كاتب الموضوع :
بسمه ااسيد
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
**الحلقة34: سنوات عصيبة ج(1)
ماضى عادل
رواية "ظلال الماضى"
الفصل الرابع: اللقاء الثانى
**الحلقة34: سنوات عصيبة ج(1)
خرج الطبيب شريف بصحبة الممرضة بأمر مباشر من دكتور مصطفى، ليتفاجئ بخروج ممرضة أخرى ركضا من غرفة 3ج تبحث عن دكتور مصطفى.. فسألها: فيه أيه؟
الممرضة بقلق بائن على قسمات وجهها: الحالة عندها صدمة، وقراءات الأجهزة مش طبيعية..
أسرع شريف لغرفة عادل لفحصه، ولكنها دقائق معدودة حتى أستقرت الحالة كما لو لم يصيبها أى أضطراب.. زفر شريف بضيق بعد فحصه للمريض، فالأمر أصبح مؤكد بالنسبة اليه الآن.. عادل سقط بغيبوبة ، وحده الله يعلم متى يفيق منها..
أتجه شريف لمكتب صديقه بآخر الرواق، لم يجده فقرر أنتظاره لأخباره بوضع أخيه الصحى.. وبعد مايقرب من نصف ساعة حضر مصطفى: أنت هنا يا شريف؟
طالع شريف ساعته: أنا هنا من نص ساعة.. كل ده عند البنت؟
جلس مصطفى على مكتبه، وتفوه بهدوئه المعتاد: فريدة..
لم يستوعب شريف كلمات مصطفى: نعم!، هى اتكلمت وقالتلك هى مين؟
مصطفى: لأ..
عبث شريف بوجهه: أمال أيه فريدة دى؟
مصطفى: مجرد أسم مؤقت..
هز شريف رأسه بتفهم: كويس.. كويس..
ثم تابع ليؤجل قدر ما يستطيع تشخيصه لوضع عادل الصحى: أيه تشخيصك ليها؟
مصطفى: مش تشخيص، هى محتاجه لطبيب نفسى.. واضح أنها أتعرضت لصدمة منعتها من الكلام، وبتسرح كتير.. بس هى بتسمع كويس، وبتحاول تتكلم بس مبتقدرش.. أعتقد أن فقدانها للنطق كان من قريب..
تناول مصطفى كوب المياه الموضوع أمامه، ثم أكمل بتحفظ: ممكن وقت متعرضت للأغتصاب..
شريف بعد تفكير: ممكن، ويجوز الدم اللى كان على هدومها كان دفاع عن نفسها..
هز مصطفى رأسه: يمكن، ولو ده اللى عملته تبقى بت جدعة..
أكمل حديثه بعد لحظة تفكير: أكيد طبيب نفسى هيكون الحل الأمثل ليها دلوقتى..
أستخف شريف بكلام مصطفى: طبيب نفسى فى الدور التالت هنا.. أكيد أنت مش دكتور مصطفى الجوهرى..
أرجع مصطفى ظهره للخلف مستريحا على مقعده الجلدى: أهو ده اللى مفكرتش فيه.. أنا مش عاوز أنقلها تحت..
ثم تابع بعد تفكير: هفكرلها فى حل..
--------
تذكر مصطفى أن وجود شريف ليس للسؤال عن حالة الفتاة فسأله: مقولتليش يا شريف كنت مستنينى هنا ليه؟
أطرق شريف رأسه الى صدره وسكت، فانتاب مصطفى القلق على أخيه: عادل فيه حاجة؟
شريف: أنا أسف يا مصطفى، أخوك دخل غيبوبة..
شهق مصطفى، ثم أعقبه بزفير بطئ بينما مشط خصلات شعره بأطراف أصابعه وهو يريح ظهره على مقعده: هيبفوق منها أمتى؟
شريف بحزن: مقدرش أتوقع.. ممكن يوم.. شهر.. ممكن ميقومش منها..
أطرق مصطفى رأسه لينظر أرضا بحسرة: مينفعش يفضل فى غيبوبة.. الواد ده لسه مبدأش حياته..
وبنبرة مختنقة: من كام سنة يارا بنتى كانت مكانه.. سابتنى وماتت
قاطعه شريف: يارا ربنا رحمها.. لو كانت عايشة كانت هتقضى عمرها مشلولة، مفيش حاجة بتتحرك فيها غير عنيها، لكن عادل الأمل كبير فى حالته خصوصا أنه أشارات مخه بتسجل قراءات من وقت للتانى، صحيح عشوائى كأن فيه محفز خارجى بيأثر عليه، أو بيحس بحاجة بيستجبلها، لكن دى أشارة ممتازة فى الوقت ده..
مرارة اجتاحت حلقه فاختنق صوته: لو عادل مات يبقى أنا خسرت آخر حد فى عيلتى..
ثم أبتسم بمرارة: خسرت وريثى.. كأنى بجرى العمر ده كله ورا سراب.. لا مصطفى هيكونله وريث، ولا عيلة الجوهرى هيفضلها سليل..
ذكريات بدأت تجتاح عقله، ففضل البقاء بمفرده: لو سمحت سبنى لوحدى يا شريف.. أراح ظهره على مقعده، ليتنهد بحرقة وقد غزت غصة حلقه فيما ألتمعت عيناه..
--------
طفلا فى السابعة يبكى بحرقة، يجذب أخاه ذو الثامنة عشر من طرف قميصه: أمشى يا مصطفى.. أبعد عننا.. عمو كامل قال أن بابا مش هيرجع تانى، وأنت السبب يا مصطفى..
تسمر مصطفى فى مكانه، فنظر لأخيه بألم وحسرة عاجز.. عادل الطفل الصغير فهم الأمر، وأوجد أبسط حل للخروج من الأزمة.. وجب عليه الرحيل ليفك جده أسر زوج أمه، وينهى أمر اعتقاله: بابا مش هيرجعلى ألا لما تروح عند جدك فى بيته الكبير وتسيبنا.. أمشى يا مصطفى أنت وحش.. أنا مبحبكش..
جثا مصطفى على ركبتيه ليضم أخيه اليه عنوة رغم مقاومته: بس أنا هفضل أحبك يا عادل..
وبنبرة مختنقة تقاوم أنسياب دموعه: هفضل أحبك أنت وأمى..
حاول الأبتسام بينما يغمر أخاه بدفء مشاعره: وبابا مصطفى وتيتة.. بحبكم وهفضل أحبكم..
قبل وجنتى الصغير.. عيناه تلمعان مقاومة للدموع، بينما مسح وجه أخيه بكفه ليزيل أثر الدموع من على وجنتيه.. ارتسمت ابتسامة واسعة على شفتيه، وهو يعدل من وضعية ياقة قميص أخيه: خد بالك منهم.. أنا معتمد عليك.. أنت راجل دلوقتى..
تركه ليغادر شقة عمه مصطفى للأبد.. تركه رغم أنصاته لبكاء أخيه ألا يتركه، وندمه على ما قال.. تركه رغم استعطاف جدته له أن يبقى, أو حتى ينتظر عودة أمه حياة.. تركه ليغادر حارته القديمة، التى ولد بها وتربى بين أركانها على يد زوج أمه وأباه الذى أعتنى به منذ نعومة أظافره.. تركه دون وداع لائق بأمه وأبيه.. تركه ليعود لجده لأبيه سليم، ليحمل عبء وريث عائلة الجوهرى الوحيد..
--------
شاب رياضى يرتدى حلة رسمية سوداء كلاسيكية، أزداد أناقة وغموض عندما حجب عيناه بنظارته السوداء.. يمشى سريعا بخفة يعبث بمفاتيح سيارته الحديثة متجاوزا بوابة فيلا الجوهرى بتلك المنطقة البعيدة عن تكدس العاصمة..
بمجرد فتحه لباب السيارة، تفاجئ بصوت أفتقده لسنوات يناديه: مصطفى..
نظر مصطفى باتجاه الصوت بلهفة، يطالع أخاه الصغير.. لقد صار مراهقا فى الخامسة عشر من عمره.. غليظ الصوت، أصبح للصغير الذى كان يحمله فوق كتفه عضلات.. لقد صار ينافسه طولا بعد أن كان قزما مقارنة به.. أبتسم مصطفى لأخيه، بينما فتح ذراعيه لاستقباله..
ألقى عادل حقيبته المدرسية أرضا، ثم قفز بين أحضان أخيه، يبثه شوق سنين: وحشتنى يا مصطفى.. كان نفسى أشوفك أوى.. وحشتنى يا غالى..
ترك عناقه ليسأله بجدية: هترجع معايا يا مصطفى؟
أومأ مصطفى برأسه فى سعادة متجلية بابتسامة واسعة: هاجى يادولة..
عادل برجاء: هتسيبنى تانى؟
هز رأسه نفيا ليجيب بتحمس شديد: عمرى مهسيبك يا واد.. دانت ابنى.. تربيتى..
أنتبه مصطفى لملابس أخيه المدرسية، فوضع كفه على صدغ أخيه يسأله بحنان: عادل أنت عرفت منين أنى رجعت مصر؟ وجيت هنا أزاى؟ دى حتة مقطوعة يا حبيبى!
أجاب عادل بفخر من أنجز مهمة قومية: من سنتين راقبت جدك الكشر..
ثم همس متلفتا للجانب يطالع فيلا الجوهرى بغموض ومرح: وعرفت طريق قصر الأشباح اللى أنتوا قاعدين فيه..
ثم أردف بطريقة مسرحية: وبقيت باجى كل فترة أراقب القصر يمكن تكون رجعت من بلد الخواجات..
ضحك مصطفى بقوة حتى ظهرت نواغزه، وعيناه سابحتان بالمكان حيث أخاه ليتفاجأ بمراقبة جده لهما من شرفة مكتبه.. أرتبك مصطفى لرؤيته، ملامح جده غاضبة.. هو لن يسمح له بالمغادرة، ولا حتى على سبيل الزيارة.. لقد كان واضحا فى شرطه، بقاؤه مقابل حرية عمه مصطفى.. لن يكون سببا مرة أخرى فى عجز أمه، وحسرة أخيه..
تحول وجه مصطفى للقتامة، وقام بفتح باب سيارته.. ظن عادل أن أخاه سيصحبه للمنزل، فتهلل وجهه وحمل حقيبته ثم اتجه ناحية الباب الآخر فى سعادة: يلا بسرعة نرجع الحارة..
ثم هتف بحماس زائد: أمك عاملة صنية بطاطس باللحمة..
أكسى مصطفى وجهه بالجمود: أرجع البيت يا عادل لأمك ولأبوك..
توقف عادل عن السير ليسأله بمرح: أه يا عم خايف العربية متدخلش الحارة.. متخافش الشارع واسع.. فوت أنت بس بقلب جامد..
تجاهل مصطفى كلام أخيه، وتحدث بجمود بينما يستوى بمقعد القيادة: روح زى مجيت يلا..
تفاجئ عادل بتغير أخيه، ورغم أحساسه بتهرب أخيه منه ألا أنه كذب نفسه: مشغول دلوقتى.. هتحصلنى لما تفضى يعنى..
خرج مصطفى من سيارته فى غضب: لأ.. مش هاجى.. هرجع الحارة ليه؟
عادل بارتباك: عشانا..
ضحك مصطفى بسخرية رغم تألمه من الموقف: عشانكم؟
ثم أردف ببساطة: أنا نستكم أصلا.. نسيت الفقر والتخلف اللى غرقانين فيه..
ردد عادل ببلاهة: تخلف!
ثم نظر له باستعطاف: طب تعالى شوف أمى.. أنت وحشها.. وبعد كده أمشى.. أنا مش هجيلك تانى.. وعد..
أقترب مصطفى من أخيه منفعلا، رغبة فى أجباره على التخلى عن التمسك به: يا أخى غور فى داهية..
تفوه بتلك الحماقة وهو يدفعه للخلف فيسقط أرضا، ثم يسرع فيقود سيارته بسرعة.. تاركا أخيه يلملم شتات نفسه، فيمسح دموعه المنسابة.. ثم يقف ليزيل الأتربة العالقة بثيابه، ويحمل حقيبته ويسير بالطريق الخالى وحده كما أتى وحده.. وفى تلك اللحظة يبتعد الجد سليم الجوهرى عن الشرفة راضيا بما آل له الأمر..
----------------------------
يتبع
ان شاء الله
#رواية_ظلال_الماضى
#بسمه_السيد
#سلسلة_بين_دموعى_وابتسامتى
#قصص_وروايات_بوسى
|