كاتب الموضوع :
الفيورا
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: مشكلتي مع كلمة / بقلمي
جدا آسفة على التقصير في ردودي عليكم اليومين ذولا، الوقت صار ضيق علي.
بارت اليوم مختلف شوي..
17
اليوم خلينا نغير الإيقاع، لأني بصراحة مقدر أفكر بشي له علاقة بشغل أبدا.
أبوي استدعاني لمكتبه اليوم، كان فوجهه كلام كثير وباين إنه مهم. لما سألته عن اللي خلاه يناديني عنده، بدا يقولي قصة.
لما كان أبوي في بداياته في التجارة، ما لقى مستثمرين يدعمونه. في اللحظة اللي بدا يستسلم فيها، صديقه جا واستثمر عنده، وساعده بفلوسه اللين ما فتح الله عليه. سنين تمضي وأبوي يحاول يرد الدين، بس صديقه يرفض، حتى لما كان يواجه ظروف صعبة في شغله وصحته. بعدها فكر أبوي إنه يقدر يرد الدين بطريقة ثانية.
أبوي طلب مني أتزوج بنت صديقه.
لحظة.. طلب؟ لا، ما طلب. أبوي غصبني أقبل، ربط رضاه ومساعدته لي بقبولي.
لأني وحيده، تعودت ما تنرفض طلباتي. تعودت احترام قراراتي، حتى لما اخترت أدخل في مجال الهندسة بدل التجارة معه، دعمني أبوي بكل ما عنده.
وفي أهم قرارات حياتي، بالارتباط بأنثى بتكون لي زوجة، أبوي حرمني حرية قرار.. عشان قضاء دين؟
هو الناس صاروا سلعة، عملة تتبادل بيناتهم؟
-
قبلت، وش أسوي غير كذا؟
مقدر أفرط في رضا أبوي علي مهما كان..
أملي كان بس إن البنت بترفض.
-
البنت قبلت. البنت كان اسمها بيان.
بيان اللي بتصير زوجتي غصبا عني.
أثاري الغصيبة طعمها مر، ووزنها ثقيل على الروح.
أبوي وأبوها تشاوروا على كل شي، وأنا كنت زي الأطرش في الزفة. الشي الوحيد اللي ساهمت فيه هو تأثيث بيتي اللي اشتريته من فترة عن طريق قرض.
-
ما كنت أظن إني حطيت السجل ذا مع أغراضي.. ما عليه، صار عندي مكتب أقدر أكمل الكتابة فيه. بصراحة أحس إني أرتاح شوي لما أكتب وأفضفض.. أثاري الأطباء النفسيين لما ينصحوا الواحد يكتب يومياته شافوا شي..
مضت ثلاثة أيام من زواجي ببيان، واللحين اثنيننا مستقرين في بيتي.
عرفت بيان إن زواجي بها ما كان برضاي.
ما قلتلها بخياري، صراحة. كنت أتكلم مع أبوي في التلفون لما رحنا الفندق بعد العرس، وسمعتني وأنا أقوله ما يغصبني على سفر لشهر العسل زي ما غصبني على هذا الزواج.
سألتني هي بتعبير جامد إذا اللي سمعته كان صحيح، وقلتلها إيه. ما تكلمت معاي طول الليلة ذيك، وما ألومها. نامت هي على السرير وأنا على الكنب، أفكر بالحياة اللي انربطت فيها.
مابي أظلمها، ومابي أكسر فرحتها. لو الود ودي ما خليتها تسمع المكالمة بيني وبين أبوي. بس ما دامها عرفت، ما بكذب عليها. على الأقل بتعرف سبب غرابة تصرفاتي.
لأني إلا اللحين مقدر أتقبلها، مقدر أفكر إلا بالظروف اللي أدت لارتباطنا ببعض، مقدر أخدع نفسي بوهم إن هذي السالفة بكبرها كانت باختياري.
على الأقل.. بيان متقبلة الوضع بشكل غريب. لما سألتها قالت إنه عادي، في زواجات تأسست على أردى. اقترحت نعيش كرفقاء سكن..
عجيب، أمر ذي البنت..
-
بيان كثيرة المزح، ماعرف جدها من هزلها.
أحيانا أحس إنها تستهزئ فيني بلامبالاتها بوضعنا. يمكن هذا من حقها، يمكن هذا جزاتي لأني كسرت فرحتها كأي عروس طبيعية. بس هذا ما منعني إني أتضايق من فكرة إنها ما تعتبرني شي حصل في حياتها.
صديت وصديت عنها، لعل وعسى إذا بقيت مسافة بيننا، ما بتأثر فيها.
ولفترة، بقى الوضع بيننا كذا. كل واحد فينا فغرفة، هي تمزح وتتصرف كأنها تبغى تستفزني وتطلعني من طوري، وأنا متمسك بقناع الصد..
