كاتب الموضوع :
بسمه ااسيد
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
**الحلقة30 : لحظات حرجة ج(3)
صدمة جديدة
مفاجأة غريبة
فى ختام الفصل الثلاثين من
رواية "ظلال الماضى"
**الحلقة30 : لحظات حرجة ج(3)
مرت ساعات تجلس فيها فريدة على جمر النار.. لا تستطيع فيها التواصل مع زوجها، حيث تم قطع خط الهاتف بالفيلا من قبل رجال أدريان.. تخشى أن يصيب زوجها مكروها.. وها هى للمرة الثانية محتجزة ضد أرادتها بفيلا معزولة عن العالم، مما زاد من خوفها وحدة أنفعالها خاصة مع ألحاحها بضرورة حضور أدريان لمقابلتها دون أستجابة منه..
حضر أدريان فى صباح اليوم التالى الى الفيلا لمقابلة فريدة بمكتبها حاملا حقيبة جلدية صغيرة.. حياها بصيغة رسمية فلم تجبه، كانت نظرتها نظرة قطة شرسة غاضبة.. تفهم موقفها فلم يحاول أثارة حفيظتها أكثر من ذلك، فلقد حضر لأداء مهمة واحدة، يجب عليه الوفاء بها لصديقه..
بادرته بتحدى لنفوذه الغير مبرر أستخدامه: I wanna leave (أرغب بالرحيل)..
ثم تابعت بلهجة عدائية: You prevent me.. (لقد منعتنى من الرحيل)..
ثم صاحت بغضب: Why?! (لماذا؟!)..
--------
لم يحاول مقاطعتها، كان هادئا ببرود أنجليزى عتيق حتى أنتهت منتظرة منه أجابة.. وعلى عكس توقعها لم يبرر شئ، وأنما أكتفى بنظرة متألمة ألقت الرعب بقلبها: I'm soory (أنا آسف)..
وضع يده بجيب سترته الداخلى وأخرج منه مظروفا صغيرا، ثم ناولها أياها مع الحقيبة وأستأذن للمغادرة.. ودت فريدة لو تلك اللحظة مجرد حلم، ستفيق منه قريبا فيصبح سرابا لا أثر له بحياتها..
فجأة وبدون سابق انذار، وكأن الزمن قد توقف بتلك اللحظة.. أصبحت متيقنة أن المصيبة قد وقعت.. شعرت بألم يجتاح قلبها كما لو كان قنبلة تنفجر.. تشعر بشلل بأوصالها، غير قادرة على التنفس.. ولسان معقود وكأنه صمت عن الكلام..
رغبة ملحة بداخلها للهروب عبر الأستسلام لغيبوبة تعزلها عن هذا العالم القاسى، الذى سرق منها ملاكا أرسله الله لها لينقذها من ضياعها.. لم يكن زوجا فقط، لقد كان فى الأصل أبا يربى ويحمى طفلته الوحيدة المدللة..
لا لن تهرب.. لن تستسلم.. ستقاوم تلك الغيبوبة.. لم يكن أباها يريدها ضعيفة تستسلم بسهولة.. وكأن تلك الخاطرة بمثابة قشة تمسكت بها حتى لا تسقط غارقة بغياهب اللاوعى.. لن تكن ضحية خانعة، بل هى ناجية تكافح حتى تستطيع الحياة..
طالعت ذلك المظروف الصغير، وبيد مرتعشة حاولت الحفاظ على ثباتها فتحته لتجد رسالة مطوية.. اتجهت لذلك الباب الزجاجى المطل على الحديقة الصغيرة بالفيلا.. سارت قليلا حتى لاح لها ذلك المجرى المائى، لتجلس على حافته تطالع رسالته الأخيرة اليها..
--------
فى تلك اللحظة أسر خيالها طيف مصطفى، جالس جوارها على حافة المجرة ينظر اليها ليحادثها ببسمته الرقيقة:
- مش عارف أبدأ رسالتى بأيه!
- أول مرة أبعتلك رسالة..
- يمكن أبدأها بزوجتى الحبيبة..
- بس دى بداية تقليدية جدا
- والمشاعر اللى بينا أكبر من كده بكتير..
- بس أقرب بداية لقلبى هى بنتى الغالية فريدة..
