كاتب الموضوع :
الفيورا
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: عكس الرحيل
السلام عليكم!
اشتقت اشتقت لكم في غيبتي اللي سببتها ظروف جدا قاهرة منعتني من النت كلش، بس على الأقل قضيت الوقت اشتغل على الرواية، وبعوضكم إن شاء الله.
اليوم بكمل لكم القسم الأول من الرواية (خمس بارتات) + بارت صغنون مقدمة للقسم الثاني.
ومن بعده إن شاء الله، ببدأ التنزيل يومين في الأسبوع، السبت والثلاثاء.
أشكر الأخت شبيهة القمر على كونها نعم الونيس والأخت بلومي على مساعدتي مع مشاكلي.
[3]
رجعت طيف إلى غرفتها لتراها متغيرة بشكل جذري. أغراضها لم تكن موجودة، بينما أثاث المجلس كان موضوعا بكل ترتيب. على الفور عرفت من الفاعل. بخطى يقودها الاستنكار، بحثت عن زوجة أبيها حتى وجدتها تقطع الخضار في المطبخ: وش سويتي بغرفتي؟
ببرود أجابتها: مالك رتب أغراضه خلاص. ما عادت ذيك غرفتك.
انلجم لسانها، فهي اتخذت حالة الملحق كعذر. لكن ذلك العذر كان مؤقتا.. حتى ولو، لم تعتقد طيف أن زوجة أبيها ستتحرك بهذه السرعة. "يا ذي الورطة اللحين.."
ظلت تحاول البحث عن حل بلا جدوى، دافعة النعاس الذي بدأت تشعر به في الليل. استفزها إقفال زوجة أبيها لما كان سابقا غرفتها. منظر المفاتيح تتأرجح أمام نظرها كان مغضبا.
لم يبق لها خيار آخر..
كلص، تسللت داخل الملحق، متنفسة الصعداء عندما رأت مالك غارقا في النوم. افترشت لها مكانا جانب الباب، متجاهلة عدم راحتها.
:
تشكر الله كل يوم على مقدرتها على الاستيقاظ عند أذان الفجر. كانت تعرف أن نومها ثقيل وأكثر المنبهات إصرارا ستعلن استسلامها أمام عمق نومها.
لكن غريب، كيف كانت تشعر بهذا الدفء، هذه الراحة، فمن نحف الفراش الذي كانت تنام عليه كان باستطاعتها الشعور ببرودة الأرض وقساوتها. غريب أنها لم تتذكر أنها تلحفت بهكذا لحاف. وغريب.. هذه الآثار لعطر رجالي..
لحظة.. "هذا مو الفراش اللي فرشته".
بسرعة خاطفة جلست لتؤكد استنتاجها. كانت نائمة في سرير مالك. "أجل هو.." نظرت جانبها، لكنها لم تره. كانت وحدها.
حركة آخر الملحق لفتت انتباهها، لترى مالك يتقلب في فراشها. عرفت حينها أنه هو من حملها إلى سريره ليأخذ مكانها.
بجسد محموم من الخجل والاحراج، اقتربت منه ناوية إيقاظه، لكنها توقفت لحظات لتتأمل وجهه، كيف أن امتعاض ملامحه بعدم راحة لم تنقص من جاذبيته. كبتت رغبة غير مفهومة من أن تمد يدها لترخي انقباض عضلات وجهه بأطراف أصابعها. صحت من غفلتها لتناديه: مالك.. قم الفجر أذن.
همهم بشيء لم تفهمه وابتسم حالما. رجعت تناديه مرة أخرى، وفقط حينها استيقظ.
كانت تريد أن تسأله عن سبب تكليفه لنفسه، فهي من دخل الملحق عنوة واخذت ركنا منه، لكنها لم تفعل.
ستكون أكثر حذرا المرة القادمة.
:
خمس أيام مضت وطيف تجد نفسها في سرير مالك فجر كل يوم.
لاتدري ماذا تفعل، فقد استنفذت كل أفكارها محاولة أن تكون أكثر حذرا، لكن كل محاولاتها باءت بالفشل.
رأت مالك يدلك جانبه وظهره بتعب لتشعر بذنب عظيم، فهي كانت السبب.
قررت حينها أن هذا الوضع يجب ألا يستمر.
:
ككل ليلة، تسللت طيف داخل الملحق، لكن هذه الليلة كانت مختلفة.
