصوت رخيم :
"وهل هناك من يملك ابنة رائعة مثلك ..برقتها ..وجمالها.. ليستبدلها برجل قبيح وخشن مثلى "
...لتقاطعه بتلقائية هاتفة بينما رفعت عينيها ناظرة إليه بتعجب:
"لست قبيحا بل جذاب"
..لتنتبه لما قالته عندما اتسعت ابتسامته وشد أكثر على يدها ..لتشعر بوجنتيها تشتعلان ، وتلتزم الصمت الخجول خافضة عينيها، بينما يقترب هو قليلا ناحيتها مستندا بكوعه الأيمن على الطاولة الصغيرة التي تفصل بينهما قائلا بخفوت مغازل:
"إذا فأنت تريني جذاب؟!! ..همم يا لحظك الرائع يا أكرم "
.. ليميل ناحيتها أكثر سائلا:
- وماذا أيضا يا شقرائي الجميلة!!"
..لتخفض رأسها أكثر بحرج ..بينما ينسدل شعرها الذهبي الناعم متوسط الطول مغطيا ملامحها.. لتمد يدها الحرة لترفعه مزيحة إياه خلف أذنها بينما تعض على شفتيها من شدة إحراجها..
لينقذها من مشاعر الخجل التي اعترتها مجيء النادل بعصير البرتقال الطبيعي المفضل لديها .. وقهوته التركية التي طلبها لنفسه ..مما اضطره لترك يدها ومنحها لحظات لاستعادة توازنها .. وبينما يشكر النادل بتهذيب ..دق هاتفه باتصال من المشفى ويبدوا من ردوده أن الطبيب المناوب يبلغه عن إحدى الحالات ويستشيره بشأنها .... مما منحها فرصة التمعن فيه بروية ودقة ..
إنها محقة فأكرم حقا جذاب ..ربما ليس وسيما بالمعنى المتعارف عليه بين صديقاتها.. فلا يمتلك جسدا عضليا وشعرا حريريا كثيفا وملامح منمقة ..لكنه طويل بجسد يميل للنحافة لكنه ليس نحيلا جدا وشعر بني غامق يبدو أسود أحيانا لمن لم يدقق لكن لونه يظهر واضحا تحت الضوء ..وعيون تظهر سوداء للناظر من بعيد لكن من يقترب سيجدها ذات لون فريد يتراوح بين الزيتي والعسلي بأعمق درجاتهما ، لون ورثه من والدته كما لاحظت عندما تعرفت بأسرته ..كما ورث منها أيضا الكثير من ملامحها ولون بشرتها المائل للأبيض منه للون الخمري السائد بأسرته ..
فوالده اسمر بعيون سوداء قاتمة أخذتها عنه همس .. كما أخذت لونه أيضا وإن كانت بشرتها افتح درجة كما أنها شديدة الصفاء .. بينما سامح اخذ درجة لون والدهم السمراء لكن ملامحه مزجت بين والديه حتى لون عينيه لا تستطيع أن تحدد إن كان اسود أم بني فهي لم تدقق به كثيرا ..تنهدت مفكرة إن أكثر ما جذبها لأكرم هي تلك الهالة من الرجولة المشعة من حوله بالإضافة لإعجاب والدها به الذي انتقل إليها ...
منذ عملت معه بالمشفى قبل عامين بعد تخرجها مباشرة من الجامعة الأمريكية قسم إدارة الأعمال وتوليها الجانب الإداري لمشفى والدها ... وهى من سعت للتعرف على تلميذ والدها النجيب والمفضل ..من كان يراه امتداد له رغم انه لا يحمل اسمه أو دمائه .. لكنها دوما ما رأت الإعجاب والفخر بعينيه عندما يتحدث عنه.. وعن كيف يثق به .. وكيف خفف عنه كثيرا من عبئ متابعة وتنظيم العمل الإداري بل والطبي بالمشفى ..
كيف أن عقله وذكائه سابقين لعمره وكيف يتوقع له مستقبلا باهرا سيجعله بين مصاف كبار الأطباء بعمر صغير ..لقد تشبعت بالإعجاب الممزوج بالغيرة منه قبل حتى أن تراه ..لذا هي من سعت للتقرب إليه بشكل غير مباشر ما أن عملت معه بنفس المكان ...

رغم أن اغلب أوقات تواجده كانت في المناوبات الليلية ...لكنها عرفت كيف تفتعل الصدف للتواجد معه دائما دون أن يبدوا الأمر مفتعلا ...وكانت تلجأ لاستشارته بالعديد من الأمور الخاصة بالنواحي الإدارية والتنظيمية ..وتتحين الفرص للتقرب منه .. وخاصة بعد أن لاحظت قبول وموافقة صامته غير معلنة من أبيها على تواجدها معه.. الأمر الذي لم تره منه سابقا حيث كان دوما يقلق و يغضب بل وأحيانا ينهرها إن لاحظ أي تباسط أو تقارب منها لأي شاب ..سواء من زملائها بالجامعة أو أصدقائها بالنادي ..فأبيها رغم السنوات الطويلة التي قضاها بلندن ببداية شبابه.. إلا انه شرقي حتى النخاع فيما يتعلق بطبيعة العلاقات المفتوحة بين الذكور والإناث ..وكان هذا احد أسباب المشاكل والخلافات المستمرة بين والديها وهى صغيرة فأبيها لم يقبل أبدا بالتباسط والأريحية بالتعامل مع الرجال والتي تعد أمر عادي في عالم والدتها ....
هي لا تستطيع أن تنسى نظرة الفرح بعيون أبيها وهو يبلغها بطلب أكرم الزواج منها ..ولا السعادة والفخر الذي شع بكل خلجاته عندما أعلنت موافقتها ..كانت تشعر أنها أهدته حلما ..أهدته ابنا طالما حن إليه ..هي لا تستطيع أن تتهم والدها انه قصر معها سواء بالحب و الرعاية أو الحنان والدلال ، فهو رغم مشاغله الكثيرة دوما ما أوجد وقتا لها ..يكفى أنه لم يفكر بالزواج بعد انفصاله عن والدتها وكان دوما يخبرها أن حياته مليئة بها وبعمله ولا يوجد مكان بها لآخرين ..
لكنها تعلم انه بقرارة نفسه كان يتمنى أن يكون له ولد يحمل اسمه ويكمل مسيرته ...لم يقل يوما ما يشير للأمر لكنها منذ بدأ حديثه الدائم عن أكرم استشعرتها ..ربما لهذا كانت بالبداية مشاعرها لأكرم مزيج ما بين إعجاب وغيرة ...
لتخرجها لمسة أكرم من شرودها وهو يسألها أين ذهب عقلها بعيدا عنه .. لتكتشف انه أنهى حديثه الهاتفي ويحدق بها بتساؤل ..لتبتسم له برقة وهى تهز رأسها بلا شيء .. وتبدأ بارتشاف مشروبها بينما تستمع إليه يحدثها عن أماله وأحلامه المستقبلية ..وتتبادل مع الحوار حول رأيها عن موضوع البعثة حيث اتفق كلاهما على التمني أن يحالفه الحظ لتكون بإنجلترا وان اختلفت أسباب كل منهما لهذا التمني ...

...............

كانا يتحدثان بخفوت بجوار فراشها بعد أن نقلت لجناح فاخر حجزه لها حيث ستقضى اليومين القادمين حتى تتعافى .. وهو يطلب من سامح أن يعود لمنزله بينما يرغب سامح بالبقاء معه حتى تفيق ويطمئن عليها .. لكنه أصر ونبه عليه أن لا يخبر أحدا حتى صباح الغد .. وخاصة أن الوقت قارب الفجر ولا داعي ليقلقوا أحدا
..ليضرب سامح رأسه بكفه هاتفا أنه قد أغلق هاتفه ..ولابد أن والداه قتلهما القلق عليه .. فهما لا يعرفان أين هو منذ كان معهما بالحفل ..
ليخرج هاتفه من جيب بنطاله وقبل أن يبدأ بتشغيله سمعا تأوه وهمهمات تنطلق من فم ريهام ليقترب كلاهما منها ..لينفجر سامح ضاحكا بعد لحظات عندما تبين له الكلمات التي تهذى بها .. بينما أحمر وجه أحمد بقوة ونظر لسامح وهو ينهره محرجا ويطلب منه الخروج والعودة لمنزله ..لرغبته بالبقاء مع زوجته وحدهما قليلا ..ليجيبه سامح الذي يحاول كتم ضحكاته بصعوبة وبلا فائدة :
"أظن فعلا يجب أن تبقى معها منفردا فما تقوله ريهام يقع تحت دائرة مقص الرقيب"
..ليقذفه أحمد بعُلبة مناديل بجواره ..تلافاها سامح وهو يسرع بالخروج ضاحكا ومغلقا الباب من ورائه ..
ليلتفت هو لحبيبته ويهبط على ركبتيه بجوار فراشها ليأخذ كفها بحنو بين يديه وهو يستمع لكلماتها التي تهذى بها تحت تأثير المخدر ..تطالبه بالقرب منها وتخبره كم تعشق قبلاته ولمساته ..وتطلب منه أن يقبلها أكثر ليقترب بفمه منها.. وقبل أن تحط شفتيه الرحال منفذة طلبها الذي تهذى به دون وعى ..وجدها ترفع صوتها فجأة صارخة :
"ابعد هذه الصور بعيدا!!!"
...لينتفض من المفاجأة ..ويرفع رأسه ناظرا إليها بتعجب وهو يسألها:
" أي صور؟!!"
ليجدها ما زالت مغمضة عينيها ..وتهذى عن كرهها للصور المعلقة بمنزلهما ..
ليرفع حاجبه ذهولا وهو يستمع للخطط التي رسمتها مع همس لإتلاف الصورتين بحيث يبدوا الأمر حادثة غير مقصودة حتى تتخلص منهما وكيف يصعب أن يتلفاها معا ولابد أن يتلفا واحدة كل مرة ..
ليتذكر صورة الحُلم لبيكاسو ..التي دُمرت تماما والتي أدعت ريهام وقتها أنها كانت تريد أن تنظفها فأنزلتها لتستطيع تنظيفها بسهولة لكن قدمها زلت لتقع وهى ممسكة بها فوق المنضدة الزجاجية التي كسرت وتحول زجاجها لشظايا تسببت في تمزيق اللوحة ..وقتها هو لم يعبأ باللوحة وصب اهتمامه على يدها المضمدة التي ادعت أنها أصيبت بشظايا الزجاج ..لقد أصابه القلق لحظتها ولم يفكر مطلقا باللوحة.. وأراد أن يأخذها للطبيب ليطمئن لولا رفضها القاطع وقتها .. وتصميمها أنها بخير وانه جرح سطحي ..
كيف لم ينتبه أنها بعدها بيومين عندما أزالت الضماد لم يكن هناك اثر لأي جرح بيدها !!!..
ليفيق من شروده وينظر إليها مبتسما بعدما عادت للنوم الهادئ ويقرب رأسه منها وهو يتخلل شعرها بأصابعه و يهمس بجوار أذنها رغم علمه أنها لا تسمع ما يقول :
"تتلفين لوحة بآلاف الجنيهات لواحد من كبار الرسامين يا حبيبتي الشريرة ..لم أكن أعرف بنزعات الجنون لديك!!.. وأيضا تدبرين الخطط لإتلاف الأخرى؟! ..أكاد أُجذم أنها تأثيرات وأفكار همس"
..ليخفض صوته أكثر بينما يمس وجنتها بشفتيه وهو يضيف "سأعاقبك على خططك الشريرة بعد أن تفيقي واطمئن عليكِ..."

.......................

كان النوم يجافيها رغم أن الوقت قارب الفجر ..أصبح نومها مضطربا في الآونة الأخيرة وغالبا لا تذهب للنوم إلا بعد أن يشق ضوء النهار خيوط ظلمة الليل ..
أخذت تتقلب بفراشها في محاولة فاشلة للنوم ..حتى شق الهدوء المحيط صوت سيارة تدخل وتتوقف بصوت زاعق يدل على إيقاف مفاجئ وسريع ومتهور من قائدها ..لتنتفض من فراشها متوجهة إلى الشرفة ناظرة إلى مدخل باب الفيلا وهى متوقعة ما ستشاهده ..
فها هو شقيقها مدحت يخرج من باب سيارته التي دخل نصف مقدمتها بأحد أحواض الورود بجوار المدخل وتقف بزاوية تؤكد أنها كانت على وشك الارتطام بجزء من الدرج المؤدى لباب الفيلا ..
كان يمشى بترنح لا يكاد يصلب طوله بينما يرتفع صوته بغناء إحدى الأغاني الأمريكية الشهيرة ذات المعاني الوقحة.. بصوت مهتز غير واضح ..لتسارع بالدخول وترتدي روب فوق ملابس نومها وتتوجه خارجة من حجرتها هابطة إليه لتتواجه معه على بداية الدرج ....

--------------------------

فتح الباب وهو يطلق صفيرا خافتا منغما ليجد أكرم جالسا متكئا على المقعد الكبير الذي اعتاد والدهم الجلوس عليه بمنتصف الصالة وما زال ببذته الرسمية وإن تخلص من رابطة العنق والسترة ..ورفع أكمام القميص لأعلى ..ليرتفع حاجب سامح وهو يقترب منه سائلا بتفكه :
"ماذا هل بدء العريس بالسهر وعد النجوم من الآن .. ظننتك ستكون غارقا بالنوم والأحلام بعد مجهود اليوم "..
ليقف أكرم مواجها له فيبدوان بطول متقارب وإن تخطى أكرم سامح ببضع سنتيمترات طولا عوضها سامح بعرض الكتفين والعضلات البارزة ليجيبه بصوت بدى عليه الإرهاق :
"لا يا ظريف فقط وجدت أن الفجر اقترب موعده جدا ومع شعوري بالإرهاق وخاصة أني لم انم ليومين تقريبا خشيت أن لا استطيع الاستيقاظ للصلاة فقررت انتظار وقتها لأدائها ثم النوم بعدها.. وأيضا أحببت إن اطمئن عليك واعرف أخبار ريهام بالتفصيل ..فقد كنت مقتضبا أثناء حديثك مع أبى على الهاتف"
..ليضربه بكفه على رأسه من الخلف ضربة بسيطة وهو يكمل بعتاب :
"ألن تكف عن أفعالك ألا مسئولة ؟!! كيف تختفي من الحفل فجأة وتتغيب طوال هذا الوقت دون أن تبلغ أحدا أو تطمئنا عليك ..لقد تعجبت عندما لم أجدك حولي فقد اختفيت من المكان بعد سلامك.. وحتى عند مغادرتهم سألت أبى الذي أعطاني عذرا واهيا.. لكنى لم أشأ أن أطيل السؤال خوفا أن يكون حصل أي شد بينك وبينه ، وفضلت الانتظار للعودة لأفهم الموضوع ..لأفاجئ بعد عودتي بأبي وأمي بحالة قلق رهيبة نتيجة اختفائك ..ولولا اتصالك وقتها لنزل أبيك للبحث عنك بالأقسام والمشافي ..و ربما أصاب أمك نوبة هستريا وهى تتخيل كل أنواع المصائب والحوادث "
..ليضيف بسخرية باسمة وهو ينظر لأخيه من أعلى لأسفل:
" لقد كانت تظن أنك ربما خطفت" ..
لينفجر سامح ضاحكا وهو يقول:
"يال أفكار أمي!! ما زالت تظنني طفلا بالثالثة !!!"
ويكمل ضحكا بصوت اقل خفوتا وهو يقول بنبرة ساخرة:
" تخيل اخطف وأنا بهذا السن والحجم !!..ولماذا بالضبط سيخطفونني؟!! هل طمعا بأموالي مثلا؟!! أو طلبا لفدية ؟!!"..
ليبتسم أكرم وهو يغير الموضوع سائلا :
"كيف هي ريهام؟ وماذا حدث ؟!!
ليرتمي سامح على الأريكة الكبيرة ممدا جسده وهو يزفر بإرهاف بينما يتخلص من حذائه وهو يحكى لأخيه تفاصيل ما حدث ..بينما يجاوره أكرم مستمعا ليقول بعد انتهائه :
"الحمد لله الذي سلمها وسلم طفليها" ..
ليضرب كتف أخيه مهنئا :
"مبارك أيها الخال ..أصبحت خالا رسميا بولادة ريهام.. بقى أن تفعلها همس لألحق بك" ..
ليزيح سامح كف أخيه من على كتفه مدعيا الضيق وهو يقول :
"كف عن استخدام يدك بالحديث ..هل هذه كف أم مطرقة ..وتقول انك مرهق ..لا ادري كيف تكون جراح بهذه الكف الثقيلة ..أليس من المفترض أن أيدي الجراحين رقيقة كالفنانين" ..
ليقهقه أكرم بينما يحاول خفض صوته بوضع يده علي فمه وهو يلعب حاجبيه لأخيه ويجيبه:
"لعلمك أنا أفضل جراح يمكن أن تقابله.. ويدي برقة الحرير أثناء الجراحات ..لكن هذا لا ينفى أنني استطيع مجاراتك بالقوة وقت اللزوم !!..لا تظن تلك العضلات المنفوخة ستجعلك تتفوق على.. أتريد إثباتا؟!! "
ليعتدل سامح من إضجاعه ويمد كفه لأخيه ليمارسا لعبتهم المفضلة بإثبات من يستطيع ثنى كف الآخر بينما يجيبه وهو يذم فمه محاولا التغلب عليه
"أنت من طلب فلا تشتكى إن تأذت يدك الغالية "
ليقلد صوت أخيه مرددا الجملة التي دوما ما رددها عليهم (الجراح يجب أن يتمتع بعيون صقر وقلب أسد ويد امرأة) ليقاوم بصوت مكتوم بينما أكرم أوشك على ثنى يديه وهو يقول متألما :
"ها أي امرأة هذه التي تملك يد كحوافر الخيل ..ليكف عن الكلام ويشد يده بقوة ليثني كف أكرم لتلامس سطح الأريكة معلنة هزيمته ..ليرفع يده هاتفا
"هزمتك كالعادة أيها الطبيب"
..ليبتسم أكرم مجيبا:
"فقط هذه المرة لأني مرهق"
ليخرج سامح من حنجرته صوتا ساخرا وهو يجيب:
" ..حجة البليد ..كل مرة تدعى الإرهاق بينما أنا أغلبك دوما..! والمرات المعدودة التي فعلتها كانت عندما أكون أنا المرهق"
..ليخبط بكفه على عضلات ذراعه مضيفا :
"هذه تربت على الغالي يا طبيب .. ليست حقنا أو هرمونات أو مظهرا خادعا كما يفعل الشباب "التوتي" من أبناء الطبقات العليا ..الذين لا يهمهم إلا إبراز عضلات وهمية تتناسب مع الأزياء الحديثة.. حيث أنها الموضة الحالية لقاطني الفيلات والقصور"..
ليخفض أكرم رأسه قليلا قبل أن يرفع عينيه ناظرا لأخيه سائلا بعتب :
"وأنا ؟!!..أتراني احتاج أن أقوم بنفخ عضلاتي لأتناسب مع المظهر العصري الحديث لسكان الفيلات .. بما أنني سأكون منهم بعد فترة" ..
ليخفض سامح عينيه وهو يقول بصوت نادم :
"اعتذر أكرم أعرف أنى تجاوزت حدي معك سابقا بالحديث وقلت كلاما لا يجوز أن أقوله لك"
..ليقاطعه أكرم:
"المشكلة ليست فيما قلته ..! بل فيما تظنه ؟!.. أتظن حقا أن أخاك الذي تربى معك على يد أبوينا ..اللذان علمانا أن لا نطمع أو ننظر لما في يد غيرنا.. أو نأخذ ما لا يحق لنا ما لم نحصل عليه بجهدنا ..هذا الشخص الذي تربى معك يوما بيوم وساعة بساعة ..سيتحول لشخص وصولي يستغل زوجته ..وأباها ليحصل على حقوق وامتيازات لا يستحقها؟!!"
.كان سامح مخفضا رأسه طوال حديث أخيه تملأ ملامحه علامات الندم وهو يتذكر ثورته على أخيه وكلماته الحادة والمتهمة له ..عندما علم بموافقته على أن يعيش مع زوجته بفيلا أبيها بعد الزواج ..
هو أدرى الناس بأخيه وأخلاقه ، وتدينه ،وعزة نفسه ، فكيف يرميه بهذه التهم دون أن يحاول أن يسال أو يفهم ..ليرفع وجهه لأخيه بملامح يملئها الندم ..وعينين التمعتا ببريق دموع أبت كرامته أن يذرفها وهو يكرر:
"أنا آسف أخي ..اقسم أنى بداخلي كنت واثقا انك لست طامعا .. فقط لم افهم السبب الذي يجعلك توافق على شيء كهذا.. أراه إهانة لك وإنقاصا من قدرك ..إن كانوا يوافقون عليك ويريدوك فليقبلوا بك كما أنت .. ولتأتي خطيبتك بعد الزواج لتحيا معك بشقة حسب إمكانياتك ..إن أرادتك حقا" ..
ليثبت أكرم نظراته بعيني أخيه وهو يحاوره :
"وهل إقامتها معي بشقة صغيرة هي الإثبات الذي احتاجه على اقتناعها بي ؟!! أو هو الدليل الذي سيجعل الناس تقتنع أنى لست بطامع بهم يا أخي ؟!!"
ليسأله سامح بحيرة:
"ماذا تعنى؟!!
ليلتوي فم أكرم ببسمة جانبية ساخرة وهو يجيبه:
"أعنى ..أن الناس سيتهمونني بالطمع في كل الأحوال.. وسيظنون بي الظنون دوما ... وخاصة وأنا اعمل بمشفى أبيها ..و تقريبا أكاد أكون المسئول عنها وأديرها بشكل فعلى ..وإن ظل الدكتور خليل المدير الرسمي"
..ليستطرد مكملا :
"أتظن أنى لم أرى.. أو أسمع ..همزات ولمزات العاملين بالمشفى ..بداية من العمال.. حتى كبار الأطباء !!عن الطبيب الشاب صغير السن الذي لعب بعقل أستاذه وابنته ..حتى يستحوذ على كل شيء ؟!!"
لينتفض سامح واقفا بحدة وهو يجبه صارخا :
"ولماذا ؟!! لماذا تقبل أن توضع بهذا الموقف؟!! وتكون محل شك واتهام ..لا أظنك واقعا بغرامها ؟!!..لما لم تختار فتاة من مستوانا من وسطنا تفخر بك وتكون عونا لك؟!! ..لا تأتى يوما لتعايرك بمالها أو أبيها أو حسبها ووضعها الاجتماعي" ...
ليقف أكرم مواجها له وهو يجيبه بهدوء:
"لأنني لا اهتم أخي ..لأنني أعي بداخلي أنى لست كذلك!! ..أنا أحببت الدكتور خليل قبل أن اعرف شيئا عن ابنته .. وكنت أدير المشفى بالنيابة عنه من عدة سنوات ..قبل حتى أن أرى أو أفكر بالارتباط بسارة ..ولأنني واثق أنني بفضل الله إذا منحنى عمرا وصحة سأكون يوما ما طبيبا من اكبر وأشهر الأطباء ... وإن أردت المال فسأكون من أغنى الأطباء ..ولأنني يا أخي أثق بنفسي وبأخلاقي وبما أريد واعي أن رضا الناس غاية لا تدرك .. وأنني يجب أن أراعى الله في أفعالي واتقيه ، فلم أبالى بما يقولون ..لو وضعت الناس برأسي فلن انجح يوما أو أصل لغايتي هذا ما أؤمن به ..طالما لا افعل ما يشين فلا يهمني ...ليقل الناس ما يريدون"
لينظر له سامح بحيرة ويسأله :
"لكنى لا افهم ؟!!لماذا كل هذا؟!! هل تحبها ؟؟..أعرف أنها جميلة لكنى متأكد أن الجمال الخارجي ليس هدفك ..وأنا لم اشعر بأنك تكن لها مشاعر عاطفية عندما تحدثت مع أبى عنها ؟!!..شعرت فقط انك معجب بها وبأبيها ، بأخلاقها وربما أيضا جمالها .. وتراها مناسبة ومتفقة مع ما تريده بزوجة لا أكثر"
ليقترب أكرم مجيبا وهو يلف كتف أخيه بذراعه و يوجهه باتجاه غرفتهم ليبدلا ملابسهما :
"أنت أجبت على نفسك يا أخي ..هي فتاة فيها كل ما أريده بزوجة ..وأنا رجل عقلاني ..لست ممن يؤمنون بتراهات الحب من النظرة الأولى أو حتى العاشرة .. ولا أعترف بالعواطف وسلطانها الذي يتحدثون عنه ..ولا خزعبلات الحب الذي يزيد النبضات وقصص الروايات العاطفية والأفلام الرومانسية ..أنا أؤمن بأن الزواج الناجح هو موازنة بين عقل وقلب .. قلب يمنح القبول والإحساس بالراحة .. وعقل يجد التوافق ونقاط الاتفاق ولو بنسبة مقبولة مع ما وضعه من سمات الزوجة المناسبة ..وسارة وافقت الاثنين لدى .. فتاة جميلة.. مثقفة ..مهذبة.. اشعر ناحيتها بإعجاب وقبول وراحة ... كما أنها ستكون عونا وسندا لي خاصة أنها بحكم حياتها مع أبيها ستتفهم جيدا طبيعة عملي وكثرة انشغالي ..كما أن ازدواجية جنسيتها لحملها للجنسية الإنجليزية من جهة أمها قد يكون عاملا مساعدا إذا تم اختياري للبعثة للندن وهو ما أتمناه ..ولو لم يحدث فلا مشكلة .."
ليقاطعه سامح بتساؤل :
"وسكنك مع أبيها ؟!"
ليجيبه أكرم موضحا:
" مسألة سكننا مع أبيها مجرد إجراء مؤقت ...فالمفروض أننا سنتزوج بعد خمسة أشهر تقريبا ..والبعثة سيتم الإعلان عنها بعد ستة أشهر سواء للندن أو أمريكا أو ألمانيا .. والإجراءات تأخذ ما يقارب الشهر أو الشهرين كحد أقصى... لذا تأجير شقة وتجهيزيها سيكون حلا غير عملي وغير منطقي ..
كما أن أبيها توسلني حرفيا أن نبقى معه حتى موعد سفرنا ..فهي وحيدته ولا يوجد لديه سواها .. يكفى أنني أشعر بالذنب لأنني سأبعدها عنه فترة البعثة ..
حتى أنني وعدته أنه أيا كان المكان الذي سيتم اختياري للذهاب إليه فسأجعلها تحضر لزيارته مرة كل ثلاث أشهر.. حتى لو لم استطع مرافقتها ... وسيحضر هو إلينا كلما استطاع حتى لا يبتعد عنها طويلا.. فهي وحيدته .. بل هي كل ما يملك لأنه هو نفسه وحيد حسبما فهمت منه.. وعائلته قاطعها منذ سنوات نتيجة خلافات كبيرة لم اعرف تفاصيلها أو اسأل احتراما لخصوصيته... لكن الخلاصة أنها عائلته الوحيدة ..وإبعادها عنه خوفا من المجتمع ونظرته وكلامه ظلم لها وله"
ليقاطع كلامه لأخيه صوت المؤذن ..كان كلاهما قد أنهى ارتداء ملابسهما البيتية المريحة ويضجعان على أسرتهما.. ليقف أكرم ويميل ضاربا على كتف أخيه وهو يقول :
"هيا لنتوضأ ..فلابد أن أبى استيقظ لنصلى معا جماعة ..ليرد سامح له الضربة بينما يسابقه لباب الحجرة ليدخل الحمام أولا ويغلق الباب بوجهه بسرعة بينما يضحك أكرم على جنون أخيه الأصغر .......

