كاتب الموضوع :
الفيورا
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: عكس الرحيل
:
من الحماس اللي في قررت أنزل البارت بدري شوي..
[2]
صوت غير مألوف ناداه، أفاقه من النوم: اصحى.. لا يفوتك الفجر..
فتح عيونه على طيف واقفة جانب السرير. جلس ليمرر يده على وجهه، ماسحا النوم منه. كان بالعادة خفيف النوم، لكن التفكير سرق الراحة منه إلى وقت متأخر من الليل. التفت لطيف التي لم تظهر عليها علامات النعاس: صباح الخير..
ردت دون النظر إليه: صباح النور.
رآها تشمر عن ساعديها، ناوية ترتيب الملحق الذي أفسده. أوقفها: خليك، أنا برتبه..
كان واضحا عليها عدم الاقتناع والإصرار فأكمل: فيه أغراض أبغى أحطها فمكانها بنفسي.
عندها فقط انسحبت: طيب.. أبوي ينتظرك..
ابتسم بسخرية وهو يراها تخرج بدون أي كلمة أخرى "شكل اللي قال إن الحريم كلامهم كثير ما التقى بوحدة مثل طيف".
:
على الرغم من صغر حجم المسجد وقدمه، إلى أن الحضور من المصلين كانوا كثرى. أعجبه شيء غير ملموس في ذلك.
توقع العودة إلى البيت بعد الصلاة، لكن حماه انخرط في الكلام وتقبل التهاني، معرفا مالك بكل من حيَاه.
بفرحة عرف للكل: هذا ولدي مالك!
يالله.. كم افتقد هذه الكلمة! وما أنقى قلب هذا الرجل ليحتفي به بهذه الشدة، كأنه اعتبره ولده من اللحظة الذي دخل فيها بيته.
:
عند رجوعه وحماه البيت، رأى مالك خالته وطيف مستيقظتان. دعته خالته إلى الجلوس على الطاولة، فطيف كانت تحضر الفطور.
تتبع مالك طيف بعيونه وهو يحدث خالته. بنشاط تحركت، تضع أطباق وأباريق وأكواب دون الجلوس، تدخل وتخرج من المطبخ بصمت بينما هم بدأوا بالأكل.
عندما وضعت كوب ماء أمامه، أمسك بيدها ليمنعها من الذهاب: اجلسي..
تعابير وجهها حكت عن تفاجئ. ردت عليه بارتباك خفيف، مرجعة خصلة شعر افلتت من جديلتها وراء أذنها: وراي شغل..
أحكم من إمساكه بيدها: افطري بعدين اشتغلي زي ما تبغين..
بطرف عينه رأى خالته وزوجها يراقبان المشهد برضى.
بخبث أيدته خالته: إيه والله، تراك عروس..
جلست باستسلام دون أن تمد يدها، فقرر مالك أن يضع لها الفطور في صحنها بنفسه: كلي..
بانحراج بدأت بالأكل. ترددها وارتباكها جعله يبتسم.
صوت خالته نبهه: كل انت بعد، ما أظن القعدة والتمقل فوجه زوجتك بتشبع بطنك.
بسرعة أعاد مالك أنظاره لصحنه، ليكون دوره بالأكل بانحراج.
:
مر أسبوع منذ أن أصبحت متزوجة دون تغير يذكر.
كانت متجنبة دخول الملحق إلا لحاجة، وبأية حال، بالكاد كان مالك متواجدا بعد الصبح، فهو يعمل بالإضافة إلى دراسته الجامعية. كان يرجع قريب منتصف الليل معظم المرات. لم تتنسى لهما الفرصة للكلام بغير الرسميات. أحيانا، تدخل الملحق لترى تعبيرا مشجونا على وجهه لم يستطع إخفاءه بالسرعة الكافية.. خمنت أنه كان يفكر بالمرحومة أمه. وجدت نفسها تتمنى التخفيف عنه، لكن ما دام مالك لم يفصح بما يثقل عليه، فلن تتعدى الخطوط التي وضعها من غير إدراك.
