لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > روايات احلام > روايات احلام > روايات احلام المكتوبة
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

روايات احلام المكتوبة روايات احلام المكتوبة


إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 25-02-17, 09:59 PM   المشاركة رقم: 11
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Nov 2016
العضوية: 321995
المشاركات: 51
الجنس أنثى
معدل التقييم: mymemory عضو على طريق التحسين
نقاط التقييم: 93

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
mymemory غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : mymemory المنتدى : روايات احلام المكتوبة
افتراضي رد: أغنية كي يرحل

 


هبط "غانون" السلم بسرعة خاطفة متناسياً الألم في أضلعه.كان يتوقع أن يجد الباب الخارجي مفتوحاً على مصراعيه بسبب اندفاعها الجنوني للهرب منه . لكن كل شيء في غرفة الجلوس, كان على ما يرام .
كانت ألسنة النيران تستعر متراقصة في الموقد , ملقية بالدفء والأضواء المرتجفة على الكرسيين الموضوعين .كانت "دورا" تجلس متكورة على أحدهما , وقد أحنت رأسها على دفتر ملاحظات , وشعرها الأشقر يتألق في بركة من الضوء تنسكب من مصباح في الزاوية.حتى أنها لم ترفع رأسها إليه حين اندفع داخلاً الغرفة.
_ماذا تفعلين؟ ظننتك ستبقين مع "صوفي" . هيا , نامي.
كان صوته متلعثماً بعد أن أدرك مدى حماقته. تحركت قليلاً, وهي تعض طرف قلمها:
_ لم أستطع النوم. إنه الرعد , لقد جعلني أنهض من السرير .
_هل أنت خائفة من الرعد؟

.

تملكته الدهشة. كانت نحيفة رشيقة كشجر الصفصاف, لكنها كانت تتمتع أيضاً بنوع من القوة والمرونة. لم تكن تبدو من النوع الذي يخاف.
_ لا . إنه لا يخيفني .إنه يذكرني فقط بأحداث محزنة . أحداث أفضل عدم التفكير بها. فأقوم بعمل ما , ليساعدني على نسيانها.
_فهمت .
_لا . لم تفهم. لكن , ليس للأمر أهمية.
أخذت تنظر إليه بثبات, بعينيها السوداوين الكبيرتين ثم أشاحت عنه بوجهها وتناولت فنجانا بقربها . ظلّ يحدق بها , فقالت:
_ إنه شراب كاكاو . كان علي أن أعد لك فنجاناً. لكن , لو كنت مكانك, لخفت أن تضع لي فيه حبوباً منومة أو ما شابه.
قال يشاركها مزاحها العدائي:
_ ما كنت لتفعلي ذلك . لأنك متلهفة لرؤيتي أرحل .
_ هذا صحيح. لكن , مادمت لا تبدو عازماً على الرحيل , فالبديل الوحيد المتوفّر لي هو أن أعمد إلى تخديرك لأحضر شخصا يخرجك من هنا . يبدو لي ذلك أسهل بكثير من أن يحاول ضربك على رأسك بمحرك النار على كل حال, ما دمت لا أتعاطى الحبوب المنومة, فأنت آمن تماماً . هل ترغب بتناول الطعام؟ هناك علبة جبن غير مفتوحة في الثلاجة, أو بيض كما أنك أحضرت الحليب معك .
أعادت فنجانها إلى الطاولة ثم أخذت تضع ملاحظات في دفترها.
_ من أين اشتريته في هذا الوقت من الليل؟
لم يجب فأضافت:
_المكان الوحيد الذي أعرفه هو الكاراج الذي يفتح طوال الليل في الطريق الرئيسية.

.

توقفت عن الكتابة ثم رفعت بصرها إليه ذاهلة:
_هل مشيت كل تلك المسافة لتصل إلى هنا؟ مع صوفي؟
_مشيت ببطء
كانت الطريق خالية من القناصة والألغام الأرضية والقذائف... كان أمراً لطيفاً وسهلاً...
ونظر إلى الكرسي الذي يقابلها في تردّد ثم جلس عليها:

_ ماذا تفعلين؟
_ إني أكتب .
كان هذا واضحاً له .
_رسالة, شعر, طلب لالتماس العون والنجدة تضعينه في زجاجة وتقذفينها إلى النهر آملة في أن يراها أحد صيّادي السمك في الصباح؟
_ كلا, إنهّا في الحقيقة مقالة لمجلة نسائية.
_آه . هل أنت كاتبة؟ وهل أنت ناجحة؟
_هل تسألني إن كنت أكسب كثيراً من المال؟
_وهل تكسبين.؟
.

كان بإمكانها أن تخبره بأنها ليست بحاجة للعمل لأجل المال . بإمكانها أن تخبره بأن الجرائد والمجلات قد حاصرتها لأجل قصتها فقررت أن تكتبها للدعاية لقضيتها .لكنها لم تشأ أن يهتم بها إلى هذا الحد, فقالت:
_ لم أكسب بعد
رأت من ملامح وجهه المكفهرة أنه يظنها تخادع نفسها . وأخذ يغالب النعاس في كرسيه بسبب حرارة النار . عصر "غانون" عينيه وقرص جسر أنفه وهو يقاوم حاجته إلى النوم . وخطر له أن الطعام سيساعده , فقال:
_أظنني سأقبل عرضك بتحضير الطعام لي .
_إفعل ذلك بنفسك.
ودونت شيئاً في الدفتر بسرعة كأنها لا تهتم سواء أأكل أم لم يأكل .
_ يبدو أنك لم تأكل وجبه كاملة منذ أسبوع.
_ هذا صحيح .
حولت إليه انتباهها الكامل:
_ حقاً؟ أنت تبدو فظيعاً للغاية.
_ شكراً , لاحظت ذلك . كما أنني لا أشعر أني بصحّة جيّدة , إن كان ذلك يهمك .
مالت إلى الأمام كأنها تريد أن تمد يدها إليه . لكنها أبقت يديها على الدفتر في حجرها.
_إسمع , اذا كنت واثقاً من أنني لم أسممك , يسرني أن أعد لك شيئاً تأكله.
نظر إليها برهة, إنه واثق من أنها لن تسممه ,لكنه سيكتفي الآن بهذا القدر من الثقة.
_ بعض البيض واللحم لفقط.

.

نزلت عن الكرسي ووضعت الدفتر والقلم على المنضدة بجانبها.
_لن أتأخر.
نهض واقفاً, وأدركت أنه يتبعها إلى المطبخ.
_سأساعدك .
هزت كتفيها كأنما لا يهمها الأمر .لكن هذا كان يناسبها تماماً , فهي تفضّل أي شيء يبقيه في الطابق السفليّ .
_تلك هي الثلاجة .
اتجه نحو الثلاجة وأخذ يتفحّص محتويات الرفوف .أخرج عصير برتقال وصندوق بيض وعلبة لحم غير مفتوحة .
وضعت "دورا" المقلاة على النار بانتظار أن يفتح "غانون" علبة اللحم التي كانت قد اشترتها هذا الصباح . تثاءبت وهي تنظر إلى ساعة الحائط .كانت تقارب الثالثة بعد منتصف الليل .فتذكرت أنّ آخر مرة استعملت فيها هاتفها الخلوي كانت صباح يوم أمس . كانت تنتظر مخابرة فتركته مفتوحاً في حقيبتها عندما ذهبت إلى السوبر ماركت .لذلك, بات الآن فارغاً من الطاقة .كيف استطاعت أن تكون بهذا الغباء؟
بسهولة ..كان هذا هو الجواب البسيط . كانت دائماً ترتكب الخطأ نفسه ,دون اكتراث .

.

لقد وصلته بالكهرباء بجانب سريرها لكي تشحنه بالطاقة , وأخفته عن النظر قدر الإمكان . لكنها كانت تعلم أن "غانون" سيستمر في مراقبتها . ومن غير المحتمل أن يكتشف سرها إن هي أبقته بعيداً عن الغرفة .
لن يستغرق شحنه طويلاً . بعد أن ينهي "غانون" طعامه, وتذكّي النار في الموقد , لا بد أنّه سيستغرق في نوم عميق .
_لديّ بعض الفطر إن كنت تحبه .
سارت نحو الثلاجة .
_الفطر البريّ؟ من أين حصلت عليه ؟
_التقطته هذا الصباح .

.

نظرإليها متأملاً فأدركت ما كان يفكر فيه , فقالت :
_سآكل واحدة منها أوّلاً إذا شئت .
_ليس هذا ضرورياً . أستطيع رؤية الخطأ , سواء متعمداً أم لا .
وضعت اللّحم على الموقد ثم أخذت تكسر البيض في وعاء , بينما جلس على مقعد منخفض أمامها . سالها:
_كيف تعرفت إلى ريتشارد؟
أبقت عينيها على الوعاء , وتمنت لو أنها لم تبدأ قطّ هذا الخداع السخيف . تأوهت دون وعي :
_لقد اخبرتك . لقد عرّفتنا أختي ببعضنا البعض .
منحت نفسها وقتاً للتفكير في شيء مقنع أثناء خفقها البيض .
_ إنه ليس من روّاد الحفلات . فقد تعرف إلى زوجته الأولى في مباراة للرماية .
_أنا لا أجيد الرماية .
لم تكن بشرتها الرقيقة المشمشية اللون تدلُّ على تعرُّضها للشمس , كهواة الطبيعة ومحبّيها .
سألته :_ كيف أصبح اللحم ؟
تقدم من الموقد يتفقد المقلاة :
_ ممتاز .
ثم ألقى فوقه قليلاً من الفطر وهو ينظر إليها مفكرا ً بينما سكبت هي البيض في مقلاة صغيرة , قبل أن تتقدّم نحوه , قال :

.

_ لا بأس أخبريني كيف تعرفت إليه .
_ كان ذلك أثناء العمل .
وسّرها أن تضطرّ للتركيز على البيض . قررت أن من الأسهل عليها أن تتمسّك بقصة "بوبي" من ان تخترع قصة من عقلها .
_ هل كانت أختك تعمل عنده؟
كانت أختها , في الواقع , تعمل في تصوير فيلم للإعلان عن مواد الزينة على ضفاف النهر .
_ ليس تحديداً . . .
_"صوفي" ماذا حدث ؟
التفتت "دورا" فرأت الفتاة الصغيرة واقفة في العتبة . أثار شيء ما في حركاتها ذكريات مؤلمة في نفس "دورا".
_أظنها تريد الذهاب إلى الحمام , يا"غانون" . أتريدني أن أذهب معها ؟

.

_لا , فهي لاتعرفك. كما أنها لا تتكلم الإنكليزية جيداً .
انحنى وحمل الطفلة. أخذت "دورا" تنظر إليهما من بعيد , وكادت تقسم أنّ العرق يتصبّب على جبينه من شدّة الألم . ودون أن ينطق بكلمة واحدة , حملها عبر غرفة الجلوس قبل أن يتواريا في الردهة الأمامية.
غابا بعض الوقت . وبدأت "دورا" تتساءل إن كان استسلم للنوم بجانب الطفلة بعد أن أعادها إلى السرير . حين عاد الإثنان معاً, كانت "صوفي" ترتدي قميصاً نظيفاً يصل إلى قدميها , وسترة صوفية سميكة تجر ذيلها خلفها . قال وقد انبسطت أساريره :
_ غزوت خزانة ملابسك , وأرجو أنّك لا تمانعين . فقد بللت "صوفي" ملابسها .
قالت باسمة للطفلة :
_ما من مشكلة . مرحباً "صوفي" . بما أنك استيقظت الآن , هل تريدين أن تأكلي ؟

.

