كاتب الموضوع :
الفيورا
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: عكس الرحيل
البارت هذا مخصوص لثريا، يمكن يشرح دوافعها، يمكن لا..
[7]
بداية النقطة السوداء في حياتها كانت عندما سُجن أبوها ظلما، ليطلق سراحه بعد سنين وفوات الأوان، فأمها ماتت حزنا عليه، والناس أصبحوا يعايروها هي وإخوتها بأبيها خريج السجون.
بين أختها مناهل الساذجة و أخيها مازن اللامبالي، كانت ثريا وحدها من تواجه ظلمة واقعها. تزوج مازن لتصبح أخباره شحيحة في الوصول إلى دارهم. ومن بعد مازن كانت مناهل. مازالت تذكر اعترافها الخجول ذات ليلة عن الذي جعل زياد السامي يطرق باب بيتهم خاطبا لاهفا.
(طحت من درج السوق قدامه..)
خمنت أن وجه أختها تكشف أثناء سقوطها، ليراه ذلك الزياد غفلة. ومن رأى أختها مناهل سيجن من جمالها. ربما تبعها إلى بيتهم، فالمسافة بينه وبين السوق الذي كانت تبتاع أختها حاجيات البيت كانت قريبة. قصة ظريفة، غير مطابقة لواقع ما تحولت حياتهما إليه.
تزوجا لتمنع ثريا من زيارة أختها الحبيبة، رفيقة الروح والدرب. سلبها زياد إلى عالمه المنعزل، كدمية جميلة تحمى من أعين الناس.
لكن ثريا كانت له بالمرصاد، ولم تهتم بالأسوار التي وضعها زياد، لا، فقد انتهزت كل فرصة تسنح لها لزيارة أختها حتى أصبحت قادرة على توقع الأوقات المناسبة لزياراتها. ولادة مالك جعلتها أكثر إصرارا على عدم السماح لزياد أو أي من كان بقطع صلتها بأختها، على رؤية ذلك الطفل الرائع يكبر أمام عينيها ليناديها (خالتي). لم تسمح بزواجها والظروف التي مرت بسببه بثني عزيمتها.
زواجها..
شعرت بالوحدة عندما رحل مازن ومناهل. أبوها المغبون الصامت كان وجوده كعدمه في البيت، مغلق على نفسه في غرفته.
عندما لمحت لها زميلة دراسة عن رغبتها بخطبتها لأخيها، لم تتردد ثريا بالموافقة. مر الزواج على خير في السنوات الأولى، بين تدليل وتعاطف أهل زوجها معها. ولدت ولدان، منصور و طلال. في السنة الخامسة بدأ زوجها فواز يتكلم عن الزواج مرة أخرى.
كانت تلك بداية النهاية.
إعترضت وهاجت لتفاجأ بالتغير الجذري الذي حصل لكل من حولها. أخذوا ودهم بالسرعة نفسها التي أعطوا، لتترك وحيدة مرة أخرى، مسلوبة الروح من خلال أخذهم لأطفالها.
لا تدري لم تزوجت بسلطان، لم تقبلته بتلك السرعة، لكنها فعلت ولم تندم. كان يختلف تماما عن فواز، أكثر هدوءا، أكثر بساطة وقناعة. ربما عيبه المؤلم، إذا أمر كذاك يمكن أن يقال عنه عيبا، كان ذكره العفوي لزوجته المتوفية، ليذكرها بوضعها السابق. ألم يكفي هاجس المرأة الآتية، ليلاحقها طيف إمرأة كانت؟
تلك الصغيرة، ابنة سلطان..كم ناسبها اسمها، فرؤيتها كانت كفيلة بجعل سلطان يتذكر.
تذكر ذلك اليوم الذي أبدت بشيء من الذي كان يسبح في ذهنها.
بدت طيف جميلة بفستانها الوردي المنفوش وبراءة محياها المضيء. ركضت إليها بكل السرعة التي تستطيع فتاة في الرابعة ركضها، لتسأل بابتسامة عريضة: كيف شكلي؟ بابا يقول حلو!
أرادت إجابتها بأنها توافق والدها بالرأي، لكنها سكتت، مشتتة الإنتباه بعشرات الذكريات المتدافعة إلى عقلها، عن قول سلطان أن ابنته كانت نسخة من أمها، عن مدحه الدائم لها.. عن زوجها السابق.. عن معايرته وإهانته لها قبل أن يطلقها..
لم تقصد قولها، لم ترد، لكنها فعلت: عادي.. ماني شايفة شي جديد..
فقط رؤية النور يخبت من عيون طيف أيقظها من غفلتها، لتدرك ما فعلت.. كسرت فرحة طفلة بثوب العيد.
لم تسنح لها الفرصة لتصحح ونست، لتتكرر مواقف مشابهة، ليتكرر شعور الذنب نفسه، إلى أن توقفت طيف عن سؤالها، إلى أن توقفت عن الفرح بتلقي مديح والدها.
تجاهلت ما يعنيه ذلك، إلى أن رجع بقول طيف المستنكر عندما عرضت عليها الزواج بمالك: .. ورى ما تخطبيله بنت تستاهل اجل، موب وحدة ما تطيقيها وقلتي عنها الف عيب؟
كان بوسع ثريا القول أنها لن تحصل على مرشحة أفضل لحظتها، لكنها فضلت الاتجاه إلى أمور أهم، كخطتها للإبقاء بولد أختها الوحيد جانبها وعدم السماح لأهله بأخذه بعيدا كما فعل والده بأختها.
:
ذعرت.. تعترف أنها ذعرت.
كانت خطتها تجري بأفضل ما يمكن. لم تتوقع مدى تعلق مالك الشديد بطيف، لكنها لم تمانع البتة.
المكالمات والتهديدات التي تلقتها من عائلة السامي منذ وفاة أختها نغصت عليها، لكن ثريا وجدت لها طريقة في التعامل. من حسن حظها أن زياد قطع علاقته بهم أيضا، لدرجة عدم معرفتهم بالكثير الكثير عن تفاصيل حياته. اضطروا مرات عديدة لأخذ كلمتها كحقيقة، كالمرة التي قالت إنها لا تعرف أين ذهب ابن أختها أو أي أخبار عنه. لا تدري من أين عرفوا أن لزياد ولدا في بادئ الأمر. لا يهم، فما دام أنهم لا يعرفون بسكن مالك عندها، اللعبة ما زالت مستمرة.
كان يجري كل شيء حسب منوالها، ليحطم مالك ذلك بإخباره لها أنه التقى بجده.
في ذعرها تفوهت بأشياء لم يكن من الحكمة البوح بها، أشياء أودت بطردها مالك من بيتها..
لم تقصد.. لم تقصد.. أليس ذلك بعنوان مناسب لحياتها؟
:
لم يقطعهم مالك بالكلية، فهو كان يتصل بشكل أسبوعي بسلطان الذي كان يظنه مسافرا للعمل كالمرة السابقة. زيادة على أنه كان يرسل لهم مصروفا نهاية كل شهر.
أجابها عن سبب فعله ذلك عندما ردت هي عليه بدلا من سلطان الملقى طريح الفراش من التعب والمرض: مو عشانك..
تسمع سلطان يجيب عن سؤاله عنه وعن طيف وحتى هي.. لتفكر "موب بابن أبوك أبد.."
تمر شهور ويزداد سلطان عتبا وعدم رضا على مالك لطول غيبته.
تمر شهور أكثر.. ويموت سلطان.
ما بال كل من تحب يرحل؟
غريب كيف أن طيف صارت ما منعها من الغرق بالهم، لأن الفتاة كانت تخطو غير واعية إلى هلاكها بحزنها على والدها.
كيف لم يخطر على بالها، شعور طيف حيال موت والدها؟ كيف لم يخطر لها انهيارها المحتوم؟ لطالما كان والدها أولويتها.. ألم تستغل ثريا تلك النقطة مرة؟
كفكفت عن دمعها لتهتم بطيف، لترجعها إلى الوقوف على قدميها مرة أخرى. اعتادت من تلك الفتاة الصلابة، ورؤيتها منكسرة كسرها، فطر قلبها وأدماه.
بوفاة سلطان، كانت ثريا المتلقية لمكالمات مالك اللاهفة القلقة كل يوم. يسألها أتأكل؟ أتخرج؟ أتدرس؟ أتنام؟ وربما كانت لتبتسم لو لم يكن الذنب يخنقها لسماع كل ذلك الحب بصوت ابن أختها.
ما الذي فعلته؟ كيف أمكنها فعله؟
لم تعد تظن أن لها الحق بوصل مالك، لم يغظها حتى معرفة أن عائلته أرسلته لإكمال دراسته في خارج البلاد أيام بعد أن غادر بيتها. كانت متأكدة أنهم كانوا يريدون إبعاده عنها بأقرب فرصة ممكنة.. ولا عجب.
تعافت طيف ببطء لكن بإصرار.. لطالما كان إيمان تلك الفتاة قويا. قضت وقت بكاءها وحزنها على والدها بالدعاء له.