تجاهلت خيبتها الغير مبررة بهذا الوضع. تجاهلت أكثر ترقبها لكل مرة نادى فيها مالك اسمها.
صوت زوجة أبوها المتكلم بغضب جارف سحبها من أفكارها: توكم تذكرون طاريها. ماعندي لكم شي!
انتظرتها طيف حتى انتهت من المكالمة لتسألها بفضول، فنادرا ما رأتها بهذا الغضب: مين كنتي تكلمين؟
التفتت زوجة أبيها إليها وبحدة أجابتها: مو شغلك.
تنهدت طيف، فهي توقعت ذلك الرد. كانت ستخرج إلى أن أوقفتها: استني استني، في شي كنت ناوية أسألك عنه.. ليش تنامي فغرفتك للحين؟
كان مغريا جدا أن ترد اجابتها الحادة عليها، لكنها ردت في الأخير: مالك لسى يرتب فأغراضه وقالي هو بس يعرف وين يحطها..
امتعضت ملامح زوجة أبيها بعدم رضى لكنها تركتها قائلة: ذا الحال ما راح يدوم.
تعجبت طيف من أمرها. توقعتها لن تهتم بمسار زواجها ما دامها وافقت على ابن أختها لترى العكس، فزوجة أبوها كانت مهتمة.. مهتمة وبشدة.
:
إصرار زوجة أبوها على تغيبها عن المدرسة مدة أسبوع جعلت طيف تشعر بالضجر. صبرت نفسها بأن الأسبوع قرب على الإنتهاء وهاهي الان في عصر يوم الخميس.
لاحظت عند دخولها الملحق أنه بدا أكثر ترتيبا والأغراض وجدت مكانا في أركانه. وضعت كوب القهوة على المنضدة جوار السرير، ناوية الخروج دون كلمة، فمالك كان غارقا بالمذاكرة ولم ترد إزعاجه.. لكن مجموعة كتب لفتت نظرها. وجدت نفسها تقلب في صفحات أحدها، مندمجة على الفور في ثنايا موضوعاته.
سؤال مالك جعلها تدرك بقاءها المطول في الملحق: عجبك الكتاب؟
بصدق أجابت: إيه..
للظروف التي عاشوها، لم تسنح لطيف الفرصة لقراءة الكتب التي تباع في المكتبات الكبيرة. يالحظها الآن.
أعاد نظره إلى دفاتره: أجل خذيه.
سألت: عادي؟
حينها نظر إليها مرة أخرى. شعرت بدفء ابتسامته داخل قلبها عندما أجاب بكل بساطة: حلالي حلالك.
:
اكتشف مالك في الأيام التالية أن طيف كانت قارئة نهمة ذات ذوق مميز في اختيار الكتب. أصبحت مراقبتها تختار مادة قراءتها لليوم بطرف عينه أمرا يتشوق إليه.
في البداية لم تفعل شيئا سوى الاستئذان منه لأخذ كتاب، لكن مع مرور الوقت، بدأت تسأل وتستفسر عن حوزته لكتاب يتناول موضوعا يهمها.
قرر المرور بمكتبة قبل أن يرجع للبيت للبحث عن كتاب بالمواصفات التي استفسرت عنها طيف. استغرق في البحث إلى أن وجده، ولحسن حظه، لم يكن باهظا في الثمن. كان يعرف أنه إذا كان الكتاب مكلفا فسوف ينتهي الأمر بشرائه بأية حال. ثمنه الحقيقي كان رحمة من الله.
أعطى طيف الكتاب لحظة عودته، متلهفا لما ستكون ردة فعلها: مدري إذا هذا اللي كنتي تبغينه..
