كاتب الموضوع :
شقى الماضي
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: نامي فقد حل الظلام نامي ولاتنسي لقائي في المنام إن الوصال محرم والحلم ليس به حرام
الـــخــاتــــمــــة
في عام 2000 ميلادي، تركيا- اسطنبول..
في فناء المسجد البارد توجد طفلة صغيرة في مهدها، من الساعة الثالثة فجرا حتى الآن وصوت بكائها لم يهدأ، تحتاج من يحتويها ويدفئها بعد ترك أمها لها، قرب وقت الصلاة وإمام المسجد الكبير في السن جاء لـ يأذن ويقيم الصلاة، خطى نحوها متعجب من وجودها هنا، أي قلب يستحمل تركها وسط هذا البرد، حملها في حضنه وهو يحاول أن يهدئ من بكائها ولكنها لم تهدأ، لمس خدها واتلسع من حرارتها، نطق بصوت مذعور وقلبه يؤلمه عليها: حسبنا الله ونعم الوكيل حسبنا الله ونعم الوكيل.
من فجعته ما حس بنفسه، ما عرف كيف وصل لطوارئ المستشفى يصرخ بأنهم ينقذوها، بكائها المتواصل والعالي.. حرارتها العالية فجعت الطبيب اللي عاينها
الطبيب: ما الذي حصل؟
رفع رأسه له وجسمه يرتجف بألم وخوف على هالطفلة الصغيرة: لا أعلم، لقد وجدتها في فناء المسجد هكذا وأسرعت إليكم.
كان هذا آخر شي قاله للطبيب وبعدها دخل للغرفه ليفحصها، مرر يده على جبينه المبتل من التوتر ومسحه، مرت ربع ساعة.. مرت نصف ساعة ولدحين الطبيب ما خرج، دعى بداخله إنها تكون بخير.. ووعد نفسه إنه راح يربيها، ربنا ما رزقه بأولاد يبروه ولعلها هي تكون خير له بعد هالعمر
خرج الطبيب وهو توجه ناحيته واللهفة وضحت بوجهه: ماذا حدث؟
الطبيب تكلم وملامح الألم والأسى سكنت وجهه: مع الأسف لم نستطع إنقاذ الطفلة، البقاء لرأسك عمي.
كان كلام الطبيب وكأنها سهام تنغرس بقلبه، حياة طفلة صغيرة انتهت، ما كان لها ذنب، ذنبها الوحيد إنها كانت لعائلة ما تملك أدنى رحمة، غطى عيونه ولف بظهره ليخفي دموعه، تأثر بموتها وهو ما يعرفها، أصعب موقف مر بحياته
ودينيز كملت حياتها بدون ما تدري إنها قتلت بنتها.. قتلت بنتها وحرمت توأمها من أجمل معاني الإحساس والأخوة، ولكن ذنبها صار يلاحقها في كل مكان، ما توفقت بحياتها.. انطردت من البيت اللي كانت تعيش فيه وأهلها ما رضوا يسامحوها، ودت بنتها دار الايتام مجبورة وصارت تايهة بالشوارع تبحث عن لقمة عيشها، ليـن ما طاحت في إحدى الكازينوهات وصارت وحدة من بنات الليل!
وبعد ما تعدلت حياتها شوي وصار عندها شقة محترمة وأخذت بنتها من الدار لترجعها أحضانها، توقعت إنه حياتها وأخيرا زانت وصارت حلوة، حتى اكتشفت إنها حامل بعدها ما تحملت وقررت الانتحار وتركت بنتها الثانية تعاني بعدها!
ذنب وراء ذنب والنتيجة نهاية تعيسة لها، طفلتين عانوا كثير بسبب تفكيرها الغير سليم، وماهي المذنبة الوحيدة.. مشعل اشترك معاها بالذنب لما تركها بالوسط بعد ما غلط معاها!
** ** ** ** **
في الوقت الحالي 2018 ميلادي
في تلك البناية المشؤومة
رجاله يحيطونهم ولم يبدوا أي انفعال
فهذا المشهد المأساوي متكرر لهم
جثة مرتمية لشاب صارع الموت
وفتاة شابة تريد اللحاق به
تثبت يده الممسكة بالسلاح على صدرها
وعيناها تحثه على ضغط الزناد حتى ينهي حياتها
تلاحظ جموده ونظراته الثاقبة..
صمته المريب يخيفها لتصرخ: اطلق وريحني! ايش تستنى يا أمير؟ ايش اللي تبا توصلّو؟ اطلق وريحني.. لا تجنني!
أمير: أريحك؟ تتوقعي إني أباكي ترتاحي؟ جت بتنطق بس هو ما خلا لها مجل وكمل بسرعه: اذا تبي تموتي راح تموتي، بس ابدا مو بدي السهولة.. ما حتموتي بطلقة وحدة في قلبك وبس.. فيه كلام لازم أقولك هوا قبل ما أقتلك بالطريقة اللي أباها!
كلامه جننها، ايش يبي يسوي فيها أكثر من كذا؟ مو كفاية انه أخذ روح الروح؟ ما يكفيه؟ هي ايش سوت له، في ايش اذته حتى يوجعها لهدرجة، حاولت تلملم نفسها وشتاتها لأنه واضح اللي بيقوله راح يصدمها، نطقت بصوت مبحوح: قول اللي تقولو، بعد ما قتلتو قدام عيني، ما سار يهمني شي.
تقولها وعيونها مليانه دموع، أنهارت على موت فارس وترجته يقتلها، والحين تحاول تثبت قوتها وصمودها حتى في آخر لحظات حياتها، بس بكلامه بيرجع كل انهيارها وكل قوتها بتتبخر: في أول مرة شفتك رجعت البيت وعلى طول أمرت واحد من رجالي يبحث عن كل شي يخصك وطلبت ادق التفاصيل عنك، ولما جات أوراقك أكتر شي اثار استغرابي هوا اسمك مو منسوب لمشعل ومكان ولادتك تركيا، بحثت وبحثت عنك أكتر واتعمقت فيكِ وفي مشعل، حتى انصدم انو ما اتزوج غير وحده وهيا فرح.
تغريد هنا لما نطق اسمها ارتجف من الخوف، وعلى طول جاء ببالها موقفها معاها في المستشفى ربطت خوفها وتهربها منها بسببه: ايش سويتلها!
أمير: داك الوقت لسا ما سويتلها شي بس طبعا ما وقفت عندها بديت رحلة بحث تانيه ووصلت لها في النهاية، اشتغلت في المدينة وفي شقة لحالها عندها سواق يوصلها للدوام ويرجعها وفي الويكيند تروح لأهلها، نجي للمهم دحين، كلمتها وسالتها عنك وعن مشعل، ما أتكلمت.. هددتها كم مرة بس حلفت انها ما تنطق بحرف عنكم، طبعا أنا عشان ما أشغل بالي قررت أني بنفسي اروح لتركيا أشوف ايش هرجتك انتي وابوكِ، وعرفتها بعد ما وصلت لصحبة أمك المقربة وقالتلي كل شي، بدون تردد.
تغريد ما بين خوفها من كلامه وكيف يقدر يطلع أي شيء يبغاه نطقت بسخرية ما قدرت تخفيها: انتا ليش قد كدا مهتم فيا، تعبت نفسك وبحثت وسافرت بس عشان تعرف ليش اسمي مو منسوب لبابا؟ قد كدا كنت شاغلة بالك؟
امير بنفس سخريتها: ما كنتي شاغلة بالي كتر ما كنت ابا أعرف هل تستحقي تعيشي ولا ما تستحقي..، طالع فيها بتحدي: وطلعتي ما تستحقي.. لانك بنت زنا.. وأشكالك ما يستحقوا يعيشوا، ودامك طلعتي في وجهي أنا ما حرحمك!
هالكلام أثار أعصابها، صرخت بحرقة ودفته: انتا واشكالك اللي ما يستحقوا يعيشوا، حرام عليك كلمة انسان، يا قاتل يا مغتصب، الله ينتقم منك..، وبحرقة أكبر: الله ينتقم منك!
رفع يده كدلالة لإستسلام ساخر: اوه صراحه انجرحت لما ناديتيني بدي الالقاب!
تغريد جسمها صار ينتفض بغضب، تلفظه عليها حسسها بإهانة كبيرة، وما تقدر ترد كرامتها المهدورة بوجود كل هذولا الرجال المعدومين الرحمة، شافته يقرب منها وخبث كبير بوجهه وهو يقول: اصبري اسمعي كلامي لا تثوري كدا بسرعه.
دفعته مره ثانية وثالثة وهي تصرخ: ما عاد فيا صبر يا أمير، اقتلني وخليني أرتاح.
مسك يدينها وكبلها بقوة يمنعها من ضربه: اصبري ما وصلنا للشي اللي اباه لين دحين، رجعت السعودية ولقيت انو فرح تبا توصلكم باي طريقة عشان تقولكم عني وانا عشان اريح راسي منها تدري ايش سويتلها؟
ما ردت عليه.. بس عيونها رجعت تمتلي بالدموع وكأنها كانت عارفة الجواب بس ما تبا تصدق أفكارها، ما تبا تعرف إنها فقدت شخص غالي عليها
ثبت عيونه بعيونها يبا يشهد انهيارها وبكائها للمرة الثانية، وبنبرة امتلت حقارة وتعدتها: قتلتها وفي شقتها، يعني مو انا اللي جيت وطلقت النار عليها بس كل شي كان بإرادتي وتخطيطي، أتعاونت مع سواقها انو يسمح لرجالي يدخلو شقتها ويقتلوها وهوا يشرد بدون ما تتلبسو أي تهمة، وفي النهاية تدري ايش سار؟ القضية اتقفلت وسارت قضية انتحار بدال قضية قتل.
رمشت كم مرة بعدم استيعاب ومن ثم نطقت بضياع.. بالم فقد جديد: ايـــش؟
ارخى قبضته على يدينها حتى يهمس: فــرح مــاتــت!
لما عاد كلمته شهقت بألم ورجولها ما عادت تشيلها، ترتجف حتى تطيح وهي تبكي بصوت مكتوم وآهات مكبوته، دحين عرفت سبب خوفها.. عرفت سبب تهربها وتشتتها، ويا ليتها ما عرفت!
نزل لمستواها، دحين أرضى حقارته، كرهه للناس اللي مثلها تعدى كل شيء، وبرضو لكرهه أسباب عاشها في صغره، رفع وجهها له وبنفس نبرته الهامسة الخبيثة: لساتك تبي تموتي؟
حركت رأسها بالايجاب ودموعها تنزل وراء بعض دون توقف، معلنة للكل عدم رغبتها بالعيش مع هذا الوجع أكثر من كذا: أقـتـلـ..ـنـي وريــحـ.ــنـــي.
أمير رجع يمسك مسدسه، فتح زر الأمان ووجه فوهته لقلبها: طيب اتشهدي قبل ما تموتي.
غمضت عيونها وهي تتمنى إنها تلاقي السلام والراحة بعد موتها
وهو جاء بيطلق إلا صوت رجولي غاضب زلزل أركان البناية منعه: أمــــــــــــــيـــــــــــــر!
تغريد قلبها فز من سمعت صوته المألوف، رفعت عيونها ناحيته حتى تقول بصوت هامس مصدوم: جــــابــــر!
نطقت اسمه وعيونها صارت تبحث عن الشخص الثاني اللي تمنته يجي وينقذها قبل ما يصير هذا كله، تمنته ينقذها قبل فوات الاوان مو دحين!
دخل وشعور الغضب يسيطر عليه ممزوج برغبة الانتقام اللي خطط لها من سنين، دخل من وراه رجاله وبسرعة فضيعه بدأوا ينتشروا بالمكان ويحاوطوا رجال أمير حتى صاروا أضعاف مضاعفه من عددهم لدرجة انهم مستحيل يقدروا يواجهونهم، صدمة أعتلت ملامح وجه أمير وهو يشوف هالشخص اللي أقتحم المكان
ما قدر يخفي ابسامته الشامتة، وبداخله مخبي له الكثير من الصدمات وهذي مجرد البداية، بدأ يقرب منهم وهو رافع سلاحه ومن ثم ينطق بحده: سيبها، لين متى وانتا تدمر حياة الناس ما كفاك اللي سويته..، صرخ بحرقة: ما كفاك اللي سويتو في أختي..، كمل وهو يسحب أزرار الامان ويوجه السلاح بوجهه: سيبها قبل ما أفرغ السلاح دا في راسك.
أمير بخبث: أنا جالس اسويلها معروف، حاجه هيا طلبتها وأنا جالس البي لها طلبها!
جابر بصوت عالي حتى يسمعه اللي برا: مـــعــــتـــــز دخــــلــــهـــا!
تغريد على هالاسم اللي وقع على مسامعها فز قلبها مرة ثانية، وكل انتباهها وتركيزها اللي كان معاهم تشتت وصار مع اللي داخل ومعه بنت يسحبها، ببهذلتها وشهقاتها اللي ملت المكان انقبض قلبها عليها
قرب معتز منهم وهي معه وملامحهم اللي كانت غير واضحه انكشفت لأمير وصدمة جديدة وأقوى تلقاها وبقهر ما قدر يخفيه: مرتي ايش تسوي عندكم يا كلاب..، وبغضب طالع معتز: وانتا يا الخسيس طلعت جاسوس عندي.
جابر باستهزاء: لا تخاف ماحنا مغتصبين ولا قاتلين، بس طلبت منك انك تسيبها وما سبتها ودحين قررنا نتعامل معاك بالطريقة اللي تفهمها..، طالع فيها بحده: اتكلمي.
نطقت بشهقات متتالية.. حاولت فيها تعدل صوتها: أمير الله يخليك سيبها، ماخدين سيف ومهدديني فيه..، كملت برجاء ودموعها زادت: سيبها ولا تضرها لانو سيف راح يتضرر!
معتز كمل عنها لما حس إنها ما تقدر تكمل من بكاها: واذا ما أتضرر راح يعرف كل بلاوي أبوه، عاد وقتها كيف حتطالع في وجهو ما أدري!
امتلى قلبه بالقهر، عرفوا نقطة ضعفه الوحيدة، ولده سيف، لو جابوا زوجته مقتولة ما أهتم كثر ما يهمه ولده ونظرته له، راح يترك تغريد، بس مو بهالسهولة، رفع نظره لجابر.. مو قبل ما يحرق روحهم باسترجاع ذكريات الماضي: طيب حسيبها، بس قبل كدا بسألك، كيف كان السجن؟ ناسبك؟ قدرت تتأقلم فيه خلال سته سنين؟
جابر جاوبه بكل ثبات وثقة: كانت تجربه أتعلمت فيها كتير، ما حسيت بعمري يروح وأنا أتعلم وأكتشف كل يوم شي جديد وانو اللي حوليا كانوا خونه، دي التجربة كشفت لي أوجه الناس وأزالت أقنعتهم، بعدها عرفت مين هوا عدوي ومين هوا صديقي.