لشهور، حرصت ثريا على إبقاء مكالمات مالك سرا عن طيف، ليس برغبة منها بل بسبب ابن أختها. لسبب ما، وصاها ألا تسمعها طيف تتكلم معه. لم تر ثريا المنطق في ذلك. لم لا يسأل طيف عن أحوالها مباشرة بدلا من السؤال عنها؟
لكن لابد وللإنسان أن يخطئ ويتعثر.. وأتى يوم سمعتها طيف تكلم مالك.
بدت طيف كما لو أنها تريد قول شيء، تعابير وجهها الحيادية لا تفصح عما كان في بالها، فأعطتها ثريا الجوال بترقب، لتتسع عيونها بتفاجئ مما تفوهت به: تقدر تطلقني اللحين.
أعطتها الجوال بدون انتظار رد وذهبت..
ربما بدا صوت طيف باردا خاليا من المشاعر، لكن ثريا رأت الألم في تعابير وجهها. كان واضحا حبها وعدم رغبتها بالطلاق.. إذا، لم أعطت مالك الإذن؟
كانت ستسأل مالك، كاسرة قوانين مكالماتهما، لكنه أقفل الخط.
:
سألته في اتصاله التالي: بتطلقها؟
أجاب ببرود: طبعا لا. هي ما طلبت.
قطبت ثريا حاجبيها: بس هي قالتلك إنك تقدر تطلقها..
رد: هذيك قلتيها. قالت أقدر، وما دام تركت لي الخيار، فما راح أطلقها.
شعرت بغضب من تحايله الواضح واختياره المركز على ما تعنيه الكلمات: يعني بتظل معلقها؟!
لم يفتها الألم والحزن الذي ظهر بصوته، مهما حاول إخفاءه: لما تطلب مني هي بطلق. غير عن كذا مافي. زي ما الخيار في يدي، الخيار في يدها.
:
تطلب مرضا أطاحها طريحة الفراش لتدرك ثريا شيئا..
اهتمام طيف بها، تنقلها من مستشفى لآخر بحثا عن علاج لها، عدم تركها لتصارع آلام المرض لوحدها.. كان تصرفا مغايرا لما توقعته. ليس هذا نص القصة التي دارت في بالها أبدا بعد وفاة سلطان.
توقعت عودة ابنيها لها، بحثهما عنها ووصلها بعد قطيعة سنين. توقعت ترك طيف لها للعيش مع أي فرد من عائلة والدها الذين عرضوا مكانا لها على مضض، مجبرين.
لكن صغيراها أصبحا رجلان لا يكترثان ولا يلقيان لها بالا. تركاها.. بينما طيف بقيت.
مسحت طيف عن دمعها، وعندها فقط أفاقت ثريا من غيبوبة شجونها. لم تسألها طيف عما أبكاها.. فقط ساعدتها على الجلوس وقالت: وقت دواك جا..
نظرت ثريا إليها كأنها أول مرة تراها.
تذكرت ما قالته لمالك مرة..
(لو كان عندي بنت..)
كانت مخطئة.
لديها ابنة.. لديها ابنة..
:
كانت مفاجأة عندما اتصل بها أخوها مازن بعد أسبوع من تعافيها ليخبرها أنه سيصطحبها إلى السكن في مبنى الشقق الذي يملكه. بالكاد سمعت أخباره، ظنت أنه لن يهتم، ليثبت لها أنها كانت مخطئة في هذا أيضا.
أجابها عند سؤالها: راحت أختي الكبيرة بدون ما أشوفها لسنين.. ما أبغى يصير نفس الشيء مع أختي الصغيرة.
باعت البيت ووضعت ما حصلت منه في حساب أسسته لطيف. في معمعة وضب أغراضهم والإنتقال إلى جدة، فقدت جوال طيف وجوالها، ومعه الرقم الدولي الذي كان يتصل منه مالك.
مهما حاولت، لم تستطع العثور عليه أو حتى تذكر الرقم.
:
سنين تمضي..
تنهدت: هذا ثالث خاطب أرده بذاك العذر..
لترد طيف ببرود: مو عذر، حقيقة. أنا متزوجة.
"وهاذي المرة العاشرة اللي أقول هالكلام..": نقدر نروح المحكمة ويصلحوا وضعك.. مو شرط نحصل خبر من مالك وحنا ما نعرف حتى وينه فيه ولا نقدر نتصل عليه.
ذلك الجدار الجليدي تصدع، كما يفعل كلما ذكر اسم مالك: أنا مو مستنية خبر منه..
لم تصدقها ثريا. كيف تفعل وهي ترى طيف مازالت ترتدي خاتمه بعد سنين؟
[انتهى البارت...]
|