كاتب الموضوع :
بسمه ااسيد
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
**الحلقة25 : كيد بنت حوا ج1
رواية "ظلال الماضى"
**الحلقة25 : كيد بنت حوا ج1
هذه الجمعة ليست كأى جمعة، فقد قرر رب الأسرة قضاء اليوم بالخارج لكسر الروتين وتجديد النشاط.. ففريدة منذ شهور غارقة بالعمل، وهو تحت الاستدعاء فى العمل طوال الوقت.. وآدم يعى الموقف رغم صغر سنه فلم يتذمر أو يثير أى شكوى، بل على العكس تماما لاحظ الأبوان محاولات الصغير للاعتماد على نفسه فى ضرورياته التى تتولى أمه مهامها، وقد شجعاه على ذلك ليس هروبا من مسئولياتهما، ولكن من أجل تنشئة الصغير تنشئة سليمة خالية من الدلال الزائد التى قد تفسده لأنه وحيدهما..
وفى الركن الهادئ بالنادى الشهير عربيا تستمتع العائلة بتناول فطورها فى رحاب يوم صيفى كثير النسمات.. يعقبه مباراة حامية للتتنس بين الأب والأم، وبتشجيع الصغير لكليهما والتى انشغلا عن ممارستها الشهور الماضية بسبب أعباء العمل.. ثم أفترقا عند بدء صلاة الجمعة بحيث يرافق الصغير أباه الى المسجد وقد اتفقا على اللقاء بعدها مباشرة لتناول طعام الغداء فى مطعم النادى، ثم الذهاب بعدها للاستجمام عند حمام السباحة..
--------
تجلس فريدة بانتظار قدوم عائلتها على تلك المنضدة والتى تطل من وراء زجاجها اللامع على رقعة خضراء كبيرة ممتلئة بما هو محبب للعين من ألوان بديعة لزهور مختلفة الأنواع.. وعندما تأخرا كثيرا حدثت نفسها باستغراب ممزوج بالضيق:
- دول أتأخروا ليه؟
- مش المفروض متفقين نتقابل بعد الصلاة علطول..
- هتقلقونى عليكم ليه بس..
وبينما هى غارقة فى التفكير بقطبى حياتها يقاطعها تحية سيدة بفرنسية طليقة: bonsoir (مساء الخير)..
تنتبه فريدة لمحدثتها فتطالعها بنظرة متفحصة سريعة.. سيدة خمسينية أرستقراطية مهتمة بنضرتها ورشاقتها.. فتبتسم فريدة مجاملة: bonsoir (مساء الخير)..
السيدة: حضرتك مدام دكتور مصطفى الجوهرى؟
تومئ فريدة برأسها فى خفة مزينة شفتيها بابتسامة دبلوماسية، ومازالت مسددة نظرها على حدقتى السيدة فى محاولة حثيثة لسبر أغوارها: ) oui نعم)..
رفعت السيدة أحد حاجبيها باعجاب:vous parlez français (تتكلمى الفرنسية)..
أومأت فريدة برأسها ايجابا، فمدت السيدة يدها لتصافح فريدة: أنا مدام عفت الشربينى حرم المرحوم اللواء رأفت البلتاجى..
لتجيب فريدة سريعا ومازالت محافظة على ابتسامتها: enchanté (تشرفت بمعرفتك)..
ثم أشارت لها تدعوها للجلوس وقد تعمدت التحدث بالفرنسية كضيفتها:) veuillez vous asseoir تفضل بالجلوس)..
تجلس السيدة عفت على ذلك المقعد أمامها: merci beaucoup (شكرا جزيلا(..
وبعد أستقرارها على المقعد أفصحت عن سبب قدومها اليها: أكيد بتسألى عن سبب وجودى..
لتجيب فريدة: ) biensûr بالتأكيد)..
السيدة عفت: بنتى عايدة دكتورة فى مستشفى الجوهرى.. هى حديثة التخرج والحماسة وخداها لدرجة أنها نست البيت.. ممكن تساعدينى فى أنى أحافظ على وجودها معانا..
حاولت فريدة تذكر تلك الطبيبة ولكن لم تسعفها الذاكرة: je n'ai pas compris ce que vous avez dit (لم أفهم ماقلتى)..
السيدة عفت: يظهر من لكنتك أنك عيشتى فى فرنسا كتير..