عرف انه ما حرك فيه شعره لما طرا له هالموضوع.. قرر يمسكه من ناحية حساسه وممكن توجعه: طيب زوجتك طلعت عدوتك؟ شكلها في أول محنه واجهتها سابتك.. ويا حسرتك على حبك لها وجنونك فيها.
جابر بتحذير: أميـــر، شكلو جسمك يحكك يحتاج ضرب لين ما عاد تحس فيه صح؟
أمير لساته مصر إنه يطلع اسوأ ما فيه ويجننه، هو يعرفه ويعرف كيف يخليه يفقد أعصابه: وميار؟ طيب ميار قلي ايش سارلها؟ خطيبها معاها ولا سابها برضو؟ يا حظكم الخايب، الاخت وأخوها ما عرفوا يرتبطوا بالناس الصح ويكونوا معاهم وقت حاجتهم!
جابر يحس كل جسمه يحرقة وهو ينطق اسمها على لسانه، يدينه تحكه تبا تقتله، ياما تخيلها تحاوط رقبته وتعصرها، وغليله يشفى لما يشوفه يصارع الموت بين يدينه وبين رحمته، وقتها ما راح يرحمه، وقتها ما راح يسمح لأحد يمنعه، راح ياخذ ثأره بيده وبطريقته، بس دحين لقوا الفرصة المناسبة ليسلموه للعداله وما راح يضيعوها من بين يدهم، وجاء الوقت اللي تظهر حقيقته للناس!
جابر بصرخه: أنا ما اتحسفت ولا ندمت غير إني اتعرفت على واحد حقير زيك، ندمي إني وثقت فيك واعتبرتك واحد من أخواني، وفي النهاية تطعني بشرفي وبعرضي يا حقير..، سحب نفس عميق يحاول يهدي حاله وبعدها كمل: شوف.. اذا اتكلمت بكلمة زيادة صدقني موتك اليوم على يدي، وما أقول انك أنسان وارحمك، يلا سيبها ولا ترا بتندم وتتحسر في ولدك!
زوجته بكت أكثر وبحرقة نطقت: أمير الله يخليك لا تستفزو، لا تنسى سيف وتتهور!
تغريد كانت تتابع بصمت حوارهم الغامض جدا، حاولت تربط بين المواضيع، تحاول تعرف ايش ذنب هالمسكينة اللي مع معتز يجروها لهالمكان ويهددوها بولدها، كل اللي طلعت بيه انه أمير اغتصب هالميار اللي تشبهها وهي أخت جابر ومعتز خطيبها، طيب هي ايش موضعها بالضبط وليش في كل مرة تلاقيهم بوجهها ينقذوها!
ومعتز كان كالعادة يحاول يسيطر على انفعالاته وغضبه، يحاول يتمسك بهدوءه ولا يهجم على امير، صورتها تدور بمخيلته.. هي اللي تمنعه من كل تصرف مجنون يقوده للهلاك لما يتذكرها ويتذكر إنها بانتظاره، عكس جابر اللي بايعها.. وكل همه يأخذ بانتقامه ويسترد حقه بأي طريقة!
فجأة صوت سيارات الشرطة طغت على المكان، وللمرة الثانية هالبناية اقتحمت، دخلوا وكانوا كثيرين بـ زي الشرطة الموحد، موجهين أسلحتهم ناحية أمير ورجاله.. حتى ينطق أحدهم بصوته الجهوري: ســلــم نــفــســك.
جابر ابتسم بتلذذ وهو يشوف جميع الانفعالات على وجه أمير، صدمة.. غضب.. قهر.. شيء ما يتوقعه انه يمسكوه في مكان جريمته ورجاله شهود عليه: مفاجئه!
وعلى هالكلمة جن جنونه، صرخ بعصبيه: حاقتلها والله العظيم أقتلها وأخليها تلحق بحبيبها!
أقترب منه وشد على سلاحه وبتحذير: أمــيــر، أصحك تلمس شعره منها!
صرخ بغضب معلن انهزامه وقلة حيلته لأول مرة، بس مستحيل يروح بدون ما يترك بصمته عليهم، بحركة سريعة رفع سلاحه ناحية جابر لتنطلق رصاصة وتستقر بكتفه
تغريد شهقت بفجعه وحركته المفاجئة هذي تشبه حركته لما قتل فارس، حطت يدها على فمها وعيونها امتلت بالدموع
رجال جابر ومعتز فقدوا أعصابهم.. للحظه كانوا راح يهجموا عليه بس جابر رفع يده السليمة ناحيتهم، تعابير وجهه الجـامدة وثباته رغم الرصاصة اللي استقرت بكتفه ما يدل على انه بيتوجع بس الحقيقة إن كله يحارب الألم المسيطر عليه.. يموت ولا يظهر له ضعفه: سيبوه، من هنا مهمتنا انتهت، سلمنا واحد من المجرمين للشرطة ودحين دورهم، وبعد اللي شافوه بعيونهم، ما لهم عذر يطلعوه لنا بحقه، كل شي واضح وبشاعته واضحه!
زوجة أمير بدت تمسح دموعها المزيفة وهي تشوف الشرطة تمسك رجال أمير، وأمير معاهم يصفدوا يدينه، يسحبوه للسياره ويدخلوه غصب عنه مثل الذليل، شكله اللي ما توقعت إنها راح تشوفه، هو اللي ياما ذلل وأهان، دحين تشوفه مذلول ومهان، مشهد يبرد حرة السنين التعيسة اللي عاشتها معاه، كل اللي سوته قدامه كان مسرحية، وولدها في مكان آمن محد يقدر يمسه بسوء!
مشى جابر ناحية تغريد اللي كانت تطالع في اللي يصير بعدم استيعاب وبلا ردة فعل.. كأنها مو مصدقة، مد يده اليسرى لها حتى يساعدها على الوقوف: تعالي، دحين انتي بحمايتنا ومحد حيأذيكِ!
نقلت عيونها الدامعة ما بينه وبين جثة فارس الهامدة، حتى تقول بشفاه مرتجفه: و.. وفــ..ـــارس؟ ليه ما جيتوا قبل ما يموت؟ من بعدو ما تهمني حياتي!
ما يدري كيف لها حيل تعاتب وتأنّب بعد اللي عاشته وبالرغم من هذا نطق بهدوء غير معهود عليه بسبب شفقته عليها وعلى حالها: ليش ما تهمك؟ ابوكِ يستناكِ، لا تكوني أنانية وتنسيه، لا تطلبي الموت ولسا عندك ناس يحبوكِ!
أخيرا ولأول مرة قررت تتخلى عن عنادها، في النهاية هي في حال ما يسمح لها تعارض أو تتمرد أكثر، قامت من على الأرض بمساعدته وقبل ما تمشي التفتت وراها والقت نظرة أخيره على فارس، غمضت عيونها بألم مزق قلبها وزفرت بـ أهـ حاره تساوي حرارة جوفها، كيف راح تشوف أهله بعد كذا، كيف بتحط عينها بعين بتول.. خاله اميرة.. عمو وليد، بسببها وعشانها مات، ما راح يسامحوها.. في الأساس هي ما راح تسامح نفسها ومنظره هذا ما راح تنساه طول حياتها، فتحت عيونها وناظرت جابر وسألته: أمير منجد حيتعاقب ولا حيقدر يخرج منها!
جابر بثقه ممزوجه بتعب من جرحه: ما يقدر يخرج منها لو ايش كانت واسطتو، سمعتو حتسير في الحضيض، ولا أحد حيفكر يساعدو!
خرجوا من البناية، وكانت سيارة الإسعاف تنتظرهم، معتز كلمهم عن الجثة الموجودة بالداخل، جابر وجثة فارس دخلوا لسيارة الإسعاف ويحاولوا يوقفوا نزيف جابر من كتفه، تغريد دخلوها في أحدى السيارات اللي جو بيها مع معتز وزوجة أمير ماشيين وراء سيارة الإسعاف
جالسه في المرتبة وملامحها كساها الحزن والكآبه، ما نطقت بحرف من لما دخلت، عيونها على الطريق بتوهان وتشتت، بدت رؤيتها للأشياء تغبش، ضغطت على رأسها ورمشت عينها كم مرة تحاول تفوق، بس الالم النفسي والجسدي كان أقوى منها، أسودت الدنيا بعيونها ومال رأسها على كتف زوجة أمير اللي بجانبها!
حست بثقل رأسها على كتفها فالتفتت لها حاولت تعدل لها راسها ونطقت: تغريد، تغريد..، انفجعت لما ما لقت رد منها.. فضربت خدودها بخفه: تغريد تغريد قومي! تكلمت بـ فزع لمعتز اللي كان بجانب السائق: معتز تغريد أغمى عليها!
التفت لها وقطب حواجبه: ايش؟ ومن ثم وجه كلامه للسائق وبنفس فزعها: بسرعه يا محمد، حتى لو أتعديناهم!
** ** ** ** **
منهار على أرضية الحمام المبللة..
غير مبالي بنداء والدته باسمه..
عيناه مثبته على تلك الزجاجة الحادة بالقرب من معصم يده
وفكرة واحدة مجنونه تدور بباله
الانتحار!
وبالخارج هناك والدته
سمعت صرخته المدوية ومن ثم شعرت بصمت مهيب
صمت مريب لم يبعث الراحة لها..
ارتجفت وبدأت الوساوس تخيفها..
طرقت الباب مرة أخرى وأخذت تنادي بـ اسمه مرة أخرى بنبرة باكية: مشعل لا تسوي في نفسك حاجة، أنا كيف حعيش بدونك، طيب على الاقل لا تفكر فيا فكر في بنتك، في تغريد!
وعلى اسمها اللي سمعه وعى على نفسه، خفف من قبضته على الزجاجة وطاحت على الأرض، يناظر يده المرتجفة بعدم تصديق للخطوة المجنونة اللي كان راح يسويها، كيف كان راح يسويها ويترك تغريد لحالها ويخليها تذوق نفس هالوجع مرة ثانية.. كره نفسه واللحظة اللي استسلم فيها لضعفه، قام ووقف وهو يمرر يده على وجهه.. يأخذ نفس عميق ويرجع شعره لورا، يحاول يجمع نفسه قبل لا يخرج لامه اللي انهلكت من خوفها عليه وبداخله يستغفر ربه لعله يسامحه على فكرة الانتحار!
خرج وشعور الذنب تملكه وهو يشوف امه جالسه على السرير وتبكي، كل خوفها انه يأذي نفسه، تكلم والضيقة بانت بوجهه: أمـي.
وقفت أول ما شافته ونطقت بعتاب وهي تقترب منه: مشعل.. حرام عليك تخوفني كدا، الله يسامحك فجعتني عليك.
مسك يدينها ونطق بحنان: أنا آسف، واعتذر منك لاني رفعت صوتي عليكِ تحت.
سعاد بهدوء تحاول ما تضغط عليه: قلي يا ولدي انتا ليش سويت كدا، مو عارف بكمية الخطر اللي سويتو.
مشعل: والله داري، وانا مو مجنون حتى اقول كل دا في اللايف بدون سبب..، كمل وهو يحاول يخفي النار اللي بجوفه: هددوني بيها يا أمي، قالوا إنهم حيقتلوها اذا ما سويت اللي يبوه!
سعاد شهقت بخوف: مين دا يا مشعل، ايش مصلحتو من دا كلو!
مشعل بقهر: ما أدري ما أدري، بس متاكد انو اللي وراه شخص كبير، كبير لدرجة مركز الشرطه معتبرينني ولا شي ومنصاعين لكلامو..، كمل بحسرة: آخخ آخخ لوا ذراعي بيها!
سعاد بالم وهي تفكر بحال تغريد: يا وجعي عليكِ يا تغريد آه الله ينتقم منو الله لا يوفقو!
** ** ** ** **
مكة المكرمة..
ينتظر منها كلمة بشغف ممزوج بخوف
فإما كلماتها ستنهي زواجهما أو تحييه
سيطيعها وإن كان بعدها عذابًا له
حاوط كفيها وعيناه تحتضن عيناها بحنان
بحنان يضعفها هي..
ابعدت كفيها وشتتت نظراتها عنه
لا تريد ادنى تصرف منه يؤثر على قرارها
صمتت لفترة حتى نطقت بثبات: أحتاج فترة أفكر فيها بذهن صافي، دحين وفي دي اللحظة متأكدة اني ما حاخد القرار الصح!
عبد العزيز أقترب منها بهدوء ورجع يحاوط يدينها ويثبت عيونه بعيونها: خدي الوقت اللي تحتاجيه، ووقت ما تحسي نفسك أخدتي القرار المناسب.. كلميني.
رزان ما ردت، دقات قلبها بتزداد بعنف.. تعترف إنها تعشقه وتأثيره عليها قوي، سحرها من لما طاحت عيونها عليه.. ومتأكده إن عمرها ما راح تنفك من سحره، بس تقدر تمثل عكس اللي تحسه وبجدارة: طيب.
قرب منها أكثر وهو يعرف تأثير لمساته عليها، غمضت عيونها وحست بالدفا ينتشر بجسدها وهي تحس بشفايفه تطبع قبلة على جبينها، ابتعد عنها وابتسامة هادية انرسمت على وجهه: انتبهي على نفسك.
بالقوة منعت نفسها من الرد "وانتا كمان انتبه على نفسك" اكتفت إنها تقولها بداخلها، بعد ما خرج من الغرفة جلست على أقرب كنبة لها وكلها ضايع، بين كبريائها وعشقها له، يا ترى ايش راح تختار؟!
** ** ** ** **
جدة
انصعقت وهي تسمع الكلمة اللي خرجت من فمها، كل خوفها وفزعها عليها وعلى حالتها تبخر، موسعه عيونها على وسعها وتناظر انهيار رنين بـ صدمة، أختها الكبيرة اللي تشوفها كـ مثال للتعقل والرزانة والهدوء، تغلط هالغلط مع إنسان متخبط وغير متزن مثل فيصل؟
كل اللي كانت تسمعه صوت أفكارها لين ما طغت شهقات رنين على مسامعها حتى ترجع للواقع، أخذت نفس عميق.. تحاول ترتب كلماتها عشان لا تقول كلمة تزعلها.. غلطها كبير صح، بس بنظرها هذي أختها الكبيرة وما تقدر تزعلها: طيب ايش حتسوي؟
رنين تحس عقلها توقف عن التفكير.. تحس أنه هالمصيبة ما لها حل، جنونها حاليا مو مخليها تفكر بعقلانيه، كل اللي تفكر فيه إنها إنسانه غبية.. وثقت بالشخص الغلط.. أعطت قلبها وروحها وجسدها لشخص ما يستحقها، في الوقت اللي كانت هي صاينته وما تناظر غيرة حتى لو نظرة إعجاب كان هو يخونها.. يسحب بنت وراء بنت لسريره، ضاربها وضارب حبهم بعرض الحائط!
