كاتب الموضوع :
الفيورا
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: عكس الرحيل
بارت اليوم كان أصله عبارة عن بارتين، بس حسيت سلاسة الأحداث بتخرب مع ذيك التقسيمة. وبارت اليوم أيضا هو البارت قبل الأخير..
[17]
أتاها صوت مالك يقول بغيظ مكتوم خلال السماعة: توني عرفت إن كان عندك صفوف خطاب فجدة.
قطبت طيف حاجبيها: أي صفوف؟ كلهم عشرة..
رد عليها بحدة: وعشرة مو كثيرة؟
ارتسمت على شفتيها ابتسامة، لم تظن أبدا أنها سترى مالك مغتاظا هكذا. أكانت هذه غيرة؟: ما جو ورى بعض، وأصلا يا إما أمهاتهم أو أخواتهم اللي كانوا يسألوا، ولا أنا مافي أحد يدري عني..
أكانت تتوهم أم سمعته يتمتم "في واحد منهم كان يدري عنك.."؟: وذولي ما لقوا يخطبوا لعيالهم غيرك؟
هزت كتفيها، كأنها تراه: صارت كذا.. ما أعطيتهم بال بأية حال، كنت أرفضهم قبل لا يتكلموا..
سألها عندها بصوت لم يخالطه الغيظ، بل فضول مترقب مستدرج: وليه ترفضين؟ ليه ما شفتي نصيبك وإنتي مو دارية حتى ويني فيه؟
احمرت بخجل، كان يجب عليها توقع مسار هذه المحادثة. لم تجد شيئا تجيب به سوى: متطلباتي كانت عالية..
لم يبد في صوته التصديق، لكنه في نفس الوقت ظهر في صوته الرضا الغامر: متطلبات عالية، هاه..؟
فاجأها عندها تركه للموضوع وخوضه معها في موضوع آخر مختلف بالكلية.
:
لم تكن هديل فظة حانقة عادة، لكن رغما عنها وجدت قلبها يقسو للقيا تلك التي ذكرتها بمرارة فقد ولدها البكر. لن تسمح لها بأن تكون سببا بفقدان حفيدها، أثر ولدها الغالي، أيضا.
لكن رغما عنها، لاحظت أشياء كثيرة عن تلك الطيف مع مضي الأيام.
لاحظت اهتمامها بمالك. لا تتركه يخرج دون إفطار، حال مغاير لما كان عليه قبل مجيئها، فقد كان مالك يفطر معهم في الأوقات القليلة التي يكون فيها جده حاضرا البيت. كانت تغسل ملابسه بنفسها، مستغنية عن الخدم. كانت تحرص على راحته، على عدم إغراق نفسه في العمل كعادته.
لاحظت إنعزالها، لا تخرج من جناحها إلا لضرورة. في بادئ الأمر ظنت هديل أنه كان تكبرا منها، ترفعا عن الاختلاط بهم. لكن بعد زياراتها لها، لم تعد تظن ذلك. أصبحت ترجح أن السبب كان عدم تقبلهم لها، وفي هذا.. لا تلومها على إنطوائيتها.
لاحظت طبعها الهادئ المريح الذي جعل هديل تكمل زيارتها، تتطلع لها حتى، الذي جعلها تنطق مصارحة لها، تنخرط في أحاديث متنوعة. عرفت ما علق حفيدها بها.. هادئة صامتة تلك الشابة، لكن عندما تنساب في الكلام، فكلامها يسحر.
لاحظت مدى عمق مشاعر تلك الطيف لمالك وهي تحكي عنه، تعطيها قصة مختصرة عن زواجهما. ليست تلك بنظرة من تزوجت عن طمع. ذكرتها بنفسها في صغرها، ليس بطبعها وتصرفاتها، بل الحب الصارخ في عيونها.
لاحظت تعاملها اللطيف مع أطفال العائلة عند زياراتهم، حنانها معهم رغم شغب بعضهم.
لاحظت الضياء الذي بعثته في روح حفيدها بعودتها له.
رغما عنها، وجدت هديل نفسها تتقبلها، تكف عن السؤال عن مرشحات أخريات لحفيدها، أمر قد أثار عجب أفراد متفرقين من العائلة.
