كاتب الموضوع :
الفيورا
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: مشكلتي مع كلمة / بقلمي
5
انتهت فترة إعادة التأهيل وتم السماح لياسر بالخروج، وكم كان حماسه لذاك الخبر بليغا. أوصى طبيبه بيان بعدة برامج وأدوية ووجبات ستعزز من ذاكرته، ووعدته هي بأنها ستلزم ياسر بها رغما عنه إذا اقتضى الأمر ذلك.
أصر ياسر على حمل ساري بدلا عنها عندما خرجا من السيارة، ولم تستطع بيان منع ابتسامة شجن من الارتسام على شفتيها، فتلك كانت عادة ياسر قبل الحادثة. أيمكن أن يتذكر ذلك التفصيل دون وعي؟
توقف ياسر أمام بوابة بيتهم، يطيل في التحديق إليه، غير ملاحظ لشد ساري الخفيف لشعره. نادت عليه باستغراب: وش فيك؟
أخيرا أشاح بنظره بعيدا عن البيت وإليها: أعرفه..
كررت ورائه: تعرفه؟ وشهو اللي تعرفه؟
أجابها عندما دخولهم بتأكد: البيت هذا، أعرفه.. آخر شي أذكره إني اشتريته توي، وما كان مؤثث.
عندما فكرت في الأمر، وجدت أنه كان على حق، فهو كان يمتلك هذا البيت عندما تزوجته.
أخذت منه ساري لتنومه، فصغيرها لم ينم منذ استيقاظه عند الفجر معها.
عندما عادت، وجدت ياسر في غرفة الجلوس، ينظر إلى ما حوله بتفحص. قالت تعلن عودتها: ترى إنت اللي أثثت ذي الغرفة. لا تتبلى علي إذا شفت شي ما أعجبك..
قال دون أن ينظر إليها: خمنت. على الأقل أشوف إن ذوقي لساته حلو..
ابتسمت بحب: يمدحون التواضع../ سألت مردفة: أعطيك جولة ولا خلاص سويت رحلة الاستكشاف في غيابي؟
عندها نظر إليها ليرد، لكنه سرعان ما أشاح النظر لمرآها. استغربت تصرفه وتفقدت ما كانت ترتديه، قميص كحلي قصير الأكمام وجينز أسود، ولم ترى فيه خطبا.. عندها استوعبت..
كانت هذه المرة الأولى (على حسب ذاكرته) التي يراها دون عباءة، وربما كرد فعل تلقائي أشاح النظر.
كم سرها اكتشاف أن ياسر كان غاضا للبصر بطبيعته.
جلست جانبه توجه نظره إليها بابتسامة شقية: تراني حلالك.. عادي تناظر..
قال بسخط يخفي حرجه: أدري، أدري!
قالت تغيظه: ولو تدري ليش قاعد تناظر لأي مكان إلا عندي؟ هذا وأنا لابسة جينز، إذا كنت لابسة قميص نوم وش كنت بتسوي، تهج من البيت؟
بدا ياسر كأنه على وشك الاختناق، من الحنق أو الحرج، لاتدري. ضحكت تربت على كتفه بتعذر: آسفة آسفة، أدري إن الوضع يبغاله تعود. لو كنت مكانك يمكن كنت بتغطى عنك لسنة أو أكثر..
ابتسم حينها، وظهر في عيونه دفء لم تره موجها إليها قط: إنتي دايم كنتي معاي كذا؟
أومأت بنعم، للحظة لا تستطيع إيجاد الكلمات لتقولها، تشعر بخجل يعتريها.
بعكس الآن لكن، كان ياسر فقط.. يصد.
/
/
نطقت ميساء بذهول: إيش؟
زارت العيادة مثلجة الأطراف خشية العواقب التي قد يتسبب فيها سقوطها، لكنها تلقت أخبارا كانت عكس ذلك بالكلية.
ابتسمت لها الطبيبة النسائية التي كانت تراجعها لسنتين الآن: إنتي ليكي سنتين تراجعيني فيها وبتشتغلي على نفسك.. وشغلك ده جابلو فايدة والحمد لله..
شرحت لها نتائج الفحوصات التي أعطتها، مؤكدة لها أن علاجها طويل الأجل قد أثمر.
سنين قضتها تتنقل بين المستشفيات، إما تلاقي الشفقة أو الخذلان، سنين قضتها تصلي وتدعو متضرعة ربها أن يشفيها، أن يرزقها ما تاقت دوما إلى الحصول عليه.. أسرة، أطفال من صلبها..
والآن.. والآن بحمد الله لديها أمل!
كل ما عليها الآن هو أن تجرب أن تحمل، لتتابع الطبيبة أي تطورات قد تطرأ عليها..
فرحتها بالخبر انطفأت لتذكرها ذاك التفصيل، ووضعها الحالي التي تعيش فيه..
لديها.. لديها الكثير لتفكر به..
:
كناقد فني، سر أمجد أن يستضيف هذا المعرض الذي أقامه أحد المعاهد الفنية ذائعة الصيت. كوكبة من المواهب الفذة امتدت على مدى نظره، تبهجه.
رأى رجلا شابا يقف أمام أحد اللوحات، واحدة تحت عنوان "محيط النجوم". كانت من أروع الأعمال التي رآها، فيها عكس أدوار بحيث كان الهلال قاربا، والغيوم أمواج، والنجوم محيطا.. بتخالط لوني مبدع وأبعاد مبهرة. تستحق الثمن الغالي الذي قدرها به. كانت على يد طالبة اسمها ميساء السيف وفقا للمعلومات التي أعطاها له المعهد.
