كاتب الموضوع :
بسمه ااسيد
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
الحلقة20 : أنتى أسيرتى ج(1)
رواية "ظلال الماضى"
الحلقة20 : أنتى أسيرتى ج(1)
------
الى هذا الحد تبغضه..
الى هذا الحد تنكره..
الى هذا الحد قسى قلبها..
فتقتل طفلهما..
كيف لم ينتبه لها..
كيف غاب عن عقله تصرفاتها فى الأيام الماضية..
غضب يجتاح عقله.. بدون ارادته تمردت دموعه.. يقود بلا هدف واضح حيث المجهول.. سرعته تخطت المسموح، وكأنه بتلك المخاطرة يعاقب نفسه على فعلتها..
--------
فى المساء بأحد الملاهى الليلة التى تعج بأصناف من البشر.. بعضهم هادئ يتابع الفقرات الاستعراضية مع مشروب خاص، والآخر ماجن تعدى المعقول.. نجد عادل يجلس على أحد الطاولات الصغيرة منفردا، وقد تراصت أمامه عدد من الزجاجات الفارغة.. يحمل كأسا صغيرا بيده المرابطة على سيجارة التهم نصفها حتى الآن.. ورغم تكوم أعقاب سجائر أخرى أمامه بدى وكأنها لم تؤتى فائدتها، فمازال الوجع بداخله لم يمحه أى من هذا الخبل الذى أسقط نفسه فيه بارادته..
صامت.. لا يشعر بذلك الصخب حوله.. ولم تشغل باله تلك الفتاة الاستعراضية ذات الوجه الملون والموسيقى العالية.. كانت تعابير وجهه تنم عن حديث داخلى، وجدال مستعر لم ينتهى..
أقتربت منه أحدى الفتايات الشابات صاحبة الملابس المكشوفة والوجه الملطخ بمستحضرات تجميل رخيصة بأمر مباشر من رئيسها.. جلست على الكرسى المقابل له، فلم يبدى اهتمام.. ضايقها عدم استعناؤه بها وكأنها حشرة، فليس كجميع الحاضرين تطمع نفسه فى تذوق شهدها.. كادت تغادر ولكن اشارة من طرف عين صاحب المكان لجمتها مكانها، لأداء مهمتها المعتادة من تغريم الزبون أكبر قدر من المال، وان حالفها الحظ تصحبه بجولة خاصة آخر الليل لتقضى على ما تبقى بمحفظته المنتفخة..
صافى بميوعة مصطنعة: طب مش تقولى نورتينى يا صافى..
سكتت لحظة ثم تابعت بدلال وهى تقرب وجهها من وجهه: أحب أتعرف بالبيه..
سحب عادل نفسا من سيجارته.. وهو زائغ العينين، ثقيل اللسان.. ثم فتح زجاجة الخمر ليصب لنفسه كأسا آخر.. ويشير للنادل لاحضار غيرها مع كأس جديد لرفيقته الاجبارية: هش هشش.. أنا عارف أنتى جاية ليه.. فاقعدى ساكتة.. متنطقيش.. أو امشى غورى من هنا..
استفزتها كلماته، ولكنها اعتادت على مثل تلك الاهانات وتقبلها.. فحاولت معه بطريقة أخرى.. لامست يده: طب احكيلى ايه مزعلك؟
انتفض عادل جاذبا يده من تحت يدها، أخفاها بيده الأخرى وبدأ يدلكها بعنف كمن قرصته نحلة، يريد ازالة أثرها: حوشى ايدك عنى..
تفاجأت من ردت فعله المبالغة واستنكرته: فى ايه يا بيه؟ هو عضك كلب!..
تمتم عادل ومازال يدلك يده بقوة وباشمئزاز: مفيش واحدة تلمسنى الا سلمتى..
بدأت صافى تستوضح خطب جليسها غريب الأطوار.. عاشق متيم، قد أحرقه قلبه.. قاده حظه العاثر لمكان ظن فيه راحته.. يورد عليها الكثير ممن على شاكلته.. تتعاطف مع بعضهم، وتنفر من البعض الآخر.. ولكن الشئ الدائم بالنسبة لها هو أن فضولها محركها ووقودها، فهى تلهث لاشباع رغبتها بمعرفة قصص العاشقين..
صافى بابتسامة ودودة مشجعة، وهى تتناول كأسها والذى افرغته من زجاجة خمر جديدة: طب ما تحكيلى عن ست الحسن..
وكأنها أعطته تصريحا بانطلاق لسانه الثقيل من أثر الكحول، فأجاب مبتسما وهو يتناول رشفة من كأسه: سلمتى مش ست الحسن.. سلمتى ملاك نزل على الأرض عشان يعيش فى قلبى..
أشار على قلبه، ثم تحول وجهه الى العبوس: بس أنا شيطان.. مستهلهاش.. أذتها.. فأذت نفسها.. وأذتنى.. أنا السبب.. مش هى السبب..
ارتشفت جرعة جديدة من كأس آخر، ثم تابعت لتحفزه على الاسترسال بالحديث: ولما بتحبها كده يا سى الأستاذ، ايه اللى جابك عندنا؟
ضربت الطبول برأسه معلنة عن هجوم صداع حاد، فأسقط رأسه على الطاولة يطالع زجاجة الخمر من جانب وجهه: بحبها، وبتحبنى.. بس أذتها، فأذتنى..
زمت جانب شفتيها بملل: طب متحكيلى..
بضيق ونفور رفع رأسه، وأعاد ظهره للخلف: يوووووووه.. أنا عارف بترغى تصدعينى ليه.. عوزة فلوس خدى وسيبينى فى حالى..
ألقى بوجهها عملات نقدية من الفئة الكبيرة، فجمعتها بلهفة واستغراب.. عادة هناك مقابل كبير لمثل تلك الكمية من النقود، ولكن مضيفها لم يطلب شئ سوى مغادرتها وتركها له وحيدا.. حثها ذلك أكثر على البقاء ومعرفة خطبه، فجمعت النقود سريعا وكومتها بفتحة فستانها العلوية..
--------
تجرعت كأس ثالث ورابع، ولم تنضب عزيمتها.. وهو كما هو لا يعيرها اهتماما، بل بدا وكأنه يحادث نفسه، وأثر تلك المحادثة ظاهر على قسمات وجهه.. مرت ساعات وهى تقتنص منه الكلمات بفضول أنثى شرقية.. تجمع الكلمات سويا لتكون منها جمل مفيدة تستطيع بها فهم ذلك العاشق الغامض..
لم يترك الكأس يده ولا حتى السيجارة فارقته، حتى بدا الاختناق والتعب يظهر جليا عليه.. فهو غير معتاد على مثل تلك السموم بجسده.. أسرعت صافى اليه، خاصة عندما سقط أرضا يسعل بقوة.. ظل يسعل بشدة وكلما حاولت الأقتراب منه ابتعد عنها.. ذكره حاله ببعد سلمى عنه، فهو يخشى اقتراب تلك الفتاة منه كما تخشاه سلمى.. يخاف قربها كما تخاف سلمى قربه.. هو الآن فى أضعف حالاته، كما هى سلمى بأضعف حالاتها..
--------
أشارت صافى لأحد رجال الحراسة المفتول العضلات ليذهب اليها على عجل: شيله بسرعة هاته على أوضتى..
حمله الحارس ببساطة فيبدو أنه معتاد على تلك الأمور، واتجه به الى ذلك الركن الخالى وراء ستارة داكنة اللون حتى اختفى وخلفه صافى..
أرقده على تلك الأريكة الكبيرة المجاورة لمرآة الزينة خاصتها، ومازال يشعر باختناق وكأن كتلة صلبة تتربع على صدره..
الحارس بصوت أجش: هيحصل مشاكل يا صافى، ده مدفعش الحساب..
أسرعت صافى فدست يدها بالجزء العلوى من فستانها فسحبت بعض النقود: لا يا خويا.. البيه محاسبنى ع الليلة كلها.. ده زبونى..
أومأ الحارس لها دلالة ع التفهم، وسحب من يدها النقود: طب طرئيه بسرعة.. بدل منتكرش من هنا.. أنتى عارفة الباشا "صاحب الملهى" صعب ازاى..
أدعت صافى خوفها على عملها، بينما هى بالحقيقة تشفق على ذلك الشاب وترغب فى اخراجه من المكان بأقل خسائر: متخفش يا اخويا.. هعمله تلقيمة بن تفوقه بدل ميروح فيها، وميرجعش تانى.. ده بيه متريش.. زبون سقع.. شكله وارث..
كان عادل يتلوى فوق الأريكة يمينا ويسارا فى ضيق، يرى لمحات من الأشهر الماضية.. لم ينتبه لحديث رفيقى الغرفة، ولكنهما انتبها اليه عندما بدأ أفراغ ما بمعدته ليهدأ بعدها تماما..
وجهت صافى حديثها للحارس: روح أنت يا اخويا.. نص ساعة وهخلص المصلحة واطلعلك..
أحضرت صافى منشفة نظيفة لتعطيها لعادل، ثم اتجهت لصنع قهوة سادة تساعده على الافاقة..
بدأ عادل ارتشاف قهوته والتى اعادة له بعضا من رشده، لتقاطعه صافى: أرجعلها يا سى الأستاذ.. هنا مش مكانك.. مكانك مع ست سلمى..
--------
ترددت كلمات صافى الأخيرة بعقله أثناء قيادته للسيارة فى طريق العودة للفيلا:
"أنت محتجلها، وهى محتجالك أكتر.. بس الظاهر أنك مش واخد بالك هى محتجاة لايه منك.. الواحدة مننا متتمناش أكتر من راجل يحبها ويبقى سترها، لما تحتاجله تلاقيه موجود فى ضهرها.."
ليصدح عقله بشريط ذكريات، غاب بثنايا عقله..
Flash Back
الزمان: قبيل ميلاد سلمى
دخل عادل الطفل ذو السبعة أعوام غرفة شادية بمنزلها بالحارة حاملا كرته الصغيرة، ليحدثها بضحكة تملأ ثغره: أنا جيت يا شوشو..
صعد على السرير جوارها: أنا زعلان منك..
شادية بتعب واضح فقد اقترب موعد ولادتها: ميهونش عليا زعلك..
مدت يدها جوارها فالتقطت تفاحة من طبق الفاكهة الموضوع على الكومود جوارها، ثم ناولته اياها: بس أنت زعلان ليه؟، مش احنا صحاب.. يبقى مينفعش نزعل من بعض..
قضم قضمة صغيرة من تفاحته: معدتيش بتلعبى معايا..
شادية بابتسامة شاحبة: معدش ينفع.. هجبلك نونو يلعب معاك..
عادل بتفكير: بس ده هيبقى صغير.. لسه هستنى يكبر؟
ربتت شادية على رأسه: هيكبر على ايدك.. خد بالك منه.. أوعى تسمح لحد يأذيه أو يضحك عليه..
سألها عادل بحيرة: طب لو جبتى بت زى سالى بنت عم محمد هعمل ايه؟
ابتسمت شادية عند ذلك الاحتمال الذى تحبذه، فعادت بظهرها للخلف تستند على تلك الوسادة الكبيرة: بنت.. ياريت.. هسميها سلمى..
Return
--------
لامته نفسه: كنت عارف طول الوقت هى محتاجة ايه، وطنشت.. كنت فاكر هتجبرها تتقبل الوضع لما متسبلهاش طريق تانى تخطى فيه!.. أهى بدل متمشى فى طريقك وقفت مكانها وفضلت تخبط راسها فى الحيط.. ودى النتيجة.. مش هى اللى قتلت ابنك، أنت اللى قتلته، مش هى..
Flash Back
الزمان: الشتاء الماضى
مذعورة من لمساته المتتالية، لم تعتد على كونه زوجها بعد: عشان خاطرى، لو بتحبنى بجد كفاية كده.. مش هأقدر.. بتوجعنى..
ليجيبها بصوت هامس فهى لم تخرجه بعد من لحظاته السعيدة معها: أهدى، ومش هتحسى بوجع.. هبسطك.. بس اهدى أنتى بس، ومش هتتوجعى.. ها يا سوسو.. هبسطك..
حاولت ابعاده عنها بقوتها الواهنة: بلاش عشان خاطرى.. أنا خايفة..
يعلم تماما أنها تمر بصدمة عقب علمها بزواجهما واصراره على تحويله من مجرد ورقة الى حياة فعلية حتى لو كان بالاجبار والعنف، فقد قرر الطرق على الحديد وهو ساخن.. فحسب وجهة نظره هو يستطيع اخضاعها بسهولة لقراراته مادام يستخدم معها شدته وصرامته المعهودة.. استغلال خوفها ضدها هو أقصر طريق لفرض هيمنته عليها..
تعمد اثقال جسده عليها، ثم قبض على ذراعها اليمين بقوة لايلامها، وهو يهيم تقبيلا عشوائيا لجسدها ويهمس بالقرب من أذنها: مسمعش كلمة خايفة دى تانى.. أنتى بتاعتى.. أعمل فيكى مابدالى.. فاهمة؟
زادت من بكائها: أبوس ايدك سبنى.. كفاية كده.. أنا خايفة.. سبنى أرجوك..
سحب نفسه من فوقها ليجاورها جالسا، ثم جذبها من ذراعها المجاور له لتعتدل جالسة.. سحبت الغطاء بلهفة لستر جسدها، فجذبه بعنف من يدها ليبقيا كما هما.. ثم استدار ليواجهها..
نظر لها طويلا ثم جذب رأسها اليه بيمناه وقد أسند جبينه بجبينها ينظر لعيناها وبينما دموعها تنسال بغزارة على وجنتيها وبين شهقاتها المكتومة همس بصوته الرجولى:
أنتى فعلا أسيرتى..
أنتى أسيرة قلبى عشان كده مقدرش أحررك..
معرفش حتى لو حاولت..
أنتى ادمانى..
مقدرش..
أنا وأنتى واحد ومش هيفرق بينا الا الدم..
--------
يتبع
الحلقة20 : أنتى أسيرتى ج(2)
ان شاء الله
#رواية_ظلال_الماضى
#بسمه_السيد
#سلسلة_بين_دموعى_وابتسامتى
#قصص_وروايات_بوسى
|