تذكر ما قالته لمزنة عندما مدحت لها ابنة أحدث صديقاتها: خلاص، مادام مالك ورط نفسه بهالزواج، خليه لقراره. أنا رفعت يدي منه.
رمشت عندها مزنة بعدم تصديق من تغير موقفها المفاجئ.
:
لكونها ابنة الزوجة الثالثة لأبيها، فلم تختبر سعاد زواج أبيها مرة أخرى كأخيها محمد. لذا حتى بعد طلاق أبيها من أمها، لم تحب فكرة أن يتزوج الرابعة، لم تحثه على ذلك قط كما يفعل محمد.
لكن.. ما إن خُطبت ودنى أجل زواجها، أدركت أن أباها سيعيش وحيدا في بيتهم دون اهتمام أنثى. كرهت تلك الفكرة أكثر من فكرة الرابعة.
عندما أفصح لها أبوها عن رغبته بالزواج، تنهدت بارتياح وسألته بابتسامة وفضول: ومين سعيدة الحظ؟
فاجأها اختياره، خالة حفيد جاسر السامي.
لم يفصح أبوها عن كثير، لذا بطبعها الفضولي، قررت استقصاء القصة والتعرف على من ستنضم إلى عائلتهم. ومن كان أفضل من زوجة ذلك الحفيد، تلك التي عاشت مع من طلب أبوها يدها.
لم تكن طيف بتلك التي تفكر بالاختلاط معها عادة، تستطيع ملاحظة طبعها الانطوائي من بعيد، لكن الآن ستربط بينهما صلة أقوى. لا ضير من التعرف، أليس كذلك؟
زارتها في جناحها، تبتسم لتعابير وجهها المتفاجئة بحضورها الغير متوقع. عرفت عن نفسها بعد احتساءها لرشفة من الشاي الذي صادف تحضيره حضورها: أبوي اسمه ناصر النجم، ومن اللي انقال لي، فهو طلب قربكم.
قد كان ذاك ما كسر حاجز البعد بينهما، لينخرطا بالحديث.. أو بالأحرى، انخراطها هي بالحديث، واستماع طيف المنصت لها.
عرفت تفاصيل كثيرة عن تلك الرابعة. اسمها ثريا. كانت في أواسط الأربعينيات، ومن الصورة الوحيدة التي عرضتها لها طيف في حفل تخرجها من الجامعة، فإنها كانت حسناء بجمال بدوي ساحر، لا يظهر عليها عمرها أبدا. الحق يقال، انبهرت.
لم يكن زواج أبوها فقط ما تكلما عنه، زواجها أيضا دخل ضمن المواضيع، بطبعها الثرثار، أفصحت لطيف عن توترها من زواجها، لتهدئ تلك من روع ذعرها..: عندي صديقة قعدت تبكي وتصايح إنها بطلت وما تبغى تتزوج قبل ليلة من حفلتها، واللحين تضحك من طاري ذيك الليلة. شعور ويعدي إن شاء الله..
صراحة، لم تتوقعها بتلك الطيبة أو بهذا الطبع.
أمها كانت من النوع المخطط الطامع، دائمة النظر إلى ماعند غيرها. سمعت سعاد في المجالس التي أقامتها الكثير عن عائلة السامي، وعظم حظ من ستتزوج بمالك السامي، فبالإضافة إلى كونه ابن ولد جاسر الأكبر، فإنه الحفيد الذكر الأكثر أهلية لوراثة المجموعة بعد تنحي جاسر عن القيادة، فالحفدة الذكور الآخرون إما كانوا غير مهتمين بمجال عمل العائلة كأبناء شيخة، فولدها الأكبر زياد طبيب والأصغر هادي مهندس.. أو صغارا غير مؤهلين، كأولاد سالم وعبدالله.
رسمت أمها بحسد فكرة عما ستكون عليه زوجة مالك، أنثى متجبرة متكبرة ستلعب في أموال السامي لعبا..
الحقيقة كانت مغايرة إلى درجة تضحك، ويالها من مفاجأة سارة.
:
بعودته قبل يوم من زواج هادي، سيفوز بالتحدي الذي قام بينه وبين زياد، فهو رجح أنه لن يستطيع الرجوع قبل الحفل، ليقع ضحية طبع هادي المعاكس تماما لاسمه.