كانت قد أعدت خبزاً محمصاً , فمدت على القطع بيضاً مخفوقاً مقلياً .
ترجم "غانون" كلامها للطفلة , متحدثاً بلغة بدت مألوفة لـ "دورا" .
واتسعت عينا "صوفي"وهي تراه يجلس على كرسي منخفض ويضعها على ركبته ثم يقدم لها الطبق . أخذت تأكل بأصابعها بسرعة لا تكاد معها تمضغ طعامها , وراحت تلملم حتى الفتات الصغيرة من الطبق . قالت "دورا" :
_هناك المزيد.
لكن "غانون" هز رأسه :
_ هذا يكفي الآن .
وسحب طبقه نحوه وأخذ يأكل بشكل شاذ وبيد واحدة .
_ما هذا ؟ لا يمكنك أن تأكل بهذا الشكل . أعطني الطفلة .

.

لم يناقشها . لكنّ الطفلة تعلّقت به عندما انحنت "دورا" لتحملها . أخذ يتحدث إليها بلطف بنبرة مشجعة ووجدت "دورا" نفسها هدفاً لنظرات الفتاة الصغيرة . ثم رفعت لها "صوفي" ذراعيها بثقة تامة .
_ آه حبيبتي . جسمك بارد . سآخذها إلى جانب الموقد , "غانون" .
_ بكل تأكيد .
كانت قدما "صوفي" متجمدتين , فأخذتها "دورا" إلى الكرسي الكبير بجانب الموقد , مكورة نفسها والطفلة في حضنها . أخذت "صوفي" تحدق في شعر "دورا"الأشقر الطويل , ثم مدت يدها ولمسته .
قالت "دورا" بالإنكليزية :
- "شعر" .
كررت "صوفي" الكلمة باسمة , ثم ما لبثت أن أغمضت عينيها واستولى عليها النوم وهي لا تزال ممسكة بخصلة الشعر الذهبية الطويلة .و إذا لم تستطع " دورا" الحراك كيلا تزعج الطفلة , استندت إلى الخلف مسترخية , و أغمضت عينيها , أمام حرارة الموقد و هي تشعر بالنعاس .
عندما جاء "غانون" يبحث عنهما بعد خمس دقائق , كانتا نائمتين وقد احتضنت إحداهما الأخرى . وقف بجانبهما لحظة يفكر في إعادة "صوفي" إلى السرير , لكنه لم يشأ ازعاجها مرة أخرى , كما أن هذا الوضع قد يشعرها بمزيد من الاطمئنان , ويمكنه من انتهاز الفرصة والتمتع بقسط من الراحة لعدة دقائق , لعلمه بأن صوفي ستوقظه إذا نهضت "دورا".

.

أضاف الحطب إلى النار قبل أن يتمدد على الكرسي الآخر قبالتهما .ورغم الإعياء الشديد الذي يشعر به , إلا أنه رفض أن يغمض عينيه عن هذا المشهد المسالم .
لقد استسلمت المرأة والطفلة للنوم لشعورهما بالأمان . عادت به ذاكرته إلى الثماني والأربعين ساعة الماضية فأدرك أن هذا السلام لم يكن إلا مؤقتاً بالنسبة إليه وإلى "صوفي" على الأقل .

 
 

 

عرض البوم صور mymemory   رد مع اقتباس
قديم 26-02-17, 10:56 PM   المشاركة رقم: 12
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Nov 2016
العضوية: 321995
المشاركات: 51
الجنس أنثى
معدل التقييم: mymemory عضو على طريق التحسين
نقاط التقييم: 93

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
mymemory غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : mymemory المنتدى : روايات احلام المكتوبة
افتراضي رد: أغنية كي يرحل

 

استيقظت "دورا" وهي تشعر بتصلب وإنزعاج. كان رأسها في وضع متعب وأحسّت بالخدر في ذراعها اليسرى. لم تستطع لحظة تحديد مكانها. ثم طرفت بعينيها وهي ترى الرجل ممداً على الكرسي أمامها , ورأسه ملقى الى الخلف , وجسمه الطويل مسترخياً في النوم ,وعاد كل شيء لذاكرتها .

تذكرت "غانون" أكثر من أي شيء آخر . مستحيل , هذا المستبد الذي لا يطاق!
وتذكرت الهاتف في غرفتها في الطابق العلوي . لقد جلست مع "صوفي" أمام الموقد لأن الطفلة كانت باردة. ويبدو أنها غفت . لقد فات الأوان الآن . لكن , هل فات حقاً ؟ هو ذا "غانون" مستغرق في النوم . فعل الطعام والدفء فعلهما , وبعثا فيه الاسترخاء بعد كل ذلك الارهاق .
بدا أقل خطراً أثناء نومه ورأسه ملقى الى الخلف مبديا عنقه الطويل . بدا ضعيفا وهو تحت رحمتها .
فقدت ملامحه الصلبه في هدوئه وسكينته , ذينك التوتر والعنف اللذين كانا يسودانها أثناء غزوه لها في منتصف الليل . لم يبد لها الآن غازياً على الأطلاق , بل أشبه بأستاذ جامعي أو فنان .

.

كانت خصله من شعره الأسود قد سقطت على جبهته العاليه مسبغه عليها نوعاً من الرقة, كذلك على صدغيه الغائرين . وراح اهتزاز الضوء يبرز عينيه بلونهما المتأرجح بين الذهب والعقيق , لكنهما كانتا الآن مغمضتين وقد أسدلتا أهدابهما الكثيفة السوداء .
كان أنفه الطويل المستقيم وفمه الحازم وذقنه العنيدة خير دليل على رجولته التي لانهاية لقوتها واحتمالها . كان رائع الجمال الى درجة مذهلة.
لم يكن يبدو خطراً على الاطلاق بل رجلاً قد يكون أخاً أو عماً أو خالاً لأي إنسان . ونظرت الى الطفلة التي تكومت على كتفها ... أو اباً محباً. لكن المظاهر قد تكون خداعة . وهناك أكثر من نوع واحد من الخطر .

.

بدت " صوفي " مستغرقه في النوم هي أيضاً. والله وحده يعلم ماعانته هذة الطفلة. لكن سوء التغذية كان بادياً عليها , كذلك الارهاق. قد تتمكن ربما من حملها الى السرير دون أن توقظها .
لكن ما أن راحت تتحرك حتى فتحت الطفلة عينيها السوداوين الكبيرين . وقبل أن تصرخ , وضعت "دورا" أصبعها على شفتيها مشيره نحو "غانون" النائم .فهمت "صوفي" على الفور وأطبقت فمها وهي تنظر الى "غانون" . وحين أدركت السبب , وضعت هي أيضا اصبعها على شفتيها . ابتسمت لها "دورا" باستحسان فأشرق وجه الطفلة وهي تبادلها الابتسام . حتى الآن , كان كل شيء على مايرام .
استطاعت أن تقف حاملة الطفلة رغم تشنج عضلاتها المؤلم وهي تخطو بحذر فوق ساقي "غانون" الممدودتين . حاولت جاهدة أن لاتنظر اليه , لثقتها أنه سيشعر , بشكل ما , بوقع نظراتها عليه فيتحرك.

.

زحفت نحو الباب بصمت, و هي تتوقع مع كل خطوة أن يخترق صوته المنخفض الصمت ويسألها إلى أين هي ذاهبة . لكنها وصلت إلى الباب دون أن تزعجه . ثم صعدت السلالم وبلغت غرفتها وقلبها يخفق بعنف وهي تضع الطفلة في السرير .
أشارت إليها بالصمت مرّة أخرى قبل أن تخرج الهاتف من تحت السرير . لم تضع الوقت في طلب الرقم الذي تحفظه غيباً . همست تقول :
_هل يمكنني التحدث مع "فيرغس" من فضلك ؟
فأجابت السيدة هاريس :
_آسفة . لا أستطيع سماعك جيداً . الخط سيء .
همست بلهفة :
_فيرغس . هل هو موجود ؟
_لا أظنه خرج بعد . لحظة واحدة .
سمعت "دورا" صوت وضع السماعة على منضدة الردهة . ومضت لحظة طويلة حبست فيها "دورا" أنفاسها ثم فجأة سمعت السماعة ترفع وصوت "فيرغس" الهادىء يقول ببساطة : "كافاناغ" .

.

أدركت كيف ستكون ردة فعله . فهو سيتصرف باستعلاء , تماماً كما تصرف حين أخبرته عن تصميمها على قيادة شاحنة تحمل مساعدات إلى شرق أوروبا . . . وكان واثقاً من أنها ستتصل به تليفونياً خلال أسبوع لتطلب النجدة ضارعة . وتذكرت الوعد الذي قطعته لنفسها بأن تموت قبل أن تفعل ذلك .
وهكذا, مضت ثلاث ليالٍ في رحلة أشبه بكابوس داخل "غرازنيا" تجرّ مواد الإغاثة خلفها بأمان .ثلاث رحلات لو أنها صرخت خلالها بأعلى صوتها لما تمكن أخوها من مساعدتها رغم رابطة الدم بينهما . نجت من الإرهاق , وجنود الأعداء , والظروف البدائية ونقص المياه النظيفة وسوء الطعام , والرعب في مخيّمات اللاجئين ورصاص القنص . . .
والآن , وقد أصبحت في بيتها آمنة , أتراها ستندفع حقاً إلى "فيرغس" تطلب النجدة عند أول مشكلة صغيرة تواجهها ؟ إنه يبعد عنها مئة ميل فماذا يمكنه أن يفعل ؟ لا يتطلب الأمر مخيّلة خصبة. إنه بلا ريب سيتصل برئيس مخفر الشرطة الذي يعرفه, ويطلب منه إرسال شرطة مسلحة إلى الكوخ لإنقاذ أخته من موقف مخيف وضعت نفسها فيه .

.

أتراها حقاً تريد أن يأتي "فيرغس" إليها لينقذها؟
كانت قد ذهبت إلى "غرازنيا" لتعرض المساعدة لا لأن تأخذها. كانت تبحث عن التحدّي. ومع ذلك , حين جاءها التحدي مقتحماً بابها , تندفع إلى "فيرغس" تطلب العون؟
إن كان "غانون" صادقاً في ما يتعلق بشخصيته , فهي ليست في خطر . وحين أتت زاحفة إلى الطابق العلويّ هذا الصباح , كان بإمكانها انتهاز الفرصة للهرب . وإذا كانت تريد الشرطة لاستطاعت الاتّصال بهم بنفسها .
كانت صوفي راكعة على السرير وقد فتحت عينيها الكبيرتين تنظر إليها بجد , وأحنت رأسها قليلاً إلى الجانب كأنها تنتظر من "دورا" أن تقرر .
_ آلو , آلو. . .هل هناك أحد؟
كان صوت "فيرغس" يلح في أذنها . كلمة واحدة منه فتأتي الشرطة مندفعة لنجدتها . لكنه حين سخر من خطتها في السابق , أخبرته أنها امرأة راشدة. لقد حان الوقت الآن ربّما لتثبت هذه الحقيقة. لقد حدثتها غريزتها بأن "غانون" لن يؤذيها , ألا ينبغي على الراشدين أن يثقوا بغرائزهم ؟

.

