كاتب الموضوع :
الفيورا
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: مشكلتي مع كلمة / بقلمي
وصلنا للخاتمة..
الأخير
بدأت السنة الدراسية من جديد، ومع تلك البداية أدركت زينة أمرا.
لم ترد العودة إلى التدريس.
صارحت ليث إدراكها ذاك: صح إني أحب التدريس وأقدر أرجع له بعد ولادتي، بس ما أبغى مع مسؤولياتي. بنفس الوقت، بدون التدريس، أحس بيكون فيه شي مفقود في حياتي..
أخذ ليث لحظة قبل أن يقول: ليش ما ترجعي تدرسين لغات؟
أخذها جوابه على غفلة: لغات؟
أومأ لها بنعم، مؤكدا: مو قلتي إن حلمك كان إنك تصيرين زي أبوك؟ ليش ما ترجعين تدرسينها طيب، خصوصا ودراسة اللغات صارت أسهل وتقدري تأخذي لك كم كورس وإنتي في البيت../ أمال رأسه بفضول: ليه تناظرين لي كذا؟
أدركت زينة حينها أنها كانت تحدق في ليث بعجب، وأدركت لحظتها أيضا أنها تزوجت رجلا يشجعها على تحقيق حلم قديم يئست منه.
ابتسمت له تطمئنه، تنظر إليه بكل الحب الذي تكنه له: مافي شي.. عجبتني الفكرة.
كأن ليث كان في مهمة لإصلاح كل معنى تشوه في ماضيها.
/
/
فتحت ميساء عيونها لترى أنها كانت في غرفة مستشفى، لتستغرب..
"ليه أنا هنا..؟"
أدركت عندها أنها لم تكن لوحدها في الغرفة، بل جواد كان جالسا جانبها، يستكين بارتياح، يتنفس الصعداء، عندما وجهت نظراتها إليه.
سألته: وش صار؟
ليرد: شكلك مصرة تفجعيني..
عجبها زاد. أردف هو بنبرة مؤنبة لكن غلبها القلق، تذكرها بتلك المرة التي وجدها في ظلمة مزرعة جدها وهي صغيرة: صايرة مو مشتهية لأكل ولا حتى الموية تشربيها، دوارك وصداعك مزداد، والأردى أرجع البيت وألاقيك طايحة على الأرض مغمى عليك.
هزت كتفا، لم تكن غريبة على حالات الإغماء: بس اللحين أنا بخير، صح؟
تنهد: إيه، بعد كم مغذي وهواش من دكتورتك.
كررت: دكتورتي..؟
أجابها وابتسامة ترتسم ببطء على شفتيه: إيه، الدكتورة اللي كنتي تراجعينها على حسب اللي قالتلي.
ازدرت ريقها بتوتر لا تدري سببه: ووش قالت الدكتورة عني؟
انحنى مقتربا إليها، يلثم شفاهها برقة وهو يضع يدا على بطنها بمعنى، هامسا لها عندما ابتعد لينظر إليها: مبروك يا ميساء..
فهمته. فهمته على الفور، لتجد نفسها تختنق بالعبرة، مثقلة بالسعادة، تتشبث بجواد ليثبتها من فرط جموح أحاسيسها التي هاجت من استعادة معنى فقدته.
:
أهلها دائما ما كانوا يدعمون قراراتها، لكن هذه المرة لم يفعلوا، بل نصحوها ضد ما كان في رأسها وتخطط تنفيذه، وعندما لم ترضخ لمى لنصحهم، راقبوها من الأطراف بتوجس. الوحيد الذي كان يدعمها كان أبوها.
مضت ثلاثة أشهر منذ أن تم إسعافها إلى المستشفى، لتُعلم بخبر إجهاضها، خسارتها.. ثلاثة أشهر في بيت أهلها، تتمسك بعناد بموقفها، بأن يراضيها جواد بما يستحق قدرها. لكن جواد لم يفعلها، وتركها كالمعلقة. كان جوابه إذا سُئل هو: ما غلطت، ليه أراضيها؟
وكانت لمى ستتمسك بموقفها أكثر، تظل مقاطعة له أطول، لولا أنها سمعت خبرا يُتداول بين أفراد العائلة، ليقودها الغضب لإلتقاط هاتفها والاتصال بجواد.
حتى طريقته في الرد عليها بعد فراق شهور أوحت بالبرود وعدم الاكتراث: نعم يا لمى؟
قالت بصوت أشبه بالفحيح: سمعت إن ميساء حامل وحبيت أباركلها../ أردفت وغضبها القاتم ما زال يقودها، يعميها عن صوابها: حبيت أسأل بعد.. مين الأبو؟ على حسب اللي سمعت، فيه مرشحين كثار..
الصمت كان جوابها للحظة، وفي هذا الصمت أدركت فداحة ما تفوهت به.
أخيرا أتى رده الهادئ، يرعبها ببرودته والنية المبطنة فيه: احمدي ربك إني مو واقف قدامك يا لمى..
لم تستطع الكلام، وجدت لسانها متجمدا غير قادرا على تشكيل حرف.
لكن.. لم يبدو على جواد أنه أراد منها الكلام أصلا: لعلمك، ما عمري حسيت بشي خاص لك، لكن كنت احترمك كبنت عمي../ شخر بسخرية حادة: بس شكله حتى ذاك الاحترام كثير عليك..
ختم قبل أن يقفل الخط: ورقة طلاقك بتوصلك بكرة.
/
/
كان متوقفا في الشارع المقابل لبيت أهل بيان كما صارت عادته عندما تلقى رسالة.. رسالة من بيان، تخبره التالي:
*وقف عندنا*
عندما فعل، لم تمضي لحظات إلا وهو يرى بيان خارجة ومعها ساري.
سألها بحيادية عندما ركبت السيارة، يخفي تفاجؤه: خلصتي تفكير؟
أجابت بصوت خالطته الضحكة، ليحس بالراحة من توجساته: هو إنت تخلي مجال للوحدة تفكر؟
اعترض والبسمة تجد طريقها إليه أيضا: خليتك على راحتك وما غثيتك، وش تبغين أكثر من كذا؟
تنهدت، معنى مبهم في ردها: أدري، أدري..
انتظر حتى وصلا إلى البيت، حتى نومت بيان ساري، ليكمل تلك المحادثة العالقة بينهما: ما تظني إننا ضيعنا وقت كثير بيننا؟ خلاص، جا الوقت اللي بنكون فيه على بينة مع بعضنا، الوقت اللي ما نسيء الظن في نفسنا ونستسلم لذيك الظنون، ولا وش رأيك؟
ابتسمت له عندها، تلك الابتسامة الدافئة التي يحب: رأيي من رأيك يا ياسر..
:
كانت سهرة طويلة مليئة بالمصارحات وتنفيس الروح تلك التي قضياها، أحست بروحها أخف بكثير، أكثر حرية.
قال ياسر بعد لحظة تفكير: تصدقين، ذاك الحادث وفقداني للذاكرة صاروا لي نعمة..
أنبته بحزم، لا زالت تتذكر منظره عندما أحضروه إلى المستشفى، غائب عن العالم، بالكاد يتنفس، وغارق في دمائه: لا تمزح في ذيك الأمور..
سمعت الجدية في صوته عندما أصر: وأنا ما أمزح، كلامي من جد. ذاك الحادث أعطانا سبب نغير فيه من حياتنا القديمة، ومنعني من قرارات خايسة..
حسنا، لا تستطيع الاعتراض، خصوصا في أمر القرارات "الخايسة": حتى ولو، أفضل ما تطري الحادثة ذيك.. ظنيت.. ظنيت إني بفقدك..
أحكم من ضمه لها، يؤكد بقبلة على جبينها: هذاني جنبك اللحين، سالم معافى والحمد لله..
ظلا صامتين بعدها، يستغرقان في وجود أحدهما الآخر.
وهذه.. هذه كانت بداية جديدة بحق، بداية عرفت فيها معنى الرابط بينها وبين ياسر.
/
"بعد شهور"
/
كل مرة تستوعب وجود هذه الصغيرة النائمة بين ذراعيها، وجدت ميساء نفسها تلهج بالشكر والثناء لله، لرزقه لها ما تمنت منذ الأزل.
سألت والضعف واضح في صوتها جواد الذي كان يراقبهما بصمت: سميتها؟
هز رأسه بـلا: بخلي الخيار لك.
ابتسمت عندها: أجل بسميها سالي.
زفر بضيق طريف: ميساء..
اتسعت ابتسامتها أكثر لرؤية ردة فعله: مو إنت خليت لي حرية الخيار يا حضرة المحامي؟ يعني خلاص، بتصير أبو سالي.
بدا عليه الاستسلام والاقتناع المحب: حاضر يا أم سالي..
/
/
سمعت أصوات نوف وجود تناديها، لتهتف ترد عليهما: طيب، طيب.. جاية!
جلست في مكانها كما أصبحت العادة، بين نوف وجود، والآن آخر إضافة إلى العائلة، صغيرها ثابت، في حضنها.
علت جود صوت التلفاز الذي كان يعرض مقابلة مع ليث في إثر نشر آخر رواية في سلسلته، "برج نيرو"، والتي لاقت إقبالا امتد إلى مختلف الفئات العمرية والنوعية فاجأه هو حتى.
سأله مضيف البرنامج: روايتك الأخيرة كانت مختلفة عن باقي الروايات في سلسلتك. ما كان سبب هذا الإختلاف، وما ألهمه؟
ابتسامة ليث المهذبة اكتسبت ألقا دافئا عندما أجاب: ملهمتي في مساري الجديد كانت زوجتي..
استرسل في الحديث عن تأثيرها فيه وفي كتاباته دون تفصيلها كشخص، لكن الاحترام والحب الفاضح في نبرته حكى عن الكثير..
ابتسمت جود بخبث: الله، الله، ما يمزح أبو ثابت..
لتدعمها نوف: رايح في خرايطها عمي، وش تتوقعين؟
ضد هجوم ثلاثي كاسح من هذا العيار، لم يكن بوسع زينة سوى التشاغل بثابت النائم، محمرة حتى أذنيها، لا تستطيع منع ابتسامتها ولا السعادة الراضية فيها.
/
/
تنهد ياسر بقلة حيلة، يخطو ببطء يجاري خطوات ساري المهزوزة إلى الأثر التاريخي الذي اتجهت بيان نحوه بحماس. وحال وصولهما عندها، أخذت بيان تخبره بشغف عن كل ما قرأته عن هذا الأثر.
صحيح، لم يعرف ما كان مقدما عليه عندما قرر السفر ببيان لاسطنبول، لكنه لم يندم، خصوصا لرؤية السعادة الصريحة فيها، بالحب يشع في عيونها، يسري في نظرتها مسرى العرفان.
لا، لم يندم..
تمت بحمد الله..
|