جود تقطع قلبها على حال أختها، مسكتها وسحبتها للسرير لتجلسها عليه، تحاول تهديها بكم كلمة لعلها توقف بكائها، بعد فترة بسيطة هدت شوي، بس ما زالت دموعها تنزل وراء بعض على خدودها، تناظر الجدار بشرود، تفكر كيف تتخلص من هالمصيبة اللي حلت عليها، فيصل يبا يطلقها.. وهي أبدا ما عندها اي مانع.. كرهته بعد الصور اللي اترسلت لها وبينت لها حقيقته.. بس اللي في بطنها؟ ايش مصيره؟ كيف بتخفي الفضيحة هذي، لازم تلقى حل سريع غير إنها تسقطه!
فجأة قامت وهي تمسح دموعها وتلتفت لجود: جود أخرجي، أبغا أنام!
جود ما قدرت تسكت فتكلمت بسخرية ممزوجه بصدمة: ايش؟ تبي تنامي؟ منجدك تقوليها يعني حصدق أنو النوم حيجيكي بعد دا كلللو؟ صارت تعدد لها باصابعها: أول شي تغريد مختفية وبعدين مشعل اتكلم كل شي لايف وكانو شي عادي ولما كنتي برا بتول كلمتني تقول إنو فارس برضو أختفى، قبل شويه ندى وبنتها ومضاربتهم ودحين انتي، كللل دي المصايب فوق راسنا تتوقعي النوم حيجيكي؟
رنين بجمود ينافي حالتها اللي قبل شوي: أنا من أمس تعبانة وما نمت كويس على فكرة، يعني لو حطيت راسي على المخدة حنام على طول!
جود رفع يدينها باستسلام: والله بكيفك، بس صراحه برود أكتر من كدا ما شفت!
رنين ما أهتمت لكلامها.. واساسا فيه فكرة ببالها ممكن تحل مشكلتها.. ومالها حيل حتى تفكر بمشاكل غيرها، يمكن أنانية ايوا بس دحين المفروض هذا اللي يصير.. ما تفكر إلا في نفسها وبس، لازم ترتاح بعد هاليوم العصيب وتنام، متأكدة إنه تنتظرها أيام أصعب من هذي بكثير!
وجود خرجت وهي متأكده إن رنين تجننت، تجننت بعد اللي سواه هالفيصل الحقير!
** ** ** ** **
لمحة من الماضي..
داخل إحدى السجون..
يمشي بممرات السجن، بجانبية الأيمن والأيسر حارسين.. يدينه مكبلة بـ الأساور الحديدة، لحيته طالت وتخللتها بعض الشعيرات البيضاء.. أعطته منظر أكبر من عمره ما كأنه شاب توه بالثلاثينات! بس فعلا شبابه اندفن هنا وسط هالجدران البالية والغرف المظلمة، اندفن بغير حق وظلم كبير تلقاه بحقه، بس ميــن يسمعه وهو ليس له حول ولا قوة؟ ماله غير الصبر وانه يقوي إيمانه بربه!
وأخيرا وصلوا المكان المقصود، شباك الزيارات اللي غاب عنه فترة طويلة! ماله أحد يزوره، من لما دخل السجن وهو منقطع عن الزيارات، فكوا يدينه ورفع عيونه للشخص اللي زاره
غضب.. غضب وجنون تملكه وهو يشوف هالعيون الخاينه.. الناكرة للجميل واللي خذلته في عز حاجته، هجم عليه وهو يغرس أصابعة بحدايد الشباك، يتمنى يخلعها حتى يبرح الشخص المتخبي وراها ضرب، صرخ بغضب وهو يهزها: انــتــا ايــش جــابــك هـــنــا؟!
بـ فزع رجع بـ عدة خطوات للوراء، اندفاعه وغضبه فجعه.. ما توقعه لأنه ما تعود عليه وهو كذا، رفع عيونه له وبصدمه من هالانسان الغريب المتغير كليًا: جابر؟!
نطق بحقد فاض من عيونه ونبرته: ايوا جابر، قلي مفجوع؟ أنفجعت مني؟
عدل وقفته ومن ثم رجع يقترب منه وعيونه مثبتها بعيونه: اتغيرت!
جابر بقلة صبر: قلي ايش جابك يا معتز ولا خليني أخرج، ما أبغا اضيع ولا لحظة معاك!
معتز سكت لفترة وهو يتأمل شكله، كيف كان وكيف صار، مو بس مظهره الخارجي اللي تغير حتى شخصيته تغيرت ولاحظ هذا الشي من عيونه، نطق بهدوء: جابر.. أنا آسف، يمكن سبتكم في أكتر وقت تحتاجوني فيه، بس ما قعدت بدون شي، سنين سارلي وأنا أبحث، أبا اعرف مين سبب تعاستنا وبؤسنا!
جابر نطق بحدة: أخرج من هنا، أخرج، مابا اسمع مبرراتك وكدبك، فينك من أول يا معتز، دخلت السجن سارلي تلاتة سنين واختي ما أدري ايش سارلها، انا هنا وهيا برا.
معتز بثقة: ميار عندي.. ما أتخليت عنها، بعد ما عرفت انك دخلت السجن وهيا سارت لحالها أخدتها عندي، وما رف ليا جفن الا لما عرفت من السبب في دا كلو!
جابر بشك: عرفت مين؟
معتز: ايوا عرفت، وبعد كم يوم حشتغل عندو.. حاتقرب منو وأسير شخص يثق فيه، وبعدين حقلب الطاولة عليه، حمسك شي ضدو وبعدها أخليه يندم على كل شي سواه!
جابر قطب حواجبه بعدم ارتياح: مـــيـــن هـــوا؟
معتز بهدوء وهو يدري انه راح يفجر قنبلة عليه: أمير لؤي الــ#####!
في الوقت الحاضر..
فتح عيونه بصعوبة.. رؤيته للأشياء ضبابية وبيحاول يستوعب هو فين
الشخص اللي بجانبه فز لما شاف عيونه ترمش عدة مرات، وقف واقترب منه وهو يقول: جابر.. الحمد لله على السلامة.
قطب حواجبه والتفت بشويش ناحية الصوت حتى ينطق بصوت مبحوح: ايش سار؟
معتز: ما سار شي، بس سووا لك عملية عشان يخرجوا الرصاصة اللي في كتفك!
جابر وهو مقطب حواجبه بالم من الوخزات اللي يحسها بكتفه: معتز زبطلي السرير أبا أشرب موية.
معتز سوا له مثل ما قاله، مد له قارورة الموية وشرب منها وبعدها سأله: ايش سار لها؟ اتصلتوا باهلها؟
معتز جاوبه وهو عارف انه يقصد تغريد ما غيرها: ايوا أتصلوا على ابوها ودحين هوا معاها!
جابر: طيب والولد؟
معتز بـ حسرة: قصدك فارس؟ أخدوه على غرفة التشريح، ولسا ما أتصلوا على أهلو.
جابر بعدها ما رد عليه، اكتفى بانه يريح ظهره ويغمض عيونه براحة شبه جزئية، نصف همه انزاح، باقي شي وحيد.. يشوف موت أمير بعيونه!
في الغرفة المجاورة..
جالسة على السرير، ساندة ظهرها عليه ويدها الموصولة بالمغذي في حضنها، مثبته عيونها على الابرة المغروسة بظاهر كفها وشعور الوحدة سيطر عليها لما فتحت عيونها وما لقت شخص تعرفه بجانبها، مجرد ممرضات موجودين لـ يعتنوا فيها
فـراغ كبير بداخلها.. وكأن روحها نزعت من جسدها بعد رؤيتها موت فارس قدامها، غمضت عيونها وهي تحاول تسترخي وتريح نفسها، وما تدري أي راحه بتلاقيها بعد اللي مرت فيه!
انفتح باب الغرفة داخل منه مشعل بلهفة بعد ما قالوا له الممرضات إنها صحيت، تقدم لها بعدة خطوات وبنبرة دافية: تــغــريـــد.
فتحت عيونها على صوته، شافته وابتسامة باهته انرسمت على شفايفها: بــــابــــا!
سرع بخطواته ناحيتها ولمها لصدره بحنان كبير وحب لها
دمعت عيونها وبدورها حاوطته وهي تسمعه يتمتم بـ: الحمد لله الحمد لله انك صحيتي.
بعد مرور فترة بسيطة وهو محتضنها ابتعد عنها شوي ومن ثم حاوط وجهها بيدينه: ها يا بنتي قوليلي انتي كيف، كويسه؟ حاسة بـ شي يوجعك؟
تغريد بهدوء: لاا الحمد لله تمام، ما أحس بشي..، مسكت كفه اللي على خدها ونزلتها: يكفي انك هنا..، كملت بغصه: لما صحيت وما لقيتك استوحشت المكان.
انفطر قلبه عليها ورجع يحاوطها لصدره وهو يقول باسف: معليش والله أنا كنت موجود قبل ما تصحي بس عرفت انو واحد من الرجال اللي جابوكِ هنا متصاوب فرحت أسال عنو وعن عمليتو كيف مرت، وأول ما قالتلي الممرضة انك صحيتي جيتك!
تغريد ما ردت عليه، اكتفت إنها تدفن نفسها في حضنه أكثر وهي تحاول تخفي دموعها..
بعد فترة سمعوا طرقات على باب الغرفة، تغريد بعدت عن مشعل وهو وقف بعد ما دخلوا شخصين بـ مظهر جدي حتى يتكلم أحدهم: الحمدلله على السلامة..، كمل وهو يمد يده ليصافح مشعل: أنا الضابط ماجد الـ#### جاي أسأل بنتك كم سؤال بخصوص مقتل فارس الـ#### كونها شاهدة على الحادثة، واللي معايا راح يكتب اللي تقوله.
مشعل: الله يسلمك بس ما تقدر تأجلها لوقت تاني؟ دوبها بنتي صحيت وما أبا شي يضغط عليها.
تغريد بهدوء: بابا.. عادي!
مشعل باعتراض: لا بس مو شايفــ…
تغريد قاطعته بجدية: حتى لو كنت بالتقط آخر أنفاسي حاتكلم واقول كل شي!
مشعل مع إصرارها هذا ما قدر يمنعها، حرك رأسه برضوخ وقال: تمام وأنا راح أكون موجود هنا.
الضابط جلس على الكرسي بمقابلها وبدأ يوجه لها الاسئلة، وهي تجاوبه بادق التفاصيل ورجائها الوحيد إن أمير يأخذ أشد العقاب، والرجل الثاني اللي معه يسجل اللي تقوله، بعد ما انتهى قام من الكرسي ووجهه كلامه لهم: تمام، كدا خلصنا واشكركم على تعاونكم، دحين نستأذنكم.
تغريد تكلمت قبل ما يخرج: حضرة الضابط.
…: نعم.
تغريد بتردد: دحين أمير حياخد عقابو؟ حتثبت عليه الجريمة؟
…: حاليا ما أقدر أحدد لك، بس أتاكدي إن المجرم ما راح يفلت من عقابه اذا ثبتت إدانته!
** ** ** ** **
خطى المحامي إلى صالة البيت، أخذ نظرة سريعة لها، كلمة وحدة توصفها.. فخمة، بسقفها المرتفع.. تتوسطها نجفة ضخمة تنشر الضوء الأصفر في أرجاء الصالة، جدرانها تتخللها بعض النقوش الذهبية.. جلس على الكنب بقماش فاخر بـ اللون الأبيض الناصع، حس بالتوتر يسيطر عليه، كل خوفه إن هالثراء الفاحش اللي تكوّن بعد سنين من الشقاء والعناء ينمحى!
رفع عيونه للرجل النازل من الدرج الحلزوني ويتوجه نحوه، وقف له باحترام وهو مستشعر هيبته وحضوره القوي: صباح الخير سيد لؤي، ان شاء الله تكون بخير!
لؤي رجل في نهاية الخمسينات، مظهره ما كان أقل فخامة وهيبة، ما يظهر عليه العجز أبدا، شكله كان معاكس لـ عمره رغم التجاعيد المرسومة ببعض تفاصيل وجهه، نطق بصوت رخيم وهو يجلس بالكنبة المقابلة له: إن شاء الله يكون خير، ايش دي الزيارة الغير متوقعة في دا الصباح؟
حرك رجوله بعدم ارتياح.. خايف من ردة فعله بعد ما يسمع اللي راح يقوله: ما أقدر أقول اني جايبلك أخبار تسرك!
لؤي مازالت ملامح وجهه باردة.. ما يعرف أي مصيبة واقع فيها: قول.
بلع ريقه ونطق بتوتر واضح: أمــيــر في التوقيف.
لؤي: طيب خرجوا من هناك ايش تستنى؟
المحامي: هنا المشكلة يا سيد لؤي، ما حاقدر اخرجو بكل سهولة، أو بمعنى أصح.. امكانية خروجه مستحيلة والقضية الموقوف بيها ما هي عاديه ويمكن…
انشدت ملامحه لما سكت فجأة: ايش فيه كمل؟
المحامي: راح ينسجن ويمكن ينقتل!
لؤي قطب حواجبه: انتا ايش جالس تقول؟ ليش ايش سوا دي المرا؟!
المحامي برهبه: راح أحاول اخرجو باي طريقة بس ما أوعدك.. لانو دي المره اللي سواه صعب صعب مره انه يتجاهل.
أخذ نفس يحاول يتمالك نفسه وبعدها قال: قولي ايش مسوي دا السرسري كمان، وصل لـ 30 وما عقل.
بعد فترة
انشدت ملامحه بغضب وهو يسمع كلامه، ولده رماه للهاوية بعد أفعاله.. مستحيل يتغاضوا عنها دام كل شيء صار واضح للعلن، ضرب الطاولة الخشبية اللي بيناتهم، الأشياء اللي فوقها انتفضت مثل انتفاضة جسده لـ يصرخ بعصبية: مستحيل، تدري ايش راح يسير بعد دا يا اسامة، كدا أنا اتدمرت، سمعتي شركتي فلوسي كل شي حيروح بغمضة عين.
اسامة بصوت مرتجف: أدري ادري يا سيد لؤي، وامير كان بنفس وضعك يباني اخرجو باي طريقة صدقني ححاول، للآن كلمت شخصين من معارفنا وواحد منهم بعد ما عرف ايش الهرجة بطل يساعدنا.
لؤي ضيق عيونه بحذر: والتاني ايش قال؟
اسامة: لدحين ما رد، بس متأمل انو ما بيخذلنا.
وقف من مكانه وهو يتنفس بشدة: بسرعه أبا اشوفو.. دحين دحين.
قام اسامة بدوره وحرك رأسه بالايجاب: إن شاء الله!