لم تتعب نفسها بافتراش مكانها المعتاد، لا، بل توجهت إلى السرير مباشرة. بحذر استلقت وغطت نفسها باللحاف. سرعان ما أحست بحركة وسمعته ينادي اسمها بهمس مدهوش: طيف؟
ربما ظنها نائمة، فهو على الفور تحرك للنهوض. مدت يدها لتحكم قبضتها على معصمه. لم تلتفت إليه حينما قالت، بالكاد تستطيع سماع صوتها من الطبول التي كان يقرعها قلبها: خليك جنبي..
أرخت قبضتها عندما أحست أنه رجع مكانه. عندها فقط سمحت نفسها بالنوم.
:
استيقظ مالك لحظة فتح الباب. عرف وقع خطواتها الهادئة واستغرب، فهي لا تدخل الملحق بعد التاسعة مساءً. راقبها تفترش مكانا لتنام فيه، منسحبة إلى عالم الأحلام بعد دقائق.
عندها تذكر الأغراض الجديدة التي وجدها تنتظره عند عودته، ومع تلميحات خالته المبطنة، تمكن من استنتاج ما يحدث.
نهض من سريره وخطا بهدوء ناحيتها.. قطب حاجبيه عندما رأى عدم الارتياح في ملامح وجهها النائم. على الفور نزل ليحملها. اكتشف خفة وزنها، طراوة جسدها الملتصق بجسده، دفء أنفاسها المنتظمة على عنقه.
أصبح كمن أصابته حمى وهو يخطو ببطء شديد إلى سريره. حاول إقناع نفسه أن بطء خطواته كان خشية إيقاظها.. ليس للشعور العارم اللذيذ الذي غمره فجأة. شعر ببرد قارص غير معروف المصدر لحظة وضعها على سريره وابتعاده منه ليأخذ مكانها.
لا يدري كيف تمكنت طيف من النوم على هذا الفراش بالسرعة القياسية تلك، فهو ظل يتقلب إلى أن غلبه ارهاقه. فقط سماعه لصوت طيف يناديه للصلاة خفف من عدم ارتياحه. فكر "يا زين اسمي منك.." بشبه يقظة.
طيلة ذلك اليوم، وجد نفسه يشرد بالتفكير بتلك اللحظات القصيرة. حتى أصدقاءه لاحظوا: عشتوا، الأخ غارق لشوشته!
ربما كان ليخف تأثره لو كانت حادثة واحدة، لكنه يعرف أنها ليست كذلك. ما دامت أغراض طيف في الملحق، ما دامت خالته مصرة على جعل غرفة طيف مجلسا، فالليلة السابقة سيكون لها تكرار.
وفعلا تكررت في الخمس ليال التالية. ظهره بدأ يتأثر من النوم على ذلك الفراش النحيف، لكنه لم يكترث ولم يشتكي، فروحه كانت منتشية بأحاسيس ولدتها لحظات مسروقة.
لكن في الليلة السادسة جاء تغيير. بدون أي لف ودوران استلقت طيف على سريره. لم يستوعب الفكرة، لم يستوعب مغزى فعلها هذا. أتراها اكتشفت تمثيله للنوم وكانت هذه إشارة بأن يخلي السرير لها..؟ همس باسمها لكنها لم تجب.
كان على وشك النهوض ليطوق معصمه بقيد أصابع ذات ملمس مخملي مألوف. سمع صوتها: خليك جنبي..
عاد بصمت مذهول إلى مكانه لترخي قبضتها.
تلك الليلة اكتشف مالك أمران.
أولهما، طيف كانت ذات نوم ثقيل. فسر ذلك عدم استيقاظها في كل مرة حملها.
ثانيهما، طيف كانت من النوع الذي يحتضن أثناء النوم.
جسدها كان ملتصقا كل الالتصاق بجسده، مطوقا به بتملك غير واعي. شفاهها كانت ملثمة لجانب عنقه، وإذا حرك رأسه حركة واحدة، فإنه يستطيع الغرق بعبير شعرها.
الحمى الأولى كانت لا شيء، كانت محض وهم.. لأنه الآن كان يحترق إلى بقايا رماد.
"الله يصبرني.. الله يصبرني.."
:
سألت ثريا وهي تحتسي فنجان قهوة: أحوالك مع طيف؟
على عظم المعزة التي تكنها لأختها، تعترف أنها كانت غير مسؤولة في حياتها، مسيرة بقرارات زوجها التملكية السامة. جعلت ولدها يتحمل مسؤوليات دفع ديون لا تنتهي من غير قصد، وهاهو الآن لا يعيش مثل باقي الشباب.
بغض النظر عن أهدافها الأخرى من السعي في استمرار هذا الزواج، هي تعتقد كل الاعتقاد أن طيف كانت ما يحتاجه مالك. لم تكن طيف بالفتاة المدللة ولا المستهترة بل كل العكس. تراها أكبر من عمرها في تصرفاتها وأفكارها سوى بعض النواحي..
"مثل حياها الزايد مع ولد أختي.."
أجابها مالك: طيبة./ أعطاها نظرة ذات مغزى: لا تضغطي عليها يا خالة.
مثلت عدم الفهم: اضغط عليها بوشهو؟
لم يبد عليه الاقتناع: أظن تعرفين وش أقصد. لسى تونا، ولساتها صغيرة..
ابتسمت ثريا بخبث ساخر: والله قول كذا لنفسك أول.. ذي الأيام نظراتك لها تفضح.
كان دوره ليمثل عدم الفهم: مدري عن وش قاعدة تتكلمين..
ابتسامتها تحولت لأخرى ذات حب أمومي. لا تدري كيف، لكن هذا الفتى أخذ الكثير من طباعها.
:
البيت كان ناقصه مقاضي كثرى. طلبت زوجة أبيها منها أن تتصل بمالك وتسأله المرور بالبقالة.
أجابها بعد الرنة الثانية: هلا خالتي.
لم تصححه: ممكن تمر على البقالة وأنت جاي..؟
لم يجب على طلبها: طيف؟ ليش متصلة من جوال خالتي.. وين جوالك؟
ببساطة: ما عندي.
سكت للحظات قبل أن يسأل: وش تبغين من البقالة؟
:
سرعان ما رجع مالك مع المقاضي التي طلبتها.. زائد كيس صغير أعطاها إياه على انفراد: وش هذا؟
بغموض أجاب: معليش طرازه قديم بس هذا اللي أقدر عليه حاليا.
أخرجت من الكيس علبة جوال يبدو لها من أحدث الأنواع حتى مع تبريرات مالك: ما أقدر آخذه..
نظراته اكتسبت حزما: خذيه، وإلا مافي طلعة برا البيت.
كانت تشك بأنه لم يكن راضيا عن شغلتها كأبيها، ويبدو أن شكوكها كانت في محلها: ما كان المفروض تكلف نفسك.. وراك أشياء أهم..
عرفت من زوجة أبيها عن قصة مالك مع الديون وسبب عمله حد الإعياء. لم تكن بحاجة إلى جوال ولم تكن تريد الإثقال عليه.
سألها بنظرة عميقة: وزوجتي مو مهمة؟
سكتت.. لاتدري ماذا تجيب. لا تدري لم تجد لسانها يخونها في رفقته. لا تدري كيف تفسر اضطرابات قلبها وذهنها بحضوره وقربه وكلامه.
فقط استطاعت التنفس عندما ابتعد وتركها.
"وش سوى فيني هالمالك؟"
:
شهر مضى منذ انتقال طيف إلى الملحق. شهر عرفا الكثير عن بعضهما البعض.
:
التغير في نمط استيقاظ مالك أثار عجب طيف. منذ متى وهو يستيقظ قبلها؟
الغريب في الأمر أنها تستيقظ بعده مباشرة، بلا سبب.. كأنها تبحث عن شيء فقدته.
:
ببقاءها في الملحق، لم يستطع مالك إخفاء شروده الحزين كلما فكر بأمه.
كانت تلتزم الصمت كل مرة لمحته خائضا في هكذا أفكار، ممثلة أنها لم تر شيئا، لكنها وجدت لسانها ينطلق سائلا هذه المرة: أمك..؟
أعطته ظهرها، لكنها شعرت بالتفاته الصامت لها. أكملت مستطردة: ما عرفت أمي في حياتها. هي ماتت وأنا عمري سنة. بس مرات لما أبوي يحكيلي عنها، أحزن عليها كأني أعرفها وأخبي حزني.. ما بغيت أبوي يحس.
ظل مالك ساكتا للحظات ثم سأل بخفوت: وليش تقوليلي ذا الكلام؟
هزت كتفيها: مدري.. يمكن عشانك مريت بنفس الشيء وأكثر، ومو لازم تخبي اللي تحس فيه حولي.
لم يجبها. لم تتوقع ذلك.. لكن..
لم يعد يخفي أحزانه منها بعد ذلك اليوم.
:
صوت طيف وهي تتلو وردها كل ليلة بعث في روحه سكينة وراحة تجعله ينسى همومه.