---------------

فتحت باب حجرتها الصغيرة والمقتطعة من صالة الشقة والمغلقة بألواح خشبية ... وهى الفكرة التي أخذها أبيها الراحل من جارهم وصديقه والد أكرم عندما جعل لهمس حجرة مستقلة عن أخويها ... فقرر أبيها أن يصنع لها حجرة مشابهه ..الأمر الذي اغضب زوجته كثيرا .. لكنها لم تستطع أن توجه لها كلمة وإن سمعت مشاجرتها مع أبيها بسبب هذا الأمر لكنه دوما كان قادرا على تحجيمها ..
توجهت للحمام متجاهلة نبيلة زوجة أبيها التي تنظر لها بتمعن باحثة عن دليل يؤكد شكوكها حول مشاعرها ناحية الطبيب ابن جارهم .. لاحظت نظراتها فتعمدت تجاهلها ومدارة وجهها .. فهي تعلم أنها تشك بمشاعرها ناحية أكرم لكنها لن تمنحها أبدا ما يؤكد شكوكها .. خاصة بعد ارتباطه بأخرى... لذا بقيت طويلا بالحمام محاولة إنعاش نفسها ومدارة الإجهاد المرسوم على ملامحها ... وضعت وجهها طويلا تحت الصنبور وهى فاتحة عينيها لتخفف من احمرارهما الناتج عن ساعات بكائها الطويل ..داعية الله أن تستطيع الصمود ولا تكشف نفسها أو تنهار ..خاصة وهى تعلم أن نبيلة لو استشعرت منها تأكيدا لشكوكها أو ضعفا فيها ستنقض عليها بلا رحمة بلسانها اللاذع ...
خرجت بعدها متجهة لغرفتها حيث أنهت ارتداء ملابسها العملية المعتادة بآلية ...لم تتأخر وهى تختار ملابسها ..فلا تمتلك الكثير الذي تقف أمامه لتختار وتحتار .. مجرد بنطالان من الجينز ..احدهما ازرق والآخر اسود.. مع قميصين اقرب للقصات الذكورية .. احدهما بلون احمر يليق بها والأخر بتقليم من درجات الأخضر بتدريجاته المختلفة ..وكنزتين قطنيتين واحدة بيضاء والأخرى سوداء .. وسترتين للشتاء وفستان واحد تحتفظ به لارتدائه بمعظم المناسبات .. بأرضية زرقاء ومطبع بزهور رقيقة بتلاتها ما بين الأصفر والأحمر والأزرق ..سحبت البنطال الأسود والكنزة السوداء التي تصل لمنتصف ساقها ..وارتدتهما بآلية .. هي عادة لا ترتدي كلاهما معا لكنها شعرت أنهم الأنسب لمزاجها بهذا اليوم ..
ومنعا للتساؤلات حول لماذا ترتدي الأسود ؟!!والتي تعلم أنها ستتعرض لها من الجيران والزملاء .. لفت وشاح ملونا حول رقبتها ليكسر من حدة اللون ...وحملت كتبها وحقيبتها ومعطفها الأبيض الخاص بطلبة الطب وهاتفها القديم الطراز والذي احضره لها أبيها عندما دخلت الجامعة منذ أربع سنوات حتى يستطيع الاطمئنان عليها إن تأخرت بمحاضراتها ....كانت ترغب بالخروج دون أن تتبادل الكلام مع نبيلة لكنها كانت لها بالمرصاد فاستوقفتها بطريقها للباب وهى تسألها بلؤم :
"ماذا بكِ لا تتكلمي ولا تلقى تحية الصباح؟!! هل عميت عيناك عن جلوسي أمامك؟!! أم أن فكرك مشغول وقلبك مقهور على الطبيب الذي كنت ترسمين أمالك عليه ؟!!لكنه لم يهتم وتسلى بك قليلا ليذهب بعدها لابنة الحسب والنسب"
التفتت إليها وهى ترسم على وجهها ملامح الجمود حتى لا يظهر شيء من مشاعرها بينما تسمعها تكمل:
"سمعت الجيران يقولون أن خطيبته شقراء جميلة ..وغنية جدا.. يبدوا انه وقع واقفا !!..أكنت تظنين انه سينظر لك؟!! أو"
...لتقاطعها هند بجمود وحدة:
"عن ماذا تتحدثين بالضبط يا زوجة أبى؟!! وارجوا أن توضحي مقصدك بسرعة فلست مهتمة لثرثرة النساء الفارغة عن من تزوج بشقراء أو سمراء .. أو متفرغة للرد على الأوهام التي تشغلين نفسك بها عنى ..!! فأنا لا اهتم إلا بدراستي.. واليوم الذي سأتخرج به وأحقق حُلمي وحُلم أبى ...وبالتأكيد الزواج وهذه التفاهات ليست على قائمة اهتمامي حاليا"
لترفع حاجبها بسخرية مريرة تدارى بها الم قلبها وهى تكمل :
"أهناك شيء آخر تريدين إضافته .. أم استطيع اللحاق بمحاضرتي التي اقترب موعدها"
لتتمعن نبيلة بوجهها لكنها لم تستطع أن تستشف شيئا من جموده ..لتحرك فمها بانحناءة جانبية معتادة لدى نساء هذه الطبقة وتتحدث بغل من بين أسنانها :
"حسنا يا ابنة أبيك ..هل قبضتي معاش الشهر ... فما معي من مال نفذ تماما ولم يعد معي حتى ما نشترى به طعام اليوم "
...لتضيق حاجبيها وهى تقترب منها هاتفة :
"ماذا ؟!! كيف؟ أتعنين انك أنفقت معاشك وإخوتي في خمسة أيام فقط ؟ !!!كيف أنفقته كاملا بأقل من أسبوع"
..لتقف نبيلة بحدة وهى تهتف بها :
"دفعت الفواتير المتأخرة ..واشتريت نواقص المنزل وحتى لم يكفى أتظنين.. معاش أبيك خاصة وأنت تستقطعين منه جزءا لحالك ..يكفى شيئا مع ارتفاع الأسعار"
لتزفر هند بضيق وتفتح حقيبتها لتخرج منها بضع أوراق مالية تمدهم إلى زوجة أبيها التي نظرت لهم بغيظ واستهانة وهى تأخذهم وترفعهم محركة إياهم كمروحة وهى تقول :
"ما هذا ؟... أهذا كل ما ستعطيه لي؟!! إنهم لن يكفوا عدة أيام"
..لتقاطعها هند بحنق :
"هذا معاشي من أبى كاملا ..لم انقص منه مليما واحدا ..ونفقات مواصلاتي وكليتي ونفقاتي الخاصة اعتمد فيها على ما اقبضه من عملي بالعيادة... وهو مبلغ بسيط لو كنت لا تعلمين يا زوجة أبى.. لا استطيع أن استقطع منه شيئا فهو بالكاد يكفيني"
لتقاطعها الأخرى بحقد وهى تهتف :
"إذا اسحبي جزءا من المال الذي باسمك بالبنك .. أليس مالنا ونحن أحق به وفى حاجة إليه لنكمل نفقاتنا ؟!! أم نموت جوعا وأنت تكدسين مال زوجي لنفسك بالبنك "
لتنظر لها هند باستخفاف وسخرية وتقرر مجابهتها بقوة متذكرة نصيحة همس بضرورة الصمود بوجه زوجة أبيها وعدم الضعف والخنوع أمامها وإشعارها بقوتها حتى لا تستأسد عليها.. فتميل رأسها جانبا وهى تناظر نبيلة بسخرية بينما تسألها:
"ولماذا لا تسحبي أنت من نصيبك أو نصيب إخوتي وأنت الوصية عليهم ؟ فمالكم بنفس البنك !!أم أن نقودي – لتضغط على حروف الكلمة – التي هي نصيبي الشرعي وارثي من مكافأة نهاية الخدمة من أبى ، ما سيمنع المصائب ونقودكم لا.. فحسب علمي نصيبي مجرد عدة آلاف لا تكاد تتجاوز أصابع اليدين بينما نصيبك أنت وإخوتي أربع أضعاف نصيبي"
لتخرج نبيلة صوتا مستهجنا من حنجرتها وهى تشيح بيدها بوجهها هاتفة بصوت عالي:
"أيتها الجاحدة أتريدين أن آخذ من نصيب إخوتك القصر!! الذين ما زالوا صغارا وأعوادهم طرية ويحتاجون ثقلهم مالا حتى يكبروا ويتعلموا مثلك ..! وأنت تحتفظين بمالك ل .."
لتقاطعها هند التي تعلم أن هذا الحوار إن لم تنهه بحزم سيمتد ولن ينتهي فتصرخ بوجهها ناهرة.. فقد تعلمت جيدا أن نبيلة لا ترتدع إلا عندما تشعر أن من أمامها أقوى منها :
"اسمعي جيدا يا نبيلة مالي بالبنك لن اقترب منه ..فهو رغم قلته حقي الذي قد احتاج إليه يوما ويكفيني شر السؤال ولن أفرط فيه ..
معاشي رغم انه أيضا حقي... اتركه لكِ كاملا .. فقط لأجل إخوتي وأنا كافية نفسي من عملي ...حتى الطعام لا أكاد أقربه بالمنزل وأعيش على الشطائر التي اشتريها خارجا ..فإياكِ ثم إياك أن تفتحي معي الكلام بهذا الأمر ثانية... وإلا سأترك لك البيت وانتقل للإقامة بالمدينة الجامعية كما اقترحت همس سابقا .. حتى أنهى دراستي.. وأتركك أنتي تدبيرين أمورك كيفما شئت"
لتدير ظهرها لها متجهة للباب لتفتحه بحدة وتغلقه ورائها بعنف كاد يكسر لوحه الزجاجي بينما تسمع سباب ودعوات نبيلة عليها وعلى همس وعلى عائلة محفوظ التي قوتها عليها ..
لتشرد هند وهى تنزل الدرج وتسير باتجاه موقف الحافلات الذي يبعد بضع دقائق عن حارتهم في جيرانهم آل محفوظ ..!! ليس فقط أكرم .. ولكن أيضا أبيه العم محمد.. وزوجته الطيبة وابنتهما همس التي لن توفيها أبدا حقها من الشكر نتيجة صنيعها الذي ساعدها على مواجهة والنجاة من مكائد زوجة أبيها ..
لتعود بذاكرتها لهذا اليوم بعد وفاة أبيها بثلاثة أيام عندما انتهى توافد المعزين لبيتهم وغادر الجميع بما فيهم أهل والدتها كل إلى بيته ..لتبقى مع نبيلة التي كشرت عن أنيابها وأرادت أن تحقق مرادها المؤجل من سنوات بقهرها وإذلالها ..
حيث فوجئت بها تقتحم حجرتها الصغيرة وهى تجرها لصالة المنزل وتهتف بها أن عليها منذ اليوم أن تقوم بكافة أعمال المنزل ..ليس هذا فحسب بل تنسي تماما موضوع إكمال
تعليمها وتبدأ بالبحث عن عمل تعيل بها نفسها وتساعد به إخوتها ... لترد عليها بينما تغرق الدموع مآقيها بأنها أبدا لن تترك دراستها بعد أن أنهت عامها الثالث بكلية الطب .. وستبدأ بالرابع بعد أسابيع قليلة ولم يتبقى لها إلا القليل لتحقق حلمها وتصبح طبيبة كما تمنى أبيها دوما..
لتسخر الأخرى منها وتشدها من شعرها وهى تهتف بأنها تحلم ..وأنها لن تدعها تخرج من باب المنزل إلا للعمل .. وان من كان يدللها مات وهى المسئولة عنها وستكسر رأسها وانفها ..دمعت عينا هند وهى غارقة بتلك الذكرى عندما تذكرت أن أكثر ما آلمها هو وقوف إخوتها صامتين دون أن يحاول احد منهم مساعدتها..
بل إن حسين أكبر إخوتها ذي الخمسة عشر عاما رفع صوته عليها وهو يصرخ بها أن تستمع لما تقوله أمه ..بينما اكتفى حسن ذي العشرة أعوام بالصمت ... فقط معاذ ذي الأعوام الستة هو من كان ينظر لها باكيا دون أن يستطع الاقتراب..
وزادت حدة الشجار وارتفعت الأصوات وتعالت صرخات هند التي نتجت عن صفع نبيلة لوجنتها وجذبها لشعرها، لينقذها من أن تنال المزيد من الضرب والإهانة ... صوت دقات عالية على باب الشقة .. ليسارع حسن بفتح الباب قبل أن يمنعه احد ..فيجدوا همس واقفة أمام الباب.. تنظر شذرا لنبيلة وتدخل مسرعة تحتضن هند وتنظر لهيئتها المزرية ووجهها الممتلئ بالدموع لتزداد نظراتها حدة وهى ترى اثر أصابع على وجنتها بينما تحاول هند مدارة وجهها لتحتضنها مرة أخرى وهى تهمس بأذنها سايريني فيما أقول وادعى العلم والمعرفة به ..لتلتفت لنبيلة وهى تسلم ببسمة صفراء:
"كيف حالك يا أم حسين"
لترد الأخرى بتوجس وهى تناظرها :
"بخير كيف حالك أنت يا همس هل هناك شيء أتريدين شيئا؟! "
ليرتفع حاجب همس وتزداد بسمتها اتساعا وهى ترد عليها بلؤم:
"ما هذا يا أم حسين ؟!! أتطردينني بالذوق ..أم لا ترغبين بزيارتي" ..
وقبل أن ترد الأخرى أكملت قائلة:
"على كل حال أنا آتية لهند فقد أنهيت لها موضوعها"
لتنظر لها نبيلة بتوجس وهى تسألها أي موضوع ..
لترد همس بحبور مفتعل :
"موضوع السكن بالمدينة الجامعية ...صحيح أن المدينة عادة تكون للمغتربات وليس لساكنات العاصمة.. لكن هناك حالات استثنائية ..وقد ساعدني الدكتور احمد زوج ريهام"
لتنظر بسماجة لنبيلة مردفة :
"تعرفيها طبعا ؟! وتعرفي أن زوجها يعمل بالجامعة ..وله معارف كثيرة ،استطاع الحصول لها على غرفة للسكن هناك حتى تنهى دراستها ...وأيضا حصل لها على إعفاء من النفقات التي تدفع للسكن ..كما أن المدينة توفر وجبات الطعام للطالبات أي أن ما ستحصل عليه من معاش أبيها سيكون لها كاملا ويكفيها لتنفق منه حتى تتخرج "
لتنظر لها نبيلة بذهول وهى تتلجلج بالكلمات :
"أي سكن وأي معاش؟!! ما الذي تتحدثين عنه ؟!! وكيف تسكن فتاة وحدها ؟!! وأي معاش هذا الذي ستأخذه ؟!!..المعاش لي ولأبنائي فقط ؟..هي لا يحق لها شيئا !!"
لتضحك همس بخبث وهى ترد عليها :
"يا إلهي يا أم حسين !! أنتِ لا تعرفين شيئا عن قوانين المعاش أليس كذلك؟!! ..أولا ولله الحمد هند أتمت من أيام قليلة عامها الحادي والعشرين كما عرفت من أبى الذي يقوم حاليا بإنهاء إجراءات صرف المعاش لكم ..وكذلك المكافأة المستحقة عن سنوات الخدمة التي قضاها عمى أبو هند رحمه الله"
لاحظت هند أن همس تعمدت نطق اسم أبيها بالكنية التي كان يحب أن ينادى بها بحياته "أبو هند " رغم إنجابه لحسين وهو ما كان يضايق زوجته ويثير حنقها ..لتسمع همس تكمل :
"وحسب القانون ..وبما أن هند ما زالت تدرس.. وليست متزوجة.. أو تعمل بوظيفة ثابتة ..فستأخذ جزءا من المعاش بقدر نصيبها.. كما أنها هي فقط.. من سيحق لها صرفه بما أنها تخطت سن الرشد... ولم تعد قاصرا فليس لأحد وصاية عليها .. وأيضا ستحصل على جزء من المكافأة الخاصة بابيها ..توضع بتصرفها بشيك باسمها لا يحق صرفه إلا من خلالها ...ولذا فهي ستكون مستقلة تماما ماديا وقادرة على الإنفاق على نفسها حتى تتخرج بإذن الله ...وإقامتها بالمدينة ستتيح لها الجو والفرصة للمذاكرة"
..كانت نبيلة تنظر لها بحنق و ذهول.. بينما تابعت همس ببعض التردد المقصود :
"صحيح أنها لو بقيت معكم ستتمكن من مساعدتكم بمعاشها في نفقات الحياة .. خاصة أن المعاش يكون صغيرا.. ولا يصل حتى لنصف الراتب الذي كان يحصل عليه عمى أبو هند رحمه الله .. حيث عادة ما يكون أغلب الراتب حوافز وبدلات تخصم عند المعاش.. وما سيتبقى لكم لن يكفى ... لكنى أظن انك ستحاولين التصرف .. خاصة لو ذهبت هند للإقامة بالمدينة فلا أظنها ستضحي وتبقى معكم وتعاونكم بمعاشها دون أن تضمن أنها قادرة على أن تكمل دراستها بلا عوائق"
لتلتفت لهند المتابعة لها بذهول فهي لم تفكر بموضوع المعاش وكيف أنها بالفعل تعدت السن وستحصل على جزء من المعاش بنفسها ..لكنها أيضا تعي جيدا أن الشق الخاص بالمدينة الجامعية بكلمات همس ليس صحيحا فهي ليست مغتربة ولا استثناءات بالمدينة لسكان العاصمة ..
لتنتبه على ألغمزه التي رمتها بها همس وهى تكمل:
"متى تريدين الانتقال هند ؟!!حتى أجعل الدكتور احمد ينهى الإجراءات"
لتقاطعها نبيلة صائحة وهى تقترب من هند تضمها إليها قائلة:
"أي مدينة هذه؟!! هند لن تترك البيت وتقيم في مكان آخر.. أتريدين أن تأكل الناس وجهي ..هي ستبقى هنا وتكمل دراستها وهى بداخل منزل أبيها "
..لتنظر لهما همس وهى تقول بتردد مقصود:
"حسنا إن كانت تلك رغبت هند "
..لتصمت هنيهة قبل أن تضيف ..موجهة الكلام لهند التي بدأت تستعيد توازنها وهى تعي خطة همس:
"إذا غيرت رأيك بأي وقت هند فأخبرني .. سأجعل دكتور أحمد يكلم معارفه وستقيمين بالمدينة الجامعية بالمجان حتى تنهى دراستك"
لتفيق هند من شرودها وذكرياتها على توقف الحافلة أمامها لتتنهد بعمق وهى تتجه إليها لتحشر نفسها حشرا وسط جحافل الراكبين ....

--------------------

- كانت تغمغم بغيظ عن تغير مديرها الذي يبدو أن خبر حمل زوجته أطار عقله وبدأ يهمل عمله الذي كان ملتزما به .. بينما تنهى تعديل جدول الأعمال لليوم الثاني على التوالي ..حيث فوجئت بمديرها يهاتفها مخبرا إياها بأنه سيتأخر لساعتين عن موعد حضوره وعليها إعادة تنظيم جدول المواعيد والمقابلات ..وكأنه ينقصها المزيد من الأعمال ..هذا غير سماع تذمر العملاء الذين يغضبون ويعترضون بالهاتف كلما أبلغت احدهم بتغيير الموعد ...وكأنها هي من غيرته بمزاجها.. لتتحمل صلفهم وكلماتهم اللاذعة....كانت عيناها معلقة بشاشة جهازها أللوحي الذي تستخدمه لتنظيم العمل وهى تغمغم بخفوت نزق عن الرجال الأوغاد الحقيرين والمنافقين .. حيث أنهت توا مكالمة هاتفية مع العميل الأخير الذي بدلت موعده من فترة الصباح لفترة بعد الظهر.. بعد أن كادت تغلق الهاتف بوجهه من قلة ذوقه وهو يتذمر بأن جدول مواعيده لهذا اليوم لا يقبل بهذا التغير ..ولم يلجم اعتراضاته سوى قولها الحاسم بأنه إن لم يكن يستطيع الحضور بالموعد الجديد ستبلغ خالد بك بعدم رغبته بلقائه.. ليتلجلج الرجل فقد سعى كثيرا لهذا اللقاء وهى تعي هذا فهي من كانت تنقل طلبه لمديرها ..ليأتي الآن ويتذمر!! لكنه بالنهاية رضخ ..
لا تدرى ما الذي أشعرها بوجوده معها .. ربما شعورها بتغير ذبذبات الهواء بالمكان لتشع بالطاقة السلبية ..أو ربما رائحة عطرة المميزة رغم إنها ليست حادة أو فجة ..لكنها علمت انه متواجد معها بالمكتب لترفع وجهها عن الجهاز .. لتجده يحدق بها ببرود وحاجب مرتفع ونظرة تشعرها بالدونية.. لا تدرى لما دوما تراها بعينيه ..لتجد نفسها تهتف بغيظ:
"أليس من المفترض أن تدق الباب وتعلن عن وجودك بدل تسللك هكذا ... ليزداد ارتفاع حاجبيه وتجهم وجهه وهو يجبها بصوت يقتر احتقارا
"وهل هي حجرة نومك ؟!! لأطلب الإذن لدخولها ..أنها حجرة مكتب سكرتيرة الرئيس ..والمفروض أنها مفتوحة للجميع لأغراض العمل"
ليحتقن وجهها نتيجة الغيظ والضيق ..وخاصة أنها رغم كرهها لأسلوبه وكلماته الوقحة لا تستطيع إنكار واقعية كلماته ...لكن هذا لم يمنعها من الهتاف بنزق :
"لا أظنك حضرت للتطلع بوجهي فماذا تريد "
ليقترب من مكتبها ويميل عليه لدرجة جعلتها تشعر أنه يشرف عليها من علو مما دفعها للتراجع بظهرها أكثر لتستند لظهر مقعدها وهو يلقى بملف ضخم أمامها مشيرا له برأسه:
"عندما يحضر الرئيس سلميه هذا الملف لمراجعته ..واخبريه أنه يجب أن يعطى به قرار سريعا لنبلغ إدارة التخطيط ..إن كان القرار بالموافقة فقد أتممت دراسة الجدوى "
ليعتدل من وقفته المائلة ويعطيها ظهره متجها للباب ليتوقف قبل وصوله إليه بخطوة ويلتفت برأسه ناحيتها و يضيف :
"آه وبالمناسبة لو كان هناك منافقين.. وحقيرين ..وأوغاد بين الرجال فهم لن يصلوا لعُشر نسبة المنافقات.. والحقيرات والمتلونات.. من النساء"
لتتسع عينيها ذهولا ودهشة مع كلماته التي أعلمتها انه استمع لكلامها مع نفسها ..لكن ما أثار حنقها انه خرج بعد كلماته التي ألقاها قبل أن تتح لها فرصة الرد عليه بما يستحق.. فقد ألجمتها الدهشة للحظات كانت كافية لاختفائه من أمامها قبل أن ترد عليه ..لتزداد وتيرة تنفسها مع زيادة شعورها بالغضب وهى تقسم بداخلها أن ترد الصاع لهذا المغرور ألمدع السخيف اللعين الذي بليت به ويثير حنقها بجنون بأسلوبه المهين ونظراته المحرقة ...
----------------------------------

 
 

 

عرض البوم صور سيمراء   رد مع اقتباس
قديم 30-07-18, 09:38 PM   المشاركة رقم: 7
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Feb 2009
العضوية: 121032
المشاركات: 242
الجنس أنثى
معدل التقييم: سيمراء عضو على طريق الابداعسيمراء عضو على طريق الابداعسيمراء عضو على طريق الابداعسيمراء عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 331

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
سيمراء غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : سيمراء المنتدى : رومانسيات عربية
افتراضي رد: رواية ، خلف أقنعة الذكريات ،الجزء الثاني من سلسلة خلف الأقنعة ،بقلم رغيدا المصرية

 

الفصل الثالث

كانت سعيدة وهي تنظر بحب لتلك الرضيعة الملتفة بالوردي و التي لا تكاد تتبين ملامحها لشدة صغرها... بينما يقف خالد بجوارها يحمل الصغير الذي يرتدي الأزرق لترفع عينيها التي غشيتها دموع السعادة والتأثر لصديقتها المضجعة بنصف جلسة بسرير المشفى ويجلس بجوارها زوجها احمد مبتسما بسعادة وممسكا بيدها بينما تجلس حماتها السيدة شاهي علي احدي الأرائك بجانب الحجرة .....كانت تنظر للصغيرة بانبهار بينما تقف بجوار فراش ريهام من الناحية الأخرى لتسألها بتأثر:
"إنهما رائعان.. ماذا قررتما أن تسمياهما ؟
..لتسمع تنهيدة خافتة شعرت أن بها شيئا من الضيق الذي لا يستطيع إلا المقربين من ريهام استشعاره بنبرات صوتها الهادئة بينما تجيبها
"الفتاة سنسميها شهباز ..أما الفتي فز.."
...لتقاطعها همس صارخة ...

