كاتب الموضوع :
بسمه ااسيد
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
**الحلقة14: مصارحة حرة (ج3)
"ظلال الماضى"
**الحلقة14: مصارحة حرة (ج3)
--------
أفاقت من دفء عاطفته المغلفة لكل ثنايا روحها.. دفعته بعيدا عنها.. بعينيها لهيب صدمة ممزوجة بالاستنكار: أنت ايه اللى بتعمله ده!
لتلتمع عيناها بعتاب ولوم: أنت مين أداك حق تقرب منى كده؟!
ثم بغضب خرجت حروفها وهى تكز على أسنانه: أنت لا جوزى ولا أخويا عشان تحط ايدك عليا..
غلبتها دموعها، فركضت باكية صاعدة لغرفتها.. وعادل يحاول اللحاق بها: استنى يا سلمى، أسف والله مقصدش.. اسمعينى بس..
وما ان وصل اليها حتى أغلقت بابها بوجهه، ارتمت باكية على سريرها الجديد.. حقيقة لا تعرف لما البكاء الان، هل لتجرؤه علي ضمها لصدره، أم لتعرية نفسها أمامه وكشفها لحقيقة نسبها، أم لاحتياجها الذى ترفض التصريح عنه..
هل تحتاج لأب يريدها ميتة..
--------
جلس أرضا مسندا ظهره على باب غرفتها.. رغم علمه أنها لم تغلق باباها بالمفتاح الا أنه لم يتعدى حدوده معها، فضل محادثتها وهو مكانه.. سلمته بحاجته الآن أكثر من أى وقت مضى، يبدو أنها بركان أخرس يحتاج للتنشيط، فتفيض حممه ليزول ثورانه..
عادل: سلمى.. هكدب لو قلت انى حاسس بيكى.. بس أنا عارف أنك موجوعة أوى ومش سهل تعيشى بذكرى زى دى.. سلمتى قوية.. سلمتى لما النار تكويها مبتتحرقش، لأ بتتألق زى جوهرة..
خفت حدة بكائها قليلا فتركت وسادتها، واتجهت لباب الغرفة لتجلس أرضا مثله مسندة ظهرها عليه.. تحدثت بخفوت وكأنها تخشى سماعه لصوتها، ولكنه يسمعها بوضوح:
- كان نفسى يكونلى بابا
- وماما
- واخوات
- كنت بشوفك مع عمو مصطفى زمان وانت بتقوله كل شوية بابا.. اتغاظ
- ولما سالى تنده على مامتها واحنا عيال بنلعب فى الشارع، كنت اسمع مامتها تقولها نعم يا حبة عين أمك
- كنت اشوف الاخوات بيلعبوا مع بعض، ولو حد غريب قرب من واحد فيهم بأذى، يصرخ على أخواته، كانوا بيجروا عليه ياكلوه ويضحضحوه..
- لكن أنا كنت دايما لوحدى
- نسية.. منسية
- أنا والله مكنتش بحسدكم
- أنا كان نفسى أكون زيكم بس
- نفسى أحس بأحاسيسكم اللى اتحرمت منها
- كنت براقب الجيران من ورا الشيش
- بتفرج عليهم عايشين سوا فى بيت واحد ازاى
- كنت بتخيل نفسى مكان حد منهم
- كان نفسى أجرب طعم الحب ده
- بس يظهر انى مستهلوش
أدمعت عيناه لكلماتها الموجعة: لأ.. غلطانة.. أنتى تستاهلى فرحة الدنيا كلها تملا قلبك.. هو اللى ميستاهلش يشوفك.. يحس حضنك.. يسمع قلبك قبل لسانك وانتى بتندهيله بابا..
تنهد، فأخرج نفسا حارا من صدره: أنا حاسس بيكى.. عارف طعم وجع أنك تتحرمى من مشاعر من حقك.. صدقينى أنا عارف الأحساس ده..
--------
فتحت الباب ببطئ, فاعتدل واقفا يواجهها بينما هى مستندة بالباب، مسحت دموعها بظهر يديها: تحس بيا ازاى! أنت معشتش عيشتى.. مجربتش حياتى..
ابتسم ساخرا لاويا جانب فمه فى تهكم: حاسس بيه أوى
قطبت ما بين حاجبيها، ولكنه أزال ما ظهر على ثنايا وجهه سريعا.. لطالما استطاع عادل اخفاء ما بداخله جيدا.. عادل كالصندوق الأسود، يخفى بداخله كثيرا من الأسرار..
سلمى بابتسامة متهكمة: تعرف أن ليا أخوات
أنقبض قلبه عند تلك الكلمة "أخوات"، بينما تابعت سلمى بفرح غريب: أه والله ليا أخوات.. أنا مش وحيدة..
تبدل وجهها للانكسار، فأخفضت بصرها لتحدق بالأرض، لتتابع بصوت خفيض: لأ.. وحيدة
--------
كاد يقترب منها ليربت على كتفها، ولكنه تذكر ثورتها عندما اقترب منها آخر مرة، ففضل البقاء مكانه.. ولكن سؤال ألح على باله فجأة: سلمى.. امتى عرفتى الحكاية دى؟
سلمى بحزن: بعد نجاحى فى ثانوى
Flash back
الزمان: 1990
المكان: صالة منزل الحاجة سعاد
يتجه عادل ليجلس على الكرسى المقابل للجدة: ايه يا نينة البت دى هتفضل كسلانة لامتى؟ معدش فاضل غير كام يوم وطب تتقفل "اغلاق التسجيل لكلية الطب بجامعة القاهرة"..
اجابت الحاجة سعاد بحيرة وحزن: والنبى يا ابنى مانا عارفة أقولك ايه..
اندهش عادل من كلماتها الغير واضحة : جرالها ايه؟
سعاد بحزن: علطول يا ابنى قافلة باب أوضتها عليها، وبالعافية لما تقعد معايا ولا حتى تاكل لقمة..
قطب عادل ما بين حاجبيه: ليه؟
كانت سلمى بغرفتها عندما تخلل لسمعها المحادثة بين عادل وجدتها، فأبدلت ثوبها المنزلى بفستان أزرق رقيق ووشاح من نفس اللون وحملت حقيبة يدها الصغيرة وخرجت اليهم: صباح الخير..
طالعها عادل بعيون مبتسمة: صباح النور ع البنور..
الجدة: صباح الخير يا حبيبتى
سلمى بهدوء: أنا هنزل أسجل اسمى فى تجارة
ضربت الجدة يدها على صدرها: تجارة!
بينما وقف عادل ليطالعها متسائلا: ليه يا سلمى؟!، دانتى طول عمرك بتحلمى تكونى دكتورة, ومجموعك كبير
سلمى: أنا فكرت كويس.. وشايفة أنى أحسن أدخل تجارة
عادل: ليه؟
سلمى بتلعثم ناظرة أرضا، وهى تفرك أصابع يديها ببعض فهى حركتها الأزلية عند التوتر: عوزة أبقى سيدة أعمال..
Return
استرجع عادل ذكريات تلك الفترة.. كانت فترة دقيقة.. تبدلت فيها أحوال سلمى.. انطوائية شديدة.. غموض.. خجل ملازم لها.. انفصلت عن كل صديقات المدرسة، عدا سالى.. ظن أن ذلك التغير ناتج عن مرورها بمرحلة المراهقة.. لم يكن يعلم أن الأمر أكبر من ذلك.. والآن اتضحت الصورة أمامه.. فصغيرته كانت تعد العدة لمواجهة أباها..
عدو كان فى طى النسيان..
عادل مكتفا يديه أمام صدره: يعنى ده السبب اللى خلاكى ترمى طب ورا ضهرك وتصممى على تجارة..
أشاحت وجهها عنه حتى لا يرى الاجابة واضحة أمامه، ليهز رأسه باجابة أصبح واثقا بها: عوزة تقابليه يا سلمى؟!
سلمى بتلعثم: لأ
ارتفعت نبرة صوته: كدابة
ثم أكمل غاضبا:
- أنتى أكيد غبية
- فاكرة لما تروحيله هتقوليله ايه؟
- أنا بنتك
- اللى ضحكت على أمها
- اللى كنت فاكر أنك قتلتها
- وطلعت عايشة
جذبها من مرفقها بقوة وعنف وهو يصرخ بوجهها:
- تبقى مجنونة لما تحدفى نفسك للتهلكة
- تبقى هبلة لو فكراه هياخدك بالحضن
- ويبدى الندم
- مش هيستنى لحظة واحدة يا سلمى
- هيموتك
- والمرة دى بجد
كانت عيناها لا تفارق قسمات وجهه، لم تستطع مقاطعة كلماته التى أصبحت بمثابة ضربات سكين متلاحقة على قلبها المرتجف على أثر تلك المصارحة التى لم تتخيل يوما أن تقوم بها..
ترقرقت الدموع من عينيها، فلم يتحمل رؤيتها بهذه الصورة.. ولثانى مرة أجبرها على السكون بين ضلوعه، رغم مقاومتها له وتشبثها بالابتعاد عنه الا أنها لم تستطع الهروب من بين يده..
بنبرة رخيمة هادئة، وكأنه يقطع وعدا أصبح عهدا عليه تنفيذه:
- أنتى مش هتخرجى من هنا أبدا يا سلمى
- مش هسمحلك تروحيله
- هخبيكى عنه العمر كله
- هبعدك عن طريقه
- مش هسمحله يأذيكى
- عمره مهيعرف أنك عايشة
- أحنا هنفضل عايشين هنا علطول
- مش هنرجع الحارة
- أنا عندى اللى يعيشنا العمر كله
- احنا وأولادنا
----------------------------
#رواية_ظلال_الماضى
#بسمه_السيد
#سلسلة_بين_دموعى_وابتسامتى
#قصص_وروايات_بوسى
|