لا شكّ في أنّ "غانون"و"صوفي" واقعان في مأزق من نوع ما. قد تكون حمقاء, لكنها ترغب في مساعدتهما بنفس القدر الذي شعرت به نحو أولئك اللاجئين التعساء الذين قابلتهم في غرازنيا .
_آسفة جداً . أخطأت في الرقم .
وقبل أن تغير رأيها , قطعت الاتصال ثم أعادت الهاتف إلى الشحن , مخفية إياه تحت السرير .ثم ابتسمت لـ"صوفي" :
_ هيا يا حلوتي, أظنك بحاجة إلى استحمام .
استيقظ "غانون" ببطء, من نومه العميق بشكل تدريجيّ إلى أن صحا تماماً . تمطى وشعر بالألم مازال موجوداً في جنبه إلا أنه أصبح أخف . ربما لم تكن إصابته سيئة كما كان يظن . او قد يكون الطعام الذي تناوله والنوم المتواصل الذي لم يحظ بمثله منذ أيام , كل ذلك جعله يشعر به خفيفاً .
لكن الجو كان أكثر برودة , فالنار كانت تخبو وتخمد شيئاً فشيئاً . فارتجف في هواء الصباح الباكر. ما كان يحتاجه الآن هو قهوة ساخنة , وبعد ذلك يصبح مستعداً لمواجهة مشاكلة المتراكمة .
لكنّه أدرك حين انتصب جالساً , وهو يفرك وجهه بيديه أن عليه تأجيل أمر القهوة والبيض , لأن المشكلة لا تحتمل الانتظار . كانت الكرسي القائمة في الجانب الآخر من الموقد خالية . لقد رحلت "صوفي" و "دورا" !


.

 
 

 

عرض البوم صور mymemory   رد مع اقتباس
قديم 26-02-17, 10:57 PM   المشاركة رقم: 13
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Nov 2016
العضوية: 321995
المشاركات: 51
الجنس أنثى
معدل التقييم: mymemory عضو على طريق التحسين
نقاط التقييم: 93

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
mymemory غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : mymemory المنتدى : روايات احلام المكتوبة
افتراضي رد: أغنية كي يرحل

 


5-رجل في الفخ

قفز "غانون" من مكانه,ثم سمع ضحكاً فيما كان في منتصف الطريق إلى الباب الخلفي .توقف دهشاً ,واستدار على عقبيه مسرعاً نحو السلم.
كانت "دورا" راكعةً بجانب حوض الحمام تسكب الماء على "صوفي" بيديها . وعندما اندفع إلى الداخل, التفتت إليه باسمة:
- مرحباً .
كانت ترتدي قميصاً أزرق فضفاضاً وبنطالاً أسود يلتصق بساقيها.
وكان شعرها مربوطاً إلى الخلف بعصابة,وقد أزالت كلّ آثار التبرّج عن وجهها.بدت غير متكلفة لكن مذهلة.
- نحن نتسلى. أتريد أن تلعب؟
ابتلع ريقه وقد تسمّر في مكانه . يلعب؟هل لديها أيّ فكرة عما تقوله؟
قال متصلباً:
- كنت أتساءل أين عساكما تكونان.
- وأين عسانا نكون؟لكن يبدو أننا أزعجناك .
وابتسمت فأدخل إشراق فمها الاضطراب إلى نفسه:"بدوت حالماً للغاية وأنت نائم".
- حقاً؟
لكنه لا يشعر بذلك الآن.
- خطر لي أنّ صوفي سيمتعها الاستحمام.
- يبدو أنك على حق.
.
أفسحت له مكاناً ثم قالت تدعوه للجلوس:
- أحذرك من أن "صوفي" تحب أن ترشّ الماء حولها.
- حقاً؟
ركع بجانبها ولكنه لم ينظر إلى "صوفي".كانت "دورا" قد استحمت قبلها وما زال شعرها رطباً,بينما تفوح منها روائح الصابون والشامبو الطيبة , فلم يستطع تحويل عينيه عنها. راحا يحدّقان ببعضهما البعض,وشعر كأنه يعرفها طوال حياته. وإذا "بصوفي" تقذفه بالماء, وقد أزعجها إهماله لها. فالتفت إليها يقذفها بالماء بدوره فانفجرت ضاحكة وتوسّلت إليه بأن يتوقف. عندما التفت ليسحب منشفة من على الرف ,انتبه إلى أن "دورا" مازالت تحدق به بتركيز بالغ جعلها تعقد حاجبيها.
-"دورا"؟
بقيت لحظة تحدّق به, ثم استدارت بسرعة وسحبت منشفة وهي تخرج صوفي من الحوض وتجففها,ثم قالت فجأة:
- لم لا تذهب وتبدأ بإعداد الفطور يا "غانون"؟ بينما أفتش أنا عن ثياب ملائمة لصوفي؟
- أتفضلين طعاماً خاصاً؟
هزت رأسها نفياً دون أن تنظر إليه.
- وربما تعيد إشعال النار في الموقد,فهذا الصباح لا يبدو دافئاً تماماً,
ولا أريدها أن تصاب بالبرد.
- دعي ذلك لي.
وقف عند العتبة, وهو مصمّم هذه المرّة على عدم الالتفات بينما قالت:
"سأقوم بكل ما أستطيعه للمساعدة".
.
التفت إليها رغماً عنه. كانت واقفة, تحمل "صوفي" بين ذراعيها وقد جعل ضوء الصباح الباكر من خصلات شعرها المنفلتة ما يشبه الهالة.
أدرك في تلك اللحظة تحديداً,السبب الذي جعل "ريتشارد" يقع في غرامها. فقد حرص على أن يتزوجها لكي تبقى معه على الدوام. ولو كان هو في مكان "ريتشارد" لفعل مثله بالضبط.أومأ برأسه ثم اتجه نحو السلم دون أن ينطق بكلمة.
تنفست الصعداء, عندما توارى عن الأنظار. كانت"دورا" معتادة على تحديق الرجال بها . لكن,عندما ينظر"جون غانون" إليها, تشعر بالحرارة تسري في داخلها بشكل لم تعهده من قبل.
وضعت "صوفي" ذراعيها النحيلتين حول عنقها تحتضنها بشدة, والتفتت إليها "دورا" باسمة وقبلت وجنتها النحيلة:
- هيا يا حبيبتي , ولنبحث لك عن شيء ترتدينه.
لم تجد "دورا" في أدراجها ما يلائم "صوفي".فقد كانت بالغة الرقة
والنحول.هل هذا هو السبب الذي جعل "غانون" يخطفها؟ لأنها أُهملت بقسوة شديدة؟
مهما كان السبب , لا تستطيع أن تخبر "صوفي" به . لفتها بالملابس قدر ما أمكنها لكي تبقيها دافئة, ثم عانقتها وحملتها إلى الطابق السفلي .
- هذه الطفلة بحاجة إلى ملابس , يا غانون.
رفع بصره عن الموقد محدّقاً بها:
- تبدو لي على ما يرام .
- لا تكن غبياً. ليس لديها ملابس داخلية .
- لا أظن هذا الأمر يزعجها.
.
- وأنا أيضاً. لكن ماذا بالنسبة إلى الحذاء؟ حاولت أن ألبسها جواربي الصوفية ,فأخذت تنزلق من قدميها. ستبرد قدماها.
تململ بانزعاج:
- سرعان ما تشتعل النار في الموقد.
- هذا حل مؤقت,أم أنك تنوي البقاء هنا إلى أن ينمو جسدها في ملابسي؟
كانت هذه فكرة مغرية.
- لا نظراً للظروف, كلما أسرعنا بالرحيل كان أفضل.
- أيِّ ظروف؟
خطِف ابنته من معسكر للاجئين ؟ واحتمال أن تبدأ الشرطة الفرنسية والإنكليزية بالبحث عنه,هذا إن لم يكونوا قد بدؤا فعلاً؟أو لعله الخطر البالغ الذي يتربّص به إذا قام بارتكاب حماقة مع زوجة صديقه؟ كانت كلها أمور تدفعه إلى مغادرة الكوخ . لكن لا يشكل أي منها سبباً لطيفاً يمكن البوح به .
تعبت " دورا" من انتظار ردّه.
- إلى أين ستذهب , يا"غانون"؟ وماذا بالنسبة إلى "صوفي"؟ لا يمكنك أن تخرج بها من هنا بهذه السهولة. فهي طفلة, وبحاجة إلى دفء ومأوى.
إنها بحاجة إلى رعاية.
كان هذا أمراً جلياً, لكن النجاة هي الشيء الوحيد الذي يشغل باله..
وأن يصل بالطفلة إلى برِّ الأمان. كان يظن أنهما عندما يصلان إلى الكوخ سيرتاحان ويتعافيان وسيتسنى له الوقت للتفكير. لم يتوقع أن يجد أحداً. لم يكن يملك سوى شقته في لندن, وهي أول مكان قد تفكر الشرطة في البحث عنه فيه. . أخذ يكسر البيض في المقلاة.
- أنا مستعد لسماع أي اقتراح .
.
- حقاً ؟ حسناً,لم لا تحل كل مشكلة على حدة؟ قبل أن تأخذ " صوفي" يجب أن تؤمّن لها بعض الثياب. لهذا , سأذهب إلى المدينة وأشتري لها بعضاً منها.
حين رأت الرفض على وجهه ,أضافت تقول:" أو تذهب أنت وأبقى أنا مع " صوفي".
أخذ يحدق بها وهو يجهد لمعرفة ما تفكر فيه .لكنها أغلقت دونه كل شيء وبدت عيناها صافيتان كالمرآة.
- هل أستطيع أن أثق بك؟
- تثق بي لأفعل ماذا؟ شراء الملابس؟ أم إبقاء وجودك هنا سراً؟ لا أرى أحداً سوانا هنا, وبالتالي لا مفر لك من الثقة.
ثم وضعت " صوفي" على كرسي :" حسناً, أيتها السيدة الصغيرة. ما رأيك في القليل من رقائق الذرة المجففة مع الحليب؟"
وأخذت تخشخش بالعلبة و"صوفي" تضحك لها.
****

 
 

 

عرض البوم صور mymemory   رد مع اقتباس
قديم 26-02-17, 10:58 PM   المشاركة رقم: 14
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Nov 2016
العضوية: 321995
المشاركات: 51
الجنس أنثى
معدل التقييم: mymemory عضو على طريق التحسين
نقاط التقييم: 93

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
mymemory غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : mymemory المنتدى : روايات احلام المكتوبة
افتراضي رد: أغنية كي يرحل

 