** ** ** ** **
واقفة عند باب الغرفة، تراقب بنتها وهي تجمع أغراضها بجمود، نطقت بنبرة بارده غير معهوده: لا تسيبي حاجة من أغراضك! خديها كلها معاكِ.
ميس سكرت سحاب شنطتها ومن ثم عدلت وقفتها بكبرياء وهي تلتفت لها بتحدي: لا تخافي أخدت كل شي يخصني ويخص عبودي كمان!
استفزتها النظرة المتحدية اللي اعتلت عيونها، بس تجاهلتها.. مصيرها بتندم.. مصيرهم بـ يرجعوا لها وما يتمنوا غيرها!
ندى: خلاص سواقكم تحت البسي عبايتك وخدي عبد الله!
شافتها تعطيها ظهرها وتخرج من الغرفة، أخذت نفس عميق ونزلت الشنطة للأرض حتى تسحبها وراءها، لين دحين مو مصدقة تصرفات أمها، طردتها لهم.. قوتها بعد أنهيارها أمس.. ثباتها وهي تشوفهم يجمعوا أغراضهم، فيه شي مو مريحها، بس برضو ما راح تترجاها تسامحها، راح تتجاهلها!
** ** ** ** **
بالمستشفى
بعد خروج الضابط مشعل واقف ومصدوم من الكلام اللي سمعه من تغريد، قالت إن أمير من فترة بـ يزعجها، يطلع لها بكل مكان ويرمي عليها كلام مو مفهوم، حكته عن اللي صار لها بالمنتجع في الهدى وإنها تعرضت لمحاولة الاختطاف واللي انقذوها هذاك الوقت هم نفسهم معتز وجابر ورجالهم وطلبوا منها تخفي أمرهم لـ سبب ما تعرفه، وأخيرا لما راحت لفارس وهي مقرره تعترف بحبها له حتى يخطفها أمير!
وتغريد تتحاشى النظر له، تدري إنه مستغرب، من متى وهي تخفي شيء عنه، من متى ولها أسرار ما يدري بها، وهي كانت ما تبا تضيق صدره على أشياء كانت بنظرها تافهه وما تسوى، بس للأسف غلطت لأنها ما خبرته عن مضايقة أمير لها!
مشعل وده يسألها ويعرف ليش اخفت عنه.. بس فضل إنه يسكت حتى لا يضغط عليها زيادة، قرب منها ببضع خطوات وانحنى حتى يقبل رأسها: بنتي أنا بخرج شويه وراجعلك تمام.
تغريد أرتاحت نوعا ما لأنه ما سألها عن شيء: حتخرج من المستشفى؟
مشعل: لا مو خارج، ما حطول أقل من نص ساعه وراجع.. عبال انتي اتمددي وارتاحي، أوكي؟
حركت رأسها بالايجاب: تمام.
بعد ما تطمن عليها خرج من الغرفة متوجهه للغرفة المجاورة، دخلها بعد ما طرق الباب عدة مرات.. وبنبرة هادية ألقى السلام: السلام عليكم.
معتز تفاجأ وهو يشوفه جاي عندهم هنا: وعليكم السلام.
مشعل وعيونه على جابر المتمدد على السرير: الحمد لله على سلامتك.
جابر: الله يسلمك
جلس على الكرسي المقابل لهم وصارت عيونه تتفحصهم بطريقة أثارت استغرابهم، ينقل عيونه مابينهم بصمت وأفكاره توديه وتجيبه وعدة أسأله تدور برأسه وأخيرا نطق: إنتوا ايش قصتكم؟
جابر قطب حواجبه: عفوا؟ ايش قصدك؟
مشعل بجدية: سؤالي واضح، أبا اعرف ايش قصتكم وايش علاقتكم بأمير وبنتي!
معتز: بيننا وبين أمير ثأر قديم، أما بنتك ما تمت لنا بأي صلة أو علاقة!
مشعل: وليش هداك اليوم في الهدى انتوا أنقذتوها وبرضو اليوم أنقذتوها من أمير!
جابر: وجودنا في الهدى كان مجرد صدفه!
مشعل بغضب: لا تحاول تكدب عليا وتقنعني إنها صدفة، مستحيل انها تكون صدفة طيب قولولي ليش طلبتوا منها ما تقول عنكم لما أنقذتوها؟
معتز تنحنح وتكلم بسرعه لـ يتدارك غضب مشعل: تمام حقولك بس ما تقاطعني أبدا!
مشعل أخذ نفس عميق يحاول يهدي نفسه: طيب أنا بسمعك.
معتز: قبل 7 سنوات كان أمير صاحب جابر.. كانت علاقتهم عادية بس مع مرور الايام صارت تقوى، حتى إنو جابر أستغرب تقرب امير منه، ما كان يدري إنه حط أخته بباله وأخته أصلا خطيبتني وكنا متملكين وقتها.
سكت شوي وهو يحاول يضبط نفسه وبعدها كمل: أمير سوا اللي بباله وأحنا ما كنا عارفين مين اللي سوا فيها كدا وما كانت تجاوبنا لأنها مرت في حالة صدمة، بعد كم شهر وجابر خلالها كان يحاول يعرف مين وصل أخته لدي الحالة بس ما فاده كل ما يقرب يتخرب كل حاجه لين ما أتدبس في النهاية في قضية مخدرات امير حطها في سيارته عشان يتخلص منه وما يقعد ينبش وراه، بعدها أنا خليت ميار تعيش عندي لأنو ما كان لها غيري لين ما اتحسنت نفسيتها وقدرت تتكلم أخير بعد الصدمة وقالت انه أمير.. عرفته لأن جابر كان يعزمه للبيت، وبعدها بديت ابحث ورى أمير ولقيت إنه شخص سيء لأبعد الحدود، سرت أشتغل عنده كأحد رجاله جاسوس وبنفس الوقت واحد من رجالي كان معايا.. عبد الاله، أمير ما كان يعرفني لانو ما قد شافني ولا انا ما كنت اعرفو، ولمدة 3 سنين وأنا أحاول أتقرب منه وأشوف ايش نقطة ضعفه.. وقبل فترة أداني اسم وحده طالب مني أبحث عن أصغر تفصيل لها.
أخذ نفس وبعدها طالع فيه بجدية: وهيا كانت بنتك، وبطلب من أمير سرت أبحث عنها وبديت أشوف فين تروح وفين تجي، وأكتر شي لفتني فيها هوا شبهها لميار، وأعتقدت إنو أمير طالب مني أبحث عنها لدا السبب، أنا ما كنت متأكد من نية أمير ناحية بنتك وايش يبغا منها بالزبط.. لأنه أساسا بعد ما جبت له كم معلومه عنها بدا يتحفظ بـ بحثه عنها لنفسه وما كان يطلب مننا أي شي، وبالصدفه سمعت من عبد الاله إنه طلب منه ومع مجموعه رجال إنهم يخطفوا تغريد في الهدى، وبكدا عشان نحميها حجزنا في نفس منتجعكم، ولما حاولوا الرجال يخطفوا تغريد منعناهم..
مشعل نطق بألم: ما أنكر فضلكم لما انقذتوها في الهدى، بس ما قدرت تعرف بخطة أمير التانية لـ محاولة خطفها.
معتز: مع الاسف أمير كان شاكك فيا وفي عبد الاله، فما قال لنا عن خططه أبدا، عبد الاله ما كان موجود وقت خطف تغريد مع فارس بس كان موجود بالبناية وهو قالي انو لازم أجي وأمير سوا اللي بباله، حاولنا نوصل للبناية بأسرع ما عندنا، أتصلنا بالشرطة ودا اللي قدرنا عليه، صحيح تأخرنا ومع الاسف خسرنا فارس وانتا ضحيت بسمعتك بس على الاقل تغريد خرجت بسلام، ويكون في علمك إنو زوجة أمير كانت في صفنا بعد ما عرفت إنها بتعاني معاه حاولت أكسبها والحمد لله قدرت.
مشعل ما عرف ايش يقول، بس جدا تأثر من قصتهم وحس بكمية المعاناة اللي سببها لهم أمير فنطق بكره: وأمير حياخد جزاءو؟
جابر وأخيرا تكلم بنفس نبرته الكارهه: حابذل كل اللي عندي ليـن ما أشوفو قدامي يموت.
مشعل وقف وهو يحط يده على كتف جابر السليمة ويشد عليها: وأنا حأكون معاكم في كل حاجة تسووها تخص أمير، وبالذات إنو قتل ولد أعز أصحابي.
معتز حرك راسه بالموافقة: لا تشيل هم وان شاء الله كلنا حنشوف موت أمير!
مشعل بعدها أستأذنهم ليخرج من الغرفة وأعتذر على اسلوبه الهجومي بالبداية ورجع أتحمد لجابر بالسلامة
جابر أرخى نفسه على السرير وتكلم بغيظ ما قدر يخفيه: كان باقي شوية ويقول انتوا السبب بخطف بنتي، مستفز!
معتز وهو يحاول يكتم ضحكته: وأنا من أول استناك تتضارب معاه، بس كويس شكلك هجدت وبطلت من جفاصتك!
جابر: مين قال اني بطلت؟ بس حاليا انا في وضع ما يسمحلي اتمشكل مع أحد، وغير كدا يعني تقدر تقول شفقان على مشعل دا.. ما أبغا أزيد عليه واتضارب معاه!
معتز ابتسم: شفقان على الابو وندمان على تعاملك مع بنته.. يا خي عجبتني أخلاقك اليوم.
جابر: يلا عاد زودتها كل شوية تذكرني باللي قلتلك عليه!
معتز عدل جلسته بجدية: لا منجد ايش كنت تحس وقتها حاط عقلك بعقلها!
جابر بعدم اهتمام: ايش اسويلك طيب، كان واضح من شكلها إنها دلوعة وحركاتها مجغة.. رسمت لها صورة خاطئة ببالي، ما كنت مقتنع بفكرة إنها مستهدفة من أمير.. قلت ايش يبغا من دي الطفلة، بس منجد الكلب دمرها ما أتوقعت يسوي كل دا فيها!
معتز زفر بعمق: الحمد لله انو اتمسك!
جابر: الحمد لله!
الصمت ساد بيناتهم لفترة حتى تكلم معتز بعد تردد: شوف بقولك شي.. بس اوعدني انك تكون هادئ!
جابر: قول ايش في؟
معتز: لما كنت في غرفة العمليات فجر اتصلت عليا!
انشدت ملامحه بجمود وهو يسمع اسمها وبنبرة بارده: ايش تبا؟
معتز: عرفت انك اتصاوبت وتبا تزورك!
قطب حواجبه ونطق بعصبية وكره ما قدر يخفيهم: دي ايش دراها بكل حاجة تسرلي؟ حتى رقمك جابتو!
معتز: والله ما أدري عنها، بس أنا ما اديتها جواب أكيد، قلت خليني اسألك أول شي.
سكت لفترة بسيطة وبعدها نطق بهدوء: اتصلبها وقولها تجي!
معتز بدهشة: حتديها فرصة تانية؟
جابر: في أحلامها، بس خليها تجي عشان تعرف قدرها عندي وإنها سارت مجرد ماضي ومستحيل أرجعها لذمتي مهما ابدت ندمها!
** ** ** ** **
فتحت باب البيت بمفاتيحها ودخل وراها عبد الله، نادت الخادمة بصوت مرتفع حتى تسمعها: مريم.. مريم تعالي.
جاءتها الخادمة: نعم مدام.
ميس: فين بابا؟ في غرفتو؟
الخادمة: بابا مو موجود في البيت، قبل شوية خرج.
ميس استغربت من عدم وجوده بالبيت مع إنها قالت له إنهم راح يجوا.. متعوده إنه يستقبلهم بكل حب: اها أوكي، طيب دحين منصور يجيب الشنط وانتي طلعيها لغرفنا.
الخادمة حركت رأسها بالإيجاب: حاضر مدام.
** ** ** ** **
مركز الشرطة..
جالس بزاوية الزنزانة النتنة اللي حطوه فيها، مغطي أنفه بطرف كمه يسد الروائح الكريهة الصادرة من الموقوفين معاه وعددهم كثير بالنسبة لمساحة الزنزانة..
دخل الشرطي ووراءه لؤي اللي ما كان أقل من ولده، اشمئز واستنكر المكان، وبداخله سب ولده اللي خلاه يدخل مثل هالأماكن!
لما لمحه أمير فز واقف بطوله وهو يتوجه لأبوه، نطق برجاء وهو يتمسك بالقضبان الحديدية: أبويا.. أكيد انتا جاي تخرجني من هنا صح..، طالع في العسكري: يلا افتحلي الباب ايش تستنى!
لؤي بغضب: قدي كدا واثق من نفسك؟ بعد كل البلاوي اللي مسويها تبا تخرج يعني؟ ما بيدي شي أسويه ليك طول عمرك في السجون حتتعفن!
أمير جن جنونه من آخر كلمة نطقها: مستحيل، أنا ما حقعد هنا أكتر من كدا، حخرج حخرج سوي اي شي وخرجني!
لؤي بنفس غضبه: أسامة قال انو أمل خروجك جدا ضعيف، فاهم ايش يعني كلامو دا؟ كل التهم موجهة عليك..، مسك ياقته وشدها بقوة: انتا كم بنت أغتصبتها، الاولى وأتزوجتها ودحين دي التانية.. أخوها وزوجها واقفين معاها ضدك، قلي مين كمان فيه وأنا ما أعرف، وبعدين أنتا اشلك ببنت مشعل تخطفها وتقتل الولد ليـش ليــــش!
أمير: قتلتو عشان أحرق قلبها!
نفض يدينه من ياقته بغضب ومن ثم رجع شعره لورا وأعصابه تلفت من هالبرود اللي فجأه نزل عليه: نكبتني حرقتني يا أمير طيب ليش دا كلو ليش دا الحقد شوف حالتك دحين بسبب أفعالك مبسوط يعني؟
أمير رفع رأسه ناحيته وبنظرة فهم مغزاها: مو أنتا اللي قلتلي من وأنا صغير انو أولاد الزنا ما يستحقوا يعيشوا؟
توسعت عيونه بصدمه من كلامه وسرعان ما رجع يمسكه من ياقته وهو يصرخ: انا قلتلك كدا يعني تقوم تحاول تقتلها وتسوي كل دا يا أمير، الله ياخدك.. الله ياخد جنونك، خليك أتعفن في السجون ولا عليا منك، وان شاء الله تاخد جزاءك وأكتر!
قال كلامه وبعدها دفعه وهو يلف حتى يخرج..
أمير تكلم بنبرة عالية حتى يسمعه: اذا انحرقت انتا حتنحرق معايا، حتخسر كل شي زي ما أنا بخسر.. خلي دا الشي في بالك.
