كاتب الموضوع :
Kindah
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: غريبة بجوارك (تم إضافة الفصل الأخير)
بسم الله الرحمن الرحيم
غريبة بجوارك
" كنت إلى جوارك قريبة .. غير أني كنت غريبة "
( الفصل الأخير )
ــ ساعدتها على النهوض .. سقتها بضع رشفات .. أطعمتها بضع لقيمات: من أنت بنيتي؟
ــ أنا .. ــ نعم .. من أنت بنيتي؟
ــ صيحات وذكريات موحشة كالفيضان الجارف اندفعت .. جعلت تلك المآقي التي قسرت البصر بحد ذاته أن يخضع طرفه أنا له .. أن ينعم النظر في المفرق الذي أغوى القمر في الإحساس الذي .. ولو بلغ ذراه لن يتهاوى وهناك من يحمله فوق أكتافه .. اغرورقت تلك المآقي التي جف نهلها تناجي: أبي .. أبي .. حملت نفسها تهم بالمغادرة فأقعدتها المرأة العجوز التي سألتها أن ترتاح قليلا .. بنأمة جافة محطمة ترجو: أبي .. أريد رؤية أبي .. طمأنتها .. وعدتها خيرا شرط أن تستلقي لبعض الوقت حتى يصلوا إلى وجهتهم .. انضمت السيدة إلى زوجها في المقدمة تحمل إليه خبرها .. حالها الذي يفتت العضد .. لن تتركها وستفي بوعدها .. هذا ما اتفقا عليه.
في اليوم التالي وعند المنطقة الفاصلة بين العاصمة والحدود الشمالية .. تفاجؤوا برتل من المركبات أمامهم .. الطريق معطلة والسبب .. حملة التفتيش التي يرأسها أسامة باحثا عنها بالطبع .. فلما بلغت الشمس أوج رؤوسهم كان قد حان دورهم: ما بالها؟ وما بال ذلك الرماد الأبيض الذي يحيط بها؟
ــ تلك هي ابنتي .. مصابة بمرض سام .. وذلك الرماد المنثور حولها إنما هو وقاية لنا ولك من العدوى أن تنتقل إلينا .. سيدي .. لم يتبق لها الكثير وإن لم نستعجل .. ستفلت حقا من بين أيدينا .. أرجوك سيدي .. من علينا بعطفك فليس لنا سواها .. لقدكان كلاما منمقا بإسلوب مقنع بإحساس صادق بأداء مدروس جعل أسامة الذي غطى أنفه بمنديله يأذن لهما حالا بالرحيل .. أسامة الذي انطوت عليه تلك الخدعة التي لولاها لما استطاعا إنقاذ كندة .. فالمواصفات التي كان يبحث عنها كانت تشير حتما إليها ولذا .. قاما بحمايتها بصنع مقلب محكم الإتقان بالغ الدقة مقيد بالنجاح الأكيد وهذا ما حدث.
ساعة أخرى وإذ بالمركبة التي تقلها تحط رحالها قريبا من الباحة التي تعج بالناس من مختلف الأجناس .. أجلستها العجوز فوق صخرة قريبة وسألتها .. أن تنتظر قليلا ريثما تشتري بعض المؤن الضرورية لإكمال الطريق فلما عادت .. لم تجدها ووجدت أسامة قريبا من مركبتها من زوجها الذي ناداها .. لقد كان يعلم منذ البداية أنها هي إلا أنه .. تظاهر بغير ذلك خوفا عليهما أن .. يبتعدا كفاية أن .. يلقي القبض عليها حينها .. سألها مهددا فأجابته .. كانت هناك ثم اختفت .. كندة التي كانت مستغرقة بالنظر إليهم .. إلى الصبية الذين كانوا يلعبون بجوارها حينما .. شد انتباهها صوت امرأة تناديه باسمه الذي جعلها تفارق مكانها - من دون شعور - سعيا خلفه ربما أنها .. الحمى قد غلبتها فغلبها شوقها إليه لم يمت بعد وربما .. أنه قلقها عليه وقد كان من سوء الحال ما رأت : أبااااان .. أباااااااان .. أين أنت؟ ولازالت تنادي وهي من خلفها حتى بلغت أرضا خواءا بين جدارين اللهم .. من شجرة شعواء في المنتصف .. توقفت .. استدارت .. كان مختبئا خلفها .. تقدمت منه .. انحنت ناحيته .. تأملته لهنيهة .. ابتسم فابتسمت له وهي تداعب غرته .. طفل الثالثة الذي شعر بالخجل مالبثت أقدامه أن ارتفعت عاليا .. تجري لوحدها في الهواء ككلمات الرجاء التي .. لم تجد أذنا صاغية كالأم التي حلقت روحها بسهم قاتل قبل أن تصل إلى وليدها الذي لحق بها في الحال .. سماعها تناديه .. رؤيتها وقد تهلل وجهها بالبشر وهي تلاقيه .. تبتسم له تداعبه وتناغيه .. جعله يفرز خارج أديم بشرته العفن .. سموم حقده الدفينة .. لم تراع سنا .. لم تحمل هما .. بل اتخذت لنفسها سلما ارتقه .. استصغرت الموت أسفلها وظنت .. بأنها تملك الحياة بل إنها الحياة .. ذلك العاشق الأبله من استحوذ على عقله .. جنون العاصين الداجيين أمثاله خلف أهوائهم دون حذر أو مخافة .. قلبه الأحمق أصدر أوامره فانصاع إليها .. أعمى بصيرته .. شل حكمته وأودى به دركات الخاسرين .. سقطت أرضا ترنو ببصرها نحو المشهد الخانق للعبرات المستفيض للنبضات من يحثها حثا .. أن تنفجر صارخة في وجه ذلك الطغيان الأرعن الذي تمثل بشكله واندمج بروحه .. أغمي عليها قبل أن تصل يده إليها .. فلما أفاقت كانت في الطريق نحو عرينه .. تجرها عربته .. ملقاة بين أحضانه .. يعتصرها بين ذراعيه ألا تفلت .. داسا أنفاسه بين خصلات شعرها يلعق بلسانه وجنتها يقبل بشفاهه القانطة جيدها .. ينتظر بلهفة .. اللحظة .. أن يختلي بها .. أن تهمد نيران رغبته .. أن يفرغ عداد شهوته .. حاولت الإفلات .. حاولت فهمس في أذنها بلؤم قائلا: أبان عزيزتي .. لم يعد موجودا .. لقد مزقته بيدي .. لم يعد هناك .. سواي أنا فقط .. من يحبك ..
توقفت .. بدت كمن هوى من الأعلى .. فشلت ..
لم يعد بمقدورها .. فاستسلمت ..
استسلمت .. تلك لحظات .. نتمنى فيها من الموت أن يكون ..
كالغيم الأبيض في السماء .. نأذن له فيأتينا ..
يحمل أرواحنا بسلام يخرجها من بين أضلعنا ..
أو كالصاعقة تأتينا ..
لا تبقي شيئا ولا تذر إن استدعى الأمر ..
إن كان فيه نهاية عاجلة لمعاناتنا ..
فلا بأس ..
فما معنى الحياة ..
وقد فقدنا الإحساس فيها ..
وقبيل مغيب الشمس بدقائق .. كانوا قد بلغوا " اللجين " .. قصر مكسو بالفضة يتوسط قلب دوحة غناء .. قلب مدينة شقراء كلما أقبلت الشمس عليها .. أشرقت وتوهجت والفضل في ذلك يعود إلى الأسقف إلى المداخل النحاسية المطلية كلها .. بالذهب أهلها .. غاية في الترف .. ليلهم نهار ونهارهم سمته النوم والكسل ذلك أنهم يعشقون الطرب والسهر .. وبالرغم من ذلك كان عليهم النهوض واستقبال مليكهم .. هذا ما استهجنه أسامة ونقله حالا إلى الأبيض الذي أوكل إليه أمر استئصال رؤوسهم فور استيقاظهم .. أن ينجز ذلك الأمر دون الرجوع إليه البتة وإلا .. حلقت رقبته هو الآخر فالليلة .. هي الليلة التي لا يريد لشاغل أن يشغله عنها ..
إنها الليلة التي لطالما حلم بها ..
والحلم العتيق الذي .. امتد به طويلا حبل الرجاء أن يتحقق .. حتى ظن أنه انقطع ..
اغتسل .. تعطر .. ارتدى روبه المكسو بريش النعام .. تقدم على عجل كاد أن يقع فلما ولج .. احمرت وجنتاه وهو ينظر إليها بثوبها بلون السكر الفاتر إلى .. تلك الأطراف العارية وذلك العود الغض المقيد .. فوق الفراش من سيجمعهما أخيرا .. معا .. نزع روبه معتليا الحدود بمنامته الفضفاضة البيضاء يحبو .. كتيس عجوز .. منكبيها بين كفيه ينظر من الأعلى .. دس أنفه يشتم برعونة رائحة عطرها الذي .. أغواه فأخرج لسانه كالكلب اللاهث لن ترويه سوى .. قطرات دمعها التي جاشت .. ذرات العرق من جبينها وقد فاضت واستفاضت .. يسير بتأن مستمتعا متجاوزا صاما أذنيه عن سماع النبضات التي .. كلما تقدم خبت .. نحو الشفاه التي كانت قد أعرضت: أبي ..
بنأمة نائية بنفس روحها باتت جاثية جعلت تناجيه فرد عليها وهو بعد لم يفق من كبوة غفوته:
بودي .. إلا أن الساكن ذاك وسط أحشائي .. أبصرك كحبيبة لا كإبنة له ..
أرغم تلك الشفاه التي جافته .. أن تستقبل تلك التي هامت به بل عبدته .. حينما حاصرها بين راحتيه .. أسدلت جفنيها بانتظار الأجل الذي دنا .. بالقبلة التي ستعتصره عصرا ستدفعه خارجا جاثما فوق الجسد الذي اشتاق .. أن يفترشه الثرى .. أقبل رويدا رويدا .. يتأمل في خيالاته - فاغرا فمه ضاحكا – حجم اللذة التي سيشعر بها .. عدد المرات التي هي طوع أمره .. والوقت الذي لن ينفذ وهناك متسع .. فلما كان بينه وبينها حجم الحصاة الصغيرة الملقاة طرق الباب طارق .. طرقه بقوة جعله يتوقف صارخا فيه:من؟
ــ أسامة الذي أذن لنفسه بالدخول .. اندفع هلعا مخاطبا سيده من خلف الستار محذرا:
سيدي .. أعتذر بشدة .. ولكن علينا الرحيل في الحال ..
ــ ماذا تقول؟ أجننت؟
ــ سيدي .. أهل المدينة ليسوا في بيوتهم نائمين .. لقد غادروها منذ حين .. المدينة مثغمة بالطاعون .. الماشية الكلاب .. لا حياة هناك لمن تنادي بل هو الموت المتربص بنا في كل مكان .. سيدي .. إن لم نرحل الآن .. فلن يبقى لنا في هذا العالم مكان ..
ــ بشيء من الريبة والخوف: وماذا قال الطبيب؟
ــ لقد نصحنا بالخروج حالا كي نطوي المسافة بيننا وبين البعثة الطبية التي أرسل لإحضارها على جناح السرعة حيث اللقاحات المناسبة لإنقاذنا ..
ــ لم يطل صمته .. أبعد طرفا من الستار آمرا إياه أن يحضر من يحمل كندة ..
ــ أجابه وكان قد استرق النظر: لا أنصحك بذلك سيدي فحالها .. لا يبشر بخير .. انظر إليها مليا .. إن الأعراض تتآكلها .. لم يصدق مقالته فأرسل إلى الطبيب الذي أكد له صدق ما قال مردفا ما أثار الرعب في نفسه: ابتعد .. ابتعد سيدي فابتعد: أراها وقد أوشك أن يتمثل بها .. بنيتها الضعيفة .. أنفاسها المتوارية خلف رائحة الموت التي .. تفوح منها جعل منها لقمة سائغة للطاعون الذي .. لن يتهاون في إهلاكها إما عاجلا أو آجلا سيدي .. تلك المرأة .. لن تبقى طويلا وإن لحقت بنا .. فلن نرى الصباح ..
ــ لهنيهة جعل يحملق فيها كالمشدوه غير مصدق أن تلك هي الحقيقة .. يا لمرارة طعمها .. يا لسلاطة لسانها وشدة بأسها الذي جعله يتهالك أرضا .. مطأطئ الرأس .. خائب الأمل .. ساهم البصر .. أتاه أسامة ناصحا مطمئنا: سيدي .. أعلم حجم اليأس الذي تشعر به إلا أنك رجل ذو مكانة .. من الجنون حقا أن تتخلى عن ذلك كله من أجل فتاة مثلها الكثير ..
ــ أسامة .. ماذا تقول .. ليس كمثلها أحد .. تساقط دمعه فاحتضن يده:
سيدي .. هيا أرجوك .. جاش بالبكاء صارخا:
لا طاقة لدي على تركها لا طاقة لدي .. إن فعلت .. فإني ميت لا محالة .. لو تعلم كم انتظرت قالها بيأس اتسعت رقعته حينما .. نهضت ومالبثت أن سعلت أمامه .. دما أسودا تناثر حولها في كل مكان أسقطها فوق السرير كالأموات .. بهلع جعل يرجوه مقبلا يمينه ويسراه:
أسامة .. لا أقوى على الحراك .. احملني أو اتركني بصحبتها .. أمر الجند حالا فحملوه خارجا دون أدنى مقاومة منه ودون أن .. يخلع ناظريه عنها .. يهفو إلى التفاتة أخيرة منها تودعه كما .. ودعها: عذرا حبيبتي ولكن .. علي البقاء .. لوح لها بيده ثم مضى ..
حملوه وإنما كانت دقائق حتى صفرت المدينة منهم اللهم إلا من " عباد " الخادم الأصم الذي خلفه الأبيض لرعايتها .. كان أصما لم يكن غبيا .. أبصر المستور الذي ظنوا أنه لن يدركه فاختفى هو الآخر بعد ساعة من رحيلهم ..
ياااااه .. إنها حلاوة الروح ..
تلك الغادة التي لن يضاهي حسنها حسن ..
لن يماطل في وجهها سلطان فقر برحيلها إحسان ..
إنها الخاطر الذي يسبق الفكرة ..
واللاشعور الذي يغلب الشعور ..
تحملنا أن نحملها دون وعي منا كلما أحست بالخطر ..
نتعرض للخطر فتجازينا بالرحيل عنوة مردفة بابتسامة حلوة: إنها الحياة لامفر ..
كما أسلفنا سابقا .. أن أبان وبعد تركه للغلمان بعهدة باش وزوجته .. حمل متاعه باحثا عنها مخبئا الأمل في جيبه الأول بالشوق المحرك لذلك الأمل بين طيات متاعه .. وبعد مسيرة أيام وبينما كان سالكا للطريق الذي أرشده إليه البعض التقى صدفة .. بالخادم الهارب عباد .. سأله فأجابه فانطلق حالا غير عابه بالصيحات التي كانت تناديه تنذره ..
أيتها المشاعر من كل صنف ونوع ..
لا بأس عليك أن تشعري بالغيرة ..
فهو الشعور الذي مزق إربا ..
حديث الخوف ..
تردد التردد ..
غرور الحياة ..
تمرد الموت فأخضعه ..
أن تحب بصدق حتى النخاع ذلك يعني ..
أنك بت الأسير الذي لن يفلت من قبضته إلا بمعجزة ومع ذلك ..
فلا بأس عليك ..
فأن تحب بصدق ذلك يعني أيضا ..
أنك لا تزال على قيد الحياة ..
فتح الأبواب كلها .. باحثا عنها .. يناديها بأعلى صوته حتى توقف فجأة عن الحراك فقد .. وقعت عيناه على الراقد هناك صامتا بالكاد يبصره بدت منهكة وقد .. بسط المرض شروره فوق كل بقعة من جسدها .. قد امتحل شبابها وجعلها تبدو .. كالنجم الساقط من السماء ..
وقف عند رأسها وقد حاول جاهدا أن يستقر مكانه لما رآها هكذا ..
وهل يملك المحب وهو يرى .. من يحب على هذه الحال وفي تلك اللحظات إلا أن ..
ينقاد إلى ضعفه مستسلما ..
أن يذرف الدمع مرغما ..
أن يتفطر القلب ندما على كل لحظة مضت من دونه وأن ..
تتفلت الكلمات من بين شفاهه فتفقد .. بريقها ولمعانها ..
ــ كندة ..
ــ يبدو أن ساعتي قد قربت .. فها أنا الآن أرى أشباح ..
ــ لست شبحا .. إنه أنا .. أبان ..
ــ تأملته للحظات ثم أردفت: أبان ..
ــ نعم أبان ..
ــ لقد مت .. لقد أخبرني الأبيض بذلك ..
ــ بل لقد اعتقد ذلك .. لقد أفلت من قبضته ..
ــ بدت النظر إليه جاهدة ثم أرسلت يدها فأمسكها على عجل جالسا إلى جوارها .. بابتسامة خافتة بدموع من الجوف انبرت صادقة: أبان .. يا لسعادتي .. كنت أتمنى رؤية أحدكما قبل أن أرحل .. وقد تحقق لي ما أردت ولن أطمع بالمزيد .. علي أن أكون شاكرة وأنا كذلك ثم أبعدت يدها مردفة: والآن .. غادر قبل أن تصاب بالعدوى ..
ــ لن أغادر مالم تغادري بصحبتي .. لقد أقسمت إن وجدتك ألا أتركك فاستسلمي ..
ــ أغمضت عينيها .. تنهدت طويلا من ثم حاولت بصعوبة النهوض من مضجعها – حاول فأبت مساعدته لحاجة في نفسها - وما كادت تقف حتى تهاوت ليلتقطها بين ذراعيه قريبا من الأرض: هل تريد حقا .. امرأة لم يتبق لها .. سوى مكان واحد ترحل إليه ..
ــ إذن .. فسنرحل إليه معا ..
ــ اغرورقت عيناها بالدموع إثر كلماته .. دنا منها فصدته وما كادت حتى .. سعلت مجددا فلما ارتاحت قليلا أكملت: أبان .. إن كان ذلك بسبب ضميرك الذي يؤنبك فقد غفرت لك منذ اللحظة التي عانقتني واعترفت لي بها بحبك .. أبان .. أبان .. لم يجبها بل كان مشغولا بآثار السعال بإزالة ما استطاع منه .. أمسكت يده: أبان .. أرجوك عد .. .
ــ كندة بملامح غلبها الحزن بحزن شديد انفطر له قلبها: أجيبيني .. بل أجيبي ذلك الشك الذي يساورني وقد فعلت بك ما فعلت .. ألا تزالين كما عهدتك .. ألا تزالين تحـ......
ــ أغلقت فمه بطرف راحتها قائلة بصوت متحشرج بالكاد يسمع:
بل إني أعشقك .. لم يمنحها الفرصة و ..
أناخ مطاياه عند مبسمها الحر عند الجرح الذي ..
لم يندمل بعد حتى التقى بها ..
لقاء .. قد تمسك بتلابيب الشعور العميق الذي لم يفارقه ..
فراق .. لن يكون وقد أفضى الزمان للمكان .. إن تسأم فلن أسأم منهما ..
كانت قبلة رقيقة لامست رقة شعورهما .. منحت الدفء لأجسادهم الباردة .. الطاقة لتلك الأجواف التي شاخت قبل أوانها أن تنبض بقوة .. أن تستلذ مجددا بطعم الحياة ..
افتر ثغرها الجميل عن ابتسامة رضا عن إيحاء له .. باقتراب وقت الرحيل ..
أجفانها تذبل وأنفاسها تسلب من الحياة رمقها الأخير ..
نعاها بصمته وما تقاطر من دمعه: حبيبتي ..
محتفظة بابتسامتها محتضنة بشدة يده استسلمت .. للموت الذي هاهو يختم مشوارها القصير بشكل يسير .. فلما كان نفسها الأخير تفاجأ أبان بالنور الساطع من الثغرة بحجم القبضة والتي انبرت من أرضية المكان .. كالبرق اندفع من خلالها مثيرا ذلك الضوء الساطع ملألأ الأرجاء .. البلبل من لبث في مكانه لهنيهة ليرفرف بعد ذلك فوق رأسيهما في الحال .. ناثرا رذاذا مشعا جاعلا الطاعون الأسود يفر هاربا خارج أبدانهم يبحث عن منفذ له عبر الباب .. ثغرات أخرى وجنيات جعلت تعبث بأياديها صنعت فقاعة من الماس النقي تطفو .. اكتنفتهم .. لحظات وارتج المكان من حولهم .. الجدران .. الأسقف .. النوافذ .. كل شيء يمضي نحو الأسفل .. ابتلعته تلك الثغرات التي تحولت إلى فوهة عظيمة .. اتسعت واتسعت حتى أهلكت المدينة .. هدأ الوضع لثوان سرعان ما عاد .. ارتج مجددا إثر قوة هائلة تندفع من الأسفل نحو الأعلى بسرعة فائقة .. زوجان من النعام .. لا مست أقدامهم سطح الأرض بينما عانقت رؤوسهم كبد السماء .. تلفتوا حولهم .. بدووا في غاية الرضا فها هم يتعانقون يتداعبون بمناقيرهم الكبيرة .. مضى شيء من الوقت .. توقفوا .. وخبوا بأبصارهم نحو الشمس المشرقة أحاطوا بعدها الأرض تحتهم بظلال أجنحتهم .. نفشوا أبدانهم .. أطلقوا صيحة على إثرها انفجرت كومة هائلة من الريش غشت المكان .. تحلل الريش سريعا ليظهر جملة واحدة .. ذلك العالم الساحر المفقود بأهله بأشجاره بمخلوقاته الغريبة بكل ما فيه ..
أتى الطيف العاشق وبطرفه .. بدد الفقاعة أناخهما فوق فراش داثر تكتنفه ظلة من الشجر الزاهر .. لامس بلطف وجنتها قائلا: لحسن حظها إني قد وقعت في غرامها وإلا .. لما تكبدت عناء إنقاذها .. لو أنك لم تأت لكانت لي ولكنك .. أتيت ولذا .. تنهد طويلا بغصة باستسلام واضح: فهي لك .. ستستفيق عما قريب .. فكن إلى جوارها فلما فعلت سألته: هل نحن في الجنة؟
ــ فابتسم مردفا: نعم .. نحن كذلك .. نوعا ما ..
وجد الأبيض بجل قافلته بمن فيهم أسامة .. على قارعة الطريق قد ندت أرواحهم بعيدا خارج أبدانهم التي .. التهمها الطاعون التهاما ..
ادعى حبا أقسم أن يفترش روحه متكئا لها ..
فلما تواجها معا ..
حبه الذي ادعاه وأنفاسه الغالية التي أقسم بها ..
طاشت الكفة وانتصر الحب الذي لم يكن يوما قد ادعاه ..
حب الحياة بغرورها الزائف ..
إلا أنه كان حبا قاسيا ..
ولى هاربا .. تركه نادما عدد السنين التي مضت على الوقت بين الأجلين الذي أفناه ..
لو أنه استمع لقلبه .. بر بقسمه .. ظل بجوارها ..
لكان أوفى إليه من طول الأمد الذي .. أنصت إليه فأغراه فأفناه ..
استولت كهرمان على الملك وما أن تربعت فوق العرش حتى .. أرسلت العيون للبحث عن أبان وإحضاره حالا ليتخذ مكانه بقربها إلا أنه .. لا أثر ومع هذا فلم تستسلم .. وبعد مضي سنة كاملة تفاجأت صباحا برسالة ملقاة عند طرف شرفتها .. فلما قرأتها وانتهت أرسلت الأمر للمنادي أن ينادي في الناس أن اجتمعوا .. فلما اجتمعوا اعتلت المنبر وألقت كلمتها التي كانت موجهة إلى كندة .. فقد كان شرطه الوحيد الاعتذار منها ورفع التهمة عنها أمام الملأ كي يعود وما أن فعلت حتى .. جاشت مآقيها بالدمع الذي بلل كلماتها التي كانت بحرقة ترتجيه: أبان .. بني .. لقد اشتقت لك؟
ــ تفرق الجمهور ليمر من خلاله ذلك الشاب الذي تقدم بثقة حتى أصبح قبالتها .. مسح دمعها .. قبل جبينها .. خاتم الملك قائلا: وأنا كذلك ..
لم يمض وقت طويل حتى عادت كندة التي كانت قد قضت تلك الفترة في زيارة لأبيها .. كندة التي حظت باستقبال حار من الشعب بترحيب صادق خاص من قبل الملكة التي .. عبرت عن أسفها عن فرحتها البالغة بها حينما .. وضعت تاجها الغالي جانبا حينما .. مشت إليها حافية القدمين وانحنت .. تقبل يدها كاعتذار رسمي منها لم تكمل .. فقد احتضنتها كندة قبل أن تفعل .. بنفس راضية بابتسامة حلوة شافية سألتها: كيف الحال أماه؟
في ذلك اليوم كان أبان مشغولا طوال الوقت ومع هذا .. فقد عاهدها حتما أنه .. سيلاقيها الليلة ولأجلها استعدت .. دهنت بالعسل بالورد برذاذ الريحان .. اغتسلت بماء الندى الممزوج برائحة البابونج وحبات الرمان .. تعطرت .. تهيأت .. تدثرت بملاءتها البيضاء ثم زفت إلى مخدعها الذي بدا .. وكأنها وللمرة الأولى تراه ..
إلى غرفة بيضاء .. إلى الثلوج تهبط من السماء ..
إليها وقد تسمرت في مكانها مشدوهة .. حقيقة ما أراه أم خيال ..
إليه وقد أتاها من الخلف يسترق النظر .. يسرق قبلة أخرى على عجل إلا أنها ..
باغتته وهربت ..
لحق بها محاولا اصطيادها ..
راوغته .. ناوشته ..
ومن خلف عمود إلى آخر ومن زاوية إلى أخرى ..
كاد أن يمسك بها أن تقع بين يديه ..
قفزت فوق سريرها فقفز خلفها ..
حاصرها بذراعيه ..
ولا حدود لناظريها .. سوى ناظريه ..
لم تزل الثلوج على حالها تهبط بانسجام ..
ولم تزل تتأمل بسكون تقاسيم وجهه التي بدت لها وكأنها .. أبيات شعر مرتلة ..
بانتظار كلمة ينطق بها أو حركة يقوم بها ..
تطفئ لهيب شوقها أو لهفة جوارحها تمتم قائلا: ما رأيك؟
ــ إنه حلمي الذي لم أنطق لك به يوما ..
ــ إلا أنه ليس حلما حبيبتي .. هامسا في أذنها: بل حقيقة ..
كان هذا هو الفصل الأخير ..
مشوار قصير جميل ذاك الذي .. عشته بصحبتكم في هذا المنتدى الرائع الأكثر من رائع ..
سلمتم لي يالغاليين وشكرا لكم ..
من القلب وتحية ..
خالصة شافية وافية لكم وعلى أمل ..
أن ألقاكم مجددا .. دمتم بحفظ الله ورعايته بل .. بسعادة تغمركم أبد الآبدين ..
هذا وأبشركم فوجهكم خير علي ..
لقد تكرمت (المكتبة العربية للنشر) وبفضل من الله وحده .. بنشر إحدى رواياتي وتدعى (بين قلبين) .. أرجو لها النجاح والتوفيق فلا تنسوها بالدعاء والتشجيع ..
ومع السلامة أحبيتي ..
التعديل الأخير تم بواسطة bluemay ; 26-11-17 الساعة 02:04 PM
سبب آخر: حذف بعض المقاطع ، لأنها مخالفة
|