حالما أنهت " صوفي" طعامها, ذهبت "دورا" لإحضار شريط القياس .
أخذت قياسها, ثم رسمت خطا حول قدمي الطفلة ما جعلها تضحك عند وضع العلامة بالقلم . سألها وهي تستعد للخروج:
- إلى أين ستذهبين للتسوق؟
- ليس إلى مكان من دون مفاتيح سيارتي (وراحت تتفقد محتويات حقيبة يدها) لا أدري أين وضعتها؟!
أخرجها من جيبه وناولها إياها: "أظنك تريدين هذه أيضاً ".
ثم أخرج كيس نقودها حيث بطاقة الاعتماد المصرفية.
- أظن ذلك .
فكر لحظة بالاحتفاظ بقطع النقود,لكنه لم يستطع إخراجها من الكيس أمام نظراتها المحدّقة. فدفعها إليها وهي تقول مجيبة عن سؤاله:
- سأذهب إلى متجر " مايبريدج". إنه أقرب المتاجر.
- سجلي كل ما تنفقينه . سأرد لك كل شيء حالما أذهب إلى المصرف.
- أرجوك لا تفكر في ذلك . لن يفلسني ابتياع بعض الملابس " لصوفي".
تذكر وصولات ملابسها الباهظة الثمن , فقال :
- ولا ريتشارد؟
.
حوّلت نظرتها عنه فجأة , وتمتمت مراوغة:
أنا واثقة من أنه سيفعل الشيء نفسه لو كان هنا. يجب أن أسرع قدر ما أستطيع .
تبعها حتى الكراج حيث سيارة " ريتشارد " الفخمة وإلى جانبها سيارة "بوبي " الرياضية الصغيرة المتألقة. وبدت سيارتها الميني الداكنة الخضرة تافهة بجانبهما, لكنا لم تكن تكترث بالتباهي وإثارة الإعجاب. قال وهو يفتح لها الباب لتخرج بالسيارة:
- لديكما سيارات كثيرة بالنسبة لشخصين .
شدت الحزام حولها قبل أن تنظر إليه:
- إنها فقط للتسوق. لكن, إذا فكرت في استعمال إحدى هاتين السيارتين قبل أن أعود, فأنا أنذرك بأن " ريتشارد" عطّل حركتهما قبل ذهابه.
قال ضاحكاً: "ألا يثق بك في ما يتعلق بسياراته؟".
ابتسمت في سخرية:"لا, بل إنه يعرف أصدقاءه أكثر مما يعرفونه هم".
ثم تحركت بالسيارة وهي تقول: "عندما أعود يا "غانون" من الأفضل لك أن تكون مستعداً لإخباري بكل شيء. من يعلم؟ إن وجدت حالتك تستحق العناية , قد تخطر لي أفكار بناءة لمساعدتك".
لم تترك له وقتاً للإجابة, بل استدارت بالسيارة, ثم اتجهت نحو الطريق العام.
أخذ "غانون " ينظر إليها وهي تبتعد, متسائلاً عما إذا كان قد ارتكب خطأً كبيراً. ما كان لأي رجل عاقل أن يظنّ ذلك. لكن, من يدري؟ إن في "دورا" شيئاً لم يستطع تحديده. وهذا ما كان يشغل باله... أو ربما كانت هي نفسها التي تشغل باله.
استدار بسرعة ودخل المنزل مقفلا الباب خلفه. ثم صعد إلى الطابق العلوي منادياً"صوفي" لتتبعه. ساعدها على الصعود إلى سرير "دورا" وطلب منها البقاء هناك بهدوء إلى أن يستحم ويغير ملابسه. حدثها أولاً بلغتها , ثم بالانكليزية.كلما أسرعت بتعلم اللغة كان ذلك أفضل. سألته:
- هل ستعود "دورا"؟
أجابها " غانون" , مكرراً الكلمات ببطء باللغة الانكليزية:
- أرجو ذلك, يا حبيبتي. ابقي تحت الغطاء ليدفئك , ولن أتأخر.
استحم وحلق ذقنه, ثم بحث في خزانة ملابس" ريتشارد". لم يكن قط بصلابة بنية " ريتشارد" كما أنه فقد الكثير من وزنه في الأشهر الماضية.
لكنه بدا حسن المظهر ببنطال عاديّ وقميص ناعم وسترة. لم يكن على عجلة ليغادر الغرفة. جعل يتفحص المنطقة من النافذة ليتأكد من عدم وجود أحد في الجوار. لكن المنطقة الممتدة على طول النهر كانت مهجورة.
.
ألقى نظرة على الحمام الذي كان مصمّماً بطراز حمام الضيوف الباذخ. ووجد باباً آخر يؤدي إلى غرفة ملابس بالغة الأناقة. دخل إليها وأخذ يصفر بهدوء أمام الملابس الباهظة الثمن. لم تكن وصولات الملابس التي رآها في حقيبة يد "دورا" سوى نقطة في بحر . وطافت عيناه على ثياب السهرة الرائعة, والملابس النهارية الأنيقة . لا يمكن لامرأة تعيش في الريف أن ترتدي هذه الملابس اليومية الأنيقة ...امرأة تلبس بنطالاً لاصقاً بجسمها وقمصاناً مقفلة فضفاضة تذهب بها إلى متاجر محلية. امرأة تعقد شعرها إلى الخلف بعصابة من مطاط . بدا هذا كله أكثر تكلفاً من أن ترتديه "دورا".
ومع ذلك , وجد في آخر صف الملابس التي لم تكن مغطاة تماماً بالملاءة البيضاء , البرهان الدافع على قولها الحقيقة . رفع الغطاء ليكشف عن ثوب من الحرير العاجي اللون وفوقه دثار مخملي . كان بالغ البساطة وبالغ التكلف في آنٍ واحد . أسدل الغطاء واستدار , لا يكاد يشعر بألم أضلعه عند قيامه بهذه الحركة المفاجئة . أدرك أنه لم يصدق حقاً حتى هذه اللحظة أن "ريتشارد" و"دورا" متزوجان . لم يرد أن يصدق ذلك .
ياله من معتوه ! سار نحو النافذة يتأمّل المنظر المألوف . لكنه لم يفهم .
ما الذي حدث بينهما ؟ لا بدّ أنه شيء خطير . وإلاّ, لماذا تنتقل دورا إلى غرفة الضيوف بينما كل ملابسها الرائعة مخزّنة في غرفة الجلوس؟
عاد إلى "صوفي" . فلديه من المشاكل ما يغنيه عن التفكير في مشاكل "ريتشارد " و"دورا" .مع ذلك, فهو يريد أن يفهم ما يجري . نظر إلى خزانة الثياب الصغيرة , ودون وخز من ضمير, فتح بابها, باحثاً عن شيء يكشف له سبب انتقالها من الغرفة الرئيسية.
أخذ يحدق في محتويات الخزانة , عاقدا حاجبيه في محاولة لفهم ما يزعجه.
ثم سمع صوت رنين جرس منخفض وممتد , وصوت "صوفي" وهي تضحك . تكرر الصوت, فالتفت ليرى الطفلة تلعب بشيء ما كان متوارياً وراء ثنيات غطاء السرير . هل وجدت "دورا" للطفلة لعبة من نوع ما؟
ثم تقدم منها خطوة , وعاد ذلك الشيء يرن . صرخت "صوفي" بدهشة وهي تنظر إليه مازحة :
- أنا لم أفعل هذا .
.
كاد يضحك عند رؤيتها :
- لا بأس يا حبيبتي .
أراد أن يشعرها باطمئنان كان يفتقده هو فيما الرنين مستمر :"إنه مجرد هاتف !" .
مجرد هاتف . سمع نفسه يردّد هذه الكلمات وهو لا يكاد يصدقها .
أمسكه بيده , لا يدري أعليه أن يجيب أم لا . لكن الهاتف حسم الأمر وتوقف عن الرنين .
رباه ,إنها فتاة غريبة الأطوار . كان بإمكانها استدعاء نصف سكان المنطقة عندما كان نائماً أمام الموقد في الطابق السفلّي .قد تكون فعلت ذلك . لكنها أخبرته بأنها تريد مساعدته , ونادته باسمه "جون" بصوتها الناعم المغري ذاك .ثم اقترحت برقّةٍ أن تذهب إلى المدينة لتشتري ملابس ل"صوفي" .تكلمت بشكل منطقيّ تماماً جعله يعيد إليها مفاتيح سيارتها دون أن يساوره أيّ شك .
رباه , بمن تراها اتصلت ؟ ب"ريتشارد"؟ لا بد أنها اتصلت به أولاً .
عرف الآن سبب ظهورها أقل توتراً هذا الصباح وأكثر رغبة في المساعدة.
كان قد أقنع نفسه بصوابيّة تفكيره حين سمع صوت سيارة تتقدّم ببطء نحو البيت . كان الوقت مبكرا لعودة "دورا" ,إلا إن كانت نسيت شيئاً .اتجه إلى النافذة بسرعة . لا , إنها ليست "دورا" ,بل سيارة الشرطة . سبق أن قال
ل"دورا " مازحاً إن فتاها الشرطي سيختلق عذراً ليعود لرؤيتها , لكنه لم يتوقع أن يفعل ذلك في العاشرة صباحاً .
ثم رأى من مركزه الحصين شاحنة شرطة صغيرة أخرى تتبعها. تراجع للخلف , وهو يطلق الشتائم , وحمل "صوفي" هابطاً السلالم بسرعة قبل أن يعيق هربه أيّ شيء .كان دثارها جافاً الآن , ومطوياً على الأريكة .
كانت الطريق تلتف عادةً خلف الكوخ .استغرق تسلل "غانون " في ذلك الاتجاه عدة لحظات . ثم جثم خلف السياج , متجاهلاً الألم البالغ الذي أخذ يسري بين أضلعه . وعاد ليحتمي داخل أجمة صغيرة من الأشجار الملتفة , حيث توقف هناك يستجمع أنفاسه ويمسح العرق البارد الذي غطى جبينه .
لم تأت "صوفي" بأي حركة , فقد مرّت بها مثل هذه الأوضاع مرات كثيرة ما جعلها تعتادها . لكنها تعلقت به دافنةً وجهها في ياقة سترته وقد جمدت من الخوف .
.
نظر أحد رجال الشرطة نحو الأجمة , فتراجع "غانون" بخفة إلى الداخل . ومع كل خطوة , راح يشتم في سره تلك الفتاة التي غدرت به بهذا الشكل الحذق . هل كانت تظن أنه سيأخذها رهينة لينجو بنفسه إذا ما داهمته الشرطة أثناء وجودها ؟ وهل هذا ما أخبرتهم به؟
استند إلى شجرة . لم يكن يلومها ,لكنها أخبرته بأنّها ستبذل ما في وسعها لمساعدته . لقد نظرت إليه بعينيها الرائعتين ونطقت باسمه , فأراد أن يصدقها! بكل خلية في جسده .آه , كم كان راغباً في تصديقها .
أخذ يراقب الشرطة وهي تحاصر الكوخ . ما الذي فعلته ؟ هل أخبرتهم بأنّها ستستدعيهم عندما تخرج من الكوخ ؟ وتخبرهم متى يدخلون آمنين؟. .
***
أخذت "دورا" تفكر وهي تنتقل بين سلسلة من المتاجر وتقف أمام منظر ثياب الأطفال المعروضة الذي يسيل اللعاب , وخطر لها أنّ المشكلة لا تكمن في أن تقرر ما عليها شراءه لفتاة صغيرة , وإنما متى تتوقف . كان هناك الكثير لتختار منه, فكل ثوب, وكل زوج من الجوارب, و كل رداء, كان يصرخ بها "اشتريني" . لكن , كانت الفائدة حاليا أهمّ من الزينة . وبما أن الفتيات الصغيرات يفضلن "الجينز" والكنزات فقد راحت تختار منها بلا
حساب , كما أطلقت لنفسها العنان في شراء أجمل ما وجدت من ملابس داخلية .