وجد مالك جدته في استقباله عند دخوله البيت قبل منتصف الليل بنصف ساعة. استغرب من نظرتها الصارمة، عهد منها الحنو والسرور وربما بعض العتاب اللطيف في كل رجعة من سفر. مهما بحث في سجلات ذاكرته، لا يذكر أنه فعل شيئا يغضبها.
بتعابير وجه أكثر صرامة، تكلمت: كان تأخرت أكثر..! أظن يا مالك إنك تقدر تنظم شغلك بطريقة تقلل فيها سفراتك. تراك رجال متزوج إذا ناسي..
تركته منلجم اللسان من عجب ما سمعه..
إذا فهم بشكل صحيح، فإن جدته وبخته على تأخره في سفره.. من أجل طيف..
"أنا بحلم ولا بعلم؟ مين اللي خطف جدتي وبدلها بالإنسانة اللي كلمتني قبل شوي؟"
ظل مستغربا وهو يمشي إلى جناحه، ليتبدل الاستغراب بالشوق لحظة دخوله له.
رأى حبيبته نائمة بوضعيتها المعهودة. عرف أنه لم يكن ليجدها في هذا الحال إذا عرفت بعودته الليلة، ولهذا جعلها مفاجأة لم يعرف أحد بها سوى جده وجدته. لم يرد أن تظل ساهرة تنتظره.
جلس على طرف السرير يتأملها بعشق، يمسح بعيونه على تقاسيم وجهها بحثا عن أي تغير حصل في أيام سفره. أبعد خصلة خلف أذنها، لتفترق شفاهها بهمس اسمه..
للحظة ظن أنه أيقظها، لكنه لاحظ أنها مازالت مغلقة لعيونها، غارقة في النوم.. أربما كانت تتكلم في نومها؟
اقترب منها أكثر، يريد سماع كل ما تقوله، ليسمع اسمه مرة أخرى.. ثم: اشتقت لك..
:
قطبت طيف حاجبيها: كيف يجي الليلة؟ هو قاللي إنه بيرجع بعد يومين..
امتعضت ملامح الجدة بعدم رضا: أكيد يبغاها تكون مفاجأة. ما يدري إن أكره شيء عند الحريم رجعة أزواج من سفر بدون علم ولا تجهيز..
ابتسمت لطرافة حكيها: تتكلمين عن خبرة..؟
تنهدت الجدة: الله يهدي جاسر بس..
حسنا إذا، سيعود ذلك الظالم الليلة. أخيرا اكتفى من قسوة الغياب.
تشكلت في بالها فكرة، تستغل فيها هذه الفرصة: كيف أرد جميلك ذا؟
تظاهرت الجدة بالتفكير للحظة قبل أن تجيب: أبغاكي تحني لي.. من زمان عن نقش زين..
توقعت طيف ذلك الطلب من اللحظة التي رأت الجدة تتفحص النقوش على يديها وتسأل عنها: بسيطة..
تركتها عندها الجدة لتفكر طيف بالفكرة التي خطرت لها حال سماعها بعودة مالك المبكرة. وحينما قرب وقت عودته، استلقت على السرير تتظاهر بالنوم، حرصت على إتخاذ وضعيتها المعهودة، على إبقاء تعابيرها مسترخية ثابتة.
سمعته يدخل، أحسته يجلس جانبها، ثم يمد يده ليبعد خصلة شعر عن وجهها.
عندها همست اسمه، ثم مرة أخرى لتحس به يقترب ليسمع ما تقول. همست كبداية: اشتقت لك..
لم تدري إلا وهو يلثم شفتيها بشغف محموم، يبتعد ليثنر قبلات على كل ما وصله من وجهها ورقبتها ونحرها ليعود إلى نقطة البداية مرة أخرى. خدرها بعاطفة جارفة، ليبتعد ملسوعا قبل أن تشد عليه.
رأته واقفا معطيا ظهره لها، يمرر أصابعه على شعره محاولا تمالك نفسه، يتنفس بلهاث واضح قبل أن يخرج من غرفة النوم. لم يدرك أنها كانت تتنفس بنفس اللهث، تشعر بنفس الضياع..
:
وجدت الجدة تنتظرها في ركن الجلوس عندما خرجت من غرفة النوم في الصباح. ربما ظهرت الخيبة في وجهها بوضوح، فالجدة ابتسمت لها، تعرف من تدور عيناها بحثا عنه: فتح لي الباب وراح لجده لما قلتله إنه يبغى تقرير عن سفرته./ أردفت سائلة: جاهزة تحني لي؟
أومأت لها بنعم، حتى مع خيبتها، لم تحب إخلافها بما وعدته.
رجع مالك وهي تبدأ في النقش، ليسلم عليهما. سألته طيف عن وقت رجوعه بتمثيل براءة، لاحظت محاولات الجدة لإخفاء ضحكتها بطرف عينها.
لحسن حظها، لم يكن مالك منتبها لها وهو يجيب: جيت أمس بس كنتي نايمة.. ما بغيت أصحيك ونمت على الكنبة..
"وبس كذا؟ متأكد..؟" تورد وجهها للذكرى وشردت، وسألها: فيك شي؟
هزت رأسها بــلا: حلمت بشي حلو بس..
سأل بصوت بدا كأنه مقطوع الأنفاس: وش كان الشي الحلو ذا؟
ابتسمت له بغموض: سر..
قطع عليهما صوت الجدة الغارق بالضحك، غير قادرة على الاستحمال وهي تراقب بصمت تبادل النظرات بينهما. استأذن مالك باستعجال منحرج، لتعود هي للنقش بنفس الانحراج.
هتفت الجدة لها بابتسامة مشرقة، بفخر: منتيب سهلة والله!
زارتها سعاد كما وعدتها، لتراها في خضم إنهائها نقش يد الجدة اليمنى. نظرت إليها بدهشة: تعرفي تنقشين؟
أومأت لها بنعم: أنا اللي حنيت لنفسي..
هتفت سعاد بحماس، الانبهار يشع في محياها: والله كنت أبغى أسألك عن اللي حنى لك ومن وين، طلعتي إنتي!
زفرت الجدة بضيق: بس خلاص انكتمي! لا تشتتي انتباهها.
لم تلق لها سعاد بالا وهي تصر: الله يعافيك حنيلي بعد! تعبت أدور على وحدة تعرف تنقش زي كذا!
تنهدت طيف بقلة حيلة: طيب طيب، بشتغل عليك بعد ما أخلص..
نظرت سعاد إلى الجدة بغيظ طريف: ما تقدرين تعطيني دورك يا أم زياد؟
نظرت إليها الجدة بازدراء: دورك وتنتظريه.
أصرت سعاد أكثر: بس أنا اللي بعرس بكرة!
ردت عليها الجدة بعدم مبالاة: وإذا؟ مو أول وحدة بتعرس..
ظلت طيف صامتة تحاول منع نفسها من الضحك وهي تستمع لجدالهما، ليهتز هاتفها برسالة ويشتت انتباهها.. كانت من مالك يسألها عن الوقت الذي ستنهي فيه حناء جدته. ردت عليه تخبره بالتطورات التي حصلت منذ لحظات.
#بحني للعروس بعد.
رده كان فوريا.
#جدتي وقلنا أوكي، بس وش دخلها ذي؟ قوليلها تدور وحدة ثانية غيرك.
ردت.
#أصرت وما قدرت أقولها لاء..
سألتها الجدة باهتمام: هذا مالك؟
أجابت منحرجة من القبض عليها بالجرم المشهود: إيه..
بيدها الحرة، أخرجت الجدة هاتفها تجري اتصالا، لتبدأ تتحدث بعد لحظة انتظار: وراك مزعج البنت برسايل وهي تشتغل علي؟.. تحني لحريم العايلة كلها وش دخلك؟.. نعرف إنها زوجتك ما قلت شي جديد.. أهجد وإثقل فشلتني قدام زوجتك!
تساءلت طيف ما قاله مالك لجدته ليتركها تتحلطم بعد إقفالها الخط..
همست لها سعاد بغمز: واضح إنه ميت عليك يا شاطرة..
إحمرت هي لتنهرهما الجدة بحدة، آمرة طيف بالعودة إلى عملها وسعاد بالصمت.
:
قال مالك بيأس: أبد مافي مراعاة للمشاعر هنا.
تنهدت خالته بقلة حيلة: ورى حالتك صارت أردى من قبل؟ أذكرك أثقل في العشرين.
تكلم يفضفض عن نفسه: جيت مسافر ويأخذوها بكل برود. وجدتي! جدتي اللي بتذبحني بحبها اللي الله أعلم من وين ظهر لطيف.
