كاتب الموضوع :
الفيورا
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: مشكلتي مع كلمة / بقلمي
تقبل الله صيامكم يوم عرفة! ومن العايدين :)
2
انتهى درس مادة الأدب اليوم قبل انتهاء وقت الحصة بقسط معتبر، فاستغلت زميلاتها هذه الفرصة في سؤال الأستاذة زينة عن رأيها في الروايات المنتشرة في السوق حاليا. مثل زميلاتها، فإن جود كانت تستمتع بسماع آراء معلمتها، فهي كانت لديها طريقة مشوقة آسرة في الكلام، سواء كان شرحا أو إبداء رأي أو نصيحة.
سألتها إحدى زميلاتها: وش رايك يا أبلة بروايات ليث الصائغ..؟
تنهدت جود بضيق، متجنبة الأنظار التي وجهت إليها. لم تكن بالضرورة تخفي هوية والدها في المدرسة، لكنها لم تعلنها أيضا. منذ اكتشاف زميلاتها لتلك الحقيقة وهن لا يتركنها لوحدها. إما أن يطلبن توقيعا، نسخة مجانية، أو تفاصيل مستبقة لروايات والدها القادمة.
رأت الأستاذة زينة تستغرق في التفكير للحظة قبل أن تقول: أعترف إنه كاتب متقن للحرف وله أسلوب رائع، لكن مشكلته، خصوصا في رواياته الأخيرة، إنه حدد شخصياته وحبكاته في قالب معين ما يخرج عنه. بدأ يرضى بالأمان بعد ما كان يجازف في بداياته..
كباقي البنات، كانت جود مذهولة. لم تلتق بأحد ينتقد أعمال والدها بكل هذه الصراحة. حتى ناقدوه في الجرائد كانوا يفرطون في الثناء مع كل كلمة نقد.
الأدهى أن رأيها كان رأيا وافقتها عليه مئة بالمئة، فهي كانت تفضل روايات أبيها القديمة على الجديدة بأشواط.
هتفت إحدى زميلاتها بتحلطم: ما يعجبك شي يا أبلة!
ابتسمت الأستاذة زينة بتسلية: والله هذا رأيي ولي الحرية في إعطائه../ أردفت وهي تأخذ الدفاتر الموضوعة جانبها تستعد للخروج: ولو تبغين تعرفين وش اللي يعجبني، عندك مدونتي شوفي فيها اللي يناسب ذوقك.
عندها سألت جود صديقتها لميس الجالسة جانبها: أي مدونة؟
نظرت لها لميس بعجب: ما سمعتي خبرها من البنات؟
هزت جود رأسها بلا، لتتنهد لميس قبل أن تجيبها: والله شكلك لساتك عايشة تحت الحجر.. بأية حال، أبلة زينة عندها مدونة في النت تكتب فيها آرائها عن اللي في السوق وتوصيات عن اللي يعجبها. بصراحة ذوقها خرافي وأنصحك فيه.
أخرجت لها جود ورقة وقلما: اكتبيلي العنوان.
:
من بين كل الكلمات التي قد يتوقع ابنته النطق بها، هذه الكلمات بالذات لم تكن من ضمنها: مكتبتك ناقصها كثير..
ليث، والذي كان مراقبا صامتا لغزو جود الرابع على مكتبته، فقط اكتفى بـ: وش قصدك؟
هزت جود رأسها، كأن لديها أمور أجدر لها التفكير بها: ممكن توديني المكتبة بعدين؟
أجابها باستغراب من غرابة تصرفاتها: من عيوني..
ابتسمت له برضا ثم همت بالخروج، ليستوقفها بتذكره الأمر الذي نوى إخبارها به: اجلسي..
جلست وفي ملامحها التوجس، ربما متوقعة لما سيفاتحها به: نويت أتزوج..
لم تستطع جود منع تكشيرة: قلتلي هونت بعد هيفاء..
هيفاء، الزوجة الرابعة في سجل زواجه وطلاقه، أصغر من تزوج وأكثرهن مشقة وتعبا. المعاناة التي خاضها لتطليقها جعلته يتوعد نفسه بعدم التفكير بالارتباط من إمرأة مرة أخرى.
حاول إقناعها: بس هذي المرة مختلفة.
ضيقت جود عيونها بشك، وكم شابهت جدتها في نظرتها هذه: كيف؟
-: ذي مو جاية من طرف أخواتي.