أخذت الكتاب منه بذهول وعدم تصديق فطر قلبه. هو حقا مقصر في حقها. لا مهر يذكر، لا شقة تحتويهما، ولا وظيفة ثابتة. هذا أقل ما يستطيع فعله.
بخفوت قالت: تعبت نفسك..
رد: أبد ما تعبت.. أصلا كنت أبغى أمر على المكتبة من زمان وإنتي عطيتيني دافع زيادة.
ابتسمت بنعومة، دفء امتنان واضح في ذهب عيونها: مشكور..
من البداية لاحظ أن طيف لم تكن من النوع البسام، لم يرها تبتسم قط.. إلى الآن.
خفق قلبه مسرعا. فكر "يا جمال ابتسامتها.." لم يدرك أنه ظل محدقا بدهشة بها إلى أن لاحظ القلق بملامحها: العفو.. العفو..
من تلك اللحظة، جعل مالك النيل بابتساماتها هدفا له.
:
صباح السبت، لاحظ مالك تغيرا، فطيف لم تكن موجودة وقت الفطور.
قال حماه: راحت المدرسة يا ولدي..
شعر مالك بخيبة. لم يرها فجر اليوم عندما أيقظته لأنها خرجت باستعجال. وجد نفسه يسترق النظر إلى مقعدها الخالي جانبه. "غريب.. مو عادتي اتعود على شخص بذي السرعة.."
:
بالكاد دخلت طيف الباب إلا وهي خارجة مرة أخرى. سأل مالك بغيظ حاول كتمانه: وين رايحة؟
نظرت طيف إليه باستغراب: ما قالولك؟ شغلي.
كان دوره ليستغرب: شغلك؟
عندها أخذت طيف تشرح له عن شغلتها التي اتخذتها لتساعد في تحمل تكاليف معيشتهم. تمنى أمرها بأن تترك شغلتها هذه لأنه صار مسؤولا عنها وسيدفع عنها كل ما تحتاجه، لكن قهر الديون التي كان عليه أن يدفعها اسكته. مهما بقي من دخله الضئيل، مهما انجرح كبرياؤه، فهو يعرف أنه لا يكفي لهم كلهم: بوديك.
لم يعطها مجالا للاعتراض.
وعد نفسه أنه سيعوض عن هذه الفترة "الله يقدرني بس.."
:
وجدت مالك يتنظرها قرب بيت أم خالد عند انتهائها. تساءلت أين قضى الوقت بانتظارها. مشيا بهدوء إلى أن سأل: ليش ما حنيتي يوم زواجنا؟
أجابت: ما صارت عندي فرصة./ ثم سألت بدورها: تحب الحنا؟
هز كتفيه: مدري.. بس أظن بيطلع حلوعليك.
لم تعرف بماذا تجيب فسكتت. وجدت نفسها تفعل ذلك كثيرا هذه الأيام أمام كلام مالك العفوي. "يمكن أقدر أنقش لنفسي.." غيرت وجهة أفكارها. منذ متى وهي تهتم بمظهرها وكيف يراها الآخرون؟
سحبها من غمرة أفكارها بقوله: كل مرة يكون عندك شغل زي كذا قوليلي وأنا بوديك.
اعترضت: يمكن تكون مشغول.
لم يبد عليه الاقتناع بحجتها: ما يهم. قوليلي ويصير خير.
أومأت طيف بقبول ولم تعترض أكثر.
الحقيقة.. أراحها مرافقة مالك لها. لطالما كانت رحلة العودة إلى البيت بعد يوم عمل وحيدة، صامتة بشكل موحش. لكن الآن.. بين سؤال مالك لكل التفاصيل المثيرة للاهتمام التي يلاقونها في الطريق، وإمساكه الحامي لها كلما مشت بمكان اعتبره خطرا.. تساءلت كيف تحول أمر بسيط مثل هذا إلى شيء آخر، شيء باعث على الأمان، شيء أصبحت تتطلع إلى تكراره.
[انتهى البارت...]
:
|