ورغم أنها لا تعى حتى الآن الهدف من تلك المحادثة الا أنها جارتها فى الحديث فعلى ما يبدو هذه السيدة تبطن مالا تظهره: دادى الله يرحمه كان رجل أعمال وكنا عايشين فى أوروبا طول الوقت.. فى الغالب ما بين فرنسا وكندا..
رفعت أحد حاجبيها وابتسمت باعجاب مزيف: واو، وأكيد قابلتى د. مصطفى وأنتى فى أجازة هنا..
نفت فريدة: لأ.. الحقيقة دادى أتعرض لخسارة كبيرة فى البيزنس فجتله سكتة قلبية.. مصطفى كان متواجد فى المستشفى وقت وفاة دادى.. وقف جانبى، وحبينا بعض..
ألتمعت عينا السيدة مكرا: قدرتى تدخليه القفص الذهبى..
ثم أكملت بنبرة تدعى فيها الحزن: هو مع الأسف فضل سنين لوحده بعد حادثة مراته وبنته..
مازالت فريدة محافظة على ابتسامتها الدبلوماسية رغم اجتماع القمة المنعقد برأسها.. فهذه السيدة متتبعة لحياة مصطفى بشكل مريب، وتحاول اختلاق مبرر لحثها على البوح بتفاصيل حياتهما.. حسنا يبدو أن هناك لعبة جديدة على وشك خوض أول جولاتها.. وعند تلك الخاطرة ازدادت ابتسامة فريدة فهى دائما وأبدا ستظل الظافرة، فأدارت دفة الحديث ثانية: الله يرحمهم.. بس أيه علاقتى ببنتك؟
السيدة عفت: نفسى عايدة تقضى وقت أكبر فى البيت معايا، متجيش زى الزوار ساعتين وتمشى..
فريدة: طبيعى تقضى وقت طويل فى المستشفى، بس أوعدك أنى هساعدك..
--------
قدم مصطفى مصطحبا آدم حيث تنتظرهما فريدة، ليتفاجأ بوجود السيدة عفت والتى يعرفها بشكل سطحى خلال الفترة التى كان يتابع فيها الوضع الصحى لزوجها قبل وفاته، وكذلك وساطتها لأبنتها عنده لتعمل بمشفاه..
مصطفى بترحاب مادا يده لمصافحتها: أهلا وسهلا يا مدام عفت.. النادى منور بوجودك..
السيدة عفت: أهلا دكتور مصطفى،merci pour votre compliment (شكرا على مجاملتك)..
ثم نظرت لذلك الصغير المتشبث بقوة بيد أبيه: ده أبنكم؟
جلس مصطفى مجاورا لفريدة.. ولم يترك الصغير يده وقد تشبث أكثر بيد أبيه، فهو لا يختلط بالغرباء ويخشى التعامل معهم، وقد أستجاب الأب سريعا له فضم يده الصغيرة فى راحة يده بدفء ليبثه الطمأنينة: آدم.. أبننا الوحيد..
السيدة عفت وهى تطالع الصغير بابتسامة ودودة: ربنا يخلى..
ثم أعقبت وهى تهم بالنهوض: أستأذن أنا عشان أسيبكم على راحتكم..
أستوقفها مصطفى: لا ميصحش, حضرتك ضيفتى أنهاردة وهتتغدى معانا..
بينما فريدة تتابع لعبة السيدة بفتور فقد فقدت الحماسة.. حيث ظنت أنها ربما تكون متحاملة عليها، ولكن السيدة لم تخيب ظنها بالفعل عندما تفوهت بما تنتظره فريدة: je suis désolé (أنا أسف).. مش هقدر لأن عايدة منتظرانى نتغدى سوا..
أنتبه ثلاثتهم الآن لصوت رقيق قريب منهم: مامى..
تتسع ابتسامة فريدة عند رؤيتها لتلك الشابة المدعوة بعايدة والتى أوضحت معالم اللعبة.. فعايدة من طاقم الأطباء الجدد بالمشفى.. شابة فى الثانية والعشرين من عمرها.. جميلة.. رشيقة.. حسنة المظهر.. صاحبة أطلالة مميزة، تجعلها بحق منافس قوى لفريدة..
مصطفى: أهلا دكتورة عايدة.. أتفضلى معانا شاركينا الغدا..
ولم يمهلها فرصة للرفض حيث طلب من النادل احضار طعام مميز لهم..