** ** ** ** **
بالمستشفى
دخلت الممرضة بعربية الأكل حطتها على جنب وبعدها قالت: هذا طعام الغداء، دجاج وأرز مع عصير التفاح.
مشعل: شكرا.
تغريد تكلمت بعد ما خرجت الممرضة: يوه ماليا نفس آكل ما أبا.
مشعل رفع حاجبه: وأنا ما حسيبك إلا لما تخلصي الصحن كلو..، قام من كرسيه وأخذ صينية الاكل لها: يلا عدلي جلستك عشان تاكلي.
تغريد برجاء: بابا الله يخليك مابا آكل.
مشعل: مع الاسف أنا جدا مصر انك تاكلي وتخلصي صحنك، كلي وصحصحي نفسك شويا وامي والباقيين حيجوا هنا!
تغريد قطبت حواجبها: ايش؟ وليش يجوا؟
مشعل: جايين عشان يشوفوكي ليش يعني!
تغريد: ما يحتاج يجوا مو لازم، اساسا اليوم حخرج!
مشعل رفع حاجبه: اليوم حتخرجي! أنا ماحخرجك إلا لما أتاكد مية بالمية إنك بخير.
تغريد: الحمد لله ما فيا إلا العافية وما يحتاج أقعد أكتر من كدا اتصلبهم وقولهم لا تجو!
مشعل سكت لفترة يفكر وتغريد لما حست بصمته تكلمت: بابا انتا تدري انو جو المستشفيات ما أحبو ووجودي فيها يخنقني، فـ بليز سجلي خروج من هنا اليوم.
مشعل زفر وهو يرك رأسه بالإيجاب: طيب حسوي اللي تبغيه بس أول شي كلي.
تغريد: أوكي حاكل ولا يهمك!
** ** ** ** **
نزلت رنين الدرج للصالة وشافت أمها وجود وندى لابسين العبايات وتحمسين حتى يشوفوا تغريد ويتطمنوا عليها
ندى تكلمت بعد ما شافتها ما هي متجهزة مثلهم: رنين يلا ألبسي عبايتك حنروح دحين.
رنين: ما حنروح!
جود رفعت حاجبها: على كيفك هوا وليش ما نروح؟
رنين: مشعل دوبو أتصلبي وقالي لا تجو!
سعاد: وي على كيفو هوا..، كملت بسرعه وهي تعجلها: يلا احنا نروح!
رنين بجدية: ماما ترا مشعل بيتكلم من جدو قالي انو اليوم تغريد حتخرج فمالو داعي تجوها وتتعبوا نفسكم.
جود: طيب هيا بخير لدرجة انو عادي المستشفى يخرجوها؟
رنين: ايوا اعتقد وأصلا تغريد هيا تبا تخرج قرفانة من المستشفى وما تبا أحد يجيها.
ندى: طيب دحين حيجوا؟
رنين: لا في الليل.
سعاد: تمام كويس، أهم شي انها بخير حبيبتي والله انو قلبي يوجعني عليها.
جود: ماما كلنا حزنانين عليها، جد جد خفت اني ما عاد أشوفها.
ندى بابتسامة: يا حبك للتفليم.
جود: ايش اسوي والله خفت.
رنين تركتهم يكملوا كلامهم طالعه للدرج، دخلت غرفتها وهي تتوجهة للكمودينة وتفتح درجها لتطلع صور فيصل من الظرف، جلست على السرير وصارت تمرر الصور وحدة ورا الثانية.. تحفظها في عقلها وتحفر جرح بقلبها حتى يتبدل عشقها له إلى كره، أخذت نفس عميق وبعدها مسكت جولها تبحث عن رقمه وتتصل عليه، حطت السماعة في إذنها لما رد وقالت: الو….…مستغربة كيف رديت عليا بدي السرعة…..المهم عشان لا أطول بالكلام حابة أقولك بسرعه إنو لازم نتقابل…..ايوا نتقابل وبعدها نحدد ايش هوا مصيرنا…...طيب حددلي يوم تكون فيه فاضي.
قفلت السماعة بعد ما أتفقوا على يوم محدد، شدت يدها على الصور وعيونها تفيض من الحقد: حتندم يا فيصل، والله حتندم!
** ** ** ** **
بالتوقيف..
تمشي ورا الشرطي بكل ثبات، فتح الباب وتكلم بنبرة صارمة: عشرة دقايق وبس بعدها تخرجي!
حركت رأسها بالإيجاب، وكملت مشي بخطوات مترددة عكس ثباتها قبل شوي، تبا تشوفه مذلول مرة ثانية، تبا قلبها يبرد أكثر، مشيت ناحيته وشافته يناظر الجدار بسرحان تام لـ درجة إنه ما حس بوجودها إلا لما نطقت باسمه
…: أميـــر!
رفع رأسه ناحيتها وبصدمة: مهــا! انتي ايش جابك هنا.
مها بحقد: جاية أتشمت فيك طبعا..، ناظرت المكان اللي هو فيه بسخرية: بس هوا دا اللي يقدر عليه أبوك، انو ينقلك من زنزانة لزنزانة، وفي الوقت اللي تحسب انك رحت لمكان أفضل حتستوعب في النهاية إنك محبوس بين أربع جدران، كلها نفس الكآبة ونفس الوحشة!
أمير قام من الارض وعلى شفايفه ابتسامة ساخرة: دحين انتي كل دا في قلبك؟ لساتك ما أتقبلتي حياتك معايا؟
مها: دا ولا نص من اللي في قلبي! كيف تباني أتقبلك وأنا لساتني ما نسيت كيف خدعتني وأنا بنت، أوهمتني بحبك لين ما استدرجتني لشقتك، استغليت مراهقتي، وسويت اللي في بالك، وبعدها سرت تبتزني، ولما حملت منك رميتني، أهلي اتبرو مني بسببك، قلي مين غيري أكلها وأتهان؟
أمير بحدة: وانتي ما قصرتي، جيتي عند ابويا وقلتي إني أغتصبتك والحقيقة إنك سلمتي نفسك بكل رضا!
مها صرخت بقهر: ايش تتوقع مني بعد ما دمرتلي حياتي وخليتني أخسر كل شي؟ ولا تنسى انك أنتقمت في ليلة الزواج، ضربتني لين ما نزفت وسقطت الجنين!
أمير بنفس نبرته الحادة: أعيدها للمرة المليون يا مها، أولاد الزنا ما يستحقوا انهم يعيشوا، ولو أنك ولدتي دا الطفل كان أنا قتلته برضو!
مها رفعت حاجبها وقالت: انتا لين دحين متعقد من هرجة أمك يا أميــر؟ تبا تكون على نفس منهج أبوك لما قتل أمك هيا وجنينها اللي بالحراام؟ متعقد من دي الهرجة وتحط كل عقدك عليا وعلى تغريــد يا أمير! حابه أقولك انو خلآآآصـ لـ هنا وبس انتهى استبدادك، حتعفن في السجن وتغريد اللي خربت سمعتها وحاولت تقتلها حتعيـــش حياتها وانتا حتموت هنا، وولدك سيف أنساااه، عمري في حياتي ما حتشرف اني أذكرك قدامو، وبعد كدا تحـــلم تشوفه تاني في حياتك!
** ** ** ** **
تمتمت هدى بـ راحة تامة وهي تحسه مثل الهم على صدرها وانزاح: يا رب لك الحمد، الحمد والشكر لك يا الله انك رجعتلنا تغريد وهيا سالمة..، كملت وهي تطالع في ولدها بلهفة: طيب يا ولدي متى نروحلها عشان نتطمن عليها؟
عبد العزيز: لو تبي دحين أكلم كريمة تتجهز عشان نروح.
حركت هدى رأسها بابتسامة: تسوي خير يا ولدي.
عبد العزيز: أوكي رايح أكلمها.
هدى مسكته قبل لا يروح وبلين: عزيز.. ولدي، حاسة انك مو على بعضك دي اليومين، ورزان عند اهلها برضو خير إن شاء لله.
عبد العزيز ربت على يدها برفق وهو يقول: لا تشيلي همي دحين، سحابة صيف وتمر إن شاء الله.
هدى دعت لهم بصدق: الله يسعدكم يا رب ولا يخلي للمشاكل مكان بيناتكم.
عبد العزيز تنهد من قلبه وبعدها قال: آميـــن يا رب!
** ** ** ** **
في المستشفى
معتز يناظر جابر بانتقاد لـ عناده وهو يقوم من السرير ويقول: اليوم حخرج وخلاص، ما أقدر أقعد اكتر من كدا هنا!
معتز بنرفزة: طيب بكيفك سوي اللي تباه..، قام من كرسيه وكمل: أنا حستناك في السيارة لين ما تخرج.
خرج معتز من الغرفة وجابر لبس بنطلونه بعد ما خلع لبس المستشفى، سحب بلوزته ولبسها بشويش وتأوه بألم لما دخل يده المصابة بالكم، توجعه ما يقدر ينكر والمفروض إنه يرتاح بس يفضل يكون في البيت
سمع من وراه شهقة انثوية خائفة تنطق اسمه بحذر: جــابــر!
التفت لها وعرفها من صوتها، حقد جديد أشتعل بقلبه وهو يشوف ملامحها اللي ما تذكره إلا بتركها له.. حقد كبير وفي زمن آخر كان قلبه مليان عشق لها..
حست بنظراته الغريبة.. ما قدرت تفسرها، تقدمت بعدة خطوات وعيونها على كتفه المصاب: كيف يوجع مرة؟
جابر حاول يضبط نفسه لا يمسكها ويطردها من هنا، ما يبغا يعصب لين يوصل لها اللي بباله فتكلم باستغراب مصطنع: عفوا أختي.. مين انتي كيف تعرفيني؟
صــدمــة! كلامه مثل الموية الباردة انكبت عليها، انخطف لون وجهها وبتردد: جـ..ـابــر! أنا فـجـر.. كيف تنساني؟
جابر بتمثيل لـ دور طيب القلب والودود: معليش، أنا دخلت السجن لفترة، سابوني اللي أعزهم واللي أعطيتهم قيمة في حياتي، فقررت أمحيهم من قلبي وذاكرتي.. يمكن تكوني انتي منهم؟
تجمعت الدموع بعيونها، فهمته.. رسالته وصلتها، أقتربت منه وعيونها بعيونه: جابر، مستحيل إنك كرهتني، حقدت عليا ايوا ممكن وما ألومك، بس مستحيل تنسى فجرك وروحك وعمرك!
جابر: وليش مستحيل؟ أنا كمان كنت أقول مستحيل الشخص اللي أحبو يسيبني، بس فجأة وقت ضيقي.. في أسوأ أيام حياتي، ما لقيت احد حولي!
ما قدرت تستحمل أكثر، نزلت دموعها ونطقت بصوت باكي: جابر لا تقول كدا الله يخليك، انتا ما نسيتني والله تفتكرني لا تنكر..، بجراءة قربت منه ومسكت ذراعه: جابر أنا أحبــك والله العظيم أحبك وندمانه على الأيام اللي تركتك فيها، أنا سرت تعيسة من بعدك!
طالعها بازدراء من محاولتها لـ تخليه يلين بكم دمعه.. تتوقع إنه بلمسة يدها راح تحنن قلبه عليها، نفض ذراعه بقسوة وبنبرة حادة: استحي على وجهك، انتي بأي حق جاية هنا وتمسكيني ها؟ ما عندك حيا؟ قدي كدا الوقاحة وصلت فيكِ..، كمل بنظرات احتقار: أساسا أنا ايش متوقع من وحدة زيك غير كدا..، رفع سبابته بوجهها بتحذير: شوفي دي آخر مرة في حياتي أشوف وجهك طيب؟ صدقيني لو تاني مرة شفتك والله العظيم أقتلك، شوفي ترا اسويها، جنوني يسويها ويقتلك، أنا ما عندي حاجة في حياتي أخسرها، شايفة فين وصل كرهي ليكي يا ….، أعوذ بالله حتى أسمك أكره أنطقو، أكره كل شي فيكِ.
شهقت فجر مرة ثانية، وتتبعها شهقات كثيرة وهي تبكي بحرقة من كلامه، صدمة ثانية تلقتها منه، مفجوعه.. مو هذا جابر زوجها.. مو اللي عشقته وعاشت معاه أحلى سنين حياتها، حطت يدها على فمها تمنع صوت بكاها حتى لا يرتفع، هي اللي وصلته لـ هذا الانسان القاسي والحاقد لما تركته في عز حاجته لها، ودحين هو يكرهها ويتمنى موتها وعلى هذي الفكرة ماتت من الوجع ما قدرت تقعد هنا أكثر، تاكدت دحين إنها ولا شي في حياته، لفت أعطته ظهرها وخرجت من الغرفة ركض!
لما تأكد إنها خرجت.. جلس على السرير وهو يمرر يده على وجهه بتعب، الكلام اللي بقلبه من سنين، طلعه كله اليوم.. يوم مليء بالأحداث المتعبة اللي أنهكته، يكرهها.. لأنها تذكره بـ جابر القديم والغبي وطيب القلب، ما صار بـ هالشخصية الصلبة والقاسية بسهولة، اللي عاناه ما كان شوي، كان كثيــر كثيــر عليه!
** ** ** ** **
وقفت سيارة الشرطة أمام فيلا وليد حتى يخرج الشرطي منها، الحارس الخاص لفيلا وليد من لما شافه فتح له الباب بدون ما يسأله سامح له بالدخول للحديقة الفيلا، الشرطي وقف عند الباب الخشبي ودق الجرس عدة مرات حتى يفتحه أبو فارس
الشرطي: السلام عليكم.. دي فيلا وليد الـ….. صح؟
وليد حرك رأسه بالايجاب: وعليكم السلام، ايوا.. وأنا هوا.
الشرطي: امس انتا بلغت عن اختفاء ولدك، اليوم جابو جثة مشابهة لـ مواصفاتكم.. فاتفضل معانا يمكن تتعرف عليها.
وليد أرتجف قلبه من الرعب: جــــثـــة؟!
الشرطي: ايوا.
وليد بتوتر مسح وجهه: طيب ثواني وجايك.
وليد لف يطلع من الدرج وهناك صادف أميرة.. ولما شافت توتره خافت وسالته: وليد ايش فيه.
وليد وهو يحاول يكون هادئ: ما في شي ما في شي، أنا دحين حطلع ضروري وانتي استني مكالمة مني تمام؟
أميرة مسكته قبل لا يروح: وليد فين رايح كدا والله قلبي مو مطمني.
وليد: إن شاء الله ما يكون فيه إلا خير!
أميرة إن شاء الله، إن شاء الله!
بعد مرور 45 دقيقة..
بتول وأميرة جالسين بالصالة وينتظروا مكالمة من وليد على نار، ما يعرفوا ايش مخبي لهم، أميرة مو مرتاحة وبتول تحاول تفكر بايجابية!
رن جوال أميرة وبتول وقفت وأخذته لترد عليه: بــابــا أنا بتول!
انقبض قلبها لما وصلها صوته الثقيل والواضح عليه آثار البكاء: بنتي.. أديني أمك.
بتول بنبرة مرتجفه: بابا ايش فيه!
أميرة وقفت حتى تاخذ الجوال: اديني يا بنتي.
مد الجوال لها، أخذته أميرة وصارت تسمعه، تسمع صوته الباكي وهو يزف لها أسوأ خبر مر عليها في حياتها، تجمعت الدموع في عيونها وانفلت الجوال من يدها وهي تنطق بعدم تصديق: ولدي!
جلست على الكنبة بعد ما أستحلت الرجفة على جسدها، صرخت بانهيار ودموعها تنزل: فــــــــــــآآآآآآآآآآآرس!!
** ** ** ** **
مرت أيام العزاء الثلاثة..
موت فارس كان وجع كبير للكل، شاب في عمر الزهور يموت مقتول
شعور جدا صعب.. وحالة كآبه دخلوها أهله من بعدها
وليد يحاول يقوي نفسه وقلبه عشان أميرة وبتول
في النهاية ما صار لهم غيره، ما يقدر يأمنهم عند احد
مشعل طول الايام الثلاثة كان مع وليد يسانده في العزاء
ما يقدر يترك صديق عمره في أصعب أيام في حياته
تغريد منعزله عن الناس والعالم كلها..
ما قدرت تواجه أهل فارس..
تحس نفسها مذنبة
كارهه حياتها وتتمنى الموت لنفسها
جود والبقية يحاولوا يخرجوها من حزنها
بس هي رافضة انها تندمج حتى معاهم
متحسسه من الكل وتتوقعهم شفقانين عليها
بسبب اللي سمعوه من ابوها في اللايف
حاولوا يفهموها إنهم يحبوها زي ما هي
بس للأسف ما كانت تقتنع!
رزان ما تنازلت عن كبريائها للآن
وعبد العزيز ينتظر منها كلمة وحدة بس عشان ياخذها
ندى تحترق من الشوق لبنتها..
طردتها؟ ايوا..
بس الندم أكلها أكل
ما هي مرتاحه بوجودها عند أبوها بعد ما عرفت عن تستره لـ جرائم ولده
تخاف إنه يأذي أولادها وتموت من خوفها
تبا توصل لأخبارهم بس ماهي عارفة كيف!
** ** ** ** **
صباح يوم جديد..
يرن جواله باستمرار وهو يتقلب في السرير بضيقة وانزعاج منه، فتح عيونه أخيرا وبحزن تحسس الجانب الفاضي من سريره متى ناوية تحن عليه!
رن جواله مرة ثانية وهو بملل سحبه بدون ما يطالع في الرقم ورد بصوت ثقيل من النوم: الو.
وصل له صوت انثوي خافت: خالو.
عدل جلسته على سريره وهو يقطب حواجبه: ميس! دي انتي؟
ميس: ايوا أنا.
عبد العزيز: طيب اشبك تتكلمي كدا انتي فين.
ميس بـ رجاء ونبرة باكية: خالو أنا عند بابا، الله يخليك تعالي خدني أنا وعبودي من هنا، ما أبا اقعد!
عبد العزيز: طيب ميس اهدي اول شي قوليلي ايش فيه.
ميس بنفس نبرتها الباكية: ما أبا اقعد عندو، دا مجرم وولدو أخص منو، ضربني قدام عبودي، الله يخليك تعال خدني قبل ما يرجع دحين هوا مو موجود!
عبد العزيز بـ عجلة وهو يقوم من سريره: تمام تمام خلا حجيكي عبال انتو عبو نفسكم يلا!
** ** ** ** **
في إحدى الكافيهات..
جالسة أمامه بكل هدوء وروقان تتصفح المنيو
حرك رجوله بعدم صبر من تصرفاتها الباردة وقال: يلا أهرجي ايش تبي وليش جايبتني هنا!
رنين بمزاج عالي: فيصل وي صبر خليني أطلب، انتا كمان أطلب وبعد الاكل نشوف متى نحدد زواجنا على رواقة!
فيصل رفع حاجبه بسخرية: انتي من جدك تفكري بيوم زواجنا؟ هيه أصحي من أحلامك الوردية، كلها فترة وتشوفي ورقة طلاقك عندك.
رنين نزلت المنيو على الطاولة وناظرته بابتسامة خبيثة: لا انتا اللي اصحى من أوهامك، وخلي في بالك إني مو ميته عليك، دا أول شي، تاني شي أنا مجبورة أكمل معاك ونمثل للكل إننا نحب بعض ليــن بعد الزواج بفترة تطلقني!
فيصل مو فاهم ايش ببالها: ليش نمثل قدام الكل؟ خلينا نتطلق من دحين وكل واحد يشوف حال سبيله!
رنين حطت يدها على الطاولة وبحده ناظرته: فيصــل أنا حامل! تباني انفضح بين الناس؟! تباهم يقولوا حملت وهيا مملكة وبعدين طلقها؟
فيصل بسخرية وقف: عاد دا الشي يخصك ومالي علاقة فيه، أو أنك تجهضيه!
رنين قامت ووقفت قباله وباستهزاء: بكل دي البساطة يا فيصل أفندي.. أجهضو!
فيصل بثقة: بالزبط.. ومافي شي يجبرني أكمل معاكي.
رنين ضحكت بسخرية: ما في يجبرك متأكد يا فيصل؟ طلعت من الشنطة الظرف ومدته له: شوف ايش فيه هنا حيجبرك تسوي كل كلمة أقولها.
اخذ الظرف وخرج الصور اللي فيه، صار يمررها وحدة وراء الثانية ورنين مستمتعة بـ تعابير وجهه المنخطفة
رفع رأسه لها وبتوتر واضح: من فين جبتي دي الصور!
رنين: من فين جبتها دا شي ما يخصك، ومتأكدة من حقيقتها.. لا تنكر وتقول انها مفبركة.
فيصل بعصبية شقها وهو يعصرها بين يدينه وهي ضحكت: الصورة الاصلية عندي بالبيت، ودي بس نسخه طبعتها ويا كتر النسخ اللي عندي، اتخيل يا فيصل لو انك طلقتني، وانا انجبرت أسقط اللي في بطني، ياا انك حتنفضح فضيحة، وربي ما حرحمك وانشر دي الصور في كل مكان وقتها ما حتقدر تطالع في وجه أحد من الفشلة!
فيصل وجهه حمر من العصبية: تبتزيني يا حقيرة!
رنين ابتسمت: بالزبط، شايف انتا بتصرفاتك فين وصلتني؟ من رنين المجنونه فيك إلى وحدة تبتزك، سامحتك على أغلاطك كتيـــر، بس إلا الخيانه ما حسامحك فيها إلا الخيانه، وتاني مرة أعيدها، مو حبا فيك أبا اكمل معاك، كلها فترة لين بعد ولادتي ونتطلق!
** ** ** ** **
جالسه في الصالة تنتظرهم على نار، تحرك رجولها بتوتر ودموعها بعيونها.. اتصل عليها عبد العزيز دوبه، حكاها عن ميس وقلبها انحرق عليها
جلست جود بجانبها وهي تحط يدها على كتفها لتهديها: دنو حبيبتي أهدي، خلاص ما سارلهم شي ودي اهم حاجه الحمد لله.
ندى طالعت فيها بندم: حتى لو، ضربها الحقير.. وقدام عبودي.
جود بجدية: يمكن دا خير ليها، تتعلم من خطأها، وتشوف أبوها على حقيقتو!
ندى ما ردت عليها وبنفس الوقت رن جرس الفيلا فقامت على طول وهي متأكدة إنهم جو، فتحت الباب وشافت بوجهها ميس فقالت بحنية: بنتي.
ميس تجمعت الدموع بعيونها، كثير كثير ندمت بعد ما ظهرت الحقيقة وطاح قناع أبوها، رمت نفسها في حضن أمها وانفجرت بكا
تراجعت بعدة خطوات للوراء من قوة حضنها لها وعيونها متوسعه بـ صدمة، متأكدين هذي بنتها ميس؟ سمعتها تقول من بين شهقاتها سامحيني فحاوطتها لها بقوه ونزلت دموعها هي كمان!
عبد العزيز ما كان أقل منها صدمه.. وعبد الله نزلت دموعه لا شعوريا وهو يشوف أمه وأخته يبكوا ويضموا بعض لأول مرة!
** ** ** ** **
بعد مرور شهر..
تغيرت فيها حياة البعض والبعض الآخر على نفس الروتين والكآبة والحزن!
رنين وفيصل حددوا زواجهم للكل بعد أسبوعين بالتمام.. أم رنين وأم فيصل بالتاكيد تفاجؤا وفرحوا بزواجهم اللي كان من المفروض من أول يتحدد، مهند ومشعل منصدمين من قرارها.. حاولوا يقنعوها بس مثل ما تعودوا عليها عنيدة وتحبه مهما سوا فيها، والوحيدة اللي تعرف حقيقة زواجهم هي جود، تدري إنه زواج مؤقت لين ولادة رنين وبعدها كل واحد يشوف حياته، وما وافق فيصل إلا بعد تهديدات رنين المتكررة بنشر صوره الخليعة!
ندى وميس.. أكثر شخصين سعيدين وسط تعاسة وحزن اللي حولهم، ندى مبسوطة وهي تشوف بنتها ترجع لها.. تحبها.. تحترمها.. تستشيرها بأبسط الأشياء، في كل يوم تجيها وتعتذر لها عن أغلاطها اللي كانت تسويها، ما كانت تعاتبها.. بالعكس تبغا تنسى هذيك الأيام والذكريات السيئة لـ ترسخ ذكريات جديدة وجميلة مع بنتها.. وعبد الله بعد ما كان غير مستقر.. ماهو عارف يصف مع مين، وأخيرا استقرت نفسيته بتهادي النفوس ورجوع الوضع لطبيعته
الحال في بيت وليد نفس ما هو ما تغير، الكآبة تسيطر عليهم، وطريقة موت فارس ما زالت تؤلمهم، وأحدهم يكن الكره لشخص آخر ويظنه سبب موته!
تغريد.. ما زالت منعزلة رغم المحاولات المتكررة من أبوها واللي حولها لإخراجها من وحدتها وحزنها، بس هي ما بتسمح لهم يساعدوها.. ومبعدة الكل عنها وحاطة مسافة بين كل اللي يحبوها، وجود أكثر وحدة مصرة إنها تساعدها وما تخليها تغرق في حزنها اكثر وما استسلمت للحين!
أمير.. بعد ما ثبت عليه انه قاتل فارس مع وجود الادلة والشهود، حكم عليه بالاعدام!
واخيرًا بعد ظلمه لـ العديد من الناس وتدمير حياتهم ونفسياتهم أخذ العقاب اللي يستحقه وأكثر!
** ** ** ** **
بالفيلا تحديدا بالمطبخ..
ميس وندى في المطبخ.. جالسين يعبوا بعض الاغراض البسيطة ليحطوها بالصالة وبنفس الوقت بيسولفوا ومبسوطين بالهروج: جود مسويتلنا فعاليات عازمة بتول وتبا تخلي تغريد تنزل معانا، أهنيها على اصرارها.
ندى: كويس على الأقل تخرجها من عزلتها شوية يا بنتي والله حالها مو عاجبني!
كملوا هروجهم بمواضيع مختلفة وبمزح وضحك، في هالوقت دخلت جود للمطبخ، وهي تناظر ميس بـ عدم اقتناع بتغيرها
ميس حست بنظراتها والتفتت لها: جود ايش فيه؟
جود: ما في شي بس جيت أقول ترا قدرت أقنع تغريد تنزل وعاد الهدف يا جماعه نخليها تضحك معانا كمان.
ميس ابتسمت بصدق: منجد نزلت؟ كـويــس، بروح أجلس معاها لا تقعد كدا لحالها.
جود باندفاع تكلمت: لالا وي الله يستر عليكي تبي تجيبيلها الكآبة أكتر، خلاص أنا أروحلها.
ندى باستغراب: وي جود، يعني ايش حتسوي خليها تروح.
ميس تدري إن جود لساتها ما تثق فيها وما تقدر تلومها.. نطقت وهي تقول بإصرار: انتي ما تعرفيني يا جود، أنا حطيت في بالي اني أتغير واتغيرت للأحسن الحمد لله، ومن دحين اقولك حطيت ببالي إنو أنا اللي حضحك تغريد وحتشوفي.
جود: اوكي يلا نشوف ايش علينا!
وندى ابتسمت بعد كلام بنتها وهي تدعي ان ربنا يحفظها ويخليها لها
كلهم راحوا الصالة بوجه بشوش مبتسم، ندى فتحت التلفزيون وجلست بالكنبة.. جود حطت التسالي والقهوة والشاي فوق الطاولة.. ميس جلست بجانب تغريد وكلمتها وهي تفتح جوالها على أحد المقاطع: شوفي تغريد بوريكي فديو لواحد حق مقالب يموووت ضحك، حرفيا حتموتي من الضحك.. يتصل على ناس ما يعرفهم ويستهبل عليهم، اسمو عبودي باد.
تغريد بـ نبرة باردة نطقت: مابا اتفرج ماليا نفس.
ميس باصرار: وي هوا كل شي ما تبغيه.. يلا اتفرجي معايا ما حتخسري شي.
حركت عيونها بـ ملل وقالت: طيب وريني، إن شاء الله ما يكون سامج بس.
في نفس الوقت دق جرس البيت، جود وقفت بحماس بعد ما كانت مندمجة بـ حوارهم وقالت: اوه شكلها بتول جات، يلا أنا رايحه أفتحلها الباب.
فتحت الباب لـ بتول وبعد ما دخلت أخذت منها العباية وعلقتها، فجأة سمعوا صوت ضحك عالي صادر من الصالة قطبت حواجبها بتول: وي مين دي؟
جود: معقولة تغريد؟ كملت بابتسامة: والله وسوتها ميس ماهي هينة!
في الصالة..
وعلى قولة ميس ماتت من الضحك!
في البداية ما كانت مركزة وتفكيرها بعيد ومشتت
بس لفتتها صرخته الفجائية وسط كلامه مع الطرف الثاني
انشدت للمقلب اللي بعده مع شخص آخر وهو ينعم صوته مثل البنات
مو لايق عليه وشكله يضحك!
كلامه الغريب والمضحك.. ردود الناس وردوده القاتلة.. تعابير وجهه، ما قدرت تمسك نفسها، بدأت بابتسامة صغيرة ومن ثم ضحكة خفيفة حتى انفجرت ضحك لين ما وجهها حمر وعضلاتها بدأت توجعها، ضحكت بقوة وكأنها ما قد ضحكت
ميس مبسوطة مبسوطة لأنها قدرت تخليها تضحك، وندى لا شعوريا دمعت وهي تشوف مود تغريد أتغير تمامًا وبداخلها تدعي إنها دايما تكون مبسوطة وتضحك!
في هاللحظة دخلت جود وبعدها بتول اللي في البداية ما كانت مهتمة لما سمعت صوت ضحكتها، بس شكلها المبسوط هنا قهرها، ليه هي بتكمل حياتها وما كأن فارس مات!
مشيت بـ خطوات واسعه ناحيتهم والحقد أعمى عيونها، سحبت الجوال من يد ميس وصرخت بقهر وسط نظرات الكل المصدومة: انــتــي الــمــفــروض تتعاقبي حال داك الحيوان، انــتــي كــيـف قادرة تكملي حياتك وفارس مـــاات بسببك هــاه، بينما أحنا ميتين من الوجع في بيتنا انـتـي جــالــســة تــضــحــكــي!
ضحكتها الرنانة والعذبة اللي كانوا مبسوطين بيها أختفت لـ تحل مكانها رجفة سيطرت على شفاتها وعيونها غرقت بدموعها لما طـرت فـارس، اسم حبيب القلب!
تغريد بـ صوت مرتجف جاوبتها: بــتـ..ـول!
بتول بـ نفس صرختها: لا تنطقي اسمي، تدري إني أكرهك، انتي سبب حزننا، وياما كنتي سبب حزن فآرس، دايما كنتي تكسري قلبو دايما.. كنتي تحبي تعذبيــه، وانتي سبب موتو، يا ريتك لو متي معاه يا ريت!
فركت يدينها بتوتر وبنبرة ملاها الضعف: لا تقولي كدا.. أنا كمان أحب فارس، وامير هوا هددو، هوا دمرلنا حياتنا وعذبنا، هوا قتلو وحياخد جزاءو لا تلوميني أنا مالي ذنب!
بتول بكره: طيب اذا تحبيه ليــش ما جيتي عزاااه؟ ما وقفتي معانا ولا سويتي الواجب، اصلا انتي كدااابه وتحاولي تثيري شفقة اللي حولك بس..، رجعت توجه لها أصابع الاتهام: انتي كمان قدتي أخويا للهلاك، استغليتيه وهوا ضحى نفسو عشانك، بس انتي مـا تستااهلي، انتي اللي السبب في كل اللي سآآآر!
تغريد ما قدرت تستحمل قسوة كلامها، حطت ادينها على أذونها وانهارت بكى وهي تحرك رأسها بالنفي.. تنكر كل أتهامات بتول الموجعة، شهقاتها بتزيد وتعلى أكثر وأكثر وصورة فارس وهو غارق بدمائه رجعت تدور ببالها..
ميس بكت بالم على حال تغريد وبداخلها كره لأميــر وهي تدعي عليه من كل قلبها، اقتربت من تغريد تضمها وتحاول تهديها!
ندى انحرق قلبها على تغريد فنطقت بحدة موجهة كلامها لبتول: اســكــتــي يا بتول ولا حاقطعلك لسانك الطويل دا، ما تشوفي حالة البنت وانتي تزيديها كانها ناقصتك!
بتول: طيب واحنا؟ شفتي حالتنا؟ صرخت بحرقة: أخــويـــا أنــقــتــل أخــويــا الوحيـــد مـــات وما عــاد حــشــوفــوا، مــات فــي عــز شــبابـو بـسـبـبـهـا!
ندى صرخت بانفعال: انــكــتــمــي يـا بـتـول، بــس بــس على الاقــل أحترمــي انـك فــي بـيـتـنا..، طالعت في بنتها وكملت: ميس خدي تغريد وطلعيها لغرفتها يلا.
جود انقهرت وهي تشوف تغريد بهالحالة، أول مرة تشوفها بـ هالضعف، ما قدرت ترد على بتول ولا دافعت عن نفسها، أكتفت بالبكاء، من متى وهي كذا؟ من متى والضعف احدى صفاتها؟ فين أعتزازها بنفسها.. فين ثقتها وقوتها، ما تشوف إلا شخصية مهزوزة ومكسورة، وفوق كذا هذي ما تراعيها!
تسارعت أنفاسها بحقــد تكلمت وصدرها يعلى وينزل من القهر: انتي ما عندك ولا ذرة رحمة في قلبك؟ تشوفيها كدا وتتكلمي بسخافة قدامها؟ ناظرتها بحدة وبكل جدية نطقت: اخرجي من هنا يا بتول، بــــــــرا!
بتول: تطرديني يا جود؟
جود: ايوا أطردك وأطردك كمان، يلا خدي عبايتك واخرجي من هنا لا عاد أشوف وجهك، اذا انتي تلومي تغريد على حاجة مالها ذنب فيه فاخرجي من هنا واعتبري صداقتنا انتهت..، كملت بصرخة: يلا انقلعي!
بتول نطقت وهي تحاول تمسك دموعها: حخرج من هنا وكلكم حتندموا!
** ** ** ** **
مكة المكرمة
جالسة بسريرها وماسكة ورقة التحليل بيدها، تقرأ المكتوب فيها للمرة الخامسة بعدم تصديق: سهى بليز قولي اللي بقراه من جد ولا لا.
حركت عيونها بملل: للمرة المليون أقولك، صح اللي تقريه صح..، كملت بابتسامة: وبعدين تعالي تعالي، المفروض دحين طيراان تتصلي بزوجك تقوليلو انك حامل يا رزان.
رزان بتشتت: بس…
سهى بحدة: أقولك بلا بس بلا كلام فاضي، يعني ايش حتسوي، ما حتقولي للرجال المسكين؟ ويلا سارت عندك حجة عشان تتصليبو وياخدك، أول كنتي يعنني متحججه بكبريائك!
رزان بتردد: يعني تقولي اتصل؟
سهى: لساتك تسألي! ايوا اتصلي، صراحة أنا دحين شكيت مين الاخت الكبيرة فينا!
رزان مسكت الجوال وضغطت على رقمه لتتصل عليه، عيونها على الجوال وقلبها يدق بسرعه.. اشتاقت لسماع صوته جدًا، بعد فترة بسيطة جاوبها: الــــو.
أخذت نفس عميق تهدي فيه حالها وردت: أهلين عبد العزيز، كيفك؟
عبد العزيز رد بنبرة بارده: الحمد لله على كل حال.
قعدوا فترة ساكتين عبد العزيز ما سأل فيه عن حالها وهو ماخذ على خاطره منها
ورزان ما هي عارفة من فين تبدأ وايش تقوله بالزبط
عبد العزيز واخيرا نطق: يعني حتقعدي كدا ساكتة وما حتقولي ليش اتصلتي؟
رزان بدون مقدمات: عزيز.. أنا حامل، تعال خدني!
عبد العزيز بعد ما كان منسدح عدل جلسته من كلمتها وبصدمه: ايـــش؟
رزان بلعت ريقها وبتوتر: حامل..
عبد العزيز بسخرية: يعني لو ما كنتي حامل ما كنتي حتتصلي فيا؟
رزان باندفاع: لا والله، عزيز أنا أحبك، وكنت حتصلبك قبل كدا بس كنت متردده، ما كنت أعرف ايش حاقولك.
عبد العزيز بنبرة معاتبه: يعني كان لازم تعذبيني كل دي الفترة عشان تتصلي؟
رزان: أنا آسفة عبد العزيز، تعال خدني.. وحشتني مرة!
زفر براحة وهو يقول بابتسامة واسعه: طيب مسافة الطريق واجيكِ!
** ** ** ** **
في الليل..
يتقلب على سريره بعدم ارتياح واللي صار اليوم لـ تغريد مضايقه حيــل، حكته ندى وبكت وهي توصف حالة تغريد الموجوعة، كلمه وليد واعتذر له بشدة عن تصرف بنته، جلس على طرف السرير وهو يمرر يده على شعره ويشده بألم، يالله بنته في أي وجع وأي حالة جالسة تمر بيها والمشكلة ما هي راضية تعطيه فرصة لـ يحسنها!
نزل من جناحه متوجهة لغرفتها وما لقاها، على طول جاء بباله إنها راحت في مكانها المعتاد لما تتضايق، نزل للدور الأرضي وخرج للحديقة الخلفية، ومثل ما توقع كانت هناك، تجلس على الدرج وفي العادة تسرح ببالها وهي تعبث بالتراب، بس هالمرة سمع شهقاتها الخافتة وهي تحاول تكتمها بيدها
نطق بنبرة لينة وقلبه يألمه عليها: تــغــريــد!
التفتت له ووجهها غرقان بدموعها ولساتها تشهق بوجع، وقفت وهو مشى ناحيتها بسرعه وحاوطها له بقوة وهي ضمته، ومن بين شهقاتها نطقت بصوت مذبوح: بابا أنا تــعـ..ـبــانــه.. تــعــبـ..ـانــه.
انفطر قلبه من كلمتها فمسح على شعرها وهو يكمل بحنية: يا عمري انتي، قولي ايش يوجعك، قولي مين وجعك عشان اوجعه.
بعدته عنها ودموعها تنزل أكثر.. تتكلم ويدينها تتحرك في الهواء بانفعال: في الأساس أنا اللي بوجعكم، أنا عبئ عليك دارية بدا الشي، اسمعك وانتا تشكي لجدتي عني انك شايل همي، تقول إني ما سرت زي أول، ما اضحك، ما اقعد معاكم، ما اتكلم، بابا أنا ما أقدر اسير زي أول، حاولت اتجاوز الموضوع ما قدرت، ما انسى شكل فارس وهوا ميت قدامي، شكل أمير الحقير وهوا يقولي كيف قتل ماما فرح..، كملت وهي تشهق بوجع: ديك الليلة راسخه ببالي وماني قادرة أنساها، حرقلي قلبي.. قتل فارس قدامي وقتل كل أحلامي معاه، دمرلي حياتي.. خلاها ســوده بعيني..، غطت وجهها بيدينها وانهارت على الأرض ببكا: آآآآههـ يا ريت لو قتلني داك اليوم، يا ريتني مــت وارتحت من دا العــذآآآب بدل ما أنا بمــوت في اليوم ألف مرا!
نزل لمستواها ودموعه نزلت معاها، رجع يحاوطها بقوه وصوت آهاتها وشهقاتها تمزق قلبه لـ أشلاء عديدة!
بعد فترة..
وأخيرا هديت وقدر يطلعها لـ غرفتها، غمضت عيونها بعد جهد كبير وراحت لـ نومة عميقة، غطاها كويس وهو يمسح على شعرها بحنان، باس جبينها بعمق وبداخله يوعد نفسه إنه يبعد عن كل شيء يوجعها، انهيارها هذا ما جاء إلا بعد تهجم بتول عليها، لازم يبتعدوا، لازم يعالجها ويشفي جروحها وللأبد يقفلوا ماضيهم حتى يعيشوا بسعادة!
** ** ** ** **
صباح يوم جديد..
متمدده على السرير ووجهها مقابل وجهه، رأسها مريحته بنفس مخدته وشعرها بالجهة الثانية، قريبة منه حيل وما يفصلهم شي، مررت يدها على وجهه وعيونها تتأمل أدق تفاصيله الوسيمة، اشتاقت له حيــل وما توقعت إن حبها له وصل لـ درجة كبيرة، تعذبت ببعده وتدري إنها عذبته، في كل مرة كانت تبا تتصل بيه وتقوله أبغاك تتراجع بسبب كبريائها، عقلها وقلبها كانوا في حرب لمدة شهر كامل، وأول ما عرفت بحملها.. أتصلت به لـ تقوله رجعني.. ماخذه من حملها حجه!
رن جواله للمرة الرابعة.. زران ابتسمت وهي تشوف ملامحة تحولت من الاسترخاء للانزعاج وبصوت هادي تكلمت: يلا رد عليه، أخوك كم مرة أتصل عليك واضح انو فيه شي مهم.
عبد العزيز بملل: مشعل يحب يأذيني، ودامو اتصل في دا الوقت يعني ناوي يكرفني وأنا حتى أصباع واحد ماني قادر أحرك.
رزان: يلا معليش رد عليه ما يسير تسيبو كدا.
ابتعد عنها وهو يتأفف، جلس على السرير وسحب جواله ورد وهو واصل حده: هــااا ايش في؟
جاء له صوته الحاد والجدي: ايش هـااا؟ في أحد يرد كدا؟ وكمان من أول بتصل عليك ليش ما ترد؟
عبد العزيز بنرفزة: أول شي شوف الساعة كم، دوبها تسعه، ايش تبغابي في دا الوقت؟
مشعل ببرود: ايوا داري، المهم جهز نفسك وتعال البيت أحتاجك.
عبد العزيز بصوت منخفض وهو يرص على أسنانه: ايش تقول تباني أجيك دحين! يعني قلتلك أمس الحمد لله رجعت الموية لمجاريها واني حكون مشغول دي الفترة، لازم تخرب عليا؟
مشعل: ما نسيت يا عبد العزيز ما نسيت، بس في موضوع حتكلم فيه وانتا لازم تكون موجود!
عبد العزيز: طيب قول اللي تباه هنا!
مشعل باصرار: تعال البيت وحتعرف!
أنهى كلامه وبعدها قفل السماعة بوجهه
** ** ** ** **
في الفيلا.. تحديدا في الصالة
مشعل في هالصباح جامع الكل هنا عدا تغريد فبعد الليلة المتعبة غرقت في النوم.. وموصي جود ورنين انهم يتحجبوا بما أنه عبد العزيز راح يجي
ندى باستغراب: طيب ما حتقول ليش مجمعنا هنا؟
مشعل بهدوء: اصبري خلي عبد العزيز يجي!
جود وهي تتثاوب: ومتى إن شاء الله ناوي يجي، أنا نعست مو متعوده أصحى في دا الوقت!
مشعل بجدية: اصبري يا جود!
رنين: والله لا تلومها، اذا انا نفسي أعرف ليش مجمعنا كدا، آخر مرة سويتها صدمتنا وقلت إنو تغريد حتدرس في تركيا، دي المرة أيش؟
مشعل ما جاوبها، وبنفس الوقت دق جرس الفيلا لتفتح الخادمة الباب ويدخل منها عبد العزيز وهو يقول: السلام عليكم.
الكل رد السلام بأصوات مختلفة، عبد العزيز أستغرب وما كان داري بانه مجمع الكل، جلس بجانب مشعل بالرغم من استغرابه لكنه ساكت لأنه ملاحظ تعابير وجه مشعل فيها شي غريب، والكل ساكت يترقب موضوع مشعل اللي راح يقوله بما أن عبد العزيز جاء
مشعل: الكل يدري أمس ايش سار لتغريد والاغلب شاف بعيونه كيف كانت ضعيفة ومكسورة قدام بتول وهيا تتهمها، أنا عن نفسي ما أقدر ألوم بتول، في النهاية دا أخوها وفقدتو بابشع طريقة…
جود باندفاع: ليش ما تلومها حتى لو، مو من حقها كدا تتهجم على تغريد.. تحسب انو هيا الوحيدة اللي بتعاني!
مشعل بجدية: طيب وعشان كدا انا مجمعكم اليوم، تغريد نفسيتها تعبانه والناس عمرهم ما حيراعوها لأنهم ما عاشوا اللي عاشته ولا يدروا ايش هيا شافت، فـ حيضلوا يلوموها وهيا تصدق وتتعب أكتر!
عبد العزيز: يعني تقول اذا امس بتول بكره غيرها!
مشعل: بالزبط.
سعاد حزينة جدا على حال حفيدتها وما بيدها شي تسويه: طيب والحل.
مشعل مرر نظره عليهم وبعد فترة صمت: الحل اني آخد نفسي وبنتي برا، في مكان محد يقدر يلومها، وتبدأ تعيش تاني بنفسية أفضل!
ندى: يعني تشوف دا حل مناسب؟ طيب تتوقع تتحسن وهيا في بلد مو بلدها مع احساسها بالغربه؟
مشعل: مين قال إنو غربه؟ حنسافر لـ تركيا وتركيا ما تعتبر بلدة غريبة لـ تغريد، بالعكس عاشت فيها طفولتها وأمها من هناك.
جود بحزن: والله حفقدها!
سعاد وهي تحارب دموعها: وأنا بفقدكم الاتنين، بس اللي تشوفو يا ولدي الانسب لها سويه، دامك تعرفها وأنتا أقرب شخص ليها.
مشعل بحنان: ليش بتتكلموا وكاننا مو راجعين، ترا حنجيكم في كل فرصة نشوفها!
رنين رأيها برأي مشعل فتكلمت بمرح وهي تحاول تغير جوهم: شوف أنا موافقه خلاص، بس يا ويلك لو تحجز قبل زواجي وما تحضروه!
مشعل ابتسم: الا وي مستحيل ما نحضر زواجك وننبسطلك..، طالع في عبد العزيز وكمل: وانتا ما سمعنا رأيك في الموضوع!*
عبد العزيز: اللي تشوفو صح يا مشعل تسويه وأنا حأيدك وما حكون ضدك.. بس المستشفى؟!
مشعل: وانا عشان المستشفى قلتلك تعال..، تكلم بجدية يخالطها الثقة فيه: المستشفى أماانه في رقبتك يا عبد العزيز، من بعدي هيا ليك وانتا مديرها.
عبد العزيز ابتسم رغم خوفه من المسؤولية الكبيرة اللي عليه: أبشر وما حتشوف مستشفاك الا أحسن مستشفى في جدة!
مشعل بابتسامة: خلاص سارت حقتك من دي اللحظة يا عبد العزيز!
** ** ** ** **
بعد مرور عدة أشهر..
واقف بزاوية بعيد عن هالحشود المتجمعين لـ يشهدوا على اعدامه
وهو بابتسامة منتصرة ينتظره ينقتل..
خلاص كذا يقدر يكمل حياته بسلام
صح خسر كثيــر أشياء حتى وصل لـ هذا اليوم*
بس في نفس الوقت اتعلم وأخذ درسه
ما كان لازم يثق في أي شخص
زفر براحة تامة ورضا كبير
كل شي رجع بمكانه..
أمير راح يموت..
أخته ميار سعيدة في حياتها مع معتز
كان مستعد يفني بحياته بس عشان يشوف هاليوم
والحمد لله جاء..
ايش يبا من الدنيا أكثر من كذا؟
أمممم باقي هو يتزوج؟
لاااا مستحيــل
خلاص شال هالفكرة من راسه
مكتفي بـ تجربته مع فجر ومانه مستعد يخوض تجربة ثانية
على الأقل حاليًا!
** ** ** ** **
في المطار الملك عبد العزيز الدولي، صالة الانتظار..
مشعل ماشي ناحية الكراسي وبيده سندويشين، جلس بجانب تغريد ومد لها وحدة منهم: خدي وكليها.. اليوم ما شفت أكلتي حاجة.
تغريد عبست بوجهها: لا مابا.
مشعل بجدية: أقولك خديها، لو استمريتي على دا الحال صدقيني حتختفي من النحف، وبعدين تعالي، فيه شي مضايقك من لما خرجنا، في البيت كنتي متحمسة ودحين ليش طافية؟ زعلانه؟ تبينا نقعد وما نسافر؟
تغريد: لا وي بابا ما في شي زي كدا، بس جالسة أفكر!
مشعل: طيب قولي في ايش بتفكري ومخليكي كدا زعلانه.
تغريد تنهدت بضيقة: بفكر في بتول، حزت بخاطري إنها ما جات وودعتني، كانت تطالع فينا من بلكونه فارس واحنا بنخرج الشنط، ولما لمحتها دخلت على طول..، كملت بأسى: يعني هيا حتفضل طول عمرها زعلانه مني وتلومني على موت فارس؟
ارتخت ملامحه شوي براحة.. توقع فيه حاجة أكبر من كذا، حاوط كتوفها وقربها له: لا تفكري فيها كتير يا قلبي وتضايقي نفسك، في النهاية دي صحبتك من صغرك.. ومستحيل حتقعد طول عمرها زعلانه، صدقيني حتلين مع الايام.. لما تشوفك جاية هنا في الإجازات، قلبها حيحن، وترجعوا زي أول وأكتر إن شاء الله.
طالعت فيه: يعني كدا برأيك؟
مشعل بحنان: أيوا حبيبتي، ولا تفكري فيها كتير، حاليا انتي أهم شي فكري بنفسك، بصحتك، بدراستك ومستقبلك ولا يشغل بالك غيرهم.
ريحت رأسها على كتفه وزفرت بعمق وهي تتمتم: إن شاء الله!
** ** ** ** **
بعد مرور عدة سنوات..
تركيا.. اسطنبول
جالس وسط الحضور.. ينتظرهم ينادوا باسمها، كلها ثواني وصدح أسمها في القاعة وهم يكرموها بمناسبة التخرج مع مرتبة الشرف
لما نادوها.. مشيت بكل ثقة وابتسامه جميلة مرسومة على شفايفها، أخيرا قدرت تحقق حلمها وبكل جدارة بعد دراسة لـ سنوات، انسلخت من شخصيتها القديمة وبكل قوة رجعت لتثبت نفسها قدام الجميع، قدرت تتجاوز كل الصعوبات والعقبات أولا بفضل الله وثانيًا أبوها اللي كان أكبر داعم لها، لمحته جالس فابتسمت له ولوحت له بيدها، وهو رد لها ابتسامة دافية وفخورة فيها حتى يتمتم لـ نفسه: الحمد لله إني شفت دا اليوم يا بنتي الحمد لله.
بعد انتهاء الحفل..
انفتحت الكميرا الامامية لتظهر صورتهم لهم، متصلين عليهم صوت وصورة باحدى التطبيقات وبابتسامة واسعه تغريد نطقت: هـــــاي!
وردت سعاد كالعادة على هالكلمة: يا بنت الواحد يقول السلام عليكم أول شي!
بابتسامة عبيطة قالت: السلام عليكم.
جود ضحكت عليها: يا لطيف بالله دا شكل وحدة متخرجه من قانون وحتشتغل محامية.
مشعل رد عليها بفخر: ايوا واحسن محامية كمان.
تغريد بدلع: واااه أحلى واحد يدافع عني قدام الغيورة!
رنين: هههههههه والله تضحكوا بمناقراتكم الهبلة دي، المهم تغريد مبروك التخرج حبيبتي شفناكي على رابط البث المباشر للحفلة، طالعه تجنني.
سعاد: ايوا مبروك والله احنا فخورين فيكي رفعتي راسنا الله يسعدك.
تغريد ابتسمت بامتنان: الله يبارك فيكم يا رب، ايوا ماني شايفة عمة ندى بيناتكم فينها!
ميس: والله هيا في دوامها دحين، سارت مترجمة لدكتورة بريطانيه في المستشفى.. بس لا تخافي وصيتها تشوف حفلتك من الرابط..، كملت بضحكة خفيفة: وتلاقيها بكيت لما شافتك تتكرمي.. هههه تعرفي ماما مرهفة إحساس.
ضحكت بخفة: ههههههه الله يسعدكم يا رب..، اممم يا حلوين يلا خلاص أنا حقفل دحين ولا تنسوا توصلوا سلامي لعمة ندى.
رنين: اوكي يلا مع السلامة.
قفلت المكالمة والتفتت لأبوها المنشغل بجواله: بابا يلا نمشي.
مشعل قرب منها وهو يوريها صورة بجواله: شوفي شوفي الكياته دي.
تغريد شافت صورة لـ طفلة بعمر الثلاث سنوات: واااه يا قلبي مين دي الحلوة.
مشعل بابتسامة: بنت معتز وميار، تعرفي إني لساتي بتواصل معاهم واليوم أرسلي صورة بنتو.
تغريد بابتسامة: يناااسو الله يحفظها ليهم ويسعدهم في حياتهم!
مشعل: آميــن يارب.. وكمان دوبي سألتو عن جابر، قالي لساتو على حاله ما يبا يتزوج وشايل دي الفكرة مرة من راسو.
تغريد ما علقت على كلامه ومن بعيد لمحوا رجل طويل بملامح وسيمة يتقدم نحوهم، اقترب منهم بابتسامة ودوده وبيده شايل كيس، تكلم ببحة مميزة بـ لغته التركية: أهلا تغريد، جئت حتى ابارك لك بمناسبة تخرجك وحصولك على مرتبة الشرف.
ردت له الابتسامة: شكرا.
كمل وهو يمد لها الكيس: وهذه الهدية اتفقنا أنا والأصدقاء على شراءها لك، اتمنى أن تعجبك.
تغريد أخذت الكيس وهي ترد بخجل وامتنان: لماذا كلفتم على انفسكم، حقا لم يكن داعي لـ هذا.
مشعل كان منصت لـ حوارهم بـ صمت وهو ملاحظ بشيء غريب فيهم وقرر يتكلم: تغريد، لم تعرفيني على صديقك هذا، لأول مرة أراه!
توه بس ينتبه لـ وجود أبوها.. ما كان مركز إلا فيها وبأبسط تفاصيلها.. تدارك وضعه ورد عليه وهو يمد يده لـ يصافحه: أحم أنا مراد …… ادرس في نفس صف تغريد.
مشعل صافحه وهو يشد على يده وعيونه تتفحصه: تشرفت بك، أنا والد تغريد.
مراد رد بـ توتر لما حس بنظراته: وأنا أيضا تشرفت بك..، كمل بسرعه: آآآ اذا أنا مضطر للذهاب الآن.. إلى اللقاء.
ودعته وبداخلها تتمناه ما يروح وعيونها تتبعه لحد ما أختفى ظله، ضجيج مسويته دقات قلبها وما هي عارفة السبب.. هل لأنها بس شافته وغرقت بخضار عيونه؟ معقولة وجوده حولها صار يأثر فيها؟
مشعل رفع حاجبه على حالتها: تغريــد، شكلو فيه أشياء لازم تحكيني عنها اليوم في البيت!
تغريد ببراءة: ليش ايش في؟
مشعل: وتسأليني؟ انتي المفروض تقوليلي ايش فيه!
تغريد ما قدرت ترد عليه إلا بابتسامة منحرجة، وبخاطرها تقول:
أنا بس معجبه فيه.. مو اكتر من كدا
وأصلا أنا ما أعرف ايش مشاعرو ناحيتي..
يمكن ما يعتبرني إلا زميلتو في الدراسة!
وفي نفس الوقت اترسلت رسالة على جوالها، وجهها حمر بإحراج وهي تشوف محتواها المرسل من صديقتها المقربة
"الهدية من مراد لك، لم تكن مننا جميعا كما قال، بل هو سألني قبل فترة عن ما هو أكثر شيء يعجبك كهدية، كما قلت لكِ يا صديقتي، هذا الرجل عاشق لك بصمت لكنك لا تنصتي إلي!”
مشعل ما قدر يمسك ضحكته: يا بنت اشبو وجهك كدا؟
رفعت رأسها عن الجوال وناظرته: هاه؟ احم احم بابا ايش رأيك نتكلم في البيت دحين.
مشعل بابتسامة: طيب يلا.
مشت بمحاذاة أبوها وهو حاوط كتوفها
حطت رأسها على كتفه بدلال معتادة عليه
وتفكيرها محصور بـ مراد صاحب العيون الخضراء
اللي يوترها بوجوده وكل شيء فيه يجذبها
يا ترى هي تحبه؟
هل راح تحب مرة ثانية؟
تقدر تسويها وتنسى حبها لفارس؟
زفرت بخفة وخطر ببالها مقولة لمحمود درويش:
الحب الأول لا يموت..
بل يأتي الحب الحقيقي ليدفنه حيًا!
الــنــــهـــــايـــــة
تمت بحمد الله
لكل بداية نهاية
وهيا دي نهاية روايتي الاولى
ان شاء الله عجبتكم ونالت رضاكم
حاولت قدر الامكان اني اختصر وبنفس الوقت ادي كل شخصية حقها
وان شاء الله ربنا وفقني في دا الشي
للامانه كان نفسي اطول الرواية اكتر بس انا اعرفني جدا بطيئه بالكتابه وآخد وقت عشان اخلص الفصل الواحد
ممكن دحين حكون ملتزمه معاكم بالمواعيد بس متاكده انو اول ما تبدأ الدوامات ما راح افضى
فعشان كدا قررت اختم الروايه دحين وان شاء الله القادم اجمل
.
.
اشكر لكل اللي تابعوني وسابوا ولو تعليق واحد على روايتي
ربما كان تعليقها في وسط احباطي اكبر داعم ودافع لي
وطبعا اكبر شكر لبنت عمي رغد هاشم هيا اكتر وحده شجعتني في كتابة الروايه قبل ما انزلها ويمكن لو ما كانت هيا موجوده ما كنت حاقدر اكمل روايتي💗
.
.
آخر شي.. اتمنى انكم تدوني انتقاداتكم وافكاركم ومشاعركم اتجاه الرواية وشخصياتها.. بليز لا تحرموني منها، كلامكم هوا اكبر دافع ليا ويخليني استمر
.
.
اي احد يبغا يتواصل معايا او حاب يوصلي مشاعره عن روايتي دا حسابي في انستقرام حياكم فيه كلكم
rw.kenn
واذا ما طلع لكم الحساب او اللي ما عندها عضويه في المنتدى تدخل في رابط صراحة انا حأقرا تعليقاتكم واحد واحد باذن الله ❤❤
https://kennaznov.sarahah.com/
.
.
أحبكم.. كناز ✨
|