كاتب الموضوع :
عمرو مصطفى
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: جماعة الجمجمة( من سجلات السندباد)
(7)
جمجمة لا أجد لها عبارة مناسبة!
هناك من يعبث بالكوة .. يحاول فتحها بصعوبة ..إذن هو على الأرجح ليس منهم ..
وتعلقت أعين حميد والشهاب بالقادم الجديد و..
- تنتن وتنتون ..!!
هتف حميد والشهاب في نفس واحد وهما يتطلعان لوجهي تنتن وتنتون اللذان أقبلا عليهما بعد أن هبطا من الكوة وأنفاسهما تتلاحق ونظراتهم تبض ذعراً .. سبع البحار رفع طرفه إليهما في إنهاك دون تعيلق ..
على حين تأمل تنتن القيود الحديدية التي تقيد حميد والشهاب وسبع البحار ثم رفع طرفه للكوة وصاح :
- نحن بحاجة إليك ههنا أيها البدين ..
وسرعان ما انبثق جذع الطاهي البدين من الكوة وعلى وجهه أعتى علامات الألم كأن هناك من يعصره عصرا.. كان يحاول تمرير كتل الشحم واللحم عبر الكوة ..أخيراً تكوم على أرض القاع وهو يلهث وقد تدلى لسانه خارج فمه.. وإلى جواره سقط قدوم ضخم كان يحمله معه ..
- أسرع أيها البدين ..هل هكذا تهبط كل يوم للقاع ؟!
وتعاون تنتن وتنتون على جذب الطاهي ليعتدل وهو يتأمل الموجودات من حوله كأنما استفاق من حلم غريب ..ثم اعتدل ممسكاً القدوم وتحاملً لينهض قائلاً :
- لما العجلة يا شباب ؟..
واتجه ناحية الشهاب الذي نظر للقدوم الذي يحمله في رعب وهو يتسائل :
- كيف فررتم من قبضة الثوار ؟..
رفع الطاهي القدوم عالياً واتسعت عيناه بلا داعي وهو يجيب :
ـ لقد دب الخلاف بينهم وانتهزنا نحن هذه الفرصة و.. هوب ..
وأهوى بالقدوم على القيود ..على موضع بعينه فتناثر الشرر .. وصرخ الشهاب في جزع :
ـ احترس يا أبله .. ستهشم عظامي الواهنة ..
- صبراً يا سيد .. هوب ..
ضربة أخرى تهوي فيتحطم قيد الشهاب أخيراً.. تكوم على الأرض وهو يئن ممسكاً ساقيه :
- لقد تيبست قدماي من تلك الوقفة الإجبارية ..
ضربتين سريعتين حررتا حميد الذي صاح في انفعال وهو يحرك ذراعيه في سعادة :
- كنت أعلم أن لنا أعوان بالخارج ..لقد نسينا أمركم تماماً..
ثم التفت إليهم وعقد حاجبيه متسائلاً :
- ماذا فعلوا بالسندباد ؟..
كان الطاهي يهوى على قيود سبع البحار لكنها كانت أغلظ من سابقيها على حين هتف تنتون :
ـ الأغبياء ألقوا السندباد في البحر..
أرسل حميد ضحكة مجلجلة قبل أن يتنهد قائلاً :
- الاغبياء أرادوا قتل السمكة فألقوها في الماء ..لعله مازال يدور السبع دورات حول الخاتون ينتظر أن يلتقطه أحدهم..
هنا تراجع الطاهي ليضرب ضربته الأخيرة على قيود سبع البحار
حينما انتفض سبع البحار وهو يهتف في لهفة :
- إذن سيدي بخير .. مرحى ..
وأمام العيون المتسعة لان القيد الحديدي وانساب من حول عضلات سبع البحار الذي بدا كعملاق ينهض من سبات عميق
نظر له الشهاب في ذهول قائلاً :
- كنت تستطيع أن تفعل هذا منذ البداية يا أبله؟!
أطرق سبع إلى الأرض في حياء فأجاب حميد نيابة عنه :
- كان يائساً ..يظن أن السندباد قد انتهى ولم يعد هناك فائدة من الحياة ..