- ماذا شهباز !! شهباز !!!! ما شهباز هذا؟ !!!!!... هل هذا اسم؟!! انه يشبه اسم ملوك الجان في فوازير رمضان قديما !!!"
... لتصرخ متألمة من الضربتين اللتين تلقتهما بآن واحد ..بجانبها الأيمن وقدمها اليسرى من صديقتها وزوجها .... لترد السيدة شاهي والدة أحمد بأنفة وهي تستقيم واقفة بغضب وتعالي :
"انه اسم تركي يعنى الملاك .. فجدتي تركية الأصل وهو اسم يليق بحفيدتي... وبالطبع ليس غريبا أن لا تفهمي معناه فلا أظن أحدا لديكم لديه أصول تركية ملكية"
..لتتسمر همس فاتحة فاها دهشة...!! ويسارع خالد بالاستئذان مع نظرة معتذرة لأحمد الصامت بحرج ..ويسير بسرعة ساحبا إياها خلفه يكاد يجرها جرا ليخرجها من الباب ويغلقه خلفهما بسرعة .. مستغلا صدمتها قبل أن تفتح فمها ويتحول الأمر لكارثة !!.. وخاصة بعد أن رأى تلك النظرة التي يعرفها بعينيها والتي تعني أن المشاكل قادمة ..
لكنها سرعان ما سحبت يدها منه بعنف هي تقف قائلة بعصبية
"كف عن سحب يدي وجري هكذا يا خالد .. فلست حيوان تجره خلفك أو دمية تمنعها الكلام .... كيف تسحبني هكذا؟!! وتمنعني من الرد علي تلك المغرورة التي تعمدت إهانتي ومنعي من إبداء رأيي في هذا الاسم البشع "
ليزفر خالد أنفاسه بحنق وهو ينظر إليها محاولا التحدث بهدوء:
"همس حبيبتي إنها ابنتهم!!.. يحق لهم أن يسموها كما يريدون ...ولا يحق لنا التعليق والتدخل ..لتقاطعه ثائرة :
"بل يحق لي إنها ابنة صديقتي المقربة ..وأخت شقيقي من الرضاع ..وستكون صديقة أبنائي مستقبلا بإذن الله ..وأنا سأكون بمثابة خالتها فكيف سأناديها بهذا الاسم السخيف ؟"
كان على وشك الرد عندما أتاه من الخلف صوت جعله يغمض عينيه بأسى محدثا نفسه هذا ما كان ينقصني اكتمل حفل المجانين ....
------------------

أخذ ينظر يسارا ويمينا لأرقام الحجرات في هذا المشفى الاستثماري الضخم بحثا عن رقم الجناح الذي توجد بها أخته ..خاصة بعدما هاتف احمد منذ قليل وعرف منه انه نقلها لجناح فاخر فالحجرة التي نقلت إليها أمس لم تعجب والدته ..
ليبتسم ساخرا وهو يفكر أن أحمد ربما لا يعي أن حجرة أمس تعدا قصرا مقارنة بعنابر المشافي الحكومية التي يعالج بها غالبية أبناء الشعب..
بل إن بعضهم لا يجد حتى سريرا فارغا بتلك المشافي ويفترش ارض حجراتها ..ومن وجد سريرا أعتبر نفسه محظوظا ...
ليهز رأسه نافضا عنها تلك الأفكار فليس الوقت وقت مقارنات طبقية ... فهو يجب أن يكون سعيدا أن ريهام أكرمها الله بزوج كأحمد جمع بين التواضع والأخلاق والمستوى المرتفع والأهم انه يحبها ...
كان يحمل بين يديه عُلبة حلوي من النوع الذي تحبه ريهام ومجموعة من البالونات الحمراء المربوطة بدب ابيض ضخم ... فبما أنها ولدت توأما فتاة وصبي فالأفضل أن يكون اللون حيادي ليناسب كلاهما ..ليبتسم بسعادة فقد أصبح خالا لطفلين دفعة واحدة والثالث في الطريق ... لينتبه على سماعه أصوات مرتفعة يعرفها جيدا... لينظر باتجاهها فيجد شقيقته وزوجها يقفان متواجهان وكلا منهما يضع يديه بخصره ويبدوان في خضم نقاش محتدم ....
ليتقدم ناحيتهما دون أن ينتبها له ويقول بينما يضع الدب بجواره علي الأرض المصقولة:
"مرحبا الم تجدا مكانا للتشاجر إلا طرقات المشفى.. دون مراعاة لحاجة المرضى للهدوء ..ليلتفت كلاهما إليه متفاجئين بوجوده جوارهما ليجداه مبتسما لهما بسماجة بينما يضيف :
"ولو إنني اشك أن الهدوء أمر صعب بقسم النساء والتوليد... فقد ذهبت مرة مع احد أصدقائي لمشفى حكومي لزيارة صديق مريض.. ودخلنا قسم النساء هناك عن طريق الخطأ.. فشعرنا بالفزع من أصوات الصراخ وبكاء الأطفال...
لكن يبدو أن المستشفيات الاستثمارية مزودة بعوازل صوت.. فلا اسمع هنا إلا تلك الموسيقي الجنائزية الهادئة ..التي لا ادري من الأحمق الذي وضعها ... بالإضافة لأصوات شجاركم التي شنفت أذني ..ليناظره خالد بغيظ قائلا:
"سامح ارحمني من سماجتك !!.. وادخل لتهنئة أختك فهي بالجناح الذي هناك" مشيرا برأسه على باب يبعد عدة خطوات ..
لتقاطعه همس بحدة هاتفة:
"قبل أن تدخل ...ألا تريد أن تعرف اسم ابنة أختك الصغيرة ... فأنت خالها.. لتضيف وهي تنظر لخالد بجانب عينيها بحنق .. ولا يستطيع احد أن ينكر حقك بقول رأيك بالاسم"
..ليسمعه سامح يزفر أنفاسه بغيظ وقبل أن يجيبها برد حاد قاطعهم سامح بقوله :
"يبدو أن الأمر له علاقة باسم المولودة؟!.. ما المشكلة؟!! ..لا أظن أن احمد ابن العائلة العريقة سيختار أسماء كست أبوها أو مسعدة مثلا"
...ليقاطعه خالد بضيق
"بل اسماها على اسم والدته"
...لتنظر له همس بمفاجأة أقلقت سامح ..خاصة عندما سمعها تقول بذهول :
"ماذا؟!!!.. أهذا اسم والدته ؟!!...والدته اسمها شهبور؟!!! ولها عين أن تتعالى علي !!!"
ليردد سامح بذهول:
"شهبور؟!!"
..بينما يقاطعهم خالد بنزق:
"بل اسمها شهباااااز.. شهباز ...وهو اسم تركي كما أخبرتك هي"
... ليكرر سامح بنفس الذهول...
"شهباز؟!!.. ما شهباز هذا ؟... اسم قرد ؟أم نوع من الزواحف ؟!"
... ليلتفت كلاهما له بتعبيرات متناقضة ..فبينما ظهرت السعادة على همس.. ظهر الامتعاض على خالد لتهتف همس قائلة بانتصار لخالد :
"أرأيت !!!.. لست أنا فقط ..حتى سامح متعجب ومعترض على هذا الاسم الغريب" ..
ليقاطعها خالد باستهزاء:
"عزيزتي ...سامح هو النسخة الذكورية منكِ فلا تستشهدي به انه ملك الحمقى"
ليرتفع حاجب سامح وهو يناظر زوج شقيقته سائلا ؟
"أهذه إهانة ؟!!"
...ليجيبه خالد بحنق:
- بل إقرار حقيقة واقعة.. فأنت وشقيقتك ثنائي مدمر ..مجنون.. أحمق !!..ولو تدخلتم بهذا الأمر ستتسببان بمشكلة لريهام لا داعي لها..
وخاصة أنكما تعلمان أن احمد يهادن والدته لتتقبل زوجته بصعوبة... وتسمية ابنته باسمها احد طرقه لنيل رضاها"
ليقاطعه سامح بنظرة ماكرة :
"وماذا إن استطعت إقناعهم بتغيير هذا الاسم العجيب.. دون إن يخسر أحمد رضا السيدة شهبنهيار والدته ؟!!.. بل سأجعلها هي من تطلب عدم تسمية الطفلة بهذا الاسم"
ليرد عليه خالد هازئا :
"أولا اسمها شهباز.. لا ادري ما الصعب به لدرجة تجعلك أنت وشقيقتك غير قادرين على حفظه ..ثانيا لا أظنك تستطيع.. فبرغم طرقك المتلاعبة إلا أنها لن تنجح هذه المرة فأنت لا تعرف عناد وصلابة والدة أحمد"
لينظر له سامح بابتسامة متلاعبة وهو يقول :
" وإذا استطعت فعلها .. فيناظره خالد باستهزاء وهو يجيبه :
إذا استطعت فسأقوم بتلبية أي طلب لك ...فيما عدا أن تشركني بواحدة من نزهاتك أو اختباراتك المجنونة ..لتتسع ابتسامة سامح ويجيبه وهو يحرك حاجبيه بتلاعب :
"اتفقنا يا زوج أختي ..تذكر وعدك فسأطالبك به يوما ... وأنتِ شاهدة يا همس" ليضيف سائلا:
"هل السيدة شهبنهار بالداخل؟!!"
..لتبتسم همس وهي تومئ بالإيجاب ..
بينما يرفع خالد رأسه لأعلى بمعنى لا فائدة ويمتنع عن تصحيح الاسم بينما يمسك يد همس مغمغما بغيظ :
"هيا بنا لأعيدك للمنزل فقد تعبتِ ويكفيك حركة اليوم فلم تستريحي بشكل كافي بعد حفلة الأمس .. و سننتظر اتصاله ليعلمنا بما حدث "
ظل واقفا للحظات وصوت شقيقته التي تتجادل مع زوجها معترضة على إعادتها للمنزل يصل إليه حتى غابا عن عينيه بانحرافهم بآخر الممر باتجاه المصاعد ..ليأخذ نفسا عميقا و يرفع الدب والبالونات ويتحرك ناحية باب الحجرة وهو يبتسم بدهاء

----------------------
دخل كلاهما صالة الفيلا وهما مستمران بجدالها فهمس مصرة على أنها بخير ولا ترغب بالاستلقاء بالسرير بل بالذهاب معه للمجموعة وهو رافض ..ومصر أن ترتاح بفراشها باقي اليوم ..لينقطع صوت جدالهما ما أن لاحظا الملامح المتجهمة لوالدة خالد التي كانت تجلس شاردة دون أن تنتبه لدخولهما عليها ..
ليصمت كلاهما وينظرا لبعضهما بقلق ، قبل أن يتقدم خالد ليجاورها على الأريكة الثلاثية التي تعد جزئا من مجموعة المقاعد التي تشكل جلسة استقبال تجمع بين الفخامة والرقى والراحة في صالة الاستقبال الكبرى المواجهة لباب الدخول ليناظرها قلقا وهو يمسك يدها سائلا :
"ماذا بك أمي؟!"
لتنتفض ما أن امسك بيدها منتبهة من شرودها لتنظر لهم وهى تحاول إخفاء مشاعرها المضطربة بينما تحييهم وتسألهم عن أحوال ريهام ..
لينظر كلاهما للآخر وتتقدم همس لتجلس بجوارها من الناحية الأخرى وهى تجبها :
"بخير أمي ..ماذا بك ؟!! شكلك يدل على أن هناك ما يضايقك أو يشغلك ..هل حدث شيء بغيابنا ؟! ..لقد تركناك صباحا وأنت سعيدة ..ومبتهجة.. وتخططين لكيفية إعادة تزين حجرة الطفل ..فماذا حدث؟!"
..لتنظر لها حماتها بتردد وهى تنقل نظراتها بينها وبين خالد ..لتشعر همس انه ربما كان أمرا لا ترغب حماتها بمشاركتها به ..فتقول برقة :
"إن أردت أن أتركك وخالد بمفردكما"
..لتقاطعها سُمية وهى تضغط على كفها بمحبة :
"كلا حبيبتي ..أنت أصبحت واحدة منا ولا يوجد بيننا أسرار ...الأمر فقط أنني لا اعرف حقائق الموضوع فقط هناك شكوك تضايقني"
...ليسألها خالد بقلق :
"أي موضوع أمي ؟!! وعن أي شكوك تتحدثين؟!!"
..لتأخذ سمية نفسا عميقا مسموعا قبل أن ترد بكلمة واحدة أثارت تعجب الاثنين الجالسين معها :
"ماهينار !!!"
لينعقد حاجبا خالد بقلق وهو يسألها
" ما بها ماهي ؟!!"
لتتنهد أمه بضيق وهى تجيبه :
"لا ادري ما أقوله لكما ..فبمجرد خروجكما صباحا فوجئت بخادمة بيت عمتك تتصل بي منهارة ..وهى تصرخ أنها جاءت لعملها صباحا متأخرة بعض الشيء.. حيث كان اليوم السابق إجازتها الأسبوعية فهي مقيمة لديهم كما تعلم ..فوجدت باب الفيلا مفتوحا.. وماهي ساقطة أسفل الدرج ..والدماء متجمعة حول رأسها "
..لتشهق همس بخفوت وهى تضع يدها على فمها ..وينتفض خالد واقفا وهو يصرخ
"ماذا ؟"
لتتمسك والدته بكفه وهى تقول
"اهدأ حبيبي هي بخير والحمد لله"
ليقاطعها بقلق :
"كيف بخير ؟! تقولين الباب مفتوح ..وهى ملقاه غارقة بدمائها ..وتخبرينا ألا نقلق ؟!!..أين هي الآن لأي مشفى نقلت"
..قالها وهو يتلفت حوله كما لو كان يستعد للخروج لتتمسك لتجذبه والدته من يده وتجيبه بهدوء:
"اهدأ خالد واجلس حتى تسمعني.. ماهي بخير وهى تستريح بحجرة الضيوف لدينا "
لتزفر بعمق وهى تكمل ما حدث صباحا :
"في الحقيقة لم افهم ما تقوله الخادمة جيدا لحظتها .. فقد كانت تصرخ وتهذي
لكن الرعب استبد بي.. فناديت السائق ..وطلبت منه الإسراع لفيلا عمتك ..تعرف أنها قريبة منا ... ورغم ذلك كدت أموت قلقا لدرجة أنني نسيت هاتفي ..ولم استطع مهاتفتك ..ما أن دخلت هناك حتى وجدت ماهي شبه مستلقية بينما يستند رأسها بوضع مائل على حافة الدرج ..اقتربت منها مرتعبة لكن الحمد لله وجدت جسدها دافئ وهى تتنفس فأخبرت الخادمة أن تتصل بالإسعاف وحاولت إفاقتها وفعلا أفاقت قبل قدومهم ...كانت تبدو مشوشة وفاقدة للتركيز ..لكنها كانت تصر أنها بخير وأنها لا ترغب بالذهاب للمشفى ... لكني أصررت وفعلا ذهبنا وقاموا بتصوير رأسها بالأشعة والتأكد من عدم وجود ارتجاج ..كما قاموا بتضميد جُرح رأسها ..الحمد لله الجرح سطحي والإغماء جاء نتيجة إصابتها بالدوار من عنف الضربة التي تلقتها من حافة الدرج ..بالإضافة لانخفاض نسبة السكر بدمها مما ساعد على طول فترة غيابها عن الوعي ..فالحمقاء يبدو أنها لم تأكل شيئا في اليوم السابق سوى أكواب القهوة"
...لتقاطعها همس سائلة:
"لكن ما سبب سقوطها ؟ والباب المفتوح ؟..هل تهجم عليها سارق أو أختل توازنها و سقطت ؟ وأين أمها وأخيها ؟"
لتزفر سُمية بضيق وهى تجيب بتشتت :
"حسب ما أخبرتني هي كانت تشعر بالعطش فنزلت لإحضار ماء من المطبخ فانزلقت قدمها على الدرج "
.. لينظر إليها خالد بعمق وهو يسألها :
"لكنك لا تصدقيها أليس كذلك أمي؟"
لتنظر له أمه بتردد وهى تومئ برأسها بالإيجاب ..ليسألها بتركيز :
"لماذا تشعرين أنها تكذب ولماذا ستكذب؟ !!"
..لتخرج تنهيدة حارة وهى تجيب :
"عندما عدنا من المشفى.. أصررت أن تأتي معي لهنا حتى اعتنى بها ..كانت رافضة بالبداية بشدة .. لكني خيرتها إما أن تأتى هي أو اذهب أنا لأقيم معها لأشعر أنها انتفضت بجواري ... وتغيرت ملامحها لتوافق بسرعة على المجيء معي !!...فمررنا على منزلهم لإحضار حاجياتها
وعندما صعدت معها لغرفتها بالأعلى خوفا أن تصاب بالدوار ..لاحظت أن هناك دورق ماء بجوار فراشها بما يكذب ما قالته لي ..وعندما تعمدت فتح ثلاجة حجرتها الصغيرة دون أن تنتبه هي ..حيث قلت لنفسي ربما أرادت ماءا باردا ... وجدتها مليئة بالماء والعصائر .." ليقطب خالد بينما تكمل والدته:
"وعندما كانت تجهز حاجياتها سألتها عن أمها.. فأخبرتني أنها لا تعرف فتركتها وذهبت لأسأل الخادمة.. التي أخبرتني أن سيدتها سافرت الإسكندرية منذ يومين لحضور احد عروض الأزياء ...وأنها أخبرتها بالأمر من يومين لتبلغ أبنائها ومن يسأل عنها تليفونيا .. فتعجبت لما تحتاج أم لوسيط لإبلاغ أبنائها بسفرها ..وأخبرتني الخادمة أنها نسيت إخبارهم.. لأنها ذهبت لمنزلها في إجازاتها الأسبوعية قبل أن ترى أحدا منهم ..فكيف لم تشعر ماهي بغياب أمها أو تسأل عنها ليومين ولو تليفونيا ؟!!! ..والأغرب أنها أخبرتني أنها عندما صعدت لتنظيف الغرف بعد ذهابنا للمشفى.. وجدت مدحت نائما بحجرته ..
وعندما سألتها إن كان عاد ونحن بالمشفى ..أخبرتني أن احد لم يحضر بعد خروجنا ولابد انه متواجد من الليلة السابقة "
لتنظر لخالد العاقد حاجبيه بتفكير عميق وهي تسأله ...
"كيف يكون موجودا ولا يشعر بأي مما حدث ..ولو تجاوزت عن عدم شعوره بسقوط أخته ليلا فربما كان نائما ولم يسمعها ..كيف لم يوقظه صرخات الخادمة ولا أصوات عربة الإسعاف .. لقد قلقت بشدة من كلام الخادمة وخفت أن يكون به شيء.. فصعدت لحجرته بعد أن طلبت من ماهي انتظاري بالسيارة.. دون أن اخبرها بوجود أخيها ..ولست واثقة إن كانت تعلم بوجوده أم لا ..لأجده مستلقي بملابسه بل وبحذائه بعرض الفراش .. وصوت شخيره يؤكد انه نائم بعمق لكن ؟"
لتصمت ..فتستحثها همس لتكمل :
"لكن ماذا يا أمي ؟!!"
لترفع عينيها بوجه همس بحيرة ..
"حالته لم تكن طبيعية حاولت إيقاظه فلم يستجب وكان يهمهم ويضحك ويعود لينقلب نائما ..كان يبدو كما لو ..كما لو"
..ليرد خالد مكملا:
- كما لو كان مخمورا.. أو متعاطي شيئا ما أليس هذا ما تترددين بقوله أمي "
..لتنظر له أمه بقلق وهى تقول بتردد:
"لا أريد أن اظلمه ربما فقط كان مجهدا أو"
..لتقاطعها ضحكة خالد الساخرة وهو يرد باستهزاء:
"مجهد ؟؟!! من ماذا يا أمي ؟ من السهر بالأماكن الموبوءة ومصاحبة أصدقاء وفتيات السوء"
..لتخفض أمه عينيها بحزن دون رد فأخبار انفلات ابن أخت زوجها وفضائحه ومشاجراته المتكررة بالبارات والملاهي الليلية .. أصبحت أمرا معروفا يتداول أخبارها السيدات بالنادي ..
وأكثر ما يثير حنقها هو تجاهل أمه وعدم قيامها بأي رد فعل تجاه الموضوع ..بل إنها تنغمس أكثر فأكثر بحياتها الخاصة.. ما بين حضور اجتماعات الجمعيات المختلفة التي تتباهى بكونها عضوا بها دون عمل فعلى ..والاشتراك بمختلف الحفلات وحضور عروض الأزياء بداخل وخارج مصر ..متناسية تماما أبنائها ..لترفع يدها لرأسها وهى تسأل بتوتر :
"خالد أتظن ما حدث لماهي له علاقة بصورة أو بأخرى بمدحت "
ليخفض خالد رأسه ويشبك أصابع يديه ببعضهما بينما يستند بكوعيه على وركيه متنفسا بعمق ووجهه يحمل علامات الضيق دون أن يرد ..لتميل إليه والدته مقتربة لتمسك بكفيه وهي ترجوه بخفوت :
"خالد اعرف انك غاضب منهما لكن"
..لتصمت برهة قبل أن تضيف :
"هم وصية أبيك لك ولي ..مهما فعلا إياك أن تنسى أنها عمتك الوحيدة .. هي رحمك فلا تقطعه.. ومدحت هو ابن عمتك وصاك أباك عليه وعلى ماهي وهو على فراش الموت ..فلا تخلف وصيته ..قف معه لا تتركه للضياع.. حاول أن تقومه وتعيده لجادة الصواب ..أرجوك بني"
..ليتهدج صوتها وهي تضيف:
" من اجلي فقد وعدت والدك أن أرعاهم كأنهم أبنائي "
..لينتفض خالد على تلك النقاط التي مست يده ليرفع عينيه بسرعة لأمه ماحيا بكفه دموعها وهو يضمها مقبلا رأسها هاتفا:
"لا تبكي أمي.. أعدك أن افعل ما بوسعي وما استطيع لأجلهم ..فكما قلتي مهما كان خلافنا يظلان رحمي ووصية أبى "
لتلتقي عينيه لحظتها بعيني همس الممتلئة بالحيرة والتساؤلات ..ليتنهد بعمق فهي لابد تتساءل عن أسباب توتر العلاقة بينه وعمته وابنها خاصة مع عدم قدومهم لزيارتهم أبدا منذ زواجهما ..
وحتى في المرتين اللتين قابلت فيهما عمته بالنادي... مرة مع والدته أخبرته والدته بها ...ومرة معه وهى نفس المرة التي قابلا بها مدحت حيث تصادم معه أثناء خروجه من تدريب التنس.. بينما كانا بطريقهما لمطعم النادي لتناول الغداء فاضطر للسلام والقيام بالتعارف ..ليكتفي الآخر بإمائه مهذبة ويبتعد بحجة حاجته لحمام سريع وتغير ملابسه ...ليقابلا عمته بعدها بالمطعم لتسلم عليهم ببرود وانفه وتترك المكان دون حتى أن تكمل طعامها ..
وقتها تهرب من أسئلة همس رغم علمه بأنها شعرت بتهربه... لكنها لم تضغط عليه بالأسئلة.. لكنه يعرف همس ...لن تصمت طويلا ولابد أن يفكر بما يجب أن يقوله لها... فلا يرغب أن يخبرها بموضوع الخطبة الصورية التي ظلت معلقة بينه وبين ماهي لفترة حتى تظل علاقتها بها جيدة ..وخاصة انه سعيد بتآلفهما معا ..
ليقف فجأة مادا يديه لهمس بعد أن ربت على رأس أمه بحنو ونظر لزوجته قائلا :
هيا حبيبتي لتستريحي قليلا حتى تستيقظ ماهي ونعرف منها ما حدث بالتفصيل....فقط سأهاتف السيد اشرف ليحل محلي في المقابلات الهامة فهو سيتواجد بالمجموعة اليوم لحسن الحظ.... لتسأله همس بتعجب :
"كنت أظن انك يجب أن تتواجد اليوم لوجود مقابلات هامة ....ليرد بينما يلفها بذراعه وهم متجهين لجناحهم بالطابق الأعلى :
"هناك بالفعل مقابلات لا يمكن إلغائها.. وبعضها أجلته بالفعل من الصباح لبعد الظهر ولا يصح أن ألغيها بعد تأجيلها ..لكني لا اشعر برغبة في العمل أو قدرة على التركيز اليوم فليحل هو محلي ...
-------------------------------------------

