أظهرت نبرتها تهكماً عميقاً وهي تخرج محاولة إقفال الباب فصاح فيها :
_لا!لا تقفلي الباب دعيه مشقوقاً وأبقي بقربه !
رفعت بصرها تحدق إليه دون أن يطرف لها جفن لكنه لم يتحرك قالت بهدوء :
_حسناً هناك كمية كبيرة من الماء الساخن وكذلك المناشف والشامبو .
أخذ يتجرد من ملابسه داخل الحمام فيما هي جالسة على الكرسي فجأة أطلق صرخة ألم وقفت دورا في مكانها وقالت بلهفة من وراء الباب :
.
_أنت مصاب ! أتراك حطمت سيارتك؟ هل "صوفي" مصابة أيضاً؟
_لا تفزعي يا "دورا" استريحي"صوفي" بخير وأضلعي ستشفى بنفسها في الوقت المناسب
_حقاً؟أما كان عليك أن تذهب إلى المستشفى ؟ سآخذك بسيارتي ...
_أنا واثق من أنك ستفعلين ذلك لكن صدقيني كل ما تحتاجه الأضلع المصدوعة للشفاء هو الزمن إنني أتحدث عن خبرة
_آ ....(وعادت إلى كرسيها).
ناداها قائلاً:
_تكلمي معي يا"دورا" أريد أن أعرف أنك هنا .
_ليس لدي ما أقوله لك .
_غني إذن .
تغني؟ أتراه مجنوناً؟ هل يريدها أن تغني له؟ فقالت :
_أنت الذي تغني لأنك الذي يستحم .
توقف صوت الماء فجأة وجاء صوت "غانون" آمراً :
_أظننا اتفقنا أنيّ أنا من يعطي الأوامر يا"دورا" إما أن تغني أو تدخلي معي إلى هنا ألا تحسنين الغناء؟
كادت تبتسم فقد كان عجزها عن حفظ النغم مدار مزاح الأسرة لكنّها تستطيع القيام بذلك إن استطاع احتمال سماعها وهكذا أخذت تغني واضعة كل مشاعرها في أغنية بدت لها تناسب خاطف أطفال )أرجوك . . . أتركني !).
وعندما ارتفع صوت الماء ليغطي صوتها ,صاح يقول :
_ارفعي صوتك .
أطاعته وطغت على مشاعرها روح الأغنية واستمتعت بذلك بحيث لم تدرك أن صوت تدفق الماء قد توقف.
_عندما تنهين اغنيتك , هل يمكنك أن تناوليني منشفة ؟
أوشكت أن تقول له أن يأخذها بنفسه , لكنها انتبهت الى أن ذلك يعني أن يخرج من الدوش عارياً . قفزت واقفة وجذبت منشفة ودفعتها اليه بقوه على امتداد ذراعها
_ شكرا
.
بعد ذلك بلحظات , خرج من الحمام وقد التف باحتشام , من خصره حتى كاحليه , بملاءة عنابية اللون .
التقط منشفه اخرى وأخذ ينشف بها شعره
سألها :
_أخبريني يا "دورا" . أين تعلمت الغناء بهذا الشكل السيء؟
_تعلمت؟
_ لايمكن لا أحد أن يغني بمثل هذا النشاز المتواصل دون أن يتلقى دروساً خاصة به
_ أظن انها موهبة من الله بلا شك
_ اسمحي لي اذن أن أقول انك موهوبة تماماً . ماذا كنت تفعلين قبل أن تبدأي بتأسيس بيت مع "ريتشارد" ؟ كيف تعرفتي اليه ؟
فقالت صادقة :
_قدمتنا شقيقتي الى بعضنا البعض . وقد جعلني انشاء البيت مشغولة على الدوام , أتريد استعارة موس للحلاقة؟
.
مّر على ذقنه بيده ونظر في المرآة . كان واضحا أن مارآه لم يسعده , سألها مشككاً :
_هل يعنيك هذا الأمر؟
فرفضت استفزازه لها :
_ أنا واثقة أنك ستكون أكثر ارتياحا بموس ريتشارد , ما دمت صديقاً قديماً له .
_ أظنه أخذه معه .
ولم يكن خطر هذا ببالها .