ثم نظر لسبع نظرة صارمة وتقدم إليه مستطردا :
ـ لكن الحياة لا تتوقف على أحد وهناك سفينة كاملة تحتاج إلى تضافر جهودنا لإنقاذها من الفتن التي حاقت بها و..
هنا تعثرت قدمه في شيء ما وتعالى الأنين المحتج ..
ـ تباً ..انصرفوا عني يا أبناء الأبالسة ..
كان هذا هو رشيد الذي دهسته قدم حميد دون أن يدري.. مازال المسكين يحلم بركلات الثوار، ويحاول أن يتقيها بكفيه.. حتى انتبه في النهاية لحقيقة وضعه، فجال بعينين متورمتين في وجوه الموجودين قبل أن يغمغم :
ـ إذن فقد فر الجبناء !!
انحنى حميد ليفحصه قائلاً في أسى :
ـ لأول مرة الطبيب رشيد يحتاج لطبيب ..
- أي ي ي ي ي ....
تأوي رشيد وهو يبعد كف حميد ثم حاول أن يعتدل قائلاً في إنهاك :
- إنها مجرد كدمات ولا توجد كسور والحمد لله ..
- مرحى يا رشيد ..كلنا بخير إذن ..
تحامل الشهاب على كفيه كي ينهض على قدميه المتيبسة قائلاً :
- المهم كيف سنواجه الفوضى أعلى السفينة ..
لوح الطاهي بالقدوم في انتشاء طفولي قائلاً :
- لقد تدبرنا أمرهم ولو صعدنا للسطح فلن نواجه سوى شخيرهم المزعج.. فقد بدأ مفعول المنوم الذي وضعته في شرابهم يعمل.. إنه نفس المنوم الذي صنعه لي الطبيب رشيد يوماً ما لخدمة الجمجمة الشريرة ..
تهلل وجه الشهاب وهو لا يكاد يصدق أن تنتهى المحنة على يد أخر مخلوق يمكن توقعه على سطح الخاتون ..صاح حميد في حبور :
- فلنصعد إذن للسطح ولنتخلص من الجمجمة اللعينة ونلتقط السندباد قبل أن يفيق البحارة ..
قال رشيد في إنهاك وهو يتحسس وجهه المتورم :
ـ لا تقلق بهذا الصدد .. لو لم يفيقوا في خلال يومين يمكننا أن نشعر ساعتها بالقلق !!
وهكذا انطلقت البقية الباقية من بحارة الخاتون عائدين للسطح..
صحيح أن بعضهم متيبس المفاصل، وبعضهم شوهته الكدمات، لكنهم كانوا يمثلون الأمل الأخير بعد الله سبحانه وتعالى في نجاة الخاتون .. صحيح أن بعضهم مترهل ولا يكف عن اللهاث ..
لكن من يملك ترف الاختيار ؟..
وعلى السطح كان المشهد المتوقع ... عشرات الأجساد المتكومة
هنا وهناك والكل يغط في نوم عميق .. ومن حولهم تناثرت الأقداح الفارغة إلى جوار المدى والسيوف والبلاطي والمطارق التي كانوا يستعملونها في قتال بعضهم البعض ..بعض البحارة كان ينام وهو يمسك بتلابيب البعض الأخر .. والبعض فاجئه النوم وهو يخنق زميله الذي نام وأصابعه تحاول فقء عين خانقه ...
كان مشهداً مؤلماً ومزريا .. وتجمد البحارة الناجون أمامه برهة
ثم شق صوت حميد حجاب الصمت :
- ترى مع من كانت الجمجمة ؟..
صاح الطاهي وعينيه تزداد اتساعاً من شدة الأنفعال :
- مع أصلان ..كان يتجه بها وسط الفوضى ناحية المقدمة ..
زمجر سبع البحار وهو يتجه ناحية الحافة قائلاً :
ـ تباً للجمجمة سأنتشل سيدي أولاً ..
تحرك حميد في خفة وتخطى بعض الأجساد المتكومة في طريقه لمقدمة الخاتون ثم توقف وانحنى يفحص جسد أصلان
الذي انكفئ على وجهه وهو يشخر بصوت مكتوم ..