فاقدة للقدرة على النوم رغم ادعائها أنها نائمة كلما دخلت زوجة خالها الحجرة ..لكن شعورها بالألم يمنعها من الاسترخاء والنوم ..
ليس فقط الألم الجسدي ..نتيجة جرح رأسها ..لكن الأقصى هو الألم النفسي كلما تذكرت ما حدث قبيل الفجر وتسبب لها بهذا الجرح ..
لتعود المشاهد تموج برأسها دون قدرة على منعها .. تماما كفقدانها القدرة على منع الدموع المنسابة من عينيها المغمضتين مغرقة الوسادة تحت رأسها .. تشعر أنها ما زالت تسمع هذيان مدحت وغنائه بينما وقفت عاقدة ذراعيها على الدرجات الأخيرة من الدرج تناظره بغضب وهو يترنح قادما باتجاهها متخبطا بكل ما حوله ...
حتى وصل إليها دون أن ينتبه حتى كاد يصدم بها ليرفع رأسه إليها بعينين زائغتين وهو مستندا على إطار الدرج بينما يهتف بسخرية ولسان ثقيل :
"من أرى أمامي ؟!! الأميرة ماهي بنفسها واقفة بانتظاري ...يا للهناء ..مدللة أبيها بجلالة قدرها ساهرة تنتظرني"
...ليطلق ضحكة رنانة أرجفت دواخلها بينما الألم يزداد مع كلماته التي تنساب منه بلا توازن لكنها حافظت على جمود ملامحها وهو يضيف :
"آه لكن حب ودلال الأميرة لم يكن كافيا لمنع أبيها من إلقائها خلفه والهرب بعيدا دون سؤال أو اهتمام"
...ليقرب رأسه منها لتلفحها أنفاسه العابقة برائحة الخمر.. وتجعلها راغبة بالتقيؤ.. لولا فراغ معدتها من الطعام الذي أصبحت تعافه حتى يمضى اليوم أحيانا دون أن تضع منه شيئا بفمها ..لتغمض عينيها وترجع رأسها للخلف قليلا دون أن تقاطع كلماته الموجعة وهو يضيف :
"يبدو انه وجد انك أخذت كفايتك من الدلال ..ولا تستحقين أكثر ..ليطلق المزيد من قهقهاته ويحاول أن يتوازن بصعوبة بإحدى يديه على الحاجز بينما يزيحها بيده الأخرى من طريقه ..هاتفا :
"هيا ...هيا ...ابتعدي عن طريقي" ..لترفض التحرك من أمامه بينما تسأله بجمود:
"لماذا تفعل ذلك بنفسك؟!! ..لماذا تضيع سمعتك ؟..أنت ستقضي على صحتك وتهدر حياتك بلا طائل ولا هدف بطريقة حياتك هذه ؟!!"
..ليقاطعها ساخرا :
"ماذا أيتها الأميرة ؟هل عينتي نفسك واعظة أم تقمصت دور أمي ...لحظة لحظة ..أمي ؟!!!"
لتنطلق ضحكاته بجنون وهى يكرر كلمة أمي بسخرية ليسأل :
"أين هي بالمناسبة ..آه لابد أنها لا ترغب برؤيتي فلم اعد ذا فائدة لخططها ..ليمد سبابته إلى صدرها مضيفا ..ولا أنت أيضا أصبحت ذات فائدة ..كلانا فشل بتنفيذ مخططات السيدة رقية في الاستيلاء على ثروة الراوي "
لتنزلق إحدى قدميه ويكاد يسقط لولا أن فكت تشابك ذراعيها بسرعة وأسندته ليتوازن.. لكنه ما أن قدر على الوقوف وحده حتى دفعها ناهرا :
"ابتعدي عنى ولا شان لك بي أضيع حياتي.. أو لا أضيعها هي حياتي وأنا حر بها .. في هذا المنزل كلا منا يعيش وحده كل واحد منا حر يفعل ما يشاء لا احد يهتم"
..وحاول إزاحتها والمرور ..لكنها تسمرت مكانها وهى تضع يدها على صدره مناشدة :
"مدحت أخي.. أنا لا احتمل أن أراك هكذا عد لنفسك ..عد حتى لأنانيتك واهتمامك بنفسك دون سؤال عني ..لكن لا تضيع حياتك أخاف أن تصاب بمكروه أو حادث جراء ما تفعله ..أنا لا املك سواك فلأجلك إن لم يكن لأجلي"
...لتتغير ملامحه وتتلون بحقد ويظهر الغضب الشديد بنبرة صوته وهو يصرخ بوجهها :
"منذ متى؟!! منذ متى اهتممت أنت يا مدللة أبيك ؟ منذ صغرنا وهو لا يراني دوما أنت وأنت فقط ..وحتى بعد غيابه ظل الكل يهتم بالأميرة ماهي.. خالي زوجته ..خالد ..أما مدحت فكم مهمل لا احد يهتم به"
..لتفقد ماهي هدوئها صارخة بوجهه ..
"بل كنت دوما مركز اهتمام أمي.. لم تكن ترى أو تهتم بسواك "
ليضحك ضحكة قصيرة متشنجة وهو يقول بصوت لاهث متقطع ثقيل النبرات:
"أمك عزيزتي؟!! السيدة رقية لا تحب أو تهتم إلا بالسيدة رقية.. وفقط ..اهتمامها بى كان فقط لغاية.. ما أن انتهت وفشلت بادئها انتهى معها الاهتمام ..ليضيف بنبرة أكثر ثقلا وانخفاضا :
"ابتعدي عن طريقي ماهي.. ولا تحاولي اعتراضي ثانية فنحن فقط تجمعنا جدران بيت بحدود مكانية لكننا لن نتلاقى يوما فقد فقدنا الطريق الموصل لبعضنا منذ زمن بعيد"
..لتصرخ بوجهه:
"سأعيد البحث عن هذا الطريق.. سأجدك وتجدني ..ونصنع معا أسرة منا ربما وقتها عادت لنا أمي.. وربما لم تعد .. لكن سنبقى معا ونكون معا نساند بعضنا قبل أن يضيع كلانا ..لن اسمح لك أن تضيع منى ولو رغما عنك ..سأمنعك من تدمير نفسك ولو قمت بحبسك بغرفتك وحبس نفسي معك فلم يبقى لي سواك"
..ليدفعها بقوة وهو يصرخ بحروف مبعثرة بينما يتخطاها صاعدا لغرفته بترنح..
"كفى ..كفى.. أخبرتك لا شأن لك بي لست أمي ولا أريد أما"
ولم ينتبه انه عندما دفعها بقوة فقدت توازنها ..لتسقط من الدرج ويرتطم رأسها بأخر درجاته وتشعر بدوار تزايد مع شعورها بهذا السائل اللزج المنساب فوق جبينها.. ليكون أخر ما تتذكره قبل أن تغيب عن الوعي هو صوت إغلاق مدحت لبابه بعنف منعه من سماع ندائه الواهن له...
لتفيق بعدها بساعات على صوت زوجة خالها الممتزج بالقلق والحنان وهى تحاول إفاقتها ..
لتخرج من ذكريات الأمس على صوت طرقات خافتة على بابها ..فتخفى وجهها بالوسادة كاتمة شهقات بكائها مدعية النوم بينما تسمع صوت فتح الباب وإغلاقه بعد لحظات ... لتعرف انه أيا كان من جاء فقد خرج ظنا أنها نائمة فتنقلب على ظهرها فاتحة عينيها التي تورمت من كثرة ما ذرفت من دموع ..بينما تتساءل بداخلها ..إلى متى ستظل هائمة دون مرفأ ترسوا عليه دون شخص تستند إليه ويكون لها حصن الأمان والاحتواء ...إلى متى ستستجدي احتواء الأسرة من بيت خالها ..ومتى سيكون لها هي مكانا تجد فيه أمانها الذي ضاع منذ هجرها من كانت عيناه وطن دافئ و ذراعاه ملاذها وأمانها وحصنها الداعم الذي تتدلل بداخله دون خوف من غد... من كانت تظنه سيظل يظللها ويحميها لتجد انه حصن من ورق وأمان كاذب تركها تواجه أعاصير الحياة وحدها بلا دعم .. لتتمتم بحرقة سؤالها الموجع .."لماذا هجرتني أبي ؟!!كيف هنت عليك ؟!!"
------------------------------

"كيف حالك يا صغيرة"
.. رفعت رأسها بحدة ما أن سمعت الصوت الذي تعرفه جيدا بنبراته العميقة التي يمتزج بها الرزانة بالحنو ..لتظل محدقة به لبرهة وهي تتساءل بداخلها ..لماذا لا تستطيع أن تكرهه؟!! هو تحديدا رغما عن كل الرجال ..
رغم انه مستحق للكره مثلهم أليس من نفس الجنس أليس مسببا للألم أليس رجلا ؟!!.. فلماذا تجد نفسها أمامه كطفلة تستجدي نظرة فخر من أبيها ..
لتجفل ما أن وصل تفكيرها لتلك النقطة وينعقد حاجباها لتجلي صوتها بينما تجيبه بهدوء :
"بخير سيد أشرف شكرا لك"
..لتهرب بعينيها من عينيه فلم تكن غافلة عن تدقيقه بوجهها كما لو كان يقرأ أفكارها ويخترق دواخلها .. لترجع كرسيها للخلف وهي تقف متقدمة للأمام متجهة ناحية غرفة رئيس مجلس الإدارة وهي تكمل أثناء دخولها بينما يتبعها بهدوء:
"لقد هاتفني السيد خالد وأخبرني أن سيادتك ستنوب عنه بمقابلات اليوم ..وان اعرض عليك كافة الأوراق الهامة والعاجلة ..التي لا تنتظر للغد وقد وضعتها بالفعل على المكتب مرتبة حسب أهميتها وأسبقيتها بالاحتياج"
لتقف أمام المكتب مشيرة للملفات الموضوعة بنظام فوقه بينما كان هو قد جلس خلفه ..وهو يسألها عن موعد لقاء العميل الأول فتجيبه انه بعد ساعة ونصف الساعة .. فطلب منها أن تجهز له أولا ملفات العملاء الذين سيلتقي بهم وان تجعل هناك فسحة زمنية بين كل موعد وآخر تتيح له الاطلاع على موضوع المقابلة قبل لقاء العميل ..ليضيف باسما :
"واهم من كل شيء لي طلب خاص.. فهل تنفذيه لي يا صغيرة.. أم تغضبي وتعتبريه تجاوزا وتخطيا لمهامك الوظيفية ..لتنظر له بحيرة وهي تسأله :
"ما هو هذا الطلب؟!!"
..ليجيبها مبتسما تلك الابتسامة التي تجعلها راغبة في إرضائه حتى تحصل عليها :
"فنجان قهوة من يدك ..كذلك الذي شربته من عدة أيام عندما كنت مع خالد وعرفت انك تعديه بنفسك بالحجرة الملحقة بمكتبك والتي تستخدميها لصنع المشروبات دون الاعتماد على مقهى المجموعة ... فالقهوة التي يعدونها تشبه منقوع الأحذية ..بينما قهوتك تعيد توازن خلايا الرأس ..لتغيم عينيه بذكرى بعيدة بينما يضيف تذكرني بقهوة كنت اشربها بالماضي.. ولم أكن استسيغ سواها.. لكني لم اشربها منذ سنوات طويلة"
..لتنظر له وهي تسأله بصوت متردد :
"ولماذا توقفت عن شربها؟!!"
..لينظر لها للحظات ..بينما شعرت أن ابتسامته فقدت بريقها وملئها الألم رغم محافظته عليها بينما يجبها:
"لأنه اتضح أن صانعها لم يكن محبا لمهنته.. وكان مجبرا عليها ..فتلاعب بالقهوة وشاربيها ..حتى فقدت مذاقها الجيد ..وتحولت لمذاق مر.. أمر من العلقم بالفم ..فكان لابد من هجرها قبل أن نصاب بالتسمم أو نموت "
..ظلت تنظر له للحظات بعيون دامعة ..دون أن تحر جوابا هي تشعر بألمه لكنها لا تفهم أسبابه ..فقط تعي أن خلف تلك الواجهة الهادئة والوجه الباسم الحنون بملامحه الوسيمة رغم علامات التعب التي تضيف على سنوات عمره عمرا هناك روح تتألم بقوة ...ربما لهذا السبب تتعاطف معه .. لأنها تكاد تلمس هذا الألم به ..فرغم كونه من جنس الرجال ورغم كونه والد لأبغضهم لقلبها لا تستطيع أن تكرهه أو تعامله بجفاء....لتتنحنح مجلية صوتها لتقول وهي تلتفت خارجة :
"دقائق وستكون القهوة عندك .."

لا يدري لما قال ما قاله لها ...ربما لأنها بشكل ما تذكره بها!! ...ربما ليس في الملامح ...وبالتأكيد ليس بالطباع ...لكن هناك شيئا منها يذكره بأول مرة رآها فيها ... عندما كانت مجرد مراهقة لم تتجاوز السادسة عشرة من عمرها لتأسره بنظرة عينيها عمرا بأكمله ...لم يستطع أن يخرج حبها من قلبه رغم معاملتها الجافة له طول سنوات زواجهما التي انتهت بخيانتها له.. لكن رغم طرده لها من حياته وحياة ابنه إلا أن قلبه رفض إخراجها مهما حاول طردها منه لم يستطع ..حتى تعب القلب وتباطأت نبضاته وكادت تتوقف لكن لا فائدة لم ولن تخرج من شرايينه إلا بخروج روحه من جسده ليزفر بقوة مخرجا نفسه من جحيم الماضي بينما ..ينكب على ما أمامه من أوراق حتى سمع صوت طرقاتها الهادئة قبل أن تفتح الباب حاملة قهوته التي أشعرته رائحتها بالانتشاء فتنشقها بعمق وهو يقول :
"يال هذه الرائحة الطيبة ..قهوتك رائحتها فقط تثير الحواس عزيزتي ..أنتِ تضيعي مواهبك هنا... لو فتحتي مقهى لبيع القهوة التي تصنعينها سيقف الناس أمامها صفوفا طويلة"
..لتنطلق ضحكة رقيقة منها بينما تناوله الفنجان برقة.. ليأخذه منها غامزا بمرح:
" ألن تخبريني سر الصنعة فترتفع صوت ضحكاتها أكثر وهي تقول له بشقاوة :
"وأضيع على نفسي فرصة سماع مديحك ..وأيضا ضمان مستقبلي لو فتحت مقهاي الخاص لصنعها حتى اضمن أن تكون من زبائني "
ليشاركها الضحك وهو يقول:
"يا لك من ماكرة"
....ليفاجئهم صوت ساخر من أمام الباب يقول بخبث :
"المكر سمة النساء ..الم تتعلم الدرس بعد يا أبي؟"
. ..ليلتفت كلاهما إليه ..اشرف بهدوء ..وهي بضيق وتأفف لاحظه اشرف كما لاحظ نظرات الاتهام والتحدي التي ينظر ابنه إليها بها وتردها هي إليه ..ليبتسم بداخله وهو يشعر انه إن كان هناك من يستطيع أن يعيد لأبنه توازنه وثقته بالنساء فهي هذه الصغيرة ..رغم أن الأمر لن يكون سهلا بل ربما يكون محفوفا بالتحديات المستقبلية والمخاطر ..لكنها مخاطرة لابد أن تحدث يوما ..ليقاطع هو تحدى النظرات بينهما شاكرا لها ..وطالبا من ياسر الجلوس لمناقشته بالملف الأخير الذي كلف به مؤخرا ..
بينما يسمع صوت إغلاقها للباب ورائها ..ليجد ابنه ينظر له بحيرة ..فيرفع حاجبه سائلا :
"ما بك "
..ليخفض ياسر عينيه بينما يجيبه مترددا ..
"ألا ترى انك تتباسط مع تلك الفتاة كثيرا ..لقد علمت أيضا انك من ذكاها للعمل بهذا المنصب.. رغم صغر سنها ووجود من هن أقدم بكثير.. و أكثر منها خبرة "
..ليريح اشرف ظهره على المقعد خلفه وهو يسأله:
"ومن أبلغك هذا.. الم يبلغك أننا هنا لا نتعامل بفروق السنوات بل بالكفاءة ..وإلا لم تكن أنت نفسك وفى خلال عدة أشهر أصبحت محل ثقة خالد وهمس.. ويسندون لك دراسات المشاريع الكبرى"
لينظر إليه ياسر للحظات محدقا بعيني أبيه بينما يسأله بنبرة لم تريحه ..:
"وكيف عرفت أنت أبى بمدى كفاءتها ؟!!رغم عملها بقسم لا يتبعك أصلا ولم يكن مر عليها سوى عام واحد بالعمل.. وقت أن رشحتها لهذا المنصب ..لينظر له أبيه متأملا وهو يجيبه هازئا:
"يبدو انك بحثت جيدا خلفها ..هل هناك سبب يستدعي هذا البحث"
..وقبل أن يجيبه ياسر الذي تلونت ملامحه بالغضب رفع أباه كفه مقاطعا: "لا أظن المكان ولا الوقت يسمح بهذا الحوار.. يمكننا متابعة النقاش بعد عودتنا للمنزل أما الآن فنحن في وقت العمل الذي ضاع منه الكثير بلا طائل فهلا بدئنا "
..ليشعر بضغط ياسر على نواجذه حتى بانت انتفاضتها بينما يومئ برأسه ليبدأ معا بمناقشات العمل التي استغرقت وقتا طويلا ..
فحتى بعد مغادرة ياسر ظل اشرف منشغلا بين المقابلات ودراسة الملفات لكن هذا لم يمنعه من سماع صوت ياسر حين خروجه من عنده قبل أن ينغلق باب الحجرة وهو يخبر تقى بنبرة تهديديه أن لا تقدم له المزيد من القهوة لأنها مضرة بصحته
-------------------------------

 
 

 

عرض البوم صور سيمراء   رد مع اقتباس
قديم 31-07-18, 11:33 PM   المشاركة رقم: 8
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Feb 2009
العضوية: 121032
المشاركات: 242
الجنس أنثى
معدل التقييم: سيمراء عضو على طريق الابداعسيمراء عضو على طريق الابداعسيمراء عضو على طريق الابداعسيمراء عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 331

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
سيمراء غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : سيمراء المنتدى : رومانسيات عربية
افتراضي رد: رواية ، خلف أقنعة الذكريات ،الجزء الثاني من سلسلة خلف الأقنعة ،بقلم رغيدا المصرية

 

الفصل الرابع

ظلت متجهمة الوجه رغم محاولات أحمد لإرضائها كانت منتبهة للنظرات التي يتبادلها ابنها وزوجته الصامتة ...ورغم غضبها إلا أنها تستمتع برؤية محاولات ابنها مراضاتها ..
لكن ما أثار غيظها هو محاولته الدفاع عن تلك الفتاة الوقحة زوجة خالد ...لا تدري كيف لمثلها أن تتزوج من رجل كخالد لتحدث نفسها بحنق " ما بال هؤلاء الفتيات لا يملكن أصلا ولا مستوى ويوقعن في حبائلهن رجالا كابنها وصديقه" ...لتتنهد بحنق ازداد مع صوت تلك الطرقات المنغمة والمستمرة على باب الحجرة ..لابد أنهم احد أقارب زوجة ابنها المصون ..والذين لم يتوقف توافدهم من بداية اليوم فلا أحد من معارفها سيقوم بتلك التصرفات المشينة ..لتناظر الباب الذي فتحه ابنها ويزداد وجهها تجهما وهي ترى هذا الفتى اخو زوجة ابنها من الرضاع وشقيق تلك الفتاة الوقحة همس يدخل حاملا عُلبة حلوى غريبة تبدو من النوع الشعبي ... ولعبة دب ضخمة وممسكا بباقة بالونات حمراء ناولهم لأحمد قبل أن يحتضنه وهو يهتف بمباركة لولادة زوجته ويهلل بصوته الجهوري مهنئا ريهام وهو يقترب منها مقبلا رأسها قبل أن يلتفت إليها لترفع رأسها بكبرياء وهي تناظره ببرود لم يهتم له وهو يقترب منها مادا يده ومسلما عليها بتهذيب قائلا:
"مرحبا سيدتي مبارك ما جاءكم"
لترد بأنفتها المعتادة بكلمة مقتضبة :
"شكرا "
ليبتسم لها بتهذيب ثم يلتفت سائلا ابنها عن الطفلان ليشير له أحمد على المهد المزدوج بجوار السرير فيقترب منه وينظر لهم ويحاول مد يديه لحمل أحد الطفلين لتنتفض واقفة وهي تعترض بحدة :
"أرجو أن لا تحملهما .. حتى لا توقظهما ، فقد اخذوا كفايتهما اليوم من الاحتضان والتقبيل... وهذا لا يجب لأنه يؤدي إلى التلوث ونقل الجراثيم "
لتجده يرفع حاجبيه ويبتسم لها بسماجة وهو يقول :
"صدقيني سيدتي لقد استحممت اليوم صباحا بصابون معطر.. وتخلصت من كافة الجراثيم قبل مجيئي"
وقبل أن ترد عليه بنزق سمعت زوجة ابنها تناديه :
" سامح ..أشكرك على إحضارك لي حلواي المفضلة.. فأنا بالفعل كنت اشعر برغبة فيها"
ليجيبها وهو يجلس بجوارها بينما ينظر للطفلين في مهدهما بمحبة وسعادة ..
"تدللي حبيبتي فيكفي انك أنجبتِ لي هذين القردين الرائعين لألعب بهما وأدللهما" ليقاطعه احمد:
"ماذا تعني تلعب بهما هل تظن أبنائي لعبة لك .."
ليرد ببرود وسماجة:
"أبناء أختي ..وأنا حر بهم افعل معهم ما أشاء... أنا خالهم العب بهم أدللهم أعاقبهم أسبهم !! حقي ..لقد تغاضيت تحديدا عن مطالبتك أن تسمي الولد باسمي حتى استطيع سبه كما أريد و حتى لا اسمح لزوجتك بأن تسبني من خلاله ...
فأنا اعلم أنها لو أسمته باسمي ستفعل معه كما فعلت هي وأمي والدتها .. بزينات ابنة ابن خالها و كانت كلتاهما لا تطيق جدتها لأمها فاستغلوا كونها علي اسمها وكانوا لا يكفون عن شتمها وإهانتها !!"
لتقاطعه ريهام وهى تبتسم :
"يا الهي!!.. ألا زلت تذكر الأمر سامح..!! لقد كنت وقتها طفلة دون العاشرة.. وكانت جدة زينات لا تكف عن مضايقتي وتناديني بذات النصف لسان لأني كنت آكل بعض الحروف نتيجة فقدان أسناني الأمامية ..وكانت لا تكف عن إزعاجي لتكيد لأمي "
ضحك سامح وهو ينظر لها بمكر مضيفا:
"أتذكرين ريهام.. كيف كنتِ ووالدتك طوال النهار تقولان لها!!.. وأخذ يقلد تارة صوت ريهام وتارة صوت والدتها (زينات يا غبية ..زينات يا تافهة ..زينات يا قردة ..زينات يا فردة الحذاء )"
ليحمر وجه ريهام حرجا وتحاول مقاطعته ببعض الإشارات والغمزات التي تظنها غير مرئية ليصمت لكنه تجاهلها وهو يكمل:
" في الحقيقة لقد جعلتم الفتاة تكره نفسها واسمها بسبب جدتها .. التي ندمت على جعلهم أسموا الفتاة على اسمها ... ولم تستطع أن تفعل لكم شيئا رغم ثقتها أنها المقصودة ...لكنكم بكل براءة ادعيتم أنكم تشاكسون الفتاة المسكينة ..لذا لم أكن لأعطيكم ذريعة لتسبوني كلما أردتم أو كلما أغضبت ريهام .. أو والدتها وأخوتها لتخلصوا من الفتى مدعين أنكم لا تقصدوني وتقول والدتك ليعيد تقليد صوت والدتها .. -أنا لا أعنيك يا فتى أنا اشتم حفيدي ولا شأن لأحد عندي-...ليغمزها بعينيه مكملا:
" لا عزيزتي أسموه ما تشاؤون لكن ليس اسمي ... حتى أستطيع أنا أن افعل ما أشاء" ...
انتفضت واقفة وهي تنادي بغضب على ابنها الغارق بالضحك هو وزوجته على هذا المهرج أمامهما لتقول بحدة:
"احمد أريدك قليلا"
ليقترب منها سائلا:
" ماذا هناك أمي تبدين غاضبة ؟!!"
..لترمي بعينيها تجاه زوجته وأخيها فتجدهما يتضاحكان ويتحدثان معا لتقول له بخفوت :
"هل سجلت أسماء الأطفال؟"
..ليرفع حاجبه بتعجب نافيا :
"بالطبع لم افعل أمي.. أنا لم أترككم طوال اليوم... وأنت رأيت كيف لم يتوقف الزائرين عن القدوم فمتى كنت سأفعل .. والوقت الآن تأخر سأذهب لتسجيلهم غدا"
... لترد بحدة مقاطعة إياه :
"لا أريدك أن تسمي الفتاة على اسمي "
لتتسع عيناه بذهول وهو يسألها :
"لماذا أمي؟!!.. لقد كنتِ سعيدة بكونها ستسمى باسمك !!وقد اتفقنا .. وان كان على كلمات همس... فاعذريها فهي لا تعرف معنى الاسم و..."
لتقاطعه والدته :
"أنا لا أهتم بهمس هذه أو غيرها ..لكني لن اسمح أن يتحول اسمي إلى علكة في أفواه أهل زوجتك ..يحوروه و يسخروا منه ..أو يهنونني من خلاله."
ليقاطعها مسترضيا :
"ومن سيجرؤ يا أمي علي إهانتك ؟!!ومن سيمسح لأيا كان بهذا ؟!!"
لتقاطعه بنزق:
"لن تستطيع فعل شيء.. لأنهم وقتها سيدعون أنهم يقصدون طفلتك التي تقرب لهم... فأنت من جعلت دمائنا النبيلة تخلط بدماء العامة والغوغاء وأنا لن اقبل أن يكون اسمي سُبة ..الموضوع منتهي لن تسمي ابنتك باسمي فاختر اسما أخر ..لن اسمح لتلك السيدة العشوائية والدة زوجتك التي لا تمت للرقي بصلة أن تهين اسمي يوما بدعوى أنها تؤدب حفيدتها "
لتلتمع عيني ابنها بنظرة غريبة لم تفهمها و ويدير وجهه منها إلى سامح المندمج بحديث هامس ضاحك مع زوجته ليعيد نظره لأمه قائلا وهو يبتسم بسمة لم تفهمها :
"إن كانت هذه رغبتك أمي.. سأنفذها بشرط أن تكوني راضية وسعيدة"
لتنظر له باستهزاء قائلة :
"سعادتي أمر صعب ..بعد تلك الزيجة لكن لم يعد بالإمكان شيء بعد ولادة أحفادي فقد ربطنا بهؤلاء العشوائيين للأبد "
ليقاطعها احمد بضيق :
"أمي !!!"
لترد بنزق :
"ماذا ؟!!!.. أتنكر انهم مجموعة من الغوغائيين الذين لا يعرفون ادنى قواعد الذوق والسلوك ... الم ترى حماتك المبجلة وهي تدخل الغرفة صباحا محملة بحقائب ممتلئة بأواني أخذت تخرج منها أصنافا من الأطعمة المليئة بالدهون من دجاج ومحشو!!! ... تخيل أواني محشو بمشفى راقي كهذا ؟!!..وقطع الدجاج الذي أخذت تقطعه بيدها وتدسهم في فم زوجتك بصورة مقززه وهي تقول لها يجب أن تملئي مكان الأطفال بالطعام حتى لا تشعري بالضعف !!!..قمة الجهل والتخلف لقد حمدت الله إنني لم اخبر أحدا من معارفنا بولادتها بعد ...لأنهم لو كانوا حضروا وشاهدوا ما تفعله حماتك لكانت فضيحة مدوية لنا"
وقبل أن يجبها احمد رأت سامح يقف مقتربا منهما وهو يضرب ظهر احمد بكفه وينظر لها ببسمة لا تدري لم شعرتها ماكرة بينما يسأل :
"لم تخبرني يا أحمد ما أسماء أبناء أختي الأعزاء .. حتى استطيع مناداتهم بها فلن أظل أناديهم بالأطفال.. ارغب بمعرفة أسمائهم لأختار لهم بناء عليها أسماء تدليل تعجبني وتكون خاصة بي "
ليظل أحمد صامتا لفترة.. بينما تلتمع عينيه وهو يتبادل النظرات مع سامح.. قبل أن يجيب بخفوت من بين أسنانه المطبقة لم نحدد أسمائهم بعد سنتفق عليها أنا وريهام الليلة ونخبركم ،..
لتتسع بسمة سامح بحبور وهو يقول :
"سأنتظر هاتفا منك لتخبرني بأسمائهم "
بينما ظلت هي تنظر له بضيق فلا تدري أيهما يثير ضيقها وغيظها أكثر هذا الفتى السمج أم شقيقته الوقحة زوجة خالد.. أم والدة زوجة ابنها العشوائية ..أم باقي أشقاء ريهام الأجلاف ..لتزفر بضيق وعمق وهي تحدث نفسها بسخط ..أي نسب وضيع هذا الذي بليتنا به يا أحمد ..ولم يعد لنا منه مفر ...
----------------------------