_ قد يكون لديه واحد احتياطي.
_ألا تعلمين؟
ربما كانت تعلم لو كانت زوجته حقاً لكنها لم تستطع أن تتصور "بوبي" تزعج نفسها بمثل هذة الأمور . ذلك أن أختها لم تكن ربة بيت , لكن ريتشارد لم يتزوجها لأجل مؤهلاتهاالبيتية .
همّت بالأنصراف , لكنه مد يده وأمسكها :
_ أين تذهبين ؟
.
_ لأحضره من غرفة "ريتشارد" ... أعني من غرفتنا ... لن أغيب دقيقة , أو تفضّل أن تطيل لحيتك للتنكر.
_ لا لاحاجه بي للتنكر
_حقاً ؟ هذا أفضل , لأن اللحيه لاتناسبك . سأستمر في الغناء , إذا شئت , لكي تسمعني
_افعلي أرجوك . إنما بهدوء , كي لاتوقظي "صوفي" فقط... غيري شريط التسجيل
_ ألم تعجبك الأغنية؟
لم تنتظر جوابه , بل ذهبت وهي تغني الأغنية نفسها , إنما بصوت خفيف . بينما راح يبتسم رغماً عنه
تابعت "دورا" الغناء والترنم بدون نغم وهي تبحث في خزانة حمام "ريتشارد" و "بوبي" لتجد أخيراً , وقد تملكها الارتياح , موس وصابون حلاقة وفرشاة حلاقة قديمة الطراز .
وعندما خرجت من الحمام , رفعت صوتها قليلاً بالغناء , وأسرعت عائدة الى غرفتها حيث لا تزال "صوفي" مستغرقة في نوم عميق . كان هاتفها الخليوي في حقيبة يدها . وساورها شعور بأن "غانون" سيغير عليها سواء عاجلاً أم آجلاً , لأجل المال أو بطاقة الرصيد أو مفاتيح السيارة , أخرجت الهاتف وهمّت بفتحه عندما انتبهت الى ظل "غانون" على السرير .
_ ماذا تفعلين ؟
قفزت يملأها الشعور بالذنب واستدارات تواجهه , ويداها خلف ظهرها:
_ لقد أفزعتني !
_ توقفت عن الغناء !
_ نعم ( أخذ قلبها يخفق بسرعه بالغة وهي تدس الهاتف تحت الأغطية).
_أنا .. ظننت أنني سمعت صوت "صوفي" تبكي, فلم أشأ ازعاجها بالطبقه العليا من صوتي
_لاتملكين طبقة صوت عاليه . ثم هل كانت تبكي حقاً؟
كان يرتدي بنطال ريتشارد ولا شي غير ذلك.
نظر الى الطفلة النائمة وسأل:
_أكانت تبكي ؟
_كلا. لابد انها الريح
سرّهاأنه لم يكن ينظر اليها , والا لعلم انها كاذبة . عاد ينظر اليها لكنّه لم يقل شيئاً , وإنما دار حولها ببساطة وانحنى فوق "صوفي" مسوياً الغطاء على جسمها .
.
حبست "دورا" أنفاسها عندما أخذ يسوي الملاءة السفلى. لابد أنه سيرى الهاتف , أو ربما ستستيقظ "صوفي " وتشعر به .
قالت "دورا" , راجية صرف اهتمامه : يبدو أن توهج وجهها قد تبدد أتظن أن حرارتها انخفضت ؟
وضعت يدها على جبين "صوفي" وأزاح "غانون" الملاءة ليلمس صدغ الطفله بأصابعه . ثم أوما مجبيا :
_أنها بحاجة فقط الى الراحة لكي تشفى .
_وهل ستحصل على ذلك أثناء السباق معك في الحقول تحت العاصفة الرعدية ؟
ورجت أن يكون الهجوم خير وسائل الدفاع ,
أجاب ملتفتاً اليها :
_ لا وهذا هو سبب أحضاري لها الى هنا . حسنا , أين هو ؟
جمدت في مكانها :
_"ماهو"؟
_ الموس .
ظنت ,لشعورها بالذنب , أنه يعني الهاتف الخليوي. وجاهدت كي لاتنظر الى السرير . لقد نسيت كل شي عن عدة حلاقة "ريتشارد"
_هاهو الموس !
.
وأشارت الى المنضدة بجانب السرير , ثم اتجهت نحو الباب , متلهفه الى إخراجه من الغرفة لكنه أوقفها :
_ لابأس , يا "دورا" يمكنني القيام بالأمر هنا .
وأخذ وعاء الصابون والموس والفرشاة , ولم يبدو عليه أنه لاحظ شيئاً.
_ لاسبب يمنعك من العودة الى النوم الان .
نظرت اليه بدهشة :
_أتريد مني العودة الى النوم ؟ لابد انك تمزح
قال باسما :
_" مادام سلوك حسناً, فأنتي آمنة تماما . لكن , مادامت "صوفي" احتلت سريرك , ابقي معها ان كان هذا يخفف من شعورك بالعجز"
_ ألا تريد البقاء معها ؟
_أنا واثق من رعايتك التامة لها , يا "دورا" . سأستلقى على الأريكة في الطابق السفلي.
لكنه لم يكن مستعجلاً في الخروج . ومد يده خلفها وتناول حقيبة يدها .
_لكنك لن تمانعي اذا أخذت هذة معي , أليس كذلك؟ من باب الأحتياط فقط.
هزت رأسها بصمت . كادت تفقد بسهولة اتصالها بالعالم الخارجي لو انها لم تنتهز الفرصة التي سنحت لها ...
_ لا. وخذ منها ماتشاء .
_ أرجو أن لا أضطر لذلك. لكن اذا فعلت , فسأترك لك وصلاً بدين لأي شيء آخذه.
.
قالت مبدية المرح:
_ هذا عظيم . ما من مشكلة . خذ ماتشاء .
فليذهب الى حيث يشاء , مادام سيخرج من هنا . كانت "دورا" واثقه من أن أختها ستتفهم الأمر , ويمكن "لغانون" أن يشرح "لريتشارد" كل شي عندما يقابله.
نظرت الى السرير . اذا مكثت مع الطفلة, لن يستطيع "غانون" التسلل خارجا بها . وعندما ينزل الى الطابق السفلي ستتمكن من اخراج هاتفها وطلب العون .
سألها وقد بدا غير مستعجل للخروج :
_ أتريدنني أن أسوي الأغطية فوقك, ما دام "ريتشارد" غير موجود؟
شعرت بوجنتيها تتوهجان :
_ أظن بامكاني القيام بذلك بنفسي . شكراً على كل حال . هل لك أن تغلق الباب خلفك؟
لم يتحرك .
_أرجوك.
هز كتفيه ثم توجه نحو الباب , وعندما فتحه التفت اليها :
_هل تريدين, عند استيقاظك من النوم , شاياً أم قهوة ؟
وعندما أصدرت صوتاً غاضباً ,قال:
_انني , فقط , أحاول أن أكون ضيفاً شهماً
.
_ الشهامة الفضلى هي أن تخرج الان .
_آسف , يا "دورا" . لايمكنني أن أكون شهماً الى ذلك الحد . "صوفي" بحاجة الى نوم مريح .
_ لماذا لا تخرج اذن وتتركنا في سلام ؟ سأتولى العناية بها .
تشابكت عيناهما لحظة طويلة
_ حقاً؟ لقد جئنا معاً , يا "دورا". لايمكنك أن تفصلي الواحد منا عن الآخر . حاولي ذلك وسوف تجدين اني أكثر ازعاجا مما تطيقين .
ثم أغلق الباب وتركها في الظلام .
لم يكن هذا صحيحا , في رأيها . لقد أبعدت الشرطة بالفعل , لكنها بحاجة الى نوع من العون يخرجها من هذا المأزق .
مالت على حافة السرير وأخرجت الهاتف من مكانه بحذر بالغ حابسة أنفاسها عندما تحركت "صوفي" في نومها . أن أي صوت يصدر من الغرفة قد يعيد "غانون " الى الغرفة .
أمسكت الهاتف بيد مرتجفه , ثم ضغطت الأزرار لتفتحه . لاشيء ... حاولت مره أخرى . لكن عابثاً! كانت البطارية فارغة تماماً.