قالت خالته، تنظر إلى الأمر من ناحية إيجابية: على الأقل تقبلوها وصاروا يعتبروها منهم..
تنهد: والله فرحان لهالشيء، بس..
أكملت عنه: بس مشتاق، أعرف..
لم يكن يريد استراق قرب طيف كلص في نومها، لذا كان مواله أن يعيد الكرة في الصباح وفي يقظتها، ليخيب ظنه بشدة.
سأل يغير الموضوع: أخبار النجم؟
أجابته بأريحية: جا وتكلم مع مازن واتفقوا يخلوا السالفة تتم بعد أربع شهور، يقول وراه مشاريع لازم يخلصها بذيك المدة..
تذكر مالك المشروع الضخم الذي بدأ به العم ناصر قبل فتح موضوع خالته بينهم: إن شاء الله خير..
لتكرر وراءه: إن شاء الله.
:
لم تكتشف طيف ما قصدته سعاد برد الجميل إلا يوم حفل زفافها. وجدت نسوة يرتدين زيا موحدا بانتظارها عند فتحها لباب الجناح، يحملن حقائب صغيرة عديدة عرفت لاحقا أنها تحتوي على معدات التجميل. أخبرنها أنهن أُرسلن من طرف سعاد بهدف إعدادها لحضور حفل زفافها.
لم يعطينها فرصة للإعتراض قبل أن يبدأن بالعمل عليها.
:
دخلت شيخة جناح مالك لتعلم طيف بالنزول، لتتوقف الكلمات عند حلقها لرؤية طلعتها..
كانت ترتدي فستانا طويلا أسودا عاري الأكمام، حريري مطرز بنقوش إلى أسفل الصدر، ضيق في الأعلى ومنساب بسلاسة المياه في الأسفل. بشعرها المسرح على طوله، البارز لونه المحمر بفعل سواد الفستان، وبزينة وجهها التي أبرزت تقاسيم وجهها ولون عيونها، و بالأحمر القاني على شفتيها، وبنقوش الحناء الممتدة على طول ذراعيها البيضاء.. كانت صورة للجمال والفتنة.
"رحمة الله عليك ياولد أخوي، ما أظن بتظل عايش بعد ما تشوفها كذا."
سألتها هي بفضول منحرج من طول تحديقها: حلو؟
ابتسمت شيخة برضا غامر، تستعجلها للبس عباءتها وتقرأ عليها: حلو كلمة بسيطة بحقك! يلا يلا عجلي والبسي عباتك، والله لو يشوفك مالك ما بيخليك تعتبي خطوة برى ذا الجناح، وأنا مو ناقصة صياح سعاد وهي ملزمة على حضورك..
:
لم تحضر طيف سوى حفل زواج واحد، حفل صديقتها مي الذي لحسن الحظ أقيم في جدة لكون عائلة زوجها ساكنة فيها.
لكن، ذلك الحفل كان بسيطا مقارنة مع الذي تراه أمامها، من القاعة إلى الديكور إلى الحضور إلى الطعام.
تقدمت تسلم على سعاد، مادحة للجمال الذي ظهرت به، لينتهي المطاف بها بتهدئة روعها مع الحاضرات..
تجاهلت النظرات المتفحصة الفضولية التي تلقتها وهي تبحث عن مكان تجلس فيه، الهمس الذي بدأ يصدح كلما مرت عند مجموعة نسوة، الإشاعات والثرثرة التي سمعت أجزاء متفرقة منها، كلها تندمج لتشكل كلمة واحدة..
(دخيلة)
استوقفها صوت الجدة، يسحبها من عتمة أفكارها: لي ساعة أناديك، تعالي إجلسي.
قبل أن تسألها أين، أشارت الجدة إلى المقعد الخالي جنبها، غير مكترثة بنظرات الاستغراب والعجب والاتهام التي وجهت إليها..
ابتسمت طيف بارتياح وفعلت كما طُلب منها: ناوية تقهري سعاد أكثر؟
بدت الجدة بقمة الأناقة بجلابيتها الفخمة وذهبها الرنان. كأنها تريد إغاظة سعاد التي طلبت منها عدم الإسراف في التزين كي لا تسرق الأضواء منها. يكفيها حسرة أن الحناء ظهرت بشكل رائع على يديها.