انتهت من تنظيف العيادة الصغيرة المكونة من حجرة كشف متوسطة وصالة صغيرة يتوسطها مكتب لها ...وبعد أن تأكدت من تعقيم كل الأدوات وتجهيز قائمة الحجز ... غسلت وجهها ويديها ورتبت نفسها بالحمام الصغير الملحق بصالة العيادة وجلست لتستذكر ما فاتها من دروس ..
لقد كانت الفترة الماضية عصيبة عليها ولم تستذكر شيئا يذكر من أكثر من أسبوع ..والجو بمنزلها مع مضايقات زوجة أبيها وضجيج إخوتها لا يساعد ..لذا يجب أن تستغل أي وقت متاح لها للمذاكرة وتعويض ما فاتها ..لم يعد لديها إلا مستقبلها لتطمح به وتحافظ عليه ..
أما أكرم فسيظل بالنسبة لها حبها الأوحد والمستحيل ..والقابع في طيات عقلها وقلبها ..تعرف انه لن يخرج من قلبها، ولن تستطيع كرهه أو نسيانه ..لكنها ستخفيه بأبعد نقطة بداخلها فلا يراه أو يشعر به أحد ..كما ستظل مدينة له دوما ...ليس فقط لما فعله معها بالماضي عندما أنقذها من تجبر زوجة أبيها وهي طفلة ..وليس لمساعدتها بالكتب والمراجع والنقاط التي كانت تعجز عن فهمها عندما دخلت كلية الطب ...
بل أيضا لأنه وفر لها هذا العمل معه بعيادته التي افتتحها هنا بحيهم ..رغم انه لا يفتحها إلا ثلاث أيام أسبوعيا ولمدة ثلاث إلى خمس ساعات فقط من بعد المغرب وحتى قرب منتصف الليل لأن وقته ما بين المشفى الجامعي والتخصصي لا يسمح له بأكثر من ذلك..
هي تعلم أنها لا تدر ربحا يذكر... رغم امتلائها بالمرضى خلال تلك الساعات ..لكن ضعف قيمة الكشف الذي قدره هو ..مع نفقات العيادة من إيجار وفواتير ومستهلكات وراتبها رغم انه ليس كبيرا ..يكاد لا يبقى له شيئا بالنهاية ..
وعندما تحدثت معه بالأمر ليرفع قليلا من قيمة الكشف اخبرها أن هدفه ليس الربح ..لكن خدمة أبناء منطقتهم وكم كبر بنظرها وزاد حبها له أكثر حينها...
كما أن منحه لها صلاحية المجيء للعيادة بأي وقت لتستذكر دروسها بها بعيدا عن زوجة أبيها ساعدها كثيرا...بل انه اذا وجد أي وقت فراغ فانه يساعدها بشرح النقاط التي تصعب عليها في دراستها...
لترفع راسها لأعلى وتمتلئ عينيها بالدموع بينما قلبها يهتف ...يا الله أغثني برحمتك.... اللهم ادعوك إما أن تنزع حبه من قلبي ..أو ترزقني إياه بالحلال... تنهدت بعمق وهي تمسح عيناها و تحاول إخلاء عقلها جبرا من التفكير به ومحاولة التركيز على كتبها ....
مر عليها ما يزيد على الساعتين غارقة بكتبها دون أن تشعر عندما سمعت صوت جرس الباب يليه ...فتح الباب بالمفتاح بهدوء لتعلم أن أكرم حضر ليظهر لها بعد لحظات بهيئته التي تذيب قلبها وترفع وتيرة نبضاته بأناقته البسيطة دون تكلف وبسمته الهادئة وعينيه الحانيتين .. لتنظر لكيانه كاملا الذي يشعرها بحنو الأب وحماية الأخ و دفئ الوطن ..لتظل عيناها معلقة به دون أن تستطيع قدماها أن تستجيب لها لتقف ..ليقترب هو بعد أن ترك الباب مفتوحا كعادته إن تواجدا معا بالعيادة بمفردهما ..بينما تلمح نظرة استغراب بعينيه ..لتتنهد داخليا و تنهر نفسها وهى تسمعه يسألها :
"ما بك هند ..متسمرة هكذا كما لو كنت رأيت شبحا ؟!!..اعرف أن هذا ليس موعد حضوري للعيادة لكنى لمحت شرفتها مفتوحة ومضيئة وأنا أمر بجوارها فعلمت انك بالأعلى تستذكرين دروسك... ففكرت أن أمر لأرى إن كنت بحاجة لمعاونة في شيء... وخاصة أن لدى ساعتين فراغ الآن قلما أتحصل عليهما مؤخرا ..واعرف أني قصرت معك في المراجعة بالفترة الماضية "
لتخفض عينيها وهي تحاول إجلاء صوتها بينما ترد بخفوت وصوت متحشرج تحاول بصعوبة إخفاء ارتجافته:
"عفوا دكتور أكرم.. لقد كنت مندمجة قليلا مع كتاب التشريح"
ليرد عليها بعتب:
"منذ متى وأنت تناديني دكتور عندما نكون وحدنا هند ؟!!"
..لترفع وجهها لتواجه عيناه للحظات قبل أن تشيح بهما عندما شعرت أنها لا تستطيع مواجهته أكثر لتنظر للكتاب بين يديها مدعية الاهتمام به بينا تجيبه بخفوت :
"لم يعد الوضع كما كان بالماضي"
ليضيق عينيه ويسألها بنبرة متعجبة:
"لماذا ؟!! ما الذي اختلف ؟!! ما زلت أكرم جارك وما زلت هند جارتي الصغيرة التي اعتدت ملاعبتها وحملها عندما كانت طفلة ..ومناغشتها وهى صبية ..دوما كنت وستكونين بمثابة أختي الصغرى أنت عندي كهمس يا هند"
..لتغمض عينيها التي امتلأتا بالدموع وتدعو الله أن يمنحها القوة والصبر لكي لا تفضحها مشاعرها ..فليس أصعب من حب مستحيل إلا شفقة حبيب لم يكن يوما حبيبا ..
لتأخذ نفسا عميقا وتحاول ابتلاع دموعها قبل أن تغافلها وتسقط وهي تجيبه بينما ما زالت عيناها هاربتان للأسفل نحو كتابها :
"الوضع تغير.. أنا الآن اعمل عندك بالعيادة ..ولا يصح أن أناديك باسمك مجردا أمام المرضى .. فقررت أن أعود نفسي ولساني حتى لا يزل باسمك المجرد"
ليقاطعها أكرم بينما يخبط بلطف بيده على المكتب أمامها ليجبرها على رفع رأسها ..وهو يقول:
"هند أنا أكرم جارك وصديقك وأخيك... كنت وسأظل كذلك ولم يتغير شيء ، وأنتِ تساعديني وتعملين معي لا عندي"
..ليردف بمزاح :
"أنتِ زميلة مستقبلية يا فتاة "
..ويكمل بعدها بجدية حازمة :
"إن أردت مناداتي أمام المرضى بلقبي فلا بأس ..وسأناديك أيضا بلقبك أمامهم ، ولو حدث ونسينا أنا أو أنت فلا مشكلة الأمر غير هام ..ومعظم مرضانا من حينا وجيراننا ويعرفون علاقتنا ... بل إن كبار السن منهم ينادوني باسمي دون ألقاب ..فلا أريد منك أن تضعي تلك الحواجز ..
والآن أرني ما يضايقك ويشغلك بهذا الشكل ..يبدوا انك تعانين صعوبة بما تستذكرينه لدرجة جعلتك تشبهين المحنطين بمتاحف الشمع ..صدقيني اعرف هذه الحالة التي تصيب الطلبة مع بعض المواد فقد مررت بها سابقا"
..لتنطلق ضحكة خافته منها ..وهو يضيف اعترفي ما يقف أمامك؟!! هيا استغلى وقت فراغي النادر يا فتاة ..
لتبتسم وهي تشعر أن لا فائدة.. ستظل تدور بفلكه ..و سيظل محتلا قلبها مهما فعلت ..ومهما ظلت في عينيه مجرد جارة ، وأخت يعطف عليها فسيظل لها الدنيا بما فيها ومن فيها وتفديه بروحها راضية لو احتاج ..لتبتسم بينما ترفع له كتابها وهى تقول :
"لا اعرف أيهما أسوء ؟!! الطب الشرعي، أم طب المجتمع؟ فكلا المادتين تصيباني بالإحباط ..لا أجد صعوبة مع مادتي الرمد ولا الأنف والأذن.. لكن هاتان المادتان !!! كلما حاولت فهمهما اشعر أن عقلي أشبه بسيارة صغيرة جدا حشرت بين عربتي نقل من الحجم الكبير تكادا تقضيان عليها تماما"
ليضحك اكرم على تشبيهها ويمد يده ساحبا كتاب طب المجتمع من أمامها ليقول لها بعزم وهو ينظر للعنوان الذي كانت تطالعه بتمعن :
"انتقلي للمقعد بجواري يا فتاة فقد آن أوان تدخل ضابط المرور وفتح الطريق للعربة الصغيرة لتتجاوز سيارتي النقل سنحاول اليوم إزاحة السيارة الأولى ..ويوم الخميس المقبل من الممكن أن تتأخري ساعة بعد موعد انتهاء العيادة لنحاول زحزحة السيارة الثانية ..
لتهز رأسها بإمائه موافقة بينما تقوم من مكانها وتحرك الكرسي من أمامه لجواره مع ترك مسافة لائقة وهى تنظر إليه بحب عميق لم ينتبه له بينما بدأ شرح النقاط التي كانت قد خططت تحتها بقلمها بوقت سابق ...

-------------------------
كانت عيناها ممتلئتين بدموع تسيل على وجنتها بصمت بينما تقلب بصور تحفظها بالبوم كبير مليء بصور له منذ لحظة ولادته حتى عمر السادسة عشرة ..كم كانت تعشق تصويره ..وكم اعتادت أن تثير جنونه بكثرة تصويره لكنه كان يخضع لها باسما فلم يكن ليغضبها أبدا ..كان يحبها بقوة وكانت تعشقه بجنون ..كان صديقها أكثر من كونه ابنها يشاغبان بعضهما كطفلين يخرجان معا.. يلعبان معا .. يتشاركان كل شيء معا ..
لتبدأ دموعها تتحول لشلال و يعلو نشيجها بينما تمرر أصابعها على ملامح ابنها من فوق الغلاف البلاستيكي للألبوم .. تتلمس ابتسامة شفتيه ..وجنتيه ...عيونه الضاحكة المليئة بالحب ..حب تحول لكره واحتقار عندما اكتشف حقيقتها ..لتخرج آخر صورة التقطتها له من غلافها وتقربها لعينيها ..كانت صورة له بيومهما الأخير معا ...كم كان يوما رائعا حافلا بالسعادة لكلاهما في بدايته ... قضياه معا بين المحلات يتسوقا لكلاهما ويناغشان بعضهما مع كل اختيار لملابس احدهما ..
كانت تختار له ملابس يرفضها بحجة أنها طفولية وهو صار رجلا ..ويختار لها ملابس ترفضها بحجة أنها تظهرها عجوزا ويظلا ساعات ما بين اخذ ورد ومشاكسات.. حتى يختارا ملابس تقنع كلاهما بعد عناء مرح...
كان يغار عليها بقوة ويرفض أن ترتدي ملابس تبرز جمالها ..كانت تشعر انه متملك وغيور عليها بقوة أكثر حتى من أبيه وكانت سعيدة بذلك .. يومها دخلا السينما بعدما انهيا التسوق ...بعد خلاف معتاد حول الفيلم فهي تريد مشاهدة فيلم رومانسي وهو أصر على فيلم حركة لبطله المفضل ..ليكسب هو كالعادة ..ليختما يومهما بوجبة بيتزا سريعة بمطعمه المفضل ..
لتلتقط له هذه الصورة بهاتفها وهو يلتهم قطعة بيتزا كبيرة ..ليعودا بعدها للمنزل لتواجه ما لم تعمل حسابه يوما ... تواجه ماضي ظنته دفن تحت طيات الزمن ..وتفتح جراح ظنتها التأمت ..وتخسر بلحظة حياة لم تعلم كم كانت محظوظة بها إلا بعد فقدها ..ولم يتبقى لها منها إلا الذكريات وتلك الصور التي كانت تملئ هاتفها... لتطبعها خوفا من الفقد وتظل تنظر لها يوما بعد يوم تبحث فيها عن رائحة ودفئ من غابوا.. فلا يقابلها إلا برودة الورق ..

انتفضت على لمسة يد لكتفها ..لترفع عينيها فتجد تقى ابنة أختها تناظرها بعطف وتربت على كتفها ..لتجاورها على الفراش بينما تقول بصوت يحمل شفقة واضحة :
"لماذا لم تحاولي خالتي أن تذهبي لرؤيته ..لماذا لم تحاولي رأب الصدع ما دمت غير قادرة على النسيان أو احتمال الفراق"
لتجيبها بصوت أنهكه البكاء :
"بعض الأخطاء يصعب غفرانها أو حتى تبريرها ..حتى لو كانت أخطاء غير مقصودة لكنها تجرح بعمق جرحا نافذا يصعب أن يُشفى"

لتجبها بينما تجذب كفها التي تضم الصورة بقوة لصدرها لدرجة سببت انبعاجها.. لتسحبها من يدها وتعدها لغلافها مع نظرة امتعاض حاولت مداراتها فهي لا تستطيع تخيل كيف يمكن لشاب أن يقاطع و يقسو على أمه وخاصة إن كانت برقة وحنو خالتها :
"أيا كان ما حدث أو الخطأ الذي يظنه أو الجريمة التي يتهمك بها فأنا واثقة انك لم تفعليها ...فحاولي أن تقابليه ، اشرحي ..برري ..وإن عاند اضربيه على رأسه ..صدقيني الرجال عقولهم خربة وليست موضوعة بشكل مستقيم يحتاجون لضربة قوية حتى تعتدل برؤوسهم ..وان كنت اشك أن تعتدل ولو ضربتهم بمعول .. أو حتى قلبناهم رأسا على عقب"
لتمسح خالتها عينيها بظاهر يدها فبدت كطفلة ..بينما تخفض وجهها لتأخذ نفسا عميقا ..وترفع رأسها بعدها ببسمة لم تصل لعينيها وهى تسألها محاولة تغيير الموضوع :
"متى عدت لم اشعر بك ..تعالي معي للمطبخ لقد جهزت الغداء لتأكلي بينما تحكي لي تفاصيل يومك"
..لتقوم معها بينما تجبها :
"موافقة بشرط !! أن تشاركينِ الطعام وإلا لن آكل أو احكي لك شيئا"
لتحاول خالتها الاعتراض لكنها لا تدع لها مجالا ..فتبتسم قائلة :
"أنتِ ديكتاتوره صغيرة كان الله بعون من ستتزوجينه "
لتنطلق ضحكة هازئة من فمها وهى تجيب خالتها :
"لا تقلقي من تلك الناحية خالتي ..فهذا لن يحدث أبدا ..هل أنا مجنونة لأسلم حريتي لرجل أحمق يظن نفسه سي السيد زمانه يأمر فأطيع وهو مجرد غبي بعقل فأر وجسد فيل!!! ..لا.. أنا لست حمقاء لتلك الدرجة"
كانتا قد وصلتا للمطبخ.. وبدئت كلتاهما بتسخين ووضع الطعام الذي سبق لخالتها صنعه قبل حضورها ..
لتنظر لها خالتها بجانب عينيها بينما تقول لها :
"أتمنى أن يأتي اليوم الذي أرى فيه شابا ما يعيد هو لك برمجة عقلك فهي من تحتاج تعديلا.. أو معولا.. أو شقلبة .. وكم سأسعد حينها.. وصدقيني إن كان شابا جيدا وطلب مساعدتي سأحضر له المعول والحبل لربطك وتقيدك راسك لأسفل وقدمك لأعلى حتى تعتدل خلايا عقلك "
لترفع حاجبها وهي تقول بنفي قاطع :
"أبدا لن يحدث"
...لتنظر لها خالتها بتأمل قبل أن تقول ببسمة هادئة:
"لا ادري ما السبب .. لكني اشعر انه سيحدث وقريبا جدا"
..لتصمت كلتاهما غارقة في أفكارها ما بين الماضي البعيد والقريب الذي يكبل حياتيهما ويوجع قلبيهما ..
--------

هتف سامح بنزق ما أن سمح صوت همس على الهاتف ترد عليه بخفوت:
"أين اختفيت أنت وزوجك؟!!.. أحاول الاتصال بكلاكما منذ ساعات ..الم تريدا معرفة ما حدث مع تلك الشهبور حماة ريهام ,,أم أن زوجك خائف من الخسارة ويعلم أنني سأطالبه ب "
.. لتقاطعه همس بصوت يشابه اسمها أثار قلقه وهى تقول :
"عفوا سامح لن استطيع الكلام معك حاليا فلدينا حالة عائلية طارئة"
ليرد سامح بقلق:
"ماذا هناك همس لقد أقلقتني ..هل أنت وزوجك وحماتك بخير"
..ليشعر بأنها تتحرك من مكانها وهو يسمح صوت دقات حذائها ليأتيه صوتها بعدها أعلى قليلا رغم أنها ما زالت تحافظ عليه منخفضا وهي تطمئنه قائلة:
"لا تقلق أخي كلنا بخير ..إنها ماهي قريبة خالد تعرفها؟ "
..لتنقبض يديه لا إراديا بضغط قوي على هاتفه وهو يسألها بصوت مضطرب لم تنتبه له لحسن حظه :
"بالطبع اعرفها ماذا حدث لها ؟!!"
..لتصله زفرة عميقة أثارت قلقه أكثر وهي تجيبه:
"الحمد لله لا شيء خطير.. لقد سقطت من درج فيلتهم وأصيب رأسها ليلة أمس.. ولم يشعر بها احد.. حتى حضرت الخادمة صباح اليوم التالي فأبلغت حماتي هاتفيا و التي ذهبت بها للمشفى لكن الحمد لله الإصابة بسيطة وهي بخير"
ليسألها بضيق وغضب ظهر بصوته رغما عنه:
"كيف لم يشعر بها أحد ؟!! أين أهلها"
لتجيبه همس بصوت متعجب:
"ما بك سامح لماذا تصرخ هكذا؟!!"
ليجلي صوته وهو يرد بضيق يحاول إخفائه :
"آسف همس.. فقط تعجبت من كلامك "
لترد شقيقته بحيرة واضحة بصوتها :
"أنا أيضا مثلك متعجبة من هذه الأسرة!! لكن ما فهمته أن والدتها مسافرة ويبدو أن شقيقها أيضا كان غائبا ..والخدم كانوا بإجازتهم الأسبوعية "
..ليقاطعها سامح هاتفا بحدة:
"أتعنين أنهم يتركون فتاة مثلها تبقى وحدها بالمنزل؟!! دون خوف أن يصبها شيئا أو يتهجم عليها لص مثلا؟! أي حمقى هؤلاء"
..لتقاطعه همس ناهرة:
"سامح.. إياك أن تقول شيئا مما قلته لك أمام خالد فهو سيتضايق ..يبدو أني أخطأت بإخبارك أمورا تخص أسرة زوجي وأنا اعرف طبعك ولسانك.. فإياك ثم إياك أن تفتح هذا الأمر مع خالد.. أو معها هي إن صادفتها ..فهي ستقيم لدينا لفترة حتى تتحسن حالتها "
ليصمت قليلا قبل أن يرد عليها بصوت حازم وقد نسي سبب اتصاله الأساسي :
"سأمر عليكم غدا عصرا.. لأسلم عليك أنت وزوجك قبل سفري للموقع ..فإجازتي انتهت ..ولن أراك قبل ثلاث أسابيع أخرى.."
لينهي المكالمة دون حتى أن ينتظر سماع ردها عليها
-------------------------------------------

جالسة بجوار زوجة خالها .. بينما يجلس خالد مواجها لها تحاول التهرب من نظرة عينيه التي تشعر أنها تغوص بأعماقها لتكشف كذب ادعاءاتها التي أخبرتهم بها عن سبب وقوعها مكررة نفس القصة التي سبق وأخبرت بها والدته ..بينما قامت همس منذ لحظات من جوارها لترد على هاتفها ..فيبدو أن شقيقها سامح هو من يطلبها فقد سمعت اسمه وهي ترد عليه قبل أن تومئ لهم برأسها معتذرة لتبتعد مكملة محادثتها معه ..
لتشرد رغما عنها في هذا -السامح - الذي لا تدري لما يتعمد مضايقتها كلما تقابلا معا وهو الأمر الذي تكرر عدة مرات منذ حفل الزفاف ..تذكر عندما كاد يطيح بها من على الدرج الأمامي لهذا البيت عندما كانت قادمة لتسلم على همس وخالد بعد عودتهم من شهر العسل
وما أن همت بدق الجرس حتى فوجئت بمن يفتح الباب بسرعة وهو ملتفت للخلف وهو يصرخ:
" لن تستطيعي الإمساك بي"
ويبدو انه كان ينوى القفز جاريا على الدرجات ليصدمها بقوة كادت تتسبب لها بكارثة تفوق ما حدث لها مؤخرا لولا سرعة تداركه للأمر... حيث مد يده بسرعة ممسكا بذراعها ما أن ارتطم بها وسمع صرختها ليدركها قبل سقوطها الوشيك ...دون أن يخلو الأمر من تمزق كم بلوزتها الوردية الأنيقة والقصيرة التي تصل لحافة بنطال اسود ضيق ..لتجده ينظر لها بتمعن ما أن اعتدلت وتأكد من ثباتها ... وبينما كانت ما زالت تحت تأثير الصدمة فوجئت به يهتف ناهرا لها كما لو كانت هي المخطئة وليس هو الذي هاجمها كقاطرة بشرية :
"ألا تنتبهين"
..لترفع حاجبها بتعجب بينما تلمح همس قادمة من الداخل تلهث وهي تحمل بيدها وسادة لتنقل نظرها بين كلاهما وهى ترد بذهول :
"أنا من انتبه ؟!! هل أنا من فتحت الباب وخرجت جريا دون أن انظر كما لو كنت طفل مشاغب هارب من عقاب مدرسته ... وبدلا من الاعتذار تتهمني بعدم الانتباه ..هل أنت تطبق هذا المثل الذي يقول تحدث بصوت عالي قبل أن يغلبوك!!"
لتنطلق ضحكات همس التي اقتربت وسمعت حوارهما.. لتزيح شقيقها قليلا وتحتضنها بترحاب ..بينما ما زالت الوسادة بإحدى يديها وهي تقول:
"عفوا ماهي أنا المخطئة.. لقد كنت أتشاجر معه وأقسمت أن اضربه لوقاحته معي ومع خالد فكان يهرب من أمامي "
..لتنظر ماهي للوسادة بتساؤل فتجبها ضاحكة :
"لم أجد ما اضربه به سوى الوسادة "
..لتشد يدها وهى تسحبها للداخل هاتفة:
"تعالي... تعالي .. فخالد وماما سُمية بالداخل"
..لتدخل معها بحرج ممزوج بسعادة لاستقبالها الذي يشعرها بالترحاب بينما يتبعهم سامح الذي شعرت به يميل ناحيتها ليهمس بأذنها :
"اسمها خوذهم بالصوت قبل أن يغلبوكم ..أيتها الأميرة لا تكرري أمثال العامة فلا تليق بسموك "
لتلتفت له بغيظ ليقاطعها قبل أن تتحدث صوت خالد مقبلا ومحييا إياها لينظر بتعجب لكم بلوزتها وهو يسألها عن ما حدث ومزقها ..
لتحكي له همس الموقف بينما التزمت هي وسامح الصمت مكتفين بتبادل نظرات ضيق من ناحيتها واستهزاء من جهته ..
لتسمع خالد يطلب من همس اصطحابها لغرفتهم ومحاولة إصلاح ملابسها التي تهدلت وأصبحت تظهر كامل كتفها ... لتسمعه يقول ساخرا بخفوت وهي تمر بجواره:
"وكأن إخفاء الكتف سيجعلها أكثر حشمة"
..لتناظره بتكبر وغيظ وهي تمر عليه من الأعلى للأسفل باستهانة قابلها هو بانحناءة فم ونظرة هازئة أثارت غيظها قبل أن تجرها همس من يدها وهي تثرثر عن أنها فرصة لتتعارفا أكثر بعيدا عنهم ... وتخبرها أن زوجة خالها تصلي ولابد ستلحق بهم بالغرفة ..