وجد نفسه يتذكر أمه بصفاء بعيد عن الأحزان، كيف كانت تبعث فيه تلك السكينة عندما كانت تقرأ عليه في صغره.
كم مضى من زمن لم يذق فيه مثل هذه الراحة.
:
لم تتوقع أن مراقبة مالك يتدرب على عروض تقديمه ستكون مسلية لهذا الحد. رأت مقومات النجاح في طريقة إلقائه الواثقة والأريحية. لكن ربما كانت متحيزة، فحتى عندما كان مالك صامتا، وجدت نظرها يذهب إليه بفضول خجول.
كلما انتهى ولاحظ عيونها عليه، كان يسأل: ها؟ وش رأيك؟
كل إجاباتها كانت واحدة: أقنعتني..
"أقنعتني من الكلمة الأولى.."
:
رأسه كان يوجعه بشكل فظيع. كانت غلطته بكل صراحة، فنومه قل وعمله كثر.
كان مرهقا إلى درجة تمنعه من الذهاب والبحث عن المسكن الذي نفذ منه في هذه الساعة. خياره الوحيد كان النوم، لعل هذا الصداع يخف في الصباح. لكن من أين يمكن أن يجد النوم له طريقا مع هذا الألم؟
بالكاد سمع طيف تسأله: راسك يوجعك؟
أجاب: إيه..
سمعها تخرج من الملحق بدون كلمة، لتعود بعد دقائق وتصعد السرير جانبه.
لم يدرك إلا ورأسه موضوع في حضنها وأصابعها الرفيعة تدلك صدغيه بلطف بزيوت عطرة.
بنفس مأخوذ من الراحة الفورية التي أحدثتها فعلتها ووضعيته الحالية، سأل: وش تسوين..؟
أجابته بدون أن تتوقف: كنت أسوي كذا لأبوي كل ما وجعه راسه.. ينفعك؟
"ينفعني وبس؟ خليتيني أتمنى لو أصدع أكثر..": إيه، أحس أحسن.
أكملت تدليكها إلى أن أحس بالنعاس يدغدغه ليستسلم له، وما أحسنه من نوم في حضنها وبشعور لمستها.
:
في البداية لم تلاحظ اختلاس مالك للنظر وهي تمشط شعرها كل ليلة. كانت تظنه غارقا في دراسته ليعيرها أي اهتمام. لكن في أحد الأيام، نظرت في زواية غير عادتها والتقت عيناهما على سطح المرآة العاكس. أشاح نظره بعيدا بينما هي ظلت مستغربة.
تساءلت ما الذي كان يراقبه عندما لاحظت استراقه للنظرات في الأيام التالية، ما الذي شد انتباهه.
ظنت أن هذه الليلة ستكون مثل سوابقها، لكن مالك فاجئها عندما نهض من السرير و توجه ناحيتها. مد يده ليمرر أصابعه خلال شعرها بشيء أشبه بالولع، شيء ظهر في صوته عندما سأل: ممكن طلب؟
أومأت نعم بصمت.
أبعد شعرها عن جانب رقبتها لينزل رأسه ويهمس في أذنها: لا تقصيه..
ارتعشت عندما ابتعد واستوعبت ما حصل للتو. لم يكن ارتعاشها لبرد أو خوف أو حتى لتوتر. كان النقيض تماما، لكن أفكارها المبعثرة لم تسمح لها بمعرفة ماهية السبب.
:
لمرة أخرى استيقظ قبلها. ابتعد مكرها من دفء قربها المريح.
التحكم بنفسه أصبح كالمشي على حبل ممتد بين جبلين. لم يكن عمر طيف هو العامل الوحيد الذي يمنعه من الوصول إلى مبتغاه، لا، تصرفات طيف كان لها دورها أيضا. لا يستطيع الجزم بمشاعرها، فهي تعامله بتهذيب ولطف، لكنها أيضا لا تبدي أي شيء يستدل به عن مشاعرها. على الرغم من إعجابه بشخصيتها التي لم يقابل مثلها من قبل، فإن تلك الشخصية نفسها كانت المعضلة. يكره الشعور بالرفض ويعرف أنه لن يتخطى رفض طيف له بتلك الطريقة، فهو كان لديه الفكرة بأنها لم توافق على الزواج به رغبة فيه. يكره أكثر فرض نفسه على رغبات الآخرين. كبرياءه العنيد لن يرضى.
كان ينتظر إشارة، أي إشارة، كالمطبوخ على نيران هادئة.
[انتهى البارت...]
|