قناع، لأن رغما عني.. بديت أتأثر، بديت ابتسم وأنا لحالي لما أتذكر تعليق قالته بيان عن شي. بديت أحس بالرضا لشوفة الحنان والطاعة فصوتها لما تكلم أبوها وأمها. بديت أطيل بالنظر فيها وهي ما تحس. بديت أحس بالفضول.. أسأل نفسي سؤال..
لو كان الأمر هذا كله برضاي، كيف كانت بتكون حياتنا؟
-
كل مرة أشوف بيان مبتسمة، أحس بشي داخلي يتصدع. وكل ما جاني ذاك الإحساس، كل ما زدت صد وبعد. لأن استسلامي لذي الأحاسيس الوليدة بيكون لي النهاية.
صعبة المقاومة. صعبة المقاومة لما تكون بمواجهة شخص مثل بيان، مليان روح وحياة.
-
أبو بيان توفي اليوم، الله يرحمه.
ما أعرف شي عن ذاك الرجال، بس من كلام أبوي عنه، من كلام بيان، نادر العايض كان رجال يضرب له المثل في الشهامة والعطاء.
انهارت بيان ذاك اليوم، شفت الضعف فيها بطريقة ما شفتها أبد. كانت تهذي بلا وعي فصرت أضمها على صدري، أحاول أخفف ولو شيء بسيط من اللي في قلبها.
قالتلي إنها بتبيت فبيت أمها لأيام.
أدركت شي لما اختليت في البيت بدونها.
أدركت إني اشتقتلها.
-
طولت بيان في بيت أمها، إلى أن جاء اليوم واتصلت بي تطلب مني توصيلة.
(أمي كانت شوي وتجرني عندك..)
قالتها بضحكة مالها لون ولا طعم لما ركبت سيارتي. ما عمري التقيت بأحد يحسسك إنه مستغني عنك زي بيان.
بعض المرات أتساءل مين فينا المغصوب على الثاني..
-
شوي شوي، بدت ترجع بيان لطبعها الأول، وردت الروح لابتسامتها مرة ثانية..
ارتحت بطريقة ما ارتحت فيها من قبل، وما فكرت تحت أي مصطلح بحط ذي الراحة. ما أبغى.
-
اليوم قريت اللي كتبت في ذا السجل، واللحين بس حسيت بكثر ما أكتب عن بيان.
-
كان صعب إني أقاوم غريزتي وهذيان عقلي وقلبي مع بيان وهي على طبيعتها، مرات بقمصان قطنية وتنانير، مرات بجلابيات، مرات بجينزات.
كيف أقدر أقاوم وهي تتمايل قدامي بأحسن زينة، بأجمل منظر؟
ما قدرت، وضعفت، واستسلمت للحظة هوى.
-
كرهت ضعفي، كرهت جسدي اللي ما طاع كبرياء روحي.
كرهت إني ما ندمت لحظة على اللي سويته، كرهت إني أعرف إن مقاومتي بتكون سراب بعد ما عرفت وش اللي كنت أصبر عنه.
ومرت الأيام كذا، أكابر في اليوم، وانهار في الليل.
اللين ما جت عندي بيان بخبر.
(أنا حامل..)
فرحت.. فرحت فرحة ما توقعتها، ومن تعابير بيان المصدومة، فرحة هي بعد ما توقعتها.
متحمس بشكل غير معقول!
-
ذي الأيام عرفت وش اللي أصحابي يقصدونه لما يشتكون من وحام زوجاتهم.
السالفة ردية، ويبغالها بال وصبر طويل.
على الأقل بيان ما توحمت على شي يضرها، ما شاء الله على اللي في بطنها، يداري صحتها بشكل، ما خلاها تتوحم إلا على فواكه وخضروات.
أهمها الموز. الموز اللي بيان شوي وتكتب قصائد مدح فيه.
توني راجع للبيت الساعة وحدة، بعد ما فرفرت في شوارع الرياض عن سوبر ماركت مفتوح أقدر أشتري منه الموز المنشود. للأسف مورد الموز جارنا اللي على بعد شارع خذلني بإقفال محله. حشى دجاجة هو عشان يسكر محله على المغرب؟
من قلة النوم عبرت لبيان عن خوفي المبرر المدعوم بالأدلة العلمية إن اللي في بطنها يكون قرد.
ما دريت إلا وبيان تضحك بقوة، وتبتسم لي ذيك الابتسامة وتنظر لي بذيك العيون المليانة دفى.
تمنيت لحظتها إن ولدنا بيطلع عليها.
-
ما يفيد الإنكار على هذا الورق، فخليني أعترف بدل ما أخنق روحي.
أحب بيان. أحبها. أعشقها وأموت فيها.