أما لقائهم الثاني والأخير فكان منذ ما يقارب الشهر ..حيث اتصلت بها زوجة خالها وأصرت على دعوتها على حفل غذاء عائلي ...حيث أخبرتها أنها دعت عائلة همس وترغب أن تعرفها بهم ...
ورغم أنها حاولت التنصل والاعتذار إلا أن إصرار زوجة خالها بالإضافة لشعورها بالضيق والوحدة جعلاها ترضخ وتذهب .. لتقضي يوما قد يكون الأسوأ والأفضل في حياتها منذ فترة طويلة ...حيث تعرفت بعائلة همس البسيطة الملابس والدافئة الطباع ..لتشعر للمرة الأولى بالحسد ناحيتها وهي ترى مدي ترابط عائلتها والمحبة التي تشع من بينهم تجاه بعضهم البعض ..كيف يتفاهمون بالنظرات ويكملون كلمات بعضهم وتمتلئ ملامحهم بالابتسامة والرضا ......
والدتها بعباءتها السوداء البسيطة وبسمتها الطيبة ووجهها البشوش ...والدها ببذته التي لا تتبع أي نوع من الموضة أو أشكال البذات المتعارف عليها في أوساطهم ..لكن عينيه تحمل حنانا وذكاء كأنه يستطيع أن يقرأ ما بداخل الإنسان ..حتى شقيقها الطبيب كان لبقا مهذبا راقيا أنيقا دون تكلف ...
كانت جلسة ممتعة دافئة حاولوا فيها التحدث معها بألفة رغم شعورها بالخجل فكانت والدتهم تسألها عن سبب نحافتها وتؤكد عليها ضرورة الاهتمام بطعامها وتسألها عن أطعمتها المفضلة لتصنعها لها وتدعوها عندهم لتتناولها يوما ... لتبتسم هي بحرج ومجاملة وهي تجيبها أن كل ما ستصنعه سيكون جميلا فتجبها السيدة أنها ستصنع لها طعاما يكسو عظامها لحما وستحبه جدا.....
بينما سألها والدهم عن إن كانت طالبة أو تعمل وعندما عرف أنها لم تعمل منذ تخرجها تحدث معها عن أهمية أن تستثمر دراستها بالعمل حتى لا تنسى ما درسته ..
حتى أكرم تناول معها حديثا عن الفرق بين الدراسة بالجامعة الأمريكية حيث تخرجت من قسم الإعلام ..وبين الكليات الأخرى ..الوحيد الذي جلس متباعدا دون تبادل أي حديث كان سامح ...
كان هادئا بشكل غريب أثار أكثر من تساؤل من شقيقته وخالد ليخبرهم انه مرهق لأنه لم ينل قسطا من الراحة منذ عاد من عمله ...
لكنها لاحظت نظره غريبة بعينيه كلما تلاقت عينياهما ..نظرة لم تستطع تفسيرها شعرتها تحمل مزيجا من غضب وغيظ ..ورفض وثورة ..نظرة أشعرتها انه قيد شعرة من الانفجار ...ولا تدري لما شعرت أنها السبب في غضبه رغم إنها لا تعرف السبب ..
--------------------

دخل غرفته بعد أن سلم على والديه ورفض تناول العشاء معهما مدعيا أنه تناول طعامه خارجا مع أصدقائه ولا يشعر بالجوع ..واستمع بذهن غائب لوالدته التي تنهره كالعادة بسبب تناوله أطعمة الشارع .. لكنه كان شارد الذهن فلم يشاكسها كعادته بكونه يعيش ببلدة أخرى معظم الشهر ولا يستطيع أن يحضر لتناول وجباتها الشهية لذا فطعام الشارع كما تسميه حله الوحيد ولن يضيره وجبة زائدة وهو هنا ..
ترك والديه بعد أن اعتذر برغبته بالنوم مبكرا و تهرب من عيني والده الذي يشعر أنها قادرة على اختراق عقله ..وكشف ما يحاول إخفائه حتى عن نفسه ..خلع ملابس بآلية ليرتمي مستلقيا على فراشه بملابسه الداخلية ..ليغمض عينيه واضعا إحدى ذراعيه تحت رأسه والثانية ملتفة حول عينيه ورأسه ..
منذ محادثته مع همس وهو يسير هائما بالشوارع دون هدف محاولا التهرب من التفكير فيها بلا فائدة ..فهي تخترق نطاق عقله منذ المرة الأولى التي رآها فيها مهما حاول الابتعاد والتهرب ..إلا أن طيفها يطارده ..لا يدري لماذا لا يستطيع إخراجها من رأسه إنها آخر من يمكن أن يفكر بها بارتباط جدي ..
ليبتسم ساخرا من نفسه وهو يفكر بأنها من المستحيل أصلا أن تفكر به ..وبالتأكيد هي ليست فتاة يتسلى معها ..فقرابتها لخالد تجعله لا يمكن أن يحاول التقرب منها بهذا الهدف... فهو أبدا لم يعبث مع فتاة تمت له بصلة من أي نوع.. قرابة ، جيرة، أو حتى معرفة بأحد يمت له بصلة ..
ليس كأنه يتمادى بالعبث مع أي فتاة ...فجل ما يفعله لا يتعدى بعض التسلية البريئة التي لا تتعدى كلمات مازحة ...أو نزهة ...أو تشارك مشروب بمقهى مفتوح ..وأبدا لم يخدع فتاة بوعود حب أو زواج ، ولم يتقرب يوما من فتاة بريئة موهما إياها بعواطف من أي نوع ..
لكنه لا يرفض تقربات بعض الفتيات الراغبات باللهو دون أن يتخطى الخطوط الحمراء مع إحداهن
لقد كان لقائه الأخير بماهي هو نقطة النهاية بالنسبة له ...حيث قرر أن يخرجها من رأسه نهائيا خاصة بعد أن لاحظ نظراتها الذاهلة لأسرته وخاصة لأمه .. لقد لاحظ كيف كانت تنظر لها بتعجب وهي تُقطع لهم الطعام بيديها على المائدة وتملئ أطباقهم وتحثهم على أن يأكلوا جيدا ..ليشعر وقتها بضيق واختناق وهو يتخيل أنها لابد تهزأ بها ..وتنتقص منها بداخلها وهي تقارنها بسيدات مجتمعها اللاتي يأكلن بالشوكة والسكين ويفتحن أفواههن بمقدار مليمترات ويمنعن الكلام على المائدة وإن تحدثن يتحدثن بتكبر وانفه ..
كانت نيرانه تشتعل أكثر حتى أنه كان يرغب بنهرها ومنعها من النظر لأمه ولأبيه ..كان راغبا بالصراخ فيها إنهم أفضل ألف مرة من كل من قابلت في عالمها المترف حتى لو كانوا لا يجيدون طرق البروتوكولات الغبية التي تربت عليها في الكلام والطعام واللبس والحركة ..
لكنه لم يجد غير الهرب والاعتذار منهم بمجرد انتهاء الطعام بحجة الإرهاق والانسحاب من تلك الجلسة التي كانت تضغط على أعصابه بقوة ..
فلماذا بعد أن ظن انه أخرجها من عقله أو على الأقل دفنها عميقا بأبعد مكان مختفي داخله ... لماذا عادت تطفو بقوة على حافة العقل لتقبض على تلابيبه التي ثارت غضبا وقلقا.. ونبضاته التي غافلته وانتفضت ما أن ذُكر اسمها مقرونا بكلمة حادث ..ليتوقف كل ما فيه لحظتها كما لو كان الوقت تجمد لثواني قبل أن يعود للدوران بعنف كاد يفقده وعيه وصوابه
-------------------

يقف بسيارته الحديثة السوداء ذات المقعدين والسقف المنخفض القابل للطي والطراز الشبابي صغيرة الحجم ومرتفعة الثمن منذ ما يزيد على الساعة بجوار الباب الخارجي لفيلا ابن خاله خالد ..يكاد يتمزق بين القلق والحيرة والارتباك ..
فمنذ استيقظ بعد الظهر لينادي على زينات الخادمة لتحضر له قهوة ومسكنا لألم رأسه لتفاجئه بثرثرتها حول ما حدث لشقيقته وعقله في حالة شتات ..
تحمل له ذاكرته مشاهد لوقوفها على درجات السلم وحوارا لا يذكر منه الكثير سوى غضبه وبعض كلمات متفرقة ..
بل هو ليس متأكد من صدق ذاكرته حول تلك المقتطفات والصور والكلمات التي تراود عقله ... لا يدري إن كانت حقيقة أم بعض من أحلامه ..
لكنه يشعر أنها حقيقية بداخله هاجس يقتله أن ما حدث لأخته كان هو المتسبب فيه بصورة أو أخرى...
لكن عقله لا يساعده على تكوين صورة مكتملة ..لقد ارتدى ملابسه بسرعة وخرج مسرعا ما أن انتهت زينات من روايتها عما حدث وكيف أن زوجة خاله أخذتها لتقيم عندهم بعد خروجها من المشفى ..
ألقى برأسه فوق عجلة القيادة بعد أن أنهكه الألم ..يشعر بعدم القدرة على مواجهتها خوفا أن تؤكد له انه بالفعل من آذاها ..ويقتله القلق والرغبة في الاطمئنان عليها ..
كان يظن أنها لا تمثل له شيء... لكن معرفته بتعرضها للإيذاء وانه قد يكون المتسبب أثر به بشدة... شعوره لحظة معرفته بما حدث لها جعله يوقن أنها ليست فتاة تحمل اسما كاسمه في هويتها دون رابط بينهما ....بل هي جزء منه موصول بنبضه ودمائه شاء أم أبى مهما أنكر وابتعد ..
امتلأت عيناه بدموع لم يقدر أن يمنعها بينما يتذكر بعض صور ماضيهم وهم أطفال عندما كانت تتبعه شاكية من طفل يضايقها بالروضة ..أو تطالبه أن يشاركها اللعب بألعابه خاصة المسدسات والسيارات التي كانت تملأ حجرته ..
وكم كان يسعد بأن يقوم معها بدور الأخ الأكبر ليلاعبها ويعلمها كيف تستخدم مسدساته أو تحرك سياراته ....أو يطمئنها انه سيأتي لضرب من يضايقها

لتخترق الصورة صوت ناهر لوالدته تباعد بينهما بدعوى أنها فتاة لها ألعاب مختلفة ولا يجوز أن تلعب بالعربات والمسدسات ..
أو تسحبه معها للذهاب لبيت أسرتها ليكون دوما أمام عيني جده لأمه أملا أن يتعلق به ويخصه بشيء من الممتلكات ... لينحني فمه بسخرية على آمال أمه التي ضاعت بوفاة جده المفاجأة....
وبعدها زادت خلافاتها مع أبيه التي انتهت بفراقهما ....
لكنهما كانا قد فرقا الشقيقين قبلها... باستئثار كلا منهما بواحد .. كما لو كانا ميراثا يتقاسمانه أو جائزة يستحوذون عليها ..لكنه على الأقل بقى مع أمه رغم استغلالها له لاحقا ..
لكن ماهي فقدت أبيها الذي كانت الأقرب له ..ولم تتذكرها أمه إلا عندما لائمت خططها ..
فلماذا لم يحاول يوما التقرب منها وقتها وقد كانت طفلة وحيدة تحتاج إليه .. لماذا ظل كلا منهما محجوزا بدائرة مغلقة تشبه فقاعة تحجبه عن الآخر رغم شفافيتها ..
لماذا لم يحاول أن يتقرب منها ويخرق تلك العزلة اللعينة التي باعدت بينهما ..هو كان الأكبر حتى لو كان الفرق بينهما اقل من عامين يظل الأكبر والأولى بكسر الحدود ..
رفع رأسه بعناد وتصميم وأدار محرك سيارته وهو يعطي تنبيها للحارس حتى يفتح له البوابة ..فقد آن أوان المواجهة ..مواجهته مع خالد ومواجهته مع شقيقته وقبلهما مواجهته مع نفسه ...
-----------------
لقد كانت المرة التي لا يذكر عددها التي يحاول بها الاتصال بمدحت دون فائدة فهاتفه خارج النطاق ..لقد تركهم بالخارج وجاء لحجرة مكتبه ليحاول الاتصال به دون فائدة ليسمع صوت تنبيه سيارة دلفت لمدخل الفيلا ليلتفت بكرسيه ناحية النافذة فيلمح سيارة ابن عمته تدلف حتى توقفت أمام المدخل الخارجي ليقف مدمدما بينما يعقد حاجبيه :
"جيد أنك حضرت بنفسك وفرت على مشقة طلب حضورك"
...ليتحرك بسرعة ليخرج إليه مستبقا جرس الباب... فهو يريده وحده دون أن تشعر به أمه أو ماهي ..
فتح الباب بينما كانت النساء مجتمعات بالصالون الداخلي فلم ينتبهوا إليه ليجد مدحت يرفع يده لدق الجرس ليفاجأ بفتح الباب .. وتتسمر يده على بعد إنشات منه .. وتتلاقى عيني كلاهما ...مدحت بدهشة ما لبثت أن تحولت لمزيج من تيه وخزي ..والثاني بحزم وغضب ما لبث أن تحول لنوع من العطف والشفقة عندما لاحظ ملامح ابن عمته المتعبة والشاحبة ذقنه المهملة السواد تحت عينيه وملابسه المجعدة بلا ترتيب... وأكثر ما اثر به تلك النظرة المؤلمة بعينيه نظرة تجمع بين مزيج من العناد والكبرياء والألم نظره شعر أنها نداء استغاثة جعله ينسى أفعاله السابقة ولا يرى إلا فتى شاب طالما اعتبره شقيقا اصغر أعتاد رعايته وحمايته حتى من نفسه ..
ليجد يديه تمتد تلقائيا تجذبه إليه دون كلمات باحتضان شعر انه يحتاجه ليُعلمه من خلاله انه سامحه ..ليشدد من احتضانه ويربت على ظهره .. خاصة مع تلك الآه التي حاول مدحت أن يكتمها قبل أن تكتمل بينما يشدد هو أيضا من ضم خالد إليه... ليسحبه خالد دون كلمات خلفه حتى حجرة مكتبه ويغلق الباب خلفهما ..ويلتفت إليه فيجده يحاول مداراة الدمع بعينيه مديرا وجهه بعيدا.. ليتلفت خالد ليجلس خلف مكتبه وهو يقول :
"اجلس مدحت.. لقد حاولت كثيرا الاتصال بك دون فائدة فهاتفك مغلق .."

لينعقد حاجبا مدحت الهارب بعينيه من مواجهة عيون خالد ويخرج هاتفه ليقول بصوت مرتبك دون أن يرفع رأسه :
"يبدو انه قد فرغ من الشحن ولم انتبه للأمر خاصة بعدما أخبرتني زينات بما حدث لماهي بمجرد استيقاظي فجئت مسرعا لهنا "
ليعيد خالد رأسه للخلف مستندا على ظهر مقعده بينما يسال مدحت:
"ألا ترى الأمر غريبا!! أن لا تشعر بما حدث لشقيقتك رغم اننى علمت انك كنت موجودا بالمنزل!! ..لو افترضنا أن نومك ثقيل فلم تشعر بسقوطها وإصابتها ..فكيف فلم تسمع صرخات الخادمة عندما وجدتها صباحا ..أو صوت وصول أمي والأصوات المصاحبة لنقلها للمشفى ..أم أنك كنت مخمورا لدرجة لم تجعلك واعيا لما يحدث بين جدران بيتك ؟!!!"
ليعقد مدحت حاجبيه بينما يدير وجهه باتجاه النافذة متجنبا عيني خالد الذي أكمل :
"أترى لو كانت إصابتها أكبر من ذلك ..أو لو تهجم لص أو مغتصب عليها كنت ستشعر بها؟.. أو تستطيع بحالتك نجدتها؟!! أم كنت ستبقى في تيهك لتستيقظ فتجد أن أختك قضت نحبها أو انتهكت على بعد خطوات منك وهي تستنجد بك دون أن تسمع أو تشعر ...ترى كيف كنت ستتعايش مع نفسك حينها ...هذا بفرض أنها بالفعل سقطت عن الدرج دون أن تشعر أنت وهو الأمر الذي لا أجد أني مقتنع به حتى اللحظة "
لينتفض مدحت واقفا وأنفاسه تزداد تهدجا مع كلمات خالد الذي يبدو أنها رسمت صورا مخيفة لعقله جعلته يقول بتهرب :
"ماذا تعني ؟!!"
..ليقف خالد ويتحرك ليقف مقابلا له وظل يناظر عيناه الهاربتان حتى اجبره على النظر له بينما يرى تلك النظرة التي تحمل مزيجا من حيرة مخلوطة بالذنب تطل من حدقتيه ..دوما ما كنت عيون مدحت معبرتان ودوما ما استطاع قراءته بسهولة ...ليوقن بداخله أن ابن عمته فعل شيء ما يشعره بالذنب لكنه ليس أكيدا منه ..ليسأله خالد بشكل مباشر :
"مدحت هل لك يد بما حدث لماهي بأي شكل؟!!"
نظر مدحت لعيني خالد للحظات لا يعرف بما يجيبه ..لتنقذه دقات الباب التي تبعها دخول شقيقته تحييه بهدوء قائلة :
"لقد لمحت سيارتك أمام الباب وأنا خارجة للجلوس بالحديقة فعلمت أنك أتيت للاطمئنان علي "
لينظر لها خالد بقوة وهي تركز على ملامح شقيقها فلم يجد خالد بُد من تركهم بمفردهم فقد شعر بحاجتهم للانفراد سويا ليتحرك ناحية الباب وهو يقول
"سأترككما معا"
..ليدير رأسه لمدحت قبل خروجه قائلا بتحذير:
"لا تخرج قبل أن نتحدث.. وليكن بعلمك انك ستتناول الغداء معنا اليوم فلم نجتمع معا منذ فترة طويلة ..وأريد تعريفك بزوجتي بصورة لائقة "
...ليكمل خروجه مغلقا الباب خلفه بينما تتبعه عيني الشقيقان
.............

ما أن أغلق خالد الباب خلفه حتى التفت يناظر شقيقته ويلاحظ هذا الرباط الملتف حول جبينها ومقدمة رأسها بقلق ليقترب منها ملامسا رأسها سائلا بتوجس :
"كيف حالك ؟!! هل تتألمين ؟!! كيف تشعرين ؟!! "
ليبتعد بعيناه عنها قليلا بينما يبتلع لعابة بصوبة وهو يكمل بتردد :
"هل ..هل كان لي دخل بما حدث لك ؟!! ذاكرتي مشوشة عما حدث أمس ولا اذكر جيدا تفاصيل الليلة !! هل كنت بانتظاري أمس هل تشاجرنا ؟!!"
لتمد كفها ملامسة وجنته بلحيتها النامية بينما تدير وجهه إليها وهى تقول :
"لقد كنت بالفعل بانتظارك أمس ..لم نتشاجر بالمعنى المفهوم بل تحدثت معك حول خوفي عليك من سهرك ومشاجراتك الدائمة مع الحثالة وغرقك بالخمر كنت أخبرك باحتياجي إليك "
لينظر لعينيها المقاربتان لعيناه حيت تقترب بطولها الفارع خاصة مع كعب حذائها المرتفع من طوله وهو يسألها بقلق وتردد :
"هل أنا من آذاك ؟!"
ليشعر بترددها للحظات وتهرب عيناها منه بينما تجيبه:
"لا لست أنت ..لقد زلت قدمي وسقطت.. لتصطدم راسي بالدرج بعد ذهابك لحجرتك.. ولم أستطع مناداتك لأني غبت عن الوعي فلم يكن بإمكانك أن تعرف أو تشعر بما حدث لي "
التوى فمه بسخرية وهو ينظر لها قائلا بمرارة تمكنت من روحه:
"كنتِ دوما كاذبة فاشلة يا شقيقتي.. فارتجاف شفتيك وعيناك الهاربتان دوما ما كانت تفضح كذبك "
..ليجدها تحاول مقاطعته فيرفع يده ملامسا شفتيها وهو يضيف :
"لا تحاولي الإنكار ولا داعي لتخبريني شيئا فلا أظن أنى راغب بالمعرفة.. فقط سامحيني يا شقيقتي وحاولي الابتعاد عني قدر استطاعتك .. حاولي البقاء قريبة من أسرة خالك فزوجة خالي وخالد قادرين على الاهتمام بك أكثر وسأكون مطمئنا عليك معهما "
لتعقد حاجبيها بقلق وهى تجيبه:
"أنا سأبقى هنا فقط لفترة قصيرة وبعدها سأعود لبيتنا ..ولولا ضغط وإلحاح زوجة خالي ما بقيت وأتمنى أن أجدك بجواري لدى عودتي !! أنت أخي.. وأنا احتاجك... احتاج أن تكون معي وبجواري تمنحني القوة التي احتاج إليها "
لينظر لها بحزن وهو يضمها لصدره قائلا :
" صغيرتي لا تطلبي السند من حائط مائل غير قادر على إسناد نفسه ..ولا القوة من ضعيف ليضيعك معه.. كوني قوية بنفسك وإن أردت دعما فألجئ لخالد ..وسامحيني يا ماهي...ليصمت هنيهة قبل أن يكمل:
"ولا تبحثي عني "
..شعر بإجفالها بين ذراعيه ولتبتعد خطوة عنه وهي تسأله بلهفة وخوف ظهرا جليين بصوتها :
"ماذا تعني ؟!! لماذا اشعر انك تودعني بشكل ما!! "
"نظر بعينيها طويلا دون إجابة ثم مال مقبلا جبينها ..وهو يربت على كتفها بينما يقول :
"سأسافر لبعض الوقت ..احتاج للابتعاد للبحث عن نفسي التي ضاعت مني طويلا... قد أجدها فأعود... أو لا أجدها فأظل بعيدا لأضيع وحدي دون أن أضيعك معي.. بقصد.. أو بدون قصد "
كانت تهز رأسها يمينا ويسارا برفض لما يقول بينما تنثال العبرات من عينيها ..ليمسحها بحنو يظهره لها للمرة الأولى وهو يكمل :
"صدقيني أنا بحاجة لهذا الابتعاد.. بقائي هنا ورؤية ماضي وأخطائي... نظرات اللوم بعيون خالد حتى لو حاول مداراتها ..بالإضافة لشعور الخيبة والنفور والرفض المتبادل ما بيني وأمي سيقتلني ويعدني للضياع مهما حاولت ...فدعيني ابتعد ربما وجدت طريقا للخلاص .. وأعدك إن وجدته أن أعود لك شقيقا كما تتمنينه ..فانتبهي لنفسك وحافظي عليها ..كوني قوية ذات أنفة وكبرياء تبعد الطامعين كما عهدتك"
..ليأخذ نفسا عميقا وهو يحذرها بصوت ظهر فيه الحزن والألم :
" لا تخضعي لطلبات وخطط أمي ..وأي أمر لا تستطيعين مواجهته ارجعي فيه لزوجة خالي وخالد ..ليضف متسائلا :
" كيف هي علاقتك بزوجة خالد ؟!!"
أجابته من بين نشيجها :
- همس رائعة .. لقد أصبحت صديقتي المقربة ..لو تعرفت عليها لأحببتها "
ليومئ برأسه وهو يقول :
"رأيتها مرة مع خالد.. لم أتحدث معها ..لكني شعرت بأنها شخصية لطيفة تقربي منها ..ليتني وأمي لم نجرح خالد لدرجة تجعلنا غير قادرين على إعادة الروابط بيننا كما كانت دون أن يشوبها الألم "
لتسأله ماهي باستفسار:
"ماذا حدث بينكم مدحت؟!! لو على موضوع رغبتكما بزواجي من خالد ومحاولتكما إفشال زواجه وإبعاد همس فأظن خالد قد تخطى الأمر ..فلماذا اشعر أن هناك ما هو أكثر قد حدث بينكم ؟!!"
ليدير مدحت وجهه هاربا من عينيها وهو يجبها :
"لا تهتمي بما فات ماهي.. فما فات قد مات ..فدعيه ليطويه الزمن بين دوائر النسيان فقد يأتي يوم نستطيع جميعا تجاوزه "
التف كلاهما على صوت دقة على الباب سبقت دخول خالد ووالدته التي اقتربت منه تحييه بابتسامه حانية وتسلم عليه معاتبة ابتعاده وعدم زيارته طوال الفترة السابقة ...ليخفض عينيه بخجل من حنانها ولقائها الراقي رغم يقينه بأنها تعلم بما فعل ..لكنها أبدا لم تغير معاملتها له ..
ليخفض رأسه وهو يغمغم معتذرا لها بانشغاله ..حجة يعرف كلاهما كذبها لكنها لم تعلق بل أكملت ببشاشة.. أن الطعام جاهر ليرفض متحججا بأنه لابد أن يذهب لارتباطه بموعد ...لينعقد حاجبي خالد ويظهر الضيق عليه وهو يعاتبه بقوله :
"الم نتفق على أن تبقى للغداء ولنتحدث معا ؟!!"
لينظر له للحظات بصمت قبل أن يقترب منه مسلما بينما يقول بهمس لم يسمعه سواه :
"أجلها قليلا خالد ..احتاج للابتعاد.. لهدنة مع نفسي وسأعود بعدها إن استطعت .. واعدك وقتها أن احضر لك لنتحدث بكل ما تريد "
ليقطب خالد ويسأله بصوت متوجس وبنفس الهمس:
"ماذا تقصد بإن استطعت ؟!..أين ستذهب والى متى ؟!!"
ليربت مدحت على كتفه مجيبا :
" لا اعرف حتى الآن !! لكني بحاجة للابتعاد قليلا لا اعرف إلى متى.. فأرجو أن ترعى ماهي وتهتم بها "
ليلتفت لشقيقته وزوجة خاله مبتسما بسمة لم تصل لعينيه بينما يسلم عليهما مودعا.. ولم يستجب لأي من محاولات خالد والسيدة سُمية لاستبقائه ..لتلحقه ماهي حتى باب سيارته وهي تنادي اسمه بصوت متوسل ..كأنما ترجوه ألا يبتعد وهي تقول بصوت مرتعد:
"أرجوك مدحت لا تبتعد اشعر بقلبي منقبض ويؤلمني ..أرجوك أخي لا تذهب بعيدا عني ..أو إذا كنت مصرا خذني معك "
ليفتح باب السيارة ويستدير ضاما إياها لصدره ومقبلا جبينها وهو يقول:
"إلى اللقاء ماهي اهتمي بنفسك "
لفت ذراعيها حول جذعه ضامة إياه ومتشبثة به بقوة مانعة إياه من الدلوف لسيارته ..ولم تبتعد إلا على هذا الصوت المرتفع الذي اقتحم هدوء الحديقة لينظر كلاهما لهذا الشاب الذي توقفت دراجته البخارية خلف سيارة مدحت بينما يرفع خوذته وهو ينظر لهما بحدة ..............
----------------------------------------------------

 
 

 

عرض البوم صور سيمراء   رد مع اقتباس
قديم 01-08-18, 12:45 AM   المشاركة رقم: 9
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Aug 2018
العضوية: 330238
المشاركات: 2
الجنس أنثى
معدل التقييم: Malak assl عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 23

االدولة
البلدIraq
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
Malak assl غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : سيمراء المنتدى : رومانسيات عربية
افتراضي رد: رواية ، خلف أقنعة الذكريات ،الجزء الثاني من سلسلة خلف الأقنعة ،بقلم رغيدا المصرية

 

من اجمل واحب الروايات على قلبي دمتي مبدعة رغووودة

 
 

 

عرض البوم صور Malak assl   رد مع اقتباس
قديم 01-08-18, 10:57 PM   المشاركة رقم: 10
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Feb 2009
العضوية: 121032
المشاركات: 242
الجنس أنثى
معدل التقييم: سيمراء عضو على طريق الابداعسيمراء عضو على طريق الابداعسيمراء عضو على طريق الابداعسيمراء عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 331

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
سيمراء غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : سيمراء المنتدى : رومانسيات عربية
افتراضي رد: رواية ، خلف أقنعة الذكريات ،الجزء الثاني من سلسلة خلف الأقنعة ،بقلم رغيدا المصرية

 

الفصل الخامس

ما أن دلف من بوابة الفيلا التي كان بابها مفتوحا والحارس الذي كما يبدو تعرف على دراجته رغم ارتدائه للخوذة فتركه يمر دون أن يوقفه كما حدث سابقا ، ليفاجئ بمنظر أثار الدماء بعروقه وكاد أن يجعله يرتطم بالسيارة التي كان كلا المتعانقين أمامه واقفان بجوارها ليوقف دراجته في اللحظة الأخيرة على بعد سنتيمترات معدودة من تلك السيارة الحديثة الباهظة الثمن أمامه ..التي يعلم أن ثمن مرآتها وحدها يتعدى ثمن دراجته العتيقة ..
ليزدرد لعابه وهو يخلع خوذته مانعا نفسه بصعوبة من القفز إليهما ليسحبها من بين يديه ويعيد رسم خارطة وجه كلاهما... لكنه رغم شعوره بالنيران تشتعل بداخله .. إلا أن بقايا عقل ما زالت تعمل برأسه جعلته يتباطأ ليفكر لثواني بينما يخلع خوذته انه لا يملك سلطة ،عليها كما أنه من المستحيل أن تقوم فتاة بعرض عاطفي مبتذل أمام باب بيت ابن خالها وعلى مرأى من الجميع مع شخص غريب ..لابد أن هناك تفسير ما لما يراه ..
لكنه رغم هذا التفكير العقلاني كان يشعر بالغضب الشديد لمرأى يد هذا الشخص تحيط بها بينما .. تستكين هي بين ذراعيه ملقية برأسها على كتفه بأريحية وألفة ...ليمنح لنفسه بضع ثواني قبل التقدم إليهما.. قام خلالها بإعادة تحريك دراجته لعدة خطوات للخلف ثم إعادة سحبها للأمام لتجاور السيارة حتى لا تغلق عليها طريق الخروج ليرفع بعدها نظره إلى الاثنين المتابعين له بهدوء وانتظار اضطره للاقتراب منهما ليهز رأسه بتحية مقتضبة وهو يقول :
"مرحبا "
لترد عليه ماهينار برقة :
"مرحبا سامح "
لتلتفت للشاب الذي ما زال يضمها إليه معرفة :
"مدحت ..هذا هو المهندس سامح محفوظ شقيق همس زوجة خالد "
لتعود لتلتفت إليه وهي تكمل :
"وهذا مدحت أخي الأكبر "
لم يكن واثقا إن كانت زفرة الارتياح التي شعر بها تخرج حارة من صدره كانت مسموعة له فقط أم للواقفين أمامه ... لكنه حاول مداراة الأمر وهو يمد يده مصافحا الشاب الذي يبدو مقاربا له بالعمر وهو يبادله عبارات تحية مقتضبة قبل أن يسمعه يعتذر باضطراره للذهاب ويقبل جبين شقيقته ويركب سيارته راجعا بها للخلف قبل أن يستدير بها خارجا وهما يتابعانه ..
ليلتفت بعدها إليها ناظرا لتلك الضمادة التي تلف رأسها فيشعر بانقباضه بداخله وهو يشعر أنها كان من الممكن أن تقضي نحبها دون أن يشعر بها أحد ..ليجد نفسه يقترب منها بلا شعور وعينيه على تلك الضمادة بينما يقبض يديه بعنف مانعا إياها من أن ترتفع ملامسة جبينها المختفي تحت طيات الشاش الأبيض وهو يسألها بصوت رغم محاولاته إلا أنه خرج مهتزا:
"كيف حالك ؟.. ليشير بعينيه لرأسها وهو يضيف
" سلامتك "
لترفع يدها بشكل تلقائي لرأسها وهي تقول بارتباك :
"أنا بخير شكرا" ..لتكمل بعد لحظة بصوت حمل بعض الارتباك
"أنها حادثة بسيطة "
ليقاطعه صوت همس من أمام الباب وهي تناديها قبل أن يعاود الحديث:
"ماهي لقد برد الطعام ونحن نتضور جو.."
لتقطع شقيقته جملتها عندما وقع نظرها عليه لتقفز على درجات السلم الأمامي بتهور جعله يسرع إليها ناهرا وهو يتلقها بين ذراعيه:
"همس توقفي عن جنونك وحركاتك الرعناء وراعي كونك حاملا ولا يجب أن تقفزي كالقرود "
لتضربه شقيقته على جزعه وهي تهتف بغضب:
"أنا المخطئة التي قفزت من فرحتها لرؤيتك ونزلت جريا لترحب بك لأنها إشتاقتك وأنت لا تستحق "
ليرفع حاجبه وهو يشاكسها قائلا:
" من يسمعك يظن أني كنت مهاجرا ولم تريني لأشهر ..لقد كنا معا أمس صباحا لدى ريهام ..لم أظن انك افتقدتني لتلك الدرجة في عدة ساعات يبدو أن زوجك لا"
ليقاطعه صوت خالد من خلفه هاتفا :
"ساااامح!!!! كف عن وقاحتك وإياك أن تلقي إحدى جملك عديمة الحياء أمام ابنة عمتي "
ليبتسم سامح وهو يلتفت لتلك الوقفة بجوارهم متابعة لما يحدث بنظرة غريبة بعينيها لم يستطع تفسيرها... لكنه شعر أنها مزيج من الم وحنين.. وشيء آخر لا يفهمه ..ليفيق من شروده على ضربة خالد على كتفه وهو يدعوه للداخل ليتناول معهم الغداء وهو يضيف متفكها:
" يبدو أن تلك الوجبة مصيرها أن تؤكل باردة فكلما ذهب أحد منا لينادي الآخر تأخر ولم يعد.. فأسرع قبل أن تصدر أمي أمرا برفع الطعام ومنعنا من تناوله فقد طلبت مني أن اذهب لأرى ما الذي أخر همس التي ذهبت لتنادي ماهي ولم تأتي كلتاهما محذرة إياي من التأخير وإلا ستعاقبنا جميعا"
وقبل أن يرد عليه معتذرا بكونه تناول غدائه بالفعل مع والديه قبل حضوره رن هاتفه ليعتذر منهم مخرجا إياه ليجد رقم سعيد أحد العمال الذي يثق به ويعتبره عينيه داخل المشروع الذي يشرف عليه ... والذي يشعر مؤخرا بان هناك شيئا ذا رائحة غير نظيفة يجري به فطلب منه أن يتابع ما يحدث ويبلغه به أولا بأول دون أن يشعر أحد...
وما أن فتح الخط مجيبا وملقيا السلام بينما يتحرك معهم لداخل الفيلا للسلام على والدة خالد حتى وصل لمنتصف الصالة لتتسمر قدماه فجأة .. حتى أن خالد ارتطم به حيث كان ورائه مباشرة ..ليتسمر الجميع وهو يهتف بصوت مرتفع تبدو فيه نبرات الغضب الجامح:
"ماذا تعني ..كيف يمكن أن يحدث ذلك وأنا غير موجود ..من وقع وأعطاهم الأذن بالبدء... ليستمع لما يقوله سعيد بينما يزداد غضبه وانعقاد حاجبيه ..ليهتف بغضب جامح وهو يستدير عائدا للباب وهو يهتف :
"أنا قادم بالطريق وقسما بربي لو تأكدت من الأمر لأجعلنهم يندمون على اليوم الذي ولدتهم فيه أمهاتهم ..ليس سامح محفوظ من يتم استغفاله والتلاعب به وتمرير ألاعيبهم الحقيرة من خلف ظهره ..كان على وشك الاتجاه للخارج ..عندما أوقفته يد خالد وهو يناديه سائلا :
" توقف سامح إلى أين أنت ذاهب ؟!!! وماذا يحدث ؟؟!!
ليستدير لحظتها منتبها للمتواجدين معه وتبدو على وجوههم علامات القلق الممزوج بالفضول ..ليزفر بعمق بينما يمرر كلتا يديه بشعره وهو يلاحظ علامات الاضطراب على وجه شقيقته ،ليغتصب ابتسامة وهو يناظرهم مطمئنا لينتبه لقدوم السيدة سُمية حماة شقيقته التي يبدو أنها خرجت على صوته المرتفع مما أشعره بالحرج فاقترب منها مسلما باعتذار:
"عفوا لانفعالي إنها مشكلة بالمشروع الذي اشرف عليه تستدعي سفري فورا أرجوا أن تقبلي اعتذاري خالتي "
لتقاطعه ببسمتها الحانية ألا يهتم.. وهي تسلم عليه بود وتحاول إقناعه بتناول الغذاء أولا فيعتذر بأنه سبق وتناوله .. بينما تحاول همس معرفة ما الأمر فيربت على كتفها مطمئنا .. دون أن يغفل عن نظرات الأخرى التي تتابعه بنظرة فضولية ممزوجة بقلق تمنى بداخله أن يكون لأجله ليحييها بهزة رأس قبل أن يجبر عينيه على الاستدارة والتوجه للخارج يصاحبه خالد الذي جذب ذراعه قبل أن يعتلى دراجته وهو ينصحه:
" سامح أيا كان الأمر حاول أن تحكم عقلك وتتصرف بحكمة ..بعض الأمور تستدعي استخدام العقل ..وبعض المكر والذكاء يفيد أكثر من العصبية والعضلات وإن احتجت إلي أو واجهتك أي عوائق.. فقط هاتفني وسأكون عندك فورا ..وكن على اتصال دائم بي "
لينظر له سامح بامتنان عميق ..فخالد استطاع اكتساب محبته وصداقته رغم قصر المدة التي تعارفا بها إلا انه أصبح يشعر انه صار أخ ثاني له بعد أكرم ..ليربت على كتفه بود وهو يطمئنه :
" لا تقلق ..وصدقني إن احتجت معاونة فستكون أول من الجأ إليه"
ليرتدي خوذته ويقوم بتشغيل دراجته محاولا تجاهل نظرات القلق من خالد ومانعا نفسه من الاستدارة لباب الفيلا الداخلي التي تقف أمامه السيدات الثلاث بمن فيهن صاحبة الرأس المصاب التي يشعر أنها تتغلغل بداخله رغما عن إرادته ...
....................................

كانت غاضبة تدور حول نفسها وهي تعقد حاجبيها بضيق فرئيسها منذ الصباح وهو يبدو كدب جريح امسك احدهم بذيله ... لا يكف عن إلقاء الأوامر واستخراج الأخطاء ..لأول مرة تراه بهذه الحالة الغاضبة لدرجة انه نهر عدة موظفين بصورة عنيفة ......
كانت تنسخ الأوراق المطلوبة منها على آلة النسخ المتواجدة بجانب الحجرة الخاصة بها ..عندما حشر الورق بداخلها ..فانحنت فاتحة غطائها محاولة معرفة المشكلة وسحب الورق دون فائدة ..فبدأت بالدمدمة بغيظ وهي تهتف لنفسها بأن هذا ما كان ينقصها في هذا اليوم الكارثي ... عندما سمعت صوته خلفها يسألها بحنو :
"ما بك يا صغيرة ..من أغضبك "
لتعتدل بسرعة وهي تلتفت دون أن تنتبه انه كان قد اقترب من خلفها وانحنى محاولا رؤية المشكلة بالآلة المفتوحة أمامها مما أدى لارتطام رأسها بأنفه بقوة جعلته يعتدل متألما وهو يمسك بأنفه ..مما دفعها للارتباك وهي تقترب منه معتذرة بحرج ..وترفع يدها بصورة لا إرادية محاولة إزاحة يده لرؤية أنفه والاطمئنان على عدم نزيفها ليمسك يدها بيده الأخرى وهو يحاول منعها من الوصول لوجهه وقبل أن يرد عليها جاءهم صوت يسأل هادرا بعنف من خلفهم :
"ما الذي يجرى هنا"
.............................................

ما أن ابلغه أبيه بأن يجهز كل أوراق مشروع المجمع السكني الجديد والتوجه لقسم شئون العاملين وإحضار نسخة عن أوراق كل العاملين بالمشروع من رئيس القسم دون أن يعرف أحدا من العاملين بالقسم شيء... وإحضارها له بمكتب خالد حيث سيجتمع معه ....وهو يشعر بأن هناك مشكلة ما ..لذا جهز كل الأوراق واتجه لمكتب رئيس المجموعة حيث يتواجد أبيه لتسليمها لهما ...
ما أن دلف لمكتب السكرتيرة حتى صدم بالمشهد أمامه فأبيه يمسك بيد تقى بينما هي ترفع يدها محاولة لمس وجهه وكلاهما يكادان يكونا متلامسين لا يفصل بينهما سوى سنتيمترات قليلة ..شعر بالنيران تشتعل بصدره وهو يرى أبيه يكاد يحتضن تلك الفتاة التي تقل عن عمره هو.. وتلك الحقيرة تقترب منه بشكل حميمي ...
..يبدو أن شكه بمحله هناك شيء ما يجرى بينهما
تلك الفتاة تتلاعب بوالده الذي يبدو أنه يستجيب لتلاعبها ...
لكنه لن يكون ياسر إن لم يوقف تلك المهزلة فورا ويعلم تلك الحقيرة الأدب ويلزمها مكانها الحقيقي ..
ليجد نفسه يصرخ بدون شعور عما يحدث ليلتفت كلاهما ناحيته بتفاجئ .. لكن على ما يبدو أن تلك الفتاة لا تملك ذرة من الحياء فهي لم يظهر عليها أي خجل.. ولم تحاول حتى الابتعاد عن أبيه بل إنها نظرت له ببرود كما لو كانت لم تفعل شيئا .. ولم تكن قبل لحظات تكاد تحتضن أبيه ..كان يبادلها النظرات بحدة وهو يشعر برغبة تشتعل بصدره بأن يجذبها بعيدا عن أبيه ويقوم بجرها من شعرها المختفي تحت حجابها الوردي حتى يلقى بها بعيدا عن أبيه وعن المؤسسة بالكامل ..
كانت تبدو ببذتها الرمادية الرسمية الكلاسيكية الطراز كفتاة عاملة محجبة ومحتشمة ليزدرد لعابه وأنفاسه تتهدج بينما يخبره عقله كيف تكون المظاهر خادعة ....لكنها أبدا لم تخدعه .. فهو منذ وقع نظره عليها وهو يشعر بالخطر من ناحيتها .. يشعر بأنها تخفي شيئا ..قلبه كان يحذره منها ..بها شيء ينفره من اللحظة الأولى ..والآن تأكد من شعوره ..
ليخرجه من حرب النظرات معها صوت أبيه المختنق الذي ظن أنه محرج مما كان يفعله حيث هيئ له عقله أن صوته المكتوم و مداراة وجهه منه بمنديل ورقي أخرجه من جيبه ووضعه على أنفه وفمه وهو يخبره أن لا شيء يحدث ويطلب منه إعطائه الأوراق والعودة لعمله نتيجة خجله وإحراجه منه لأنه شاهده معها بهذا الوضع الشائن...
ليرتفع صوت جهاز التنبيه المتواجد على المكتب بصوت خالد وهو يسأل إن كان السيد أشرف حضر ... لتقترب هي مجيبة أنه موجود فيطلب منها أن تدخله بسرعة ، مما جعل أبيه يتناول الأوراق ، وهو ينظر لها قائلا بصوت حان أشعل غضبه أكثر ..أن لا تحاول هي إصلاح الآلة وأن تتصل بالمختص ... ليتجه لحجرة خالد..
ما إن سمع صوت إغلاق الباب خلف أبيه حتى اتجه لتلك الواقفة بجوار مكتبها تناظره ببرود ..لتشعل غضبه أكثر وهو يسمعها تسأله بلا مبالاة:
"هل هناك شيء تريده سيد ياسر ... أظن انك سلمت الأوراق المطلوبة ..ووالدك طلب منك العودة لعملك "
ليتحرك بعنف مقتربا منها حتى لم يعد يفصل بينهما إلا إنشات قليلة لكنها لم تتراجع وإن مال رأسها للخلف قليلا لكنها ظلت ثابتة مكانها محدقة به بوقاحة .. فلم يشعر بنفسه إلا وهو يجذبها من ذراعها بقوة حتى ارتطمت به وهو يقول من بين أسنانه:
" ماذا تريدين منه" ..
وأخذ يضغط بأصابعه بغيظ على ذراعها التي تحاول إفلاتها منه وجذبها بقوة متجاهلا محاولتها التلوي والابتعاد وهي تصرخ بوجهه:
" أجننت يا هذا ؟!! اترك يدي!! ..ابتعد عني وإلا أقسم أن اصرخ مخرجة أبيك ورئيسك من حجرتهم ليريا جنونك أيها المتوحش الحقير"
كان رأسه قريبا من رأسها حتى انه كان يستنشق الأنفاس الخارجة منها رغما عنه لتضربه لحظتها تلك الرائحة التي تحفظها ذاكرته منذ سنوات ماضية!! ...
رائحة ورد خفيفة لجمته للحظات ..رائحة يذكرها بقوة فقد كان يعشقها بالماضي عندما كان ينام بأحضان صاحبتها مستنشقا هذا العبير بسعادة ..ليجد دقات قلبه تتسارع ويشعر باضطراب غير مفهوم جعله غير قادر على التزحزح للحظات خاصة عندما التقطت عينيه هذا البريق المشع من عينيها التي أنتبه للونهما ورسمتهما بتلك السحبة بنهاية الجفن التي كانت تميز عينيها هي !!!!
لينتفض فجأة ملقيا ذراعها كما لو كانت النيران أحرقته ..
وما أن أفلتها حتى ابتعدت بسرعة متراجعة عنه وهي تدلك ذراعها مكان قبضته..
كان يرى فمها يلقى بكلمات غاضبة دون أن ينتبه لهم فعليا فقد كان يشعر بمزيج من الاضطراب والارتباك والغضب بينما تهاجمه الذكريات رغما عنه ..مما جعله يشعر انه لابد أن يخرج فورا من هذا المكان ..الذي يكاد يطبق على أنفاسه .. لكنه حاول تمالك نفسه قبل أن يتركها ليقاطع هذرها الغاضب بقوله من بين فم مطبق بغضب:
" ابتعدي عن أبي وابحثي لك عن صيد آخر ..فأنا لن اسمح لك بالتلاعب به ومحاولة إيقاعه بحبائلك ... أنا أحذرك للمرة الأولى والأخيرة... إياك والاقتراب منه وإلا ستلقي مني ما لم تتخيليه بحياتك ليستدير خارجا بسرعة كما لو كانت الشياطين تلاحقه ... فلم يرى تلك النظرة الذاهلة والفم الفاغر بصدمة ألجمته من الرد
................................
قاما بمراجعة كافة العقود والتوريدات الخاصة بالمشروع ..وكذلك كافة الأسماء التي تم إلحاقها للعمل به بناء على توصيات المهندس المسئول ...
ليغلق خالد الملف أمامه بعنف ، وهو يقوم مجتازا المكتب ليقف بشموخ أمام نافذة مكتبه يبدو هادئ الملامح من الخارج لكن انعقاد حاجبيه وتسارع أنفاسه تكشف الغضب الذي يحاول إخفائه ... ليتحرك اشرف ليقف خلفه وهو يسأله :
"ما الذي تشك به تحديدا ؟!! أين الخلل؟"
ليجبه خالد دون أن يستدير :
" ألم تشعر بوجود خلل ما "
لينعقد حاجبا اشرف ويزفر بضيق مجيبا :
" بل شعرت بوجوده !!..لكني غير قادر على وضع يدي عليه ..الأوراق سليمة رغم زيادة نسبة المطلوب توريده من الخامات المختلفة ..لكنها تظل في الحدود .المنطقية ...وهم يقدمون تقريرا وافيا بالمستهلك "
ليستدير خالد ناظرا إليه للحظات بصمت قبل أن يسأله:
" وماذا عن عمليات التغيير غير المفهومة أو المبررة لأطقم العمل المعتادة من عمالنا القدامى ؟!! واستبدالهم بآخرين وتحويل القدماء لأماكن عمل أخرى ..رغم أن الأولوية لهذا المشروع والمفروض أن نزيد حجم عمالته لا أن نقلصها ؟؟!!
وماذا عن قيام المهندس الرئيسي المسئول عن المشروع بالاستقالة بشكل مفاجئ بعد إصابته بحادث سيارة مدعيا عدم قدرته على استكمال العمل لدينا رغم أنني علمت أن إصابته خفيفة ولا تحتاج إلا جبيرة وبعض الراحة ... وعرضت عليه إجازة مدفوعة الأجر حتى يشفى ويعود لكنه رفض ... رغم أنه كان يكاد يطير من السعادة عندما اخترته ليخلف المهندس عبد المجيد رحمه الله والذي كان كبير مهندسينا منذ أيام أبي منذ عام مضى..
وما تبريرك لقيام اثنين من المهندسين الصغار المساعدين له والذين لم يمضي على عملهم لدينا بضعة أشهر بتقديم استقالتهم بعده مباشرة واحدا بحجة سفره للخارج ،والآخر بحجة انه سينشئ مشروعا مستقلا مع زملاء له ..رغم إنهما كانا يكادا يقفزان فرحا عندما فازا بفرصة العمل لدينا بعد اختبارات صعبة خاضاها مع غيرهم ممن كانوا يتمنون فرصة العمل بمجموعتنا ...
لست مغرورا ..لكنى أعي أن العمل لدينا فرصة يحلم بها أي شاب ويتمسك بها بقوة... خاصة مع الأجور المرتفعة والامتيازات التي نمنحها للعاملين لدينا ..فهل لديك تبريرا مقنعا لكل هذه المصادفات الغريبة والمتلاحقة "
ليخفض أشرف رأسه ويعقد حاجبيه بتفكير قلق ..فكلام خالد صحيح ..هو نفسه يشعر بوجود خلل ما ..فقط لا يستطيع أن يضع يده عليه ..ليرفع رأسه إليه سائلا:
" الم تمر على المشروع قبل قدومك اليوم صباحا وتتابع العمل القائم به ..هل وجدت شيئا مريبا "
ليستدير خالد متحركا ناحية المقعد أمام مكتبه ليلقي بجسده فوقه بإرهاق بينما يمد ساقه أمامه معيدا جسده لظهر المقعد وهو يجيبه بحيرة:
" في الظاهر كل الأمور تبدوا جيدة بل وتمضي حسب الجدول الموضوع ...بل ربما حتى تسبق الجدول الزمني كما لو كانوا يرغبون بإنهاء كل شيء بشكل عاجل رغم أني لم اطلب منهم ذلك ...ولم امنحهم أي مزايا تجعلهم راغبين بإجهاد أنفسهم والتعجيل بالعمل"
..ليرفع يديه ممررا إياها بين خصلات شعره وهو يزفر مضيفا:
"هناك شيء خاطئ ..أكاد استشعره حولي ..شيء قذر أشم رائحته تزكم انفي .. لكني غير قادر على إمساكه ووضع يدي عليه ...لذلك أمرتهم بإيقاف العمل على المشروع مؤقتا "
ليتحرك أشرف ليجلس على المقعد المواجه له ..وهو يسأله بقلق :
" إيقاف العمل ؟!! لكن إيقاف العمل ليس حلا ..تعرف أننا ملتزمون بجدول زمني ..ومواعيد تسليم وشروط جزائية بمبالغ كبيرة ؟!!"
ليزفر خالد بعمق وهو يرجع رأسه للخلف ليسندها على حافة المقعد مجيبا بإنهاك :
" أدري لكن ماذا بيدي أن أفعل؟!! لن استطيع الاستمرار وأنا أتخبط دون أن اعرف ما يحدث حولي ..أنا بحاجة لبعض الوقت للتفكير ..ومحاولة الوصول لموضع الخلل ..لأن هناك بالتأكيد خللا وتلاعبا وشيء قذر يدور من حولنا "
ليعتدل بجسده بينما ينظر لعيني أشرف وهو يضيف:
" لن أكون خالد الراوي إن لم اكشف ما يحدث ..وعندها لن ارحم أيا من كان يحاول التلاعب معي"
...................................
لم يستطع العودة لعمله ..كان يشعر بالاختناق بينما تطارده هذه الرائحة وتلك العينان ليخرج مهرولا من مبنى المجموعة كما لو كانت الشياطين تطارده لدرجة نسي معها أن يأخذ دراجته القابعة بالجراج التابع للمبنى ...بل اخذ يسير بسرعة ودون هدى ....وأثناء سيره وجد نفسه دون أن يعي يرفع كفه ليتشممها ليجد أن تلك الرائحة ما زالت عالقة بها ..هو لم يتوهمها إنها تلك الرائحة! ..آلا يكفي أنها تحمل اسمها ..وسحبت عينيها ..لتضيف إليهما الرائحة.. لكن كيف؟؟؟!!!
إنها رائحة مميزة غير متوفرة.. ويصعب جدا أن تستخدمها غيرها!! ليس لكونها تنتمي لنوع عطر باهظ !! وهو ليس غبي حتى لا يفهم أنه من الممكن أن تستخدم عدة نساء نفس العطر.. لكن لأنه يعرف أنه يصعب أن يجدن هذا العطر تحديدا...فهذا العطر المختلف ...لم يشمه منذ عشر سنوات.. فهي تركيبة خاصة اعتادت هي أن تأخذه معها لدى بائع العطور الخام لتطلب منه صنعها لها بمقادير محددة تحددها هي بنفسها ..مزيج من عطر الفل والورد بنسب محددة مع لمسه من زهر الليمون ..لم يكن عطرا فجا نافذ الرائحة ..بل انه يكاد يكون غير ملحوظ إلا لمن اقترب منها بشدة فهو خفيف لكنه ثابت ..
كان عطرها الدائم ...لم تغيره أبدا ..منذ وعت حواسه على الدنيا وهو اعتاد أن يشمه عليها .. كان يسير متخبطا دون أن يعي ما حوله .. تغافله عيناه فتمتلئ بدمعات تحاول الهرب من حصار جفونه فيكتمها بقوة إرادة تكاد تخذله ...لم يعرف كم ظل سائرا لكنه وجد نفسه أمام باب منزله الخارجي ..فدخل متجاهلا المصعد حتى وصل لشقته ليدخل متجها لحجرته ليجلس بانهزام على حافة الفراش... بينما تتهدل كتفاه لأسفل.. ويضغط كفاه بضعف على ركبتيه كما لو كان يحاول منعهما من أن يخرجا ماضيه من مدفنه ..
لكنهما عانداه كما لو كان لهما إرادة منفصلة
عقله رافض لكن يديه تتحركان لتفتحا الجارور المجاور لسريره لتمتد يده المرتعشة مخرجة من أسفله تلك الورقة التي كادت تهترئ من كثرة ما أخرجها في الماضي !! دليل خيانتها !!..
كلما شعر بالحنين أخرجها لتقويه ..كلما شعر بالضعف أخرجها ليقسو قلبه مع كل حرف من حروفها ..كلما اشتاق اجبر نفسه على قراءتها ليدحض بحروفها أنين الشوق مستبدلا إياه بانين الغضب ، كل حرف منها كان يقتل به شيء ...يقتل لحظات الحنان والحنين ..يقتل بسمات الصبا وضحكات كانت ترن بين جنبات قلبه قبل جنبات البيت الذي صمت بعد رحيلها صمت القبور ..
لكنه ظن انه لم يعد بحاجة ليخرج تلك الورقة ثانية ..ظن انه قتل كل مشاعر وذكرى بقلبه وعقله ..لتأتى نسائم تحمل بعضا من عطرها وعينان تشابهان رسمت عينها لتعود الذكريات تهاجمه معيدة الم الذكرى ووجع الخيانة ..
رفع الورقة مقربا إياها من وجهه ..يقاوم تمزيقها ..ويجبر نفسه رغم اختضاض الجسد داخلا وخارجا ..أن يقرأها ..رغم حفظه لحروفها لكنه يريد أن تتعلق عيناه بالحروف ..حروف خطتها هي بيدها ..حروف لم تنكر أنها من كتبها ..حروف قتلت قلبه وقلب أبيه من قبله ..حروف تثبت جُرم خيانتها ..حروف كونت كلمات تسطر فيها عشقها لآخر ....
غافلته الدموع لتتساقط مشوشة رؤيته للكلمات لكنها لم تمنعه من الاستمرار بالقراءة
( ألا يوجد أمل لنا ..ألن تستطيع أن تحضر لتأخذني من هنا لتنشلني من تلك الحياة الباردة التي تميتني ..أنا لا أحب اشرف هذا الذي فرض علي زوجا لا اشعر بشيء ناحيته ... وجوده بجواري حتى وهو يبثني حبه أو حتى يمسك يدي يتركني باردة ...بينما مجرد ذكر اسمك أمامي يشعل النار بقلبي وجسدي ... عندما أراك ولو من بعيد تجن دقات قلبي ..أنا أكاد أموت حزنا وقهرا لمصيري الذي ارتبط دون رغبتي أو إرادتي بهذا الأشرف .. لماذا يجب علي أن أحيى تلك الحياة مع رجل لا أحبه ولا أطيقه.. لماذا لا تأتي لتنشلني مما أنا فيه ..لنهرب سويا ونعيش معا بعيدا عن كل ما ومن يمكن أن يفرقنا )
لينهي القراءة ويعد الورقة لمكانها ويغلق الجارور بهدوء يناقض اشتعال أنفاسه وصدره باتون لهب الذكريات ..ليستلقي بظهره على فراشه بعقل وجسد منهك ... دون أن يعبأ حتى بخلع حذائه.. بينما يغمض عيناه محاولا أن يهرب من الذكريات التي تطارده ..بل يتمنى لو أن باستطاعته الهرب من نفسه وتاريخه ونزع جلده من فوق جسده لفعلها
.............................