حيا الرجل ثم سأله كما فعل مع كل من رآه يستوقفه عمل فني ما: مهتم؟
نظر له نظرة خاطفة ثم رجع إلى تأمل اللوحة: إيه..
وعندما أكمل معاملات الشراء معه، سأله أمجد: في أعمال ثانية إذا بتحب تشوف..
أجابه ذاك قبل أن يخرج: مابي غيرها..
/
/
تعترف زينة، استخارت وشعرت براحة عارمة. بقي شيء واحد يمنعها من النطق بالقبول، ابنتها نوف..
أقلقها هدوئها عندما أجلستها وأخبرتها بأمر خطبتها. كانت ستؤكد لها أنها سترفض ما دامت غير راضية، لكن نوف قطعتها بسؤالها بطريقة لم تعهدها: إنتي مرتاحة في قرارك؟
أجابتها بكل صراحة، فتلك كانت علاقتها مع ابنتها منذ الصغر: إيه..
هتفت عندها نوف بحزم بدا غريبا على ملامحها الطفولية: أجل وافقي!
سألتها، تتأكد من أي اعتراضات مدفونة..: متأكدة؟
بدا على نوف الاقتناع التام وهي تومئ بنعم: إنتي ما تتخذي قرارات مهمة زي ذي بالساهل، ولا ترتاحي لشي إلا وهو بإذن الله خير لنا..
منذ متى كبرت ابنتها هكذا؟ لطالما كانت تظن أن نوف كانت تفكر بطريقة أكبر من عمرها، تخفيها تحت طبيعتها المرحة، لكن ليس لهذا الحد..
وكزتها بفضول عندها: إلا يمه ما قلتيلي.. من عريسك هذا..؟
ابتسمت عندها، عارفة صدمة ابنتها بمعرفة الإجابة: واحد اسمه ليث الصائغ..
اتسعت عيون نوف بطريقة طريفة، كيف لا وهي من أكبر معجبيه؟: إيش؟! يمه من جدك؟ لا يكون ذا من أعراض أزمة منتصف العمر؟
ضربتها بخفة على رأسها: أي منتصف العمر يقطع شرك، لساتني في الخمس والثلاثين..!
هزت نوف كتفيها بعدم مبالاة: والله يمكن تجي مبكر، وإلا ليش تتوهمي إن ليث الصائغ بكشخته وجنتلته هو عريسك؟
ضحكت زينة بشدة: الكشخة والجنتل على قولتك هو نفسه الخاطب الموقر..
استغرقت وقتا حتى تقنع نوف بأن ليث حقا هو من خطبها، لتهتف نوف بأنها ستبلغ عمها بالموافقة قبلها هي.
:
عرفت نوف منذ الصغر أن حياة أمها ارتسمت بالفقد والخذلان.
أمها كانت ابنة أبيها من زوجته الثانية، وحيدتها، وتيتمت منها منذ ولادتها. حاول أبوها التعويض عنها، وكان لها نعم السند إلى أن توفي، إلى أن تزوجت برائد، أبو نوف الذي لا تعرف شيئا عنه سوى فشله، سوى عدم استحقاقه لإمرأة عظيمة مثل أمها.
لا تدري نوف كيف مضت أمها في دراستها وولادتها ثم عملها، بينما كان أبوها رائد مسترخي في البيت، مطرود مرة أخرى من عمله.
خاضت أمها عناء التعيينات في قرى نائية برفقة بكائها وحاجاتها كرضيعة. وجربت طعم الخذلان وهي ترى زوجها يبدد ما كسبته مهب الريح.
كم من مرة في صغرها صادفت نوف أمها تبكي في خلوتها، تبكي قهرها وغبنها وتدعو متضرعة ربها أن يُذهب هذه الكربة عنها.
وكضربة أخيرة، حينما فتح الله على أبيها ورزقه بوظيفة ثابتة يكسب منها الكثير، قابل أمها بالنكران وزواجه بأخرى وتطليقها قبل أن تطلب هي ذلك. حرمها حتى خيار الاعتبار لذاتها.
عم أمها هو الوحيد الذي دعمها بعدها، في ظل تخلي إخوتها من أبيها عنها، مسكنا لها معه.
تعترف نوف أنها عندما سمعت خبر وفاة أبيها قبل سنة، لم يتحرك قلبها كما يجدر به، فهي لا تعرف ذلك الرجل. أقصى ما تستطيع كان الترحم عليه.
تريد وبشدة رؤية أمها مرتاحة، مشدودة العود بسند لا يخذلها، ودعت ربها أن يكون ليث الصائغ لها ذلك.
:
وجد ليث نفسه يبتسم بانتصار عندما تلقى خبر الموافقة.
فاجأته تلك الزينة، بتواضعها وصراحتها ودماثتها. لا يذكر أنه التقى بأنثى مثلها قط.
قد يقول البعض أنها كانت هادئة الملامح، لكن ليث لم يكن ليوافقهم الرأي. فحتى مع عباءة خالية من الزخارف، وطرحة محكمة اللف، لاتبدي سوى وجهها الخالي من مساحيق التجميل، شدته..
ربما كان ذلك لصرامة مظهرها، لعدم تكلفها رغم علمها التام بهويته، ربما كان لعيونها العسلية التي تألقت ببريق ساحر كلما ابتسمت.
كان متشوقا لمعرفة ما ستجلبه الأستاذة زينة إلى حياته.
انتهى البارت..
|