اختارت معطفاً واقياً من المطر متألق الألوان ببطانة وحشوة وناولته إلى عامل الصندوق .ثم رأت دمية من القماش , بشعر أسود ذكرتها كثيراّ "بصوفي" , ما جعلها تعجز عن مقاومتها . دفعت بواسطة بطاقة الاعتماد ,
ثم اتجهت إلى المصرف . فوجئت بنفسها تكتب ببساطة شيكاً بمبلغ خمسمئة جنيه ووقفت تنتظر بينما الموظف يتحقّق من حسابها .
.
لم يكن "غانون" قد طلب منها نقوداً , لكنها شعرت بأنه بحاجة إليها . لم تكن ,طبعاً , تنوي إعطاءه المبلغ فوراً . لم يكن ذلك معقولاً . ستحتفظ بالمال بعيداً عن متناول يده إلى أن يخبرها بقصته كلها .أين هو المكان الآمن ؟ ليس محفظة يدها بالتأكيد . استيقظت مجفلة من أحلام اليقظة لتدرك أن الموظف كان ينظر إليها بنفاذ صبر , منتظراً جوابها . قالت :
- آسفة .هل قلت شيئاً؟
- كيف تريدين نقودك , يا آنسة "كاڤاناغ"؟
- عشرات وعشرينات , من فضلك . آه , انتظر . . إجعلها عشرات فقط.
انتظرت "دورا" الموظف إلى أن يعد النقود ويسلّمها لها . ستفكر فيما ستفعله بالنقود عندما تصبح في سيارتها .
عادت تسير في مركز التسوق , ووقفت عند الخباز لشراء الخبز الطازج والكعك الحلو . وعندما مرت بالمكتبة , توقفت قبل أن تدخل إليها . كانت المعاجم الأجنبية في مكان واحد, فوجدت بسرعة الكتاب الذي تريده . حملته إلى مكتب البائع ووضعته بجانب كومة من الجرائد المحلية لتخرج كيس نقودها من الحقيبة .ثم ,وقع نظرها وهي تستعيد الكتاب على عنوان في الجريدة يقول : (طائرة مخطوفة تهبط اضطرارياً في حقل) .
جمدت مكانها لحظة , غير عابئة بموظفة الصندوق التي كانت تمد يدها إليها بالمشتريات .
لا يمكن أن يكون "غانون" . لا . إنه أمر أشدُّ إثارة من أن يكون حقيقياً .
وإذا بزفرة واهنة تخرج من بين شفتيها . كانت الليلة الماضية مسرحية مثيرة للغاية .لا ينقصها شيء .
هزيم الرعد المخيف والبرق يضيء مشهد رجل يملأه القنوط واللهفة وهو يحمل طفلة صغيرة يجتاز بها الحقول الموحلة باحثاً عن مأوى .ثم يصل إلى كوخ تقيم فيه امرأة شابة وحيدة لا حول لها , كانت نائمة في غرفتها .
.
لم يكن هذا مجرد حدث مثير ,وإنما فصول مسرحية كاملة . لكنّ الأمر كله سخيفٌ حقاً .لا يمكن أن يكون "غانون " قد خطف طائرة . ولماذا يفعل؟
وأخذت نسخة من الجريدة .
نظرت إلى القاموس في يدها , وجاءها الجواب على الفور .لقد سبق لها أن ذهبت إلى مخيمات اللاجئين وقابلت أطفالاً مثل "صوفي" وتحدّثت إليهم .
إنها ليست ابنته , بل لاجئة . لكن, لماذا يخطف رجل طائرة لكي يسرق طفلة من مخيم اللاجئين؟
كان الجواب واضحاً تماماً .لقد كانت هي هناك. وحملت الأطفال وبكت لأجلهم . حتى أنها تضرّعت إلى وكالة الإغاثة بأن يسمحوا لها بتبني واحد منهم .لكن , ما الفائدة؟ وكيف بإمكانك اختيار الطفل الذي ستساعده ؟ كان عمال الإغاثة قد شهدوا ذلك من قبل . وأقنعوها بالتخلّي عن الفكرة ,بلطف,
مؤكدين لها أنّ ما تفعله يساهم في مساعدة جميع الأطفال .
لكن"غانون" لم يسمح لنفسه بالتخلّي عن رغبته . وقد تصرف وفقاً لذلك . لكن , أن يسرق طائرة . . .!
بقيت تحدق بالصحيفة ,آملة العثور على ما يثبت خطأها. كان "غانون" يحب "صوفي" بإخلاص . بدا ذلك واضحاً في نظراته للطفلة , وفي نبرة صوته وهو يتحدث إليها بحنان بالغ . لكن, إذا قبض عليهما رجال الشرطة, فسيعيدون "صوفي" حتما إلى المخيم .لن يكون أمامهم خيار آخر.
- التالية .
عند سماع صوت موظفة الصندوق ,استيقظت "دورا" من تأملاتها
وقالت :
- آسفة .كنت أحلم .
- أتريدين الصحيفة؟
أتريدها ؟ يالسعادة الجاهل . في الساعات الماضية , كانت تظنُّ أنَّ مساعدة "غانون" هي عمل صائب . كانت في قرارة نفسها على يقين من ذلك . لكن, عليها أن تتأكد من أنه ليس مجرماً خطيراً هارباً من العدالة .
- نعم شكراً .
.
جلست في مقهى غريب وطلبت فنجاناً من القهوة , وقد استحوذت عليها أفكار تعيسة يائسة . ثم فتحت الجريدة وأخذت تقرأ . بالرغم من العنوان الكبير, وصورة الطائرة الصغيرة التي بدت مائلة قليلاً إلى الجانب , لم تعرض المقالة سوى الحد الأدنى من الحقائق:
(تبحث الشرطة عن سائق طائرة صغيرة بمحرك واحد اضطر إلى الهبوط في "مزرعة مارش" في الليلة الماضية . ومن المرجَّح أن تكون الطائرة مسروقة من أحد الحقول الخاصة خارج باريس , وقد أصيبت ببعض الخلل جراء الهبوط . وعند وصول رجال الطوارئ , كان السائق قد اختفى .
ويبدو أنه ولَّى هارباً سيراً على الأقدام .تطلب الشرطة المحلية من أي شخص رآه في المنطقة القريبة من مزرعة مارش الاتصال بها )
أما ما تبقّى من المقالة فكان مجرد تخمينات عن هوية قائد الطائرة. لم تقرأها لأنها كانت تعرف هويته حقّ المعرفة .
طائرة . لقد سرق طائرة . أي رجل هو هذا القادر على سرقة طائرة؟
كان الجواب واضحاً .هو رجل يائس .رجل قانط هارب مع طفلة صغيرة ..
"صوفي"! لم تعبأ "دورا" بشرب قهوتها .فوضعت بعض النقود, واختطفت أكياسها ثم ركضت .
أخذ "غانون "يراقب الشرطة وهي تحصر الكوخ ,وتتفحَّص المباني الخارجية ومخزن الحطب . سمعهم يطرقون الباب الخلفي ,كما رأى الشرطيين اللذين وقفا عند الباب الأمامي خوفاً من أن يهرب منه .دقيقة أخرى ويصلون إليه .
سمع , من مكانه ,صوت ارتطامٍ قوّي , كأَّنَّ الباب اقتُحم بالقوة .
بكت "صوفي" وأخذت ترتجف , فاشتدت ذراعاه حولها وهو يطمئنها بلطف . لن يتركها أبداً .لكنه , في قرارة نفسه ,كان مستاءً من حماقته التي دفعته إلى الوثوق ب"دورا" .كيف حلّت عليه كلّ تلك الحماقة؟
ألأنها نظرت إليه بعينين صافيتين وقالت إنها ستساعده ,صدقها كأيّ معتوه؟
.
***
عادت "دورا " مسرعة إلى الكوخ ,لتتوقف على بعد إنشات فقط من سيارة الشرطة . وكان باب الكوخ محطماً ومفتوحاً على مصراعيه .
شعرت برعب حقيقي .لقد قبضوا على "غانون" , وأخذوا "صوفي" منه .
هل سيقبضون عليها هي أيضاً بتهمة التواطؤ معه في الجريمة ؟ لكنّ صوتاً في داخلها أخذ يناقشها . . ألا تستحق هي ذلك فعلاً وقد عرًّضت نفسها للقبض عليها بتهمة إيواء رجل فارٍّ من العدالة ؟ إنها في وضع الآن لا تستحق لأجله سوى سخرية أخيها . لا يمكن لها أن تبرر ما فعلته بجهلها للحقيقة .فالجريدة , بعنوانها الرئيسي ,موضوعة على مقعد سيّارتها الخلفي.
فهل أسرعت إلى أقرب مخفر للشرطة للإدلاء بمعلوماتها ؟آه , لا . بل ذهبت للمصرف وقبضت شيكاً واشترت ملابس ل"صوفي" .
رباه, ما يمكن أن يحدث لها هي ليس هاماً ,لكن ما يمكن أن يحدث ل"صوفي" هو الذي يلهب فؤادها . فإذا سجنوا "غانون" , من تُراه سيرعاها ؟ ويكافح لأجلها ؟حتى إن تطلب ذلك أن تشغل بريطانيا كلها بمفردها . . . وأوروبا بأجمعها , لكي تبقيها سالمة .لكن إن هي سُجنت كذلك ,فلن تتمكن من مساعدة أحد .
أخذت ترتجف . لكن ليس لأنَّ فرصتها للنجاة بسيارتها باتت ضئيلة ,
بل جرّاء تصميمها العنيد . أعدت نفسها للقتال , وهي ترى رجال الشرطة يتوجهون نحوها .فلم تنتظر وصولهم ,بل نزلت من السيارة واندفعت إلى الباب المهشَّم .لم ترَ أي دليل على وقوع معركة, وكان كل شيء كما تركته.
.
فاستدارت تسأل ساخطة :
- ماذا حدث؟
لكنهم رجال شرطة , فهل ستكذب عليهم ؟ وفكرت في وضع اللاجئين المرعب في مخيماتهم , وفي "صوفي" .إنها ستكذب طبعاً , لأجلها : "من فعل هذا؟" .
كان صوتها يرتجف , لكّن ذلك لم يكن بالأمر السيِّء , لأنه ردة فعل طبيعية .
- آسف , يا آنسة . لكن لدينا معلومات بأنّ أحد الفارّين من العدالة قد يكون مختبئاً هنا .
فقطبت حاجبيها قائلة :
- فارّ من العدالة ؟ أتريد أن تقول إنّك أنتَ من فعل هذا ؟
فقال الشرطي الأكبر سناً :
- أنا الرقيب "ويلز" , يا آنسة ,وهذا الشرطي "مارتن" .
- لقد تقابلنا الليلة الماضية .
.
- نعم . حسناً , من الأفضل أن ندخل جميعاً إلى البيت .أريد أن أطرح عليكِ بعض الأسئلة . لن نتأخر . أحضر مشتريات السيدة يا "بيت" .
أظنها تحب تناول فنجان من الشاي أيضاً .
قالت بحدة :"هذا ليس ضرورياً . من سيدفع تكلفة كل هذا الخراب ؟" .
لم يُرهب كلامها رقيب الشرطة , لكنه أشار إلى الباب الخلفي , فدخلت متصلبة الجسم إلى غرفة الجلوس ,ثم استدارت تواجهه ببراءة تامة .
- أريد تفسيراً لكل هذا .
- الأمر يا آنسة يتعلق بتحرياتنا الليلة الماضية عن سبب انطلاق جرس الإنذار من دون سبب واضح .
- هكذا ؟
- علمنا من شركة السيد ماريوت الأمنيَّة أنَّ ماريوت وزوجته في الولايات المتحدة . وقالت السيدة المختصة بتنظيف البيت إنّها أُبلغت بأن البيت سيبقى خالياً لستّة أسابيع . لكن, عندما زارك الشرطي "مارتن" الليلة الماضية, تركتيه يظن أنك السيدة "ماريوت" . لذلك ,قد تفصحين لنا ,يا آنسة , عن شخصيتك الحقيقية وكيف حصلت على مفاتيح هذا الكوخ .
كان يتكلم بتهذيب بالغ ,لكنّ "دورا " لم يساورها أيّ شك في أنه يريد سماع الجواب على أسئلته .
.