هز رأسه مؤكدا قوله:
- أيوة بنتى..
- لو هلخص علاقتنا فى كلمة.. فهى أنك بنتى يا فريدة..
ثم تابع بحزن:
- كنتى عوض ربنا عن يارا بنتى اللى اتحرمت منها، زى ما اتحرمت من كل عيلتى..
- وكنت أنا عوض ربنا ليكى عن حرمانك من حب أبوكى..
عاد مرة أخرى للابتسام:
- كنتى محتجالى، وكنت محتاجلك..
- فرحت بيكى وأنتى بتكبرى على أيدى..
- بتنطقى أسمى لأول مرة..
- بتضحكى وعيونك تلمع لحظة متلمحينى..
- دافية بتسكنى قلبى البارد لحظة متترمى فى حضنى، وتتعلقى فى رقبتى..
- تلميذتى النجيبة اللى بتتعلم كل حاجة بسرعة، لدرجة أنك بتغلبينى..
- وده بيخلينى مطمن عليكى.. عارف أنى حطيتك فى أول الطريق، وأنتى هتوصلى لأخره لوحدك..
- فرحت بكل حاجة فيكى وليكى..
- كسبت كل رهان عملته عليكى..
أغمض عينيه لبرهة، ليفتحهما ببطء بعد ذلك، ويستأنف كلماته بحزن وأسف هذه المرة:
- بس فى حاجة واحدة خسرتها..
- أتهزمت فيها..
- خسرت قلبك..
- صحيح بتحبينى، بس فى حتة فى قلبك مكنتش ليا..
- حتة كانت بتوجعك..
- بتعذبك..
- كنت فاكر أنى فى يوم من الأيام هقدر الشيل الحتة دى..
- بس طلعت موهوم..
- أنا مش بلومك على ده.. عارف أنه غصب عنك.. زى معارف أد أيه بتقاومى كل يوم عشان تقدرى تعيشى..
- بس بلومك أنك لحد انهاردة حبسة نفسك فى ظلال الماضى..
- بتشدك طول الوقت وتقيدك بذنب مش عارفة تتخلصى منه..
- أوعى تكونى فاكرة أنى مصدق أن كل كوابيسك بخصوص العرافة..
- أنا عارف أن فى كوابيس بطاردك من قبل العرافة..
طالع عيناها الباكيتين بهدوء، أقترب منها لمسح عبراتها، ولكنه لم يستطع.. هو مجرد خيال الآن، فزادت حدة بكائها.. ومالبثت أن عادت تتابع رسالته:
- فريدة.. مادام بتقرئى رسالتى دى فده معناه أنى خلاص بقيت فى دار الحق..
- وده يخلينى اطلب منك تدى فرصة لنفسك.. افتحى قلبك للدنيا، أنتى من حقك تعيشى سعيدة..
- من حقك تبدأى من جديد..
- ومتبصيش لأى حاجة فاتت..
- وصيتى ليكى تكونى فريدة.. تربية أيدى.. تنسى خالص كنتى مين قبلى..
- وصيتى ليكى تعيشى سعيدة، وترمى الماضى ورا ضهرك للابد..
- وصيتى ليكى تاخدى بالك من نفسك ومن آدم..
- أوعى تلومى نفسك ع اللى فات..
- وأياكى تلومى نفسك أنك معرفتيش تدينى قلبك كله.. لانك مقصرتيش..
- كنتى مصدر سعادتى فى دنيتى..
- أنتى وأبننا مكافأة ربنا ليا فى الدنيا وده يكفينى
بحبك
مصطفى
--------
طوت الرسالة ومسحت عبراتها لتهمس بخفوت:
- أسفة يا مصطفى..
- أسفة أنى وجعتك..
- بس أنا بحبك..
- والله العظيم بحبك..
- عارفة أنه مش زى ماكنت بتتمنى..
- بس غصب عنى..
- الماضى مسلسنى..
تستعيد ذكرى أول أمس، عندما أجبرها مصطفى على مغادرة مصر.. فقد أسرعت فى غفلة منه بوضع كاميرا مراقبة صغيرة بمكتبه بالفيلا، كتلك التى أستخدموها مؤخرا فى المشفى فى جملة ماتم تطويره بها.. ضمت رسالة زوجها مرة أخرى لصدره مقاومة عبراتها لتكن قوية كما علمها:
- أتمنى تسامحنى، مش هاقدر أنفذ وصيتك دلوقتى..