أقدار الناس لها أطوار.. أنا اللي انجبرت أتزوجها، وأنا اللي انتهى المطاف بحبها. هي اللي كان لها حرية القرار، وهي اللي كانت عايفتتي.
الشيء الوحيد اللي أقدر أتمسك فيه هو كبريائي، برودي الظاهري.. مقدر أتخيل فكرة إنها تدري بحبي لها، لأن ما كان لذيك الاحتمالية إلا خيارين..
يا إما تتشمت فيني، أو بتشفق علي.
مدري أي واحد فيهم أردى.
-
صار عندي ولد.
اسمه ساري. وأنا مستعد أدخل في مضاربات عشان أثبت إن أظرف منه مافي.
بيان هي اللي سمته وأنا وافقتها. من كثر الأسماء اللي جت فبالي ما قدرت أختار منها شي، ولو كان الأمر علي كان اللحين ساري قضى سنته الأولى بدون اسم. الحمد لله بيان ريحتني من ذيك المهمة الصعبة.
بتقضي بيان الأربعين في بيت أمها. وأنا طبعا حدث ولا حرج، حالة من الشوق المستنفر. صرت أزورهم كل عصر، أتطمن على أحوالهم وأرجع لبيتي. الوحشة لحالي كأنها قبر استغفر الله.
مضى أسبوعان من ولادة بيان، وأنا بس أعد الأيام لرجعتها مع ساري.
-
صحيح إن عمر ساري شهرين وحاجة، بس بصراحة هو نعم الونيس والمستمع.
مضت أسابيع من رجعة بيان لبيتي، أسابيع تعودنا فيها روتين مختلف مع ساكن البيت الجديد.
ما أقول إن التعود على ساري كان سهل، أبد ما كان سهل. كان متعب بكل ما في الكلمة من معنى. لكنه كان تعب حلو. تعب تخوض فيه وإنت راضي..
لما تكون بيان تعبانة أو ناقصها نوم، أقعد أنا أهتم بساري طول الليل، أقعد أفضفض له عن مشاعري تجاه أمه. طبعا ساري ما يرد، بس يبتسم لي ابتسامة أمه. أحمد ربي إنه رزقني أمنيتي ذيك.
-
الشي اللي يثير استغرابي أكثر من أي شي ثاني هو ليه ما طلبت بيان الطلاق مني. سمعت قصص كثيرة عن ناس انغصبوا على بعض، و النطق بطلب الطلاق دوم كانت ردة الفعل السائدة.
بس بيان أبد ما سوتها.
سألتها، وجاوبتني إن السبب الوحيد اللي خلاها تصبر علي، تصبر على فكرة إني مغصوب عليها، هو وصية أبوها بإنها تكون زوجة لي.
اللحين عرفت مفهوم الأسئلة اللي تندم معرفة أجوبتها.
كأن زواجنا كان غرفة.. أنا انجبرت أدخلها، وبيان انجبرت تبقى فيها.
كانت ذيك القشة اللي قصمت ظهر البعير.
-
خطبت بنت خالتي وئام. كانت خطوة غبية متهورة بجميع المقاييس، بس هي اللي بدرت فبالي ذيك اللحظة. شي يعالج نار القهر المحترقة فصدري. شي أتمنى يأثر فبيان في سري حتى لو كنت موقن إنها ما راح تهتم.
ألفت لبيان رواية عن سبب خطبتي لوئام، خرابيط ما لها صحة عن حبي لها من يوم ما كنت في الجامعة. أكابر وأنا أندم في اللحظة مليون مرة، خصوصا لما وئام وافقت.
-
قالتلي بيان مبروك ببرود الثلج، ولأول مرة من سماعها لمكالمتي مع أبوي، شفت الجرح في عيونها.
تعاملها معي صار رسمي، بارد، مافي أثر للحياة أو الإنسانة اللي عرفتها فيه. كانت تقوم بواجباتها بكل آلية.
تركتها لحالها، ما ألومها. يمكن ما كانت تكترث لي لشخصي، بس يقولون إن الضرة مرة مهما حصل. ليتني فكرت بكذا قبل ما اتبعت كبريائي الغبي..
أمي أعطتني رقم وئام أكلمها.. ما أذكر إذا كلمتها أكثر من مرتين..
-
اكتشفت حقيقة إن الواحد يقدر يشتاق لشخص حتى وهو واقف قدامه.
اشتقت لك يا بيان.
اشتقت لك..
:
كان هذا آخر ما كتبه في السجل، قبل أيام قليلة من الحادثة التي أودت به إلى غيبوبة.
أغلق ياسر السجل، لينظر إلى بيان الجالسة على طاولة المكتب، تستمع لما كان يقرأه من سجل يومياته.
لديهما الكثير ليتحدثا عنه.
انتهى البارت..
|