كاتب الموضوع :
الفيورا
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: مشكلتي مع كلمة / بقلمي
مشكورين حبيباتي. وأبد! ما في تقصير من عندكم. تسلملي طلاتكم :)
16
مضى وقت منذ أن زارت بيت أبيها. لكن، وعلى عكس تلك المرات في السنة الماضية، لم تزر ميساء بيته اليوم للمكوث بضع أيام فيه، بل زارته ومعها جواد الذي قال لها قبل كل شيء أنها لن تبيت عند أبيها الليلة.
كانت تناغي أخوها من أبيها ماجد في غرفتها القديمة، تاركة المجلس لأبيها ولجواد بعد فترة. ما زال أثاث الغرفة لم يُلمس منه شيء، وكل ركن منها ما زال يُعتنى به تحسبا لزيارتها.
سمعت صوت جواد يعلق، يقطع عليها أفكارها: غرفة الأميرة، صح؟
ابتسمت، فقد كان ذلك لقب أبوها لها في صغرها: إيه..
لكونها بنت أبيها الوحيدة، فقد دللها تدليلا، وكانت كل طلباتها مُجابة. فخامة غرفتها وحدها دلت ذلك.
جلس جواد جانبها، ينظر إلى الصغير في حضنها، الفضول الحيادي ظاهر في صوته: راضية بالوضع هذا؟
نظرت إلى ماجد لتبتسم بدفء، تفهم ما كان يقصده جواد بسؤاله: طول عمري كنت أتمنى إخوان لي، واللحين صار عندي. كبرت على حركات الدلع والاحتكار، والحمد لله أبوي أخيرا راح وشاف حياته. طيبة، زوجة أبوي. تداري مصلحته ومصلحة أخوي.
رفعت ماجد بمعنى: شوفه كيف ظريف حده. فديت خدوده المحمرة..
قال جواد عندها، تستشعر عذوبة مودته تحت تهكمه الساخر: ما يقلب حالك زي كذا غير الأطفال..
أتت زوجة أبيها لتأخذ ماجد تنومه، تاركة لهما لوحدهما في غرفتها القديمة. وقف جواد يتجه إلى الجدار الذي صُفت فيه أعمالها الفنية الماضية، لتقف هي جانبه تفسر: لما تركت الدراسة بعد ما خلصت الثانوي، كان عندي وقت كثير أشغله، وهدفي صار إني أعبي هالجدار.
سألها عندها: ليش ما كملتي دراستك؟
لم يكن موضوعا فتحاه بينهما، وكلما اقترب شيء ناحيته تجنبته. لكن الآن، وهو في هذه الغرفة، قررت أن تصارحه: تتذكر لما كنت صغيرة؟ كيف كنت باليالله أفهم؟ دوم كذا كان حالي في المدرسة. كرهت كيف الدراسة حسستني إني غبية وتركتها. ليش أتعب أبوي معاي؟
أكملت، تنطلق بابتسامة: تدري؟ المعهد كان نعمة من الله. لأول مرة أحس إني فاهمة وش ينقال، لأول مرة عندي زميلات يسألوني عن شي هم ما فهموه..
جعلها جواد تنظر إليه بخفة، لترى اليقين في عيونه وهو يقول: مانتيب غبية، مانتيب غبية أبد.. مو لازم تعرفين للأرقام أو اللغة عشان تكوني ذكية. فيه أبعاد ثانية للذكاء..
أشار إلى لوحاتها قبل أن يكمل: معرفة أي الألوان تنفع مع بعضها، اعطاء احساس معين للوحة.. هذي تحتاج ذكاء بعد. مشكلتك إنك قستي ذكائك بمعايير مو لك، لأن ذكائك فني..
أشاحت النظر عنه، محرجة: بس الفن هواية لي وبس..
ليجيب: هواية أو لا، رسمك خيال. ما عمري كنت أحب الرسم أو حتى إني أناظر في لوحات أو أقرا عن شي له علاقة بكل ذاك، بس من بعد ما شفت رسومك صرت مهتم، صرت أتابع..
كرسامة، هدفها الأهم كان التأثير بكل من ينظر لأعمالها. معرفة أنها أثرت في جواد بتلك الطريقة..؟
سرها، سرها وبشدة: متأكد ما تقول كذا لأنك تعرفني..؟
شخر بسخرية: إذا تظنين إني منحاز، أجل وش اللي بتقوليه عن ذولا اللي ركضوا وراي بعد ما اشتريت لوحتك؟ حتى زميلي في الشغل ما سلمت منه يبغى زيها.
تهدج صوتها من الصدمة: إنت اللي اشتريت لوحتي..؟
عندها، بدا جواد كأنه أدرك زلته، يلتفت بسرعة خارجا ويتمتم شيئا عن انتظارها في السيارة، غير معطي لها الفرصة بالضغط عليه بالسؤال.
/
/
مضى أسبوع منذ سفر ليث، أسبوع أحست فيه بطعم الشوق المر. أحاسيس عدة مرت بخاطرها منذ زواجها بليث، بألوان وأشكال لم تعرفها من قبل.
كم كان الشوق باردا وحيدا، سارق للنوم وللخواطر والفؤاد.
اعترفت زينة في سرها أنها رغم كل حذرها.. أحبته. أحبته بشغف جامح حر، مستوليا على كل زاوية وركن في قلبها.
سمعت صوت نوف تقول بنبرة مكر: هذي المرة العاشرة اللي تتنهدين فيها من جلستي عندنا..
ويبدو أنها كانت تعدي جود بأطباعها، فهي أردفت بنفس النبرة: وكل ما يجي طاري أبوي تزيد تنهيداتك صوت..
احمرت زينة خجلا وحرجا وغيظا. ألهذه الدرجة كانت مكشوفة للملأ؟: ومتى أمداكم تلاحظوا وإنتوا لساتكم تتساسرون في أخبار التويتر؟
ابتسمت جود بإشراق: ما دامنا نتكلم عن التويتر، شفتي آخر تويتات أبوي؟
أجابت زينة بالنفي، لم تكن بالتي تستخدم التويتر كثيرا. أحيانا كانت تضع خاطرة تناسب اليوم، أحيانا اقتباسات أعجبتها، وهكذا.. معظم الوقت كانت تستخدمه لمتابعة الأخبار، ومضت فترة معتبرة منذ أن سجلت دخولها.
بحماس جلست نوف وجود على جانبيها، ووضعت جود جهاز الأيباد خاصتها في النصف عندها تريها.
بين كلامه عن ساعات حضوره للقاعة التي يقام فيها المعرض، وإجابته أسئلة معجبيه عن حبكة رواياته، رأت أبيات شعر تتسلل بينها، بأسلوب مبهم للكل، لكنه واضح صريح لها.. المعنية بها.
ضحكت نوف بخفة: والله اللي يقرا روايات أبوك المليانة مؤامرات وسياسة وتخطيطات ما يتوقع كل ذي الرومانسية تطلع منه.
لترد جود بعد لحظة تفكير: تصدقي، هذي أول مرة أشوفه زي كذا..
قالت عندها زينة بحزم يناقض وجهها القاتم حمرة: تراني بينكم، سكروا ذا الطاري.
هتفت نوف: استحت أميمتي يحليلها!
لتعقب بعدها جود بابتسامة متسلية مسرورة: بقول لأبوي يخفف العيار عليك. ما نبي تذوبي حيا علينا.
:
أقرها مسبقا، أليس كذلك؟ حقيقة عجبه من عيشه بدون زينة جانبه لسنوات طوال. طيلة فترة غيابه، أحس بشيء مفقود فيه، بفراغ ينبض كالجرح.
لم تكن زينة زوجته وحسب، بل كانت نظيره أيضا. شخص لطالما أراد أن يكون جانبه، يعطيه رأيا صادقا لا مجاملة فيه. لم يظن أبدا أنه سيلقى هذا الشخص في زوجة.
كم كانت سياط الشوق المتيمة قاسية. حقا، لا يكفيه مكالمته لزينة كل ليلة. يريد رؤيتها قبل نبضه التالي..
"يا طول ذي المعارض.."
كعادته اتصل بها في الليل، ليستقبله صوتها الناعم المريح: هلا ليث..
تنهد بولع وهو يسمع اسمه كنغمة موسيقية بين شفتيها. ما بالها صيرته كالمراهقين زخما؟: كيفك زينة؟
كعادتهما انطلقا في الحديث، تارة عن أخبار المعرض، وتارة عن أخبار البيت.
بدأت حينها: جود ورتني وش اللي حطيته في حسابك في التويتر..
ابتسم: لو الود ودي كنت حطيت بيت ورى بيت باسمك، بس أغار أحد ينطقه غيري.
ضحكت حينها زينة برقة: يا حلو لسانك لما تبغى./ أردفت ونبرة جديدة جديدة اضفت نغما إلى صوتها: أشوف معجباتك طايحين على التجديد في حسابك..
رد: ويا حلو الغيرة عليك..
غريب، كيف أنه لم ينزعج من فكرة غيرتها عليه نظرا لتجاربه الماضية، بل سرته حد النشوة.
سمع البسمة في صوتها رغم جدية نبرتها: أجل بقولك من اللحين، صح إني كنت أدري بواقع إن لك معجبات بالهبل، وصح إني ما اتخذت قرار الارتباط فيك إلا وأنا واثقة إني قدها، بس هذا ما راح يمنع حقيقة إني أغار وبغار عليك.
همس عندها، لا يستطيع منع الكلمة من الإفلات منه عندما أدركه الشعور بها بقوة كاسحة، لا يريد: أحبك..
بقيت زينة صامتة، حتى أنه ظن للحظة أنها أقفلت الخط، ليأتيه صوتها المتهدج: توقيتك غلط..
ابتسم بانتصار: أنا عندي الاعتقاد إن ما في توقيت لإعلان مشاعرك.
لترد ومازال صوتها مبعثرا: وأنا عندي الاعتقاد إن فيه وقت وموضع تعلن فيه مشاعرك، مو على التليفون..
استحثها، يدرك تلميحها: يعني أفهم من كلامي إن لك كلام لي لما أرجع من السفر..؟
همست بعد لحظات: إيه..
كم سيتلظى بجمر الانتظار: دافع ثاني أعجل بالرجعة.
/
/
استيقظ ياسر بشهقة مذهولة خرجت من أعماق روحه. مرر أصابعه في شعره يحاول ضبط نفسه، استيعاب ما حصل في منامه.
الليلة.. الليلة رأى لأول مرة في ذاك الحلم.
رأى غرفة، رأى طاولة مكتب يكتب عليها، رأى القلم الأسود الذي كان يكتب به.
لم يكن حلمه حلما، بل ذاكرة ما!
نهض من السرير ولم يلحظ أنه أيقظ بيان معه إلا عندما تبعته خارج غرفة النوم. سألته بقلق، ربما ترى النظرة الهاذية في عيونه: وش فيك يا ياسر..؟
ليسألها بدوره: في ذا البيت غرفة فيها طاولة مكتب؟
قطبت حاجبيها باستغراب، قبل أن تومئ بنعم: إيه، فيه مكتبك، بس هو مقفول. أظن عندك مفتاحه مع مفاتيح البيت الباقية.
تذكر ياسر احتفاظ المستشفى لحاجياته التي كانت معه عندما أحضرته سيارة الإسعاف، وقبل أن يخرج أخذها. كان من ضمن تلك الأغراض مفاتيح البيت والغرف كلها.
أخذ المفاتيح معه وتبع بيان إلى باب غرفة في زاوية خالية من البيت. لم يعرف أي مفتاح سيفتح الباب فجربها كلها، وبعد عدة محاولات انفتح.
قالت بيان عندها: تصدق، متعجبة ما سألت عن ذي الغرفة قبل، كنت تروح هنا وتقفل على نفسك في أنصاص الليول، حتى في أيام الإجازات../ أردفت وهي تلقي نظرة متفحصة حول الغرفة الصغيرة بينما هو أنخرط في البحث على المكتب: أول مرة أدخلها، ما هي زي اللي توقعت.
كلامها هذا أكد شكوكه، أعطاه سببا لاستيقاظه المستمر في تلك الساعات المتأخرة من الليل، عزز من صحة ذكراه.
انخرط في البحث أكثر، وسمع بيان تسأله: وش اللي قاعد تدور عليه بالضبط؟
أغلق كتابا آخر ووضعه جانبا: مدري.. لما أحصله بعرف..
عندها لاحظ أن طاولة المكتب كان لها درج، لكن عندما حاول فتحه وجد الدرج لا يتزحزح من مكانه، مغلق بإحكام بمفتاح خاص به.
رجع بالنظر إلى المفاتيح التي يمتلكها، ليرى مفتاحا صغيرا لم يكن ينتمي إلى مفاتيح الأبواب بينها. وعندما جرب ذلك المفتاح، تمكن من فتح الدرج.
داخل الدرج كان يوجد سجل وقلم باللون الأسود..
رأى بيان تشير إلى السجل بطرف عينه: هذا اللي كنت تدور عليه..؟
أومأ لها بنعم، اليقين واضح في صوته عندما قال: هذي يوميات..
تذكر عادته في كتابة يوميات من حين لحين لأغراض الدراسة ومن ثم العمل. كان كثير النسيان فيما يخص شخصه، وخشي أن ينسى تفاصيلا مهمة قد تؤثر على مستقبله وأهدافه.
عندما فتح على الصفحة الأولى، رأى التاريخ المكتوب على الطرف لينظر إلى بيان ويقول: أول صفحة تاريخها قبل ثلاث سنوات..
فغرت بيان فاهها بصدمة، لتعتليها عندها الجدية والتوجس: تبغاني أخليك تقرا لحالك..؟
هز رأسه بـلا: اقعدي.. عندي احساس إن اللي مكتوب هنا بيهمك إنتي بعد..
انتهى البارت..
|