كاتب الموضوع :
بسمه ااسيد
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
الحلقة20 : أنتى أسيرتى ج(3)
خاتمة الفصل الثانى
رواية "ظلال الماضى"
الحلقة20 : أنتى أسيرتى ج(3)
------
توقفت سيارة بعد مرور ما يقرب من ساعة جوار سيارة عادل، فترجل قائدها للمساعدة عندما لمح السيارة مصطدمة بتلك الشجرة وقد تحطم جزئها الأمامى..
كان عادل منكبا على المقود فاقدا للوعى.. جرح بسيط أعلى جبينه، لا ينذر بالخطر.. فتح ذلك الشاب باب السيارة، وأرجع رأس عادل للخلف لتفقده.. وقد حمد الله كثيرا عندما وجده يتنفس بصورة طبيعية.. ورغم أنزعاجه من تلك الرائحة الكحلية المنبعثة من عادل الا أنه أسرع الى سيارته لاحضار زجاجة مياه لافاقته..
متاهة سحب اليها فى ذلك الظلام الذى اقتنصه رغما عنه، بدا وحيدا خائفا.. يريد العودة اليها، لايهمه الآن سوى الاطمئنان على سلامتها ونجاتها.. يتخبط تائها محاولا الافلات من تلك الدوامة مناديا باسمها طوال الوقت لتكن زاده وقوته..
يمسح الشاب بالماء على وجه عادل ويربت على خده عدة مرات كمحاولة لافاقته: فوق يا بيه.. دانت مونون على الآخر.. شكلها سهرة من اياهم..
تمتم عادل بصوت خافت: سلمى.. سلمى..
الشاب ومازال يحاول معه: فوق يا أستاذ.. شكلك مش وش البهدلة دى.. فوق واصحى..
بعد عدة محاولات بدأ عادل يفتح عينيه بصعوبة، ومازال يهمس باسم سلمى حتى أفاق تدريجيا.. وبعيون زائغة طالع وجه ذلك الشاب، فتمايل برأسه يمينا ويسارا بتعب: أنا فين؟ ايه حصل؟
ليجيبه الشاب: حمد الله على سلامتك.. دانت ربنا بيحبك..
ثم أمسك ذراعه ليسحبه خارج السيارة: أخرج يا أستاذ.. خدت الشر وراحت..
حاول عادل الوقوف بعد خروجه من سيارته، ولكن اختل توازنه، ولكن يد الشاب كانت أسرع فساعده على الثبات..
الشاب: تحب نروح مستشفى؟
عادل: لأ.. عاوز ارجع بيتى لو ممكن توصلنى..
الشاب: أه طبعا.. بس مركز تدينى العنوان؟
عادل: هدلك.. أحنا قريبين..
استغرب الشاب: فين؟ دى الدنيا فاضية هنا..
فعلا اختار عادل مكانا بعيدا عن العمران ليضمن بقاء سلمى، الآن يدرك لو أن مكروها أصابه ستبقى سلمى بالقبو حتى تتوفاها المنية.. كم كان أنانيا غبيا فى جميع قراراته..
الآن سيصحح كل أخطاؤه سيعودان مرة أخرى لحياتهما القديمة.. سيعودان للحارة ثانية..
دلك عادل وجهه ببطء: أه قريب.. بيت العيلة..
--------
ترجل عادل من سيارة مضيفه الكريم فأسرع الى البوابة لفتحها بخطوات حاول التركيز فيها للمحافظة على اتزانه حتى لا يغشى عليه.. بمجرد دخوله أغلق البوابة ثانية بترباسها المعدنى فقط أما الجنزير فقط ألقاه بعيدا عن متناول يده..
ركض تلك المسافة الكبيرة بين البوابة المعدنية وباب الفيلا الخشبية، لم يكن يشعر بطول المسافة مسبقا لأنه اعتاد تجاوزها بسيارته الصغيرة.. أما الآن فهو يتصبب عرقا وهو يفتح الباب بيد مرتعشة تعبا وخوفا على سلمى..
لم يهتم بغلق الباب، بل ركض فى اتجاه القبو.. وجدها فاقدة للوعى، قام بحملها للذهاب لغرفتهما، ثم أسرع بالشروع فى مداواتها..
جسدها ممتلئ بالكدمات، وقد تجلطت دمائها مما أدى لتوقف نزيفها.. علق لها محاليلا طبية متتالية لتسرع من شفائها.. و لم يحاول افاقتها، فقد رغب فى منح كليهما وقتا كافيا للراحة..
--------
دخل غرفتهما حاملا صينية افطار خفيفة لاترهق معدتها خاصة بعد انقطاعها عن الأكل الطبيعى مدة طويلة واعتماده على محاليل طبية لتغذيتها.. فتحرك قبالتها ووضع الصينية على الكومود المجاور لها، ثم أثنى ركبتيه ليكون وجهه محازيا لوجهها.. فناداها بصوت خافت هادئ دون أن يلمسها: سوسو.. حبيبى.. سوسو.. اصحى..
بعد عديد من المحاولات بدأت تفتح عينيها ببطء، لتطالع عيناه المبتسمة بهدوء: بصحيكى من بدرى يا جميل.. ولا هو تقاوى النوم نوم زى مبيقولوا؟
أغمضت عينيها باستسلام مرة أخرى وكأنها لم تسمعه.. تركها ظنا منه أنها مازالت بحاجة للراحة، ولكن الأمر تكرر مرة أخرى مما دفعه الى الاصرار على ايقاظها هذه المرة.. لم يكن يرغب فى لمسها حتى لا تخافه.. لا يريد تكرار الأخطاء السابقة خاصة مع قراره تصحيحها.. ولكن ليس بيده حيلة الآن، يحتاج الى ايقاظها الآن لاطعامها والاطمئنان عليها..
جلس بجوارها على سريرهما الكبير، يهمس بهدوء: أصحى يا سلمى كفاية كده نوم.. بلاش تقلقينى عليكى يا قلبى أكتر من كده..
ربت على خديها برفق عدة مرات حتى استجابت وبدأت فتح عينيها ببطء وتراخى.. أسرع بابعاد يده عنها قبلما تفيق فتفزع خوفا منه، ولكن على عكس المتوقع كانت هادئة صامتة رغم ظهور آثار التعب جلية فى وجهها..
--------
يعلم جيدا أن الطريق الذى قرر أخيرا انتهاجه صعب يحتاج لكثير من الصبر ليكلل بالنجاح، وهذا ما بدأه بالفعل..
مرت عدة أيام قليلة كان يفترش الأرض جوار فراشها ليكن بقربها دون أن يفزعها بقربه ولتلتمس بنفسها تغيره الجذرى فى معاملتها.. وقد حاول عادل خلال تلك الأيام التودد والتقرب من سلمى دون اثارة خوفها، ولكن الغريب كونها هادئة تماما.. مسالمة.. شجعه ذلك على الاقتراب منها بحرص شديد.. لم تبدى أى انفعال لقربه منها، أو حتى خوفا مما فعله بها آخر مرة.. ولكن رغم ذلك السكون كانت أغلب الوقت شاردة تحدق بالحائط.. لم تنطق بحرف وكأن عقلها بمكان آخر..
جلس قبالتها على السرير، واضعا يده على يدها القابعة على ساقها: هتفضلى لامتى مخصمانى يا سلمى؟
ظلت سلمى على حالتها صامتة، لم تنظر بعينيه.. كانت تنظر الى الفراغ المجاور له، نظر الى ما تنظر اليه فلم يجد شئ.. فعاد ثانية لمحادثتها بعد أن ضم يدها القابعة تحت يده بين كفيه: عندك حق مترديش عليا.. ولا حتى تعبرينى..
رفع كفها لمستوى فمه فقبله برقة: طب أنا هقولك على خبر حلو أوى.. لأ.. هم مفاجأتين هيفرحوكى أوى..
لم تبدى أى استجابة، فواصل حديثه: أول مصحتك تتحسن وتقدرى تتحركى هنرجع الحارة..
كما هى وكأنها لم تسمعه مطلقا.. وضع يدها بين كفيه، ثم ضغط عليها بخفة: وبعدها هنسافر برة مصر..
ابتسم بهدوء رغم احباطه من تجاهلها: هرتب كل حاجة عشان تكملى دراستك زى ماكنتى حابة.. وهكمل أنا كمان معاكى.. أهو نشجع بعض..
سألها بجدية: موافقة؟
أصابته الحيرة من شرودها: سلمى أنتى سمعانى؟
لم تجيبه أو حتى تنظر اليه..
--------
نائمة على جانبها الأيمن بوداعة منذ أكثر من ساعتين، بينما جفاه النوم.. يجاورها على الفراش، فقد أصبحت ساكنة بقربه.. ورغم أن ذلك أصاب قلبه بالسرور كثيرا، لذلك تخلى عن قراره بافتراش الأرض جوارها.. اقترب منها بهدوء كيلا تستيقظ، وضمها اليه فالتصق ظهرها بصدره، ليطبع على وجنتها قبلة طويلة هادئة.. وانشغل فى ذلك الظلام الشامل للغرفة بالتفكير فى وضعها الصحى الذى لا ينبأه بخير..
- ساكتة طول الوقت..
- سرحانة.. مبحلقة فى الحيطة..
- هادية على غير العادة..
- زاهدة الأكل، ولما بغصبها عليه مفيش حاجة بتصبر فى معدتها..
- وعلطول نوم..
- فى ايه؟
- بمزاجها ده؟
- بس ساعات بحس أنها مش سمعانى ولا حتى شيفانى..
- وساعات بتكون سامعة وعينيها بتتحرك معايا..
- ممكن يكون اكتئاب؟
- أكيد اكتئاب..
- اللى مرينا بيه مكنش قليل..
- طب هعمل ايه؟
- أدوية تانى؟
- مينفعش أديها حاجة منهم الا باشراف طبيب..
- أنا صيدلى مش طبيب..
- مانا لو أديتها مضادات اكتئاب ممكن تتعب أكتر..
- هى مش ناقصة..
- جسمها ضعيف والآثار الجانبية مش مضمونة..
- ولو ملحقتهاش المسألة مسألة وقت قبل متفكر فى الانتحار..
- يعنى هى لسه مفكرتش فى انتحار!
- مهى عملتها كام مرة وآخرهم ابنك..
- هتستنى لامتى؟
- اتصل بيه.. بطل عندك معاه..
- هو كل مقول كلمة ترزعه أدامى.. ايه مخك وقف والدنيا كلها معدش فيها غيره..
- كابر أنت عن طلب المساعدة.. بس أتمنى سلمى متدفعش تمن عندك وكبرك..
- كده كده هنرجع الحارة كمان كام يوم لما تبقى قادرة تتحرك، وسهل هناك أجيبلها أحسن دكاترة..
--------
حاول مرارا التسرية عنها والهائها حتى لا تشرد فى ذكرياتهما الأليمة، أبدت استجابة طفيفة عندما بادر بأخذها لتناول الفطور بالحديقة.. تلك اللفتة كان لها أثرا حسنا عليها, فهى لأول مرة منذ قدومها تغادر ساحة الفيلا الداخلية..
كانا فى ساعات الصباح الأولى عندما دلفت سلمى لخارج باب الفيلا العملاق.. لم تكن قدماها تحملنها من أثر الاجهاد، ولكن لم يتركها عادل فكما هو دائما وأبدا سيظل دعما لها.. كانت تسير مستندة عليه بهدوء.. شاردة.. ساكنة.. وما ان هبت نسمة هواء باردة حتى منحتها تنبيها بسيطا لتغير روتينها اليومى، فرفعت بصرها عن الأرض لتطالع المكان حولها.. لم تستوعب بعد ذلك التغيير رغم محاولتها التركيز..
بذل عادل خلال الشهور الماضية جهدا مضنيا لاحياء تلك الحديقة.. وها هو اليوم يؤتى ثمار تعبه.. فعلى المنضدة الصغيرة والتى اقترب منها كرسيان مريحان تراصت العديد من أطباق الافطار الخفيفة فى جو هادئ يساعد على رفع روح سلمى المعنوية..
ساعدها فى الجلوس، وبدء فى اطعامها.. كانت سلمى متعاونة تماما، وكأن ذلك الجو الهادئ منحها بعضا من سلام داخلى كانت تفتقر اليه..
وبعد تناول الافطار بقيا لساعات فى الحديقة ينعمان بالتجول فى أركانها.. وعندما ضرب قرص الشمس عنان السماء واشتدت الحرارة، دلفا الأثنان للداخل مرة أخرى..
--------
لاحظ عادل استجابة سلمى لخطة اخراجها من اكتئابها، فقرر المضى قدما أكثر.. حيث أصطحبها الى مكتبه للاطلاع على محتوياتها..
يقف جوارها أمام مكتبته الضخمة، وكلما لمحها تنظر لكتاب اتجاه صوبه مباشرة واحضره لها ليطلعان عليه سويا.. مر الوقت خفيفا ما بين شرود سلمى وتركيزها.. كانت كطفل صغير يثير انتباه كل ماهو غير مألوف وجديد.. وهذا ما اتكل عليه عادل، حيث تعمد تقليب صفحات الكتب وقراءة بعض نصوصه أولا ثم يعطيه لسلمى حتى يحضر كتابا آخر..
شعرت سلمى ببعض التوعك، وبدأت تسعل بخفة.. جثى عادل على ركبتيه أمام الكرسى الذى تجلس عليه، ثم وضع يديه على يديها القابضة بخفة على الكتاب، ليسألها بقلق بين على وجهه: ايه يا قلبى.. مالك؟ أنتى خدتى برد ولا ايه؟
وكأنها لم تستمع اليه، فلم تجيبه، ليتابع بتفهم: أحنا خرجنا بدرى أوى للجنينة.. أكيد تعبتى.. هطلع أجيبلك الروب واعملك كوباية لمونادة بسرعة..
فتح الكتاب الموضوع بين راحتى يدها: لما اجى احكيلى ايه اللى عجبك فى الكتاب.. أتفقنا؟
أسرع الى أعلى فأحضر روبها لترتديه فوق تلك العباءة المنزلية الخفيفة، ثم ذهب سريعا للمطبخ.. بينما جالت سلمى ببصرها المكان، فلفت انتباهها أحد الكتب أمامها خلف كرسى المكتب الرئيسى..
ببطء اتجهت اليه، وسحبته من موضعه، ولكنه كان ثقيلا فسقط من يدها أرضا.. فجثت على ركبتيها لاحضاره.. لفت انتباهها درفة المكتب الكبيرة نصف المفتوحة أمامها والتى أنسدل منها ذلك السلك المعدنى.. فتحت تلك الدرفة لتطالع محتوياتها، والتى لم تكن سوى هاتف معدنى يجاوره صندوق خشبى.. حملت ذلك الصندوق ببطء ثم اعتدلت فى وقفتها لتفتحه..
--------
دخل عادل هاشا باشا: أحلى كوباية عصير لأحلى سوسو فى الدنيا..
رفع بصره اليها ليصعق بما رآه فتسقط الصينية الصغيرة من يده..
خشى اقترابه منها، فحاول الثبوت مكانه كيلا يربكها.. وعلى الرغم من ذلك نظرة الفزع المطلة من عينيه أثارت انتباهها.. تنقلت عيناها بين عادل والمسدس القابع بين يديها..
وجد ذلك الصندوق عند تجهيزه للفيلا قبل اقامتهما به.. لم يعلم ما المفترض القيام به، فاحتفظ به فى تلك الردفة مع الهاتف وسلسلة مفاتيح الفيلا.. كان يظن المكان آمن، حيث أن تلك الردفة لها مفتاحا وحيدا خاصا يحتفظ به.. ولكن فى ذلك اليوم المشؤم الذى حبس سلمى فيه بالقبو أهمل اغلاقه فى ثورة غضبه.. ولم يدخل تلك الغرفة سوى اليوم فقط مع سلمى لتحل الكارثة بعثورها على سلاح معمر، الله وحده يعلم كيف ستكون نهاية ذلك اليوم..
حاول محادثتها بهدوء مع الاقتراب منها ببطء دون اثارت توترها، ولكنها لم تنتبه له..
عادل بصوت خافت رغم التوتر الجلى على وجهه: حبيبتى.. سيبى المسدس اللى فى أيدك يا قلبى..
أنا غير مكتمل الا بكى حبيبتى.. فلا تفارقينى
عادت ثانية لتطالعه ثم نظرت من جديد للمسدس دون اهتمام بكلماته..
تلك الثوانى التى طالعت فيها المسدس كانت كافية ليقطع المسافة بينهما ليسحبه على حين غفلة منها، ولكن ما لم يعلمه لجهله بالأسلحة النارية أنها قد سحبت زر الأمان قبل دخوله الغرفة.. وبين شد وجذب بينهما فى أقل من ثانية أنطلقت رصاصة عرفت هدفها جيدا.. تلك الرصاصة أسفكت آخر قطرة دماء لتنهى عهد عرف بعهد عشق ودماء..
----------------------------
يتبع
ان شاء الله بعد أسبوع العيد
أضحى مبارك
وكل عام وأنتم بخير
#رواية_ظلال_الماضى
#بسمه_السيد
#سلسلة_بين_دموعى_وابتسامتى
#قصص_وروايات_بوسى
|