رفعت جود حاجبا بتعجب: أجل من طرف مين؟
ابتسم: من طرفك.
رأى الحيرة في وجه ابنته، ليردف: معلمتك، أستاذة زينة.. هي متزوجة؟
اتسعت عيونها بذهول: لأ.
اتسعت ابتسامته بدوره: أجل أولها خير..
/
/
شرح الدكتور لها برفقة دكاترة آخرين انضموا لمعالجة حالة ياسر، كيف أنه من اللحظة التي سألوا فيها عن عمره وجدوا خطبا ما: جاوبنا بـ27 بدل من الـ31 المفترض يجاوب بها. ولما سألناه عن السنة، فهو كان متأخر بأربع سنوات.. بالإضافة إلى إنه ما يتذكرك كزوجة. متى تزوجتوا لو سمحتي أسأل؟
أجابته بخفوت، غير مصدقة: قبل سنتين ونص..
بدا الدكتور كأنه توقع إجابتها: أظنك تعرفين عن مصطلح فقدان الذاكرة..
شرحوا لها أن النوع الذي كان يعاني منه ياسر كان فقدان الذاكرة التراجعي، وبسببه قد يفقد الإنسان ذكريات تمتد من أيام لشهور لسنين. شرحوا لها أكثر وأكثر، لكن صدمتها منعتها من استيعاب أي معلومة.
نسيها تماما. نسي كل شيء يتعلق بها. نسي ابنه!
لا تستطيع.. لا تستطيع..!
حاول الدكتور تثبيتها قائلا: حاليا أكثر ما يحتاجه هو دعمك ودعم أفراد الأسرة. فقدان الذاكرة أمر صعيب، خصوصا للمريض نفسه.
كلماته تلك كانت كفيلة بإيقاظها. كان على حق. مهما شعرت من صدمة، فياسر كان يعاني صدمة أقوى منها. تخيلت نفسها في مكانه لحظة، لتشعر بالألم لحاله.. الذعر لن ينفعها الآن. عليها أن تتحلى بالصبر والإيمان، أن تكون قوية من أجله.
أخبرها الدكتور أنه اتصل بوالدي ياسر أيضا. يالله! ياسر كان وحيدهما، حتى وإن تذكرهما، فإن الفكرة بنفسها تفجع. كيف ستخبرهما بما جرى..؟
دخلت غرفة ياسر مرة أخرى، تفكر بما ستقول لوالديه.. لترى أن ياسر كان مستيقظا، صادا النظر عنها.
"على الأقل اللحين عرفت إنه صد لأني غريبة بنظره، مو لأسبابه اللي أعهدها.."
جلست جانبه تصفي حلقها قبل أن تبدأ: موقفنا غريب حده بس ما عليه، بعرفك على نفسي. اسمي بيان العايض، عمري 29 سنة، وزوجتك من سنتين ونص.
أخيرا التفت إليها، ممعنا النظر فيها لدرجة أحرجتها. سمعته يقول بصوته المتقطع من قلة الاستخدام: ناديتيني.. بأبو ساري.. لما صحيت..
كم كان عصيبا، منع دموعها من النزول. أجابته بصوت مخنوق: إيه.. عندنا ولد اسمه ساري، عمره سنة..
رأت في عيونه انكسار وإحباط، وضياع فطر قلبها. أخذت نفسا تقوي نفسها به، لتتقدم إليه وتحتضن يده السالمة بين كفيها. نظرت له بثبات تزرعه في نفسها: أدري إنك مفجوع من هذا الوضع، بس كل شي له أمل. فيه احتمال كبير إنك بتقدر تستعيد ذاكرتك، اصبر وخلي إيمانك بالله قوي، وكلنا بنساعدك إن شاء الله./ شدت على يده أكثر، تردف بدفء كل مشاعرها: بكون معاك خطوة خطوة..
بقي ينظر إليها للحظات ثم، وياللعجب، ابتسم لها.
/
/
لم يكن جوال ميساء بالذي يصدح بالرنين غالبا. بعض الأحيان تنسى حتى ما نغمة رنينه، خصوصا بدايات السنة الماضية. تحسن الوضع بعض الشيء بعد التحاقها بالمعهد، بين اتصالات الزميلات والمشرفات.
عندما رن جوالها وهي في خضم وضع اللمسات النهائية على اللوحة التي ستشارك بها بالمعرض الذي سيقيمه المعهد، توقعت أن يكون المتصل أبيها أو زميلة من الزميلات. أتتها كصدمة عندما رأت أن المتصل كان بشاير.
"ما حسبت إن رقمها لساته محفوظ عندي.."
كانت فكرة مغرية أن تترك جوالها يرن ويرن حتى تستسلم، لكنها وجدت نفسها تجيب المكالمة، تسمع لسلام بشاير المتردد الذي ردت ميساء عليه بفتور. سألتها: كيفك ميساء، أخبارك؟
-: بخير..
مضت لحظة صمت بينهما، إلى أن سألتها بشاير بصوت أكثر ثباتا: أمي قالتلي إنك ما بتحضري زواجي..
ابتسمت بسخرية. كان تخمينها مصيبا وهذا هو الموضوع الذي اتصلت بشاير بها من أجله: إيه.
لاحظت اختناق صوتها بالعبرة: ليه..؟
تنهدت: تعرفين ليه.
لحظة صمت أخرى مضت قبل أن تنطق بشاير مرة أخرى: ما يهمني وش يقولون عنك! طول عمري أشوفك أختي اللي ما ولدتها أمي ومافي أحد بيغير رأيي..
شهقت عندها بخفوت، لتدرك ميساء أن بشاير كانت تبكي: بشاير..
أكملت والبكاء يتضح في صوتها: أدري إني أنانية بطلبي لجيتك، أدري إني مفروض ما أسأل شي منك، بس أدري بعد إني ما بحس بفرح ذاك اليوم من دونك../ أخذت نفسا قبل أن تردف: ما أبغى منك تطولي، بس تحضري تشوفيني بثوب عرسي وتباركيلي زي ما كنتي بتقولي لما خطبني قصي..
ابتسمت رغما عنها لتلك الذكرى، قبل سنة ونصف تقريبا. لا تزال تذكر احمرار بشاير المفرط لأبسط ذكر عن قصي، زوجها المستقبلي.
"وش يضر لو رحت؟ كلها ليلة. سواء بقيت ولا رحت، الناس لسى بتاكل في لحمي..": طيب.. بجي..
أخذت بشاير عندها تشكرها تارة، وتسألها تأكيد ما قالته تارة أخرى، تجعلها تبتسم رغما عنها، تسترجع ذكريات سنوات أضناها الحنين لها.
:
نصحه كل من شاركه بمخططاته، "لا تجي فطريق جواد السيف، بيذوقك المهانة بكل معانيها". لم يعر بندر تلك التحذيرات بالا. استفزه ذاك الجواد، بسببه خسر عقدا مهما مع شركة حقق في أمرها لتنهار. أراد أن ينتقم منه ففعل، ليرى عاقبة لفت أنظار جواد إليه بعد سنة، ليدرك أنه كان ساذجا في تفكيره أن عاقبته الوحيدة كانت ذلك الضرب المبرح الذي تلقاه منه حينذاك…
اقتحم مكتب المحاماة الخاص بجواد شبه مدمر، يكاد ينهار من قهره وغضبه أمام طاولة مكتبه: أدري إنك ورى خساراتي السنة ذي كلها!
نظر له جواد ببرود، مشيرا بعدها لسيكرتيره وحراس الأمن المتجمعين خارج المكتب بالابتعاد وإغلاق الباب، كلها بحركة واحدة. نهض واضعا يديه في جيوب بنطاله، ينظر له كأنه حشرة مقرفة: وإذا كنت؟
حاول بندر لكمه، ليتجنب جواد ضربته ويردها له بأضعاف. أردف بسخرية متشفية وهو يراه ينهار على ركبتيه فعلا: ما سويت شي مخالف للقانون، إنت اللي كنت داس مصايب في شركتك. كل اللي سويته إني كشفت معاملاتك الممنوعة.
كلماته بعثت في روحه الفوضى. هل يمكن؟ هل من الممكن أنه قد اكتشف..!
ابتسامة جواد كانت حادة، والنظرة التي في عيونه باردة جليدية، تقتل في مقدار الكره فيها، في الوعيد: صدقني ما شفت شي.. وما برضى إلا لما أشوفك حافي ومنتف قدامي.
وبعدما أرعب بندر إلى حد الجمود، مشى مبتعدا عنه، يفتح الباب ليطلب من حراس الأمن التخلص منه.
(لا تجي فطريق جواد السيف..)
صدقوا.. صدقوا..
انتهى البارت..
|