- مش بايدى أنى ارجع عن السكة اللى همشيها..
- لازم أجيب حقك الأول..
- لازم اعرف أيه حصلك..
- وأحاسب اللى آذوك..
- مينفعش تروح مننا بالسهولة دى..
- يوم مااسد البيبان المفتوحة يمكن اقدر وقتها معيش فى ظلال الماضى ويمكن أقدر أبدأ من جديد..
--------
بالطبع أبلغت فريدة العمة بالفاجعة، والتى أستقبلت المصيبة بجلد تحسد عليه، فمصائب الدهر أصابتها تباعا.. بينما أجلت كلتاهما اخبار الصغير بالأمر لحين عودة فريدة من مصر.. فرتبت فريدة مع أدريان سفرها السريع فى خلال ساعات كرحلة قصيرة المدة..
وصلت فريدة الفيلا، وقد أسرعت بنزع الكاميرا والصعود بها لغرفتها لتفريغها.. وما لبثت أن دلفت حتى قطع حبل أفكارها طرقات عديدة على الباب منعتها عن الأستمرار.. ففتحت الباب بغضب لتجد أحدى الخادمات بالمنزل: فيه أيه؟ أنا مش قلت مش عوزة أزعاج..
أجابت الخادمة بتخوف: أسفة يا مدام فريدة، بس أخو دكتور مصطفى تحت، ومصمم يقابل حضرتك حالا..
لقد نسيت فريدة تماما وجود ذلك الأخ.. حسنا هو وصية زوجها وسترعاه.. خمنت وهى تبدل ملابسها أن ذلك الأخ مجرد فتى طائش صغير السن ستجد صعوبة فى السيطرة عليه.. وقد عقدت النية على تنفيذ الوصية، فستصطحبه معها خارج مصر..
دار بخلدها أن حالته مهما كانت صعبة، لن تصبح مثل حالتها من عدة سنوات.. بذل مصطفى مجهودا ضخما لتأهيلها، وقد حان الدور عليها لرد جزء صغير من دينها له فى أخاه..
أخفت الكاميرا سريعا، ثم شرعت بارتداء فستانا كلاسيكيا أسود، وقد عقصت خصلاتها الذهبية لأعلى.. مكتفية بلمسة خفيفة من مساحيق التجميل.. ثم خرجت من غرفتها متجهة لأسفل..
لمحته من أعلى الدرج.. موليا ظهره أياها.. مرتديا حلة رسمية سوداء.. يماثل مصطفى فى الطول والحجم تقريبا ولون شعره المفحم.. ترى دخان سيجارته محيطا أياه بسحابة ضخمة أزعجتها.. لم تعرف السبب فى أزدياد دقات قلبها كلما هبطت درجة جديدة وتقلصت المسافة بينهما..
ومن رنة كعب حذائها ذو الصوت العالى أنتبه لقدومها، سحب نفسا كبيرا من نكوتينه.. ثم أطفأها سريعا فى المطفأة الكرستالية الموضوعة على تلك المنضدة الصغيرة أمامه..
درجات قليلة وتصل اليه.. صدره مشتعلا بالغضب.. يقبض على أصابع يديه بقوة.. لم يعد يتحمل الأنتظار.. سيمزقها الآن..
ألتفت أليها أخيرا، لتلمحه هى بعينان جاحظتان.. صدمة ألجمتها فخرجت فى صورة شهقة والتواء بقدمها.. كادت تسقط، فقطع الدرجات الفاصلة بينهما فى قفزتين سريعتين.. منعها من السقوط على درجات السلم، لتسقط بحضنه.. لم تستطع مقاومة رغبتها فى الصراخ من ألم قدمها الملتوية.. وهى تهمس بخفوت من الصدمة: عادل..
----------------------------
يتبع
الفصل الرابع "اللقاء الثانى"
ان شاء الله
#رواية_ظلال_الماضى
#بسمه_السيد
#سلسلة_بين_دموعى_وابتسامتى
#قصص_وروايات_بوسى
|