كاتب الموضوع :
عمرو مصطفى
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: جماعة الجمجمة( من سجلات السندباد)
(8)
هرم الجماجم
كنت بحاجة إلى رؤية أقرب ..
تناولت المنظار المقرب من جرابي الذي أحضره لي تنتن وتنتون ورفعته إلى عيني وصوبته ناحية سفينة الجمجمة، لأرى عن قرب ما أثار الرعب والرهبة في نفوسنا..
فوق سطح السفينة كان هناك هرم ضخم.. كنت الأن ألقى عليه نظرة فاحصة ..
إنه هرماً من الجماجم البشرية التعسة.. وليست الذهبية!
لهذا تتحرك السفينة ببطء وحرص..
وحول الهرم كان حشد من الرجال يرتدون برانس سوداء تخفي ملامحهم، ويحنون رؤوسهم في خشوع غريب..
ولم أنس ملاحظة مهمة ..أن الهرم غير مكتمل القمة..
لكن يبدو أنهم مقبلين على إتمامه.. وإلا فما دورنا نحن في هذه القصة.. وهكذا ناولت حميد المنظار لأريه ما رأيت .. والتفت لبقية البحارة ممتقعاً ..حسناً ..لقد اتضح كل شيء يا رجال ..لا ترتعد أيها الشهاب ولا تضطرب يا رشيد ..ولا تولول أيها الطاهي البدين ..لا تندفع يا سبع البحار وكفا عن الصراخ يا تنتن ويا تنتون ..
خفض حميد المنظار عن عينه وبأنفاس مبهورة همس :
- سندباد هل فكرت فيما أفكر فيه ؟..
أومأت له برأسي قائلاً :
ـ لن يتوقفوا إلا عند اكتمال الهرم.. إننا نواجه ـ فيما يبدو ـ طقس من أبشع الطقوس الوثنية ..
ـ وهل سننتظر دورنا ؟..
قالها وهو يناولني المنظار لأرى ذلك الحشد من الرجال أسفل الهيكل يرتدون الفراء وعلى رؤوسهم خوذات تخرج من جانبيها قرون .. كانوا يحركون شفاهم بكلمات رتيبة كأنهم يؤدون صلاة ما.. إنهم ينتظرون لحظة التقارب القصوى بيننا وبينهم..
ورأيت أضخمهم يصعد إلى حيث الهيكل الهرمي ويخلع خوذته منحنياً على أحدى ركبتيه كأنما يطلب البركة من كهان الهيكل.. فيقترب منه أحدهم وبتلقائية يصفعه على قفاه !!
الغريب أنه اعتدل متهللاً ولوح بسيفه صارخاً في سعادة بعبارة ما،
فهاج الرجال في الأسفل وسمعنا هتافهم مرددين :
- أووووووديييييييييين...
ثم عاد يهبط بين رجاله بعد أن باركته كهنة الهيكل وباركت هجومه علينا ..
خفضت المنظار ونظرت للبقية الباقية من رجالي معلناً لهم في صرامة أننا سنواجه هجوم القراصنة برجولة..
قال حميد ممتقعاً :
- ألا توجد وسيلة للتفاوض معهم ؟..
وقال رشيد :
- أنا طبيب ولست محارباً ..
وارتجفت لحية الشهاب وهو يردد :
ـ لم تعد عظام جمجمتي تتحمل عبث القراصنة هذا ..
تجاهلت عباراتهم المتحمسة قائلاً :
- سيلقون بخطافهم ليثبتونا إليهم من ثم يبدأون في جذبنا حتى يتسنى لهم وضع الألواح الخشبية بين المركبين كجسر يعبرون به إلينا ..
قال الشهاب وهو يداعب لحيته في وجل :
- هذا هو ديدن القراصنة أي بني ..
شبكت مابين أصابعي قائلاً :
ـ حينما يبدأون بجذبنا .. سنعمل على مساعدتهم بالتجديف وبكل قوتنا باتجاههم ..
ارتفع حاجبي رشيد قائلاً :
- نتجه إليهم بدلاً من الفرار منهم ..إنها خطة عبقرية ولا شك!!..
قلت له في حدة :
ـ لا تنس أنك طبيب ولست بحاراً..
هنا قال حميد في بطء وهو ينظر إلى مضيقاً عينيه :
- تريد أن تصطدم بهم إذن ..
غمزت له بعيني قائلاً :
ـ لا تنسوا أن تتشبثوا جيداً ..
وانطلق الرجال ليبدأو بالتجديف وانطلقت أنا ناحية الدفة لتوجيهها ناحية سفينة القراصنة ..مشهد اقتراب القراصنة وأنا بمفردي على السطح وسط البحارة النائمون كان كفيل بتحطيم أعصاب أعتى الرجال لكنني كنت مشغول بأمر واحد..
ترى هل ستنجح خطتي أم ؟
هنا لمحت الخطاف يهوى متشبثاً بحافة الخاتون.. كنا في مواقف أخرى نقطع الحبل المتصل بالخطاف ..كم تتبدل الأمور..
وبدأ القراصنة يجذبون الحبل المتصل بالخطاف ..
ورجالي يجدفون بكل ما أوتو من قوة ..
ومع جذب القراصنة لنا من جانب و تجديفنا نحن من الجانب الأخر كانت الخاتون تتجه لسفينة القراصنة بسرعة كافية ليكون الصدام مروعاً ..
وصحت في غل من بين اسناني وقد ماتت يدي على الدفة :
ـ هيا أيها الشياطين قربونا منكم أكثر..
وأخذت سفينة القراصنة تقترب منا بهرمها المهيب ..
وتقترب ..
وتقترب ...
والحمقى لم يفهموا إلا متأخراً ..
الرهبان تركوا تبتلهم حول الهيكل الهرمي ويمموا وجههم ناحية الكارثة المقبلة ..
زعيم القراصنة الضخم توقف عن الصخب ومناجاة إلهه أودين ثم حرك شفتيه بكلمات غير مسموعة لعلها سباب أو لعان..
وقفزت أنا متعلقاً بالصاري المجاور للدفة صارخاً :
- تحياتي لهرمكم المقدس..
ثم كان الصدام ........
وارتجت الخاتون رجة عنيفة جعلت رأسي يرتطم بالصاري وشعرت بالسائل الساخن يتسرب من تحت عمامتي ويسيل على وجهي ..
ثم سمعت صوت الهدير المروع فرفعت طرفي لأرى خطتي قد أثمرت...
لقد بدأ هرم الجماجم يتهاوى من أثر الصدمة..
وفوق رؤوس الجميع ..
صراخ ..عويل ..ضجيج ..ذعر ..أطنان من الجماجم البشرية
تنهار وتدفن تحتها العشرات والعشرات.. لقد انتقمت الجماجم لأصحابها، من القراصنة السفاكين ..
وردد الموج صدى ضحكاتي المنتصرة ..ولوحت بقبضتي صائحاً في انتصار:
- الجماجم تسحق جماعة الجماجم ..
لقد نجحت خطتي ..حمداً لله .. وبعداً لأودين ..
هنا ارتطم جسدي بجسد ثور طائر وشعرت بعظامي تنسحق والثور الطائر يجثم فوق صدري ..
نظرت بعينين زائغتين إلى الكابوس الجاثم فوق صدري ..
أين رأيت هذه الخلقة من قبل ؟..حينما كان يتلقى البركة على قفاه من أحد الكهنة الهالكين ..
مرحى.. لقد نجا زعيم القراصنة من طوفان الجماجم وجاء ليحيلني إلى عجين ..
***
كان يلهث وهو لا يكف عن الهمس بكلام غير مفهوم لكن رائحة أنفاسه الكريهة أدارت رأسي ..
- أوووووودييييييين ...
ولمحت بريق خنجر في يده يستعد ليهوى على عنقي ..
- ألم تفهم بعد ؟..
قلتها من بين أسناني قبل أن أدفع ركبتي بين ساقيه مستطرداً :
ـ لقد تخلى عنك إلهك الوثني ..
أطلق العملاق شهقة عارمة وسرعان ما تهاوى وهو يطلق خوار عجيب ..
وتحررت من ثقله الكابوسي ووثبت قائماً وانا أهتف :
- أسمح لي بأن أباركك بطريقتي الخاصة ..
ووثبت لأركله في مؤخرته ركلة عاتية ..لكن من قال أن الركلات تفلح مع الثيران ..
وسرعان ما كنت أتواثب على ساق واحدة ممسكاً بساقي التي ركلته بها ..
هنا لمحت ثلة من القراصنة يثبون إلى الخاتون وهم يلوحون بسيوفهم ومديهم والشرر يتطاير من عيونهم ..كانوا حوالي عشرة.. لم يكن زعيمهم هو الناجي الوحيد إذن ..
في نفس الوقت اعتدل زعيم القراصنة قائماً وهو يبتسم في مقت .. لسان حاله يقول ..لقد صرت محاصراً بين رجالي ..
هنا لمحت حميد وسبع البحار يثبون على الرجال العشرة من الخلف..
- أخيراً يا حمقى ..
وبدأ الاشتباك ..
كورت جسدي النحيل ودحرجته من بين ساقي الزعيم الذي هوى بخنجره على الفراغ ..وهوى سيف أحد رجاله على يده بالخطأ .. ووثبت من خلفه قائماً وأنا أسمع صوت صرخته المروعة ..
ودرت على عقبي لأراه يرفع كفه المتدلية عالياً ..
هنا رأيت عجيبة ..الرجل الذي ضربه يمد إليه سيفه وهو يحني رأسه في خضوع فتناول الزعيم السيف بيسراه السليمة وهوى بها على عنق الرجل ..
محاكمة سريعة جرت وانتهت بحكم الإعدام ..لقد أراحنا بغبائه من واحد ..
لكنه استدار إلى ممسكاً بالسيف الذي يقطر دماً وقد تجاهل يده الأخرى المتدلية وقال شيئاً وهو يتقدم وعينه تقدح الشرر ..
كان حميد يهوى بسيفه على عاتق أحد القراصنة على حين حمل سبع البحار أحدهم والقاه فوق ثلاثة فأطاح بهم .. ووثب الأربعة الباقون على سبع البحار لكن حميد عرقب أحدهم بسيفه فسقط وهو يتلوى .. وعاد الأربعة الذين أطاح بهم سبع البحار للهجوم مرة أخرى ..
هنا برز رشيد والطاهي البدين وانضما للمعركة ..
وليتهم لم يفعلوا ..
كان رشيد يحمل مطرقة ويلبس منظاره غريب الشكل ظناً منه أنه سيثير الرعب في قلوب القراصنة ..والطاهي كان يرتدي خوذة ذات قرنين سقطت من أحد القراصنة، وهو يمسك بتلابيب رشيد محتمياً به ..لكن رشيد حينما رفع المطرقة وهوى بها
أصاب الطاهي المسكين الواقف إلى جواره ..وتكوم الطاهي وهو يعوى.. على حين تلفت رشيد يميناً وشمالاً باحثاً عن الطاهي فلم يره بسبب منظاره العجيب من ثم هز كتفيه ونفشً صدره قائلاً :
- هرب الجبان ..
وكنت أنا أشاغل الزعيم مبتور اليد بخنجري الذي سللته من رقبة حذائي ..كان الوغد قوياً وضرباته لو قدر لها وهوت على هامتي لفلقتها ..لكنني كنت أعتمد على خفة وزني وسرعة حركتي وعيني تبحث عن ثغرة ..فقط ثغرة ..و ...
كان سبع البحار يقاتل بسيفين بعد أن جندل صاحبيهما وحميد
يثب ليركل أحدهم ويغمد سيفه في قلب ثان ..وجاء الشهاب ملوحاً ببلطة في يده فبرز له أحد القراصنة فرفع البلطة عالياً
مزمعاً تمزيق مهاجمه .. و ..
هنا انتابته نوبة سعال مفاجئة ..وكاد القرصان يطير عنقه لكنه فقد رأسه إثر ضربة عاجلة من سيف سبع البحار فهز سيفه مرتين في الهواء وهو بدون رأس ثم تكوم جوار الشهاب الذي نظر إلى جثته في دهشة صائحاً :
ـ سعلة واحدة أطارت عنقه .. ماذا لو عطست إذن ؟..
وأخيراً لاحت لي ثغرة .. كان الزعيم يستعد ليهوي بضربة جديدة من سيفه فانكشف لي إبطه ..
وسرعان ما انغرس خنجري حتى مقبضه تحت إبط زعيم القراصنة الأوغاد ..
ويدي الأخرى كانت تقبض على ساعده كي لا يهوى بالسيف ..
ورغم إصابتي له كنت أشعر بمدى قوة ساعده وأنا احاول تثبيته ..
متى تخور قوى ذلك الثور؟.. أخيراً حركت خنجري تحت إبطه لأسفل فشق ضلوعه .. أطلق صرخة عاتية ثم هوى بيده المبتورة على وجهي فشعرت بالأرض تميد بي.. وتركت خنجري ناشباً بين أضلعه وترنحت لحظة جهة الحافة ثم بركت على قدمي وانا ألعنه .
ولمحته يقترب منى بخطوات متثاقلة وحاول أن يرفع سيفه ليضرب ضربة أخيرة لكن السيف أفلت من يده ..
ألقى نظرة شاملة على أرض المعركة فرأى رجاله العشرة مجندلين تحت قدمي حميد وسبع البحار فرفع رأسه للسماء جزعاً وصرخ صرخة أخيرة:
- أوووووديييييييين ...
ثم برك على قدميه ..وقال شيئاً ما ـ لعله يلعن سوء طالعه أو يلعن أودين نفسه ـ قبل ان ينكفئ على وجهه ميتا..
وشعرت بساعد سبع البحار القوى يعينني على النهوض وسمعت هتاف حميد يعلوه البشر :
- سندباد لقد فعلناها حقاً ..
كان الدوار قد بدأ يتلاشى رويداً رويداً ..
ولمحت السعادة تعلو الوجوه ..لقد هزمنا الجمجمة.. حمداً لله!
كنا بحاجة إلى أن نبتعد كثيراً قبل أن يتسلل إلينا المزيد من القراصنة الناجين ..
هنا سمعنا أصوات تثاؤب جماعية ..
لقد أفاق البحارة من أثر المنوم الذي شربوه .. وبدأ بعضهم يتسائل في براءة عما حدث ..
لا وقت الأن للتساؤلات يا حمقى ..
فلنبتعد أولاً عن ذلك الجحيم..
***
|