ردت الجدة بغرور: خليها تنقهر، أنا انولدت على حب الزين وطلب الغيورين ماراح يغير طبعي./ تفحصتها بنظرة قبل أن تردف: كان مفروض تطلب منك نفس الشي، إنت ناوية على حفيدي ولا إيش؟
ضحكت طيف، صحيح أنها شعرت بالرضا عن هيئتها، لكنها تظن أن ما تلقته من كلمات مديح كان فيه مبالغة.
:
في جهة مقابلة وجدت مزنة نفسها تهمس لضرتها سوسن، غير مكترثة للحظة بالتحفظ القائم بينهما: الصراحة تنقال، زوجة مالك عندها جمال يذبح..!
ردت عليها سوسن بنفس الهمس: إيه والله. شوفيها أخذت عقل العجوز حتى جلستها جنبها. عمرها ما سوتها معانا.
تنهدت مزنة بحسرة: والله شكلنا بناكلها، العجوز صارت بصفها خلاص، ماعاد في فايدة ندور على عروس لمالك تنفع مصالحنا..
قطبت سوسن حاجبيها: والله شكله حتى لو كانت العجوز بصفنا مالك ما أظن بيتغير موقفه. فيه رجال عنده مثل هذي ويروح يدور على ثانية؟
هزت مزنة كتفها: يمكن.. الرجال مامنهم أمان..
نظرت لها سوسن بحدة قبل أن تقف تاركة جنبها: تصدقي، أعطيتك وجه..
:
سأل طيف عندما ركبت سيارته نهاية الليلة: كيف كان الحفل؟
أجابته بصدق وشيء من التسلية: حلو، القعدة مع جدتك تونس.
تنفس الصعداء، فقد قلق لما سُتقابل به زوجته في تجمع هائل كهذا: الحمد لله..
طول طريق العودة، ظل يتساءل عن المظهر الذي بدت به طيف، عمته أشعلت فضوله بتلميحاتها وكذلك جدته. تمنى لو استطاع أخذ لمحة قبل بداية الحفل، لكن إصرار هادي على مساعدته له منذ الأمس وحضوره المبكر منعه من ذلك.
عندما عادا إلى الجناح ورأى طيف قد خلعت عباءتها، عرف ما سبب التلميحات التي تلقاها..
أوجعته، أوجعته بحسنها الخاطف للأنفاس..
أعطته ظهرها، تلفت نظره إلى أزرار الفستان الممتدة على طوله: ممكن تفكها؟
بصمت تقدم نحوها ليبدأ بفك الأزرار، ليلثم بشفتيه طول ظهرها المتكشف شيئا فشيئا، سامعا لوقع نفسها المتسارع.
أدارها نحوه ليهمس بحرارة في أذنها: قوليلي أبعد..
للحظة خاف عليها من لهيب ما يشعر به، وفقط تلك الكلمة منها ستردعه، ستوقف هذا الجنون.
رأى اشتعال ذهب عيونها بكل فتنة، بكل ضراوة، وهي ترد لتكتب نهايته: قرب..
تلعب بالنار، فاتنته هذه، تستفز عواطف رجل صائم لسنين..
حسنا، سيريها، سيريها ما فعل عشقها به، سيغرق نفسه حد الثمالة بقربها الذي طال شوقه إليه..
:
حسنا تعترف، كاد الخجل يقتلها عندما استيقظت، وبصمت وتجنب عنيدين، خاضت في روتينها اليومي من إيقاظ مالك لصلاة الفجر لصلاتها لصنع الفطور..
لاحظت أن مالك لم يذهب إلى عمله حتى الآن. مضت نصف ساعة منذ الوقت الذي كان من المفترض أن يخرج فيه. سألته وهي تغسل الصحون، كلماتها الأولى منذ إيقاظها له: ما بتروح الشغل اليوم..؟
احتضنها من الخلف، مسندا ذقنه على كتفها: أخذت إجازة..
سألته بصوت يتهدج من قربه: ما يحتاجوك؟
ليجيب بلا مبالاة واسترخاء: مدري عنهم، قفلت جوال الشغل../ استطرد بهمس محموم، يفك شعرها من ربطته ليلعب فيه: خليني أتهنى فيك اليوم..
[انتهى البارت...]
|