كاتب الموضوع :
الفيورا
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: عكس الرحيل
إحم.. إعلان صغير.
فكرة تنزيل البارتات يومين في الأسبوع؟ إنسوها خلاص. التنزيل بيصير يومي إن شاء الله. بأية حال بارتاتي صغنونة، وأنا بصراحة وحدة تتحمس مع الردود وكل ما أحد يعطيني رد يكون نفسي أرده ببارت.
[9]
رن هاتف مكتبها مرة أخرى. ردت طيف على المكالمة بنفس الطريقة، لكن بدل أن تلاقي الصمت، لاقت ردا هذه المرة.. صوت رجل: السلام عليكم..
هذا الصوت.. كان مألوفا، مألوفا جدا. وجدت نفسها تتوتر، قلبها يخفق مسرعا، مترقبا: وعليكم السلام..
عرفت لحظة نطقه مرة أخرى سبب إحساسها ذاك: كيف حالك يا طيف؟
تلك الطريقة في نطق اسمها، كأنه يستمتع بنطقه، كأنه يرتاح به.. فقط تنتمي لشخص واحد، شخص لم تظن أنها ستسمع منه خبرا: مالك..؟
تستطيع الشعور بالابتسامة التي ارتسمت على شفتيه من رده: إيه.. حبيت أسلم عليك. ما ينفع أتولى أمور ذي الشركة بدون ما أمر على زوجتي اللي تشتغل فيها، صح؟
يتكلم بكل أريحية، كأن فراقهما دام أسبوعا بدل سنوات. لا تستطيع تشكيل أي رد، الصدمة ألجمتها تماما.
لم يبد أنه لاحظ صمتها المذهول.. أو ربما تجاهله: بأية حال، كويس إننا تلاقينا. بتصل فيك قريب إن شاء الله. انتبهي على نفسك.
وبكل بساطة، أقفل الخط.
:
كيف كانت غافلة هكذا؟
منذ سماعها بشراء مجموعة السامي لهذه الشركة، كان من المفترض أن ترن أجراس الإنذار في عقلها. لكنها بررت لنفسها أن تلك المجموعة ضخمة ومجالاتها واسعة الأفق ولا يمكن أن يكون لها علاقة بها.
لكن.. تبين أنها كانت مخطئة، وبشكل لم تتوقعه حتى في أكثر السيناريوهات جموحا.
:
رنين هاتف مكتبها أصبح يبعث فيها التوجس منذ الأمس، ظلت طيلة ذلك اليوم تتوقع اتصالا، لكنها لم تتلقاه.
هل كان يلعب معها ألعابا عقلية أم ماذا؟
ردت من الرنة الأولى على هاتف مكتبها، منزعجة، فهي لم تخطو خطوة واحدة، لم تخلع عباءتها حتى، إلا وهاتف مكتبها يصدح بالرنين: نعم؟
اتسعت عيونها عندما أتاها صوته: ليه تأخذي أوفر تايم؟
قطبت حاجبيها: مو واضح؟
رد: سجلك مكتوب فيه إنك إنتي الوحيده اللي تأخذه في قسمك.. ليه؟
لم تجب وسألت بدورها: إنت اللحين اتصلت علي.. عشان الأوفر تايم؟
هناك أشياء أولى بنقاشها، بقولها..
ألم.. ألم يؤثر به فراقهما..؟
سأل هو الآخر: في شي ثاني تبغي تتكلمي عنه؟
تسلل إلى صوتها الجمود: لاء.. مافي شي أقدر أفكر فيه اللحين.
تعذرت باستعجال عندما رأت مديرتها لمياء تشير إليها، لم تنتظر سماع رده قبل أن تقفل هي الخط.
:
صوت زميلتها سناء تناديها نهاية الدوام سحبها من عمق أفكارها التي لم تهدأ منذ اتصال مالك بها، لتراها تحمل علبة ما وتضعها على مكتبها: طلبية لك.
قطبت طيف حاجبيها، مستغربة كل الاستغراب، فهي لا تطلب طعاما أو أي شيء من الخارج كباقي زميلاتها. كانت ستنادي سناء لتخبرها أنها أخطأت لكنها لاحظت شيئا في العلبة.
"كأني شفت ذي الماركة قبل.."
تفحصت العلبة عن قرب. كان واضح عليها الفخامة من التغليف والعلامة المسجلة فوقها. بفضول متصاعد فتحتها، لترى قطع شوكلاة مصفوفة بشكل مغري، كل قطعة مختلفة عن الأخرى.