ثم اعتدل بوجه ممتقع ليعلن للرفاق الخبر السعيد :
- تباً ..لا أثر للجمجمة مع أصلان ..
- لأني تخلصت منها قبلكم ..
واستدار الجميع ناحية مصدر الصوت الذي تردد من ورائهم
وانطلقت الصيحات المرحبة :
- سندباد ..هووورررااااااه ...
***
كي نفهم هذا علينا أن نعود قليلاً للوراء ..
***
- سندباد هل ستترك لهم الخاتون ؟..
ضربت الماء بكفي وأنا أتأمل ذلك السمج الذي قطع علي لحظة الاحتضار في الأعماق ..كان يرتدي ثياب تشبه ثيابي و له لحية كلحيتي ..وينظر إلى بنفس الطريقة التي أنظر بها لنفسي في المرآة و .. أي دعابة سمجة هذه ؟.. قلت له من بين أسناني :
- مرحى إنك تشبهني بشدة يا صاح ..
ثم حاولت أن أمنع نفسي من البكاء مستطرداً :
- رباه ..لقد بدأت أهذي هذيان الموت ..
- هل ستترك الخاتون يا سندباد ؟..
نظرت له في غل صائحاً :
- تباً لك .. إنني أحتضر يا أبله .. ألا تفهم ؟..
- تباً لك أنت .. خذلت الخاتون وخذلت بحارتك ..
- بحارتي !! بحارتي من يا أبله ؟..من ألقاني ههنا إذن لألقى سحنتك الكئيبة ؟..
- أنت تعرف أنهم يتصرفون بوحي شيطاني.. ولا يتصرفون بطبيعتهم .. هناك من بث فيهم بذرة الشر ..كما أنك لن تموت لمجرد أنهم ألقوك في الماء ..لو أرادوا قتلك لربطوا على صدرك حجراً ..ولو تركت نفسك لتموت فأنت قاتلها..
- حتى لو عدت للسطح ماذا عساي أن أقدم لهم ؟..
- الأمل ..
- الأمل في أن يعيدوا إلقائي في الماء من جديد ..
هنا تبدلت ملامح شبيهي بغتة ..صار أكبر سناً وملامحه أكثر صرامة وصوته أكثر غلظة :
- سندباد لا تجعلني ألهب ظهرك بالسياط ..
ارتعدت فرائصي وخرج صوتي مضطرباً :
- أبي خير الدين ..!!
- نعم أنا أبوك الذي حلم باليوم الذي تصير فيه أسطورة يتحاكى بها الناس لكنك اليوم ستتحول إلى أضحوكة جماعة الجمجمة الشقية ..
فكرت قليلاً في كلامه ثم قلت :
- هل تظن ذلك ؟..
هنا هدر صوته المرعب في الأعماق ( لا تسألوني كيف ):
- تحرك يا ولد وانقذ سفينتك ..وإلا ...
ضربت الماء بذراعي وحركت قدمي وأنا أغمغم من بين أسناني:
- سأ.. سأفعل.. فقط صوتك سيوقظ السمك ..
بالفعل عدت للسطح وسبحت حتى اقتربت مرة أخرى من الخاتون الغريب أنني لم ألمح أي تحركات على ظهر الخاتون ..
أين ذهب الثوار الأحرار.. طبعاً فهمت فيما بعد .. أخرجت من كم قميصي المدية الحادة التي أخفيها هنالك لمثل تلك المواقف وانتزعت الخنجر المزركش من رقبة حذائي الجلدي وبدأت رحلة التسلق لجسم الخاتون.. كنت أتألم كلما غرست مديتي أو خنجري في جسم الخاتون وأتمتم لنفسي مصبراً أن كل هذا من أجل الخاتون وقليل من الطلاء سيعيد لها رونقها القديم فقط فلتنتهي تلك المغامرة المرهقة ..
أخيراً السطح.. جلست استرد أنفاسي إلى جوار الأجساد المكومة هنا وهناك.. لقد نام الحمقى لسبب ما لكنها نومة في وقتها...
كنت الأن أنظر بثبات إلى ذلك الجسد المكوم جوار الحافة وإلى الشيء الذي أفلتته يداه وهو يغط في نوم عميق فتدحرج واستقر عند قدمي ..