--------
هبطت درجات السلم الرخامى بعد دقات منتصف الليل.. فهى تحتاج للاختلاء بنفسها الآن بعد خلود أسرتها للنوم.. فتحت باب غرفة مكتب زوجها وفى الظلام جلست على مقعده الجلدى الوثير بعد أن أشعلت اضاءة تلك الأباجورة الصغيرة ذات الضوء الأصفر الساكنة على طرف مكتبه الخشبى..
شاردة لوقت ليس بقليل، حتى قاطعتها نفسها متسائلة:
- قلقانة؟
- وهقلق من ايه!
- اللى حصل انهارده..
- عادى.. مجرد معركة تافهة نتيجتها محسومة..
- بلاش الثقة الزايدة دى.. الفشل بيكون أقرب فيها من النجاح..
- ثقتى مش فى نفسى.. ثقتى فى مصطفى..
سبح عقلها بماض تجبر نفسها على نسيانه طوال الوقت لتحيا بصورة طبيعية بكنف عائلتها الحبيبة:
- أنتى وثقتى مرة زمان, والنتيجة أنك مش بس فشلتى لا أنتى كنتى ضايعة وقتها لولا أن مصطفى لحقك..
- أنا دلوقتى ملكة, عرشى صعب يتهز..
- صعب لكن مش مستحيل.. ثقتك الزايدة معناها الفشل..
ثم خاطبت نفسها برجاء بين خوفا من تكرار تجربة لن تجلب الخراب عليها وحدها بل على عائلتها أيضا ان لم تتوخى الحرص والحذر:
- بلاش الغلطة تغلطيها مرتين.. لو كنتى فكرتى زمان ومتكلتيش على ثقتك كان زمان غلطات كتير محصلتش..
خلدت هى ونفسها للصمت برهبة لموازنة الموقف الراهن:
- تمام..
- من غير أذية يا فريدة..
- أيا كان الطريق اللى همشى فيه، يكفينى أن فيه مصلحتى.. الحرب ملهاش شرف.. وأنتى أتعلمتى الدرس ده زمان بالطريقة الصعبة..
- معنى كده أنك هتمشى فى سكة ...................
- بس بس، بطلى تسبقى الأحداث.. أى طريق بالنسبة ليا هيكون طريق شرعى عشان أحافظ فيه على بيتى..
- فريدة.............
- أسكتى خالص أنتى..
تلاحقت أنفاسها وهى تحاول السيطرة على أنفعالاتها:
- أنتى فاكرة أنك تقدرى تأنبينى على اللى ممكن أعمله.. مش ممكن أسمح لحد يأذينى تانى.. مش ههد حياة أبنى عشان وخزة ضمير منصفنيش زمان ونجدنى..
ثم تابعت بغضب ممزوج بسخرية وقد تشنجت عضلات وجهها وهى تصارع من أجل كبح جماح ذكريات الماضى:
- هم اللى أغبية لو فاكرنى هبلة هيضحك عليا.. بترسم الهانم أنها تخلينى أنا وبنتها أصحاب.. وطبعا ده كله عشان تدخل بيتى وتحتك بجوزى وتقرب منه، وفى النهاية تغافلنى وتعمل علاقة معاه..
لتنفى نفسها حدوث ذلك:
- مصطفى مش صغير عشان يقع فى شركها..
- وأنا ليه أخليه يحارب مكانى فى معركتى؟!
فتسألها نفسها مرة أخيرة تأكيدا على قرارها:
- يعنى هتدخلى game (اللعبة)؟
عادت البسمة على وجهها ثانية، ولكنها كانت بمثابة بسمة مقامر يثق بحظه:
- تقدرى تنكرى أنك حاسة بالمتعة؟
- بقالى كتير مشهدتش هزيمة حد قصادى..
ليبتسم ثغرها فى تحفز:
- والمرة دى غير.. البت والحرباية أمها..
- متعة مزدوجة يعنى..
- خلينا نسيب القطة تلعب ببكرة الخيط لحد متشنكل نفسها فيه، والحبل يلف حوالين رقبتها يخنقها..
- وساعتها براحتك لتقصى الحبل، ياتسبيه يخلص عليها..
لتزداد ابتسامتها اتساعا وهى تحاول كتمان ضحكاتها:
- مملكة فريدة منصور فى أوج أزدهارها..
- وعرشها ميقبلش تتويج حد تانى بدالها..
----------------------------
يتبع
ان شاء الله
#رواية_ظلال_الماضى
#بسمه_السيد
#سلسلة_بين_دموعى_وابتسامتى
#قصص_وروايات_بوسى
|