بمجرد أن أدخلت الحالة الأخيرة لغرفة الكشف حتى هرعت مسرعة إلى الحمام الصغير لتعدل من هيئتها التي تشعثت خلال الساعات الماضية ...فالآن سيحين وقتهما معا حيث يبدأ في المراجعة لها..
أخرجت فرشاة الشعر من حقيبتها وأعادت تصفيفه وهي تشعر بالسعادة فحمام الزيت الذي عذبت نفسها به لأكثر من ساعتين في بالأمس وهي تضع فوطة قديمة مهترئة في ماء ساخن وتعصرها جيدا وتلف بها شعرها الذي سبق و أغرقته بزجاجة زيت زيتون كاملة... وتنتظر الفوطة حتى تبرد ثم تعيد الكرة مرات متتالية.. وبعدها قامت بتمشيطه و لفه لفة الطاقية حيث أتت به كله للأمام ثم لفته حول رأسها وثبتته بمشابك الشعر الصغيرة وربطته جيدا بإيشارب قديم لمدة يوم وليلة كاملة أدت لإصابتها بالصداع... لكن كل هذا لا يهم فالنتيجة رائعة وشعرها يبدو ناعما لامعا ومنسدلا وقد قل تشعثه المعتاد ...
هي لا تملك شعرا حريريا لكنه أيضا ليس خشنا أو مجعدا بل متوسط النعومة عندما تعتني به يبدو رائعا.. وعندما تهمله يتشعث بسرعة ويبدو كما لو أصابها صاعقة أوقفته كأسلاك الكهرباء خاصة عندما تستيقظ من النوم ..
كم تتمنى لو كان باستطاعتها أن تقم بعمل احد الأشياء التي تسمع عنها والتي تجعل الشعر حريريا لأشهر طويلة .....ضحكت بسخرية من أفكارها ...
إن زجاجة الزيت التي استخدمتها ما زالت تؤنب ضميرها حتى الآن لتفكر بأمور أكثر كلفة ...عدلت من ثوبها البسيط وابتسمت لهيئتها بالمرأة الصغيرة وخرجت وهي تشعر بالسعادة والثقة ...
رغم أنها بداخلها تعلم أن ما تفعله بدون طائل لكنها لا تستطيع أن تمنع نفسها.. فعشقها لأكرم يفوق قدرتها على منع نفسها من المحاولة رغم علمها بصعوبة الأمر بينها .. خاصة بعد رؤيتها لخطيبته التي قابلتها منذ يومين بالمشفى الجامعي حيث كان لديهم تدريبا عمليا وبعد انتهائه فوجئت بمن يناديها من أمام الباب الخارجي للمشفى حيث وجدت أكرم يقف مع فاتنة شقراء بجوار سيارته العتيقة ..وقام بتعريف كلاهما على الأخرى ..
ليلتها لم تنم من شدة حزنها وقهرها ..لكنها في الوقت نفسه شعرت أن تلك الفاتنة رغم جمالها لا تناسب أكرم ..لا يمكن أن تفهمه مثلها ..هي تبدو غريبة عنهم بمظهرها المشابه للأجنبيات.. لا تنتمي لعالمهما فكيف يمكن أن تسانده وتساعده وهي أشبه بقطعة مثلجات فاخرة باهظة لكنها سهل أن تذوب إن تعرضت لبعض الحرارة ..
لكن تلك الثقة سرعان ما تلاشت وهي تشم تلك الرائحة التي تسبق صاحبتها قبل حتى أن تسمع صوت دقات الحذاء مترافقا مع صوتها الموسيقي الرقيق .وهي تحيها برقتها الفطرية"
"مرحبا هند كيف حالك"
لترد بتحية خافتة وشكر وهي تناظر تلك التي تشع كما الشمس ببهائها وشقرتها وبشرتها الصافية وعيونها العسلية وتسمعها تسأل:
" هل أكرم لديه أحد أم يمكن أن ادخل له مباشرة "
لتغمض هند عينيها وهي تهمس بداخلها يا الهي إنها تشعرني أني بجوارها غوريلا بجوار عصفور ملون ..كيف يمكن أن أفكر بمنافسة جمال كهذا إن كل شيء فيها مرسوما.. خاصة انفها الدقيق وآه من هذا الأنف كم يثير غيظها خاصة حين تقارنه بأنفها هي الأفطس متسع الفتحتين والذي اعتادت وضع مشبك غسيل فوقه لفترات طويلة لتقلل من حجم فتحته ..
لتفيق من شرودها على لمسة يد سارة علي يدها وهي تسألها:
"هند أأنتي بخير؟!! انك شاردة ولا تجيبين"
..لتنهر نفسها بصمت وتجيبها بحرج:
"آسفة آنسة سارة .. أنا مرهقة بعض الشيء بسبب اقتراب الاختبارات" ..
لترد تلك برقتها وصوتها المغرد:
"وفقك الله عزيزتي إذا كنتي بحاجة لإجازة فلا أظن أكرم سيمانع ...هو مهتم جدا بدراستك فأنتي بمثابة شقيقته الصغرى كما أخبرني"
لتجدها تمد يدها إليها لتمسك بكفها بيد شعرت أنها أشبه بالحرير من شدة نعومتها مما دفعها لتغمض عينها للحظة وهي تضغط بأسنانها حتى لا تغرسهم بهذا الكف الممسك بيدها بينما تسمعها تكمل:
"وأرجو أن تكفي عن مناداتي بآنسة ..فلا يصح أن تناديني أخت خطيبي بآنسة فأنا ارغب أن نكون صديقتين..!
قالتها بابتسامة أصابتها بالاختناق و الضيق ..فكيف يمكن أن تكره وتحقد وتتمنى السوء لفتاة برقة وتواضع تلك الواقفة أمامها لكن ماذا تفعل بقلبها ...لحسن الحظ انفتاح الباب المؤدي لحجرة الكشف لحظتها أعفاها من الإجابة .. خاصة مع خروج المريض ليهز رأسه لهم متوجها للخارج ...لتشير هي للباب قائلة بصوت مختنق حاولت مدارة اضطرابه ببسمة أكثر اضطرابا:
" تفضلي فالدكتور متفرغ الآن"
لتبتسم سارة لها برقة وهي تتوجه للباب ..بينما تسقط هند جالسة بقنوط على كرسي مكتبها الصغير وهي تتأوه بخفوت مخبرة نفسها أن تفيق من أوهامها فأكرم لن ينظر لها يوما بوجود خطيبته الجميلة ابنة الحسب والنسب ذات الجمال والرقة ..لترفع يدها لتضغط على جبينها النابض بالألم بينما تحدث نفسها بان حربها خاسرة ..
إن سارة نقيضها في كل شيء.. لا تشتركان إلا في النحول والقامة الضئيلة... لكن شتان ما بين نحولها هي الأشبه بصبي لم ينضج بعد ... ونحول الأخرى المرسوم كفتيات أغلفة المجلات .. أو اللاتي تظهرن في إعلانات التلفاز ..
لتهز رأسها ساخرة من نفسها وهى تفكر ..يكفي عطرها الذي تجزم أنه سيبقى عالقا بالعيادة ليومين ..لتحدث نفسها ساخرة:
"لتأتي نبيلة التي أقامت الدنيا ولم تقعدها عندما أخذت زجاجة عطر "خمس خمسات" شبه المنتهية التي كان أبي رحمة الله يضع منها وهو ذاهب لصلاة الجمعة ..لتهجم على خزانتي أخذة إياها متهمة إياي بسرقتها ..كما لو كنت سرقت خزينة البنك المركزي لا زجاجة عطر بائس رخيص أردت أن أتذكر بها أبي الراحل ...
لتلقي برأسها على المكتب أمامها متنهدة بقوة وهي تمنع نفسها من التفكير فيما يحدث بالحجرة أمامها...
...................
رفع عينيه ليجدها تتهادى أمامه ظنها عند فتح الباب هند قدمت ليبدأ الاستذكار معها حتى اخترقت انفه رائحة عطرها ليعرف أنها القادمة قبل حتى أن يرفع رأسه .. ليبتسم مرحبا وهو يقف ملتفا حول مكتبه لملاقاتها وهو يسألها بتعجب:
"عزيزتي سارة ؟!! أي ريح طيبة أحضرت خطيبتي الشقراء الجميلة لعيادتي المتواضعة في هذا الوقت المتأخر"
..لتنطلق ضحكتها الرقيقة وهي تمد يديها لتسكن بين يديه بينما تجيبه:
"يعجبني ذكائك عندما تلومني على أمر باستخدام جملك المضللة تلك ..اعرف انك لا تحب أن اخرج متأخرة لكني كنت في زيارة لوالدك لأطمئن عليه عندما علمت منك صباحا أنه مصاب بنزلة برد .. وأصرت والدتك أن أبقى للعشاء على أن تقوم بعدها بإيصالي.. وفكرت أن أمر عليك بالعيادة بدلا من انتظارك بالمنزل.. فانا لم أرها سابقا ووالدتك وصفت لي الطريق خاصة أنها قريبة من منزلكم... أحببت رؤيتك وأنت تعمل"
...ليقطب أكرم مفكرا أنه قد وعد هند بأن يراجع معها مادة الطب الشرعي اليوم ...خاصة وقد اقتربت اختباراتها.. وفي نفس الوقت لا يصح أن يترك خطيبته التي حضرت لزيارة والده وحدها ..
ليسمع سارة تسأله عن ما به ويبدو أنها التقطت تعبيراته الحائرة ليجيبها بحرج عن اتفاقه مع هند لتبتسم برقتها المعتادة وهي تجيبه:
"لا مشكلة بإمكاني أن أبقى معكم حتى تنهي المراجعة معها وبعدها توصلني لمنزلي...
لكنك من سيقوم بالاعتذار عني لوالدتك خاصة وهي قد وعدتني أن تطهي لي اليوم إحدى الأطعمة التي تحبها أنت.. بعدما أخبرتني بعشقك لها فطلبت منها أن تصنعها لأتذوقها وارى إن كنت ساحبها مثلك " ليقطب أكرم مفكرا وهو يسألها بتفكه :
"أي وجبة فأنا أحب الكثير ما اسمها "
لتقطب محاولة التذكر دون فائدة
فتغضن جبينها وهي تجيب:
"لا أستطع تذكر اسمها تلك المصنوعة من الباذنجان والفلفل والطماطم" ليقاطعها أكرم ضاحكا:
"لا تقولي لي أن أمي ستطهي لنا مسقعة على العشاء؟!!!
حرام عليك هند إنها ثقيلة جدا على المعدة قبل النوم... يبدو أنك ترغبين أن تقضي ليلتك باستقبال المشفى بتلبك معوي... خاصة ومعدتك ليست معتادة على مثل تلك الوجبات الثقيلة الدسمة "
لتحرك يدها بلا اهتمام وهي تجيبه:
" لا تخش على يا طبيب ..ولا يغرنك نصفي الإنجليزي.. فأنا أقوى مما يبدو"
لتنطلق ضحكات أكرم وهو يهز رأسه بعدم اقتناع بينما يجبها:
" أشك أيتها الشقراء الجميلة أن تستطيع معدتك احتمال مسقعة أمي ليلا ...على كل حال لا يمكنني أن أحرمك من المسقعة التي تصنعها أمي وإلا لن أنجو من غضبها علي ..أما هند فسأتفق معها على موعد آخر.. ربما لو كانت ستنهي محاضرتها باكرا غدا تحضر لهنا أو لبيتنا قبل موعد العيادة فأنا متفرغ لساعتين غدا بإمكاني تخصيصهم لها هيا لأسألها ونذهب للمنزل"
ليتجها معا لخارج الحجرة فيجدا هند واقفة وهي تحمل حقيبتها وكتبها وتبدو مستعدة للمغادرة لتسبقهم بالقول:
"عفوا دكتور لا أظن اليوم سيصلح للمراجعة فأنا اشعر ببعض الإرهاق وأنت تبدو مشغولا فهلا أجلناها لوقت آخر"
... ليبتسم أكرم فدوما ما كانت هند تشعر بما يريده قبل حتى أن ينطقه ليرد عليها بنبرة مرحة:
"ما دكتور هذه يا هند ؟! لا يوجد أغراب هنا لتحدثيني بتلك الرسمية.. على كل حال رتبي مواعيدك لتمري علينا غدا بالمنزل ... بعد عودتك مباشرة من الجامعة لنعوض ما فاتنا اليوم فلا تظني أني سأسمح لكي بالتنصل... وكما اتفقنا سابقا سأقوم بعمل اختبار لكي على ما راجعناه سابقا فلن اقبل أن يقل تقديرك"
..لاحظ بأنها تبدو مضطربة ولا تنظر لعينيه بل تشتت عينيها هنا وهناك مما أشعره بوجود خطب ما لديها وخاصة ...عندما أجابت بهزة رأس شاردة ... ليفكر أنها لابد زوجة أبيها عادت لمضايقتها ثانية ....ليسمعها تشكره بخفوت وهي تسلم عليهم مستأذنة.. ليقاطعها أكرم ثانية:
"انتظري هند ...إننا ذاهبين للمنزل... تعالي معنا فطريقنا واحد ... لتجيبه بابتسامة حزينة أثارت ارتيابه أكثر:
"لا يا أكرم طريقنا للأسف ليس واحدا ..!! "
ليناظرها بحيرة لتستطرد مستدركة:
" أنا سأمر على البقال لشراء بعض الأشياء التي طلبتها زوجة أبي قبل العودة "
ليقطب أكرم وهو ينبهها:
"الوقت متأخر اذهبي للبقال المجاور للعيادة.. لا تخرجي من الحارة في هذا الوقت وحدك ..وان لم تجدي عنده ما تريدين أجليه للصباح فلن تطير الدنيا" ...
لتهز رأسها بموافقة وهي تتحرك للخارج
يتبعها أكرم الذي كان يشعر أن هناك ما يزعج هند.. فلم يشعر بالراحة لجملتها عن كون طريقهم ليس واحدا .. وشعر أنها تعني شيئا مختلفا عن طريق المنزل؟!! ...ليحرك رأسه محاولا تجاهل ما يشعر به ويمد يده لسارة التي كانت قد أنهت لتوها محادثة نصية مع والدها من هاتفها تخبره بها أن أكرم سيوصلها بعد أن تتناول العشاء لديهم... وينطلقا معا لمنزل أكرم بعد أن أغلق الأضواء والباب خلفهم
-----------------------
لا تدري لماذا كانت تشعر بانقباضه بقلبها لازمتها طوال الليل وجعلتها تشعر بالتململ وعدم الراحة ...فلم تهنا بالنوم رغم إرهاقها نتيجة رعايتها لزوجها الذي يعانى من نزلة برد حادة ...وكالعادة يصبح نزقا متطلبا عندما يشعر بالمرض... وإجهادها الناتج عن وقوفها الطويل بالمطبخ لتصنع طعاما مميزا لخطيبة ابنها أكرم التي زارتهم بمنزلهم لأول مرة بالأمس... وبمجرد سماعها صوت أذان الفجر قامت من سريرها ..
ورغم أنها تعلم أن محمد زوجها سيغضب لأنها لم توقظه لصلاة الفجر لكنها شعرت انه يحتاج للنوم بعد أن هدأ سعاله قليلا وخاصة مع تناوله لجرعة علاجه منذ اقل من ساعتين ...ولو أيقظته ربما لن يقدر أن يعاود النوم وتعاوده نوبات السعال.. لتفضل أن تتركه متحملة لومه المتوقع ..على أمل أن يستيقظ أفضل حالا بينما تقوم لصلاتها وهى تستغفر ربها محدثة نفسها بأن ليس على المريض حرج وان الله غفور رحيم ..
لتظل بعدها لما يقارب الساعتين ما بين تنظيف للمنزل وخاصة المطبخ محاولة عدم إصدار صوت يوقظ زوجها أو أكرم الذي قام للصلاة ثم عاود النوم بعدما دخل لحجرة والده ليطمئن عليه دون أن يوقظه ...
كما صنعت كعكة البرتقال المفضلة لدى سامح ...لا تدري لما شعرت برغبة أن تصنعها رغم أنه ليس موجودا ربما لتشغل نفسها ..وبدأت بعدها بإعداد الفطور ..
ورغم كل هذا الجهد ظل هذا الشعور بالانقباض يلازمها... لتنتفض بشعور توجس رفع نبضات قلبها مع صوت طرقات مرتفعة على باب الشقة لترتفع دقات قلبها بعد أن شعرت بها تتوقف وتكاد تسقط بساقيها للحظة .. لدرجة جعلت ساقاها غير قادرتين على حملها لتستجيب لتلك الطرقات التي تنذر بخطب ما ..
وقبل أن تجبر ساقها على التحرك سمعة صوت أكرم يقول بصوت ناعس:
"قادم أيها الطارق ..هل انتهى العالم أم ماذا " ..
لتسمع صوت فتح الباب أثناء قيامها من المقعد الذي كانت تجلس عليه بالمطبخ لتعود قدماها فتخذلها لتسقط عليه ثانية وهي تختض بينما تسمع صرخة أكرم الفزعة باسم أخيه ....
--------------------------

 
 

 

عرض البوم صور سيمراء   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
أقنعة, المصرية, الأقنعة, الذكريات, الثاني, الجسم, بقلم, رغيدا, رواية, سلسلة
facebook




جديد مواضيع قسم رومانسيات عربية
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 02:31 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية