كاتب الموضوع :
لَحَّنْ
المنتدى :
الروايات المغلقة
رد: آمالٌ كفيفة / بقلمي
*
-3-
الرياض .
10:11 مساءاً .
تزاحمت المشاعرُ في فؤادي وأنا أدفعُ باب " الفيلا " لتحُطَ قدمِي اليُمنى أولاً على بساطٍ أخضرٍ فرشَ الفِناء الفسيحَ للمنزل .
إحساس مُتقلب مابين اشتياقٍ وغل , ومابين لهفةٍ و مقت .
أبصرتُ الحديقة أمامي بعدَ أن أغلقتُ الباب من خلفِي.
[ لم أركِ منذُ مدةٍ يا شريكةَ فكري ! ]
كانَ هذهِ ترحيبي لهذه الحديقة التِي كُنت أأوي لبساطها حينما تختلطُ أفكاري الكثيرة .
عن يميني مجلسُ استقبال ضيوف والدي والذي كان عبارة عن " بيتُ شعَر " كبيرٌ وواسع .
وَ حوضُ زهورٍ فاتن علىَ أحدىَ الجوانب الخضراء , وجلساتٌ مترامية هُنا وهُناك , بينما في كُل ركنٍ من أركان هذه الباحة الجميلة نخيلٌ ناضجُ الثمار , وأخيراً عن يساري مُلحقٌ شاسع يحوي حوضُ سباحة كبير .
سميتُ بالله وزافراَ كُل ألم يقتُل رُوحي , شدنِي في مرآب السيارات الذي لم يكُن عن الحديقة ببعيد سيارتِي التي هجرتُها منذُ برهةٍ من الزمن .
ما لفتني حقيقةً لم يكُن السيارةَ نفسها بل ما على السيارة , تركتُ حقيبتي بعجلة راكضاً نحوها باستغرابٍ وتفاجئٍ بانَ على تقاسيِم ملامحِي .
كانت نظيفة جداً كما لو أننِي منذُ قليلٍ غسلتهُا , هيكلهُا لامع وكذلك زُجاجها .. ناهيكَ عن أنها
مُزينةٌ في جوانبَ عدة بالورد الطبيعي والزينة اللطيفة .
كنتُ مذهولاً للحظة , ولم أكن أعلم أن هُناكَ أزواجاً كثيرةً من العيون تتربصني باسمةً تائقة .
-
-" ابعدّي خليني اشوف جا ولا لا " قالتها وهي تدفعُ الأخرىَ بقوة .
-" وش تشوفين بالله ؟ " بحدة وغضب .
-" أص يا حريم خلوا أبراج المراقبة تركز " قالهَا وهَو يغمزُ بعينهِ ناحية المتزاحمين عند النافذة الأخرى .
صرخَ أصغرهُم بحماس وهوَ يقفزُ الأرائكَ الواحدة تلو الأخرى " جــــــــاء "
ليتخبطَ الجميعُ بعد صراخهِ ركضاً هُنا وهُناك .
هذه تهتف بامتعاض " أص أص لا يطلع حسكم يا إزعاج "
وتلكَ تنطقُ من بين أسنانها " سوير حطي الشموع , عبد الإله خلك حولها "
تلفتتْ ريم يُمنةً ويُسرة بتوتر " وين ريــــان ؟؟؟ "
لتهتفَ أصغرهُن التِي وقفت على الأريكة المُساوية للباب في موضعها " راح يستقبله "
-
تركتُ سيارتِي والعجبُ في وجهِي قد برزَ ولاح , أعتقدُ أنه استقبالٌ ظريف من ريم , فليسَ شيئاً جديداً منها ..
لطالمَا كانت الألطف والأرق .
أنهَا في عينيّ
أسمىَ قصائدَ الوفاء
وأجملَ أرضٍ ربيعيةٍ بديعة
وأكرمُ غيمةٍ تهطلُ الغيثَ ولا تنقطع .
عدت لأخذ حقيبتي وأتوجه لباب منزلنا الداخلي ولأضغطَ بعدها الجرسَ مُنتظراً أختي تفتحُ لي الباب بكَل توق ولوعةِ شوق .
لم يدُم انتظاري طويلاَ حتى فُتحَ ليَ الباب ويطلَ عليَ أخي الأكبرُ ريان مُبتسما وهاتفاً
-" هـــلا هـــلا , اشتقنــا لك ياخــوي "
عانقنِي في خضم قهَري منهُ وحنقي فلم يكُن مني إلا الصمت .