تذكرت مرة.. جلب مالك معه مجموعة من الحلويات أعطاها له صديقه. كان من ضمنها خمس أو ست من نفس قطع الشوكولاة هذه. تذكرت كيف حاولت إخفاء مدى إعجابها بالقطعة التي أخذتها صدفة، ليلاحظها مالك ويعطيها كل القطع الباقية.
هل يمكن..؟
أخذت البطاقة داخل العلبة. الكلمات المكتوبة عليها كانت قليلة، لكنها أكدت شكوكها عن هوية المرسل. تعرف ذلك الخط، تعرف أكثر صاحبه..
أختبر ذاكرتي..
نجحت ولا لا..؟
.. مالك ..
رن هاتف مكتبها. أجابت عالمة من هو المتصل. سألها لحظتها بفضول مسترخ: ها؟ طعمها حلو زي زمان؟
أجابت بهدوء مصطنع، تحاول فيه تمالك أعصابها المشدودة المرهقة من الفوضى الذي أحدثها هذا الرجل في روحها: لسى ما أمداني../ تنهدت: وترى ما ينفع تستخدم تلفون الشركة كذا..
رد كأنه توقع كلامها بالحرف: أوافقك الرأي وعشان كذا، عندي فكرة..
رددت: فكرة..؟
همس: أبغى أشوفك..
ذلك الهمس العميق شابه نماذج أخرى من الماضي، وللحظة ارتعشت، لتشعر بحرارة حمرة تتسلل إلى وجهها. تنحنحت: ووين تبغى تشوفني مثلا؟
ليجيب: المتنزه جنب مبنى الشركة. أظنك تعرفينه؟ لاقيني عند البوابة.
أقفل الخط بعد ذلك. تساءلت إذا كانت هذه عادة طورها في غيابه.
لم تحتج إلى التفكير بأي متنزه يقصده، فهناك متنزه واحد بجانب الشركة. كانت تمر جانبه في طريقها إلى البيت، لكنها لم تدخله قط.
لم تستسغ فكرة أن يتلاقيا أمام متنزه. كانت تفضل لو تم اللقاء في البيت.
وجدت طيف نفسها تستعد للخروج في النهاية بعد تردد، فهي تريد وضع النقاط على الحروف والحصول على أجوبة لأسئلتها. ربما عندها سيرتاح بالها وتستطيع العودة إلى تجبير قلبها المتصدع..
:
كان يقف معطيها ظهره عندما رأته. عرفته من طريقة وقوفه، مرتدٍ لبذلة أنيقة بدت كأنها صُممت خصيصا له. عندما أصبحت بقرب خطوات التفت إليها ويا الله، كم زادته السنين وسامة. السنين كانت كفيلة بصقل ملامحه إلى الاستواء التام، مزودة إياه بفخامة تلقائية غير متكلفة. نظرة عيونه أصبحت أكثر حدة، أكثر صلابة، لكن شيء من الماضي ظل يشتعل بهدوء وسطها.
أشر لها أن تتبعه قبل أن تعلمه بهويتها. استغربت كيف عرفها، فهي لم يظهر منها شيء، حتى يداها كانت مغطاة بأكمام عباءتها الطويلة.
تبعته داخل المتنزه ببطء لاحظه، ليرفع حاجبه على المسافة الفاصلة التي أبقتها بينهما: ترانا مو قاعدين نسوي شي حرام. لساتك زوجتي إذا تذكرين..
معرفته بعدم فسخها لعقد زواجهما أثبتت لها أن مالك بحث في سجلات توظيفها جيدا. وللمرة الألف تساءلت ما هدفه من كل هذا، لم أًصبح صعب القراءة هكذا؟
:
حتى وإن كانت متشحة بالسواد، عرفها من طولها، من وقع خطواتها المماثلة لها بهدوئها وخفتها. منع نفسه من إظهار فرحه البالغ بهذا اللقاء، فهو في باله أجندة ينوي الإلتزام بها. يريد وبشدة المشي جانبها، أن يتحسس نعومة يدها المخملية من جديد.. لكنه قاوم، وآه كم كانت المقاومة عصيبة.
سألته عندما استقرا في زواية منعزلة عن العامة: ليش بغيت تشوفني؟
أراد أن يضحك من غرابة السؤال، وظهر ذلك في صوته عندما أجاب: ويبغالي سبب عشان أشوفك؟
هذه الظالمة، المجرمة بحق قلبه.
التوق يكاد يقتله ليراها بالكلية، ليروي ظمأ شوقه برؤية أثر السنين عليها.. وتسأله لم يريد أن يلاقيها؟
لاحظ تصلب وضعيتها وتحفظه. تنهدت: مالك.. ليش ما طلقتني؟
لا يعجب باسمه إلا عندما يسقط من شفتيها، حتى ضمن كلام أضناه ألما. نظر نظرة ذات معنى إلى يدها، إلى خاتم أمه الذي لا زالت ترتديه، ليسأل بدوره: وإنتي ليش ما فسختي عقد زواجنا؟
أرجعت يدها بسرعة، تخبئها بعد فوات الأوان: يمكن استناك تطلقني، ماله داعي مرمطة المحاكم..
يعرف كل المعرفة أن طيف لم تكن من النوع الذي يتجنب المشقة بأي شكل من الأشكال. لن يقبل بعذرها هذا لاستحالة تحقيقه. تحلم هي إن كانت تظن أنه سيتركها بعد أن وجدها، بعد أن ظلت لسنين متربعة على عرش قلبه وأفكاره.
لا زال يذكر إعطائها له لذلك الإذن.
(تقدر تطلقني اللحين..)
كأنها تسديه خدمة، كأنها تطلق سراحه من سجن.
ألا تدري أن سجنها كان ما يريد؟
لا، على ما يبدو لا تدري. لا بأس سيصلح هذا الوضع المقيت.
هي من أدخل فكرة الطلاق إلى علاقتهما، وهو سيجعلها من تخرجها نهائيا من القاموس. سيجعلها تقر برغبتها له زوجا.
مثل الضيق قبل أن يقول: مقدر أطلقك اللحين، أول ما لقيتك قلت لجدي وهو قال للباقين.. خلاص هم يستنوني أرجع بزوجتي. وهذا السبب اللي خلاني أبغى أشوفك.
لم تكن كذبة بالضبط، فهذا حصل فعلا. عائلة أبيه تنتظره بكل المعمعة التي تحتويها.
سكتت طيف للحظة بدت كالأبد قبل أن ترد: وإلى متى تبغاني أكون معك؟
"العمر كله.." هز كتفيه: يمكن ست شهور على حد أقصى..
تنهدت، كما لو كان باستسلام: طيب.. بساعدك../ نظرت إليه، يستطيع الشعور بعمق نظرتها حتى من وراء غطاء، مدى القلق التي تحمله: مرتاح مع عايلتك؟ يعاملوك زين؟
عندها لم يستطع نفسه من الابتسام، حتى وهو يمثل البرود، تبدي اهتمامها: الحمد لله.. كان صعب شوي أتأقلم معاهم في البداية، لكن من يوم ما رجعت من دراستي برا والأحوال تمام.
رددت ليعرف أنها كانت تبتسم من نبرة صوتها: الحمد لله..
نبهما رنين جوال إلى الوقت، لتقوم هي ويقوم هو وراءها. قالت تفسر: تأخرت على البيت..
رد: بوديك.
لم يستمع لإعتراضاتها وجرها بخفة وراءه بيدها إلى سيارته. سألها عندما بدأ يقود رغم أنه يعرف الإجابة: مع مين ساكنة؟
أجابت بعد تردد: خالتك..
عندما عاد إلى الرياض ووجد بيت أبو طيف قد بيع، سأل جيرانهم عن مصير ساكنيه. أخبروه أنهم انتقلوا إلى مدينة أخرى. أي مدينة، لا أحد يدري، فاتصال أهل ذلك البيت بهم انقطع عنهم فجأة.
رقم خالته كان مفصولا عن الخدمة وكذلك رقم طيف، وكل دليل تتبعه قاده إلى طريق مسدود.
كم كان قريبا من اليأس..
فجأة سألته طيف، قاطعة خيط أفكاره المتسلسلة: سامحتها؟
الجرح الذي أحدثته خالته في نفسه ظل نازفا لفترة، لكنه بدأ بالإلتئام شيئا فشيئا، ليتصاعد شعور بالذنب لما اقترفه، فتصرفه لم يكن شيئا يفتخر فيه: أبغى أكلمها..
أومأت طيف موافقة له: بعطيك رقمها.
ابتسم ابتسامة مائلة: وأبغى رقمك بعد.
أعطاها جواله وبصمت راقبها تدخل الأرقام بطرف عينه. حتى رفقتها الصامتة هذه، كان يريدها. تمنى لو أن الطريق طال أكثر من ذلك، لكن لكل شيء نهاية.
نظر إلى مبنى الشقق الذي أرشدته إليه طيف بنظرة متفحصة. بدا قديما بعض الشيء وصغيرا للغاية. كم كان عدد الغرف لكل شقة، واحد؟
قبل أن تخرج، قالت بتردد جعله يتساءل إذا ما كانت تريد قول شيء آخر: تصبح على خير..
رد: وإنتي من أهله.. بنكون على اتصال.
ود لو يبقى، لكن لديه الكثير ليرتبه قبل ذلك.
[انتهى البارت...]
|