 
 

 

عرض البوم صور mymemory   رد مع اقتباس
قديم 26-02-17, 11:00 PM   المشاركة رقم: 15
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Nov 2016
العضوية: 321995
المشاركات: 51
الجنس أنثى
معدل التقييم: mymemory عضو على طريق التحسين
نقاط التقييم: 93

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
mymemory غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : mymemory المنتدى : روايات احلام المكتوبة
افتراضي رد: أغنية كي يرحل

 

6- عناق باللوز والسكر

حدقت "دورا" بالرجل , ثم لوّحت بيدها باستعلاء , مشيرةً إلى الباب المهشم :
- أتعني أن كلَّ ما جرى الآن سببه أنّي لم أشأ, الليلة الماضية ,أن أضيّع وقت الشرطي "مارتن" بإصلاح خطأه عندما ظنَّ أنني شقيقتي؟
- شقيقتك؟
التفت إلى "مارتن". لقد قام الشرطي الشاب بعمله جيداً ,فلم تشأ أن تتسبَّب له بأي مشكلة ,لكن إذا وصل الأمر إلى حد المفاضلة بينه وبين "صوفي" فلن يكون أمامها خيار آخر . . لكن, لا ضرر من الاعتذار, وبشكل مؤثر أقرَّت بفعلتها :
- ربما كان عليّ أن أوضح الالتباس. لكنَّ الوقت
كان متأخراً جداً . . وكنت أنت مشغولاً جداً . .
وتابعت متناسية أنّه عرض عليها الدخول لتفتيش الكوخ : "أنا شقيقة "بوبي" . . "دورا كاڤاناغ" !
ومدّت يدها تصافح الشرطي حسب التقليد , فتردَّد لحظة ,
ثم صافحها :"إنني مسرورة جداً لأنَّ الفرصة سنحت لي لأشكرك على قدومك لتفقُّدي الليلة الماضية . إنه حقاً أمر يبعث على الاطمئنان الشديد أن يشعر المرء بمدى اهتمامك" .
أشارت إلى الباب قائلة : "أظنني شريكة في عصابة تستعمل كوخ شقيقتي كمخبأ . . . " .
أو محتجزة رغم إرادتك بواسطة رجل بائس .لقد رأيت الجريدة .
.
وأومأ إلى الصحيفة المحلية : "لم نستطع الاتصال بك تلفونياً ,ثم علمنا أنَّ الخطَّ مفصول . . ." .
- آه , لا ! لا أظنك اعتقدتَ . . . كم هذا محرج ! كان الأمر كله مجرد عبث . لقد رفعت الغطاء لأتفقَّد الشريط . . .
وهزت كتفيها بارتباك : "الأفضل أن أتصل بشركة الهاتف لإرسال مهنيّ لإصلاحه" .
فقال الرقيب: " هذه فكرة حسنة . هل تسكنين هنا بشكل دائم , يا آنسة "كاڤاناغ"؟ " .
- ليس تماماً . أتيتُ إلى هنا لبضعة أيّام فقط . إنَّ لندن ترهق الأعصاب نوعاً ما , فأعطتني "بوبي" المفاتيح قبل أن تذهب إلى الولايات المتحدة , لآتي إلى هنا إذا شئت الاستجمام .
كانت أختها قد أحضرت لها المفاتيح , قائلة :
- لم لا تمضين في الكوخ أسبوعاً أو اثنين أثناء وجودنا أنا و"ريتشارد" في أميركا ؟ لا أحد سيعرف مكانك هناك , ستجدين وقتاً كافياً للتفكير في ما ستفعلينه في المستقبل بهدوء تام . هل أخبرتك أن "فيرغس" سيأتي إلى لندن ليعيدك إلى " ماركورت" , لكي تبقي تحت نظره ؟ إنه دائم القلق عليك .
- دائم القلق عليّ! إن ما يحتاجه شقيقنا هو زوجه تثير قلقه حقاً .
ونظرت "دورا" إلى رجلي الشرطة وهي تتذكر كلمة أختها(هدوء تام).
- حسناً لن أؤخركما طويلاً , أيها السادة . أظنكما حريصين على القيام بأعمال أكثر أهمية.
لكنهما لم يتحركا : "هل بإمكانك أن تثبتي أنك شقيقة السيدة "ماريوت"؟ " .
حدقت بالرقيب قائلة :"هذا صحيح , إن كان ذلك ضرورياً " .
.
لم يجب , فشهقت قائلة : "لا أعتقد أنك ما زلت تظن أنني أخفي ذلك الرجل ؟".
فقال "بيت": لا . . .لا. . ." .
لكن الرقيب لم يبد بمثل هذه الثقة .
- إنهم لم يتحدثوا عنه كثيرا في الصحيفة .هل هو رجل خطير حقاً؟
تظاهرت بالخوف.ولم يكن ذلك صعباً, لأن خوفها كان شبه حقيقيّ.
- نحن لا نعلم هُويَّته ,يا آنسة"كاڤاناغ" . لكنّه قد يكون لصاً .
أخذ الأكياس البراقة من على الأريكة وألقى نظرة على محتوياتها :
- كنت مشغولة , كما أرى .يبدو أنك اشتريت المتجر بأكمله .من هو الطفل المحظوظ ذاك ؟
فقالت أول شيء خطر في ذهنها :"ابنة أختي" .
- ابنة أختك ؟ لم أكن أعرف أن للسيد والسيدة "ماريوت" أولاداً .
- هذا صحيح إنها ليست ابنة أختي تماماً ,بل ابنة أخت زوجها "لوري" . وهي تعيش في الجانب الآخر من القرية .أمها هي "سارة شيلتون" ,وزوجها يملك عدداً من الشركات . . .
فقال الشرطي "مارتن" بحماسة :
- أنا أعرف من تكونين . أنتِ تلك المرأة التي كتبت عنها جميع الصحف . سيدة المجتمع التي كانت تساعد اللاجئين .
وفجأة , ارتسمت ابتسامة عريضة على وجه الرقيب :
- طبعاً لقد شعرت بأنني رأيتك في مكان ما .
بدا الكدر على وجهها :
.
- لا تقل إنَّك ظننتَ نفسك قد رأيت صورتي من بين صور المطلوبين من العدالة . لا عجب في شكوكك .
ضحك الرقيب , لكن , كما لو أنَّها لم تبعد عن الحقيقة , وقال :
- بكت زوجتي حين رأتك على شاشة التلفزيون . لا أدري إن كنتُ أستطيع أن أحصل لها على توقيعك .
- يسرني ذلك .
نظرت حولها تبحث عن شيء مناسب , وهي متلهفة إلى رحيل الرجلين . عادت بعد لحظات وناولت الرقيب ورقة من دفتر ملاحظات أختها, وقد وقعت عليها اسمها . ثم أدركت أن "مارتن"
يحدق إلى شيء ما , فخارت قواها . ماذا تراه رأى؟ كان القاموس الذي اشترته . ووضعته مع الثياب في الكيس , فانزلق منه عندما ألقى به الشرطي على الأريكة .
قال برهبة :"حتى إنك تتعلمين اللغة ؟" .
تمكَّنت من افتعال الضحك . نعم, تمكَّنت من ذلك حقاً :
- ليس تحديداً . لكنّي ظننت أنّ ذلك قد يفيدني أثناء رحلتي القادمة .
.
* * *
أغلقت "دورا" الباب الخلفي خلف رجلي الشرطة , ثم استندت إليه بضعف. لقد ظنَّت أنهما لن يخرجا أبداً . كان جهاز"مارتن" اللاسلكيّ هو الذي قطع حديثهم في النهاية . فقال وهو يتجه نحو الباب :
- إنهم يطلبون منا العودة إلى المخفر , يا حضرة الرقيب .
- سأخرج حالاً .أنتِ بحاجة لمن يصلح لك الباب يا آنسة "كاڤاناغ".
- لا تقلق .لديّ من أستدعيه لذلك .
- نعم . حسناً ,إذا شاءت أختك أن تقدم شكوى , يمكنها أن تملأ ورقة رسمية لهذا الغرض في المخفر .
- لا أظن ذلك . كنتما تؤديان الواجب لا غير .
- الحقيقة أننا كنا مهتمين بسلامتك . ظننا أنه سرق سيارتك , وأنك قد تكونين مصابة , أو أسوأ من ذلك ربما .
- حسناً , إنني , كما ترى, في أحسن حال .
لكن ,أين"غانون" و"صوفي"؟
- إذا اشتبهت في أي أمر , اتصلي بنا , يا آنسة "كاڤاناغ".
- بكل تأكيد .لا بد أن رجلكم المطلوب قد ابتعد أميالاً الآن .
- هذا ممكن. لكنَّ المجازفة ليست من الحكمة في شيء .
- لن أجازف .إذا رأيت شيئاً سأتصل برقم 999 دون تأخير .
.
- إذا حدثت حالة طارئة , لا تترددي .وهذا هو رقم مخفر الشرطة المحلية .
أخرج بطاقة كتب عليها اسمه ورقم المخفر, وقال :"ثم استدعي شركة الهاتف وأصلحي جهازك , أو أستدعيهم أنا إذا شئت .
وأشار إلى الهاتف الخلويّ الموضوع على الأريكة :"هذه الأشياء تخذلك عند الحاجة الماسة اسأليني أنا عن ذلك . .".
أخذت منه الهاتف وفتحته , قائلة:
- هذا جيّد . سأقوم بذلك على الفور.
- حسناً, إن ساورتك أيّ شكوك , اتصلي بي في المخفر فآتي حالاً.
ثم ناولها البطاقة .
- هذا لطف منك .
ودعتهما حتى السيارة, وكانت قطرات ثقيلة من المطر قد بدأت تتساقط. لكنَّها وقفت تنظر إلى "مارتن" وهو يعود بسيارته إلى الخلف ثم يستدير حول سيارتها "الميني" بعناية ملحوظة .وظلَّت تراقبهما إلى أن ابتعدت السيارة ودخلت الطريق العام مسرعة باتجاه القرية .عند ذلك فقط عادت إلى الكوخ ,تشعر بساقيها تهتزان , وهي تغلق الباب خلفها. ثم استجمعت قواها أخيراً, وصاحت:
- "غانون" لقد ذهبوا. (تردد صدى صوتها في المنزل الخالي. فصعدت السلالم "غانون" (وفتحت الأبواب لا أدري أين تختبئ, لكن بإمكانك أن تظهر الآن.
ساد الصمتُ . . ولا شيء آخر.
.
دخلت الغرف التي فتّشها رجلا الشرطة. لكنها كانت واثقة, بشكل ما, من أنه سيبرز من تحت السرير :"غانون"! .
دخلت الحمام الذي استعملته سابقاً , ورأت الموسى على الرف. لم يكن هذا عملاً حذراً, لكنها لم تكن تتوقع أن تفتش الشرطة البيت.