تركنِي وسطَ صمتي ولم تغب عنِي ابتسامتهُ الخفيِة ليقولَ بعدها : ادري عتبان علينا عشان ماجينا ناخذك من المطار حسب اتفاقنا بس مثل منت عارف ..
قاطعتهُ بملل وأنا أنظرُ الفراغ بعيني الانزعاج : فيه أحد في البيت ؟
بعد أن أغلق الباب : أيه فيه بس ريم , أبوي في دبي وأمي عند صديقتها .
لم تكُن عبارتهُ الأخيرة أمراً غريباً فهذا نمطُ الحياةِ في منزلنا .
أبي دائماً مشغولٌ في علاقاتهِ والرحلات الدائمة وتجارتهُ التِي لم تبُور .
أما أمي فهيَ حريصة جداً على المظهر العام لهَا في العلاقات الاجتماعية التي تربطها بسيدات الأعمال
ونساء الطبقة المخملية ودائماً ما تكُون في اجتماعاتهِن والحفلات التِي يُقمنها .
سحبتُ حقيبتي بسكونٍ غاضب ماضياً ناحية الدرج إلا أن صوتَ ريان الهاتف استوقفني " ريــاض "
ألتفتُ لهُ بضجر ليشيرَ بيدهِ ناحية المجالسِ الفسيحةِ في مساحتِها والفاخرةِ في أثاثها وجدرانها : ريم هنا تنتظرك .
نظرتُ إلى حيثُ يشير بتوجس , لقد كان الظلام الحالك طاغياً علىَ المكان ! .
بصدمة " من جدك أنت ؟ "
ضحك بخفة " والله ! "
ناديتُ بقوة وأنا لا زلتُ واقفاً " ريــــــم ؟ "
ردَ عليَّ صدىَ صوتي ليتبعهُ صوتها : تعال أنا هنا .
تركتُ حقيبتي والاستغراب استولى على عقلي والترقُب على قلبي .
مشيتُ وخلفي ريان ناحيةَ المجلس الذي أتاني صوتها منه
وقبل وصولي هتفتُ لها
-" وش مجلسك بالظلام ! "
فلم أجد منهَا رداً سوى أن اختلطتَ عليَّ الوجوه لحظةَ دخولي
وتعالت الأصوات وتمازجت صُراخاً مرحِباً
فُتحت الأضواء لتكسر الظلمة البهيمة
تشابكتِ الأنوار في أحداقي لأضع ذراعِي أمام عينيَّ
لمحتُ عبد الإله ابنُ عمِي يُضئ الشموع التِي على الكعكة
ومن جانب آخر لم أشعر بنفسي إلا وأنا غارقٌ في الثلج الناتج عن رشْ ابنة عمي الصغيرة لمى وابنةَ خالتِي ضُحى وأختي ريم اللاتِي ميزتُهن رغم أنهن مُنقبات وبخمارهنَّ يقفن .
وها هُم أبناء أعمامِي جميعاً بمشاركة أخي ريان أكملوا المهمة عن لمى وريم وضُحى .
رغم المقاومة المُكافحة لهذا الهجُوم الكاسح إلا أني استسلمت
بعد أن انشرحت أساريري لهذه الحفاوة في الاستقبال
لم أقاوم انفجار ضحكتي التِي فقدتُها منذُ وقت لا أعلم مُدته .
لا أعلم كم من الوقت استغرقتُه وأنا أقهقه ما أعلمهُ أن مُقلتاي ذرفتْ دمعاً .
كانَ دمعُ فرحٍ أضناني اشتياقِي إليه .
نظرتُ لهم بعد أن أخذ الوضعُ من حولي يميلُ لانتظاري حتىَ أتحدث وأعبِر
وأعاتب وأشكر .
ففِي الجانب القاصِي من المجلس وقفن كُلٌ مِن أختي ريم وضُحىَ ومعهُن لمىَ
وأخرياتٍ مُنقباتٍ أيضاً أعتقد أنهنّ سارة ابنة عمِي و مها ابنةُ خالتِي والتي كانت مُمسكةً بآلة التصوير وأعتقد أنها تُسجل فيديو هذا الحدث .
وبالقُرب مني وحولي أخي ريان وأبناء عمي عبد الإله وعبد الرحمن وابن خالِي مُحمد وأخيراً أصغر فرد بيننَا أبنُ الرابعةَ عشرَ عاماً سلطان والذي هُو أخٌ لعبد الإله وعبد الرحمن .
سعُلت الضحكَ الذي فيني وقُلت بإحراج : يا أني كنت ناويكم نية من القهر اللي حسيته .
عانقَ أكتافِي عبد الإله ليقول غامزاً : هيا حبْ راسي لأني أنا اللي فكرت نسوي لك هالحال .
أتاني صوتٌ من بعيد عرفتهُ جيداً , صوتُ سارة التي كانت تنصُر ريم بقولها : كـذاب , ريم هي اللي خططت وقالت لنا .
بحدةٍ وغضب هتف عبدُ الإله والذي كان أخيها : ســوير , حسك لا أسمعه .. في حضرة الرجاجيل تسكتين ولا أسمع لك صوت .
حركَت يدهَا بعدم مُبالاة وكأنها تريدُ منه السكُوتَ فقط .
ألتفتُ مُبتسماً لسلطان الذي أقبل مُقبًّلاً رأسي : حقك علينَا , عاد أختك وتفاهم معاها .
ضحكتُ وأنا اعبثُ بشعره : ما شاء الله صرت تعرف تسولف مثل الرجاجيل .
رمقني بحنق وهو يبتعد : هيــن بس يا ولد العم .
هتفتُ عالياً : تعــال أمزح معاك .. وراك زعلت ؟
أنهَال عليَّ بعدهَا بقيةُ الشباب مُقبَّلين رأسي وكتِفي
وطالبين السماحَ لفعلتهم والوعد الذي اخلفوه .
كم كنتُ فظاً غليظَ القلب حينمَا أسأتُ ظُنِي بهم
لم يكُن لي لحظتها سوىَ الظاهر , فعذراً علىَ ما بدر مِني حقاً !
ناديتُ ونظراتِي تبصرُ جانباً أخر غير الذي هُن فيه : يعطيكم العافية يا بنات .
بأصواتٍ متتابعة " الله يعافيك , الحمد لله على السلامة "
أقبلت ناحيتي أختي ريم بعينين تلألأ فيهُما الدمع
قَبَلَتْ رأسي وكتفِي وبصوتٍ بُحَّ من شوقه : الحمد لله على سلامتك نورت الرياض .
عانقتهُا مُبتسماً : يعطيك العافية فرحتي قلبي والله .
ابتعدَت بصمت لتعُود للوقوف بجانبِ مها
لفتَ انتباهُنا سلطانٌ الذي قفز مُمسكاً السكين وبابتهاج رامقاً الكعكة : حان وقت الحبيبة .
ليأخذَ منهُ عبد الإله السكين مُمثلاً التحذير : لا يا ولد خطيرة ذي
وأردف بتهكُم : هاذي شغلات الحريم مالنا فيها
بأصواتٍ غاضبة و متفاوتة " أحلف , قول والله ! "
تقدمت ريم بسرعة ويبدو أن عبد الإله وأخيه أثارا غضبها : ابعد أنت وياه .
ألتفتت تمدُ السكين لي : يلا رياض قطع الكيكة .
تنحنحتُ مُعدلاً ياقة قميصي واخذ السكين منها لتتعالىَ الهُتافات .
وبابتسامةِ رضا ومسرّة وقلبٍ تغنّىَ بالمباهج والسَعد قطعتُ الكعكة المكتُوب عليها
" الحمد لله على السلامة رياض "
هتفَ مُحمد بحماس : يلا كلنا حول رياض
ثم ألتفتَ لزوجتهِ والتي كانت في الحقيقةِ مها : مها صورينا صورة جماعية .
-" طيب ترتبوا "
[ أمامِي كعكةُ استقبالي ومن خلفِي جنونُ عبد الإله وعن يميني مُحمد وريان
ويساري عبدُ الرحمن وسُلطان تتوسطهُم لمى الصغيرة التي أصرت مُشاركتنا الصورة , وجميعُنا أتسمنا بالابتسام ] .
شكراَ لمها التِي التقطت الصُورة ووثقتَ لحظةً تاريخية فِي حياتي لن أنساها ما حييت .
وشكراً للريم الأخُت الفُضلى والهدية الربانية لِي ولريان .
وشكراً للمحبة التِي غُمرت بها .
وأخيراً للأمل الذي شعرتُ أنهُ بدأ يُبصر .
يتبع !
|