إلى الجمجمة الشقية ...ولم استمتع بشيء في تلك المغامرة يا رفاق بقدر استمتاعي بإلقاء تلك اللعينة في الماء ..
قال حميد باسماً :
- عود أحمد يا سندباد ..
وصاح الشهاب وهو يسعل :
- لقد كتب لنا ..كح كح ..النجاة مرة أخرى يا .. خخخ .. تفو..
يا.. سندباد.
وتعلق بي تنتن وتنتون هاتفين في سعادة غامرة :
ـ لقد سحقنا القراصنة وعملائهم الأوغاد ..
وابتسم الطاهي البدين ابتسامته البلهاء قائلاً :
- لقد سعدت بالمشاركة في مغامرة من مغامراتك يا ريس سندباد بعيداً عن المطبخ ..هي هي ..
وضمد رشيد وجهه بخرقة مبللة وهو يقول :
- وأنا وجهي تورم من السعادة كما ترى يا سندباد ..
ابتسمت مجاملاً لهم قبل أن التفت إلى سبع البحار قائلاً :
- وأنت يا سبع البحار ..ألن تقول شيئاً ؟..
كان سبع البحار جامداً في مكانه كصخرة وعيناه ثابتتان على نقطة ما خارج السفينة .. ثم قرر أخيراً أن يتكلم بعينان لا تطرفان :
- هناك سفينة تقترب يا ريس سندباد ..
واستدرنا كالملسوعين إلى حيث يشير سبع البحار الذي يصمم في كل مرة على إتحافنا بالمصائب .. وأسقط في أيدينا ..
لقد عاد القراصنة المزعجون ..وفي أحلك الأوقات ..
وبدأ السؤال الملح يدوي في رؤوسنا ..
كيف سنواجه القراصنة بسفينة نام عنها بحارتها ؟..
***
كنا نجدف كالمجانين ..
ثماني أشخاص يحاولون تحريك السفينة الخاتون قبل أن تدركها سفينة القراصنة والنتيجة أن الخاتون كانت تتحرك كأنها سلحفاة ميته ..!!وهذا يعني أن سفينة القراصنة ستدركنا لا محالة وقد صارت متفوقة علينا من حيث السرعة ..وعضضت شفتي حسرة على حالنا متذكراً الأيام الخوالي .. يوم كانت الخاتون تمخر عباب البحر ولا تستطيع أعتى السفن أن تباريها في الخفة والسرعة ..
اليوم ستلحق بها سفينة القراصنة التي كانت مثار لسخريتنا فيما مضى .. وياللعار ..
- لافائدة يا شباب ..
قلتها وأنا أتخلى عن المجداف محنقاً ..فتعلقت بي سبع أزواج من العيون اليائسة المتحيرة ..جذبت نفس عميق ..ثم بدأت أملي عليهم أوامري بلهجة لا تحتمل النقاش :
ـ أنا وحميد وسبع البحار سنشاغل القراصنة ورشيد سيحاول إيقاظ البحارة بأي وسيلة ومعه الشهاب والطاهي ..تنتن وتنتون أحضرا جرابي من القمرة ..
قلتها ولم أنتظر أي تعليقات ..
طبعاً لا شك أن مواجهة القراصنة بثلاثة بحارة أمر يتجاوز حتى حدود الجنون .. حتى لو كان أحدهم هو السندباد ..قال لي حميد ونحن نتجه للسطح :
- هل لديك خطة يا سندباد تجعلنا نموت بسرعة ؟..
قلت له وهواء البحر يلفح وجوهنا :
- لنلقي نظرة أولاً على عدونا وبعدها نحدد ..
وبالفعل كانت هي نظرة واحدة ..لكنها كانت كفيلة ببث الرهبة والذعر في قلوبنا ..
وتبادلت وحميد النظرات الممتقعة وردد الموج هتافنا المبحوح :
- ياللهول ..
فما وجدناه يطاردنا يا سادة لم يكن مجرد سفينة قراصنة .. ما وجدناه كان شيئاً مذهلاً ومبهراً و..
ومرعباً ..
***
يتبع
|