نظرت إلى الهاتف الخلويّ الذي لا تزال تحمله بيدها. لقد أخذته من يد رجل الشرطة دون تفكير. وكان هو قد التقطه من على الأريكة وناولها إياه, وأدركت فجأة ما يعني هذا.
لم يجب"غانون" لأنه ليس في الكوخ. لقد عثر على الهاتف, فظنّ أنها غدرت به. لا عجب أن الشرطة لم تقبض عليه.صرخت قانطة:
- آه . ."جون"! .
وعندما ازداد هطول المطر بغزارة على النوافذ, أسرعت تهبط السلالم. عليها أن تجده, أن تجد"صوفي" الصغيرة. إنَّ"غانون" قادر, دون شك, على العناية بنفسه, لكن يجب أن لا تكون "صوفي"خارج البيت في مثل هذا الطقس الممطر وهي مصابة بالسعال. ستصابُ بالتهاب رئويّ. وقد تموت أيضاً, وسيكون هذا ذنبها هي. واختطفت معطف"بوبي" المعلق خلف الباب وخرجت تحت المطر. في أي طريق تراهما ذهبا؟
إن كان قد علم مسبقاً بقدوم الشرطة, فإنَّه سيتوارى بعيداً عن الطريق, وعن الكوخ. دارت حول المخزن وأخذت تنظر حولها. كانت الأجمة أول مخبأ ممكن بعد الحقل, ومن ثم ممر قديم يؤدي إلى القرية.
من المحتمل أن يسلك هذا الطريق إذا أراد بلوغ شبكة المواصلات.
وبالنسبة إلى رجل بإمكانه القيام بسرقة طائرة, فإنَّ الاستيلاء على سيارة ليس بالأمر الصعب. لكن لديه الآن ما يكفي من المتاعب. لا يعني هذا أنها تهتم بما قد يحدث له, بل كان اهتمامها منصباً على"صوفي" .
.
عادت إلى الكوخ, وأخذت حقيبتها وأكياس الملابس التي اشترتها ل"صوفي", ثم ألقت بها على مقعد سيارتها الخلفي وخرجت بها إلى الطريق.
* * *
كان"غانون" رافعاً ياقة سترته للاحتماء من العاصفة المفاجئة, وقد خبَّأ"صوفي" تحتها وهو يسير ببطء, بعد أن تعب من الركض في الحقل .
لم يصدق مدى حماقته. كان عليه أن يستولي على سيارته ونقودها في الليلة الماضية ويولّي هارباً .وقف للحظاتٍ يتّكئ إلى جذع شجرة كي يستعيد أنفاسه بعد أن أثقله حمل"صوفي" . من تراه يخدع؟ لم يكن في الليلة الماضية, قادراً السير ميلاً واحداً دون أن ينام خلف المقود. لذلك, لم يكن أمامه خيار آخر سوى البقاء في الكوخ. قالت الطفلة باكية:
- "دورا" . أريد "دورا".
أخذ يلامس رأسها بعطف. منذ فترة كان هو نفسه يريدها, لكن الرجل الحكيم يتعلق بحلم واحد مستحيل في كل مرة.
* * *
سارت "دورا" بسيارتها على الطريق ببطء, تحدق بصعوبة عبر زجاج السيارة الذي راحت مياه المطر تنهمر عليه بقوّة. حاولت أن تتذكر اتّجاه ذلك الممر المؤدي إلى الطريق العام فرأت إشارة صغيرة خضراء وبيضاء تشير نحو أجمة نباتاتها مفرطة في النمو.اتّجهت نحوها وأوقفت السيارة .
.
من المحتمل أنَّها لم تره. فهي لا تعلم منذ متى ترك الكوخ, لكن الممرّ يلتف متعرجاً في الغابة. كانت قد سارت فيه في يوم من أيّام فصل الشتاء الماضي, عندما جاءت لتناول الغداء مع"بوبي". وإذا كان"غانون" لا يعرفه جيداً, فمن الجنون أن يسير فيه. كانت تعلم أنَّه إذا رأى سيارتها, سيظن أنَّها تنصب له فخّاً, وسيدخل فيه متوارياً عن الأنظار فيضل طريقه.
أبعدت سيَارتها وأوقفتها تحت شجرة عتيقة .لكن هذا الحلّ أيضاً لن ينفع. لأنه إن كان يظنها قد خدعته, فلن يقترب منها .
خرجت من السيارة, وأقفلتها, ثم جذبت المعطف فوق أذنيها وعادت راكضة نحو الممر الضيق. لم يكن له أيّ أثر. حسناً, لا أحد يسير في مثل هذه الطريق الضيِّقة الموحلة سوى رجل أحمق وهارب. لكن, إذا لم يأت هو إليها, عليها هي أن تذهب إليه.
كانت قد توغَّلت داخل الغابة مئة ياردة أو نحوها حين أخذت تناديه برقة : "غانون" . أنا "دورا".
بدا الصمت المسيطر في الغابة غير عادي. سارت في طريق صغير, ونادت :
- غانون . لقد ذهبت الشرطة. أنا لم أستدعهم. لم أستدع أيّ إنسان.
أريد أن أساعدك .
شعرت بالتوتر يتملكها. كانت واثقة من أن هناك من يراقبها. ظنت في البدء أنه "غانون",وأنه يتوخى الحذر. إن بإمكانها أن تفهم ذلك.
لكن, خطر لها فجأة أنه قد لا يكون "غانون". ربما لم يكن هو الذي سرق الطائرة. ربما هناك رجل آخر قانط حقاً, مختبئ من الشرطة وبمقدوره أن يفعل أي شيء لكي يتمكّن من الهرب. ثم شعرت بوجود أحد خلفها .
.
استدارت وهي تطلق صرخة رعب صغيرة فرأت شخصاً واقفاً في الممر الضيق .لم يكن "غانون" : "صوفي"! .
كانت "صوفي" , بجسمها الصغير ملتفّة بسترة رجل, وقد غطى الوحل قدميها العاريتين. لكن, عندما تقدمت إلى الأمام لتحمل الطفلة, وتأخذها إلى مكان دافئ آمن, شعرت بأحد يقبض عليها من الخلف. وامتدَّت يد رجل فوق فمها, وأخرى حولها ممسكة بذراعيها كي لا تتحرك. تمتم غانون :
- لا تحدثي صوتاً يا "دورا" .
ولم تكن لتستطيع ذلك لو أنها حاولت. كان بإمكانها أن تقاتله لكي تستعيد حريتها, لكنها لم تفعل. لقد تفهمت حذره. كان ممسكاً بها بحزم, لكنه لم يؤذها ولم تكن هي تريد أن تؤذيه, أو أن تخيف "صوفي". وهكذا بقيت جامدة تماماً. وظلّا على هذه الحال للحظات بدت بلا نهاية .
ثم أخذ يبعد يده عن فمها تدريجياً, وسألها :
- ماذا تريدين؟
أجابت بحذر
- لا شيء . كل ما أريده هو أن تكون "صوفي" آمنة. ركنتُ سيارتي في الطريق . ووضعتُ فيها ملابس لها وخمسمائة جنيه في جيبي, مع المفاتيح .
لم يقل شيئاً فتابعت تقول :"أنا أعرف أنك وجدت الهاتف الخلويّ, "غانون". وأنا لا ألومك لظنك أنني استدعيت الشرطة . لكنني لم أفعل. لم أستدع أحداً".
- لم لا؟
كانت نبرته مشكِّكةً, لكنّ قبضته عليها تراخت, فاستدارت تواجهه وقد مالت قليلاً إلى الخلف لترفع بصرها إلى وجهه. كان مبللاً بأكمله, وقد التصق قميصه وبنطاله بجسده. بدا متجهماً من شدّة الألم. عليه أن يكون الآن في الفراش, بدل أن يهيم وفي عهدته فتاة صغيرة .
.
أجابته قائلة :
- لأنني مجنونة . تحتلُّ أخبارك الصفحة الأولى في الجريدة المحلية. .لقد افترضتُ على الأقلِّ أنّها أخبارك. الطائرة المسروقة؟
قال عابساً :
- ليست مسروقة. بل استعرتها من صديق .
- بدون إذن منه , كما كنت تريد أن تستعير الكوخ.
- سأصلحها وأعيدها له, بحق الله, حالما أنتهي من تسوية أموري لكي تبقى "صوفي" هنا. سيتفهم "هنري" الأمر.
- مثل "ريتشارد"؟ لديك كثير من الأصدقاء المتفهمين, يا "غانون".
- كنت سأفعل الشيء نفسه لأجلهم, وهم يعلمون ذلك.
- ليس من داخل السجن. . .
.
والتفتت قليلاً إلى الوراء وهي تسمع صلصلة طوق كلب, لكنها توقفت وهي تراه ينحني يحمل"صوفي". لكن, عندما حبس أنفاسه من الألم, حملتها هي بدلاً منه. ثم رأت الكلب.
كانت كلبة صغيرة بيضاء وحمراء تقفز أمام سيدتها. وكانت الكلبة هي "بوني"وسيدتها هي مدبرة منزل "بوبي".
- إنها السيدة"فولر". يجب أن لا تراني, يا"غانون".لأنها ستعرفني.
حملت"صوفي" واستدارت لتركض, لكن"غانون" أمسك بخصرها وأدارها نحوه. وعندما ركضت الكلبة نحوهما, قافزة على قدمي "دورا", أمسك بوجهها بين يديه وعانقها.
أطلقت شهقة صغيرة, وحاولت الانفلات منه, لكن ذراعيه اشتدتا حولها وهو يضمُّها بخشونة.
حين أمسك"غانون" بها وعانقها, لم يكن يشغل ذهنه سوى فكرة واحدة, هي أن يخفي وجهها ويحميها من الخطر الذي جرّها إليه بغفلته . لكن, في الوقت الذي نادت فيه السيّدة"فولر" كلبتها بتوتُّر, تأمرها مسرعة بالسير خلفها, كان قد نسي كل شيء عن السبب المنطقي الذي دفعه لمعانقة "دورا". وضاع في بهجة شعوره بذراعيه تضمَّانها إليه ورائحة بشرتها الزكيّة والدفء الذي سرى في عروقه متحدياً برودة المياه المنهمرة عليهما.
.
تململت"صوفي" ففصلتهما أخيراً عن بعضهما البعض. وعندما تراجعت"دورا" إلى الخلف وقد احمر وجهها من الخجل, همست الطفلة ل"غانون" بكلمات لم تسمعها, فأسكتها محذراً.
- لا تسألي.
فرفعت"دورا" رأسها :
- لماذا؟ ماذا قالت؟
تجنب النظر في عينيها, ورأت الإحمرار يسري على وجنتيه هو أيضاً .
إذن, فالأمر يتعلق بعناقهما . ضحكت, لكنها لم تُلحّ :
- هيا بنا نذهب من تحت المطر .
أخذ "غانون" يحدق بوجهها. لم تكن غاضبة بل فرحة. لم يفته أن يلاحظ أنها بعد برهة, بادلته عناقه بحنان دافئ .
أشاح بوجهه. إنَّ استعارته كوخ صديق له أو طائرته كان أمراً معقولاً, لكن أن يستعير زوجته أمر آخر. ما من صديق متفهِّم إلى هذا الحد, حتى وإن كانت الزوجة شريكة في ذلك .قال :
- قد تعود الشرطة.
- ربما, لكن ليس قبل فترة. لقد شعروا بنوعٍ من الحرج لتحطيمهم الباب. أنا لم أستدعهما, يا"غانون" .
- لماذا أتى منهم إذن عدد كبير هذا الصباح؟
- عدداً كبيراً؟ منذ متى يُعدُّ اثنان عدداً كبيراً؟
- كان في السيارة اثنان ربما, لكن كان هناك عدد كبير في الشاحنة الصغيرة التي تبعتهما. وقد تمكّنت من الهروب في الوقت المناسب. لقد حاصروا المكان قبل أن يحطموا الباب ويدخلوا .سمعت ذلك من الأجمة.
- لم يذكر الاثنان اللذان كانا في انتظاري شيئاً عن هذا الأمر.
- هل أزعجوك ؟
.
- في الواقع, لا . ليس عندما عرَّفتهم بنفسي . لكن الخوف تملكني عندما أصرّا على الدخول إلى الكوخ .ظننتك موجوداً هناك.
- أي عذر قدّماه ؟
- قالا إنهما يتحريان حول جرس إنذار انطلق في الليلة الماضية.و....
- وماذا ؟
- يبدو أنهما ظنا أنني متواطئة معك.
كادت تذكر الالتباس الذي حصل حول هويّتها. كانت تعلم أن عليها
الاعتراف له بذلك , فهي لا تستطيع أن تدعه يظنّ أنّ زوجة صديقه تسمح لأيّ غريب بمعانقتها . لكنّ الوقت الآن ليس مناسباً .
لم تكن بعد مستعدة لذلك. وربّما يظن أنها تشجعه لمعاودة الكرّة مرّة أخرى .
نظر إليها, ثم قال :
- ربّما يعلمون أنني صديق لـ" ريتشارد". وفي هذه الحال , سيكون
الكوخ أول مكان يفكّرون في تفتيشه.
- وهل يعرفون من تكون ؟ لقد نفت ذلك الجريدة .
- قد لا يعرف الصحافيّون كل التفاصيل . ولكنّ الشرطة ربّما لديها فكرة, وقد يعودون . أنا آسف, يا "دورا". لقد تسببَّتُ لك بالكثير من الإزعاج.
- يمكنك أن تضيفني إلى قائمة أصدقائك ولن تقلق بعد ذلك بسبب هذا. وما من داع أيضاً لأن تقلق بالنسبة إلى الشرطة , فنحن لن نمكث في الكوخ . أنا عائدةٌ فقط لأحكم إقفال الكوخ , ثم نذهب إلى شقتي في لندن .
شقتها؟ لماذا لم تقل ( شقتنا )؟
وصلوا إلى السيارة ,وانتظر إلى أن فتحتها ثم أجلست "صوفي" في المقعد الخلفي بعد أن دفعت الأكياس على الأرض. وقالت له :
- يوجد دمية في أحد الأكياس . لم لا تعطيها إيّاها ؟
.
عثر على الدمية ووضعها في يد "صوفي" التي نظرت إلى "دورا" وابتسمت بخجل وهي تتمتم ببضعة كلمات. حثت ذاكرتها فوجدت نفسها تقول باللغة الغرازنية أهلاً وسهلاً).
سألها "غانون" والشك يكسو ملامحه:
- من أين تعلمت هذا ؟
هزت كتفيها:
- سبق أن ذهبت إلى غرازنيا. أنا أفهم ما تحاول القيام به وأنا متعاطفة معك. صدقني, ليس عليك أن تكذب علي, أدخل بحق الله قبل أن تنهار .
اتجه نحو باب السائق, لكنها قالت بحزم :
- أنا من سيقود .
نظر إليها مفكراً ولم يجادلها. بل صعد إلى المقعد بجانبها حيث جلس متكوِّراً على نفسه بحيث تكاد ركبتاه تلمسان ذقنه . قالت له:
- يمكنك أن تحني الكرسّي إلى الخلف قليلاً .
فأحناها إنشاً أو اثنين .
انطلقت على الطريق لتقف بعد دقائق أمام الكوخ .
- يمكنك أن تجفف جسمك وتغير ملابسك ريثما أحاول إغلاق الباب .
لم يضيّع الوقت . وحين عاد وجدها تحمل الهاتف الخلويّ وتحاول أن تطلب رقماً. حدّق بها لكنها تجاهلته وتابعت عملها .
.
- "سارة"؟ أنا "دورا". كيف حال "لوري"؟
اعتادت "سارة" إطالة الحديث عن ابنتها وذكائها وجمالها, لكنّ "دورا" كانت على عجلة من أمرها:
- هذا رائع. قبليها عني. " سارة ", عزيزتي .لا أدري إن كان بإمكانك أن تقومي بخدمة لي. تحطّم الباب الأمامي للكوخ بسبب حادث بسيط , وهو بحاجة إلى نجار وشخص لإصلاح القفل بسرعة . كما أن الهاتف معطل هو أيضاً .
وابتسمت لـ " غانون" وهي تضيف :" فليباركك الله يا حبيبتي. أرسلي إليَّ قائمة بالحساب".
أنهت المكالمة ثم نظرت إلى "غانون"في تأمُّل :
- أتعرف "سارة" ؟
- أخت "ريتشارد"؟ رأيتها مرة واحدة .
- إنها ماهرة في إصلاح كل شيء. كان عليك أن تزورها هي .
- لم أكن أنوي زيارة أي شخص يا "دورا".
- كل شخص يعاني من مثل ما تعانيه أنت هو بحاجة إلى تلقي كل عون يستطيع الحصول عليه . هل نذهب؟
.
- كان مرافقاً فظيعاً , يجفل كلما أسرعت في السير . وكانت هي سائقة مغامرة فراح يصرخ أحياناً وهي تدور عند المنعطفات بسرعة بالغة. خاصة عندما
أخذت تسابق سيارة سوداء على منعطف خطر, وفازت .
- لا بأس , يا "غانون" . يمكنك الآن أن تطلَّ برأسك بأمان.
تمتم حمداً لله .
- هل تقودين دائما بهذا الشكل ؟
- أي شكل؟
كانت ملامحها تعكس براءة خالصة لكنها لم تخدع "غانون" لحظة واحدة. وعادت تعذبه ذكرى عناقهما الدافئ.
- هيا , يا حبيبتي.
وأمالت مقعدها إلى الأمام وأخذت تلاطف " صوفي " لتخرج من السيارة. لكن المشكلة أن "صوفي" كانت طوال الرحلة تعبث بالأكياس وترتدي كل ما استطاعت إخراجه , ولم تتمكّن من ارتداء أيّ من الثياب بشكل صحيح . قال "غانون":
- الأفضل أن أحملها.
- هذا هراء , إنها بخير.
وأجلست الطفلة على الرصيف :"حسناُ, قد لا تكون بخير ولكنها استطاعت ارتداء المعطف" .
ثم حملتها "دورا" وعانقتها : "إنها تبدو رائعة . سآخذها أنا إذا استطعت أن تحضر الأكياس" .
قال الناطور : " مساء الخير, يا آنسة "كاڤاناغ" " .
دخلوا إلى الردهة المبنى كاللاجئين القادمين من سوق خيرية.
- هل أستطيع تقديم المساعدة ؟
.
- لا . نحن بخير ,يا "براين". لكنّي سأكون شاكرة إن أحضرت لي علبة حليب.
- نعم , سأحضرها لكِ مع بريدك طالما أنَّ يديك مشغولتان .
- شكراً لك. آه, براين , إذا سأل عني أحد فأنا غير موجودة في البيت وأنت لا تعلم مكاني .
- كان السيد"فيرغس كاڤاناغ" يسأل عنك يا آنسة . لقد اتصل بك عدة مرات . أظنه يعتقد أنك في بيتك يا آنسة ولكنك لا تجيبين على الرسائل التي يتركها لك على المجيب الصوتي.
- سأستمع إليها عندما أدخل. لكن , حين أقول إنني لست في البيت,
فأنا أعني هذا تماماً .خصوصا بالنسبة إلى أخي.
تجنب"براين" النظر إلى "غانون" عن كثب .
- نعم يا آنسة. لن يزعجك أحد.
تبعها "غانون" إلى المصعد متجهماً بعض الشيء .
- سيظن أنَّك تقيمين علاقة غرامية .
- ربما . لكنه لن يخبر أحداً.
- يبدو أنك واثقة من ذلك بناء على تجارب سابقة. أليس كذلك ؟
التفتت إليه :
- يا إلهي ! كم أنت فظ يا "غانون" ! لا تنس أنّي شريكتك في كل جرائمك . يمكنك على الأقل أن تظهر قليلاً من التهذيب.
- إنه مكان جيِّد .
كان يحاول أن يلاطفها , لكنها نظرت إليه وهي لا ترى ذلك كافياً.
السبب ربّما أنَّ رأسه يكاد ينفجر بالأسئلة .أسئلة كانت تبعد مشاكله عن تفكيره.أضاف "غانون" :
- في المرَّة الأخيرة التي رأيت فيها " ريتشارد " كان يسعى جاهداً للخروج من مشكل مالية عديدة. وكان هذا سبب ترك " إليزابيث" له.
.
- لقد تركته لأنها تزوجته لأجل لقبه, واكتشفت, بعد فوات الأوان, أنه لا يملك مالاً يتناسب مع اللقب .. كان عليها أن تصبر, لأن الأمور تحسنت بعد أن فضلت عليه صاحب المصرف .
- يمكنني أن أفهم ذلك .
خرجوا من المصعد إلى الطابق العلويّ. وضع الأكياس في الردهة ثم نظر من الباب المفتوح إلى نافذة جميلة تطل على النهر.
خطر له أنّ " ريتشارد ماريوت" في الواقع ناجح جدا هذه الأيام بلا شك, لأنّ الاحتفاظ بزوجة مثل "دورا" يُعد ترفاً يكلفه غالياً .
لكنَّ هذا لا يعني أنّ تحسن وضعه المالي قد نجح في جعل عروسه سعيدة, إذا أخذنا في الاعتبار الطريقة التي تجاوبت بها مع عناقه.
.

 
 

 


التعديل الأخير تم بواسطة Rehana ; 19-03-17 الساعة 07:11 PM سبب آخر: تغيير لون المشاركة لتسهيل القراءة
عرض البوم صور mymemory   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
ليز فيلدينغ, أغنية .. كي يرحل!, احلام, his little girl, دار الفراشة, liz fielding, روايات, روايات مكتوبة, روايات احلام, روايات احلام المكتوبة, روايات رومانسية
facebook




جديد مواضيع قسم روايات احلام المكتوبة
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 01:31 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية